نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الجزء الثاني الفصل السابع عشر من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
لا يليق بك الا العشق2 الفصل 17
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الثالثة والستون
ج٢–١٧–” بيادق لعبة الغرام ”
أخترقت أذانهم جملتها التى بدت كأنها كانت تهمس بها لذاتها ، ولكنها أنتبهت على أن صوتها فضح ما تضمره من خبايا وأسرار ربما لم تكن تريد أن يعلموا عنها شيئاً ، فهى وإن كانت تميل بالحب إليهم ، إلا أن هناك بعض الأسرار التى فضلت أن تظل طى الكتمان ، بل وحاولت نسيانها طالما كان المعنين بها صاروا من الذكريات ، ولم يخرجها عن تكتمها للأمر ، سوى أنها عادت لتعيش تفاصيل ماحدث فى الماضى ولكن بصورة أخرى أقوى وأعنف من التى حدثت سابقاً ، فها هو ديفيد يحاول فعل ما فعله والديه قبل موتهما ، والذى لم يكن أحداً يعلم به سواها هى وأدريانو الذى مازالت متذكرة رد فعله العنيف والشرس على شقيقه عندما أعلن عن رغبته هو وزوجته بإعتناق الإسلام وترك اليهودية ، بل وكان يفكر جدياً بمنح أطفاله أسماء جديدة تتناسب مع إعتناقهم للدين الإسلامى ، ولكن لم يكن الحظ حليفه إذ أنه لقى حتفه هو وزوجته وثلاثة من أطفاله فى ذلك الحادث الذي تم تدبيره لهم
رغم دهشة وصدمة ديفيد وبيرى مما سمعاه ، إلا أن حياء أبتهجت نفسها وتساءلت بفرح إختلج بنبرة صوتها المُلحة بسؤالها :
– هو بابا وماما أعتنقوا الإسلام يا مارجريت يعنى ماتوا مسلمين مش يهود ؟
حاولت مارجريت التهرب من إجابتها ، فراحت تمضغ قطعة من الحلوى التى تتناولها مع الشاى ومن ثم قالت وهى تنظر لبيرى :
– مين اللى عمل الكيك ده ، ده مفيهوش سكر
لم تعلم بيرى ما الداعى لها بأن تبدى إمتعاضها من عدم طيب مذاق الحلوى ، إلا أنها أخذتها منها ووضعتها على الطاولة وأخذت كفيها الهرمين بين يديها وهى تنظر إليها بعمق ، لعلها تشعر بالعطف نحوها ولكى تجيب حياء التى بدت كأنها تجلس على جمر محترق وتريد إجابة لسؤالها
مسحت بيرى على ظاهر يد مارجريت وقالت وهى تبتسم لها إبتسامة صافية :
– مارجريت ماتحاوليش تتهربى من سؤال حياء لو فى حاجة منعرفهاش قوليلنا عليها وأظن من حق ديفيد وحياء يعرفوا كل حاجة عن باباهم ومامتهم
تنازعت الزفرات بصدر مارجريت ، تريدها أن تطلق سراحها ، فلن يعود بالإمكان حجزها أكثر من ذلك ، فتنهدت بصوت مسموع قائلة بتمهل ولكن لم يخلو صوتها من الضيق وهى تأتى على ذكر ما حدث بالماضى :
– دانيال كان مهتم جدا بأنه يقرأ عن الدين الإسلامى والظاهر أهتمامه ده كان تأثير صداقته لمراد الزناتى ووجدى النعمانى ، فحب أنه يبقى مسلم ، فلما عرض على مراته أنهم يعتنقوا الإسلام وافقت هى كمان من غير ما تتردد ، وقبل الحادثة اللى حصلتلهم بكام يوم ، كان دانيال ومراته أعلنوا إسلامهم حتى فكروا يغيروا أساميهم وأسامى ولادهم ، بس قبل الموضوع ما يتعرف من باقى العيلة والناس كانوا ماتوا
حتى بعدما ختمت حديثها ، لم يبدو على وجه أحد منهم ما يخالف دهشته منذ سماعه ما قالته ، قبل أن تأتى على ذكر التفاصيل القليلة التى تلتها عليهم ، كأنها مرغمة على قول ذلك ، فهى وإن كانت ما تزال تحفظ ذكرى حبها لإبن شقيقتها الأكبر ، إلا أن ذلك الأمر بالأخص خلق بنفسها فجوة ، جعلتها تمتعض من سلوكه ذلك الدرب الذى جعله ينسلخ عن ديانتهم ، وفضل إعتناق ديانة أخرى ، ويعود إمتعاضها لتزمتها الواضح بإعتناق اليهودية ، حتى إنها مازالت تمارس شعائرها ، رغم أنها لم تجبر بيرى وديفيد على فعلها ، ولكن كأنها أخذت أمر أنهما مازالا يعتنقانها كافياً لأن تشعر بأنهما من بنى جلدتها
– الحمد لله يا رب الحمد لله
شفتيها الباهتتين والتى نضبت منهما الدماء ، لم تحسن إخراج سوى تلك الهمهمات الحامدة والشاكرة ، كمن تعرب عن مدى دهشتها الممزوج بسعادتها البادية بوهج مقلتيها منذ علمها بشأن إتباع والديها للدين الإسلامى
فصاح ديفيد كمن وجد حلاً لمشكلة مستعصية الحل ، إذ قال بتصميم وإصرار :
– خلاص أنا كمان هعلن إسلامى وهغير إسمى طالما بابا وماما عملوا كده وكان نفسهم إن إحنا كمان نبقى مسلمين
قضى ديفيد بحديثه على ما تبقى لدى مارجريت من هدوء ، فليس معنى إخبارها لهم بما حدث فى الماضى ، أن يأتى هو ويسير على تلك الخطى ، التى لم يسير منها أبويه سوى خطوة البداية ، فتصميمه وعزمه البادى على قسمات وجهه التى غزتها سعادة غير متوقعة ، خاصة لتيقنها من أن ديفيد يحيا حياته بحرية ، دون تلك القيود التى ستُفرض عليه إذا إتبع ذلك الدين الذى سيجعل كل أفعاله محرمة ويجب أن يقلع عنها
لم تستطع كتمان إمتعاضها أكثر فصاحت به قدر ما ساعدتها أحبالها الصوتية ، التى بدت وكأنها ستتمزق بتلك الصيحة :
– إيه اللى أنت بتقوله ده يا ديفيد معنى كلامك ده إن عيلة إسكندر شمعون خلاص مش هيبقى ليها وجود ، أنت ناسى أنك أنت أخر وريث ولد للعيلة دى ، يعنى المفروض تتجوز وتخلف أولاد يشيلوا اسمك واسم عيلتك مش عايز تمحيه خالص ، أنت لازم تفكر كويس فى اللى عايز تعمله
قلب ديفيد عيناه بملل من محاولة مارجريت فى إحباط مخططه للفوز بمعشوقته ، فهو لا يعنيه من كل هذا سوى أنه يريد أن يكون زوجًا لياسمين ، ويرى أن العائق الأكبر بينهما هو اختلاف عقائدهما ، لذلك سيعمل على هدم ذلك الجدار الأول بينهما ، وربما تتوالى مخططاته ليظفر بها بالأخير
أشاح بوجهه عنهن وتعلق بصره بذلك الطائر الذى حط على أحد فروع تلك الشجرة الكبيرة ، والتى تشبه غصونها الجافة تلك الخطوط المحفورة بعمق فى وجه مارجريت ، فقال بصوت بارد خالى من أى شعور :
– أنا أخدت قرارى يا مارجريت وخلاص وكمان ناوى أتجوز متقلقيش
أطاحت مارجريت بتلك المزهرية الصغيرة الموضوعة على الطاولة أمامها ، وقالت بنبرة تفيض إمتعاضاً مختلطة بصياحها :
– عايز تنجح فى اللى فشل فيه جدك ، مغلطتش لما قولت مات وساب لعنته لأحفاده ، دلوقتى بقيتوا عايزين تغيروا جلدكم وتبقوا شبهم ، العشق خلاكم عايزين تنسوا أصلكم علشانهم
أرتعدت حياء من صيحتها ، التى ساهمت بجعلها تعى أى إستياء تكون لديها منذ إفصاح ديفيد عن رغبته ، التى لا تعلم سر إصراره عليها بذلك الوقت ، خاصة إنه لو كان يرغب بإعتناق الإسلام ، لكان فعل ذلك منذ زمن ، فبالأمر شئ مبهم لا تستطيع فهم كنه ، ولكن لم يكن هذا ما يشغل عقلها فقط ، بل ظهور تلك الطباع المتشددة لمارجريت كانت أدعى بأن تجعلها ترى الأمور من منظور أخر ، وربما الآن فهمت سر عزوفها عن الحضور وقت مجئ عبد الرحمن وعائلته لخطبة بيرى ، بل وفهمت أيضاً تحفظها الظاهرى فى التعامل معها ، رغم أنها لم تظهر لها مظاهر العداء ، لذلك كانت تجد برفقة بيرى سلوى لها بأنها تستطيع جعلها تشعر بأنها مازالت تملك عائلة
، فرغم صياحها وإحتجاجها ، إلا أن ديفيد كان لديه التصميم الكامل على تنفيذ ما قاله ، بل إنه نهض وترك مجلسهن ليفض ذلك النقاش
ما أن وصل للداخل ، وجد أحد رجاله يخبره بمجئ إثنان من الرجال ، الذى ضرب لهما موعداً مسبقاً لمقابلته ، فأخبره بأن يجعلهما ينتظرانه فى غرفة المعيشة لحين مجيئه
أخرج ديفيد حقيبة جلدية من أحد أدراج تلك الخزانة الخشبية الصغيرة الموضوعة فى غرفة المكتب وأخذها وخرج متجهاً لغرفة المعيشة ، وما أن وصل إليها ، نظر للرجلان قائلاً ببرود ونبرة عميقة توحى بالقوة والنفوذ :
– كويس أنكم جيتوا دلوقتى لأن كمان عشر دقايق كنت هعمل الصفقة مع ناس غيركم
نهض أحد الرجلان قائلاً بهدوء محاولاً إسترضاءه :
– ديفيد بيه هدى نفسك ، أحنا كنا عاملين إجتماع لكل تجار السلاح ، علشان نعرف كل واحد هتبقى حصته قد إيه
وضع ديفيد الحقيبة من يده ، وبعدما فتحها أخرج منها سلاحان ناريان حديثى الطراز ، ويبدو أنه من تلك الفئة التى تعمل سيفعلان المستحيل للحصول عليها ، نظر للرجلان تباعاً قائلاً بإبتسامة ماكرة :
– حصة كل واحد أنا اللى احددها مش أنتم ، يعنى السلاح ده انا اللى هدى كل واحد نصيبه منه ، مش عايزكم تنسوا إن أنا الزعيم دلوقتى ، لأن اللى هينسى
أطلق رصاصة حطمت زجاج النافذة كتمهيد لإطلاقه النيران عليهما إذ دعته الحاجة ومن ثم إستأنف حديثه قائلاً ببرود :
– تخيلوا أنتوا لو الرصاصة دى أنضربت فى دماغ حد فيكم ، هتقتله فى ثوانى ودى ميزة السلاح ده انه سريع فى ضرب النار وأنه يقضى على حياة أى حد بسهولة ، ودلوقتى خلونا نتكلم فى السعر والتسليم
نظر الرجلان لبعضهما البعض ، وهما يقارنان بينه وبين عمه الراحل الذى كان ذو مزاج مجنون ومتقلب مثله ، فيبدو أن ديفيد ورث طباعه علاوة على زعامة المافيا ، التى جاءته دون أن يسعى إليها ، فكونه متمرساً فى إستخدام الأسلحة النارية ، تم جعله المختص بتجارتها لرفضه الإتجار فى المخدرات أو بيع الفتيات مثلما كان يفعل أدريانو ، وبعد أن أنتهى من إجتماعه وتم الاتفاق بينهم على موعد لجلب تلك الأسلحة النارية التى يتم تهريبها دون علم الشرطة ، أنصرف الرجلان ، بينما عاد ديفيد للتفكير فيما سمعه من شقيقة جدته ، فهو لن يجعل شيئاً يحيده عن تفكيره مهما حاولت مارجريت ثنيه عن قراره ، ومهما بلغت أهمية ذلك الهراء الذى تفوهت من أنه يجب الحفاظ على نسل تلك العائلة وأن يظل إسمها قائماً طالما كان هو على قيد الحياة ويحمل على عاتقه مهمة تخليد إسم عائلة إسكندر شمعون
❈-❈-❈
رغم ذلك الهدوء الذى يكتنفها ، إلا أنها لم تحاول بمرة أن تتجاذب معه الحديث ، رغم أنه وجوده فى المنزل وحياتها هى وزوجها صار أمرًا حتمياً ، ولكن كأنها فضلت أن يكون الأمر بينهما مقتصراً على تحية الصباح اللطيفة أو إبتسامة وإيماءة من الرأس إذا تقابلا سوياً وسريعاً ما ينتهى الأمر بأن يذهب كل منهما بطريقه ، ولكنه اليوم كان أكثر تصميماً وإصرارًا على أن يكون بينهما لقاء حتى وإن كان قصيرًا ، ولكنه سيكون كافياً لأن يتعرف إليها عن قرب ، فما سمعه عن أسطورة عشقها هى وأبيه ، أثار لديه الفضول من أن يرى تلك المرأة عن كثب ، ليعلم سر إفتتان وعشق والده لها ، وهو ليس بأعمى لكى لا يرى جمالها الخلاب الذى تستطيع به جذب القلوب قبل العيون ، علاوة على إتقانها لتأدية دور سيدة المجتمع الراقية ، والتى تجعل من ينظر إليها يجزم بأنها ملكة من إحدى الأسر الملكية ، والتى نشأت وترعرعت على أن تكون صورة حية للجمال والعذوبة والأرستقراطية ، وربما علم الآن أن أى إمرأة أخرى ستنافسها ستكون خاسرة أمام تلك التى مسماها ” غزل ”
ما أن رآها تسير فى حديقة القصر بعدما أصدر عاصم قراره بأن لا تبرح البيت إلا من أجل أمر ضرورى حفاظاً عليها وعلى جنينها ، خرج إليها وأسرع بخطواته حتى صار يقف بجوارها تقريباً
فإبتسم أدم قائلاً بمودة :
– عاملة إيه دلوقتى ، ممكن أتمشى معاكى شوية
أنتفضت غزل بعد سماع صوته ، إذ لم تضع بحسبانها أن ينضم إليها أحد خاصة بهذا الوقت ومعظم ساكنى القصر أنصرفوا لأشغالهم ، ولكن يبدو أنها لم تنتبه أن هناك من يقطن معهم ولا ينصرف من المنزل إلا من أجل التنزه ويقضى الباقى من أوقاته فى توطيد علاقاته بأفراد العائلة
