نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الجزء الثاني الفصل الثامن من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
لا يليق بك الا العشق2 الفصل 8
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الرابع والخمسون
كست الدهشة وجه راسل ، بعد إدلاء حياء بقولها أنها لم ترسل بطلب شقيقها إلا من أجل مساندتها بأن تحصل على الطلاق منه ، على الرغم من أنه وعدها بأن يمنحها الطلاق بهدوء دون الحاجة لتدخل أحد أخر بينهما ، فظل يتسائل بقراره نفسه عن مغزى فعلها ، ولم يحصل على إجابة تريحه من تفكيره ، سوى أنها تريده أن يعلم بأنها لا تفتقر إلى السند أو الدعم ، وإنه لم يعد كما كانت تصفه دائماً بأنه مرساتها وأمانها ، تبادلا النظرات سوياً ، حتى إستطاع رؤية عينيها اللامعتان اللتان أنطفئ منهما بريقهما ، وكست خطوط الإجهاد والإرهاق والحزن وجهها خسر الحرب الطاحنة بين أعينهما مبكراً ، فأطرق برأسه قليلاً ، حتى لا يعود بإمكانه أن يشعر بالذنب ويجلده ضميره كلما رآى وجهها الشاحب ، وضع يـ ـديه بجيبى رداءه الطبى ، ربما ليخفى إرتجافهما أو ليستطيع غرز اظافره بباطنى كفيه كيفما يشاء ، دون أن يتطلع أحد على تكوير قبضتيه ومحاولته الظهور بمظهر اللامبالى بالأمور ، فمعها هى دائماً يكون الأمر خارج نطاق السيطرة ، ولما لا وهى من تعـ ـرى أمامها من بروده وجموده بأشد أوقاته الحالكة ، فإثنتان فقط منحهما هذا الإمتياز هى وخالته وفاء ، ولكنه عاد الآن ليجعلها بين صفوف الأخرين ، لتشاهد ما يظهر من أفعاله وأقواله ، ولا يبدو بنيته أنه سيسمح لها بأكثر من ذلك
أتسعت حدقتىّ ديفيد بعد سماع قول شقيقته ، فإبتسم بصدمة وهو يقول بعدم فهم :
– عايزة ترفعى عليه قضية طلاق ، أنتى اللى بتقولى كده يا حياء ، أنا مقدر أن سوء التفاهم بينكم خلاكم زعلانين من بعض ، بس لازم راسل يعرف الحقيقة ، لازم تسمعنى
أراد ديفيد منع راسل من الإنصراف ، فقبض على ذر اعه بحزم ، وأخذ قراره بأنه لن يغادر قبل أن ينجلى سوء التفاهم بين شقيقته وزوجها ذو الوجه المتجهم منذ أن رآه ، ولكن ديفيد لم يبالى بتلك النظرات الكارهة التى راح راسل يرشقه بها ، كأنه يريده أن يعى مدى إنزعاجه من رؤيته ، وأنه لا يريد سماع منه كلمة أخرى ، ولكن ساهمت الظروف بجعل راسل سهل الإنقياد لرغبته فى أن يتحدث معه ، فالأطباء والعاملين بالمشفى ، هو خير من يعلم طباعهم من الثرثرة حول أموره الشخصية ، وأنه كان دائماً محط أنظارهم وفضولهم ، خاصة بعد عودته الآن للمشفى ، فدلف لغرفة المكتب وترك الباب مفتوحاً على مصراعيه كدعوة غير صريحة بأنه على إستعداد لسماع ما سيقوله
تبعه ديفيد للداخل لكى يقدم إعتذاره ، وما كاد يفتح فمه للحديث حتى قاطعته حياء وهى تقول بحدة لم تخفيها نبرة صوتها المثقلة بالهموم :
– ديفيد قولتلك خلاص ملوش لازمة اللى بتعمله ، وعلشان تريح ضميرك ، أنا مش طالبة الطلاق علشان سوء التفاهم بينا ، لاء علشان هو خلاص أتجوز واحدة تانية وخلف ، مراته التانية وإبنه هناك واقفين برا مع مامته وبنته
خرج ديفيد من غرفة المكتب ونظر حيث وقف أفراد عائلة النعمانى بأخر الرواق ، فوجد باقى عائلة زو ج شقيقته يقفون على بعد مسافة من غرفة المكتب ، كأنهم أتخذوا جانباً ليتركوا ثلاثتهم يتحدثون بحرية ، فوجد إمرأة تحمل طفل صغير تقف بجوار وفاء ، ظن بالبداية أن شقيقته تمزح معه ولكن صمت الجميع ومحاولة تلك المرأة الهرب بنظراتها منه ، جعله يتأكد بأن الأمر ليس مزحة كما يظن
عاد ديفيد للداخل ونظر لراسل بحدقتان متسعتان بتعبير الدهشة والصدمة، وكأن نبرته المتوسلة له بأن يمنحه الوقت لتوضيح سوء الفهم بينه وبين شقيقته إحتـ ـرقت بلهيب غيظه من أنه فعل ذلك بحياء التى عشقته حد الموت
صاح بوجهه وهو يقول بنزق :
– أتجوزت عليها وخلفت كمان ، وهى كانت مموته نفسها هنا علشانك وعلشان خاطر عيلتك ، أنت إزاى أنانى كده وقدرت تعمل فيها ده كله وتكسر قلبها بالشكل البشع ده وهى قاعدة مستنياك ترجع ، حتى مرضيتش تسافر معايا وفضلت هنا على أمل أنك ترجع تانى وتقولك الحقيقة
وكز ديفيد صـ ـدر راسل ، تعبيراً عن ضيقه مما سمعه بحق شقيقته ، حتى كاد أن يترنح راسل بوقفته ، وتطور الأمر أكثر بينهما حتى وصل لأن يتعاركان بالأيـ ـدى ، وكأن غرفة المكتب صارت حلبة للقتال بين ديفيد وراسل ، ولكن بتدخل الحاضرين إستطاعوا فض الشجار والعراك بينهما ، بعدما أسفر عن إصابة حاجب راسل الأيسر بجرح طفيف، ونزف الدم من شفاه ديفيد
جذبت حياء شقيقها من ثيابه بعدما رآته بصدد العودة للشجار مع زو جها ، فوقفت أمامه وقبضت على قميصه وقالت بعينان دامعتان وصوت متحشرج بأنين :
– ديفيد علشان خاطرى يلا نمشى من هنا ، أنا مليش حد دلوقتى بعد ربنا غيرك أنت ، أرجوك أن محتجالك يا أخويا
أتمت حديثها بأن أخفت وجهها بصـ ـدره وهى تكمل بكاءها ، فأسرع ديفيد بإحتضانها والربت عليها لعلها تهدأ ، بينهما وقف راسل يرمقها بقلب دامى ، فهو نجح بجدارة فى تحطيم ثقتها وأحلامها وهدم حياتها ، نزع منها الأمان ، وزرع الأشواك ببستان أحلامها الوردية ، ولم يكتفى بذلك بل أحـ ـرق جنة أمانيها ، وتركها تبكى على الأطلال الرمادية ، ولكن ما أن رآى الجميع أن الأمور إستقرت نسبياً بينهما خرجوا من غرفة المكتب ولكنهم ظلوا بمكان قريب بالخارج تحسباً لوقوع شجار جديد بينهما
فعاد الأمر يقتصر عليهم هم الثلاثة بغرفة المكتب ، وقـ ـبل ديفيد رأس حياء وهو يقول بوعد :
– أنا معاكى يا حياء ، هعملك كل اللى أنتى عيزاه ، حتى لو سبت كل حاجة ورايا ورجعت أعيش معاكى هنا فى إسكندرية ، أنتى بس قوليلى عايزة إيه وأوامرك وطلباتك كلها مجابة ، عايزة تطلقى منه ، هطلقك وأخليكى تتجوزى سيد سيده ، أنا مستعد أجيب الدنيا كلها تحت رجليكى بس بلاش أشوف دموعك وكسرتك دى يا حبيبتى
رفعت حياء وجهها لديفيد ، ورغم حزنها الشديد ، إلا أنها إبتسمت من بين دموعها بعدما إستشعرت صدق نبرة صوت شقيقها ، ولم يكتفى بذلك بل رفع كفيه ومسح وجهها وهو يبتسم ، فإنتبهت على نزيف شفتيه ، وأخرجت محرمة ورقية من حقيبتها وناولتها له وهى تقول بصوت خافت:
– فى دمك على شفايفك إمسحه، ويلا خلينا نمشى
طوق كتفيها وأدناها منه وعاد يقـ ـبل رأسها من جديد ولم ينسى أن يرمق راسل بنظرة كارهة قبل خروجه من غرفة المكتب ، ولكن قبل أن يصلا للباب سمعا صوت راسل وهو يقول ببرود :
– على فكرة اللى أنت عملته ده مش هعديهولك بالساهل ولا اللى حصل منك زمان هعرف أدفعك تمنه غالى يا ديفيد
إلتفت له ديفيد برأسه قائلاً بإبتسامة متهكمة :
– أعلى ما فى خيلك أركبه يا دكتور ، ومتبقاش زى الدبور اللى بيزن على خراب عشه ، لأن علشانها هى مستعد أرجع أكره عيلة النعمانى تانى والمرة دى هيبقى السبب معروف ، فمتخلنيش أحطك فى دماغى ، وأنت مجرب وعارف ولا تكونش نسيت
قضى ديفيد بحديثه على كل ذرة عقل وبرود كان يملكها راسل ، فخوضه بتهديده لتذكيره بما لقاه منه بالماضى ، جعل شياطين العالم تتلبسه دفعة واحدة ، بل تخلى عن عقلانيته ومهارته ببمارسة البرود ، وبدا كإنسان بدائى من تلك العصور ، التى كان ينال بها الثأر دون رادع أو إعتبار لأى مظهر من مظاهر السلوك الإنسانى أو الحضارى ، بل تدافع الأفكار برأسه ، جعلته يشعر بالنشوة من تخيله أن يجعل ديفيد يذوق مُر الألم والوجع مثلما نجح هو فى أن يجعله يتجرعه منذ سنوات مضت
جذب راسل ذراع حياء دون محاولة منه فى إيلامها وقال بنبرة مفعمة بالبرود :
–مراتى مش هتسيب البيت إلا فى الوقت اللى أنا عايزه وطالما عايزها تحدى يا ديفيد ، معنديش مانع أهو حتى أتسلى لحد ما أسافر ، المغامرة مطلوبة برضه علشان تكسر الملل
سحبت حياء ذراعها من بين يده القابضة عليه بإحكام ، فما ظنه بها هل هى بيدق بتلك اللعبة التى يريد خوضها مع شقيقها من أجل شعوره بالغيظ والغضب منه ؟ ظلت تحرك رأسها ببطئ لعلها تقنع ذاتها بأن هذا الرجل هو حقاً زوجها راسل ، فهى ستصاب حتماً بالجنون ، وظلت تتسائل بشئ من الحيرة ، هل أن عامان قادران على تغيير طباعه وسلوكه إلا هذا الحد ، الذى يجعلها تظن أحياناً بأنه ليس هذا من أحبته وتزوجته ، بل تم إستبداله مع رجل أخر يشبهه كثيراً
رف جفنيها بشئ من البلادة وغمغمت بتعجب وصدمة :
– هو أنت مفكرنى لعبة فى إيدك تتسلى بيها وتاخد بيها بتارك من ديفيد ، لاء بجد فجأتنى يا دكتور راسل
رفعت حياء وجهها وعادت تستأنف حديثها بتحدى وإصرار :
–أنا كنت ناوية أسيبك بهدوء وأمشى من غير ما نأذى بعض ، بس طالما أنت عايز كده تمام مفيش مشكلة ، وغلاوة سجود عندك لأكسرك يا راسل وأكسر كبرياءك وأحطم حياتك وأهدم أحلامك وأخليك تبكى بدل الدموع دم ، وأنت اللى جبته لنفسك ، لأن متستهونش بواحدة قلبها أنكسر ، سلام يا زو جى العزيز أنا مستنياك فى البيت على ما ترجع ، وإن كنت اخدت قرارى بإن أسيب قصر النعمانى، فدلوقتى أنا قعدالك وإستعد للمفاجئة اللى هتوصلك منى قريب ، يلا يا ديفيد علشان توصلنى
تأبطت حياء ذراع ديفيد وخرجت من غرفة المكتب ، وقبل أن يتم إغلاق الباب ، رفعت يدها ولوحت لراسل بأطراف أصابعها ، وأرتسم على ثغرها الملتوى إبتسامة حملت كل النوايا بتحطيمه ، بل حملت طابع الهيمنة والسيطرة دلالة على أن الأيام المقبلة سيشهد بها تجهيز مقبرة ومحرقة كبرياءه ، ولم تنسى وهى تسير بالرواق متأبطة ذراع شقيقها أن تحاول الظهور بمظهر القوة والبأس ، ولكن إصطدمت نظراتها بنظرات ساندرا وهى تسير من جوارها و يبدو عليها أنها على وشك دخول غرفة المكتب ، فلم تسمح بأن يضئ بريق الغيرة عينيها ، ولكن تلك اليـ ـد الصغيرة التى علقت بحجابها ، جعلتها تتوقف عن السير ، وجدت الصغير قابضاً على طرف حجابها ولم يكتفى بذلك بل وضعه بفمه وهو يضحك ، وكلما حاولت ساندرا جعله يفلت طرف حجاب حياء من يـ ـده ، يعود ويقبض عليه من جديد ، فكانت تلك هى المرة الأولى التى ترى بها الصغير عن قرب ، طفل جميل عيناه تفيض بالشقاوة والمشاكسة ولكنه عنيد ، وربما تلك هى الصفة الوحيدة التى ترى أن الصغير يتقاسمها مع راسل فكلاهما عنيدان ولديهما إصرار لعين على الإقتراب منها ، فإن كانت إستباحت لنفسها بأن تقتص لقلبها من زو جها ، فهى ستجعل الصغار خارج نطاق تلك الحرب التى ستشنها بينها وبين من كان يحمل صفة معشوقها وحبيبها حتى تلك اللحظة التى وطأ بها المنزل بقد ميه بعد الغياب ، أم الآن فهى لم تجد خانة تضعه بها سوى تلك الخانات التى كانت مهجورة بقلبها وهى خانات الغدر والخذلان
❈-❈-❈
