رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني الفصل العشرين 20 | روايات سماح نجيب

 نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الجزء الثاني الفصل العشرون من روايات سماح نجيب ( سمسم )

رواية لا يليق بك إلا العشق 2 الفصل 20 | روايات سماح نجيب


 لا يليق بك الا العشق2 الفصل 20

ج٢–٢٠–” رهن إعتقال الخوف” هتف راسل بصرامة فى إثنتان من الممرضات بأن تأخذا ميس وتعملان على إخراجها من غرفة الجراحة ، فيكفى عويلها لهذا الحد ، الذى كاد يجعل ذهنه يتشتت ، وستكون الخسارة فادحة ، لذلك كان أمره صارماً ، حتى وإن كانتا ستعملان على جرها للخارج ، وأشار للطبيب المساعد بأن ينتبه لكل أوامره حتى يمر الأمر بسلام ، فحياة زوج إبنة شقيقه على المحك ، ويعلم بأى حال من الممكن أن تكون إذا أخفق فى إنقاذ زوجها ،فاليته لم يكن يوصى بأن تأتى لغرفة الجراحة ، ولكنه لم يكن يعلم أن المصاب هو عمران إلا بعد أن رآه غارقاً بدماءه إثر تلقيه رصاصتين إحداهما بالكتف والأخرى بالصدر ، ولا يعلم من فعل به ذلك ، أو كيف تم نقله للمشفى هنا ؟ لا أحد لديه إجابات على كل تلك الأسئلة سوى ذلك الراقد أسفل يديه ، ولكنه بعالم أخر غير ذى عالم ، ويبدو أنه لن يستطيع إخراجه من عالمه إلا بجهد مضنى منه ، فتدفقت حبات العرق على جبينه مصحوبة بشعور ساحق بالخوف ، نظراً لتراجُع المؤشرات الحيوية لعمران ، مما جعلته أمام تحدى يستلزمه مجهود وطاقة كبيرين للحفاظ على حياته التى يعلم مدى أهميتها لدى ميس ، فإن كانت كلتا يداه غارقتان بدماء عمران وتعملان بكل السُبل على إخراج الرصاصة من صدره ، فلسانه لا يكف عن الدعاء والإبتهال لله بأن يوفقه فى إنقاذه ففى الخارج وبإحدى غرف المشفى ظلت ميس تصرخ بإسم زوجها وزاد إهتياجها أكثر بمنعها من الخروج من الغرفة ، وأسرع أحد الأطباء بحقنها بإبرة مهدئة لعلها تهدأ ، أو تغفو قليلاً لحين خروج راسل إليهم ، دارت عيناها فى الغرفة وشعرت بثقل مفاجئ فى رأسها وأطرافها ، إلا أنها ظلت تنادى بإسم زوجها بلوعة : – عمران عمران ، أنا عايزة أشوفه خلونى أشوف جوزى ، عايزة أروحله لازم أطمن عليه أجهشت بالبكاء وغرق وجهها بالدموع ، إلا أنها شعرت بالعجز عن تحريك ساقيها ، كأن مفعول المهدئ بدأ يسرى أخيراً فى جسدها ، وشيئاً فشيئاً خفت صوتها وظلت تردد إسمه حتى سكنت تماماً ولم يعد الطبيب والممرضات يسمعوا لها صوتاً ، ولكن ما كادوا يخرجون من الغرفة حتى سمعوا صوتاً لجلبة وصياح قادم من أخر الرواق ولم يكن سوى صياح معتصم شقيق عمران أثناء ركضه للوصول لغرفة الجراحة ليسأل عن أحوال شقيقه أعترض الطبيب طريق معتصم قائلاً بهدوء ومهنية : – إهدى حضرتك صوتك عالى وأنت فى مستشفى ميصحش كده لا يعلم أحد بأى حال صار بعدما تلقى ذلك النبأ الصادم من أن شقيقه تعرض لمحاولة قتل ويرقد بالمشفى بين الحياة والموت ، فطار صوابه لمحاولة الطبيب أن يثنيه عن عزمه ليكمل طريقه لغرفة الجراحة ، وقام بدفع الطبيب وهو يصيح بجماع صوته : – أبعد عن طريقى أنا عايز أعرف أخويا حصله إيه وصلت إليه ولاء وهى تأخذ أنفاسها بصعوبة وواضعة يدها على بطنها المنتفخ ، فهى لم تحسن منع زوجها من الركض ولم تستطع أن تجاريه بهرولته منذ خروجهما من سيارته ، قبضت على ذراعه وقالت ببطئ لشعورها بالألم : – معتصم إهدى مينفعش كده ، دلوقتى نعرف كل حاجة ، وطالما عمران هنا يبقى أبيه راسل معاه وإن شاء الله سليمة وضعت يدها بظهرها لتخفف من شعورها بالألم ، ولكن رآت توافد أفراد عائلة النعمانى من كبيرهم لصغيرهم ، بعدما عملت إحدى الممرضات على إخبارهم بما حدث لميس وزوجها ، فلم ينتظر أحد منهم دقيقة أخرى بل جاءوا جميعهم ، ولم يكن حال غزل يفرق عن حال ميس ومعتصم ، فصوت بكاءها صار مسموعاً للقاصى والدانى وما أن أقتربت من معتصم أرتمت بين ذراعيه قائلة بنحيب : – إيه اللى سمعته عن عمران ده يا معتصم ، وده حصله إزاى ومين اللى عمل فيه كده مين ميييين صرخت بأخر كلمة حتى إستطاعت إفزاع زوجها الواقف خلفها ، فخشى أن يصيبها مكروه هى وطفلهما الحاملة له بأحشاءها ، لذلك عمل على تهدئتها لحين أن يأتى أحد ويطمأن قلوبهم التى صارت ترجف خوفاً ولجا رياض وسوزانا لتلك الغرفة الراقدة بها ميس ومازالت تحت تأثير المهدئ ، فأخذت والدتها يدها تقبلها وهى دامعة العينين ، ومن ثم رفعت رأسها ونظرت لرياض وتساءلت بخوف حقيقى : – عمران هيبقى كويس صح يا عمى هو هيعيش إن شاء الله بنتى مش هيحصلها زيى وتبقى نسخة تانية منى مش كده؟ أشفق رياض على حالها المزرى من تدفق الذكريات المُرة بموقف شبيه بهذا عندما علموا بحادث إبنه الأكبر وجدى وأسفر عن مقتله ، ومنذ ذلك اليوم وسوزانا تعانى من الخوف كلما سمعت بوقوع حادث أو ماشابه لأحد أقاربها ، ولكن طامتها الكبرى الآن أن المصاب لا أحد سوى زوج إبنتها الوحيدة ، كأنها تخشى أن تكون ميس نسخة أخرى عن زوجة مكلومة بفقدان زوجها وحبيبها ربت رياض على كتف سوزانا قائلاً بصوته الرصين : – وحدى الله يا سوزانا ، إن شاء الله العواقب تبقى سليمة بلاش تفكيرك المتشائم ده ، أدعيله إن كانت منذ البداية لم ترحب بزواج عمران من إبنتها ، وكانت الأمور بينهما سطحية مقتصرة على أن إبنتها وقعت بغرامه ، وعندما عادت لمنزل جدها لم تجبرها بالعودة إليه ، بل رحبت بقرارها فى الانفصال عنه ، إلا أنها الآن صارت تشعر بخوف كاد يسحق قلبها من أن تفقد إبنتها زوجها ، لعلمها بمدى حب وعشق ميس له على الرغم من عنادها السابق من أنها لم توافق على العودة إليه ، ولكن بالأيام الماضية لاحظت كيف إستعادت إبنتها رونقها بعد أن أخبرتهم بشأن تفكيرها الجدى هو وعمران بإذابة الخلافات بينهما وعودتهما زوجان محبان لبعضهما البعض مرت بضعة ساعات والقلق ينهش قلوبهم كالوحش الجائع وتغذى على الافكار السوداوية التى ملأت رؤوسهم ، على الرغم من محاولاتهم البائسة فى نفض تلك الأفكار عنهم ، فراح معتصم يذرع رواق المشفى ذهاباً وإياباً مانعاً ذاته من أن يصرخ ليخرج إليه أحد ويخبره بما سيؤل إليه أمر شقيقه ، وجدوا باب الغرفة الراقدة بها ميس يفتح وخرجت وهى مستندة على ذراعىّ والدتها ، فتساءلت بغصة : – لسه راسل مخرجش من أوضة العمليات ؟ تحولوا برؤوسهم إليها ولا أحد منهم تكفل بالرد سوى حياء ، التى تركت مكانها بجوار والد زوجها ، وأقتربت منها فى محاولة يائسة منها بأن تطمئنها : – إن شاء الله خير يا ميس ، خليكى أنتى مرتاحة جوا وهخلى راسل يجيلك بنفسه يطمنك على عمران بس إرتاحى أنتى – أنا مش هرتاح إلا لما أعرف جوزى عامل إيه دلوقتى نطقت ميس بعبارتها وهى تهز رأسها بعنف رافضة العودة للغرفة ، فأرتمت على المقعد بجوار جدها ووضعت رأسها على صدره وأجهشت بالبكاء ، رفع رياض ذراعه وأحاط كتفيها وقبل رأسها بحنو يبثها الأمان بصوته الذى طالما وجدت به السلوى ، فتجول بعينيه على وجوه الحاضرين ، لا يعلم من يواسى أو يجعل من يكف عن بكاءه ونحيبه الصامت ، وكأن فتيل حرب ضارية من البكاء والصراخ والعويل تم إشعاله تحت تلك الدمعات التى أغرقت الوجوه كالسيل وما أن تم فتح باب غرفة الجراحة شعر رياض بأن ربما هناك عاصفة قوية جاءت محمولة بين ثنايا شفتىّ ولده ، الذى خرج إليهما ووجهه لا ينم على أنه يحمل إليهم نبأ ساراً يستطع به أن يطمأن تلك النفوس الحائرة ، بل أن تعبيرات وجهه ونظراته الزائغة كمن يبحث عن مخرج ، جعلته يتيقن من أن الأسوء قادم ، فشد بذراعه حول كتف ميس التى يبدو عليها أنها لم تنتبه لخروج راسل بعدما أغمضت عينيها وهى مستكينة بين ذراعيه ولكنها هبت واقفة ما أن سمعت معتصم يسأل راسل بلهفة : – عمران عامل إيه دلوقتى بقى كويس مش كده ؟ طمنى قولى أخويا عامل ايه أزدرد راسل لعابه ورد قائلاً بتوتر : –أه أه الحمد لله هو بقى كويس هبت ميس واقفة وأقتربت منه وقبضت على ذراعيه وهى جاحظة العينين أثناء تفوهها بسؤالها الذى كادت تشعر بأن نبضات قلبها ستتوقف قبل سماع إجابة ترضيها : – راسل قولى عمران حصله إيه ؟ ومتكدبش عليا أدناها راسل منه وشدد من إحتضانه لها قائلاً بأمل : – إن شاء الله هيبقى كويس أدعيله يا ميس أدعيله بتكراره طلبه لها بأن تدعو لزوجها جعلها تتملص من بين ذراعيه وتمعن النظر فى وجهه ، لعلها تستخلص إجابة شافية لسؤالها وأن يكف عن مراوغته لهم فى الإجابة عن الأحوال الصحية لعمران ، فعادت وطرحت سؤالها ثانية مصحوباً ببعض الإحتمالات : – أنا بسألك هو عامل ايه دلوقتى ؟ وليه مش عايز تجاوبنا بصراحة ، هو عمران دخل فى غيبوبة ؟ هز راسل رأسه نافياً ، فعمران ما أن يزول عنه مفعول التخدير سيكون واعياً ، ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم بأن أموره ستؤول للأفضل ، فتلك الجراحة التى خضع لها لإخراج الرصاصتان من جسده أدت لحدوث مضاعفات صحية خطيرة ، جعلته عاجزاً عن الحكم على حالته ، وأمله الوحيد أن الله وحده قادراً على تغيير الحال إلى أفضل حال وأن يتعافى عمران بعد تلقيه العلاج اللازم والذى سيشرف عليه هو بذاته رغم دهشة الجميع من إجابات راسل المبهمة ، وأنهم لم يفقهوا شيئاً سوى أن يدعوا الله من أجل نجاته ، إلا أن لا أحد منهم عاد يسأله عن معنى حديثه لخشية سماعهم ما يجعلهم يشعرون بالحيرة والخوف أكثر تركهم وولج غرفة مكتبه ، فتبعته حياء وأغلقت الباب خلفها وسألته بإهتمام وجدية : – راسل فى إيه بجد ؟ أنا مفهمتش منك حاجة ، يعنى ايه هيبقى كويس بس ادعوله ولاء هو مدخلش فى غيبوبة ، فهمنى فى إيه بالظبط ألقى برأسه على كتفها قائلاً بخوف ورنة صوته ترتجف من أثر ذلك الخوف الذى ملأه ، فأجابها : – للأسف عمران حالته خطيرة جدا يا حياء ورغم أن خرجتله الرصاصتين ، بس حالته الصحية بتتراجع ، وممكن تحصله مضاعفات أكتر ، أول مرة أحس إن عاجز بالشكل ده – أنا عارفة أنك أكيد عملت كل اللى تقدر عليه ، وربنا قادر على كل شيء وإن شاء الله عمران هيكون كويس رفعت راحتيها وربتت على ظهره ليهون عن ذاته الشعور بالإخفاق والفشل ، فهى متيقنة من أنه بذل قصارى جهده فى إنقاذ عمران ، ولكن فى النهاية الأمر بيد الله وحده ، تشبث بها كمن وجد طوق نجاة وسط أمواج عاتية تتقاذفه دون رحمة أو شفقة ، فلم تمانع عندما أتخذ من كتفها ملجأ لرأسه ، بل حاولت أن تتقاسم معه محنته ، فتلك ليست محنة له هو فقط بل لأفراد العائلة جميعهم ، وهذا ليس وقت التعنت بمشاعرها تجاهه وأن تظل تتظاهر بالبرود وأن تحاول الوصول به لأقصى درجات الغضب ، فحسب تفكيرها بأن لكل شئ وقته ، ودائماً ما تكون الغلبة لمشاعرها الرقيقة والعطوفة سواء تجاهه أو تجاه أى أحد أخر يمر بظروف مشابه أو مماثلة لتلك الظروف التى يتقاسمونها – شكراً أنك لسه معايا يا حياء بالرغم من اللى عملته فى حقك ، بجد متعرفيش أنا محتاجلك قد إيه شكرها على ما تحاول تقديمه له من دعم معنوى ، مثلما كانت تفعل معه بأوقاته الحالكة ، وبأفعالها تلك جعلته يشعر بمدى تقصيره فى حقها ، وبأنه أرتضى لها بوقت من الأوقات أن تعانى الحزن والكأبة دون محاولة منه فى التخفيف عنها ، بل ترك الشعور بتأنيب الضمير يجلده ليلاً ونهاراً على أنه جعلها تبات ليلها ودمعاتها تغرق وسادتها ، دون أن يحاول الذهاب إليها وطرد الحزن عنها ، ولكن الشئ الوحيد الذى يراه شافعاً له هو عشقه لها حد النخاع ، حتى وإن لم يحسن التعبير عن هذا العشق ، سوى بضمة وعناق وتوسلات بأن تغفر له ما كان من أمره بحق عشقهما الفريد ، فظلا واقفان وقتاً لا بأس به وهى تربت عليه وتواسيه بكلماتها الرقيقة ، وهو يحتضنها بقوة ربما ستتسبب فى إيلام عظامها المسكينة إلا أنها واجهت معه مواقف شبيه بهذا الموقف وتعلم أنه يحاول بذلك صرف يأسه وشعوره بالانزعاج من أن يقربها منه ويشدد من إحتضانه لها ، إلا أنه تلك المرة لم يفرط بالأمر حد أن تطلب منه إطلاق سراحها قبل أن يحطم عظامها ، بل كان مراعياً لها ، فيكفى ما سببه لها من إيذاء نفسى ، سيستلزمه وقتاً طويلاً فى أن يجعلها تبرأ منه ❈-❈-❈ بعد إنقضاء تلك الأيام القلائل التى تلت ذلك اليوم الذى أنتهت فيه ياسمين من الخضوع لجراحة العيون ، جلس أبيها برواق المشفى يفكر فى تلك الأحداث التى لم يتمعن فى التفكير بها بعدما غمرته السعادة من فرضية عودة بصر إبنته ، ولكن بعد أن منح ذاته وقتاً للتفكير ، وجد أنه من غير المقنع للعقل ما أخبره به طبيب إبنته ، فلما فى هذا الوقت بالذات جاء ذلك الطبيب الأجنبى للإسكندرية ، حتى وإن كان ما قاله الطبيب المصرى من أنه جاء من