نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الخامس والثلاثون من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
لا يليق بك الا العشق الفصل 35
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الخامسة والثلاثون
٣٥– ” وداع وعناق أخير ”
حركة بؤبؤ عينيها داخل محجرهما ، كمن تبحث عن شئ مفقود ، جعل هبة تشعر بالقلق من أن تكون تعانى سوء أو مكروه ، فهما لم تتقابلا ثانية ، منذ تلك المرة التى ذهبت إليها بمنزل زوجها ، من أجل أن تتقاسما إرث خالها
سحبت هبة يدها من على كتفها وأسرعت بضمها إليها ، كمن علمت أنها بحاجة للشعور بالأمان ، الذى من الممكن أن تقدمه لها بحكم تلك المودة والمحبة بينهما ، فإستكانت حياء بين ذراعيها ، مستندة بذقنها على كتف هبة ، وتنظر لوالد زوجها ، الواقف بمكان ليس ببعيد
– هبة أنتى بتعملى إيه هنا أنتى وأخوكى ؟هتفت حياء بسؤالها ، وهى ترتد بخطواتها للخلف ، لتفسح مجالاً بينهما لترى كل منهما الأخرى بوضوح، فتفرست بوجه شقيق هبة ذلك الفتى اليافع والخجول ، والذى ما أن أتت على ذكره ، حتى أطرق برأسه أرضاً بعد أن أصطبغ وجهه بجمرة قانية ، ناتجة عن شعوره بالخجل
أجابتها هبة وهى تداعب رأس شقيقها بإبتسامة حانية :
– كنت جاية بخصوص موضوع الحادثة بتاعة وحيد ، لأن عرفت أنهم قبضوا على اللى ضربه بالعربية ، فجيت أنا والمحامى أتابع الموضوع ، علشان وحيد لسه مش بيقدر يخرج ولا يقف على رجليه ، فأخويا شبط ييجى معايا فجبته وسبت أخويا التانى مع وحيد فى البيت
رآت حياء بوضوح ذلك الحزن ، الذى سكن عينيها وحروفها وهى تذكر زوجها ، فرفعت يدها تربت على ذراعها بمواساة ، ولكن قبل أن تخرج الكلمات المواسية من بين شفتيها الجافتين ، سبقتها هبة وهى تقول متسائلة :
– بس هو أنتى بتعملى إيه هنا يا حياء خير ؟
آتاها هذا السؤال من هبة بنبرة قلقة ، فإن كان والد زوجها حرص كل الحرص على عدم إفشاء الصحافة لما أصاب ولده ، فهى لن تستطيع الكذب عليها ، فسحبتها من ذراعها ووقفتا بأحد الأركان الهادئة نسبياً ، نظراً لحركة النشاط بالمكان ، وقصت عليها كل ما حدث لزوجها ، وكل كلمة تنطق بها ، تجعل عينى هبة تزداد إتساعاً ، بل لم تكتفى بذلك ، بل شهقت وهى تضع يدها على فمها ، حتى لا يسمعها أحد وهى تبدى تعجبها مما تسمعه
جف حلقها وهى تقول بنبرة متقطعة :
– ييا خخبر أبيض كل ده حصل لدكتور راسل ، ربنا يردهولك بالسلامة يا حياء
مسحت هبة وجهها ، كمن شعرت بحرارة مفاجئة ، فأنتباها الحزن على ما تلاقيه حياء بحياتها ، فهى لا تدوم سعادتها طويلاً
قبضت هبة على كف حياء ، وضغطت عليه بحنان ، وقالت وهى تعمل على محو دمعة أنزلقت من عيناها :
– حياء لو محتاجة أى حاجة يا حبيبتى قولى متتكسفيش أحنا أخوات وانا تحت أمرك
أشرقت بسمة على شفاه حياء ، التى لم تذق بالأيام الماضية ،سوى ملوحة دموعها النازفة على خديها ،من كثرة بكاءها وإفتقادها لزوجها
فرفعت يدها الأخرى مربتة على ظهر يد هبة :
– تسلميلى يا هبة أنا مش محتاجة غير دعواتك ليا وبس أن ربنا يعدى الأزمة دى على خير
– إن شاء الله يا حياء ، ربنا هيفرج كربك بإذن الله
قالت هبة بأمل ، من أن يجيب الله دعاءها ، فسمعت صوت المحامى الخاص بها يناديها ، فأعتذرت مغادرة وأخذت شقيقها ، مع تركها وعداً لحياء بأنها ستزورها قريباً