الطقس المشمس بالحديقة ، جعل بيرى أكثر تصميماً على خروج مارجريت من غرفتها التى تسكنها بعدما قامت هى بنقلها إلى ذلك الجزء الذى تسكنه بعد وفاة أبيها ، فهى من أنستها بمعيشتها بعدما غادر ديفيد لصقلية ورفضت حياء ترك منزل زو جها ، ونشأت بينهما ألفة من نوع خاص رغم خوفها أحيانها من حديثها المبهم ، أو لما تظل تتمتم بعبارات غير مفهومة كأنها تهذى ، ولكن إستطاعت بيرى إقناع عقلها بأن ما تعانيه مارجريت ربما يرجع أثره لكونها طاعنة بالسن أو أن إحتجاز أبيها لها بمكان بمفردها ، جعلها تفقد شئ من عقلها ، تململت مارجريت بنومها بعدما شعرت بيـ ـد توكزها بكتفها بلطف ، وعلى الرغم من علمها من صاحبة تلك اليـ ـد ، إلا أنها أرادت إكمال نومها ، الذى ترى أنها لم تحصل منه على القسط الكافى ، رغم أنها نامت بالأمس فى وقت مبكر جداً ، فأرادت صرف بيرى بلطف ، بأن جذبت الغطاء لوجهها ، كأنها تنبأها بأنها ليست على إستعداد لترك فراشها
جذبت بيرى الغطاء وقالت وهى تضحك بصوت مسموع:
– مارجريت أنا عارفة أنك صاحية ، وأنتى نايمة من أمبارح ، كفياكى نوم ويلا نخرج نأكل فى الجنينة ، ديفيد راجع البيت النهاردة هو أتصل عليا وقالى ، بس قالى هيروح يشوف حياء الأول
بسماعها إسم ديفيد وحياء كان ذلك أدعى بأن يجعلها تنصاع لقول بيرى ، خاصة أن هؤلاء الثلاثة الآن هم درع القوة لتلك العائلة ، رغم أن أحد أضلاع هذا المثلث والمتمثل بحياء الغير راغبة فى الإعتراف بهويتها الحقيقية ، سيجعل الضلعان الآخران يتبعناها ، وربما ستندثر أصول وجذور تلك العائلة إذا لم يسرع ديفيد فى الزو اج وإنجاب وريث أخر لعائلة إسكندر شمعون
جلست مارجريت بفراشها ومسحت بكفيها على قسمات وجهها المتجعدة بفعل المشيب ، فقالت بإبتسامة ربما تنافى قسمات وجهها الصلبة :
– أخيراً رجع ديفيد أبو دماغ ناشفة
جلست بيرى بجانبها على طرف الفراش وهى تهز رأسها ببطئ ، فشردت للحظة تفكر فيما أصاب حياء ، خاصة بعد علمها بعودة زو جها وأنه لم يعد بمفرده ، فصار لديها يقين الآن بأنهما تعيستان الحظ بعشقهما ، وعلى الرغم من علمها بأن عبد الرحمن لم يتزو ج ، إلا أنها لم تملك الجرأة بالبحث عنه وكتابة نهاية لقصة عشقهما العالقة منذ سنوات ، كأنها تخشى أن ترى منه رد فعل أقوى بعد كذبته بأنه متزو جاً ، خاصة أنها لن تستطيع أن تعيد إليه ذراعه المبتور ، والذى بتره والدها غدراً من أجل تهديده بالإبتعاد عنها ، فهى تفضل أن تظل هكذا وتتذكر ما كان من أمرهما سابقاً ، على أن يعودا ويلتقيان ثانية وربما ترى بعيناه نظرات الكره والبغض لها ، على أن عشقها هو المتسبب بإيذاءه
زحفت يـ ـد مارجريت ببطئ ، حتى حطت بها على يـ ـد بيرى ، فإنتقضت فجأة لإنغماسها بالتفكير حتى لم تعد تتذكر أنها جالسة بجوارها ، وضعت بيرى يـ ـدها على صـ ـدرها لتهدأ من روعها ، فإبتسمت مارجريت على نحو غريب وهى تقول بنبرة مبهمة :
– طريق النسيان مش سهل يابيرى ، لاء ده طويل أوى ، وكل خطوة هتخطيها فيه هتلاقى ألف خطوة بعديها ، كأنك بتلفى فى دايرة مقفولة مش عارفة بدايتها ولا نهايتها
تشابك حاجبىّ بيرى بتقطيبة خفيفة من حديث مارجريت الغامض ، فأحياناً كثيرة تحيرها بحديثها الغير مفهوم ، وتأخذ هى بحديثها على سبيل الدعابة أو الطرافة ، على الرغم من شعورها أحياناً بأن مارجريت تستطيع قراءة أفكارها أو أنها تعلم ما تهمس به لقلبها وعقلها
لمست بيرى حاجبها الأنيق وقالت بشرود :
– قصدك إيه يا مارجريت بكلامك ده ، أنا مبفهمش تقصدى إيه
حاولت مارجريت تغيير دفة الحديث ، خاصة أن بيرى لا تعلم شئ عن مهاراتها بالإستبصار وقراءة الورق والتى تخلت عنها منذ وفاة أدريانو ، فهى لم تكن تفعل ذلك إلا من أجل إرهابه وأن تجعله يشعر بفداحة أفعاله مع شقيقه وأبناءه ، كأنها كانت تمارس إحدى الألعاب النفسية المنهكة للعقل ، وتجهله بالأخير يفقد القدرة على التفكير السليم
وضعت مارجريت قدميها الشبه رخوتين أرضاً وهى تقول بإبتسامة خافتة :
– يلا علشان نخرج الجنينة وأستنى ديفيد علشان وحشنى ، أنا لما بشوفه كأن شوفت دانيال أبوه ، ودانيال كان غالى أوى على قلبى لأنه مكنش زى أبوكى بيدور على المشاكل من أى مكان ، مش عارفة شيطان زيه خلف ملاك زيك إزاى
قهقهت مارجريت على ما قالته ، ونظرت لبيرى تقدم إعتذارها بعينيها الضيقتين ، فحتى وإن كان أدريانو شيطان والجميع يسلم بتلك الحقيقة حتى إبنته ، إلا أنها لم تقصد أن تجعلها تشعور بالسوء كونها تنتمى إليه
تركت بيرى مكانها وساعدتها حتى أنتهت من روتينها من الإغتسال وإرتداء ثياب نظيفة ، فخرجتا للحديقة وأوصت بيرى الخادمة بأن تضع الطعام على الطاولة بالحديقة ، وما أن أنتهت الخادمة من وضع أطباق الطعام على الطاولة المستديرة ، رآت بيرى ديفيد قادماً برفقة حياء ، فتركت مكانها وصاحت بسعادة :
– حياء وديفيد جم يا مارجريت
هرولت بيرى تجاه حياء وأحتضنتها وأعربت عن سعادتها بعودة ديفيد ، فأشارت للطاولة وهى تقول بطرافة :
– تعالوا يلا كلنا ناكل مع بعض وزى ما بيقولوا حماتكم بتحبكم
أقتربت حياء من أحد المقاعد وجلست عليه ووضعت من الطعام بفمها وهى تقول بتهكم :
– أنا حماتى ماتت وقريب هخلى إبنها يحصلها من قهرته
حدقت بيرى بديفيد لعله يقدم تفسيراً لما قالته حياء ، إلا أنه ظل صامتاً بل جلس على المقعد المجاور لشقيقته بعدما قـ ـبل رأس مارجريت ، فعادت بيرى لمقعدها ووزعت نظراتها بينهما وهى تقول بإلحاح :
– هو فى إيه مالكم ما تفهمونى إيه اللى حصل ، وأنتى عملتى ايه مع جو زك يا حياء ، أنتى كلمتينى وقولتيلى على موضوع أنه رجع ومتجـ ـوز ومخلف ، ومعرفتش حاجة تانى ، فقوليلى ناوية على إيه
تنفست حياء بعمق وأسندت ظهرها لمقعدها ومضغت قطعة من الخبر بهدوء مميت ، فردت قائلة بعدم إكتراث :
– ناوية على كل خير إن شاء الله ، أنا هعرفه يعنى إيه وجع القلب وكسره النفس ودلوقتى سيبونى أكل علشان جعانة ، حتى يبقى عندى باور اخطط وأتكلم ، وعلشان أقعد معاكم شوية قبل ما أرجع أرض المعركة
رافق حديثها إبتسامة لتجعلهم يتوهمون أن حياتها ستأخذ منحنى أخر يتسم بالشر والمكائد ، ولكن لا أحد منهم يبدو عليه أنه يصدقها بأنها قادرة على فعل ذلك ، نظراً لرقتها وهشاشتها ، كأنها خُلقت من تلك الحلوى الهشة المسماة ” غزل البنات ” والتى تبدو للرائى أنها منسوجة بقوة ، ليتضح فيما بعد أن ما أن تلمسها يـ ـد تذوب كقطعة السكر ، التى تم غزلها منها
شد ديفيد على يـ ـدها ليجعلها تنصت لحديثه :
– حياء ملوش لازم ترجعى بيت النعمانى خليكى هنا ، مش عايزك تتأذى ولا قلبك ينكسر زيادة ، وأنا هعرف أردلك حقك متقلقيش
ربتت حياء على يـ ـده وأخذتها بين كفيها وهى تقول بإصرار :
–ديفيد فى سنتين ضاعوا من عمرى بين دموع وأهات وقلب اتحرق بنار الفراق والإنتظار ، وزى ما كل حاجة لازم يبقى ليها تمن ، فأنا مش هسيبه إلا لما يدفع فاتورة السنتين دول وبعد كده أوعدك أنا اللى هرجع هنا ، بس أكون راجعة وأنا واخدة حقى ، وطالما هو حابب أبقى وسيلة فى إيده يلعب بيها معاك ، فأنا اللى هلعب بيه ، لأن محدش يعرف نقط ضعف راسل زيى ، وأعرف أوجعه فين وأمتى ، وأنت هتكون معايا خطوة بخطوة وبعد ما أخد حقى أنا اللى هكتب كلمة النهاية بإيـ ـدى
أن تختمر خطط الإنتقام بعقل وقلب عاشقة ، لهو شئ يستحق التأمل والتفكير ، بل من الأدعى أن يأخذ الطرف الأخر حذره منها ، قلبها مقهور وأحترقت أمانيه حتى صار كجمرة ملتـ ـهبة تلتهم مشاعرها وعواطفها دون هوادة ، فإن كان راسل نجح بالبداية أن يجعل قلبها يتقد بلهيب العشق ، فها هو ينجح مرة أخرى بأن يجعلها تتقد بنيران الإنتقام منه لقلبها الذى كان مولعاً به ، وضعت يدها على صـ ـدرها وأغمضت عينيها ريثما تعيد تنظيم أنفاسها التى شعرت بإنتقاصها وهى تتلو عهود الثأر ، فشعرت بملمـ ـس القلادة المعدنية أسفل أناملها ، رفعت طرفها ونظرت ملياً لتلك الصورة المحفورة عليها والخاصة بزو جها وإبنته ، وبدون تفكير جذبت القلادة من عنقها بشئ من القوة والحدة
أنقطع السلسال الذهبى بعدما ترك أثار إحتكاكه بمؤخرة عنقها أثناء جذبها له ، فإن كانت حرصت على جعل تلك القلادة قريباً من قلبها لتأنس وحشتها أثناء غيابه ، فالأن لم يعد لها فائدة بأن تظل ترتديها ، حتى وإن كانت تستثنى سجود من إنتقامها ، فما سيجعلها رحيمة به ولن تقضى عليه حتى رمقه الأخير ، هو وجود تلك الصغيرة ، والتى تعلم مدى حبها وعشقها لأبيها ، ولكنها لن تتركه حتى تترك له ذكرى أليمة سيضعها بجانب ذكرياته المُرة ، ليدرك فداحة أفعاله معها ، ومن ثم ستتركه كشئ مهمل بحياتها ، ولن تعود وتفكر به ، ولكن سيظل هو يتذكرها لما تبقى من عمره
❈-❈-❈
فتح أدم تلك الحقيبة الصغيرة الخاصة به ، وأخرج قنينة العطر التى كانت أخر إنتاج من شركة العطور التى كانت تملكها والدته الراحلة ، فهى كانت تتفن فى صنع العطور الجذابة والفواحة والتى ذاع صيتها بفرنسا ، وأطلقت عليها إسم ” حسناء ” باللغة الفرنسية ، تأملها من كل جوانبها وهو يبتسم ، كون أنه لا يرى أنثى يناسبها ذلك العطر سوى ” حياء ” لذلك رغـ ـب فى أن يهديها إياها ، لتكون أول هدية يقدمها لها ، وما جعله يتشجع قليلاً بتفكيره ، أنها لم تكن فظة معه عندما رآها بذلك اليوم على الشاطئ ، بل كانت على غير عادتها من أمور النفور وما شابه ، رغم أنها لم تبدى له أكثر ما يقتضيه الذوق بالرد على حديثه ، ولكن معرفته بأنها ربما ستأتى برفقة بيرى لتنظيم الحفل الغنائى الثانى له بالإسكندرية ، جعله أكثر تصميماً تلك المرة على أن يتجاذب معها أطراف الحديث بلباقة ولا تجعلها تشعر بأنه يحاول مغازلتها أو إستمالتها إليه ، وضع قنينة العطر من يده وولج للمرحاض وهو يطلق صفيراً بصوت عالى ، وبعد إنتهاءه خرج وهو مازال ينشد بكلمات أغنيته التى سيسمعها للجمهور اليوم ، ولكنه أعد مفاجئة أخرى وهى أنه حفظ كلمات أغنية باللغة العربية وسيغنيها من أجل حياء
سمع طرق على باب غرفته تلاه دخول مدير أعماله والذى راح يصيح قائلاً بإستياء :
– يا سلام على برودك يا أخى ، الحفلة خلاص فاضل عليها نص ساعة وأنت لسه حتى ملبستش هدومك هتروح تغنيلهم على نص الليل ولا إيه
قلب أدم عيناه بملل وألقى المنشفة بوجه صديقه وهو يقول بإنزعاج :
– بس أسكت ، صوتك عالى ، عشر دقائق وأكون جاهز ، مش عايز مزاجى يتعكر النهاردة بصوتك الوحش ده
ضيق صديقه ما بين عينيه قائلاً بغيظ متفكهاً :
– أنا الغلطان اللى علمتك تتكلم عربى ، من ساعة ما بقيت تتكلم عربى وأنت لسانك طويل وبقيت قليل الأدب