إبتسمت غزل إبتسامة أنيقة ولكنها فاترة ولا تحمل ترحيباً ولا دفئاً ، إلا أنها رفعت يدها تشير له بالسير وهى تقول بفتور :
– أنا الحمد لله تمام ، أتفضل أتمشى معايا بس إيه السبب لكده ، عايز تتعرف على مرات باباك ، ولا تتأكد إن مش شريرة زى مفهوم مرتات الأب التقليدى
ضحك أدم حتى بانت أسنانه الناصعة ،والتى يبدو عليه أنه يعتنى بهما كإعتناءه بمظهره العام من تصفيفة شعر ملائمة لوجه الوسيم وثياب شبابية تبرز بنيته الجسدية القوية ، والتى لم يرى أحد ينافسه بها هنا فى المنزل سوى ” راسل ” حتى أن فارق الطول بينهما ملحوظاً ناهيك عن أن راسل يفوق جميع من بالمنزل فى طول القامة ، ولا يعلم لما أتى على تذكره الآن
ربت أدم على صدره بحركات متتابعة ورد قائلاً بصدق :
– هتصدقينى لو قولتلك إن عايز أتمشى معاكى علشان أتعرف عليكى أكتر وإن معجب جدا بقصة حبك إنتى وبابا
إلتوى ثغر غزل بإبتسامة جانبية وردت قائلة وهى تنحى لقطف إحدى الورود :
– وإنت بقى عايز تعرف قصة الحب مع أنت تبان لأى حد إنك دليل خيانة عاصم ليا
إستقامت بوقفتها وحدقت فى وجهه وهى رافعة إحدى حاجبيها وأناملها تتحسس بتلات الوردة البيضاء التى قطفتها ، فما كان منه سوى أن ركل بقدمه حفنة من العشب ، ومن ثم رمقها بهدوء قائلاً بتنهيدة عميقة:
– عارف إنك ممكن تكونى مضايقة من وجودى فى البيت ، بس أنا معملتش حاجة تخليكى تفتكرى إن جاى أخرب علاقتكم ببعض ، يعنى لولا اللى حصل زمان ، كان ممكن أكون أنا إبنك أنتى
– بس إنت مش إبنى يا أدم
قالت غزل وسرعان ما أولته ظهرها ، لعلها تخفى تلك الدمعات التى عادت توخز عينيها كالأشواك . تعلم أنه ليس مذنباً كأبيه ، ولكنها لن تستطيع التظاهر بأن الأمر عادياً ولا يشكل لديها فارقاً ، بل وتوهمه بأنها تقبلت وجوده فى المنزل ، فالتظاهر بمشاعر ليس لها وجود لن يكون فى صالح أحد منهما
تنفست غزل بعمق لعلها تخفف من ضغط العبرات على جفنيها ، ولكنها عادت تنظر إليه مستطردة بهدوء :
– مش هكدب عليك يا أدم وأقولك إن هتقبل وجودك بين يوم وليلة ، بس بالرغم من كده أوعدك أن لا هضايقك ولا إن مثلاً أقولك كلمة تزعلك ، لأن أنت برضه ملكش ذنب فى اللى حصل ،بس أهو هنحاول نتقبل بعض
رفعت طرف سبابتها لتسرع بمحو تلك الدمعة التى نجحت فى الفرار من حاجز جفنها الأيمن ، فأماء أدم برأسه متفهماً لقولها ، ورغم ذلك لم ينصرف بل أكمل تجوله معها فى الحديقة ، وهما يتحدثان حول بعض الأمور العامة كصديقان حديثى العهد بتلك الصداقة التى يأمل أدم بأن تكون بداية للتفاهم بينهما
بعد عودة غزل للداخل وصل أدم للمسبح وجد صديقه عماد يتمدد بإسترخاء على المقعد الخشبى الطويل واضعاً قبعة تغطى النصف الأعلى من وجهه
سحب أدم القبعة من على وجهه قائلاً وهو يوكزه بكتفه :
– أصحى هو أنت نمت أنت بتقوم من النوم علشان تنام
مسح عماد وجهه بكفيه وفتح عيناه الناعستين قائلاً بكسل :
– ما أنا من ساعة ما جيت هنا مش لاقى حاجة نعملها يلا بينا نرجع فرنسا تانى ونشوف شغلنا بدل الأنتخة اللى إحنا فيها دى
تمدد أدم على المقعد الأخر ورد قائلاً برفض :
– لاء مش هرجع فرنسا دلوقتى عايز تسافر أنت سافر مع السلامة
رفع عماد إحدى المناشف البيضاء الموضوعة قريباً منه ، فألقاها على وجه أدم بحنق ، وعندما لم يبدى حراكاً أعاد الكرة مرة أخرى ، ومن ثم قال :
– إيه الوطينة دى يعنى علشان خلاص لقيت أهلك بعتنى ، قليل الأصل بجد ، خسارة صداقتى فيك يا ندل
قهقه أدم ما أن سمع ما تفوه به صديقه ، فلو لم يكن يعلم أمور المزاح خاصته ، لكان ظن أنه مستاء حقاً منه وسأم من تلك الرفاهية التى يتنعم بها ، بعدما حل ضيفاً على مالك ذلك القصر لإرتباطهما بتلك الصداقة القوية ، والتى تجعله يضع أدم بأولوياته وما أن يريد دعمه يسرع بتقديمه له على الرحب والسعة
تنفس أدم تلك النسمات التى داعبت أنفه محمولة بأريج عطور تلك الزهور بالحديقة ، ومن ثم غمغم بكسل :
– أنا بجد كنت محتاج اجازة أرتاح فيها بقالنا فترة بنسافر من بلد لبلد وشغل شغل ، لازم نرتاح شوية
رفع أدم رأسه عن مقعده ، بعد سماع صيحة الصغير القادمة من إحدى شرفات المنزل ، فوكز عماد لينظر إلى ما ينظر إليه ، حيث وقفت ساندرا فى شرفة غرفتها تداعب صغيرها الذى راح يقهقه بصوته الطفولى وبدا مسموع لهما بكل وضوح
رفع أدم نظارته السوداء عن عينيه قائلاً بحيرة :
– غريبة أوى ساندرا دى من ساعة ما جينا البيت وهى مبتظهرش إلا صدفة ، دا ساعات بنسى أنها عايشة معانا فى البيت ، ياترى إيه حكايتها وليه مبتحاولش تتكلم مع حد ، أنا حتى معرفش تقربلهم ايه ولا حد راضى يقولى كأنه سر
لوى عماد ثغره من قوة ملاحظته الخاصة بالإناث ، كأنه لن يترك إمرأة بهذا المنزل إلا وسيعمل على دراسة ردود أفعالها ، ويبدى إستغرابه كلما إنتبه على فعل لا يتوافق مع باقى ساكنى القصر ، فنفخ خديه قائلاً بملل :
– يا سلام على بعد نظرك يا أدم ، سايب الرجالة اللى فى البيت وشغال تحليل فى شخصيات الستات اللى موجودين ، أرحم نفسك بقى يا أخى ، أوعى تخلص على ستات البيت وتدخل على الشغالات
ببطئ ترك أدم مقعده ، وهو ينوى القيام لتأديبه على ما قاله ، إلا أن عماد قفز على قدميه ، كأنه علم بنواياه ، ولم يكتفى بذلك بل أطلق لساقيه الريح ، قبل أن تمتد إليه يد أدم ، ولكنه لم يكن يقبل بفعلته ، إذ ركض خلفه فى الحديقة وحول المسبح ، فإنتبهت ساندرا على ما يفعلانه ، فشقت إبتسامة عريضة شفتيها ، وخرج صوت ضحكتها عالياً ، ورن بأذنيها وكان ذو وقع غريب ، فهاتان الشفتان لم تمسهما ضحكة أو إبتسامة نابعة من القلب منذ وقت طويل ، تمنت لو كانت قادرة على محو تلك الأيام ، التى لم تفشل فى عدها ، بل تحسب الدقائق بها ، وكل دقيقة تمر عليها تذكرها بقسوة ومرارة ما حدث ماضياً ، فما أن جال بخاطرها ، تلك الفاجعة التى حرمتها إبتسامتها ، بل وحرمتها أن تحيا حياتها كما كانت معتادة ، تسربت دمعاتها الفياضة على وجنتيها ، فيكفى تلك الصرخات والصيحات التى مزقت فؤادها ، كأن تلك الأصوات مازالت تدوى فى أذنيها ، وجعلتها تغلق عينيها فى محاولة منها أن تحافظ على هدوها قدر المستطاع ، فراحت تأخذ أنفاسها وتزفرها ببطئ كما نصحها راسل بأن تفعل إذا داهمتها تلك الحالة من معايشة تلك الذكرى الأليمة ، وتذكرت كيف ساهمت دون أن تدرى بحدوث ذلك الصدع فى حياته ، حتى باتت غير قادرة على أن ترحل أو أن تظل مقيمة هنا بمنزل عائلته وترى زوجته كيف ترمقها بنظرات الإستفهام عن ماذا بينها وبين زوجها ويحرصان على إخفاءه عن الجميع
لم تجد ليالى حلاً أخر لبيع
قطع الألماس التى بحوزتها ، إلا أنها تحاول الوصول لذلك الرجل ، الذى تعلم أنه يعمل بما يطلقون عليه ” السوق السوداء ” من حيث الإتجار بالعملات الأجنبية والآثار القديمة والمصوغات والمشغولات الذهبية والماسية ، فإن كانت تعلم أن الذهاب إليه كالذهاب لجحر الشياطين ، إلا أن ذلك لم يحد من إندفعاها بأن تبيع قطع الألماس ؛ لتعمل على شراء المطعم ، بعدما حاول عمران إقناعها بأنه فرصة ذهبية لها لكى تصبح سيدة أعمال ، ولم تنسى أيضاً أن تحاول إستخدام سحرها وإغراءها كأنثى لكى تحصل على أفضل العروض منه ، فما حدث بينهما بسنوات شبابها الأولى ، يجعلها تعى أى من الأوتار لديه تستطيع العزف عليه لتحصل على ما تريد ، فماضيها المحفوف بالكوارث والعلاقات الغير مشروعة ، لن يكفى مجلد لأن تخط به ذنوبها الماضية والحالية ، ورغم ذلك لم تفكر بيوم أن تقلع عن كل ذلك ، وتلك اللمحة الخاطفة من التوبة لم تزورها إلا عندما رغبت فى الزواج من عمران ، والذى علمت مؤخراً أنه متزوجاً من فتاة سليلة أثرياء وعائلتها تستطيع محو وجودها بلمح البصر
أغتمت ملامحها ما أن تذكرت زوجة عمران ، فدمدمت بغيظ :
– وإيه يعنى حفيدة النعمانى ، يا بختها متجوزة راجل أنا أدفع نص عمرى وأتجوزه ولو لليلة واحدة ، بس يلا كلها حظوظ ، ومين عالم بكرة يحصل إيه ، ما قريب أوى هبقى زى زيها وهبقى سيدة أعمال والكل هيعملى ألف حساب زيها
وضعت القرطين الذهبيين بأذنيها وقسمات وجهها مازالت تنضح بإمتعاضها وإستياءها ، وكأن بفعلتها تلك ستنجح بأن تعزز ثقتها بنفسها من أنها بيوم تستطيع منافسة ميس على قلب عمران ، والذى لم تعد ترى رجلاً غيره ، حتى وإن كانت الآن تفكر بإقامة علاقة مع ذلك الرجل الذي ستذهب إليه ، ولكنها سترفع الحرج والذنب عن عاتقها بحجة أن ليس لديها مشاعر تجاه ذلك الرجل ، وإنه لمنطق عجيب وعقيم من أن يستحل بعض الأفراد حدود الله متذرعين بأن ذلك يصب فى النهاية لمصالحهم الخاصة وأن كل شئ سيمر ويصبح بطى النسيان ، وتلك هى قواعد المجتمع المتفتح ، الذى لم يعد بعض أفراده يلتزمون بتقاليده وكأنها صارت بالية ولابد من تجديدها ، كأن ثوب العفاف صار مهترئاً وحان الوقت لشراء ثوب جديد ولكنه لا يستر النفوس
أخرجت قطع الألماس من الصندوق الخزفى الموضوع به باقى حُليها الذهبية ، ووضعت قطعة ألماس واحدة بحقيبتها وظلت يدها متمسكة بالحقيبة وكأنها لن تفلتها إلا بعدما تصعد روحها ، ولما لا وهى ترى متاع الدنيا بتلك القطع الصغيرة البراقة ، فهى على إستعداد لدفع ثمنها كقربان لأن تمحى سجل حياتها القديم الحافل بالعلاقات المشبوهة ،من أجل شراء حاضر ومستقبل يضفى عليها رونقاً من أنها باتت سيدة مجتمع راقية ، لديها من المال ما يكفى عن حاجتها ، وربما يكون قادراً على سد تلك الفجوة بينها وبين ذلك الرجل الوحيد القادر على جعل خلاياها تهتف بإسمه ، وتُمنى ذاتها بأن يأتى ذلك اليوم ، الذى تستحل فيه قربه دون وجود عائقاً بينهما ، فجموح أمانيها يجعلها تنسى أحياناً كثيرة بأنه يمتلك زوجة ، إذا تبارتا فى نزال عن من ستكون الأحق به ، ستكون زوجته هى الفائزة دون جهد
صوت صرير أسنانها المصطكة ببعضهما ، لم يكن كافياً بجعلها تبلع إهانة عقلها لها ، فخرجت من الغرفة وأشارت للحراس بأن يتبعوها ، وما أن أخذت مكانها بالمقعد الخلفى لسيارتها ، أمرت السائق بالإنطلاق لتلك الوجهة التى ستقصدها ، فبعد خمسة عشر دقيقة ، كان السائق يصف السيارة أمام ذلك المنزل ، الذى لم يختلف فى رفاهيته عن منزل سيدته ، لذلك لم يساوره هو أو أحد من الحراس الشكوك حول مجيئها لهذا البيت ، وإستطاع كل منهم حبك سبباً وجيهاً لمجيئها
خرجت من السيارة وهى قابضة على حقيبتها كالقابضة على ذرات من الجمر ، حتى أن يداها بدأتا تتعرقان ، وشعرت بتلك الرجفة الخفيفة بسيقانها ، إلا أنها رفعت وجهها وأكملت سيرها حتى وصلت إلى غرفة المعيشة التى إصطحبتها إليها إحدى الخادمات
جلست واضعة ساق على الأخرى ، وعيناها تتجول بهما فى أرجاء الغرفة ، ولم يقطع عليها تأملها سوى ذلك الصوت الذى صدح من أمام باب الغرفة :
– ليالى عاش من شافك ، دا أنا قولت إن مش هشوفك تانى من ساعة ما ضربتلك الباسبور اللى طفشتى بيه على بلاد برا ، بس إيه الأبهة دى كلها يا بت
لم تهديه إلا إبتسامة فاترة ، غير ودية خاصة بعد إتيانه على ذكر خدماته الجليلة من أجلها ، ولم تكلف نفسها عناء الوقوف ، إذ قالت بسخرية :