أجل تحقيق بعض إنتصاراته الطبية ، فلما وقع الإختيار على إبنته ، على الرغم من وجود العديد من المرضى ممن يستحقون مثل تلك الفرصة ، بل أنهم يعانون من حالات فقدان البصر أشد تعقيداً من ياسمين ، ولكن ربما تذكر الآن إخبار الطبيب له ذات مرة أنه من المحتمل أن يعود لإبنته بصرها ، إذا خضعت للجراحة على يد جراح عيون ماهر مقيم فى إحدى الدول الغربية ، ولكن نظراً لضيق اليد ، تأخر فى جمع المال اللازم لسفرها ، على الرغم من أن عمرو عرض عليه أن يساهم بعلاجها ولكن نفسه العفوفة أبت أن يثقل كاهله بدين سيأتيه من باب الإمتنان على نصيحة منحه إياها ، فكان يعمل على إدخار المال منذ عدة أشهر ، وهو من أوصى طبيبها بأن يخبر ياسمين ووالدتها أنها بحاجة إلى العلاج حتى يأتى ميعاد خضوعها للجراحة ، حتى أنه إستخدم تلك الكذبة ليجعل عمرو يكف عن إلحاحه فى مساعدته – يارب أجبر بخاطر بنتى وخاطرنا كلنا يارب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قالها ودقق النظر فى حبات مسبحته التى تم النقش على حباتها لفظ الجلالة ” الله ” فتنهد بصوت خافت ، لعلمه أن كل شئ يتم تدبيره بيد الواحد الأحد ، حتى وإن أختلفت وجهات النظر فى تدبير الأشياء ، ولكن يظل التدبير الإلهى هو المتحكم فى المصائر سمع صوت حركة فى الغرفة التى تمكث بها إبنته وتلاها صوت زوجته تناديه ليدخل إليهما ، بعد إنتهاءها من مساعدتها فى تبديل ثيابها ، كون أن ياسمين أصرت على أن تساعدها والدتها ولا أحد غيرها ، رغم أن تم توصية الممرضات على ضرورة الإعتناء بها حتى يحين موعد خروجها من المشفى ولج أبيها باسماً ونظر لياسمين التى عادت ورقدت على الفراش بعدما ألبستها والدتها ثيابها ، فقال بنبرة صوته الحانية : – الله أكبر إيه البدر المنور ده ماشاء الله إيه الحلاوة دى ملأت الإبتسامة وجه ياسمين ، وعادت شفتيها لرونقهما الزاهى بعدما ملأها التفاؤل من أنها ربما بعد بضعة ساعات ستعود وتبصر من جديد ، ولكنها لم تستطع منع تلك الدماء التى قفزت لوجنتيها وخضبتهما بدماء الخجل ، فردت قائلة بصوتها الرقيق ويدها تتحسس عصبة عينيها البيضاء : – دى عينيك أنت اللى حلوة يا بابا تسلملى يارب جلست والدتها بجوارها على الفراش وربتت على يدها وقالت مازحة : – أه يا أختى أنتى وأبوكى ، شوفى أنا متجوزاه بقالى قد إيه مقليش الكلام الحلو ده سمعت ياسمين صوت خطوات أبيها تقترب من فراشها ، وربما صار يقف بجوارهما ، فرد قائلاً على حديث زوجته ببشاشة ولطف : – أنتى هتأكلى وتنكرى بقى يا أم بلال ، بقى أنا مش بقولك كلام حلو ، طب مين اللى بقولها يا فرحة قلبى وهنا أيامى وضعت زوجته يدها على وجهها لعلها تخفى عنه ما أعتراها بعد ذكره لألفاظه التحببية لها والتى دائماً ما يناديها بها منذ أن تم عقد قرانه عليها منذ سنوات طوال ، فسمعت صوت ضحكة إبنتها والتى تعلم أنها على دراية بحنان وحب أبيها لها ، فهى لم تأتى على ذكر قول عبارتها المازحة إلا من أجل أن تشاكسها ياسمين كعادتها عندما كانت تخبرها بأنها هى من جاءت لتأخذ مكانها بقلب أبيها وصارت فتاته المدللة قبل أن ينبس أحد منهم بكلمة طرق بلال الباب وولج حاملاً حقائب بلاستيكية بها طعام من أجل والديه ، وقال باسماً: – السلام عليكم ، أنا جبتلكم الأكل أهو بالهنا والشفا ، عاملة إيه يا حبيبة أخوكى ردوا السلام وأجابته ياسمين : – الحمد لله يا أبيه نحمد ربنا أدعيلى بقى أن تكون العملية نجحت وارجع أشوفكم تانى وأحضر فرحك كفاية أن أنا السبب فى أنك لحد دلوقتى معطل جوازك علشانى غصت ياسمين بكلماتها الأخيرة ، بعدما تذكرت إصرار شقيقها على ألا يقيم عرسه إلا بعدما يطمئن من أنها عادت كما كانت ، فبعد فقدانها بصرها وفسخ خطبتها ، لم يشأ أن يتسبب لها فى مزيد من الحزن والحسرة ، بأن يأتى يوم زفافه ولاتراه وتبتهج نفسها بحفل زفاف شقيقها الأكبر أدنى بلال برأسه منها وقبل رأسها ملطفاً لإنفعالها العاطفى : – حبيبة قلب أخوكى ، إن شاء الله هتبقى أحسن من الأول وأنتى اللى هتربطيلى الجرافيت بتاعة بدلة الفرح كمان الطرقات المتتالية للطبيب على باب الغرفة ساهمت فى عودتهم لواقعهم المترقب لفك الضماد الأبيض من حول عينىّ ياسمين ، فولج الطبيب الأجنبى بأثر الطبيب المصرى وبعدما ألقى التحية ، أقترب من الفراش محاولاً تشجيعها وبث الثقة بها قبل رفع الضماد غرزت ياسمين أظافرها بملأة السرير من شعورها المفاجئ بتقلصات مؤلمة فى معدتها نتجت عن تكتل الخوف بعروقها وكلما شعرت بإقتراب الطبيب من فك أخر طبقات الضماد عن عينيها وأنه على وشك مطالبتها بفتح عينيها ، تعود وتزدرد لعابها لعلها تزيح تلك الغصة التى تجمعت بحلقها وسدت مجرى التنفس فى رئتيها ولكن دنت تلك اللحظة التى أنتظرها الجميع وتمنت ياسمين بأن تأخذ وقتها كافياً قبل أن يأمرها الطبيب بلطف أن تحاول فتح عينيها رويداً رويداً ، كأنه يطالبها بأن تحاول أن تعتاد الضوء بالغرفة إذا عادت وأبصرته من جديد أمتثلت ياسمين لأمر الطبيب وبحذر بدأت تزيح جفنيها عن بعضهما لتظهر من خلالهما عينيها التى تلألأت بالدمعات ما أن أبصرت أبويها وشقيقها وهم واقفون بجوار بعضهم البعض وكل منهم يحدق فى وجهها بحماس لا يخلو من الترقب تدفقت العبرات من عينيها فرحاً وهى ترى وجوه كل من حولها ، وصاحت قائلة بصوتها المتحشرج : – أنا دلوقتى شيفاكم كلكم أنهالت عليها القبلات من والدتها التى راحت تحتضنها بسعادة وهى تردد عبارات الشكر والحمد بينما سجد والدها وشقيقها شكراً لله على ما أنعم به عليها من عودة بصرها وهناك أيضاً من طار صوابه فرحاً بعدما علم بعودة بصر معشوقته ، فتلصصه على ذلك الحدث ، الذى أصر على حضوره دون أن ينتبه عليه أحد ، جاء بالنتائج المرجوة ، وها هو يشهد على عودة ذلك النور لعينيها التى خلبت لبه منذ أن وقع بصره عليها – ياسمين أندفع ديفيد للغرفة هاتفاً بإسمها بعدما كان واقفاً على الباب بعدما أوصى الطبيب بأن يترك الباب موارباً ليتمكن من رؤية ما يحدث فى الداخل ، فأرتعدت ياسمين من إقتحام ذلك الشاب لغرفتها دون إستئذان رفع والدها حاجبه من إندفاعه المفاجئ معرباً عن دهشته فى وجوده هنا بتلك اللحظة بالذات ، ولكن كأن ديفيد أدرك خطأه فى وقت متأخر ، عندما