تركه أدم وولج لغرفة الثياب وهو يقول بمكر محاولاً إغاظته:
– عادى ما أنا كنت بشتمك قبل ما أتعلم اتكلم عربى وبس بقى مش عايز أتأخر على مليكتى
لطم صديقه خديه قائلاً بنفاذ صبر:
– يا ابنى يا حبيبى ربنا يهديك أنت مصر تخرج من هنا وترجع فرنسا فى تابوت ميت ليه ، يا ابنى دى متجوزة متجووووووزة أفهم بقى ، يعنى جيش الحرس اللى عند أبو جو زها ده واحد منهم بس بطلقة صغيرة يخليك تودع الدنيا باللى فيها ، أبوس إيـ ـدك خلينا فى أكل عيشنا ، ومتقومش الدنيا على دماغنا
خرج أدم من غرفة الثياب ، ورمقه بنظرة لا مبالية ، ووقف أمام المرآة وقام بثنى أكمام قميصه ومشط شعره ونثر عطره وأخذ متعلقاته وأشار له بأن يتقدمه بالسير ليذهبان حيث يقام الحفل الغنائى
وصلا لتلك القاعة المقام بها الحفل ، وجد أدم بيرى بإنتظاره ، فأقتربت منه على وجه السرعة وهى تقول بعملية :
– أدم أنت أتأخرت على الميعاد اللى متفقين عليه ، أنا طلبت منك أنك تيجى قبل الحفلة بنص ساعة تقريباً بس أنت وصلت دلوقتى وتقريباً فاضل عشر دقايق بس قبل ما تدخل القاعة
لم ينتبه أدم لما تقوله بل راحت عيناه تتجول بالمكان ليرى هل هى هنا أم لا ، ولكنه لم يكن يملك الوقت الكافى لسؤال بيرى عنها ، بل جذبته من ذراعه ووصلا حيث ذلك المكان الذى سيخرج منه للقاعة ، وما أن عاد ينظر خلفه حتى دفعه صديقه برفق ليدخل ويبدأ الغناء
بدأ أدم الغناء بفتور على غير العادة ، رغم حماس الجمهور بالتهليل والتصفيق ، ولكن أختفى كل هذا ما أن أبصرها قادمة من مكان بأخر تلك القاعة ووقفت بجوار بيرى ، فعاد إليه حماسه وبدأ يشدو بنغمات أغنيته الجديدة حتى فرغ منها وعلا صوت التصفيق الحار من الجمهور
ترك أدم مكانه ووصل حيث وقف كل من صديقه وحياء وبيرى ، بعد أخذه تلك الإستراحة القصيرة على أن يعود ويكمل باقى فقرات الحفل الغنائى ، فإبتسم لحياء قائلاً بصوت ودود :
– فرحان إنك جيتى النهاردة مليكتى
إبتسمت حياء إبتسامة خالية من المرح ، إلا أنها لم تنكر شعورها بالإنزعاج كلما ناداها بتلك الكلمة المتوددة ، فنظرت إليه قائلة بجدية :
– أدم أرجوك بلاش كلمة مليكتى دى إذا سمحت مش عايزة حد يسمعك كده ويفتكر حاجة مش كويسة
رآى بوادر الإنزعاج والضيق بوضوح على وجهها ، فأسرع بتقديم إعتذاره وهو يقول بلباقة:
– أسف يا حياء ، بس منكرش أن أنا فرحان إنك جيتى النهاردة
– شكراً يا أدم وأظن وقت إستراحتك خلص يلا علشان تدخل تغنى تانى
قالت حياء وهى تشير بيدها بأن يسرع بدخول القاعة ، فأطاعها على الفور ، ولم يفوتها تلك النظرات التى حملت علامات الإستفهام من صديق أدم وبيرى ، إلا أنها حقاً لم تكن راغبة فى الحديث ، فهى لم تأتى لهنا إلا للترويح عن نفسها ، عوضاً عن جلوسها بالمنزل وترى زو جها ، الذى بدا أن السُبل والدروب تقطعت بينهما من غير رجعة
بعد إنقضاء ساعات الحفل جلسوا حول إحدى الطاولات بذلك المطعم التابع للفندق الذى أقيم الحفل بإحدى قاعاته ، وبعد تناول العشاء وثرثرتهم ، أخرج أدم تلك القنينة ووضعها أمام حياء
نظرت لها حياء بتفحص وما لبثت أن عقدت حاجبيها وتساءلت:
– إيه ده يا أدم ، بتدينى البيريفيوم ده ليه
إبتسم أدم وهو يشير إليها قائلاً برجاء :
– دا أخر نوع بريفيوم ماما كانت عملاه قبل ما تموت ، حبيت أدهولك هدية ، علشان لما أسافر تفتكرينى ، إعتبريها هدية بسيطة وإعتذار عن لو كنت ضايقتك فى أى مرة شوفتك فيها
رفعتها حياء ونظرت لإسمها فإبتسمت بمرارة كون أن ذلك الإسم ، كان يدللها به راسل زو جها ، ورغم ذلك الشعور الذى إجتاحها من أنها لا تريد أن تتذكره أو تتذكر أوقاتهما سوياً ، إلا أنها قبلت أخذ الهدية ، فوضعتها بحقيبتها وشكرت أدم ، ولكنها ألحت على بيرى بضرورة الإنصراف ، فنهضت بيرى من مقعدها ولكن قبل أن تصل كل منهما لسيارتها رآتا ديفيد قادماً برفقة فتاة تتأبط ذراعه بدلال أنثوى صارخ ، ولكن يبدو على وجهه أنه يشعر بالإستياء
تقدمت منه حياء ونظرت للفتاة وتساءلت بصوت خفيض :
– مين دى يا ديفيد أنت رجعت تلعب بديلك تانى
قلب ديفيد شفتيه ورد قائلاً بسخط :
– ديلى إيه ومصيبة إيه ، دى بلوة اتحدفت عليا ومعرفتش أخلص منها تبقى بنت شريكى فى صقلية ووصلت إسكندرية النهاردة ، فجبتها احجزلها فى الفندق هنا ، لأن دى ما أضمنهاش لو قعدت معايا فى البيت
فهمتا حياء وبيرى مغزى حديثه ، فضحكتا بصوت عالى ، فإبتسمت الفتاة على الرغم من عدم فهمها لما يقولونه كونها لا تتحدث العربية ، بادلها ديفيد إبتسامتها بإبتسامة صفراء ، قادرة على أن تجعلها تعلم مدى شعوره بالإنزعاج من وجودها ، ولكنها لم تبالى بسخطه ، بل جل ما فعلته بأن ربتت على وجنته بدلال
رمق ديفيد شقيقته وإبنة عمه ممازحاً:
– أستنونى هنا هشوفلها أى أوضة تقعد فيها وأجيلكم ولو اتأخرت تعالوا خدونى ، متسبونيش معاها لوحدى ، وأنا أساساً تاريخى مفيش أسود منه ماشى
جلستا حياء وبيرى بالحديقة التابعة للفندق ريثما ينتهى ديفيد من تسكين ضيفته الشابة بإحدى غرف الفندق ، مالت حياء برأسها للخلف ونظرت للسماء ، التى ظهرت بها النجوم كنقاط بيضاء وسط سواد حالك ، ولكن لم ترى آثرًا للقمر ، كأنه الليلة ظل مختبأ بمكان بعيد ، حتى لا تراه ، وتعود من جديد تسأله عن تلك الوعود والعهود التى تقاسمتها هى وحبيبها بأيام زواجهما الأولى ، فهى ظلت حافظة الوعد والعهد وظلت باقية على الود لأيام وشهور ، ولكن تبخر كل شئ بلحظة واحدة ، كانت كفيلة بقـ ـتلها حتى وإن كانت أنفاسها مازالت تجرى برئتيها ، ولكن ليس كل القـ ـتل ترى آثاره متمثلة بدماء وروح تزهق ، بل هناك قـ ـتل من نوع أخر ، وهو المتمثل بذلك البرود والخواء اللذان إستطاع زرعهما بقلبها ، مررت يـ ـدها ببطئ حتى وصلت موضع قلبها ، شعرت بتلك الخفقات المؤلمة والتى يدوى صوتها بين أضلعها ، فإن نجحت بتلك الأيام القليلة الماضية بأن لا تراه حتى تأخذ وقتها الكافى بترتيب حياتها ، وإعداد أول خطة لتلك الحرب الباردة بينهما ، فقريباً ستصبح المواجهة بينهما حتمية ، وستقدم كبرياءه المهدور قربان لقلبها الجريح
❈-❈-❈
أنتهى عمران من إرتداء ثيابه تأهباً للذهاب للمشفى للإطمئنان على الأحوال الصحية لرياض بعد علمه بنجاح تلك الجراحة التى خضع لها ، فنظر لصورة إبن شقيقه المنعكسة بالمرآة وهو جالساً على فراشه ، يلهو ببعض الدمى والألعاب ، إبتسم له بمحبة وسرعان ما أنطفأت معالم السعادة من وجهه عندما تذكر بمرارة أنه ربما كان سيرى صبيان جالسان يلهوان مع بعضهما البعض أحدهما إبن شقيقه والأخر إبنه هو من ماسته العنيدة ، فإن كان أحياناً ينفذ صبره من تشددها برأيها بعدم عودتها إليه ، إلا أنه من داخله يعلم أنها محقة بخوفها ورهبتها منه ، وكيف تأمن جانبه بعدما تركها كالجثة الهامدة بعدما فرغ من إعتـ ـداءه النفسى والجـ ـسدى عليها ، وهو من يعلم جيداً مدى رقتها ونعومتها منذ نعومة أظافرها ، ولكن ما أن غلبه الكبرياء والغرور ، ظن أن فرض سيطرته عليها بالقوة سيجعلها منصاعة ومنقادة له تحت سياق أن ما حدث لها أتاها من زو جها ولم يأتيها من رجل غريب ، وتفكيره اللعين هذا هو ما يجعله دائماً يخطئ بصرف خوفها منه
ترك الصغير مكانه على الفراش ووصل بجوار عمه ، فرفعه عمران عن الأرض وقـ ـبل وجنته قائلاً بحب :
– إيه يا بطل زهقت من اللعب ، يلا علشان أوديك لباباك ومامتك علشان عندى مشوار مهم وهرجع على طول
هز مراد رأسه بقوة ، دلالة على أنه لن يتركه يخرج من المنزل بدونه ، بل حاول إستعطافه بأن وضع رأسه على كتف عمران وأحاط عنقه بذراعيه ، فمسد عمران على ظهره وضمه إليه أكثر وهو يغمغم :
– أنت عايز تيجى مع عمو ، ماشى يا حبيبى يلا بينا
جلجلت ضحكة مراد بعد حصوله على وعد بمرافقة عمه ، فخرج عمران وهو يحمله على ذراعه وأخبر شقيقه وزو جته بإصطحاب الصغير معه ، وضعه بالمقعد المجاور له بالسيارة وقادها بهدوء حتى وصل للمشفى ، ترجل من السيارة وحمل مراد وولج للداخل ، وقبل وصوله لتلك الغرفة التى يقيم بها جد زو جته ، وجدها واقفة تتحدث مع أحد الأطباء ، ولكن ما جعله يشعر بالإنزعاج هو أنها تبتسم كأنها تمزح معه ، فقبل أن يتقدم خطوة أخرى ، وجد غزل تقبض بيـ ـدها على ذراعه
نظر إليها قائلاً بغرابة :
– فى إيه يا غزل فى حاجة
إبتسمت غزل وقالت بدعابة :
– لاء ، هو فى حاجة هتحصل، شامة ريحة خناقة جديدة جاى فى السكة صح يا عمران
إغتاظ عمران من كشفها له بسهولة فوضع مراد بين ذراعيها وهو يقول بسماجة :
– مراد يا حبيبى أنا عارف أن تيتة غزل وحشاك أديها بوسة وحضن على ما أرجعلكم
باغتها عمران بوضع الصغير بأحضانها ، ربما ليعرقلها عن منعه من أن يتقدم من زو جته ، فعدلت من وضعية حملها لمراد وقـ ـبلته من وجنتيه بحب ، كاد ينسيها ما سيفعله عمران ، إلا أنها ما أن أنتبهت على حالها ، هرولت بخطواتها لتصل إليهما ، ولكن ميس تركت مكانها ودلفت لغرفة المكتب بعد رؤيتها لزو جها يتقدم منها بخطوات واسعة ، وتحمل قسماته طابع الضيق وربما سيثار شجار جديد بينهما
وضع عمران يـ ـده بشق الباب قبل أن تقوم بإغلاقه ، فإرتدت ميس بخطواتها للخلف وعقدت ذراعيها بإنتظاره أن يقول ما لديه ويرحل
رمقها عمران من رأسها لأخمص قدميها وهو يقول بإستياء :
– يعنى حضرتك شوفتينى جريتى على مكتبك مع إنك كنتى واقفة تتكلمى من شوية وبتبتسمى ، ولا هو الوش الخشب والتكشيرة بتاعتك ليا أنا بس
– عمران يا ريت توطى صوتك أنت هنا فى مستشفى ملوش لازمة شغل الهمجية بتاعتك دى وأتفضل أخرج برا عندى شغل
نطقت بها ميس ببرود ، وحلت ذراعيها ورفعت يدها تشير له بالخروج ، ولكن قبل أن يثور ويطلق العنان للسانه جذبته غزل من ذراعه حتى خرجا من غرفة المكتب ، فهى سأمت حقاً من شجارهما المعتاد ، والذى يجعل الأمور تتخذ منحنى أسوء بعلاقتهما ، إصطحبته حتى وصل لتلك الغرفة التى يرقد بها رياض بعد إفاقته ، فبعد أن أنتهى عمران من زيارته ، أخذ الصغير ورحل من المشفى بعدما أخذ عهداً بأنه لن يأتى لهنا مرة أخرى ، حتى وإن كانت ميس تحمل بيـ ـدها ترياق الحياة
عادت غزل للمنزل تتثاقل مشيتها ، تسير بشرود غير منتبهة لتلك الترتيبات التى تعدها سوزانا من أجل عودة رياض للمنزل بعد بضعة أيام ، بعدما صرح راسل أنه بالإمكان أن يعود والده للبيت بعد إستقرار حالته الصحية وزوال الخطر عنه ، ولجت لغرفتها وذهبت للمرحاض وأغتسلت وبعد خروجها وقفت أمام المرآة لتمشط شعرها