– دا على أساس أنك أنت اللى كنت مولود فى بوقك معلقة دهب الله يرحم أيام سرقة العربيات من الجراچات ، أنت كمان نضفت أوى
قالت ما لديها إقتصاصاً لما قاله بحقها ، فلم يمتعض أو يستاء بل جلس على المقعد المقابل لها قائلاً بجدية :
– سيبك بقى من الذكريات دى كلها وقوليلى بقى إيه الموضوع اللى خلاكى تجيلى لحد هنا
وضعت حقيبتها على ساقها وفتحت سحابها وأخرجت العلبة التى تحتوى على قطعة الألماس ، وبعدما فتحتها حدقت به بقوة قائلة برجاء مبطن بنبرة صوتها الناعمة :
– جتلك علشان تبيعلى كام حتة ألماظ ودى واحدة منهم جبتهالك علشان تشوفها وتعاينها وعايزة فيهم سعر كويس
فغر الرجل فاه ما أن إلتمع بريق الماسة فى عينيه ، ولكن لم تصل يده إليها ، إذ عملت على إغلاق العلبة وسحبها بعيداً عن يده ، فإبتسم قائلاً وهو يومئ برأسه:
– عيونى يا ليالى هبعهملك ، بس طبعاً ليا نصيب فى الفلوس ، متنسيش إن الألماظ ده مشموم وزمان ريحته فايحة عند اللى أخدتيه منه ، والإ مكنتيش جيتى لحد عندى
وضعت العلبة بحقيبتها وقالت وهى تهم بترك مقعدها :
– وقت ما تجهز المشترى أدينى خبر ، ومتنساش نصيبك هتاخده كامل ومش ناقص جنيه سلام
لم تشأ أن تطيل فى زيارتها القصيرة ، إذ لم تكن تنوى مجالسته أكثر من ذلك ، وتيقنت من أنه سيسعى لإحضار المشترى ، بعدما رآت كيف كان لعابه سيسيل بعد رؤية قطعة الألماس ، فمن أجل أن يحصل على نقوده ، سيكون على إستعداد لإحضار من هو أكثر ثراءًا ويستطع دفع المبلغ المطلوب ثمناً له ، وما أن وصلت لسيارتها ، أخبرت السائق بأن يعود بها للمنزل ، فأندهش من مطلبها وهى التى لم يمر على مجيئها لهنا سوى عدة دقائق لا تكفيها لأن تحتسى كوباً من الماء البارد ، ولكن منذ متى وهو يستطيع فهم تصرف سيدته المحير أحياناً كثيرة ، فقاد السيارة حتى وصل بها للمنزل
ما أن تركت ليالى السيارة ، سمع السائق رنين هاتفه ، فنظر من النافذة ليتأكد من دخولها للبيت وإنه بإمكانه أن يتحدث بحرية ودون قيد مع من يهاتفه ، وبعدما تبادلا بضعة كلمات ، أغلق الهاتف وخرج من السيارة ، وأخذ يفكر فى كيفية تنفيذ تلك المهمة المطلوبة منه ، وما أن تقدم بخطواته تجاه باب المنزل ، رآى أحد الحراس قادماً من الداخل ، فأسرع بالعودة إلى جوار السيارة ، وأخرج هاتفه ليوهم الحارس بأنه يتصفح مواقع التواصل الإجتماعي ، كإحدى سُبل الترفيه عن الذات وقت فراغه
❈-❈-❈
منذ ماعلمته بشأن والديها وهى بحالة أقرب للإنتشاء ، فذلك الشعور الغريب ، الذى ملأ حواسها من كونها إذا كانت عاشت بكنف أبويها الحقيقين كانت ستنشأ على الدين الإسلامى كحالها الآن ، جعلها تبتسم إذا دعتها الحاجة أم لا ، حتى إنها لم تنسى نصيب زوجها من تلك الإبتسامات على الرغم من المشاحنات المستمرة بينهما ، إلا أنها بدت كأنها لم تجد ضرر من أن تهديه إبتسامة مشرقة ما أن قابلته بعد عودتها من منزل عائلتها ، ولم تكتفى بذلك ، بل ظلت سابحة فى بحر سعادتها وتنظر إليه بعينيها اللتان راحتا تفيض حلاوة وعذوبة ، كمن تريده أن يشاركها تلك اللحظة الثمينة ، وعندما هَم بمعانقتها لم تمانع ، بل عملت على تطويقه كمن حصلت على الجائزة الكبرى قبل عودتها للمنزل ، وتعرب عن مدى سعادتها بأن تهديه عناق المغرمين ، كأنها نسيت ما كان بينهما من خصام ، ولم تنتبه على ما يحدث بينهما إلا عندما وجدت راسل يهمس فى أذنها عن مدى إشتياقه لها وإنه بأمس الحاجة إليها ، فعند هذا الحد وكانت نافضة عنها كل ما أعتراها من مشاعر وعواطف وهى تحت تأثير تلك الحالة من السعادة ، التى جاءتها لتخفف عنها ضيقها بتلك الأونة ، ولم تنسى كيف تبدلت قسمات وجهه ، وبلغ حنقه منتهاه ، بعدما أوصلته إلى باب جنة العشق وسرعان ما أوصدته فى وجهه
– يا خبر أنا شكلى اتأخرت على بيرى
هتفت حياء ما أن قطع رنين هاتفها تحديقها المستمر بصورتها المنعكسة بالمرآة ،فصفعت جبينها بخفة ، بعدما تذكرت أنها يجب أن تسرع فى الذهاب لتلك القاعة التى تنتظرها بها بيرى ، فذلك الحفل المقام بها والذى تشرف على إعداده إبنة عمها سيكون الأخير قبل زفافها ، لذلك أرادت منها المجئ لمساعدتها كالعادة ، ولم تنسى أن تخبرها بأن تصطحب أدم معها من أجل إحياء الحفل نزولاً عند رغبة العروسان ، لذلك أسرعت فى أخذ هاتفها وحقيبتها لكى تخرج من الغرفة
وبالأسفل ، كان راسل جالساً فى الصالة ، بعدما أصرت عليه إبنته أن يطعمها بعض قطع الفاكهة ، كأحد أمور دلاله لها ، والتى لم تعد تحصل على الكافى منها بتلك الآونة ، إذ كان هناك ما يشغله كالتفكير فى تلك الحالة التى وصلا إليها هو وزوجته ، ولم ينسى وجود أدم ، الذى أضحى فرداً جديداً فى تلك العائلة ، أنتهت سجود من تناول قطع الفاكهة ، فأشار عليها بأن تذهب لغرفتها على أن يوافيها فيما بعد ليقص عليها قصة قبل النوم
ما أن ترك مكانه ، رآى ذلك الجيتار الخاص بأدم ،وظل يتأمله بضع لحظات وهو يقول ببرود :
– ياترى سايب الجيتار بتاعه هنا وراح فين
لعنة حلت عليه تجسدت بذلك الشاب المدعو” أدم “، فمن أين ظهر له هذا المخنث ، مثلما أعتاد أن يطلق عليه منذ أن رآه ؟
جن جنونه وأنتفخت أوداجه عندما أبصرها تهبط الدرج بدلال لا يناسب أحداً غيرها ” صبيته الحسناء”
فأين هى ذاهبة بهذا الوقت من المساء ؟
فهى لم تخبره بشأن خروجها من القصر ، أو بالاصح لم تعد تحدثه أو تخبره بشئ يخصها أو يخص غدواتها وروحاتها ، وهذا ما يوشك على أن يفقده صوابه ، ولكن أكتملت الصورة سوءاً برؤيته ” أدم ” يخرج من غرفته ويهبط الدرج خلفها ، ويبدو عليه أنه بصدد الخروج من المنزل هو الأخر
فصاح أدم قدر ما أسعفه لسانه الذى صار معتادًا على النطق باللغة العربية منذ مجيئه لهنا من وقت قريب :
– حلوة كتير مليكتى النهاردة
تشنجت أطراف راسل وأقترب منه قابضاً على تلابيب ثيابه صارخاً فى وجهه:
– هى مين اللى حلوة ياض أنت ما تحترم نفسك
– إهدى راسل مش ينفع تتعصب
قالها أدم ببرود ، فكم يحب إغاظته ، فإن كان يعلم بأنه لا يصح أن يبدى إعجابه بإمرأة متزوجة خاصة أمام زوجها ، إلا أن طباعه الفرنسية ونشأته جعلته محب للجمال بإختلاف أنواعه ، ولا يستطيع إلجام لسانه عن قول عبارات الإطراء لكل فتاة جميلة يراها
رأت حياء أن شجار جديد يلوح في الأفق ، فأرادت فض النزاع بينهما ، فهى ليست بمزاج للإستماع لتلك الترهات من كلا الجانبين ، فهتفت بأدم بلين وشعور عارم بالإرهاق :
– أدم بليز أتفضل أسبقنى على القاعة هتلاقى بيرى مستنياك وأنا هحصلك بعربيتى وعلشان تجهز نفسك قبل ما تبدأ تغنى فى الحفلة
إيماءة خفيفة من رأس أدم ابلغتها أنه سيجعل حديثها محط التنفيذ ، فهو بعد أن إبتعد عن يديىّ راسل ، عدل هندامه وخرج متجهاً لسيارته
أرادت حياء الخروج هى الأخرى ، فوجدت يد راسل تقبض على رسغها بقوة ، إستدارت برأسها إليه ، فوجدت عيناه كجمرتان مشتعلتان بغضب قادر على أن يحرقها حية
– أنتى راحة فين أنتى وهو ؟ وليه مقولتيش أنك خارجة
صاح راسل بها بحدة ، فما كان منها سوى أن رفعت يدها الأخرى ، لتحل وثاق أصابعه الغاضبة عن رسغها
فأجابته ببرود مدروس :
– بيرى كانت عيزانى اساعدها فى حفلة النهاردة وطلبت أدم يغنى فى الحفلة خصوصاً لما العرسان عرفوا أن المغنى العالمى أدم جوزيف هنا فى إسكندرية وطلبوه بالإسم ، ما أنت عارف أدم مغنى محبوب وعالمى ، ومعشوق البنات زى ما بيقولوا
أطاحت بصوابه بالتشديد على ذكر إسم أدم ، خاصة بالجزء المتعلق بشهرته كمغنى ولديه الكثير من المعجبين خاصة الإناث
فرد قائلاً بإستنكار :
– على إيه إن شاء الله ، عيل ماسخ ومايع كده عامل زى الفراخ البيضة
تريد معجزة لإلجام تلك الضحكة ، التى تريد الإفلات من بين شفتيها ، فبجهد إستطاعت قمعها ، وإرادت إستكمال سيرها ، فلم يتبقى إلا القليل وسيبدأ حفل الزفاف ، وهى لا تريد أن تجعل بيرى تنتظرها طويلاً
أطبق راسل جفنيه ، وهو يحاول إستدعاء هدوءه ، الذى لم يعد بالإمكان الحفاظ عليه ، فما كادت تبتعد خطوتين ، حتى وجدته يسحبها معه لإحدى الزوايا المظلمة أسفل الدرج اللولبى
فأطلقت شفتيه تلك الأنات الخافتة المعبأة بالألم :
– أنتى عايزة تعملى فيا إيه تانى يا حياء حرام عليكى
فأكمل عبارته المتألمة بتجويف عنقها حيث دفن وجهه فغمغم مستطرداً:
– للدرجة دى كرهتينى ومبقتيش عيزانى ، نسيتى حبنا خلاص
أبتعد عنها وأقترب رأسه منها ثانية ، ولفحت أنفاسه الحارة وجنتيها ، على شفتيه طيف أبتسامة ، خاصة بعدما إلتقت أعينهما ، وكانت بحالة شبه مغيبة عندما شعرت بإبهامه يلامس وجنتها ، فأرتعدت عندما خاطبها بصوت يفيض حناناً :
– وحشتينى أوى يا قلب راسل
طرأ تحول غريب على مشاعرها جعلها تحول الحنين الجارف الذى يجتاحها إلى إحساس أقوى من الرغبة فى الإستسلام صاغرة بين ذراعى زوجها الفظ ، الذى كان ذو مزاج متقلب ، فتارة خشناً بمعاملتها وتارة حنوناً ، إنه يشعر بالظمأ ولا يرويه سوى الشعور بوجودها بين ذراعيه ، ولكنها لا تريده بغطرسته ، التى جعلته يتوهم أنه سيجدها راغبة مطيعة له بعد أن طعن قلبها ، فهى تفضل البقاء من دونه على نيل جزء منه فقط ، خاصة ذلك الجزء المتعلق بغروره
فسيطرت على دموعها وحبستها وعملت على دفعه عنها وهى ترمقه بعينان ينبعث منها الغضب والإشمئزاز وقالت :
– حبنا ووحشتك ! وأنت مفتكرتوش ليه يا راسل ولا أنت بس اللى من حقك تكسر قلبى ، بس خلاص حياء اللى أنت كنت بتعاملها على أنها طفلة دلوقتى كبرت و…
لم يجد جدوى من ثرثرتها ، فما من حل أنسب بهذا الوقت سوى أن يخرسها ويجعلها تكف عن الحديث ، فهو يتحرق شوقاً لذلك العناق المختزن بقلبه وذاكرته وألهب ذكرياته بسياط الهجر والفراق ، كأن روحه انسكبت بين ذراعيه المحملتين بالحب والعشق ، تحاول بثها تلك العاطفة الجياشة التى يشعر بها ، فكم تاق هو للقاءها ، فحواسه تواطأت مع لهفة الشوق لينتج بالأخير عناق صاخب ، كاد ينسيها ما كان من أمره بحقها
فزمجر بتهديد ووعيد عندما سنحت له الفرصة بفصل العناق ، الذى كاد يقضى على كل ما أختزنته رئتيهما من هواء :
– أنا مش هسيبك لحد ولو اللى إسمه أدم ده مبعدش عنك هقـ ـتله يا حياء
ولكن إلى هنا وأفاق على حاله المزرى من كون أن ما حدث الآن لم يكن سوى حلماً نسجه بمخيلته ، فهو لم يعاتبها ولم يلقى بتهديده فى وجهها ، لأن لابد لها أنها وصلت لمرآب السيارات لتستقل سيارتها وتخرج من باب القصر ، وتركته هنا مكانه يتخيل كيف سيكون الحوار بينهماى، إذا سنحت لهما الفرصة وكانا بمفردهما ، طالقاً العنان لقلبه ولسانه ، كتلك المرات القليلة التى أجتمعا بها سوياً ، وكانت أحياناً متمردة وأحياناً أخرى هادئة تثير بقلبه الشوق لأن يضمها بين ذراعيه وينعما بلحظات باتت وكأنها ستظل من المحال أن تستمر على المنوال ذاته
نفرت عروقه التى تجمعت بها دماءه الحارة ، والتى ألهبت حواسه من فرط ضيقه وحنقه كونها ستجتمع هى وذلك المخنث المسمى أدم بمكان واحد ، حتى وإن كان سيجتمع معهما العديد من الضيوف والمدعوين ، ولكن حتى لو أجتمع معهما سكان الكرة الأرضية قاطبة ، لن يسمح بوجودها معه تحت سقف واحد