وجد الطبيب الأجنبى يقترب منه يتبادل معه الحديث على أنه أنهى عمله على أكمل وجه ومثلما تم الاتفاق بينهما حملق بلال بوجه شقيقته التى لم تخلو نظراتها من الدهشة والتعجب بعدما علمت مدلول حديث الطبيب معه ، ولكن تكفل أبوهما بسؤاله عما يحدث وهم لا يعلمون : – هو أنت برضه ، هو إيه اللى بيحصل بالظبط ، والدكتور ده يعرفك منين ، أوعى يكون اللى بفكر فيه صح لم يجد ديفيد ما يقوله ، فأطرق بوجهه أرضاً لعله يستطع إتقان كذبة تنقذه من فعلته الرعناء بإندفاعه للغرفة ، ولكن لم يعد لديه مهرب أو مخرج ، إذ صرح الطبيب المصرى عن حقيقة جلبه للطبيب الأجنبى من أجل إجراء الجراحة لياسمين ، فقال بهدوء ظناً منه أنه سيقدم له خدمة جليلة بأن يعلموا بحقيقة الأمر : – الصراحة الأستاذ هو اللى طلب من الجراح ييجى مصر واتفق معانا بخصوص أنها تعمل العملية وهو اللى اتكفل بالموضوع كله تمنى ديفيد لو أن يسحب سلاحه النارى من غمده ويطلق رصاصة منه بجبهة الطبيب ، لكونه سيساهم بتعقيد الأمور عوضاً عن إصلاحها ، خاصة أنه رآى نظرات والد ياسمين المتفحصة له ولا تخلو من ضيقه من تدخله الغير مرغوب به فى حياة إبنته حدق بوجه ياسمين ليرى مردود كلام الطبيب علي وجهها ، فإندهش من إصطباغ وجهها بحمرة قانية وأنها تحاول الهرب من النظر إليه كأنها شعرت بخجل مفاجئ ، فنسى كل شئ فجأة وإبتسم لها إبتسامة لا تخلو من الإعجاب كأنه لم يعد يرى غيرها ، بل خطى خطوتين تجاه الفراش قائلاً بإبتسامة بلهاء : – مبروك على نجاح العملية أنتظر أباها خروج الطبيبان ، ومن ثم قبض على ذراع ديفيد متسائلاً بدهشة: – أنت إيه حكايتك يا بنى بالظبط ، أنا مشوفتش فى حياتى حد زيك كده رماه ديفيد بنظرة عابرة و عاد ينظر لياسمين قائلاً وهو مازال مبتسماً تلك الابتسامة التى جعلت والدها راغباً فى لكمه ليكف عنها : – بحب بنتك يا عم الشيخ وأنت قولت طول ماهى كانت بحالتها هى رافضة الجواز ، بس هى دلوقتى بقت كويسة ورجعت زى الأول فأظن أنت ملكش حجة أنك ترفض ولا إيه يا عروسة مش أنتى موافقة ربما جميعهم صاروا يشكون بقواه العقلية ، فهو يجيب على سؤال أبيها ويتصرف على النحو الذى يجعله متيقناً من أنها ستوافق على الزواج منه دون إعتراض ، حتى وإن كان ذلك سيتم من باب العرفان بالجميل والإمتنان على تكبده تلك النفقات التى كانت لازمة من أجل الجراحة اجابته ياسمين بإرتياب : – إيه الثقة اللى عندك دى ، هو أنا أعرفك كويس علشان أوافق أتجوزك – عايزة تعرفى عنى إيه أكتر من إن بحبك وبعشقك نطق بها ديفيد بصوت متهدج ، جعل الواقفين يشهقون بصوت واحد ، فالموقف بأكمله لا يُحتمل أشار والدها لبلال بأن يساعده فى إخراج ذلك الشاب المعتوه ، لعلهم يتفاهمون بالخارج ، رآفة بتلك الفتاة التى لم تكد تنعم بسعادة عودة بصرها ، ليأتى ذلك الشاب مصرحاً لها عن حبه وعشقه ورغبته فى أن يتزوجها فى الحال ، وضعت يداها على وجنتيها تتحسس تلك الحرارة التى ألهبت وجهها وهى تسمع ذلك التصريح بالحب الذى لم يحالفها الحظ بأن تسمعه من أحد غير ذلك الشاب الأشقر المجنون ، نظرت لوالدتها التى لم تمنع إبتسامتها على رؤية ما أعترى وجه إبنتها وتراه للمرة الأولى ، فجلست بجوارها على طرف الفراش وقدمت لها دعمها بأن ربتت عليها بحنان لعلها تخفف عنها وطأة الشعور بالخجل ولكن لم تكد تمر خمسة عشر دقيقة أخرى إضافية ، حتى عاد والدها وبلال ويتبعهما ديفيد ولكن تلك المرة وجوههم مسترخية ويرتسم على وجه كل منهم إبتسامة ذات مغزى ولكن إبتسامة ديفيد كانت أكثرهم إشراقاً ولكن كانت مقلقة لها ، إذ أن لا شئ يفسرها سوى أنه ربما حصل على مبتغاه من موافقة أبيها على أن يزوجها منه وهذا ما كان إذ أخبرها أبيها بأن ذلك الشاب والذى أعتقدوا جميعهم إن إسمه ” تميم ” مثلما قدم نفسه لهم ، طلب يدها للزواج وتوسله من أجل موافقته ولكنه سيترك لها مطلق الحرية فى الموافقة أو الرفض ، ولكن بدا للجميع أنها لن تسلك مسلك الرفض ، إذ أن خجلها فضح خباياها ، وكم ود ديفيد بذلك الوقت أن يعانقها إعراباً عن سعادته ، ولكنه ألجم نفسه حتى لا يتسبب فى إفساد الأمر ، فهى ولا أسرتها سيسمحون له بالاقتراب إلا إذا أقترنت به بعقد زواج شرعى سيمكنه حينها من أن ينهل من نهر عشقها دون خوف أو إعراض منها ❈-❈-❈ وضعت ساندرا طفلها بمهده الهزاز بعد أن أدركه النوم وهى كانت واضعة إياه بين ذراعيها تعمل على تهدئته من بكاءه الذى لم يكف عنه منذ الصباح الباكر ، فأسنانه الجديدة التى تشق طريقها فى الظهور ، تسببت له فى بعض الأعراض التى زادت من حدتها ، جعلته لا يهدأ بنومه أو مأكله ومشربه ، بل يظل يبكى لوقت طويل وأرتفعت حرارة جسده ، على الرغم من أنها تتبع كافة الاحتياطات التى تجعل تلك الفترة من ظهور أسنانه اللبنية تمر بسلام ، ولكن بدا أن ذلك لم يكن كافياً ، وربما الصغير شعر بإنشغال راسل عنه مما زاد من مزاجه العصبى ، فمنذ ما حدث لزوج إبنه شقيقه وهى لم تعد تراه إلا بضع دقائق قبل خلودها للنوم خرجت من الغرفة على رؤوس أصابعها حتى لا يصدر منها صوتاً يجعل الصغير يستيقظ وتعود ثانية لمحاولاتها فى تهدئته ، فأغلقت الباب بحرص وهبطت الدرج وفكرت بأن تخرج للحديقة ، لعلمها بأن لا أحد فى المنزل وأنهم ذهبوا جميعهم لزيارة عمران بالمشفى والإطمئنان على أحواله الصحية ، والتى لم تستقر بعد مثلما أخبرها راسل عندما سألته بالأمس نادت لإحدى الخادمات وخاطبتها بمودة : – أنا قاعدة فى الجنينة ساجد لو صحى نادى عليا وعايزة عصير فريش لو سمحتى أماءت الخادمة برأسها وردت قائلة بإحترام : – أمرك يا هانم وصلت ساندرا لذلك المكان القريب من حظيرة الخيول وهى تفكر فى إختيار الوقت الملائم لإخبار راسل برغبتها فى العودة هى وصغيرها إلى كندا ، فهى لن تستطع أن تقيم فى هذا المنزل أكثر من ذلك ، حتى وإن كان سيشق عليها عدم رؤيتها له أو لوفاء وسجود ، ولكنها لن تحيا الباقى من عمرها تثقل كاهله بأمرها هى وطفلها ، فهو لم يبخل عليها بمساعدته وستظل أسيرة إمتنانه لما تبقى من حياتها ، ولكن هو لديه زوجة وعائلة وهم الأولى بوقته ورعايته ، ويكفى أن حياء لم تتخلى عن كياستها وأصول الضيافة ولم تلقى بها خارج المنزل لإشتراكها بتلك الكذبة السخيفة من إدعائهما بأنها الزوجة الجديدة لراسل سمعت صوت حركة قريبة منها فألتفتت برأسها وجدت أدم وصديقه قادمان إليها ، فعقدت حاجبيها بدهشة ، لظنها أن لا أحد فى المنزل غيرها هى والخدم وبعض الحرس جلس أدم بإرتياح على أحد المقاعد قائلاً بهدوء: – هنضايقك لو قعدنا معاكى حركت ساندرا رأسها ببطئ وهى تنفى ضيقها من جلوسهما برفقتها ، ولكنها لم تمنع نفسها من فرك كفيها حتى زاد شعورها بالألم ، فركز أدم بصره على حركة يديها المتوترة ، وسألها فجأة : – أنتى مالك متوترة كده ليه ، فى حاجة يا ساندرا ، ليه حاسس أنك بتهربى من أنك تقعدى مع أى حد فى البيت ، إيه السبب ؟ أو إيه حكايتك بالظبط ؟ وكزه عماد بكتفه ، لعله يراعى حديثه معها ، فهمس له قائلاً بغيظ : – إيه يا بنى ما تهدى شوية ، أنتى جاى تحقق معاها ، هى حرة فى تصرفاتها أنفعلت ساندرا لسؤال أدم الذى رآته أنه محاولة منه فى التدخل فيما لا يعنيه ، فهبت واقفة وردت قائلة بإمتعاض : – أظن مش من حقك تدخل فى حياة غيرك ، وكل الموضوع إن أنا صديقة وضيفة راسل – طب كانوا بيقولوا أنك مراته ليه ، وبتكذبوا ليه ؟ سألها أدم بإلحاح لا يخلو من الشك فى أفعالها وتصرفاتها المبهمة له وليس هو فقط بل لجميع قاطنى قصر النعمانى ، على الرغم من أن لا أحد منهم شغل باله بالسؤال عما تحويه من سر تلك العلاقة بينها وبين راسل ضمت ساندرا ذراعيها وردت قائلة ببرود محاولة بذل المزيد من الجهد فى منع فرار دموعها : – وأنت مالك أنت وبتسأل ليه ، ياريت ما تشغلش بالك بحياتى أو تصرفاتى عن إذنكم ذهبت ساندرا وهى تدب الأرض بقدميها من محاولة أدم فى سبر أغوارها ، فنظر إليه عماد وهو يهز رأسه بقلة حيلة من تدخل صديقه السافر فى حياة الأخرين ، فهتف به بإستياء : – أرتاحت دلوقتى ، أهى أدتك دش بارد بس تصدق تستاهل ، عملى نفسك دكتور نفسانى وقاعد تحلل تصرفات اللى حواليك رفع أدم حاجبه ونظر لأثر ساندرا وهو يقول بحيرة : – دى غريبة أوى ، أنا من اللى عرفته عن راسل وشوفته ، ميقولش أنه واحد يكون صداقات مع بنات أو ستات أو حتى يفكر أنه يحب واحدة غير حياء مراته ، الموضوع ده فيه لغز ولازم أعرفه رفع عماد يده وبظاهرها صفع صدر أدم ، لعله يكف عن حدس المحققين الدوليين الذى تملكه فجأة فى أن يعلم طبيعة العلاقات الإنسانية والإجتماعية التى تربط بين المحيطين به ، ولكن أكثر من شغل تفكيره فى أن يتقفى أثره ويعلم كل صغيرة وكبيرة عنه هو راسل ، ولا يعلم سر إصراره اللعين ، أو ربما يحاول أن يتوهم أنه لا يعلم أسباب أدم الحقيقية فى التعرف على حياة راسل عن كثب لوى ثغره وقال ساخراً : – متعملناش فيها شارلوك هولمز ، أنت عمال تدور ورا عمك راسل مش حباً فى أن تتعرف عليه يا أدم تحب أقولك بتعمل كده ليه ولا بلاش توترت عضلة قرب فم أدم ورد قائلاً بلامبالاة : – هيكون ليه عادى يعنى وأنت قولت أهو عمى رفع عماد حاجبه دلالة على أنه أكثر من يتفهم حالاته المزاجية ، وأن تلك المرة لم يكن جاداً وصادقاً فى حديثه معه ، وهذا ما جعله يخشى أن تتحقق مخاوفه من أنه يفعل ذلك من أجل أن يساهم فى زيادة الخلافات بين راسل وحياء ، كأن ذلك الغبى لم يستسلم بعد لحقيقة أن حياء زوجة عمه ويجب عليه إقتلاع تلك الأوهام من رأسه بأن ربما سيأتى اليوم وتستبدل زوجها به هو ، ولا يعلم أى منطق لعين هذا الذى يفكر به تركه أدم وولج للداخل فتبعه ليعلم أين هو ذاهباً ، كأنه نصب نفسه حارساً له يتبع خطواته حتى لا يقدم على إرتكاب فعلة حمقاء ستكلفه الكثير ، فرآى ساندرا جالسة بالصالة وما أن رآتهما هبت واقفة وصعدت الدرج حتى وصلت لغرفتها ووجدت إبنها مازالا نائماً ، فأخذت هاتفها وأجرت إتصالاً براسل لعله يطمئنها اليوم عن زوج ميس ، والتى لم تعد للمنزل منذ ما حدث لزوجها سمع راسل رنين هاتفه وعلم هوية المتصل ، ففتح الهاتف قائلاً بهدوء : – أيوة يا ساندرا ، خير فى حاجة ؟ ساجد عامل ايه دلوقتى ، لسه برضه بيعيط أجابته ساندرا : – كويس ونايم ، أنا كلمتك علشان أطمن على عمران عامل ايه النهاردة تنهد راسل بصوت مسموع وأجابها : – لسه مفيش جديد ، وأنا دلوقتى هروح أشوفه ، سلام وخلى بالك من ساجد أنهى راسل مكالمته الهاتفية وخرج من غرفة مكتبه ليمر بتلك الغرفة التى تم إيداع عمران بها ، فقبل دخوله نظر عبر الزجاج وجد ميس جالسة على مقعد بجوار سريره ممسكة بيده وتتحدث معه ويعلم أنه يسمعها ولكن العقاقير الطبية التى يتناولها تجعله فاقداً لوعيه بصورة جزئية وغير قادراً على أن يتفوه بكلمة ، ففضل تركها معه على أن يعود إليه فى وقت لاحق فبالداخل ، كانت ميس تمرر يدها على ظاهر يد زوجها لعله يحيى الأمل بداخلها من أنه سيتعافى بوقت قريب عوضاً عن تركها هكذا تحيا يومها وأعصابها تحترق بنيران الخوف مسحت دموعها من على وجهها وإبتسمت بألم : – عمران يا حبيبى مش ناوى تقوم بقى وتتخانق معايا زى ما كنت بتعمل وتقولى يا بنت النعمانى ، طب قوم علشان نرجع بيتنا تانى ، وأنا خلاص هرجع معاك على بيتك ومش هقولك نستنى ، أرجوك فوق بقى أنا بموت من غيرك يا عمران ، علشان خاطرى لازم تقاوم ومتستسلمش يسمع صوتها بوضوح ولكن رؤيته لها مشوشة وضبابية ، فكم يهفو لأن يجيبها بأنه لا يتشبث بحياته إلا من أجلها ولكنه عاجزاً عن أن يصدر رد فعل لحديثها سوى أن تتحرك أصابعه على يدها ليخبرها أنه يسمعها ، فعادت معقبة بعد رؤيتها لحركة أصابعه : – عارفة أنك سامعنى يا حبيبى ، ومستنية الوقت اللى تقوم فيه بكامل صحتك وأسمعك بتقولى يا ماسة وإن شاء الله ده هيحصل قريب أغمض عمران عينيه فكفت ميس عن الكلام ، وظلت جالسة مكانها بدون كلل أو ملل فبعد مرور بضعة أيام وأثناء جلوسها بجواره كالعادة ، أعلنت الساعة عن بلوغها الثامنة مساءًا ، فرأت أن تعود لغرفة مكتب راسل ، ولكن أثناء سحب يديها اللتان أحتضنتا يد زوجها وقبل إبتعادها ، قبض عمران على أطراف أصابعها وسمعته يهمس بصوت كاد يذهب بأنفاسه : – ماسة – قلب ماسة قالتها ميس بسعادة أختلجت فى نبرة صوتها ، وأرتمت على صدره كأنها نسيت جروحه وأن ربما ستتسبب له بإيذاء من فعلتها المباغتة له ، فظلت تبكى حتى وعيت بأنها يجب أن ترفع رأسها عن صدره إبتسم عمران إبتسامة واهنة وقال مازحاً