إنتبه عاصم على شرودها وهى تقف أمام المرآة لا تفعل شئ ، سوى أنها تحملق بصورتها المنعكسة أمامها ، ولا يعلم ما أصابها ، ولكنه ظن أنها ربما تشعر بالحزن من أجل عمران إبن شقيقها ، خاصة إذا شهدت على مشاجرة جديدة بينه وبين ميس ، فالإثنان من ذوات الرآس اليابس والكبرياء المفعم بالغرور ، وكلما حاول أحد من العائلتان إصلاح الأمور بينهما ، يتفاقم الأمر أكثر ، خاصة عندما تعلن ميس عن رغبتها فى أن يمنحها عمران الطلاق ، وكأن العامين الماضيين لم يكونا كافيين لجعلها تنسى ما حدث منه بحقها ، والذى علم به الجميع فيما بعد ، عندما طالبها عمران بالعودة لمنزله ورفضت ميس مطلبه ، فبوقتها صرحت عن أسبابها بالإمتناع عن العودة لمنزل الزو جية ، خشية أن تحيا مع زوج يتخلى عن كل معالم الإنسانية ، إذا بلغ منه الغضب مبلغاً كبيراً ، وأنه تسبب لها بإيذاء جـ ـسدى ونفسى بليغ ، خاصة بفقدان طفلهما
أدنى عاصم برأسه منها وطوقها بذراعيه قائلاً بإبتسامة :
– الجميل سرحان فى إيه
ردت غزل إبتسامته ولكنها لم تكن بالود المطلوب والمنتظر منها عندما يكون هو قريباً منها ، فقالت بعدما زفرت بقوة مشوبة بالتيه وعدم القدرة على التفكير :
– حاسة أن أنا ملغبطة خالص يا عاصم ، عمران وميس قربوا يجنونى ، مش عارفة أمتى ينتهى الخصام بينهم ، عارفة أن ممكن تكون ميس مش قادرة تنسى اللى حصلها منه ، بس هو فعلاً بيحبها جدا ، هو عمران عصبى مش هنكر بس برضه حنين ، وحرام يعنى عمرهم اللى هيضيع ده بسبب دماغهم النشفة مش عيزاهم يغلطوا غلطتنا يا عاصم
فرغت من حديثها ووضعت رأسها على صـ ـدره ، ودمعت عيناها رغماً عنها بتذكرها تلك السنوات التى قضتها بعيدة عنه ، مما تسبب الآن فى حرمانهما من وجود أطفال لهما ، فحتى إن لم يكن لديهما ما يمنعهما من الإنجاب ، إلا أن حدوث الحمل عندها بهذا التوقيت يحمل طابع الصعوبة بعد الشئ
ربت عاصم عليها ولكنه ظل صامتاً لايجد ما يقوله ، خاصة أنه حاول مراراً وتكراراً بأن يجعل إبنة شقيقته تلين برأيها المتصلب فى عدم عودتها لزو جها ، ولكن باءت محاولات الجميع بالفشل ، فأصر عمه أن يتركها وشأنها ، كونه لم يريد إجبارها على العودة لعمران ، كما أجبرها على الزواج منه فى البداية
أطلق عاصم نهدة عميقة ورد قائلاً بهدوء:
– إن شاء الله ربنا يهديهم قريب ، أن مش عارف إيه اللى حصل للكل فجأة كده فى السنتين دول ولسه المصيبة الكبيرة لما عمى رياض يرجع البيت ويعرف اللى عمله راسل فى مراته ، إحنا لحد دلوقتى مخبيين عليه ، حتى حياء لما بتزوره فى المستشفى مبتجبش سيرة عن اللى حصل ، والصراحة مستغرب هدوءها وسكوتها ده
رفعت غزل رأسها عن صـ ـدره ونظرت إليه قائلة بحيرة :
– حاجة فعلاً تجنن يا عاصم ، مش عارفة قدر يعمل فيها كده إزاى دا الكل كان شايف هم الاتنين بيحبوا بعض قد إيه ، وأنه كان متعلق بيها لدرجة يعنى كنت بلاحظ عليه انه قدامها هى بيبقى حاجة تانية خالص ، إذا كان أنا أهو لما عرفت إتصدمت ماحال هى حالها إزاى لما تشوف جوزها وحبيبها بقى عنده زو جة تانية وطفل كمان ، دا موتها بالحيا ، ومتستهونش بسكوتها وهدوءها ده ، ده شكله الهدوء قبل العاصفة
ملأ بريق الغضب عينىّ عاصم بتذكره ما حدث من راسل بحق حياء ، لعلمه أن الأمر لن يقتصر على إنكار الجميع لفعلته ، بل لما سيحدث بعد علم عمه رياض ، خاصة أنه كان مفرط برعايته لحياء أثناء غياب زووجها ، بل وأحترمها هو الآخر بعدما أخبرهم رياض بالحقيقة كاملة
فغمغم عاصم بضيق :
– راسل طول عمره محدش يتوقع تصرفاته ، بس على الرغم من عمايله كان عمى بيعديهاله ، بس المرة دى مظنش ، خصوصاً أنه بيعز حياء جدا ، ومش هو بس كلنا أتعلقنا بوجودها واحترمناها بعد ما عمى قالنا على كل حاجة وانها ازاى كانت على استعداد تضحى بنفسها علشان تحمى جو زها وعيلته ضد عمها ومؤمراته ، صدقينى لو حياء طلعت عينه هنعذرها لأن ميبقاش ده جزاءها فى الآخر على اللى عملته معاه
نقرت غزل بيدها على شـ ـفتيها ، كأنها تفكر بقول زو جها ، فهى خير من تعلم ذلك الشعور الذى ربما تغلغل بقلب وعقل حياء حالياً بعد وقوع تلك الكارثة والتى لم تأتيها إلا من زو جها ، فهى متيقنة من أن حياء لابد أنها تفكر الآن فى كيفية الثأر لقلبها وكبرياءها ، وكيف لا وهى من أنتهجت ذلك الطريق من قبلها ، عندما ظنت بزو جها السوء
زفرت غزل زفرة مطولة وردت قائلة بصدق :
– أنا كمان عذراها ، دا زمان قلبها فيه نار وحاسة أن حياتها كلها وقفت وأحلامها ضاعت ، أنا مجربة الإحساس ده وعرفاه ، دا انا كنت أوقات بفكر أن لو كنت شوفتك وقتها يا عاصم مش هرتاح إلا لما أخلص عليك
مط عاصم شـ ـفتيه وأتسعت حدقتيه ، خاصة بعد سماع تلك الرنة بصوتها دلالة على أنها كانت تريد الثأر منه بأبشع الطرق التى يعجز عقله عن إستيعابها ، فلمـ ـس طرف أنفها وهو يقول بغيظ مكبوت :
– ما أنتى هربتى ودورت عليكى ومقدرتش ألاقيكى ، ومش عارف إزاى كنتى فى اليونان وأنا معرفش بالرغم من أن دورت عليكى هناك
إبتسمت غزل وردت قائلة بهدوء وأسف فى آن واحد:
– كنت عارفة أنك وصلت اليونان بس فى واحد من اللى أنت وصتهم يدوروا عليا ، كان فى صداقة بينه وبين مراد أخويا جالى وقالى أنك موجود وبتدور علينا ، بس أنا اللى قولتله يقولك أنه ملقناش وأستخبيت لحد ما اتأكدت أنك رجعت إسكندرية تانى ، لأن فى الوقت ده كنت خايفة منك وخايفة أقابلك
عادت تشعر بالأسف لضياع تلك السنوات هباءًا ، متذرعة بحجة الإنتقام منه عندما يحين الوقت الملائم
خرجا من الغرفة وجدا سوزانا أنتهت مما كانت تفعله بل أوصت الخادمات بوضع طعام العشاء على المائدة الكبيرة ، جلس الجميع عدا حياء ، التى يبدو عليها أنها لم تعود من الخارج ، جلس راسل يبحث عنها بعينيه وسط الجالسين ، ولكنه لم يجدها
فرفع رأسه واضعاً يديه أسفل ذقنه متسائلاً:
– هى حياء فين ؟
لم يجيبه أحد من الجالسين ، بل بدوا كأنهم لم يستمعوا لسؤاله اللجوج عن زو جته ، التى ما أن ألقت بتهديدها ليه بذلك اليوم بالمشفى وهو لم يعد يراها على الرغم من أنها مازالت تقيم هنا بالمنزل
مضغت ميس طعامها وردت قائلة بهدوء لا يخلو من نظرات الإستياء لراسل :
– حياء شكلها راحت تزور بنت عمها ، بس بتسأل عليها ليه يا راسل ؟
فإن كان الجميع فور وصوله للمنزل حتى إنتهاءه من تلك الجراحة لأبيه لم ينبس أحد منهم ببنت شفة على تلك المفاجئة التى أعدها لهم ، إلا ما أن إستقرت الأمور به فى المنزل وإستقرار أحوال والده الصحية ، راح القاطنين بالمنزل يرشقونه بالنظرات المستاءة والتى ضجت بالحنق من أفعاله ، التى لم يتقبلها أحداً منهم ، على الرغم من عدم تصريحهم بذلك
رد راسل نظرات ميس له وهو يقول ببرود :
– بسأل عليها يا ميس ، حرام اسأل على مراتى
لوت ميس ثغرها وقالت بتهكم :
– ما مراتك قاعدة جمبك أهى ، لسه بتقول على حياء مراتك بعد ما دبحتها يا راسل
ضرب راسل المائدة بقبضته ، مما أدى لإهتزاز الطبق والكوب الزجاجى الموضوعان أمامه ، فكانت الضربة خير دليل على أن تلتزم ميس الصمت وألا تتدخل فيما لا يعنيها ، شدت وفاء على يـ ـده لكى يلتزم الهدوء ، كونها حذرته منذ البداية لما يمكن أن يحدث ، فهى منذ أن وطأت هذا المنزل وهى صامتة ، كأنها تخشى أن تتحدث مع أحد وتجدهم يلومنها على أنها تركت راسل يفعل ذلك دون محاولة منها أن تثنيه عن رآيه
وضعت سوزانا الملعقة من يـ ـدها وقالت وهى تنظر لإبنتها :
– ميس متدخليش فى حياة حد كل واحد حر فى حياته وهو من أمتى عمك راسل بيخاف على مشاعر حد علشان تلوميه دلوقتى أنه جرح مشاعر مراته
قضى حديث سوزانا على ما تبقى لديه من هدوء ، فصاح قائلاً بصوت عالى أفزع الصغير :
– ياريت كل واحد فيكم يخليه فى حاله مش عايز حكم ومواعظ من حد ، وأنا حر أعمل اللى أعمله ماشى يا مرات أخويا
دائماً ما كانت الأمور بينه وبين عاصم وسوزانا يشوبها التوتر والمشادات ، إلا أنه لم يكن بمزاج يسمح له بأن يبدأ الشجار مع أحد منهم ، لذلك ترك المائدة ولم يضع شئ من الطعام بفمه ، فخرج إلى الحديقة ، وجلس بجانب المسبح الكبير ، ولكنه رآى تلك السيارة السوداء التى مرت من الحديقة حتى وصلت أمام باب المنزل الداخلى وترجلت منها حياء ، وأخرجت منها عدة حقائب ربما خاصة بالثياب أو ما شابه ، وما أن ولجت للداخل وصعدت لغرفتها ، حتى تبعها فقبل أن تغلق الباب نهائياً وجدته واقفاً أمامها
أسندت كتفها لإطار الباب وعقدت ذراعيها وقالت بصوت كالصقيع :
– أفندم فى حاجة
– كنتى فين ده كله يا حياء ؟
سألها راسل بإلحاح ، ولم يكتفى بذلك بل تقدم بخطواته منها مما جعلها ترتد هى للخلف ، وأكمل سيره حتى وصل للفراش الموضوع عليه الحقائب
ولكن قبل أن يمد يـ ـده ليرى محتوياتها ، جذبت هى ذراعه بشئ من الحدة وهى تقول بوجوم :
– أنت عايز إيه بالظبط وإيه اللى جابك هنا ، هو أنا قولتلك أدخل وفتش فى حاجتى ، أتفضل أطلع برا ، وأوضتى دى متدخلهاش تانى أنت فاهم
إلتفت برأسه إليها فأنتصب بقامته ورمقها بهدوء ، محاولاً تفسير هجومها المفاجئ بحديثها ، كأنها تضع بالحقائب أشياء ثمينة ، وستحفظها بمنأى عن عيناه ، نظر للحقائب ومن ثم عاد ينظر لها متسائلاً:
– هو فى إيه فى الشنط دى خايفة إن أشوفه
نفخت حياء بملل وردت قائلة بسماجة :
– أظن حاجة متخصكش يعنى يا دكتور ، أنا حرة وأعمل اللى أعمله وأشترى اللى يعجبنى ولا عندك مانع
حاول الحد من ذلك الغضب الأعمى المتدفق بشراينه تزامناً مع ذلك الشعور العارم بأنه يرغـ ـب فى أن يضمها إليه ، لعل وجيب قلبه يهدأ عوضاً عن ذلك الصخب ، الذى لا يجعله يهدأ ولا يمنحه الراحة
رفع يـ ـده ولمس إطار نظارته وعيناه منصبة النظرات على وجهها المحتقن بدماء غضبها :
– متنسيش أنك لسه تخصينى يا حياء وهنا بيت جوزك يعنى لازم دخولك وخروجك يبقى بإذنى
ضحكت حياء فجأة كأنه ألقى عليها إحدى النكات ، بل ظلت تضحك بصوت عالى حتى أثارت ريبته من ضحكها الغير مبرر لقوله ، وضعت يـ ـدها على فمها لتلجم باقى ضحكتها ، حتى لا تدمع عيناها أكثر
فحمحمت لتجلى صوتها ليخرج متزناً ، فقالت بتشفى وشماتة :
– أدخل وأخرج بإذنك ، ما أنا بقالى سنتين بدخل وأخرج وأنت هناك عايش حياتك ، أفتكرت دلوقتى أن مراتك وده بيتك ، بس يا خسارة أنا نسيت أقولك أن باباك كان موزع ثروته بينك وبين ميس والأملاك الخاصة بيك هو كتبلى منها جزء وكان معايا توكيل عام بإدارة أملاكك ، فأنا حولتها كلها بإسمى وبقيت أنا المالكة ليها يعنى حضرتك مبقتش تملك أى حاجة من أملاك عيلة النعمانى ، يعنى أنت دلوقتى اللى ضيف عندى أنت ومامتك ومراتك وولادكيتبع…