رحلت هبة فأستندت حياء على الجدار بجانبها ، فمالت برأسها عليه وأغمضت عينيها ، تبتهل لله بداخلها أن لا ينتهى اليوم ، إلا وراسل عائدا معها إلى منزلهما ، فكأنها حرمت على أجفانها النوم وهو بعيد عنها ، فإن غفت ساعة واحدة ، تستيقظ بفزع وهى تناديه ، حتى بعد ذهابها لمنزل أبيه ، تقضى نهارها باكية وليلها مسهدة و شاكية لربها______________
توقفت عجلات القطار وأصدرت صوتاً بإحتكاكها بالقضبان الحديدى ، جعله يعى أنه وصل لوجهته أخيراً ، بعد أن ظن أن القطار سيظل يسير طوال العمر ،ولم تكن وجهته سوى تلك المدينة الأثرية والعريقة المسماة مدينة “الأقصر” ، تلك المدينة التاريخية الزاخرة بالأثار الفرعونية القديمة ، والتى شهدت على بناء حضارة من أعرق الحضارات التى شهدها العالم
أخذ حقيبته الموضوعة على الرف أعلى رأسه وجرها خلفه حتى وصل لباب المقصورة ، مد قدمه بتردد كأنه يخشى أن تطأ قدميه الأرض بالخارج ، ولكنه حسم أمره بالاخير ، بعدما سمع صوت فتاة خلفه تصيح به بنفاذ صبر
– ما تخرج بقى يا أستاذ هو أنت خايف تنزل من القطر مش ناقصين تأخير
إلتفت كرم لمصدر الصوت ، فرآى فتاة تحمل حقيبة بيدها وأخرى على ظهرها ، كمن هى ذاهبة لرحلة إلى مخيم ، ويبدو على وجهها علامات الضيق والنزق
قال كرم بلهجة المعتذر :
–أنا أسف يا أنسة أتفضلى
أمعنت الفتاة النظر برماديتيه ، فلم تفعل شيئاً سوى أنها أماءت برأسها ، وهى تعمل على إبتلاع لعابها وتلك الكلمات التى كانت على وشك قذفها بوجهه ، فصوته الدافئ والمعتذر ووسامته التى لم تستطيع نكرانها ، جعلا من الصعب عليها أن تستمر بإظهار خشونة صوتها وطبيعتها بالتعامل مع الأخرين بإسلوب جاف وخالى من الكياسة
أفسح لها كرم الطريق ، حتى تستطيع الخروج ، فبعد إطمئنانه لخروجها من القطار ، أخذت حقيبته وهو يتبعها ، فبعد خروجه للشارع ، أسرع برفع يديه ليشير لسيارة أجرة ، فوقفت السيارة بالمنتصف بينه وبين تلك الفتاة ، التى كانت على وشك الشجار معه
فخرج السائق من السيارة وقال بتساؤل وهو يوزع نظراته بينهما :
– أنتوا الاتنين شاورتوا للعربية بس مين اللى هيركب فيكم
نظر كرم والفتاة لبعضهما البعض ، فقبل أن تقول شيئاً ، كان هو حاسماً الأمر ، فرفع يده يشير لها بالدخول للسيارة :
– أتفضلى أنتى يا أنسة
تبسمت الفتاة بهدوء ، ووضعت حقائبها بالسيارة ، فقبل أن تأخذ مكانها بالمقعد الخلفى ، نظرت إليه شاكرة إياه لطفه ، فرد إبتسامتها بإبتسامة هادئة وبضع كلمات تعبر عن أنه لم يفعل سوى ما يقتضيه الذوق
فبعد رحيل السيارة بالفتاة ، وقفت سيارة أخرى بالقرب منه ، وسأله السائق :
– عايز تاكسى يا أستاذحرك كرم رأسه بالإيجاب وأستقل السيارة ، وأخبر السائق بالعنوان المفترض به أن يصل إليه ، والذى لم يكن سوى منزل أحد أقارب والده ، والذى هاتفه يخبره بضرورة تدبير شقة له ليستأجرها ، بعد أن تم نقل عمله لإحدى المدارس الثانوية الخاصة بالفتيان ، فهو لم يريد العمل بمدارس خاصة بالفتيات ثانية
صف السائق السيارة أمام منزل قديم ، ولكن مازال رونق الألوان والرسومات الفرعونية تنطق على جدرانه بعظمته ، فناول كرم السائق نقوده وأخذ حقيبته ، فرحل السائق وصعد كرم الدرج الصغير ، حتى وصل أمام الباب
مد يده ليدق الجرس ، فأسرع فتى صغير بفتح الباب وهو يقول بضحكة صاخبة :
– هااا فتحت الباب قبل ما ترن الجرس
إبتسم كرم على جملة الصغير ، فداعب رأسه وهو يقول بصوت هادئ :
– جدو فين يا عسل أنت
ركض الصغير لداخل المنزل وهو يصيح :
– جدى جدى فى واحد عايزك