بصوت خفيض : – يعنى أفوق شوية عايزة تفطسينى يا بنت النعمانى دنت بوجهها من وجهه قائلة بوعيد واهى وعبراتها تتساقط من عينيها : – بنت النعمانى هتاخد حقها منك يا ابن الزناتى على وجع قلبها وحرقة أعصابها اللى أنت عيشتها فيها الأيام اللى فاتت دى عادت تبكى ثانية ، فأمرها بلطف أن تكف عن البكاء : – يعنى بتعيطى وبتهددينى فى نفس اللحظة لم تشأ أن تجعله يسترسل بحديثه معها وربما ستتأثر صحته سلباً بذلك ، فأمرته هى برفق ولين أن يأخذ قسط من الراحة ويكفيها أنها عادت وسمعت صوته من جديد ، فإستجاب عمران لأمرها ، كأنه تكبد مشقة فى إجراء ذلك الحوار القصير معها والذى لم يتعدى بضع عبارات ، فعاد وأغلق عيناه من جديد ، ومسدت على رأسه بإبتسامة عاشقة ، وتمنت لو أن يزول عنه الخطر بصورة نهائية ، وأن يعود لعافيته ، فهى صادقة بحديثها من أنها ستعود لمنزله ، ولن تتصلب برأيها معه ، ولا أنها ستعود وتفكر بإجراء الحقن المجهري لحدوث الحمل ، فلا يعنيها بوقتها الحالى سوى أن يعود عمران كما كان دائماً قوياً ويتمتع بوافر الصحة والعافية ، وكل شئ يمكن تعويضه طالما سيكون بأمان من ذلك الخطر المحدق به ، والذى سيزول بزواله كل مخاوفها بأن تفقده ، فإن كانت مازالت حزينة لخسارة طفلها الذى لم تراه بعينيها ، فكيف سيكون حالها إذا خسرته هو ؟ وعند تلك الخاطرة ظلت تدعو الله بأن يحفظه لها وأن لا تتكبد هماً ولا حسرة على فقدان عزيز على قلبها ، وعمران ليس بأى عزيز عليها بل أن العشق والحب تلخص بكلمة مكونة من بضعة حروف ” زوجها ” ❈-❈-❈ لم تغلق وفاء بابها فى وجهه عندما أتى إليها شاكياً لألمه وتلك الهموم التى أثقلت كاهله ومنعت عليه الراحة ، فتفردها بتلك المكانة لديه ، جعلتها حتى وإن كانت مستاءة منه ولم تصفح عن أفعاله بحق زوجته ، أن تستقبله بين ذراعيها ، عندما زارته تلك اللمحة من الضعف والإرهاق الذى كسا ملامحه ،كأن عمره إزداد أضعافاً ، فقبل أن يتفوه بكلمة كانت تمد ذراعيها إليه وجذبته إليها وراحت تربت على ظهره وتمسد على رأسه ، كأنه طفلها الصغير ، الذى ضل الطريق للمنزل ولكنه عاد إليه أخيراً ، ولم تكتفى بأمور تدليلها له لهذا الحد ، بل جلست فى الفراش وجعلته يتوسد ساقها وراحت تمسد على خصلاته الفحمية وهى تتلو أيات الذكر الحكيم ، تطمئنه بصوتها أن كل شئ سيسير على ما يرام ، وماعليه إلا أن يدعو الله وهو سيستجيب له ويجيب دعاءه ، فأثناء تمريرها يدها على وجهه شعرت بتلك الرطوبة التى تمثلت بدمعة حارة ، قلما ما تراها إلا بعدما يبلغ به الضيق واليأس أقصى درجاته ، ولا تعلم حاجته للبكاء الآن وأمور زوج إبنة شقيقه باتت على مايرام وأخبرها أنه اليوم تحدث مع ميس وشقيقه معتصم مالت وفاء برأسها قليلاً للأمام قائلة بإهتمام : – مالك يا حبيبى ؟ أغمض راسل جفنيه بوجه تلك الموجة العاتية من عبراته الحارة التى كانت تهدد بالسقوط و إغراق وجهه ، فتنفس بعمق ورد قائلاً بنبرة خافتة : – مفيش حاجة يا ماما المشكلة إن أنا حاسس بالتعب والإرهاق مش أكتر وكمان حالة عمران وزعل ميس مش مخلينى أبطل تفكير رفع كفيه ومسح بهما على عيناه ، فإستلقى على ظهره ورفع وجهه شاخصاً ببصره لوفاء ، التى رآت ما أرتسم بداخل مقلتيه من شعوره الساحق بالحيرة أو ربما فشله فى كيفية تدبير أموره مع زوجته ، فربتت على صدره وتساءلت بصدق: – حاسس بالارهاق والتفكير فى بنت اخوك وجوزها ، ولا هتتجنن علشان مش عارف تصالح مراتك وتجاهلها ليك مجننك زيادة ومخليك هطق وأنك حاسس أنها ممكن تكون فعلاً كرهتك من عمايلك معاها وأن فرصتك فى أنك تصالحها خلاص ضاع وقتها ؟ تلاحما حاجبيه ورفع رأسه عن ساقها وجلس بجوارها قائلاً بضيق طفيف : – إيه الصراحة بتاعتك دى يا وفاء ، طب هاتيها واحدة واحدة مش تقوليها فى وشى كده خبط لازق – ما أنت السبب فى ده كله من الأول ، حد قالك كل شوية ألعب بأعصابها أنك مرة هتتجوز عليها ومرة تقول أنك اتجوزت ، أشرب بقى يا دكتور قالتها وفاء بتأنيب وإبتسمت رغماً عن شعورها بالحزن لتلك الظروف الراهنة ، إلا أنها لم تمنع إبتسامتها بعدما رآت بوادر إهتياجه لخوفه من أن تكون حياء أقتلعت حبه من قلبها ولن يعود بإمكانه إستعادة مكانته لديها ، ومازاد فى إتساع إبتسامتها سماعها لما قاله وهو يترك الفراش غاضباً كطفل أزعجته والدته بأن أخبرته أنه لن ينال حصته من الحلوى لإساءته التصرف : – خلاص هو كل شوية أسمع الكلمتين دول سواء منها أو منك ، أنا هروح أولع فى نفسى وأرتاح منكم أنتوا الاتنين وضعت وفاء يدها على وجنتها وقالت باسمة بمكر : – بدل ما تروح تولع فى نفسك روح أعملك كوباية شاى بالأعشاب اللى بتحبه يمكن يهديك شوية يا حبيبى ويبقى عندك طاقة تستحمل اللى هيجرالك من حياء لما ترجع الأوضة ، وعلشان تعرف تنام تلاقيك يا حرام مبتعرفش تنام طول الليل ، هتلاقى الأعشاب فى درج من أدراج المطبخ الصغير اللى فى الدور هنا جبت معايا من المحل النهاردة علشانك هتلاقيها فى كيس لونه أبيض وفى كيس تانى لونه أزرق ملكش دعوة بيه علشان دى أعشاب معمول بيها وصفة لواحدة زبونة كانت طلبتها منى – مش عايز أشرب شاى بالأعشاب كفاية اللى شربته منك واللى هشربه منها هى كمان دى عيشة تقصر العمر أنهى عبارته الغاضبة وصفح الباب خلفه وذهب رأساً لتلك الغرفة التى يقتسمها مع زوجته ولج الغرفة والغضب بأثره متمثلاً فى إغلاقه الباب خلفه بحدة ، جعلت حياء تنتبه على دخوله العاصف ، إلا أنها لم تعقب على أفعاله ، بل أهدته نظرة عابرة غير مكترثة وعادت لما كانت عليه من تركيز بصرها على شاشة الحاسوب ، أنتظر بين الفينة والأخرى أن تسأله عن أسباب تصرفه العصبى ، إلا أن إنتظاره قد طال ، فخلع عنه قميصه وأطاح به من يده مستقراً على مقعد قريباً منها نظرت حياء للقميص ومن ثم رمقته ببرود قائلة بنبرة فاترة : – مش عوايدك يعنى تقلع هدومك وترميها فى أى مكان فضل الصمت عوضاً عن أن يثار بينهما شجار هو فى غنى عنه ، فتلك اللمحة القصيرة من هدوءها ودعمها له التى أعقبت حادث عمران ، لم يعد لها وجود بعدما علمت بأن الخطر قد زال عنه وأطمئن الجميع على أحواله الصحية ، فحاول ضبط أعصابه بممارسة رياضة الضغط ، وظلت حياء توزع نظراتها بين زوجها وحاسوبها ، إلا