كست الدهشة وجه راسل ، بعد إدلاء حياء بقولها أنها لم ترسل بطلب شقيقها إلا من أجل مساندتها بأن تحصل على الطلاق منه ، على الرغم من أنه وعدها بأن يمنحها الطلاق بهدوء دون الحاجة لتدخل أحد أخر بينهما ، فظل يتسائل بقراره نفسه عن مغزى فعلها ، ولم يحصل على إجابة تريحه من تفكيره ، سوى أنها تريده أن يعلم بأنها لا تفتقر إلى السند أو الدعم ، وإنه لم يعد كما كانت تصفه دائماً بأنه مرساتها وأمانها ، تبادلا النظرات سوياً ، حتى إستطاع رؤية عينيها اللامعتان اللتان أنطفئ منهما بريقهما ، وكست خطوط الإجهاد والإرهاق والحزن وجهها خسر الحرب الطاحنة بين أعينهما مبكراً ، فأطرق برأسه قليلاً ، حتى لا يعود بإمكانه أن يشعر بالذنب ويجلده ضميره كلما رآى وجهها الشاحب ، وضع يـ ـديه بجيبى رداءه الطبى ، ربما ليخفى إرتجافهما أو ليستطيع غرز اظافره بباطنى كفيه كيفما يشاء ، دون أن يتطلع أحد على تكوير قبضتيه ومحاولته الظهور بمظهر اللامبالى بالأمور ، فمعها هى دائماً يكون الأمر خارج نطاق السيطرة ، ولما لا وهى من تعـ ـرى أمامها من بروده وجموده بأشد أوقاته الحالكة ، فإثنتان فقط منحهما هذا الإمتياز هى وخالته وفاء ، ولكنه عاد الآن ليجعلها بين صفوف الأخرين ، لتشاهد ما يظهر من أفعاله وأقواله ، ولا يبدو بنيته أنه سيسمح لها بأكثر من ذلك
أتسعت حدقتىّ ديفيد بعد سماع قول شقيقته ، فإبتسم بصدمة وهو يقول بعدم فهم :
– عايزة ترفعى عليه قضية طلاق ، أنتى اللى بتقولى كده يا حياء ، أنا مقدر أن سوء التفاهم بينكم خلاكم زعلانين من بعض ، بس لازم راسل يعرف الحقيقة ، لازم تسمعنى
أراد ديفيد منع راسل من الإنصراف ، فقبض على ذر اعه بحزم ، وأخذ قراره بأنه لن يغادر قبل أن ينجلى سوء التفاهم بين شقيقته وزوجها ذو الوجه المتجهم منذ أن رآه ، ولكن ديفيد لم يبالى بتلك النظرات الكارهة التى راح راسل يرشقه بها ، كأنه يريده أن يعى مدى إنزعاجه من رؤيته ، وأنه لا يريد سماع منه كلمة أخرى ، ولكن ساهمت الظروف بجعل راسل سهل الإنقياد لرغبته فى أن يتحدث معه ، فالأطباء والعاملين بالمشفى ، هو خير من يعلم طباعهم من الثرثرة حول أموره الشخصية ، وأنه كان دائماً محط أنظارهم وفضولهم ، خاصة بعد عودته الآن للمشفى ، فدلف لغرفة المكتب وترك الباب مفتوحاً على مصراعيه كدعوة غير صريحة بأنه على إستعداد لسماع ما سيقوله
تبعه ديفيد للداخل لكى يقدم إعتذاره ، وما كاد يفتح فمه للحديث حتى قاطعته حياء وهى تقول بحدة لم تخفيها نبرة صوتها المثقلة بالهموم :
– ديفيد قولتلك خلاص ملوش لازمة اللى بتعمله ، وعلشان تريح ضميرك ، أنا مش طالبة الطلاق علشان سوء التفاهم بينا ، لاء علشان هو خلاص أتجوز واحدة تانية وخلف ، مراته التانية وإبنه هناك واقفين برا مع مامته وبنته
خرج ديفيد من غرفة المكتب ونظر حيث وقف أفراد عائلة النعمانى بأخر الرواق ، فوجد باقى عائلة زو ج شقيقته يقفون على بعد مسافة من غرفة المكتب ، كأنهم أتخذوا جانباً ليتركوا ثلاثتهم يتحدثون بحرية ، فوجد إمرأة تحمل طفل صغير تقف بجوار وفاء ، ظن بالبداية أن شقيقته تمزح معه ولكن صمت الجميع ومحاولة تلك المرأة الهرب بنظراتها منه ، جعله يتأكد بأن الأمر ليس مزحة كما يظن
عاد ديفيد للداخل ونظر لراسل بحدقتان متسعتان بتعبير الدهشة والصدمة، وكأن نبرته المتوسلة له بأن يمنحه الوقت لتوضيح سوء الفهم بينه وبين شقيقته إحتـ ـرقت بلهيب غيظه من أنه فعل ذلك بحياء التى عشقته حد الموت
صاح بوجهه وهو يقول بنزق :
– أتجوزت عليها وخلفت كمان ، وهى كانت مموته نفسها هنا علشانك وعلشان خاطر عيلتك ، أنت إزاى أنانى كده وقدرت تعمل فيها ده كله وتكسر قلبها بالشكل البشع ده وهى قاعدة مستنياك ترجع ، حتى مرضيتش تسافر معايا وفضلت هنا على أمل أنك ترجع تانى وتقولك الحقيقة
وكز ديفيد صـ ـدر راسل ، تعبيراً عن ضيقه مما سمعه بحق شقيقته ، حتى كاد أن يترنح راسل بوقفته ، وتطور الأمر أكثر بينهما حتى وصل لأن يتعاركان بالأيـ ـدى ، وكأن غرفة المكتب صارت حلبة للقتال بين ديفيد وراسل ، ولكن بتدخل الحاضرين إستطاعوا فض الشجار والعراك بينهما ، بعدما أسفر عن إصابة حاجب راسل الأيسر بجرح طفيف، ونزف الدم من شفاه ديفيد
جذبت حياء شقيقها من ثيابه بعدما رآته بصدد العودة للشجار مع زو جها ، فوقفت أمامه وقبضت على قميصه وقالت بعينان دامعتان وصوت متحشرج بأنين :
– ديفيد علشان خاطرى يلا نمشى من هنا ، أنا مليش حد دلوقتى بعد ربنا غيرك أنت ، أرجوك أن محتجالك يا أخويا
أتمت حديثها بأن أخفت وجهها بصـ ـدره وهى تكمل بكاءها ، فأسرع ديفيد بإحتضانها والربت عليها لعلها تهدأ ، بينهما وقف راسل يرمقها بقلب دامى ، فهو نجح بجدارة فى تحطيم ثقتها وأحلامها وهدم حياتها ، نزع منها الأمان ، وزرع الأشواك ببستان أحلامها الوردية ، ولم يكتفى بذلك بل أحـ ـرق جنة أمانيها ، وتركها تبكى على الأطلال الرمادية ، ولكن ما أن رآى الجميع أن الأمور إستقرت نسبياً بينهما خرجوا من غرفة المكتب ولكنهم ظلوا بمكان قريب بالخارج تحسباً لوقوع شجار جديد بينهما
فعاد الأمر يقتصر عليهم هم الثلاثة بغرفة المكتب ، وقـ ـبل ديفيد رأس حياء وهو يقول بوعد :
– أنا معاكى يا حياء ، هعملك كل اللى أنتى عيزاه ، حتى لو سبت كل حاجة ورايا ورجعت أعيش معاكى هنا فى إسكندرية ، أنتى بس قوليلى عايزة إيه وأوامرك وطلباتك كلها مجابة ، عايزة تطلقى منه ، هطلقك وأخليكى تتجوزى سيد سيده ، أنا مستعد أجيب الدنيا كلها تحت رجليكى بس بلاش أشوف دموعك وكسرتك دى يا حبيبتى
رفعت حياء وجهها لديفيد ، ورغم حزنها الشديد ، إلا أنها إبتسمت من بين دموعها بعدما إستشعرت صدق نبرة صوت شقيقها ، ولم يكتفى بذلك بل رفع كفيه ومسح وجهها وهو يبتسم ، فإنتبهت على نزيف شفتيه ، وأخرجت محرمة ورقية من حقيبتها وناولتها له وهى تقول بصوت خافت:
– فى دمك على شفايفك إمسحه، ويلا خلينا نمشى
طوق كتفيها وأدناها منه وعاد يقـ ـبل رأسها من جديد ولم ينسى أن يرمق راسل بنظرة كارهة قبل خروجه من غرفة المكتب ، ولكن قبل أن يصلا للباب سمعا صوت راسل وهو يقول ببرود :
– على فكرة اللى أنت عملته ده مش هعديهولك بالساهل ولا اللى حصل منك زمان هعرف أدفعك تمنه غالى يا ديفيد
إلتفت له ديفيد برأسه قائلاً بإبتسامة متهكمة :
– أعلى ما فى خيلك أركبه يا دكتور ، ومتبقاش زى الدبور اللى بيزن على خراب عشه ، لأن علشانها هى مستعد أرجع أكره عيلة النعمانى تانى والمرة دى هيبقى السبب معروف ، فمتخلنيش أحطك فى دماغى ، وأنت مجرب وعارف ولا تكونش نسيت
قضى ديفيد بحديثه على كل ذرة عقل وبرود كان يملكها راسل ، فخوضه بتهديده لتذكيره بما لقاه منه بالماضى ، جعل شياطين العالم تتلبسه دفعة واحدة ، بل تخلى عن عقلانيته ومهارته ببمارسة البرود ، وبدا كإنسان بدائى من تلك العصور ، التى كان ينال بها الثأر دون رادع أو إعتبار لأى مظهر من مظاهر السلوك الإنسانى أو الحضارى ، بل تدافع الأفكار برأسه ، جعلته يشعر بالنشوة من تخيله أن يجعل ديفيد يذوق مُر الألم والوجع مثلما نجح هو فى أن يجعله يتجرعه منذ سنوات مضت
جذب راسل ذراع حياء دون محاولة منه فى إيلامها وقال بنبرة مفعمة بالبرود :
–مراتى مش هتسيب البيت إلا فى الوقت اللى أنا عايزه وطالما عايزها تحدى يا ديفيد ، معنديش مانع أهو حتى أتسلى لحد ما أسافر ، المغامرة مطلوبة برضه علشان تكسر الملل
سحبت حياء ذراعها من بين يده القابضة عليه بإحكام ، فما ظنه بها هل هى بيدق بتلك اللعبة التى يريد خوضها مع شقيقها من أجل شعوره بالغيظ والغضب منه ؟ ظلت تحرك رأسها ببطئ لعلها تقنع ذاتها بأن هذا الرجل هو حقاً زوجها راسل ، فهى ستصاب حتماً بالجنون ، وظلت تتسائل بشئ من الحيرة ، هل أن عامان قادران على تغيير طباعه وسلوكه إلا هذا الحد ، الذى يجعلها تظن أحياناً بأنه ليس هذا من أحبته وتزوجته ، بل تم إستبداله مع رجل أخر يشبهه كثيراً
رف جفنيها بشئ من البلادة وغمغمت بتعجب وصدمة :
– هو أنت مفكرنى لعبة فى إيدك تتسلى بيها وتاخد بيها بتارك من ديفيد ، لاء بجد فجأتنى يا دكتور راسل
رفعت حياء وجهها وعادت تستأنف حديثها بتحدى وإصرار :
–أنا كنت ناوية أسيبك بهدوء وأمشى من غير ما نأذى بعض ، بس طالما أنت عايز كده تمام مفيش مشكلة ، وغلاوة سجود عندك لأكسرك يا راسل وأكسر كبرياءك وأحطم حياتك وأهدم أحلامك وأخليك تبكى بدل الدموع دم ، وأنت اللى جبته لنفسك ، لأن متستهونش بواحدة قلبها أنكسر ، سلام يا زو جى العزيز أنا مستنياك فى البيت على ما ترجع ، وإن كنت اخدت قرارى بإن أسيب قصر النعمانى، فدلوقتى أنا قعدالك وإستعد للمفاجئة اللى هتوصلك منى قريب ، يلا يا ديفيد علشان توصلنى
تأبطت حياء ذراع ديفيد وخرجت من غرفة المكتب ، وقبل أن يتم إغلاق الباب ، رفعت يدها ولوحت لراسل بأطراف أصابعها ، وأرتسم على ثغرها الملتوى إبتسامة حملت كل النوايا بتحطيمه ، بل حملت طابع الهيمنة والسيطرة دلالة على أن الأيام المقبلة سيشهد بها تجهيز مقبرة ومحرقة كبرياءه ، ولم تنسى وهى تسير بالرواق متأبطة ذراع شقيقها أن تحاول الظهور بمظهر القوة والبأس ، ولكن إصطدمت نظراتها بنظرات ساندرا وهى تسير من جوارها و يبدو عليها أنها على وشك دخول غرفة المكتب ، فلم تسمح بأن يضئ بريق الغيرة عينيها ، ولكن تلك اليـ ـد الصغيرة التى علقت بحجابها ، جعلتها تتوقف عن السير ، وجدت الصغير قابضاً على طرف حجابها ولم يكتفى بذلك بل وضعه بفمه وهو يضحك ، وكلما حاولت ساندرا جعله يفلت طرف حجاب حياء من يـ ـده ، يعود ويقبض عليه من جديد ، فكانت تلك هى المرة الأولى التى ترى بها الصغير عن قرب ، طفل جميل عيناه تفيض بالشقاوة والمشاكسة ولكنه عنيد ، وربما تلك هى الصفة الوحيدة التى ترى أن الصغير يتقاسمها مع راسل فكلاهما عنيدان ولديهما إصرار لعين على الإقتراب منها ، فإن كانت إستباحت لنفسها بأن تقتص لقلبها من زو جها ، فهى ستجعل الصغار خارج نطاق تلك الحرب التى ستشنها بينها وبين من كان يحمل صفة معشوقها وحبيبها حتى تلك اللحظة التى وطأ بها المنزل بقد ميه بعد الغياب ، أم الآن فهى لم تجد خانة تضعه بها سوى تلك الخانات التى كانت مهجورة بقلبها وهى خانات الغدر والخذلان
❈-❈-❈