– لاء لحد كده وكفاية بقى
نطق بها وقدميه تسوقه مهرولاً تجاه ذلك المرآب الكبير ، وما أن وصل إليه وجدها بصدد الإنطلاق بسيارتها ، فوقف أمام السيارة عاقداً ذراعيه ويطالعها بعينان تأمرانها بأن تخرج من سيارتها على الفور ، وإلا ستكون النتائج غير مرضية لها ، ولكن ستكون بأكثر من ذلك له هو
أطلقت حياء زمور السيارة عدة مرات ، لعله يتنحى جانباً ويسمح لها بالمرور ، ولكن بدا كأنه أصم ولم يستمع لذلك الصوت المدوى والذى أثار أعصابها حد الإنفجار ، فلم تجد مفر من أن تترجل من السيارة ، وأغلقت بابها بعنف محدثاً صوتاً عالياً ،دل على مدى شعورها بالإستياء مما يفعله
رفعت يدها تشيح بها أمام وجهه وهى تقول بصوت عالى :
– فى إيه أنت واقف ليه كده مش سامع صوت الكلاكس أنا كده هتأخر على بيرى ، أنت عايز إيه يا راسل
تهدل ذراعيه بجانبه وخطى خطواته بتؤدة تجاهها ، ولكنها شعرت بدنو الخطر منها وهى ترى بياض عيناه إستحال لونه للون الأحمر ، بل وبدا أنه يأخذ أنفاسه بصعوبة ، إذ راح صدره يعلو ويهبط وتتسع طاقتى أنفه كالثور الهائج ، والذى وجد نفسه هو وفريسته بالحلبة بمفردهما ولن يتركها إلا إذا إستعرض قوته الهجومية عليها
رآت أنه من الحكمة أن تحكم سيطرتها على مشاعر الغضب المتأججة بداخلها ، إذ أن ذلك لن يوصلهما إلا لمزيد من الشجارات ، التى بدأت تسأم منها ، لشعورها الدائم بإنتصاره عليها ، حتى وإن كانت هى التى عملت على تجريده من كبرياءه ، ولكن يكفيها أن بعدما يذهب عنها تظل رائحته المميزة عابقة بأنفها ، بل وتضم ذراعيها حول جسدها ، كأنها تحافظ على ذلك الدفء الذى ترك بصماته عليها ، فكانت ومازالت تشتاقه كأنه تركها بالأمس وهى بأوج مراحل العشق
– أدخلى جوا يا حياء ومفيش خروج من البيت ، أو بمعنى أصح مفيش خروج تانى من غير إذنى ، خلاص كفاية عليكى لحد كده
قالها وهو يشير بيده لباب المنزل الداخلى ، ولم يرف له جفن وهو يحدق فى وجهها ، يكاد يلتهم ملامحها بعيناه العاصفتين ، بل أن جسده تأهب لأى حركة منها ، حتى إذا أعلنت تمردها وعصيانها ، لن يجد مشقة فى حملها والذهاب بها لغرفتها ، فلو تطلب الأمر سيجعلها سجينة الغرفة ، ولن يجعلها ترى أحداً غيره ، حتى لو نعتته بالمستبد والطاغى ، فلن يشكل ذلك فارقاً لديه
تلاحما حاجبيها الأنيقين بدهشة من أوامره التى يمليها عليها ، دون مراعاة لأخذ رآيها بما يقوله ، بل أنه أصدر قراره وعليها هى القبول به دون إحتجاج أو معارضة ، ولكن من يظن نفسه ذلك الطاووس المغرور ، والذى لم تقابل أحد فى حياتها بأسرها يملك تلك الشخصية المحيرة ، والتى تجعلها تفشل دائماً فى فهمه أو فهم ما يفكر به ، ولكنه مخطئ إذا ظن أنها ستنصاع له بسهولة وتتركه يفرض سيطرته وهيمنته عليها ،والتى إن قبلت بهما سابقاً كان يظللها غمامة من العشق ، تجعلها تأخذ كل أفعاله على أنها غيرة عاشق على معشوقته ورغبته فى الإستئثار بها لنفسه ، وأن لا تراها عين رجل غيره
حركت رأسها كأنها لم تسمع ما تفوه به وتريده أن يعيد حديثه مرة أخرى ورفعت حاجبها قائلة بلامبالاة :
– قول تانى كده علشان مسمعتش
صمتت لبرهة ومن ثم أضافت :
– الظاهر إنك مش لاقى حاجة تعملها يا راسل وجاى تتسلى عليا بس يا خسارة أنا مش فاضية ولازم أخرج دلوقتى وسع السكة كده علشان أعدى
قبل أن تعود وتستقل سيارتها كان قابضاً على ذراعها ، بل ودفعها حتى إصطدم ظهرها بالسيارة ، ويده الأخرى قبضت على عنقها وأحنى رأسها للخلف وحدق فى عينيها قائلاً من بين أسنانه بتهديد :
– أنا مش بتسلى يا حياء ، أنا بتكلم جد ، وأحسن لك تسمعى الكلام ، لأن مبقاش عندي صبر كفاية علشان أستحمل عمايلك ، أنا سيبتك تعملى اللى فى دماغك وتثبتى لنفسك أنك قوية وتقدرى تعارضينى براحتك ، بس دلوقتى خلاص كل ده أنتهى فاهمة
كل حرف تفوه به وخرج من فمه وصل لمسامعها بكل وضوح ، بل أنفاسه الساخنة التى تململت على بشرتها ، أنبأتها بأن الجحيم سكن جوفه، وربما سيقذفها بحمم بركانية ، قادرة على إذابة عظامها ولحمها ، ولكن لا تعلم لما ظلت مقاومتها خاملة ، ولم تسعفها وهى واقفة بين يديه حاكماً يداه إحداهما على ذراعها والأخرى ملتفة حول عنقها ، ولكن رغم ذلك لم يحاول إيذاءها ، فمازال كما هو حتى وإن كان بأوج غضبه ، لا يفكر فى مسها بأذى أو مكروه ، بل تفضحه عيناه وتظهر ما يحاول إخفاءه خلف قناع البرود والقسوة ، الذى يحاول إرتداءه أمامها وأمام الأخرين
– أنت عايز تخنقنى وتموتنى يا راسل
هتفت بعبارتها همساً وهى تزدرد لعابها وبتردد رفعت يدها اليمنى وحطت بها على صدره ، وزحفت ببطئ حتى وصلت لعنقه ، فأدهشتها تلك الحرارة التى شعرت بها أسفل كفها وهى واضعة يدها على إحدى جانبى عنقه ، كأنه مصاب بحمى ، ولكن تلك الحرارة لم تكن سوى نتيجة لتلك العواصف التى تهدر بقلبه معلنة أنه أطلق شيطانه ولن يعود بالإمكان السيطرة عليه وإعادته لسباته ، بل عليها هى أن تحاول الهروب من جحيمه قدر إستطاعتها
سألها بنبرة خافتة :
– تفتكرى إن أنا ممكن أعمل فيكى كده ؟
أرتخت أصابعه الملتفة حول عنقها ما أن باغتته بفعلة مماثلة ولكنها لم تحاول أن تغرز أصابعها بعنقه وتغوص بهما حتى تحرمه ذلك الهواء الذى تلتهمه رئتيه بشراهة دلت عليها محاولته أخذ أنفاسه بتتابع كأن الهواء نضب منهما ، بل مررت إبهامها على عنقه وتجولت يدها مروراً بذقنه حتى حطت بإبهامها على طرف شفتيه ، فأغمض عينيه منتشياً من فعلتها ، وقبل أطراف أناملها حتى شعر بإرتجافها
ففتح عيناه بعدما سمعها تقول بأنفاس كادت تشعر بذوبانها :
– أنت عملت فيا اللى أكتر من الخنق والموت ، راسل سيبنى أروح لبيرى ، دى أخر حفلة هتعملها قبل فرحها فخلينى أروح أساعدها ، دا لو كان لسه ليا شوية غلاوة ولو صغيرين فى قلبك
جردته من تعنته وتسلطه ، وجعلت تلك الكبرياء التى كانت بادية عليه تتلاشى ، كأنها رياح عاصفة حل محلها نسمات الهواء الرقيقة ، نجاح ساحق يحتسب لها ، بل جعلها تتيقن من أنها مازالت تملك ذلك السحر والتأثير عليه ما أن تخاطبه بنبرة هادئة تكثف بها ضعفها وأنها ماهى إلا نصفه الأخر ، طفلته التى لن يستطيع رفض طلبها ، بل سيحاول إرضاءها وصرف حزنها
وهذا ما كان ، إذ سمعته يقول وهو يومئ برأسه إيماءة خفيفة ، كأنه يشعر بثقلها المفاجئ :
– ماشى يا حياء ، هو النهاردة وبس علشان خاطر بنت عمك
هزت رأسها وحاولت إخفاء وجهها لكى لا يرى بسمة الإنتصار التى غزت شفتيها من أنها حققت مرادها ، وها هى نالت موافقته دون بذل جهد يذكر سوى أنها ترجته بصوتها الناعم ، وأن يدها ساهمت بإتمام مهمتها بعدما ربتت بها على وجنته ، ولكن رغم ما تشعر به من إنتصار بأنها أخذت موافقته على خروجها ، إلا من داخلها شعرت بالبغض لنفسها على أنها مارست عليه تلك الخدعة وإستغلت ضعفه تجاهها ، ولكنها لم تشأ أن تفكر كثيراً بذلك ، فصعدت للسيارة وأدارت محركها وانطلقت بها بعدما أخرجت يدها من النافذة ولوحت له بها
وما أن رآى راسل السيارة تعبر من الباب الخارجى للبيت ، ألتوى ثغره الرجولى ببسمة ذات مغزى ، فكم هى ساذجة وحمقاء إذا ظنت أنه أخذ بأعلايب حواء خاصتها ، فعندما ستعود ستجد مفاجئة أخرى بإنتظارها ستدهشها على الأغلب ، ولكنها ستكون مرضية له ، فإن أرادت ممارسة ألاعيبها ، فليكن ذلك بساحتهما الخاصة والتى سيعمل على إعدادها منذ الليلة
قضم شفته السفلى قائلاً بصوت منخفض ملأه الحماس :
– زى ما أنتى متغيرتيش يا حياء ،بتفتكرى أنك ضحكتى عليا ، بس اللى متعرفهوش إن أنا اللى سايبك تضحكى عليا بمزاجى ولما ترجعى هتنبسطى من المفاجأة اللى هعملهالك
وصلت حياء لتلك القاعة التى تنتظرها بها بيرى والتى سبقها أدم إليها ، بل أنه بدأ الغناء بحفل الزفاف ، فأكتفت بالوقوف بجانب إبنة عمها بصمت ، ولم يكن بنيتها أن تتجاذب الحديث مع أحد ، إذ أنها كانت تفكر فيما حدث قبل مجيئها ، ولكنها إضطرت للخروج من صمتها وبلادتها عندما بدأت بيرى بإخبارها بما ستفعله حتى ينتهى حفل العُرس بسلام ، فتنقلت من مكان لأخر تبتسم كما تقتضيها الحاجة ولكنها لم تحاول أن تبتسم لأدم الذى راح يطاردها بعيناه بكل مكان تذهب إليه ، كأنه يرغب فى سؤالها عن تأخيرها فى موافاته عند القاعة
بعدما أنتهى حفل الزفاف ، تأبطت بيرى ذراعها وخرجتا من القاعة بعد أن أنهت إصدار أوامرها للعاملين لديها بسرعة تنظيف وتنظيم القاعة قبل تسليمها لإدارة الفندق التابع لها
وكزتها بكتفها بخفة وتساءلت :
– مالك كده من ساعة ما جيتى وأنتى ساكتة حصل حاجة ؟
تنفست حياء بعمق ومن ثم ردت قالت بشعور عارم من التيه :
– مش عارفة ليه حاسة كأن أنا واحدة مستغلة تخيلى أن ضحكت على راسل علشان يرضى يخلينى أجى هنا عملت نفسى الكيوتة والغلبانة ولعبت بمشاعره علشان أقدر أخرج من البيت
لم تفهم بيرى معظم ما تفوهت به ، فحدقت بها بشئ من البلاهة ، علها تقدم تفسيراً لما قالته ، ولكن حياء لم تكن بوضع يخولها قص ما حدث بينها وبين زوجها قبل مجيئها ، لذلك أخبرتها بأنها ستعود للمنزل على أن تتقابلا بالغد لشراء ثوب زفافها
أخذت سيارتها وانطلقت بها عائدة للمنزل قبل أن يلحق بها أدم ، إذ كانت سعيدة الحظ بأن إلتف حوله جمع من المعجبين والمعجبات لأخذ صور تذكارية ، وصلت للمنزل ووضعت سيارتها بالمرآب ومن ثم ولجت للداخل وهى لا تسمع صوتاً فى القصر ، فييدو أن الجميع بغرفهم ولم يتبقى سواها هى وأدم الذى يبدو أنه وصل بسيارته ، فذلك الضجيج الذى تسمعه من زمور السيارة لا يحسن أحد غيره فعله
صعدت الدرج حتى وصلت غرفتها ، فتحت الباب ومن ثم ولجت بخطى متثاقلة كأن شعور بالذنب والندم يثقلان كاهلها ، فبفتور وصلت لجانب الفراش وألقت هاتفها وفكرت فى الذهاب إلى المرحاض ، لعل أغتسالها بالماء الدافئ يزيل عنها كآبتها ، فما أن أخذت ثيابها من غرفة الثياب وأتجهت للمرحاض ، حتى وجدت باب المرحاض يفتح ويخرج منه راسل يجفف وجهه ورآسه بالمنشفة بعدما أنهى إغتساله على ما يبدو ، ودل على ذلك تساقط قطرات الماء منه بعدما خرج إليها لم يكسوه سوى سروال بيتى قصير بالكاد وصل لركبتيه ، وخصلات شعره رطبة وتفوح منه روائح عطور الإستحمام
فغرت حياء فاها وحملقت به ومن ثم تساءلت بدهشة :
– أنت كنت بتعمل إيه هنا فى حمامى أو بتعمل إيه فى أوضتى أساساً
أنهى راسل تجفيف صدره ووجهه ، ومن ثم وضع المنشفة على مقعد طاولة الزينة ، وأخذ قنينة عطره ونثر منها ، لحبه الشديد للتطيب بعد الإستحمام ، بينما ظلت حياء تتابع ما يفعله فى الغرفة كما لو أنه المالك لها بالأساس ، بل لم يكتفى بما يفعله إلا هذا الحد ، فإستلقى على الفراش واضعاً يديه أسفل رآسه قائلاً بنبرة خافتة عابثة:
– روحى خدى الشاور بتاعك زمانك راجعة تعبانة ومتقلقيش هتلاقينى مستنيكى ، أصل نويت خلاص هقعد معاكى هنا فى أوضتك يا روحى
❈-❈-❈يتبع…
ج٢–١٧–” بيادق لعبة الغرام ”