أنها أختلست النظر إليه بعدما رأته يستقيم بوقفته ومن ثم جلس على حافة الفراش وتمدد بنصفه الأعلى وقدميه مازالتا مستقرتان على الأرض ولكن لم تدوم حالته طويلاً ، إذ هب واقفاً ولم يتروى بتفكيره قبل أن يحسم قراره بالخروج إلى الشرفة ، فما أن سمع صوت الجيتار الخاص بأدم ، إستقام بوقفته تاركاً الفراش ، بعدما نظر لزوجته الجالسة على الأريكة المقابلة لفراشهما الوثير ومنكفأة على حاسوبها الشخصى تنهى بعد أعمالها العالقة ، ولكن ما أن رآته يفتح باب الشرفة الزجاجى ، حتى زفرت بضيق وهزت رأسها بيأس من ردود أفعاله العصبية والتى زادت بالأونة الأخيرة خلافاً لبروده المعتاد والذى لم يكن أحد يخرجه عن طوره بسهولة ما أن إستطاع رؤية أدم جالساً بشرفة غرفته محتضناً جيتاره ويبدو متحمساً وهو يعزف الموسيقى ، حتى علا صوته صائحاً : – أنت يا إبنى أنت مش عارفين ننام ، هو ده وقت تخرج فيه البلكونة وتعزف على الجيتار ورانا شغل الصبح خلى عندك دم شوية وضع أدم الجيتار من يده تاركاً مقعده ، وما لبث أن أنحنى بجزعه العلوى وأستند بمرفقيه على سور شرفته ورغم أن المسافة بين الشرفتين شاسعاً ، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يبتسم قائلاً ببرود : – مكنتش عارف أن الصوت واصل لحد عندك كده ، بس كنت مضايق شوية وحبيت أعزف على الجيتار بس لو صوتى ضايقك حط سماعات فى ودنك وأنت مش هتسمعنى أطاح بصوابه من رده اللامبالى ، فخرج راسل من الشرفة وهو فى نيته الذهاب إليه بغرفته ، ولكن وجد حياء تعترض طريقه ووضعت إحدى يديها على صدره مانعة تقدمه خطوة أخرى وقالت بنفاذ صبر : – أستنى أنت رايح فين ، رايح تتخانق مع أدم صح ؟ أراد إزاحتها من أمامه ليكمل طريقه إلا أنها أبت أن تتزحزح من أمامه قيد أنملة ، فقالت مستطردة : – أظن عيب أنك تروح تتخانق معاه علشان قاعد براحته فى أوضته ، لو أنت مضايق متروحش تطلع عصبيتك على حد ملوش ذنب ، وكفاية أن الكل أخد باله أنك مش طايقه فى البيت زى ما يكون جه وأخد ورثك لم يفه بكلمة ، بل تركها تكمل حديثها حتى النهاية ، وربما كانت فرصة جيدة لأن يصرف عنه غضبه ، إذ لم يكن يضمن رد فعله إذا نجح فى الوصول لغرفة أدم وتشاجر معه ، وفكر أن الأنسب له أن يذهب للمطبخ ليعد له كوباً من الشاى ، الذى أوصته وفاء بتناوله فقال بهدوء وهو يقبض على يدها التى وضعتها حائل بينهما : – أنا هروح المطبخ أعمل كوباية شاى بالأعشاب هزت رأسها وإبتعدت عن طريقه ، إلا أنها تحفزت لأى رد فعل مخالف لما أخبرها به ، ولكنها وجدته يذهب حقاً لذلك المطبخ الصغير الموجود بأخر الردهة بالطابق الثاني ، وتم إعداد ذلك المطبخ من أجل إذا رغب أحد منهم فى تناول المشروبات أو تناول الأطعمة الخفيفة فى المساء دون الحاجة للذهاب إلى المطبخ الكبير الموجود بالطابق الأرضى فتش عن الأعشاب ولكن أعصابه الثائرة وغيظه منعاه من أن يمنع النظر بها جيداً ، فعوضاً عن أخذه الأعشاب الموجودة فى الكيس البلاستيكى الأبيض ، أخذ من الأعشاب الموجودة فى الكيس الآخر باللون الأزرق ، إذ لم يدور بعقله سوى أنه يريد الذهاب لغرفة أدم ويحطم وجهه وضع كوبان على الصينية ووضع الشاى وبعد أن مزجه بالأعشاب حمله إلى الغرفة ، رفع أحد الأكواب ووضعه على المنضدة أمامها مغمغماً : – أنا عملتلك كوباية معايا هيعجبك أوى – شكراً هتفت بها حياء وهى ترفع الكوب لتبدأ فى إحتساءه ، تعجبت بالبداية من مذاقه الذى لم تعتاده ، فهى تعلم مذاق الشاى بالأعشاب الذى كانت تعده وفاء دائماً ، إلا أنها لم تجد طعمه كريهاً أو منفراً ، رفعت رأسها ونظرت إليه وتساءلت بعفوية : – هو الشاى طعمه غريب شوية ليه كده ، هى دى أعشاب جديدة أحتسى راسل من كوبه ورد قائلاً بتفكير : – شكلها كده لأن أول مرة أشرب الشاى بالطعم الجديد ده ، جايز ماما حاطة معاهم حاجة جديدة بس طعمه مش وحش هزت رأسها موافقة على كلامه ، وعادت تحتسى الباقى من كوبها وهى تعمل على إنهاء عملها ، بينما جلس هو على الفراش يتصفح هاتفه ، ولكن مرت عدة دقائق وشعر أن حرارته أرتفعت فجأة ، وكأن أحدهم ألقاه بوسط نيران مستعرة بدأت تلتهمه ببطئ مميت ، فأنتفض من على فراشه بعدما تزاحمت برأسه تلك الأفكار التى حامت حول حياء كزوجة إشتاق إليها ويريدها بأى ثمن حتى لو كان سيأخذها عنوة ودون رضاها ، فهو يريدها أن تطفئ تلك النيران من الشوق التى إستعرت بداخله دون سابق إنذار ، فظل يصفع وجهه كمن أصيب بالثمالة ويريد إستعادة وعيه ولم يجد سوى الصفع حلاً ولكنه لم يجدى نفعاً ، تعرق وجهه بالكامل كمن يقف بمواجهة الشمس مباشرة دون ساتر له من حرارتها الحارقة فغمغم بهمس وأنفاسه المتلاحقة تتضافر مع نبضات قلبه القافزة بداخل صدره : – إيه اللى بيحصل ده ، أنا اتجننت ولا إيه وايه اللى بفكر فيه ده أعتصر جفنيه لعله يغلق عقله أمام تلك الأفكار التى عادت لتعيث الاضطراب بعقله وقلبه ، فلم يعد يحكم سيطرته على قدميه اللتان ساقته إلى حيث تجلس زوجته ، ولكن ما أن رآت حياء ظله العملاق يقترب منها ، أنتفضت من مجلسها وهى تلهث وأنفاسها تزداد إضطراباً ، فحالها لا يفرق كثيراً عن حاله قالت بسرعة وهى تتجه للفراش تستلقى عليه وتسحب أغطيته حتى رأسها لكى تخفى رؤيته عن عينيها : – تصبح على خير عن أى خير تتحدث وكلاهما يشعران بجحيم من الشوق أنفتح بوجهيهما مطالباً كل منهما أن يستميل إليه الطرف الآخر لكى يخمد ثورته التى لن تكف عن فورانها بداخل عروقهما ، أستلقى على الطرف الآخر ووضع الوسادة على وجهه لعله يستطع منع نفسه من التفكير فى الإقتراب منها ، ولكن حركتها المفرطة كمن لا تشعر بالراحة فى نومها ، جعلت من المستحيل عليه أن يخضع عقله لأوامره ، فأزاح الوسادة عن رأسه وأقترب منها قليلاً وجذب طرف الغطاء عن وجهها شخصت ببصرها إليه كمن ترى شبحاً أو وحشاً على وشك إفتراسها ، فأزدردت لعابها وتساءلت: – فـ فى إيه وعايز إيه ؟ إبتسم راسل قائلاً بتوتر : – مش عايز حاجة أنا بس كنت هسألك عمالة تتحركى كتير ليه كده ومش عارفة تنامى وضعت يدها على جبهتها لعلها تدمغ حجتها الواهية بدليل : – لاء دا أنا بس مصدعة شوية ولما بصدع مبعرفش أنام ، شوية وهكون كويسة متشغلش بالك تمنت لو أن يعود لمكانه ويغفو بنومه ، عوضاً عن تحديقها الأبلة والحالم بوجهه ونفسها تغريها على معانقته حتى ترتوى روحها الظمأنة لقربه والذى لم تعلم مدى شعورها بالإشتياق إليه إلا بتلك اللحظة ، فما عادت تتذكر برودها أو إفتخارها بأنها سترده دائماً صفر اليدين من أمام أبواب وصال الهوى ، بل أرادته أن يضرب بكلامها عرض الحائط أدنى برأسه منها قائلاً بإهتمام : – ألف سلامة عليكى يا حبيبتى ، أجبلك قرص مسكن للصداع أزدردت لعابها للمرة التى لا تعلم عددها وردت قائلة وعيناها تحدق بعمق فى سوداويتيه : – لاء ملوش لزوم شوية وهبقى كويسة ، بس طفى النور علشان ننام مد ذراعه ليغلق الإضاءة الجانبية للفراش من جهتها أولاً ، فغاصت برأسها فى الوسادة لعلها تخلق مسافة أمنة دون أن يتلامسا ، ولكنه كان قريباً بالشكل الكافى الذى مكنها من إستنشاق رائحة عطره السخية التى فاحت من ثيابه ، ولكن ما أن أتم مهمته بغلق إحدى الأنوار ، وأثناء سحبه لذراعه تلكأ بفعل ذلك متعمداً ، يزيد من حيرتهما سوياً ، فعوضاً عن أن يعود لمكانه ويغلق الاضاءة من جانبه ، ظل يتفرس فى وجهها على ضوء الإنارة التى تم خفضها ، وعقله يدور بكل اتجاه عن احتمالية قبولها أو رفضها لأقترابه منها ، بذلت جهداً لكى تفتح عينيها ثانية ورأت وجهه قريباً منها ، وكأن مضت لحظة أبدية ، وما أن أدنى بوجهه منها أكثر ، لم تقاوم هدير صوته المغناطيسى فى أعماق رأسها ، وكأنها أنحدرت إلى نوع من الغيبوبة منتظرة ما سيحدث ، ودون مقدمات لن تفيده ، أنحنى إليها يعانقها بحذر ، منتظراً قتالها المستميت عن نفسها ، ولكنه لم يجد شئ من هذا القبيل ، بل وجدها تبادله العناق بجنون لا يقل عن جنونه الذى أطلق له العنان ما أن رآى بوادر موافقتها عما يحدث بينهما ، أحست بنفسها تعود إلى الأرض بعدما كانت تحلق في السماء ، عندما بدأ راسل يرخى ذراعيه من حولها ، ويتركها إلى إحساس مفاجئ من الفراغ إبتعد عنها لكى يترك لها مساحة كافية لإلتقاط أنفاسها ، وتصارعت أفكاره فى عودته إليها ، يخشى أن تكون تلك لحظة أدركها فيها الضعف الناتج عن شوقها ، وما أن تثب لرشدها ستتهمه بإستغلالها ، وربما لن تكف عن تأنيبه أبتلعت حياء لعابها وقالت بإرتباك : – مالك فى إيه حاولت جمع شتات نفسها ومررت يدها على شعرها بشعور يفتقر إلى الثبات ، إذ لم يكن سهلاً أن تعود لحالتها الطبيعية بعد ذلك العناق الذى خاضته معه بقلب مشتاق لعودته إليها ، ورغم تحفظها الظاهرى معه بل وصدها الدائم له ، إلا أن سحر اللحظة لا يزال يتدفق فى عروقها كالزئبق حدق فى وجهها يتأمل ملامحها الجميلة ، وراحت يده تتحسس كل إنش به وتدور حوله ، مر بخديها ، وتوقف لحظة قرب ثغرها ، ثم تحركت أصابعه إلى الخط النحيل لوجنتيها ، حتى وصل لجانب عنقها حيث لف أصابعه الفولاذية فجأة حوله برقة وقال بصوت هامس : – أنتى دلوقتى خايفة منى ولا خايفة من نفسك يا حياء ، بتبصيلى كأن وحش هيفترسك فقالت حياء وهى تلهث : – علشان أنت واحد قاسى لدرجة أنك ممكن تخلينى أكرهك بسبب عمايلك حدقت فى عينيه اللتين راح ترمقها بصمت ، بينما قلبها ظل يدق كالمطرقة بداخل صدرها ، تخشى أن يفطن لمدى شعورها المفاجئ تجاهه الآن ، من أنها تتفوه بأى حديث ، لكى توهمه بأنها مازالت محافظة على كبرياءها ، الذى تخشى أن يُهدر تحت وطأة تلك المشاعر والعواطف التى عادت تتأجج فى قلبها من جديد أنزلقت يده عن عنقها ولف اطراف شعرها القصير على أنامله متسائلاً بترقب : – يعنى أنتى لسه مكرهتنيش يا حياء ؟ أحست حياء بقلبها يثب بين جوانحها ، ولم تستطع أن تجيبه على سؤاله ، وعاد يقول بصوت أكتر دفئاً : – مردتيش على سؤالى ليه قالت حياء بعدما إبتلعت تلك الغصة التى منعت عليها الكلام : – عايزنى أرد عليك أقولك إيه يا راسل ، عايز تسمع منى إيه بالظبط صمتت وكأنها لن تجد كلمات ترد بها وتجعله يكف عن تلك الحيرة التى رأتها بوضوح فى عينيه وحركة فكه المرتجف ، كمن ينتظر إذناً لبدء معركة مصيرية ، ولكنها أجفلت ما أن لمس أجفانها كأنها يخشى تجمع الدموع فى عينيها ومن ثم تعود وتبكى ولكن كأن سرت صدمة كهربائية فى أوصالها ولم تستطع أن تكبت همسة خافتة قادمة من أعماق قلبها : – ياريتى أعرف أكرهك يا راسل يمكن ساعتها أرتاح وأبطل أتعذب كل ما أشوفك قدامى فتأوه راسل قائلاً بشوق مستعر : – وحشتينى أوى يا حياء ، أنا ليلى بقى زى نهارى ، وأيامى بقت جحيم ، متتخيليش العذاب اللى ببقى فيه وأنتى جمبى ومش قادر أقرب منك ، عايز أرجع أحس بيكى قريبة منى ، وعايز قلبى يرجع ينبض بالحياة تانى ، مش عايز أفضل مجرد شبح لواحد هيفضل عايش حياته كلها فى الوجع والألم اللى اتفرضوا عليه حتى من قبل ما ييجى للدنيا دى ، كأن هفضل عايش فى مقبرة الماضى والذكريات جذبته إليها ولفت ذراعيها حول عنقه وقالت وهى ترتعد : – خلاص كفاية يا راسل كفاية لأول مرة منذ عودته يشعر بهذا الهدوء ، ولا يعلم هل ناتج عن صدق مشاعرهما أم أن تلك العواطف التى غمرتهما فجأة ولا يعلمان سر ظهورها خاصة بهذا الوقت ، ستكون طارئة وما أن يزول مفعول سحرها سيعودان لما كانا عليه قبل تلك الليلة ، ولكنه لم يشأ أن يفكر كثيراً ، فمن الأفضل له إغتنام تلك الفرصة ، التى ربما لن يحالفه الحظ بأن يقتنصها مرة أخرى طوقها بذراعيه، وغمرت أنفاسه وجهها وهو يقول بصوت متهدج : – أنتى روح راسل اللى إشتقت ترجع تسكن قلبى وبين ضلوعى تحركت حياء بين ذراعيه كهمسة الحرير ، ورفعت وجهها له تعرض عينيها وشفتيها ووعد الشوق ، الذى سيطمئنه من أن قلبها مازال ينبض بعشقه ، فرفت أهدابها وتغشى عينيها بريق من الخضوع المحبب لنفوس العاشقين ، وأجابته بأنفاس كادت تذوب وتتلاشى ، ما أن شعرت بدفء أشواقه: – أنت متتخيلش وحشتنى قد إيه يا حبيبي ، راسل أنا إشتقتلك أوى ، خليك معايا ومتفكرش تسيبنى أو تبعد عنى تانى ❈-❈-❈
يتبع…


لإكمال الرواية تابعنا علي قناة تليجرام 

👈 الفصل التالي:  رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني الفصل الحادي والعشرون


👈 المزيد من الروايات الرومانسية الكاملة:  روايات كاملة  

👈 لتحميل المزيد من الروايات:  تحميل روايات pdf 

انتهت أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.
admin
admin
تعليقات