الطقس المشمس بالحديقة ، جعل بيرى أكثر تصميماً على خروج مارجريت من غرفتها التى تسكنها بعدما قامت هى بنقلها إلى ذلك الجزء الذى تسكنه بعد وفاة أبيها ، فهى من أنستها بمعيشتها بعدما غادر ديفيد لصقلية ورفضت حياء ترك منزل زو جها ، ونشأت بينهما ألفة من نوع خاص رغم خوفها أحيانها من حديثها المبهم ، أو لما تظل تتمتم بعبارات غير مفهومة كأنها تهذى ، ولكن إستطاعت بيرى إقناع عقلها بأن ما تعانيه مارجريت ربما يرجع أثره لكونها طاعنة بالسن أو أن إحتجاز أبيها لها بمكان بمفردها ، جعلها تفقد شئ من عقلها ، تململت مارجريت بنومها بعدما شعرت بيـ ـد توكزها بكتفها بلطف ، وعلى الرغم من علمها من صاحبة تلك اليـ ـد ، إلا أنها أرادت إكمال نومها ، الذى ترى أنها لم تحصل منه على القسط الكافى ، رغم أنها نامت بالأمس فى وقت مبكر جداً ، فأرادت صرف بيرى بلطف ، بأن جذبت الغطاء لوجهها ، كأنها تنبأها بأنها ليست على إستعداد لترك فراشها
جذبت بيرى الغطاء وقالت وهى تضحك بصوت مسموع:
– مارجريت أنا عارفة أنك صاحية ، وأنتى نايمة من أمبارح ، كفياكى نوم ويلا نخرج نأكل فى الجنينة ، ديفيد راجع البيت النهاردة هو أتصل عليا وقالى ، بس قالى هيروح يشوف حياء الأول
بسماعها إسم ديفيد وحياء كان ذلك أدعى بأن يجعلها تنصاع لقول بيرى ، خاصة أن هؤلاء الثلاثة الآن هم درع القوة لتلك العائلة ، رغم أن أحد أضلاع هذا المثلث والمتمثل بحياء الغير راغبة فى الإعتراف بهويتها الحقيقية ، سيجعل الضلعان الآخران يتبعناها ، وربما ستندثر أصول وجذور تلك العائلة إذا لم يسرع ديفيد فى الزو اج وإنجاب وريث أخر لعائلة إسكندر شمعون
جلست مارجريت بفراشها ومسحت بكفيها على قسمات وجهها المتجعدة بفعل المشيب ، فقالت بإبتسامة ربما تنافى قسمات وجهها الصلبة :
– أخيراً رجع ديفيد أبو دماغ ناشفة
جلست بيرى بجانبها على طرف الفراش وهى تهز رأسها ببطئ ، فشردت للحظة تفكر فيما أصاب حياء ، خاصة بعد علمها بعودة زو جها وأنه لم يعد بمفرده ، فصار لديها يقين الآن بأنهما تعيستان الحظ بعشقهما ، وعلى الرغم من علمها بأن عبد الرحمن لم يتزو ج ، إلا أنها لم تملك الجرأة بالبحث عنه وكتابة نهاية لقصة عشقهما العالقة منذ سنوات ، كأنها تخشى أن ترى منه رد فعل أقوى بعد كذبته بأنه متزو جاً ، خاصة أنها لن تستطيع أن تعيد إليه ذراعه المبتور ، والذى بتره والدها غدراً من أجل تهديده بالإبتعاد عنها ، فهى تفضل أن تظل هكذا وتتذكر ما كان من أمرهما سابقاً ، على أن يعودا ويلتقيان ثانية وربما ترى بعيناه نظرات الكره والبغض لها ، على أن عشقها هو المتسبب بإيذاءه
زحفت يـ ـد مارجريت ببطئ ، حتى حطت بها على يـ ـد بيرى ، فإنتقضت فجأة لإنغماسها بالتفكير حتى لم تعد تتذكر أنها جالسة بجوارها ، وضعت بيرى يـ ـدها على صـ ـدرها لتهدأ من روعها ، فإبتسمت مارجريت على نحو غريب وهى تقول بنبرة مبهمة :
– طريق النسيان مش سهل يابيرى ، لاء ده طويل أوى ، وكل خطوة هتخطيها فيه هتلاقى ألف خطوة بعديها ، كأنك بتلفى فى دايرة مقفولة مش عارفة بدايتها ولا نهايتها
تشابك حاجبىّ بيرى بتقطيبة خفيفة من حديث مارجريت الغامض ، فأحياناً كثيرة تحيرها بحديثها الغير مفهوم ، وتأخذ هى بحديثها على سبيل الدعابة أو الطرافة ، على الرغم من شعورها أحياناً بأن مارجريت تستطيع قراءة أفكارها أو أنها تعلم ما تهمس به لقلبها وعقلها
لمست بيرى حاجبها الأنيق وقالت بشرود :
– قصدك إيه يا مارجريت بكلامك ده ، أنا مبفهمش تقصدى إيه
حاولت مارجريت تغيير دفة الحديث ، خاصة أن بيرى لا تعلم شئ عن مهاراتها بالإستبصار وقراءة الورق والتى تخلت عنها منذ وفاة أدريانو ، فهى لم تكن تفعل ذلك إلا من أجل إرهابه وأن تجعله يشعر بفداحة أفعاله مع شقيقه وأبناءه ، كأنها كانت تمارس إحدى الألعاب النفسية المنهكة للعقل ، وتجهله بالأخير يفقد القدرة على التفكير السليم
وضعت مارجريت قدميها الشبه رخوتين أرضاً وهى تقول بإبتسامة خافتة :
– يلا علشان نخرج الجنينة وأستنى ديفيد علشان وحشنى ، أنا لما بشوفه كأن شوفت دانيال أبوه ، ودانيال كان غالى أوى على قلبى لأنه مكنش زى أبوكى بيدور على المشاكل من أى مكان ، مش عارفة شيطان زيه خلف ملاك زيك إزاى
قهقهت مارجريت على ما قالته ، ونظرت لبيرى تقدم إعتذارها بعينيها الضيقتين ، فحتى وإن كان أدريانو شيطان والجميع يسلم بتلك الحقيقة حتى إبنته ، إلا أنها لم تقصد أن تجعلها تشعور بالسوء كونها تنتمى إليه
تركت بيرى مكانها وساعدتها حتى أنتهت من روتينها من الإغتسال وإرتداء ثياب نظيفة ، فخرجتا للحديقة وأوصت بيرى الخادمة بأن تضع الطعام على الطاولة بالحديقة ، وما أن أنتهت الخادمة من وضع أطباق الطعام على الطاولة المستديرة ، رآت بيرى ديفيد قادماً برفقة حياء ، فتركت مكانها وصاحت بسعادة :
– حياء وديفيد جم يا مارجريت
هرولت بيرى تجاه حياء وأحتضنتها وأعربت عن سعادتها بعودة ديفيد ، فأشارت للطاولة وهى تقول بطرافة :
– تعالوا يلا كلنا ناكل مع بعض وزى ما بيقولوا حماتكم بتحبكم
أقتربت حياء من أحد المقاعد وجلست عليه ووضعت من الطعام بفمها وهى تقول بتهكم :
– أنا حماتى ماتت وقريب هخلى إبنها يحصلها من قهرته
حدقت بيرى بديفيد لعله يقدم تفسيراً لما قالته حياء ، إلا أنه ظل صامتاً بل جلس على المقعد المجاور لشقيقته بعدما قـ ـبل رأس مارجريت ، فعادت بيرى لمقعدها ووزعت نظراتها بينهما وهى تقول بإلحاح :
– هو فى إيه مالكم ما تفهمونى إيه اللى حصل ، وأنتى عملتى ايه مع جو زك يا حياء ، أنتى كلمتينى وقولتيلى على موضوع أنه رجع ومتجـ ـوز ومخلف ، ومعرفتش حاجة تانى ، فقوليلى ناوية على إيه
تنفست حياء بعمق وأسندت ظهرها لمقعدها ومضغت قطعة من الخبر بهدوء مميت ، فردت قائلة بعدم إكتراث :
– ناوية على كل خير إن شاء الله ، أنا هعرفه يعنى إيه وجع القلب وكسره النفس ودلوقتى سيبونى أكل علشان جعانة ، حتى يبقى عندى باور اخطط وأتكلم ، وعلشان أقعد معاكم شوية قبل ما أرجع أرض المعركة
رافق حديثها إبتسامة لتجعلهم يتوهمون أن حياتها ستأخذ منحنى أخر يتسم بالشر والمكائد ، ولكن لا أحد منهم يبدو عليه أنه يصدقها بأنها قادرة على فعل ذلك ، نظراً لرقتها وهشاشتها ، كأنها خُلقت من تلك الحلوى الهشة المسماة ” غزل البنات ” والتى تبدو للرائى أنها منسوجة بقوة ، ليتضح فيما بعد أن ما أن تلمسها يـ ـد تذوب كقطعة السكر ، التى تم غزلها منها
شد ديفيد على يـ ـدها ليجعلها تنصت لحديثه :
– حياء ملوش لازم ترجعى بيت النعمانى خليكى هنا ، مش عايزك تتأذى ولا قلبك ينكسر زيادة ، وأنا هعرف أردلك حقك متقلقيش
ربتت حياء على يـ ـده وأخذتها بين كفيها وهى تقول بإصرار :
–ديفيد فى سنتين ضاعوا من عمرى بين دموع وأهات وقلب اتحرق بنار الفراق والإنتظار ، وزى ما كل حاجة لازم يبقى ليها تمن ، فأنا مش هسيبه إلا لما يدفع فاتورة السنتين دول وبعد كده أوعدك أنا اللى هرجع هنا ، بس أكون راجعة وأنا واخدة حقى ، وطالما هو حابب أبقى وسيلة فى إيده يلعب بيها معاك ، فأنا اللى هلعب بيه ، لأن محدش يعرف نقط ضعف راسل زيى ، وأعرف أوجعه فين وأمتى ، وأنت هتكون معايا خطوة بخطوة وبعد ما أخد حقى أنا اللى هكتب كلمة النهاية بإيـ ـدى
أن تختمر خطط الإنتقام بعقل وقلب عاشقة ، لهو شئ يستحق التأمل والتفكير ، بل من الأدعى أن يأخذ الطرف الأخر حذره منها ، قلبها مقهور وأحترقت أمانيه حتى صار كجمرة ملتـ ـهبة تلتهم مشاعرها وعواطفها دون هوادة ، فإن كان راسل نجح بالبداية أن يجعل قلبها يتقد بلهيب العشق ، فها هو ينجح مرة أخرى بأن يجعلها تتقد بنيران الإنتقام منه لقلبها الذى كان مولعاً به ، وضعت يدها على صـ ـدرها وأغمضت عينيها ريثما تعيد تنظيم أنفاسها التى شعرت بإنتقاصها وهى تتلو عهود الثأر ، فشعرت بملمـ ـس القلادة المعدنية أسفل أناملها ، رفعت طرفها ونظرت ملياً لتلك الصورة المحفورة عليها والخاصة بزو جها وإبنته ، وبدون تفكير جذبت القلادة من عنقها بشئ من القوة والحدة
أنقطع السلسال الذهبى بعدما ترك أثار إحتكاكه بمؤخرة عنقها أثناء جذبها له ، فإن كانت حرصت على جعل تلك القلادة قريباً من قلبها لتأنس وحشتها أثناء غيابه ، فالأن لم يعد لها فائدة بأن تظل ترتديها ، حتى وإن كانت تستثنى سجود من إنتقامها ، فما سيجعلها رحيمة به ولن تقضى عليه حتى رمقه الأخير ، هو وجود تلك الصغيرة ، والتى تعلم مدى حبها وعشقها لأبيها ، ولكنها لن تتركه حتى تترك له ذكرى أليمة سيضعها بجانب ذكرياته المُرة ، ليدرك فداحة أفعاله معها ، ومن ثم ستتركه كشئ مهمل بحياتها ، ولن تعود وتفكر به ، ولكن سيظل هو يتذكرها لما تبقى من عمره
❈-❈-❈
فتح أدم تلك الحقيبة الصغيرة الخاصة به ، وأخرج قنينة العطر التى كانت أخر إنتاج من شركة العطور التى كانت تملكها والدته الراحلة ، فهى كانت تتفن فى صنع العطور الجذابة والفواحة والتى ذاع صيتها بفرنسا ، وأطلقت عليها إسم ” حسناء ” باللغة الفرنسية ، تأملها من كل جوانبها وهو يبتسم ، كون أنه لا يرى أنثى يناسبها ذلك العطر سوى ” حياء ” لذلك رغـ ـب فى أن يهديها إياها ، لتكون أول هدية يقدمها لها ، وما جعله يتشجع قليلاً بتفكيره ، أنها لم تكن فظة معه عندما رآها بذلك اليوم على الشاطئ ، بل كانت على غير عادتها من أمور النفور وما شابه ، رغم أنها لم تبدى له أكثر ما يقتضيه الذوق بالرد على حديثه ، ولكن معرفته بأنها ربما ستأتى برفقة بيرى لتنظيم الحفل الغنائى الثانى له بالإسكندرية ، جعله أكثر تصميماً تلك المرة على أن يتجاذب معها أطراف الحديث بلباقة ولا تجعلها تشعر بأنه يحاول مغازلتها أو إستمالتها إليه ، وضع قنينة العطر من يده وولج للمرحاض وهو يطلق صفيراً بصوت عالى ، وبعد إنتهاءه خرج وهو مازال ينشد بكلمات أغنيته التى سيسمعها للجمهور اليوم ، ولكنه أعد مفاجئة أخرى وهى أنه حفظ كلمات أغنية باللغة العربية وسيغنيها من أجل حياء
سمع طرق على باب غرفته تلاه دخول مدير أعماله والذى راح يصيح قائلاً بإستياء :
– يا سلام على برودك يا أخى ، الحفلة خلاص فاضل عليها نص ساعة وأنت لسه حتى ملبستش هدومك هتروح تغنيلهم على نص الليل ولا إيه
قلب أدم عيناه بملل وألقى المنشفة بوجه صديقه وهو يقول بإنزعاج :
– بس أسكت ، صوتك عالى ، عشر دقائق وأكون جاهز ، مش عايز مزاجى يتعكر النهاردة بصوتك الوحش ده
ضيق صديقه ما بين عينيه قائلاً بغيظ متفكهاً :
– أنا الغلطان اللى علمتك تتكلم عربى ، من ساعة ما بقيت تتكلم عربى وأنت لسانك طويل وبقيت قليل الأدب
تركه أدم وولج لغرفة الثياب وهو يقول بمكر محاولاً إغاظته:
– عادى ما أنا كنت بشتمك قبل ما أتعلم اتكلم عربى وبس بقى مش عايز أتأخر على مليكتى
لطم صديقه خديه قائلاً بنفاذ صبر:
– يا ابنى يا حبيبى ربنا يهديك أنت مصر تخرج من هنا وترجع فرنسا فى تابوت ميت ليه ، يا ابنى دى متجوزة متجووووووزة أفهم بقى ، يعنى جيش الحرس اللى عند أبو جو زها ده واحد منهم بس بطلقة صغيرة يخليك تودع الدنيا باللى فيها ، أبوس إيـ ـدك خلينا فى أكل عيشنا ، ومتقومش الدنيا على دماغنا
خرج أدم من غرفة الثياب ، ورمقه بنظرة لا مبالية ، ووقف أمام المرآة وقام بثنى أكمام قميصه ومشط شعره ونثر عطره وأخذ متعلقاته وأشار له بأن يتقدمه بالسير ليذهبان حيث يقام الحفل الغنائى
وصلا لتلك القاعة المقام بها الحفل ، وجد أدم بيرى بإنتظاره ، فأقتربت منه على وجه السرعة وهى تقول بعملية :
– أدم أنت أتأخرت على الميعاد اللى متفقين عليه ، أنا طلبت منك أنك تيجى قبل الحفلة بنص ساعة تقريباً بس أنت وصلت دلوقتى وتقريباً فاضل عشر دقايق بس قبل ما تدخل القاعة
لم ينتبه أدم لما تقوله بل راحت عيناه تتجول بالمكان ليرى هل هى هنا أم لا ، ولكنه لم يكن يملك الوقت الكافى لسؤال بيرى عنها ، بل جذبته من ذراعه ووصلا حيث ذلك المكان الذى سيخرج منه للقاعة ، وما أن عاد ينظر خلفه حتى دفعه صديقه برفق ليدخل ويبدأ الغناء
بدأ أدم الغناء بفتور على غير العادة ، رغم حماس الجمهور بالتهليل والتصفيق ، ولكن أختفى كل هذا ما أن أبصرها قادمة من مكان بأخر تلك القاعة ووقفت بجوار بيرى ، فعاد إليه حماسه وبدأ يشدو بنغمات أغنيته الجديدة حتى فرغ منها وعلا صوت التصفيق الحار من الجمهور
ترك أدم مكانه ووصل حيث وقف كل من صديقه وحياء وبيرى ، بعد أخذه تلك الإستراحة القصيرة على أن يعود ويكمل باقى فقرات الحفل الغنائى ، فإبتسم لحياء قائلاً بصوت ودود :
– فرحان إنك جيتى النهاردة مليكتى
إبتسمت حياء إبتسامة خالية من المرح ، إلا أنها لم تنكر شعورها بالإنزعاج كلما ناداها بتلك الكلمة المتوددة ، فنظرت إليه قائلة بجدية :
– أدم أرجوك بلاش كلمة مليكتى دى إذا سمحت مش عايزة حد يسمعك كده ويفتكر حاجة مش كويسة
رآى بوادر الإنزعاج والضيق بوضوح على وجهها ، فأسرع بتقديم إعتذاره وهو يقول بلباقة:
– أسف يا حياء ، بس منكرش أن أنا فرحان إنك جيتى النهاردة
– شكراً يا أدم وأظن وقت إستراحتك خلص يلا علشان تدخل تغنى تانى
قالت حياء وهى تشير بيدها بأن يسرع بدخول القاعة ، فأطاعها على الفور ، ولم يفوتها تلك النظرات التى حملت علامات الإستفهام من صديق أدم وبيرى ، إلا أنها حقاً لم تكن راغبة فى الحديث ، فهى لم تأتى لهنا إلا للترويح عن نفسها ، عوضاً عن جلوسها بالمنزل وترى زو جها ، الذى بدا أن السُبل والدروب تقطعت بينهما من غير رجعة
بعد إنقضاء ساعات الحفل جلسوا حول إحدى الطاولات بذلك المطعم التابع للفندق الذى أقيم الحفل بإحدى قاعاته ، وبعد تناول العشاء وثرثرتهم ، أخرج أدم تلك القنينة ووضعها أمام حياء
نظرت لها حياء بتفحص وما لبثت أن عقدت حاجبيها وتساءلت:
– إيه ده يا أدم ، بتدينى البيريفيوم ده ليه
إبتسم أدم وهو يشير إليها قائلاً برجاء :
– دا أخر نوع بريفيوم ماما كانت عملاه قبل ما تموت ، حبيت أدهولك هدية ، علشان لما أسافر تفتكرينى ، إعتبريها هدية بسيطة وإعتذار عن لو كنت ضايقتك فى أى مرة شوفتك فيها
رفعتها حياء ونظرت لإسمها فإبتسمت بمرارة كون أن ذلك الإسم ، كان يدللها به راسل زو جها ، ورغم ذلك الشعور الذى إجتاحها من أنها لا تريد أن تتذكره أو تتذكر أوقاتهما سوياً ، إلا أنها قبلت أخذ الهدية ، فوضعتها بحقيبتها وشكرت أدم ، ولكنها ألحت على بيرى بضرورة الإنصراف ، فنهضت بيرى من مقعدها ولكن قبل أن تصل كل منهما لسيارتها رآتا ديفيد قادماً برفقة فتاة تتأبط ذراعه بدلال أنثوى صارخ ، ولكن يبدو على وجهه أنه يشعر بالإستياء
تقدمت منه حياء ونظرت للفتاة وتساءلت بصوت خفيض :
– مين دى يا ديفيد أنت رجعت تلعب بديلك تانى
قلب ديفيد شفتيه ورد قائلاً بسخط :
– ديلى إيه ومصيبة إيه ، دى بلوة اتحدفت عليا ومعرفتش أخلص منها تبقى بنت شريكى فى صقلية ووصلت إسكندرية النهاردة ، فجبتها احجزلها فى الفندق هنا ، لأن دى ما أضمنهاش لو قعدت معايا فى البيت
فهمتا حياء وبيرى مغزى حديثه ، فضحكتا بصوت عالى ، فإبتسمت الفتاة على الرغم من عدم فهمها لما يقولونه كونها لا تتحدث العربية ، بادلها ديفيد إبتسامتها بإبتسامة صفراء ، قادرة على أن تجعلها تعلم مدى شعوره بالإنزعاج من وجودها ، ولكنها لم تبالى بسخطه ، بل جل ما فعلته بأن ربتت على وجنته بدلال
رمق ديفيد شقيقته وإبنة عمه ممازحاً:
– أستنونى هنا هشوفلها أى أوضة تقعد فيها وأجيلكم ولو اتأخرت تعالوا خدونى ، متسبونيش معاها لوحدى ، وأنا أساساً تاريخى مفيش أسود منه ماشى
جلستا حياء وبيرى بالحديقة التابعة للفندق ريثما ينتهى ديفيد من تسكين ضيفته الشابة بإحدى غرف الفندق ، مالت حياء برأسها للخلف ونظرت للسماء ، التى ظهرت بها النجوم كنقاط بيضاء وسط سواد حالك ، ولكن لم ترى آثرًا للقمر ، كأنه الليلة ظل مختبأ بمكان بعيد ، حتى لا تراه ، وتعود من جديد تسأله عن تلك الوعود والعهود التى تقاسمتها هى وحبيبها بأيام زواجهما الأولى ، فهى ظلت حافظة الوعد والعهد وظلت باقية على الود لأيام وشهور ، ولكن تبخر كل شئ بلحظة واحدة ، كانت كفيلة بقـ ـتلها حتى وإن كانت أنفاسها مازالت تجرى برئتيها ، ولكن ليس كل القـ ـتل ترى آثاره متمثلة بدماء وروح تزهق ، بل هناك قـ ـتل من نوع أخر ، وهو المتمثل بذلك البرود والخواء اللذان إستطاع زرعهما بقلبها ، مررت يـ ـدها ببطئ حتى وصلت موضع قلبها ، شعرت بتلك الخفقات المؤلمة والتى يدوى صوتها بين أضلعها ، فإن نجحت بتلك الأيام القليلة الماضية بأن لا تراه حتى تأخذ وقتها الكافى بترتيب حياتها ، وإعداد أول خطة لتلك الحرب الباردة بينهما ، فقريباً ستصبح المواجهة بينهما حتمية ، وستقدم كبرياءه المهدور قربان لقلبها الجريح
❈-❈-❈
أنتهى عمران من إرتداء ثيابه تأهباً للذهاب للمشفى للإطمئنان على الأحوال الصحية لرياض بعد علمه بنجاح تلك الجراحة التى خضع لها ، فنظر لصورة إبن شقيقه المنعكسة بالمرآة وهو جالساً على فراشه ، يلهو ببعض الدمى والألعاب ، إبتسم له بمحبة وسرعان ما أنطفأت معالم السعادة من وجهه عندما تذكر بمرارة أنه ربما كان سيرى صبيان جالسان يلهوان مع بعضهما البعض أحدهما إبن شقيقه والأخر إبنه هو من ماسته العنيدة ، فإن كان أحياناً ينفذ صبره من تشددها برأيها بعدم عودتها إليه ، إلا أنه من داخله يعلم أنها محقة بخوفها ورهبتها منه ، وكيف تأمن جانبه بعدما تركها كالجثة الهامدة بعدما فرغ من إعتـ ـداءه النفسى والجـ ـسدى عليها ، وهو من يعلم جيداً مدى رقتها ونعومتها منذ نعومة أظافرها ، ولكن ما أن غلبه الكبرياء والغرور ، ظن أن فرض سيطرته عليها بالقوة سيجعلها منصاعة ومنقادة له تحت سياق أن ما حدث لها أتاها من زو جها ولم يأتيها من رجل غريب ، وتفكيره اللعين هذا هو ما يجعله دائماً يخطئ بصرف خوفها منه
ترك الصغير مكانه على الفراش ووصل بجوار عمه ، فرفعه عمران عن الأرض وقـ ـبل وجنته قائلاً بحب :
– إيه يا بطل زهقت من اللعب ، يلا علشان أوديك لباباك ومامتك علشان عندى مشوار مهم وهرجع على طول
هز مراد رأسه بقوة ، دلالة على أنه لن يتركه يخرج من المنزل بدونه ، بل حاول إستعطافه بأن وضع رأسه على كتف عمران وأحاط عنقه بذراعيه ، فمسد عمران على ظهره وضمه إليه أكثر وهو يغمغم :
– أنت عايز تيجى مع عمو ، ماشى يا حبيبى يلا بينا
جلجلت ضحكة مراد بعد حصوله على وعد بمرافقة عمه ، فخرج عمران وهو يحمله على ذراعه وأخبر شقيقه وزو جته بإصطحاب الصغير معه ، وضعه بالمقعد المجاور له بالسيارة وقادها بهدوء حتى وصل للمشفى ، ترجل من السيارة وحمل مراد وولج للداخل ، وقبل وصوله لتلك الغرفة التى يقيم بها جد زو جته ، وجدها واقفة تتحدث مع أحد الأطباء ، ولكن ما جعله يشعر بالإنزعاج هو أنها تبتسم كأنها تمزح معه ، فقبل أن يتقدم خطوة أخرى ، وجد غزل تقبض بيـ ـدها على ذراعه
نظر إليها قائلاً بغرابة :
– فى إيه يا غزل فى حاجة
إبتسمت غزل وقالت بدعابة :
– لاء ، هو فى حاجة هتحصل، شامة ريحة خناقة جديدة جاى فى السكة صح يا عمران
إغتاظ عمران من كشفها له بسهولة فوضع مراد بين ذراعيها وهو يقول بسماجة :
– مراد يا حبيبى أنا عارف أن تيتة غزل وحشاك أديها بوسة وحضن على ما أرجعلكم
باغتها عمران بوضع الصغير بأحضانها ، ربما ليعرقلها عن منعه من أن يتقدم من زو جته ، فعدلت من وضعية حملها لمراد وقـ ـبلته من وجنتيه بحب ، كاد ينسيها ما سيفعله عمران ، إلا أنها ما أن أنتبهت على حالها ، هرولت بخطواتها لتصل إليهما ، ولكن ميس تركت مكانها ودلفت لغرفة المكتب بعد رؤيتها لزو جها يتقدم منها بخطوات واسعة ، وتحمل قسماته طابع الضيق وربما سيثار شجار جديد بينهما
وضع عمران يـ ـده بشق الباب قبل أن تقوم بإغلاقه ، فإرتدت ميس بخطواتها للخلف وعقدت ذراعيها بإنتظاره أن يقول ما لديه ويرحل
رمقها عمران من رأسها لأخمص قدميها وهو يقول بإستياء :
– يعنى حضرتك شوفتينى جريتى على مكتبك مع إنك كنتى واقفة تتكلمى من شوية وبتبتسمى ، ولا هو الوش الخشب والتكشيرة بتاعتك ليا أنا بس
– عمران يا ريت توطى صوتك أنت هنا فى مستشفى ملوش لازمة شغل الهمجية بتاعتك دى وأتفضل أخرج برا عندى شغل
نطقت بها ميس ببرود ، وحلت ذراعيها ورفعت يدها تشير له بالخروج ، ولكن قبل أن يثور ويطلق العنان للسانه جذبته غزل من ذراعه حتى خرجا من غرفة المكتب ، فهى سأمت حقاً من شجارهما المعتاد ، والذى يجعل الأمور تتخذ منحنى أسوء بعلاقتهما ، إصطحبته حتى وصل لتلك الغرفة التى يرقد بها رياض بعد إفاقته ، فبعد أن أنتهى عمران من زيارته ، أخذ الصغير ورحل من المشفى بعدما أخذ عهداً بأنه لن يأتى لهنا مرة أخرى ، حتى وإن كانت ميس تحمل بيـ ـدها ترياق الحياة
عادت غزل للمنزل تتثاقل مشيتها ، تسير بشرود غير منتبهة لتلك الترتيبات التى تعدها سوزانا من أجل عودة رياض للمنزل بعد بضعة أيام ، بعدما صرح راسل أنه بالإمكان أن يعود والده للبيت بعد إستقرار حالته الصحية وزوال الخطر عنه ، ولجت لغرفتها وذهبت للمرحاض وأغتسلت وبعد خروجها وقفت أمام المرآة لتمشط شعرها
إنتبه عاصم على شرودها وهى تقف أمام المرآة لا تفعل شئ ، سوى أنها تحملق بصورتها المنعكسة أمامها ، ولا يعلم ما أصابها ، ولكنه ظن أنها ربما تشعر بالحزن من أجل عمران إبن شقيقها ، خاصة إذا شهدت على مشاجرة جديدة بينه وبين ميس ، فالإثنان من ذوات الرآس اليابس والكبرياء المفعم بالغرور ، وكلما حاول أحد من العائلتان إصلاح الأمور بينهما ، يتفاقم الأمر أكثر ، خاصة عندما تعلن ميس عن رغبتها فى أن يمنحها عمران الطلاق ، وكأن العامين الماضيين لم يكونا كافيين لجعلها تنسى ما حدث منه بحقها ، والذى علم به الجميع فيما بعد ، عندما طالبها عمران بالعودة لمنزله ورفضت ميس مطلبه ، فبوقتها صرحت عن أسبابها بالإمتناع عن العودة لمنزل الزو جية ، خشية أن تحيا مع زوج يتخلى عن كل معالم الإنسانية ، إذا بلغ منه الغضب مبلغاً كبيراً ، وأنه تسبب لها بإيذاء جـ ـسدى ونفسى بليغ ، خاصة بفقدان طفلهما