أخترقت أذانهم جملتها التى بدت كأنها كانت تهمس بها لذاتها ، ولكنها أنتبهت على أن صوتها فضح ما تضمره من خبايا وأسرار ربما لم تكن تريد أن يعلموا عنها شيئاً ، فهى وإن كانت تميل بالحب إليهم ، إلا أن هناك بعض الأسرار التى فضلت أن تظل طى الكتمان ، بل وحاولت نسيانها طالما كان المعنين بها صاروا من الذكريات ، ولم يخرجها عن تكتمها للأمر ، سوى أنها عادت لتعيش تفاصيل ماحدث فى الماضى ولكن بصورة أخرى أقوى وأعنف من التى حدثت سابقاً ، فها هو ديفيد يحاول فعل ما فعله والديه قبل موتهما ، والذى لم يكن أحداً يعلم به سواها هى وأدريانو الذى مازالت متذكرة رد فعله العنيف والشرس على شقيقه عندما أعلن عن رغبته هو وزوجته بإعتناق الإسلام وترك اليهودية ، بل وكان يفكر جدياً بمنح أطفاله أسماء جديدة تتناسب مع إعتناقهم للدين الإسلامى ، ولكن لم يكن الحظ حليفه إذ أنه لقى حتفه هو وزوجته وثلاثة من أطفاله فى ذلك الحادث الذي تم تدبيره لهم
رغم دهشة وصدمة ديفيد وبيرى مما سمعاه ، إلا أن حياء أبتهجت نفسها وتساءلت بفرح إختلج بنبرة صوتها المُلحة بسؤالها :
– هو بابا وماما أعتنقوا الإسلام يا مارجريت يعنى ماتوا مسلمين مش يهود ؟
حاولت مارجريت التهرب من إجابتها ، فراحت تمضغ قطعة من الحلوى التى تتناولها مع الشاى ومن ثم قالت وهى تنظر لبيرى :
– مين اللى عمل الكيك ده ، ده مفيهوش سكر
لم تعلم بيرى ما الداعى لها بأن تبدى إمتعاضها من عدم طيب مذاق الحلوى ، إلا أنها أخذتها منها ووضعتها على الطاولة وأخذت كفيها الهرمين بين يديها وهى تنظر إليها بعمق ، لعلها تشعر بالعطف نحوها ولكى تجيب حياء التى بدت كأنها تجلس على جمر محترق وتريد إجابة لسؤالها
مسحت بيرى على ظاهر يد مارجريت وقالت وهى تبتسم لها إبتسامة صافية :
– مارجريت ماتحاوليش تتهربى من سؤال حياء لو فى حاجة منعرفهاش قوليلنا عليها وأظن من حق ديفيد وحياء يعرفوا كل حاجة عن باباهم ومامتهم
تنازعت الزفرات بصدر مارجريت ، تريدها أن تطلق سراحها ، فلن يعود بالإمكان حجزها أكثر من ذلك ، فتنهدت بصوت مسموع قائلة بتمهل ولكن لم يخلو صوتها من الضيق وهى تأتى على ذكر ما حدث بالماضى :
– دانيال كان مهتم جدا بأنه يقرأ عن الدين الإسلامى والظاهر أهتمامه ده كان تأثير صداقته لمراد الزناتى ووجدى النعمانى ، فحب أنه يبقى مسلم ، فلما عرض على مراته أنهم يعتنقوا الإسلام وافقت هى كمان من غير ما تتردد ، وقبل الحادثة اللى حصلتلهم بكام يوم ، كان دانيال ومراته أعلنوا إسلامهم حتى فكروا يغيروا أساميهم وأسامى ولادهم ، بس قبل الموضوع ما يتعرف من باقى العيلة والناس كانوا ماتوا
حتى بعدما ختمت حديثها ، لم يبدو على وجه أحد منهم ما يخالف دهشته منذ سماعه ما قالته ، قبل أن تأتى على ذكر التفاصيل القليلة التى تلتها عليهم ، كأنها مرغمة على قول ذلك ، فهى وإن كانت ما تزال تحفظ ذكرى حبها لإبن شقيقتها الأكبر ، إلا أن ذلك الأمر بالأخص خلق بنفسها فجوة ، جعلتها تمتعض من سلوكه ذلك الدرب الذى جعله ينسلخ عن ديانتهم ، وفضل إعتناق ديانة أخرى ، ويعود إمتعاضها لتزمتها الواضح بإعتناق اليهودية ، حتى إنها مازالت تمارس شعائرها ، رغم أنها لم تجبر بيرى وديفيد على فعلها ، ولكن كأنها أخذت أمر أنهما مازالا يعتنقانها كافياً لأن تشعر بأنهما من بنى جلدتها
– الحمد لله يا رب الحمد لله
شفتيها الباهتتين والتى نضبت منهما الدماء ، لم تحسن إخراج سوى تلك الهمهمات الحامدة والشاكرة ، كمن تعرب عن مدى دهشتها الممزوج بسعادتها البادية بوهج مقلتيها منذ علمها بشأن إتباع والديها للدين الإسلامى
فصاح ديفيد كمن وجد حلاً لمشكلة مستعصية الحل ، إذ قال بتصميم وإصرار :
– خلاص أنا كمان هعلن إسلامى وهغير إسمى طالما بابا وماما عملوا كده وكان نفسهم إن إحنا كمان نبقى مسلمين
قضى ديفيد بحديثه على ما تبقى لدى مارجريت من هدوء ، فليس معنى إخبارها لهم بما حدث فى الماضى ، أن يأتى هو ويسير على تلك الخطى ، التى لم يسير منها أبويه سوى خطوة البداية ، فتصميمه وعزمه البادى على قسمات وجهه التى غزتها سعادة غير متوقعة ، خاصة لتيقنها من أن ديفيد يحيا حياته بحرية ، دون تلك القيود التى ستُفرض عليه إذا إتبع ذلك الدين الذى سيجعل كل أفعاله محرمة ويجب أن يقلع عنها
لم تستطع كتمان إمتعاضها أكثر فصاحت به قدر ما ساعدتها أحبالها الصوتية ، التى بدت وكأنها ستتمزق بتلك الصيحة :
– إيه اللى أنت بتقوله ده يا ديفيد معنى كلامك ده إن عيلة إسكندر شمعون خلاص مش هيبقى ليها وجود ، أنت ناسى أنك أنت أخر وريث ولد للعيلة دى ، يعنى المفروض تتجوز وتخلف أولاد يشيلوا اسمك واسم عيلتك مش عايز تمحيه خالص ، أنت لازم تفكر كويس فى اللى عايز تعمله
قلب ديفيد عيناه بملل من محاولة مارجريت فى إحباط مخططه للفوز بمعشوقته ، فهو لا يعنيه من كل هذا سوى أنه يريد أن يكون زوجًا لياسمين ، ويرى أن العائق الأكبر بينهما هو اختلاف عقائدهما ، لذلك سيعمل على هدم ذلك الجدار الأول بينهما ، وربما تتوالى مخططاته ليظفر بها بالأخير
أشاح بوجهه عنهن وتعلق بصره بذلك الطائر الذى حط على أحد فروع تلك الشجرة الكبيرة ، والتى تشبه غصونها الجافة تلك الخطوط المحفورة بعمق فى وجه مارجريت ، فقال بصوت بارد خالى من أى شعور :
– أنا أخدت قرارى يا مارجريت وخلاص وكمان ناوى أتجوز متقلقيش
أطاحت مارجريت بتلك المزهرية الصغيرة الموضوعة على الطاولة أمامها ، وقالت بنبرة تفيض إمتعاضاً مختلطة بصياحها :
– عايز تنجح فى اللى فشل فيه جدك ، مغلطتش لما قولت مات وساب لعنته لأحفاده ، دلوقتى بقيتوا عايزين تغيروا جلدكم وتبقوا شبهم ، العشق خلاكم عايزين تنسوا أصلكم علشانهم
أرتعدت حياء من صيحتها ، التى ساهمت بجعلها تعى أى إستياء تكون لديها منذ إفصاح ديفيد عن رغبته ، التى لا تعلم سر إصراره عليها بذلك الوقت ، خاصة إنه لو كان يرغب بإعتناق الإسلام ، لكان فعل ذلك منذ زمن ، فبالأمر شئ مبهم لا تستطيع فهم كنه ، ولكن لم يكن هذا ما يشغل عقلها فقط ، بل ظهور تلك الطباع المتشددة لمارجريت كانت أدعى بأن تجعلها ترى الأمور من منظور أخر ، وربما الآن فهمت سر عزوفها عن الحضور وقت مجئ عبد الرحمن وعائلته لخطبة بيرى ، بل وفهمت أيضاً تحفظها الظاهرى فى التعامل معها ، رغم أنها لم تظهر لها مظاهر العداء ، لذلك كانت تجد برفقة بيرى سلوى لها بأنها تستطيع جعلها تشعر بأنها مازالت تملك عائلة
، فرغم صياحها وإحتجاجها ، إلا أن ديفيد كان لديه التصميم الكامل على تنفيذ ما قاله ، بل إنه نهض وترك مجلسهن ليفض ذلك النقاش
ما أن وصل للداخل ، وجد أحد رجاله يخبره بمجئ إثنان من الرجال ، الذى ضرب لهما موعداً مسبقاً لمقابلته ، فأخبره بأن يجعلهما ينتظرانه فى غرفة المعيشة لحين مجيئه
أخرج ديفيد حقيبة جلدية من أحد أدراج تلك الخزانة الخشبية الصغيرة الموضوعة فى غرفة المكتب وأخذها وخرج متجهاً لغرفة المعيشة ، وما أن وصل إليها ، نظر للرجلان قائلاً ببرود ونبرة عميقة توحى بالقوة والنفوذ :
– كويس أنكم جيتوا دلوقتى لأن كمان عشر دقايق كنت هعمل الصفقة مع ناس غيركم
نهض أحد الرجلان قائلاً بهدوء محاولاً إسترضاءه :
– ديفيد بيه هدى نفسك ، أحنا كنا عاملين إجتماع لكل تجار السلاح ، علشان نعرف كل واحد هتبقى حصته قد إيه
وضع ديفيد الحقيبة من يده ، وبعدما فتحها أخرج منها سلاحان ناريان حديثى الطراز ، ويبدو أنه من تلك الفئة التى تعمل سيفعلان المستحيل للحصول عليها ، نظر للرجلان تباعاً قائلاً بإبتسامة ماكرة :
– حصة كل واحد أنا اللى احددها مش أنتم ، يعنى السلاح ده انا اللى هدى كل واحد نصيبه منه ، مش عايزكم تنسوا إن أنا الزعيم دلوقتى ، لأن اللى هينسى
أطلق رصاصة حطمت زجاج النافذة كتمهيد لإطلاقه النيران عليهما إذ دعته الحاجة ومن ثم إستأنف حديثه قائلاً ببرود :
– تخيلوا أنتوا لو الرصاصة دى أنضربت فى دماغ حد فيكم ، هتقتله فى ثوانى ودى ميزة السلاح ده انه سريع فى ضرب النار وأنه يقضى على حياة أى حد بسهولة ، ودلوقتى خلونا نتكلم فى السعر والتسليم
نظر الرجلان لبعضهما البعض ، وهما يقارنان بينه وبين عمه الراحل الذى كان ذو مزاج مجنون ومتقلب مثله ، فيبدو أن ديفيد ورث طباعه علاوة على زعامة المافيا ، التى جاءته دون أن يسعى إليها ، فكونه متمرساً فى إستخدام الأسلحة النارية ، تم جعله المختص بتجارتها لرفضه الإتجار فى المخدرات أو بيع الفتيات مثلما كان يفعل أدريانو ، وبعد أن أنتهى من إجتماعه وتم الاتفاق بينهم على موعد لجلب تلك الأسلحة النارية التى يتم تهريبها دون علم الشرطة ، أنصرف الرجلان ، بينما عاد ديفيد للتفكير فيما سمعه من شقيقة جدته ، فهو لن يجعل شيئاً يحيده عن تفكيره مهما حاولت مارجريت ثنيه عن قراره ، ومهما بلغت أهمية ذلك الهراء الذى تفوهت من أنه يجب الحفاظ على نسل تلك العائلة وأن يظل إسمها قائماً طالما كان هو على قيد الحياة ويحمل على عاتقه مهمة تخليد إسم عائلة إسكندر شمعون
❈-❈-❈
رغم ذلك الهدوء الذى يكتنفها ، إلا أنها لم تحاول بمرة أن تتجاذب معه الحديث ، رغم أنه وجوده فى المنزل وحياتها هى وزوجها صار أمرًا حتمياً ، ولكن كأنها فضلت أن يكون الأمر بينهما مقتصراً على تحية الصباح اللطيفة أو إبتسامة وإيماءة من الرأس إذا تقابلا سوياً وسريعاً ما ينتهى الأمر بأن يذهب كل منهما بطريقه ، ولكنه اليوم كان أكثر تصميماً وإصرارًا على أن يكون بينهما لقاء حتى وإن كان قصيرًا ، ولكنه سيكون كافياً لأن يتعرف إليها عن قرب ، فما سمعه عن أسطورة عشقها هى وأبيه ، أثار لديه الفضول من أن يرى تلك المرأة عن كثب ، ليعلم سر إفتتان وعشق والده لها ، وهو ليس بأعمى لكى لا يرى جمالها الخلاب الذى تستطيع به جذب القلوب قبل العيون ، علاوة على إتقانها لتأدية دور سيدة المجتمع الراقية ، والتى تجعل من ينظر إليها يجزم بأنها ملكة من إحدى الأسر الملكية ، والتى نشأت وترعرعت على أن تكون صورة حية للجمال والعذوبة والأرستقراطية ، وربما علم الآن أن أى إمرأة أخرى ستنافسها ستكون خاسرة أمام تلك التى مسماها ” غزل ”
ما أن رآها تسير فى حديقة القصر بعدما أصدر عاصم قراره بأن لا تبرح البيت إلا من أجل أمر ضرورى حفاظاً عليها وعلى جنينها ، خرج إليها وأسرع بخطواته حتى صار يقف بجوارها تقريباً
فإبتسم أدم قائلاً بمودة :
– عاملة إيه دلوقتى ، ممكن أتمشى معاكى شوية
أنتفضت غزل بعد سماع صوته ، إذ لم تضع بحسبانها أن ينضم إليها أحد خاصة بهذا الوقت ومعظم ساكنى القصر أنصرفوا لأشغالهم ، ولكن يبدو أنها لم تنتبه أن هناك من يقطن معهم ولا ينصرف من المنزل إلا من أجل التنزه ويقضى الباقى من أوقاته فى توطيد علاقاته بأفراد العائلة
إبتسمت غزل إبتسامة أنيقة ولكنها فاترة ولا تحمل ترحيباً ولا دفئاً ، إلا أنها رفعت يدها تشير له بالسير وهى تقول بفتور :
– أنا الحمد لله تمام ، أتفضل أتمشى معايا بس إيه السبب لكده ، عايز تتعرف على مرات باباك ، ولا تتأكد إن مش شريرة زى مفهوم مرتات الأب التقليدى
ضحك أدم حتى بانت أسنانه الناصعة ،والتى يبدو عليه أنه يعتنى بهما كإعتناءه بمظهره العام من تصفيفة شعر ملائمة لوجه الوسيم وثياب شبابية تبرز بنيته الجسدية القوية ، والتى لم يرى أحد ينافسه بها هنا فى المنزل سوى ” راسل ” حتى أن فارق الطول بينهما ملحوظاً ناهيك عن أن راسل يفوق جميع من بالمنزل فى طول القامة ، ولا يعلم لما أتى على تذكره الآن
ربت أدم على صدره بحركات متتابعة ورد قائلاً بصدق :
– هتصدقينى لو قولتلك إن عايز أتمشى معاكى علشان أتعرف عليكى أكتر وإن معجب جدا بقصة حبك إنتى وبابا
إلتوى ثغر غزل بإبتسامة جانبية وردت قائلة وهى تنحى لقطف إحدى الورود :
– وإنت بقى عايز تعرف قصة الحب مع أنت تبان لأى حد إنك دليل خيانة عاصم ليا
إستقامت بوقفتها وحدقت فى وجهه وهى رافعة إحدى حاجبيها وأناملها تتحسس بتلات الوردة البيضاء التى قطفتها ، فما كان منه سوى أن ركل بقدمه حفنة من العشب ، ومن ثم رمقها بهدوء قائلاً بتنهيدة عميقة:
– عارف إنك ممكن تكونى مضايقة من وجودى فى البيت ، بس أنا معملتش حاجة تخليكى تفتكرى إن جاى أخرب علاقتكم ببعض ، يعنى لولا اللى حصل زمان ، كان ممكن أكون أنا إبنك أنتى
– بس إنت مش إبنى يا أدم
قالت غزل وسرعان ما أولته ظهرها ، لعلها تخفى تلك الدمعات التى عادت توخز عينيها كالأشواك . تعلم أنه ليس مذنباً كأبيه ، ولكنها لن تستطيع التظاهر بأن الأمر عادياً ولا يشكل لديها فارقاً ، بل وتوهمه بأنها تقبلت وجوده فى المنزل ، فالتظاهر بمشاعر ليس لها وجود لن يكون فى صالح أحد منهما
تنفست غزل بعمق لعلها تخفف من ضغط العبرات على جفنيها ، ولكنها عادت تنظر إليه مستطردة بهدوء :
– مش هكدب عليك يا أدم وأقولك إن هتقبل وجودك بين يوم وليلة ، بس بالرغم من كده أوعدك أن لا هضايقك ولا إن مثلاً أقولك كلمة تزعلك ، لأن أنت برضه ملكش ذنب فى اللى حصل ،بس أهو هنحاول نتقبل بعض
رفعت طرف سبابتها لتسرع بمحو تلك الدمعة التى نجحت فى الفرار من حاجز جفنها الأيمن ، فأماء أدم برأسه متفهماً لقولها ، ورغم ذلك لم ينصرف بل أكمل تجوله معها فى الحديقة ، وهما يتحدثان حول بعض الأمور العامة كصديقان حديثى العهد بتلك الصداقة التى يأمل أدم بأن تكون بداية للتفاهم بينهما
بعد عودة غزل للداخل وصل أدم للمسبح وجد صديقه عماد يتمدد بإسترخاء على المقعد الخشبى الطويل واضعاً قبعة تغطى النصف الأعلى من وجهه
سحب أدم القبعة من على وجهه قائلاً وهو يوكزه بكتفه :
– أصحى هو أنت نمت أنت بتقوم من النوم علشان تنام
مسح عماد وجهه بكفيه وفتح عيناه الناعستين قائلاً بكسل :
– ما أنا من ساعة ما جيت هنا مش لاقى حاجة نعملها يلا بينا نرجع فرنسا تانى ونشوف شغلنا بدل الأنتخة اللى إحنا فيها دى
تمدد أدم على المقعد الأخر ورد قائلاً برفض :
– لاء مش هرجع فرنسا دلوقتى عايز تسافر أنت سافر مع السلامة
رفع عماد إحدى المناشف البيضاء الموضوعة قريباً منه ، فألقاها على وجه أدم بحنق ، وعندما لم يبدى حراكاً أعاد الكرة مرة أخرى ، ومن ثم قال :
– إيه الوطينة دى يعنى علشان خلاص لقيت أهلك بعتنى ، قليل الأصل بجد ، خسارة صداقتى فيك يا ندل
قهقه أدم ما أن سمع ما تفوه به صديقه ، فلو لم يكن يعلم أمور المزاح خاصته ، لكان ظن أنه مستاء حقاً منه وسأم من تلك الرفاهية التى يتنعم بها ، بعدما حل ضيفاً على مالك ذلك القصر لإرتباطهما بتلك الصداقة القوية ، والتى تجعله يضع أدم بأولوياته وما أن يريد دعمه يسرع بتقديمه له على الرحب والسعة
تنفس أدم تلك النسمات التى داعبت أنفه محمولة بأريج عطور تلك الزهور بالحديقة ، ومن ثم غمغم بكسل :
– أنا بجد كنت محتاج اجازة أرتاح فيها بقالنا فترة بنسافر من بلد لبلد وشغل شغل ، لازم نرتاح شوية
رفع أدم رأسه عن مقعده ، بعد سماع صيحة الصغير القادمة من إحدى شرفات المنزل ، فوكز عماد لينظر إلى ما ينظر إليه ، حيث وقفت ساندرا فى شرفة غرفتها تداعب صغيرها الذى راح يقهقه بصوته الطفولى وبدا مسموع لهما بكل وضوح
رفع أدم نظارته السوداء عن عينيه قائلاً بحيرة :
– غريبة أوى ساندرا دى من ساعة ما جينا البيت وهى مبتظهرش إلا صدفة ، دا ساعات بنسى أنها عايشة معانا فى البيت ، ياترى إيه حكايتها وليه مبتحاولش تتكلم مع حد ، أنا حتى معرفش تقربلهم ايه ولا حد راضى يقولى كأنه سر
لوى عماد ثغره من قوة ملاحظته الخاصة بالإناث ، كأنه لن يترك إمرأة بهذا المنزل إلا وسيعمل على دراسة ردود أفعالها ، ويبدى إستغرابه كلما إنتبه على فعل لا يتوافق مع باقى ساكنى القصر ، فنفخ خديه قائلاً بملل :
– يا سلام على بعد نظرك يا أدم ، سايب الرجالة اللى فى البيت وشغال تحليل فى شخصيات الستات اللى موجودين ، أرحم نفسك بقى يا أخى ، أوعى تخلص على ستات البيت وتدخل على الشغالات
ببطئ ترك أدم مقعده ، وهو ينوى القيام لتأديبه على ما قاله ، إلا أن عماد قفز على قدميه ، كأنه علم بنواياه ، ولم يكتفى بذلك بل أطلق لساقيه الريح ، قبل أن تمتد إليه يد أدم ، ولكنه لم يكن يقبل بفعلته ، إذ ركض خلفه فى الحديقة وحول المسبح ، فإنتبهت ساندرا على ما يفعلانه ، فشقت إبتسامة عريضة شفتيها ، وخرج صوت ضحكتها عالياً ، ورن بأذنيها وكان ذو وقع غريب ، فهاتان الشفتان لم تمسهما ضحكة أو إبتسامة نابعة من القلب منذ وقت طويل ، تمنت لو كانت قادرة على محو تلك الأيام ، التى لم تفشل فى عدها ، بل تحسب الدقائق بها ، وكل دقيقة تمر عليها تذكرها بقسوة ومرارة ما حدث ماضياً ، فما أن جال بخاطرها ، تلك الفاجعة التى حرمتها إبتسامتها ، بل وحرمتها أن تحيا حياتها كما كانت معتادة ، تسربت دمعاتها الفياضة على وجنتيها ، فيكفى تلك الصرخات والصيحات التى مزقت فؤادها ، كأن تلك الأصوات مازالت تدوى فى أذنيها ، وجعلتها تغلق عينيها فى محاولة منها أن تحافظ على هدوها قدر المستطاع ، فراحت تأخذ أنفاسها وتزفرها ببطئ كما نصحها راسل بأن تفعل إذا داهمتها تلك الحالة من معايشة تلك الذكرى الأليمة ، وتذكرت كيف ساهمت دون أن تدرى بحدوث ذلك الصدع فى حياته ، حتى باتت غير قادرة على أن ترحل أو أن تظل مقيمة هنا بمنزل عائلته وترى زوجته كيف ترمقها بنظرات الإستفهام عن ماذا بينها وبين زوجها ويحرصان على إخفاءه عن الجميع
لم تجد ليالى حلاً أخر لبيع
قطع الألماس التى بحوزتها ، إلا أنها تحاول الوصول لذلك الرجل ، الذى تعلم أنه يعمل بما يطلقون عليه ” السوق السوداء ” من حيث الإتجار بالعملات الأجنبية والآثار القديمة والمصوغات والمشغولات الذهبية والماسية ، فإن كانت تعلم أن الذهاب إليه كالذهاب لجحر الشياطين ، إلا أن ذلك لم يحد من إندفعاها بأن تبيع قطع الألماس ؛ لتعمل على شراء المطعم ، بعدما حاول عمران إقناعها بأنه فرصة ذهبية لها لكى تصبح سيدة أعمال ، ولم تنسى أيضاً أن تحاول إستخدام سحرها وإغراءها كأنثى لكى تحصل على أفضل العروض منه ، فما حدث بينهما بسنوات شبابها الأولى ، يجعلها تعى أى من الأوتار لديه تستطيع العزف عليه لتحصل على ما تريد ، فماضيها المحفوف بالكوارث والعلاقات الغير مشروعة ، لن يكفى مجلد لأن تخط به ذنوبها الماضية والحالية ، ورغم ذلك لم تفكر بيوم أن تقلع عن كل ذلك ، وتلك اللمحة الخاطفة من التوبة لم تزورها إلا عندما رغبت فى الزواج من عمران ، والذى علمت مؤخراً أنه متزوجاً من فتاة سليلة أثرياء وعائلتها تستطيع محو وجودها بلمح البصر
أغتمت ملامحها ما أن تذكرت زوجة عمران ، فدمدمت بغيظ :
– وإيه يعنى حفيدة النعمانى ، يا بختها متجوزة راجل أنا أدفع نص عمرى وأتجوزه ولو لليلة واحدة ، بس يلا كلها حظوظ ، ومين عالم بكرة يحصل إيه ، ما قريب أوى هبقى زى زيها وهبقى سيدة أعمال والكل هيعملى ألف حساب زيها
وضعت القرطين الذهبيين بأذنيها وقسمات وجهها مازالت تنضح بإمتعاضها وإستياءها ، وكأن بفعلتها تلك ستنجح بأن تعزز ثقتها بنفسها من أنها بيوم تستطيع منافسة ميس على قلب عمران ، والذى لم تعد ترى رجلاً غيره ، حتى وإن كانت الآن تفكر بإقامة علاقة مع ذلك الرجل الذي ستذهب إليه ، ولكنها سترفع الحرج والذنب عن عاتقها بحجة أن ليس لديها مشاعر تجاه ذلك الرجل ، وإنه لمنطق عجيب وعقيم من أن يستحل بعض الأفراد حدود الله متذرعين بأن ذلك يصب فى النهاية لمصالحهم الخاصة وأن كل شئ سيمر ويصبح بطى النسيان ، وتلك هى قواعد المجتمع المتفتح ، الذى لم يعد بعض أفراده يلتزمون بتقاليده وكأنها صارت بالية ولابد من تجديدها ، كأن ثوب العفاف صار مهترئاً وحان الوقت لشراء ثوب جديد ولكنه لا يستر النفوس
أخرجت قطع الألماس من الصندوق الخزفى الموضوع به باقى حُليها الذهبية ، ووضعت قطعة ألماس واحدة بحقيبتها وظلت يدها متمسكة بالحقيبة وكأنها لن تفلتها إلا بعدما تصعد روحها ، ولما لا وهى ترى متاع الدنيا بتلك القطع الصغيرة البراقة ، فهى على إستعداد لدفع ثمنها كقربان لأن تمحى سجل حياتها القديم الحافل بالعلاقات المشبوهة ،من أجل شراء حاضر ومستقبل يضفى عليها رونقاً من أنها باتت سيدة مجتمع راقية ، لديها من المال ما يكفى عن حاجتها ، وربما يكون قادراً على سد تلك الفجوة بينها وبين ذلك الرجل الوحيد القادر على جعل خلاياها تهتف بإسمه ، وتُمنى ذاتها بأن يأتى ذلك اليوم ، الذى تستحل فيه قربه دون وجود عائقاً بينهما ، فجموح أمانيها يجعلها تنسى أحياناً كثيرة بأنه يمتلك زوجة ، إذا تبارتا فى نزال عن من ستكون الأحق به ، ستكون زوجته هى الفائزة دون جهد
صوت صرير أسنانها المصطكة ببعضهما ، لم يكن كافياً بجعلها تبلع إهانة عقلها لها ، فخرجت من الغرفة وأشارت للحراس بأن يتبعوها ، وما أن أخذت مكانها بالمقعد الخلفى لسيارتها ، أمرت السائق بالإنطلاق لتلك الوجهة التى ستقصدها ، فبعد خمسة عشر دقيقة ، كان السائق يصف السيارة أمام ذلك المنزل ، الذى لم يختلف فى رفاهيته عن منزل سيدته ، لذلك لم يساوره هو أو أحد من الحراس الشكوك حول مجيئها لهذا البيت ، وإستطاع كل منهم حبك سبباً وجيهاً لمجيئها
خرجت من السيارة وهى قابضة على حقيبتها كالقابضة على ذرات من الجمر ، حتى أن يداها بدأتا تتعرقان ، وشعرت بتلك الرجفة الخفيفة بسيقانها ، إلا أنها رفعت وجهها وأكملت سيرها حتى وصلت إلى غرفة المعيشة التى إصطحبتها إليها إحدى الخادمات
جلست واضعة ساق على الأخرى ، وعيناها تتجول بهما فى أرجاء الغرفة ، ولم يقطع عليها تأملها سوى ذلك الصوت الذى صدح من أمام باب الغرفة :
– ليالى عاش من شافك ، دا أنا قولت إن مش هشوفك تانى من ساعة ما ضربتلك الباسبور اللى طفشتى بيه على بلاد برا ، بس إيه الأبهة دى كلها يا بت
لم تهديه إلا إبتسامة فاترة ، غير ودية خاصة بعد إتيانه على ذكر خدماته الجليلة من أجلها ، ولم تكلف نفسها عناء الوقوف ، إذ قالت بسخرية :
– دا على أساس أنك أنت اللى كنت مولود فى بوقك معلقة دهب الله يرحم أيام سرقة العربيات من الجراچات ، أنت كمان نضفت أوى
قالت ما لديها إقتصاصاً لما قاله بحقها ، فلم يمتعض أو يستاء بل جلس على المقعد المقابل لها قائلاً بجدية :