أدنى عاصم برأسه منها وطوقها بذراعيه قائلاً بإبتسامة :
– الجميل سرحان فى إيه
ردت غزل إبتسامته ولكنها لم تكن بالود المطلوب والمنتظر منها عندما يكون هو قريباً منها ، فقالت بعدما زفرت بقوة مشوبة بالتيه وعدم القدرة على التفكير :
– حاسة أن أنا ملغبطة خالص يا عاصم ، عمران وميس قربوا يجنونى ، مش عارفة أمتى ينتهى الخصام بينهم ، عارفة أن ممكن تكون ميس مش قادرة تنسى اللى حصلها منه ، بس هو فعلاً بيحبها جدا ، هو عمران عصبى مش هنكر بس برضه حنين ، وحرام يعنى عمرهم اللى هيضيع ده بسبب دماغهم النشفة مش عيزاهم يغلطوا غلطتنا يا عاصم
فرغت من حديثها ووضعت رأسها على صـ ـدره ، ودمعت عيناها رغماً عنها بتذكرها تلك السنوات التى قضتها بعيدة عنه ، مما تسبب الآن فى حرمانهما من وجود أطفال لهما ، فحتى إن لم يكن لديهما ما يمنعهما من الإنجاب ، إلا أن حدوث الحمل عندها بهذا التوقيت يحمل طابع الصعوبة بعد الشئ
ربت عاصم عليها ولكنه ظل صامتاً لايجد ما يقوله ، خاصة أنه حاول مراراً وتكراراً بأن يجعل إبنة شقيقته تلين برأيها المتصلب فى عدم عودتها لزو جها ، ولكن باءت محاولات الجميع بالفشل ، فأصر عمه أن يتركها وشأنها ، كونه لم يريد إجبارها على العودة لعمران ، كما أجبرها على الزواج منه فى البداية
أطلق عاصم نهدة عميقة ورد قائلاً بهدوء:
– إن شاء الله ربنا يهديهم قريب ، أن مش عارف إيه اللى حصل للكل فجأة كده فى السنتين دول ولسه المصيبة الكبيرة لما عمى رياض يرجع البيت ويعرف اللى عمله راسل فى مراته ، إحنا لحد دلوقتى مخبيين عليه ، حتى حياء لما بتزوره فى المستشفى مبتجبش سيرة عن اللى حصل ، والصراحة مستغرب هدوءها وسكوتها ده
رفعت غزل رأسها عن صـ ـدره ونظرت إليه قائلة بحيرة :
– حاجة فعلاً تجنن يا عاصم ، مش عارفة قدر يعمل فيها كده إزاى دا الكل كان شايف هم الاتنين بيحبوا بعض قد إيه ، وأنه كان متعلق بيها لدرجة يعنى كنت بلاحظ عليه انه قدامها هى بيبقى حاجة تانية خالص ، إذا كان أنا أهو لما عرفت إتصدمت ماحال هى حالها إزاى لما تشوف جوزها وحبيبها بقى عنده زو جة تانية وطفل كمان ، دا موتها بالحيا ، ومتستهونش بسكوتها وهدوءها ده ، ده شكله الهدوء قبل العاصفة
ملأ بريق الغضب عينىّ عاصم بتذكره ما حدث من راسل بحق حياء ، لعلمه أن الأمر لن يقتصر على إنكار الجميع لفعلته ، بل لما سيحدث بعد علم عمه رياض ، خاصة أنه كان مفرط برعايته لحياء أثناء غياب زووجها ، بل وأحترمها هو الآخر بعدما أخبرهم رياض بالحقيقة كاملة
فغمغم عاصم بضيق :
– راسل طول عمره محدش يتوقع تصرفاته ، بس على الرغم من عمايله كان عمى بيعديهاله ، بس المرة دى مظنش ، خصوصاً أنه بيعز حياء جدا ، ومش هو بس كلنا أتعلقنا بوجودها واحترمناها بعد ما عمى قالنا على كل حاجة وانها ازاى كانت على استعداد تضحى بنفسها علشان تحمى جو زها وعيلته ضد عمها ومؤمراته ، صدقينى لو حياء طلعت عينه هنعذرها لأن ميبقاش ده جزاءها فى الآخر على اللى عملته معاه
نقرت غزل بيدها على شـ ـفتيها ، كأنها تفكر بقول زو جها ، فهى خير من تعلم ذلك الشعور الذى ربما تغلغل بقلب وعقل حياء حالياً بعد وقوع تلك الكارثة والتى لم تأتيها إلا من زو جها ، فهى متيقنة من أن حياء لابد أنها تفكر الآن فى كيفية الثأر لقلبها وكبرياءها ، وكيف لا وهى من أنتهجت ذلك الطريق من قبلها ، عندما ظنت بزو جها السوء
زفرت غزل زفرة مطولة وردت قائلة بصدق :
– أنا كمان عذراها ، دا زمان قلبها فيه نار وحاسة أن حياتها كلها وقفت وأحلامها ضاعت ، أنا مجربة الإحساس ده وعرفاه ، دا انا كنت أوقات بفكر أن لو كنت شوفتك وقتها يا عاصم مش هرتاح إلا لما أخلص عليك
مط عاصم شـ ـفتيه وأتسعت حدقتيه ، خاصة بعد سماع تلك الرنة بصوتها دلالة على أنها كانت تريد الثأر منه بأبشع الطرق التى يعجز عقله عن إستيعابها ، فلمـ ـس طرف أنفها وهو يقول بغيظ مكبوت :
– ما أنتى هربتى ودورت عليكى ومقدرتش ألاقيكى ، ومش عارف إزاى كنتى فى اليونان وأنا معرفش بالرغم من أن دورت عليكى هناك
إبتسمت غزل وردت قائلة بهدوء وأسف فى آن واحد:
– كنت عارفة أنك وصلت اليونان بس فى واحد من اللى أنت وصتهم يدوروا عليا ، كان فى صداقة بينه وبين مراد أخويا جالى وقالى أنك موجود وبتدور علينا ، بس أنا اللى قولتله يقولك أنه ملقناش وأستخبيت لحد ما اتأكدت أنك رجعت إسكندرية تانى ، لأن فى الوقت ده كنت خايفة منك وخايفة أقابلك
عادت تشعر بالأسف لضياع تلك السنوات هباءًا ، متذرعة بحجة الإنتقام منه عندما يحين الوقت الملائم
خرجا من الغرفة وجدا سوزانا أنتهت مما كانت تفعله بل أوصت الخادمات بوضع طعام العشاء على المائدة الكبيرة ، جلس الجميع عدا حياء ، التى يبدو عليها أنها لم تعود من الخارج ، جلس راسل يبحث عنها بعينيه وسط الجالسين ، ولكنه لم يجدها
فرفع رأسه واضعاً يديه أسفل ذقنه متسائلاً:
– هى حياء فين ؟
لم يجيبه أحد من الجالسين ، بل بدوا كأنهم لم يستمعوا لسؤاله اللجوج عن زو جته ، التى ما أن ألقت بتهديدها ليه بذلك اليوم بالمشفى وهو لم يعد يراها على الرغم من أنها مازالت تقيم هنا بالمنزل
مضغت ميس طعامها وردت قائلة بهدوء لا يخلو من نظرات الإستياء لراسل :
– حياء شكلها راحت تزور بنت عمها ، بس بتسأل عليها ليه يا راسل ؟
فإن كان الجميع فور وصوله للمنزل حتى إنتهاءه من تلك الجراحة لأبيه لم ينبس أحد منهم ببنت شفة على تلك المفاجئة التى أعدها لهم ، إلا ما أن إستقرت الأمور به فى المنزل وإستقرار أحوال والده الصحية ، راح القاطنين بالمنزل يرشقونه بالنظرات المستاءة والتى ضجت بالحنق من أفعاله ، التى لم يتقبلها أحداً منهم ، على الرغم من عدم تصريحهم بذلك
رد راسل نظرات ميس له وهو يقول ببرود :
– بسأل عليها يا ميس ، حرام اسأل على مراتى
لوت ميس ثغرها وقالت بتهكم :
– ما مراتك قاعدة جمبك أهى ، لسه بتقول على حياء مراتك بعد ما دبحتها يا راسل
ضرب راسل المائدة بقبضته ، مما أدى لإهتزاز الطبق والكوب الزجاجى الموضوعان أمامه ، فكانت الضربة خير دليل على أن تلتزم ميس الصمت وألا تتدخل فيما لا يعنيها ، شدت وفاء على يـ ـده لكى يلتزم الهدوء ، كونها حذرته منذ البداية لما يمكن أن يحدث ، فهى منذ أن وطأت هذا المنزل وهى صامتة ، كأنها تخشى أن تتحدث مع أحد وتجدهم يلومنها على أنها تركت راسل يفعل ذلك دون محاولة منها أن تثنيه عن رآيه
وضعت سوزانا الملعقة من يـ ـدها وقالت وهى تنظر لإبنتها :
– ميس متدخليش فى حياة حد كل واحد حر فى حياته وهو من أمتى عمك راسل بيخاف على مشاعر حد علشان تلوميه دلوقتى أنه جرح مشاعر مراته
قضى حديث سوزانا على ما تبقى لديه من هدوء ، فصاح قائلاً بصوت عالى أفزع الصغير :
– ياريت كل واحد فيكم يخليه فى حاله مش عايز حكم ومواعظ من حد ، وأنا حر أعمل اللى أعمله ماشى يا مرات أخويا
دائماً ما كانت الأمور بينه وبين عاصم وسوزانا يشوبها التوتر والمشادات ، إلا أنه لم يكن بمزاج يسمح له بأن يبدأ الشجار مع أحد منهم ، لذلك ترك المائدة ولم يضع شئ من الطعام بفمه ، فخرج إلى الحديقة ، وجلس بجانب المسبح الكبير ، ولكنه رآى تلك السيارة السوداء التى مرت من الحديقة حتى وصلت أمام باب المنزل الداخلى وترجلت منها حياء ، وأخرجت منها عدة حقائب ربما خاصة بالثياب أو ما شابه ، وما أن ولجت للداخل وصعدت لغرفتها ، حتى تبعها فقبل أن تغلق الباب نهائياً وجدته واقفاً أمامها
أسندت كتفها لإطار الباب وعقدت ذراعيها وقالت بصوت كالصقيع :
– أفندم فى حاجة
– كنتى فين ده كله يا حياء ؟
سألها راسل بإلحاح ، ولم يكتفى بذلك بل تقدم بخطواته منها مما جعلها ترتد هى للخلف ، وأكمل سيره حتى وصل للفراش الموضوع عليه الحقائب
ولكن قبل أن يمد يـ ـده ليرى محتوياتها ، جذبت هى ذراعه بشئ من الحدة وهى تقول بوجوم :
– أنت عايز إيه بالظبط وإيه اللى جابك هنا ، هو أنا قولتلك أدخل وفتش فى حاجتى ، أتفضل أطلع برا ، وأوضتى دى متدخلهاش تانى أنت فاهم
إلتفت برأسه إليها فأنتصب بقامته ورمقها بهدوء ، محاولاً تفسير هجومها المفاجئ بحديثها ، كأنها تضع بالحقائب أشياء ثمينة ، وستحفظها بمنأى عن عيناه ، نظر للحقائب ومن ثم عاد ينظر لها متسائلاً:
– هو فى إيه فى الشنط دى خايفة إن أشوفه
نفخت حياء بملل وردت قائلة بسماجة :
– أظن حاجة متخصكش يعنى يا دكتور ، أنا حرة وأعمل اللى أعمله وأشترى اللى يعجبنى ولا عندك مانع
حاول الحد من ذلك الغضب الأعمى المتدفق بشراينه تزامناً مع ذلك الشعور العارم بأنه يرغـ ـب فى أن يضمها إليه ، لعل وجيب قلبه يهدأ عوضاً عن ذلك الصخب ، الذى لا يجعله يهدأ ولا يمنحه الراحة
رفع يـ ـده ولمس إطار نظارته وعيناه منصبة النظرات على وجهها المحتقن بدماء غضبها :
– متنسيش أنك لسه تخصينى يا حياء وهنا بيت جوزك يعنى لازم دخولك وخروجك يبقى بإذنى
ضحكت حياء فجأة كأنه ألقى عليها إحدى النكات ، بل ظلت تضحك بصوت عالى حتى أثارت ريبته من ضحكها الغير مبرر لقوله ، وضعت يـ ـدها على فمها لتلجم باقى ضحكتها ، حتى لا تدمع عيناها أكثر
فحمحمت لتجلى صوتها ليخرج متزناً ، فقالت بتشفى وشماتة :
– أدخل وأخرج بإذنك ، ما أنا بقالى سنتين بدخل وأخرج وأنت هناك عايش حياتك ، أفتكرت دلوقتى أن مراتك وده بيتك ، بس يا خسارة أنا نسيت أقولك أن باباك كان موزع ثروته بينك وبين ميس والأملاك الخاصة بيك هو كتبلى منها جزء وكان معايا توكيل عام بإدارة أملاكك ، فأنا حولتها كلها بإسمى وبقيت أنا المالكة ليها يعنى حضرتك مبقتش تملك أى حاجة من أملاك عيلة النعمانى ، يعنى أنت دلوقتى اللى ضيف عندى أنت ومامتك ومراتك وولادك
يتبع…
لإكمال الرواية تابعنا علي قناة تليجرام
👈 الفصل التالي: رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني الفصل التاسع
👈 جمييع الفصول: رواية لا يليق بك إلا العشق كاملة بقلم سماح نجيب
👈 المزيد من الروايات الرومانسية الكاملة: روايات كاملة
👈 لتحميل المزيد من الروايات: تحميل روايات pdf
انتهت أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.