– سيبك بقى من الذكريات دى كلها وقوليلى بقى إيه الموضوع اللى خلاكى تجيلى لحد هنا
وضعت حقيبتها على ساقها وفتحت سحابها وأخرجت العلبة التى تحتوى على قطعة الألماس ، وبعدما فتحتها حدقت به بقوة قائلة برجاء مبطن بنبرة صوتها الناعمة :
– جتلك علشان تبيعلى كام حتة ألماظ ودى واحدة منهم جبتهالك علشان تشوفها وتعاينها وعايزة فيهم سعر كويس
فغر الرجل فاه ما أن إلتمع بريق الماسة فى عينيه ، ولكن لم تصل يده إليها ، إذ عملت على إغلاق العلبة وسحبها بعيداً عن يده ، فإبتسم قائلاً وهو يومئ برأسه:
– عيونى يا ليالى هبعهملك ، بس طبعاً ليا نصيب فى الفلوس ، متنسيش إن الألماظ ده مشموم وزمان ريحته فايحة عند اللى أخدتيه منه ، والإ مكنتيش جيتى لحد عندى
وضعت العلبة بحقيبتها وقالت وهى تهم بترك مقعدها :
– وقت ما تجهز المشترى أدينى خبر ، ومتنساش نصيبك هتاخده كامل ومش ناقص جنيه سلام
لم تشأ أن تطيل فى زيارتها القصيرة ، إذ لم تكن تنوى مجالسته أكثر من ذلك ، وتيقنت من أنه سيسعى لإحضار المشترى ، بعدما رآت كيف كان لعابه سيسيل بعد رؤية قطعة الألماس ، فمن أجل أن يحصل على نقوده ، سيكون على إستعداد لإحضار من هو أكثر ثراءًا ويستطع دفع المبلغ المطلوب ثمناً له ، وما أن وصلت لسيارتها ، أخبرت السائق بأن يعود بها للمنزل ، فأندهش من مطلبها وهى التى لم يمر على مجيئها لهنا سوى عدة دقائق لا تكفيها لأن تحتسى كوباً من الماء البارد ، ولكن منذ متى وهو يستطيع فهم تصرف سيدته المحير أحياناً كثيرة ، فقاد السيارة حتى وصل بها للمنزل
ما أن تركت ليالى السيارة ، سمع السائق رنين هاتفه ، فنظر من النافذة ليتأكد من دخولها للبيت وإنه بإمكانه أن يتحدث بحرية ودون قيد مع من يهاتفه ، وبعدما تبادلا بضعة كلمات ، أغلق الهاتف وخرج من السيارة ، وأخذ يفكر فى كيفية تنفيذ تلك المهمة المطلوبة منه ، وما أن تقدم بخطواته تجاه باب المنزل ، رآى أحد الحراس قادماً من الداخل ، فأسرع بالعودة إلى جوار السيارة ، وأخرج هاتفه ليوهم الحارس بأنه يتصفح مواقع التواصل الإجتماعي ، كإحدى سُبل الترفيه عن الذات وقت فراغه
❈-❈-❈
منذ ماعلمته بشأن والديها وهى بحالة أقرب للإنتشاء ، فذلك الشعور الغريب ، الذى ملأ حواسها من كونها إذا كانت عاشت بكنف أبويها الحقيقين كانت ستنشأ على الدين الإسلامى كحالها الآن ، جعلها تبتسم إذا دعتها الحاجة أم لا ، حتى إنها لم تنسى نصيب زوجها من تلك الإبتسامات على الرغم من المشاحنات المستمرة بينهما ، إلا أنها بدت كأنها لم تجد ضرر من أن تهديه إبتسامة مشرقة ما أن قابلته بعد عودتها من منزل عائلتها ، ولم تكتفى بذلك ، بل ظلت سابحة فى بحر سعادتها وتنظر إليه بعينيها اللتان راحتا تفيض حلاوة وعذوبة ، كمن تريده أن يشاركها تلك اللحظة الثمينة ، وعندما هَم بمعانقتها لم تمانع ، بل عملت على تطويقه كمن حصلت على الجائزة الكبرى قبل عودتها للمنزل ، وتعرب عن مدى سعادتها بأن تهديه عناق المغرمين ، كأنها نسيت ما كان بينهما من خصام ، ولم تنتبه على ما يحدث بينهما إلا عندما وجدت راسل يهمس فى أذنها عن مدى إشتياقه لها وإنه بأمس الحاجة إليها ، فعند هذا الحد وكانت نافضة عنها كل ما أعتراها من مشاعر وعواطف وهى تحت تأثير تلك الحالة من السعادة ، التى جاءتها لتخفف عنها ضيقها بتلك الأونة ، ولم تنسى كيف تبدلت قسمات وجهه ، وبلغ حنقه منتهاه ، بعدما أوصلته إلى باب جنة العشق وسرعان ما أوصدته فى وجهه
– يا خبر أنا شكلى اتأخرت على بيرى
هتفت حياء ما أن قطع رنين هاتفها تحديقها المستمر بصورتها المنعكسة بالمرآة ،فصفعت جبينها بخفة ، بعدما تذكرت أنها يجب أن تسرع فى الذهاب لتلك القاعة التى تنتظرها بها بيرى ، فذلك الحفل المقام بها والذى تشرف على إعداده إبنة عمها سيكون الأخير قبل زفافها ، لذلك أرادت منها المجئ لمساعدتها كالعادة ، ولم تنسى أن تخبرها بأن تصطحب أدم معها من أجل إحياء الحفل نزولاً عند رغبة العروسان ، لذلك أسرعت فى أخذ هاتفها وحقيبتها لكى تخرج من الغرفة
وبالأسفل ، كان راسل جالساً فى الصالة ، بعدما أصرت عليه إبنته أن يطعمها بعض قطع الفاكهة ، كأحد أمور دلاله لها ، والتى لم تعد تحصل على الكافى منها بتلك الآونة ، إذ كان هناك ما يشغله كالتفكير فى تلك الحالة التى وصلا إليها هو وزوجته ، ولم ينسى وجود أدم ، الذى أضحى فرداً جديداً فى تلك العائلة ، أنتهت سجود من تناول قطع الفاكهة ، فأشار عليها بأن تذهب لغرفتها على أن يوافيها فيما بعد ليقص عليها قصة قبل النوم
ما أن ترك مكانه ، رآى ذلك الجيتار الخاص بأدم ،وظل يتأمله بضع لحظات وهو يقول ببرود :
– ياترى سايب الجيتار بتاعه هنا وراح فين
لعنة حلت عليه تجسدت بذلك الشاب المدعو” أدم “، فمن أين ظهر له هذا المخنث ، مثلما أعتاد أن يطلق عليه منذ أن رآه ؟
جن جنونه وأنتفخت أوداجه عندما أبصرها تهبط الدرج بدلال لا يناسب أحداً غيرها ” صبيته الحسناء”
فأين هى ذاهبة بهذا الوقت من المساء ؟
فهى لم تخبره بشأن خروجها من القصر ، أو بالاصح لم تعد تحدثه أو تخبره بشئ يخصها أو يخص غدواتها وروحاتها ، وهذا ما يوشك على أن يفقده صوابه ، ولكن أكتملت الصورة سوءاً برؤيته ” أدم ” يخرج من غرفته ويهبط الدرج خلفها ، ويبدو عليه أنه بصدد الخروج من المنزل هو الأخر
فصاح أدم قدر ما أسعفه لسانه الذى صار معتادًا على النطق باللغة العربية منذ مجيئه لهنا من وقت قريب :
– حلوة كتير مليكتى النهاردة
تشنجت أطراف راسل وأقترب منه قابضاً على تلابيب ثيابه صارخاً فى وجهه:
– هى مين اللى حلوة ياض أنت ما تحترم نفسك
– إهدى راسل مش ينفع تتعصب
قالها أدم ببرود ، فكم يحب إغاظته ، فإن كان يعلم بأنه لا يصح أن يبدى إعجابه بإمرأة متزوجة خاصة أمام زوجها ، إلا أن طباعه الفرنسية ونشأته جعلته محب للجمال بإختلاف أنواعه ، ولا يستطيع إلجام لسانه عن قول عبارات الإطراء لكل فتاة جميلة يراها
رأت حياء أن شجار جديد يلوح في الأفق ، فأرادت فض النزاع بينهما ، فهى ليست بمزاج للإستماع لتلك الترهات من كلا الجانبين ، فهتفت بأدم بلين وشعور عارم بالإرهاق :
– أدم بليز أتفضل أسبقنى على القاعة هتلاقى بيرى مستنياك وأنا هحصلك بعربيتى وعلشان تجهز نفسك قبل ما تبدأ تغنى فى الحفلة
إيماءة خفيفة من رأس أدم ابلغتها أنه سيجعل حديثها محط التنفيذ ، فهو بعد أن إبتعد عن يديىّ راسل ، عدل هندامه وخرج متجهاً لسيارته
أرادت حياء الخروج هى الأخرى ، فوجدت يد راسل تقبض على رسغها بقوة ، إستدارت برأسها إليه ، فوجدت عيناه كجمرتان مشتعلتان بغضب قادر على أن يحرقها حية
– أنتى راحة فين أنتى وهو ؟ وليه مقولتيش أنك خارجة
صاح راسل بها بحدة ، فما كان منها سوى أن رفعت يدها الأخرى ، لتحل وثاق أصابعه الغاضبة عن رسغها
فأجابته ببرود مدروس :
– بيرى كانت عيزانى اساعدها فى حفلة النهاردة وطلبت أدم يغنى فى الحفلة خصوصاً لما العرسان عرفوا أن المغنى العالمى أدم جوزيف هنا فى إسكندرية وطلبوه بالإسم ، ما أنت عارف أدم مغنى محبوب وعالمى ، ومعشوق البنات زى ما بيقولوا
أطاحت بصوابه بالتشديد على ذكر إسم أدم ، خاصة بالجزء المتعلق بشهرته كمغنى ولديه الكثير من المعجبين خاصة الإناث
فرد قائلاً بإستنكار :
– على إيه إن شاء الله ، عيل ماسخ ومايع كده عامل زى الفراخ البيضة
تريد معجزة لإلجام تلك الضحكة ، التى تريد الإفلات من بين شفتيها ، فبجهد إستطاعت قمعها ، وإرادت إستكمال سيرها ، فلم يتبقى إلا القليل وسيبدأ حفل الزفاف ، وهى لا تريد أن تجعل بيرى تنتظرها طويلاً
أطبق راسل جفنيه ، وهو يحاول إستدعاء هدوءه ، الذى لم يعد بالإمكان الحفاظ عليه ، فما كادت تبتعد خطوتين ، حتى وجدته يسحبها معه لإحدى الزوايا المظلمة أسفل الدرج اللولبى
فأطلقت شفتيه تلك الأنات الخافتة المعبأة بالألم :
– أنتى عايزة تعملى فيا إيه تانى يا حياء حرام عليكى
فأكمل عبارته المتألمة بتجويف عنقها حيث دفن وجهه فغمغم مستطرداً:
– للدرجة دى كرهتينى ومبقتيش عيزانى ، نسيتى حبنا خلاص
أبتعد عنها وأقترب رأسه منها ثانية ، ولفحت أنفاسه الحارة وجنتيها ، على شفتيه طيف أبتسامة ، خاصة بعدما إلتقت أعينهما ، وكانت بحالة شبه مغيبة عندما شعرت بإبهامه يلامس وجنتها ، فأرتعدت عندما خاطبها بصوت يفيض حناناً :
– وحشتينى أوى يا قلب راسل
طرأ تحول غريب على مشاعرها جعلها تحول الحنين الجارف الذى يجتاحها إلى إحساس أقوى من الرغبة فى الإستسلام صاغرة بين ذراعى زوجها الفظ ، الذى كان ذو مزاج متقلب ، فتارة خشناً بمعاملتها وتارة حنوناً ، إنه يشعر بالظمأ ولا يرويه سوى الشعور بوجودها بين ذراعيه ، ولكنها لا تريده بغطرسته ، التى جعلته يتوهم أنه سيجدها راغبة مطيعة له بعد أن طعن قلبها ، فهى تفضل البقاء من دونه على نيل جزء منه فقط ، خاصة ذلك الجزء المتعلق بغروره
فسيطرت على دموعها وحبستها وعملت على دفعه عنها وهى ترمقه بعينان ينبعث منها الغضب والإشمئزاز وقالت :
– حبنا ووحشتك ! وأنت مفتكرتوش ليه يا راسل ولا أنت بس اللى من حقك تكسر قلبى ، بس خلاص حياء اللى أنت كنت بتعاملها على أنها طفلة دلوقتى كبرت و…
لم يجد جدوى من ثرثرتها ، فما من حل أنسب بهذا الوقت سوى أن يخرسها ويجعلها تكف عن الحديث ، فهو يتحرق شوقاً لذلك العناق المختزن بقلبه وذاكرته وألهب ذكرياته بسياط الهجر والفراق ، كأن روحه انسكبت بين ذراعيه المحملتين بالحب والعشق ، تحاول بثها تلك العاطفة الجياشة التى يشعر بها ، فكم تاق هو للقاءها ، فحواسه تواطأت مع لهفة الشوق لينتج بالأخير عناق صاخب ، كاد ينسيها ما كان من أمره بحقها
فزمجر بتهديد ووعيد عندما سنحت له الفرصة بفصل العناق ، الذى كاد يقضى على كل ما أختزنته رئتيهما من هواء :
– أنا مش هسيبك لحد ولو اللى إسمه أدم ده مبعدش عنك هقـ ـتله يا حياء
ولكن إلى هنا وأفاق على حاله المزرى من كون أن ما حدث الآن لم يكن سوى حلماً نسجه بمخيلته ، فهو لم يعاتبها ولم يلقى بتهديده فى وجهها ، لأن لابد لها أنها وصلت لمرآب السيارات لتستقل سيارتها وتخرج من باب القصر ، وتركته هنا مكانه يتخيل كيف سيكون الحوار بينهماى، إذا سنحت لهما الفرصة وكانا بمفردهما ، طالقاً العنان لقلبه ولسانه ، كتلك المرات القليلة التى أجتمعا بها سوياً ، وكانت أحياناً متمردة وأحياناً أخرى هادئة تثير بقلبه الشوق لأن يضمها بين ذراعيه وينعما بلحظات باتت وكأنها ستظل من المحال أن تستمر على المنوال ذاته
نفرت عروقه التى تجمعت بها دماءه الحارة ، والتى ألهبت حواسه من فرط ضيقه وحنقه كونها ستجتمع هى وذلك المخنث المسمى أدم بمكان واحد ، حتى وإن كان سيجتمع معهما العديد من الضيوف والمدعوين ، ولكن حتى لو أجتمع معهما سكان الكرة الأرضية قاطبة ، لن يسمح بوجودها معه تحت سقف واحد
– لاء لحد كده وكفاية بقى
نطق بها وقدميه تسوقه مهرولاً تجاه ذلك المرآب الكبير ، وما أن وصل إليه وجدها بصدد الإنطلاق بسيارتها ، فوقف أمام السيارة عاقداً ذراعيه ويطالعها بعينان تأمرانها بأن تخرج من سيارتها على الفور ، وإلا ستكون النتائج غير مرضية لها ، ولكن ستكون بأكثر من ذلك له هو
أطلقت حياء زمور السيارة عدة مرات ، لعله يتنحى جانباً ويسمح لها بالمرور ، ولكن بدا كأنه أصم ولم يستمع لذلك الصوت المدوى والذى أثار أعصابها حد الإنفجار ، فلم تجد مفر من أن تترجل من السيارة ، وأغلقت بابها بعنف محدثاً صوتاً عالياً ،دل على مدى شعورها بالإستياء مما يفعله
رفعت يدها تشيح بها أمام وجهه وهى تقول بصوت عالى :
– فى إيه أنت واقف ليه كده مش سامع صوت الكلاكس أنا كده هتأخر على بيرى ، أنت عايز إيه يا راسل
تهدل ذراعيه بجانبه وخطى خطواته بتؤدة تجاهها ، ولكنها شعرت بدنو الخطر منها وهى ترى بياض عيناه إستحال لونه للون الأحمر ، بل وبدا أنه يأخذ أنفاسه بصعوبة ، إذ راح صدره يعلو ويهبط وتتسع طاقتى أنفه كالثور الهائج ، والذى وجد نفسه هو وفريسته بالحلبة بمفردهما ولن يتركها إلا إذا إستعرض قوته الهجومية عليها
رآت أنه من الحكمة أن تحكم سيطرتها على مشاعر الغضب المتأججة بداخلها ، إذ أن ذلك لن يوصلهما إلا لمزيد من الشجارات ، التى بدأت تسأم منها ، لشعورها الدائم بإنتصاره عليها ، حتى وإن كانت هى التى عملت على تجريده من كبرياءه ، ولكن يكفيها أن بعدما يذهب عنها تظل رائحته المميزة عابقة بأنفها ، بل وتضم ذراعيها حول جسدها ، كأنها تحافظ على ذلك الدفء الذى ترك بصماته عليها ، فكانت ومازالت تشتاقه كأنه تركها بالأمس وهى بأوج مراحل العشق
– أدخلى جوا يا حياء ومفيش خروج من البيت ، أو بمعنى أصح مفيش خروج تانى من غير إذنى ، خلاص كفاية عليكى لحد كده
قالها وهو يشير بيده لباب المنزل الداخلى ، ولم يرف له جفن وهو يحدق فى وجهها ، يكاد يلتهم ملامحها بعيناه العاصفتين ، بل أن جسده تأهب لأى حركة منها ، حتى إذا أعلنت تمردها وعصيانها ، لن يجد مشقة فى حملها والذهاب بها لغرفتها ، فلو تطلب الأمر سيجعلها سجينة الغرفة ، ولن يجعلها ترى أحداً غيره ، حتى لو نعتته بالمستبد والطاغى ، فلن يشكل ذلك فارقاً لديه
تلاحما حاجبيها الأنيقين بدهشة من أوامره التى يمليها عليها ، دون مراعاة لأخذ رآيها بما يقوله ، بل أنه أصدر قراره وعليها هى القبول به دون إحتجاج أو معارضة ، ولكن من يظن نفسه ذلك الطاووس المغرور ، والذى لم تقابل أحد فى حياتها بأسرها يملك تلك الشخصية المحيرة ، والتى تجعلها تفشل دائماً فى فهمه أو فهم ما يفكر به ، ولكنه مخطئ إذا ظن أنها ستنصاع له بسهولة وتتركه يفرض سيطرته وهيمنته عليها ،والتى إن قبلت بهما سابقاً كان يظللها غمامة من العشق ، تجعلها تأخذ كل أفعاله على أنها غيرة عاشق على معشوقته ورغبته فى الإستئثار بها لنفسه ، وأن لا تراها عين رجل غيره
حركت رأسها كأنها لم تسمع ما تفوه به وتريده أن يعيد حديثه مرة أخرى ورفعت حاجبها قائلة بلامبالاة :
– قول تانى كده علشان مسمعتش
صمتت لبرهة ومن ثم أضافت :
– الظاهر إنك مش لاقى حاجة تعملها يا راسل وجاى تتسلى عليا بس يا خسارة أنا مش فاضية ولازم أخرج دلوقتى وسع السكة كده علشان أعدى
قبل أن تعود وتستقل سيارتها كان قابضاً على ذراعها ، بل ودفعها حتى إصطدم ظهرها بالسيارة ، ويده الأخرى قبضت على عنقها وأحنى رأسها للخلف وحدق فى عينيها قائلاً من بين أسنانه بتهديد :
– أنا مش بتسلى يا حياء ، أنا بتكلم جد ، وأحسن لك تسمعى الكلام ، لأن مبقاش عندي صبر كفاية علشان أستحمل عمايلك ، أنا سيبتك تعملى اللى فى دماغك وتثبتى لنفسك أنك قوية وتقدرى تعارضينى براحتك ، بس دلوقتى خلاص كل ده أنتهى فاهمة
كل حرف تفوه به وخرج من فمه وصل لمسامعها بكل وضوح ، بل أنفاسه الساخنة التى تململت على بشرتها ، أنبأتها بأن الجحيم سكن جوفه، وربما سيقذفها بحمم بركانية ، قادرة على إذابة عظامها ولحمها ، ولكن لا تعلم لما ظلت مقاومتها خاملة ، ولم تسعفها وهى واقفة بين يديه حاكماً يداه إحداهما على ذراعها والأخرى ملتفة حول عنقها ، ولكن رغم ذلك لم يحاول إيذاءها ، فمازال كما هو حتى وإن كان بأوج غضبه ، لا يفكر فى مسها بأذى أو مكروه ، بل تفضحه عيناه وتظهر ما يحاول إخفاءه خلف قناع البرود والقسوة ، الذى يحاول إرتداءه أمامها وأمام الأخرين
– أنت عايز تخنقنى وتموتنى يا راسل
هتفت بعبارتها همساً وهى تزدرد لعابها وبتردد رفعت يدها اليمنى وحطت بها على صدره ، وزحفت ببطئ حتى وصلت لعنقه ، فأدهشتها تلك الحرارة التى شعرت بها أسفل كفها وهى واضعة يدها على إحدى جانبى عنقه ، كأنه مصاب بحمى ، ولكن تلك الحرارة لم تكن سوى نتيجة لتلك العواصف التى تهدر بقلبه معلنة أنه أطلق شيطانه ولن يعود بالإمكان السيطرة عليه وإعادته لسباته ، بل عليها هى أن تحاول الهروب من جحيمه قدر إستطاعتها
سألها بنبرة خافتة :
– تفتكرى إن أنا ممكن أعمل فيكى كده ؟
أرتخت أصابعه الملتفة حول عنقها ما أن باغتته بفعلة مماثلة ولكنها لم تحاول أن تغرز أصابعها بعنقه وتغوص بهما حتى تحرمه ذلك الهواء الذى تلتهمه رئتيه بشراهة دلت عليها محاولته أخذ أنفاسه بتتابع كأن الهواء نضب منهما ، بل مررت إبهامها على عنقه وتجولت يدها مروراً بذقنه حتى حطت بإبهامها على طرف شفتيه ، فأغمض عينيه منتشياً من فعلتها ، وقبل أطراف أناملها حتى شعر بإرتجافها
ففتح عيناه بعدما سمعها تقول بأنفاس كادت تشعر بذوبانها :
– أنت عملت فيا اللى أكتر من الخنق والموت ، راسل سيبنى أروح لبيرى ، دى أخر حفلة هتعملها قبل فرحها فخلينى أروح أساعدها ، دا لو كان لسه ليا شوية غلاوة ولو صغيرين فى قلبك
جردته من تعنته وتسلطه ، وجعلت تلك الكبرياء التى كانت بادية عليه تتلاشى ، كأنها رياح عاصفة حل محلها نسمات الهواء الرقيقة ، نجاح ساحق يحتسب لها ، بل جعلها تتيقن من أنها مازالت تملك ذلك السحر والتأثير عليه ما أن تخاطبه بنبرة هادئة تكثف بها ضعفها وأنها ماهى إلا نصفه الأخر ، طفلته التى لن يستطيع رفض طلبها ، بل سيحاول إرضاءها وصرف حزنها
وهذا ما كان ، إذ سمعته يقول وهو يومئ برأسه إيماءة خفيفة ، كأنه يشعر بثقلها المفاجئ :
– ماشى يا حياء ، هو النهاردة وبس علشان خاطر بنت عمك
هزت رأسها وحاولت إخفاء وجهها لكى لا يرى بسمة الإنتصار التى غزت شفتيها من أنها حققت مرادها ، وها هى نالت موافقته دون بذل جهد يذكر سوى أنها ترجته بصوتها الناعم ، وأن يدها ساهمت بإتمام مهمتها بعدما ربتت بها على وجنته ، ولكن رغم ما تشعر به من إنتصار بأنها أخذت موافقته على خروجها ، إلا من داخلها شعرت بالبغض لنفسها على أنها مارست عليه تلك الخدعة وإستغلت ضعفه تجاهها ، ولكنها لم تشأ أن تفكر كثيراً بذلك ، فصعدت للسيارة وأدارت محركها وانطلقت بها بعدما أخرجت يدها من النافذة ولوحت له بها
وما أن رآى راسل السيارة تعبر من الباب الخارجى للبيت ، ألتوى ثغره الرجولى ببسمة ذات مغزى ، فكم هى ساذجة وحمقاء إذا ظنت أنه أخذ بأعلايب حواء خاصتها ، فعندما ستعود ستجد مفاجئة أخرى بإنتظارها ستدهشها على الأغلب ، ولكنها ستكون مرضية له ، فإن أرادت ممارسة ألاعيبها ، فليكن ذلك بساحتهما الخاصة والتى سيعمل على إعدادها منذ الليلة
قضم شفته السفلى قائلاً بصوت منخفض ملأه الحماس :
– زى ما أنتى متغيرتيش يا حياء ،بتفتكرى أنك ضحكتى عليا ، بس اللى متعرفهوش إن أنا اللى سايبك تضحكى عليا بمزاجى ولما ترجعى هتنبسطى من المفاجأة اللى هعملهالك
وصلت حياء لتلك القاعة التى تنتظرها بها بيرى والتى سبقها أدم إليها ، بل أنه بدأ الغناء بحفل الزفاف ، فأكتفت بالوقوف بجانب إبنة عمها بصمت ، ولم يكن بنيتها أن تتجاذب الحديث مع أحد ، إذ أنها كانت تفكر فيما حدث قبل مجيئها ، ولكنها إضطرت للخروج من صمتها وبلادتها عندما بدأت بيرى بإخبارها بما ستفعله حتى ينتهى حفل العُرس بسلام ، فتنقلت من مكان لأخر تبتسم كما تقتضيها الحاجة ولكنها لم تحاول أن تبتسم لأدم الذى راح يطاردها بعيناه بكل مكان تذهب إليه ، كأنه يرغب فى سؤالها عن تأخيرها فى موافاته عند القاعة
بعدما أنتهى حفل الزفاف ، تأبطت بيرى ذراعها وخرجتا من القاعة بعد أن أنهت إصدار أوامرها للعاملين لديها بسرعة تنظيف وتنظيم القاعة قبل تسليمها لإدارة الفندق التابع لها
وكزتها بكتفها بخفة وتساءلت :
– مالك كده من ساعة ما جيتى وأنتى ساكتة حصل حاجة ؟
تنفست حياء بعمق ومن ثم ردت قالت بشعور عارم من التيه :
– مش عارفة ليه حاسة كأن أنا واحدة مستغلة تخيلى أن ضحكت على راسل علشان يرضى يخلينى أجى هنا عملت نفسى الكيوتة والغلبانة ولعبت بمشاعره علشان أقدر أخرج من البيت
لم تفهم بيرى معظم ما تفوهت به ، فحدقت بها بشئ من البلاهة ، علها تقدم تفسيراً لما قالته ، ولكن حياء لم تكن بوضع يخولها قص ما حدث بينها وبين زوجها قبل مجيئها ، لذلك أخبرتها بأنها ستعود للمنزل على أن تتقابلا بالغد لشراء ثوب زفافها
أخذت سيارتها وانطلقت بها عائدة للمنزل قبل أن يلحق بها أدم ، إذ كانت سعيدة الحظ بأن إلتف حوله جمع من المعجبين والمعجبات لأخذ صور تذكارية ، وصلت للمنزل ووضعت سيارتها بالمرآب ومن ثم ولجت للداخل وهى لا تسمع صوتاً فى القصر ، فييدو أن الجميع بغرفهم ولم يتبقى سواها هى وأدم الذى يبدو أنه وصل بسيارته ، فذلك الضجيج الذى تسمعه من زمور السيارة لا يحسن أحد غيره فعله
صعدت الدرج حتى وصلت غرفتها ، فتحت الباب ومن ثم ولجت بخطى متثاقلة كأن شعور بالذنب والندم يثقلان كاهلها ، فبفتور وصلت لجانب الفراش وألقت هاتفها وفكرت فى الذهاب إلى المرحاض ، لعل أغتسالها بالماء الدافئ يزيل عنها كآبتها ، فما أن أخذت ثيابها من غرفة الثياب وأتجهت للمرحاض ، حتى وجدت باب المرحاض يفتح ويخرج منه راسل يجفف وجهه ورآسه بالمنشفة بعدما أنهى إغتساله على ما يبدو ، ودل على ذلك تساقط قطرات الماء منه بعدما خرج إليها لم يكسوه سوى سروال بيتى قصير بالكاد وصل لركبتيه ، وخصلات شعره رطبة وتفوح منه روائح عطور الإستحمام
فغرت حياء فاها وحملقت به ومن ثم تساءلت بدهشة :
– أنت كنت بتعمل إيه هنا فى حمامى أو بتعمل إيه فى أوضتى أساساً
أنهى راسل تجفيف صدره ووجهه ، ومن ثم وضع المنشفة على مقعد طاولة الزينة ، وأخذ قنينة عطره ونثر منها ، لحبه الشديد للتطيب بعد الإستحمام ، بينما ظلت حياء تتابع ما يفعله فى الغرفة كما لو أنه المالك لها بالأساس ، بل لم يكتفى بما يفعله إلا هذا الحد ، فإستلقى على الفراش واضعاً يديه أسفل رآسه قائلاً بنبرة خافتة عابثة:
– روحى خدى الشاور بتاعك زمانك راجعة تعبانة ومتقلقيش هتلاقينى مستنيكى ، أصل نويت خلاص هقعد معاكى هنا فى أوضتك يا روحى
❈-❈-❈
يتبع…
لإكمال الرواية تابعنا علي قناة تليجرام
👈 الفصل التالي: رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني الفصل الثامن عشر
👈 جمييع الفصول: رواية لا يليق بك إلا العشق كاملة بقلم سماح نجيب
👈 المزيد من الروايات الرومانسية الكاملة: روايات كاملة
👈 لتحميل المزيد من الروايات: تحميل روايات pdf
انتهت أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.