نهض رجل أشيب من على أريكته الخشبية العتيقة ، فأخذ عصاه يستند عليها ، حتى وصل للباب ، فتهلل وجهه وفتح ذراعيه مرحباً بقدوم كرم :
– يا ألف أهلا وسهلا يا ولدى أتفضل
بادله كرم ترحيبه بترحيب أكثر حرارة ، فشد من إحتضانه وربت على ظهره عدة مرات قبل أن يطلق سراحه من بين ذراعيه ، فعاد مكملاً لحديثه:
– دا الأقصر كلها نورت يا ولد الغالى
– تسلم يا حاج سويلم دا نورك وأسف لو كنت أزعجتكم
نطق كرم بعبارته وهو يسير بجوار سويلم ، حتى وصلا لغرفة فسيحة يطلقون عليها ” المضيفة ”
فتبسم له سويلم وربت على كتفه وهو يقول بحنين :
– الله يرحمه أبوك كان غالى عليا أوى ونشيلك فوق الراس ، ثوانى وجايلك
خرج سويلم من الحجرة ، فجلس كرم بإستحياء وهو يستطلع الصور المعلقة على الجدار ، وأثاث الغرفة ، فلمح ذلك الصغير ، الذى أطل برأسه وعاد يختبئ ثانية
فأشار له كرم بالاقتراب قائلاً بلهجة ودية :
– تعال أنت عمال تستخبى منى ليه تعال إسمك إيه
تقدم منه الصغير بخجل ، فبإقترابه منه رفعه عن الأرض ووضعه على ساقه ، فرد الصغير قائلاً بصوت خافت :
– إسمى سويلم زى جدىقبله كرم على وجنته ، وأخرج من جيبه نقوداً وأعطاها له ، ولكن الصغير رفض أخذها ، بل أنه فر هارباً من الغرفة وهو يرى جده يعود ثانية ، فبعد أن أخذ كرم ضيافته كاملة ، أصر على الحاج سويلم بأن يدله على تلك الشقة التى سيستأجرها
فخرجا من المنزل وسارا قليلاً ، حتى وقفا أمام منزل مكون من طابق واحد فقال الحاج سويلم وهو يشير بعصاه :
– البيت أهو يا ولدى ومتقلقش من أى حاجة دى بيتى برضه
لم يكن يعلم كرم أن المنزل مملوكاً للحاج سويلم ، فأصر أن يدفع ثمن إقامته به فقال بإلحاح :
– حتى لو بيتك يا حاج سويلم أنا هدفع إيجاره زيى زى الغريب وأرجوك مترفضش وإلا هشوف أى مكان تانى
– وه إيه دماغك الناشفة دى عاد ، خش يا ولدى وأرتاح ونبجى نتكلم بعدين
قال الحاج سويلم بصرامة ،فتبسم كرم على قوله ، فهو تارة يتحدث بلغة أهل الصعيد وتارة أخرى يحدثه بلهجته ، فعلى الرغم من بساطة مظهره ، إلا أنه رجل ذو شأن ببلدته ، وليس هذا فقط ، فزواجه من تلك المرأة الألمانية ، التى أغرمت به ، أثناء زيارتها للأقصر ، كانت قصة تتغنى بها الألسن ، من وقوع إمرأة أجنبية بحب رجل صعيدى ، بل أنها أنجبت له ولده الوحيد وتوفت بعد ذلك ، ورفض هو الزواج من أنثى غيرها وفاءاً لهذا الحب
ولج كرم المنزل ، وجد كل شئ مرتب ونظيف ، ووجد مبرد الطعام ممتلئ بالخضروات والفاكهة واللحوم وكل ما يلزمه ، فدلف لغرفة النوم ووضع حقيبته ، فهو بحاجة لحمام دافئ ، يزيل به عناء السفر وشعوره بالتعرق
فأثناء فتح حقيبته وجد أول شئ يطالعه ، صورة هند ، ولا يعلم لما يصر على تعذيب نفسه وهى من كانت بين يديه ، بل أنها كانت راغبة به وأعلنتها صريحة ، ولكن هو من قطع كل الجسور بينهما ، فرفع الصورة وحدق بها لحظات ، حتى قرر وضعها تحت وسادته وأخذ ثيابه وولج للمرحاض ، وعقله لا ينفك عن التفكير عن ماسيكون حالها بعد فراقهما ؟ فهل هى صادقة بإعترافها بحبه ؟ أم ستنساه بأول فرصة ستتاح لها لنسيانه وتعود لحياتها السابقة ؟
_______________
داخل غرفة وكيل النيابة ، و بعد قضاء المحامى وقت لا بأس به يعرض ما لديه من إثباتات وأدلة توحى بأن قضية القتل كانت من تدبير أخرين للإيقاع براسل ، أعاد وكيل النيابة النظر بشاشة الهاتف ، لمشاهدة ذلك الفيديو الخاص بجلسة نادر ونصر وهما يفشيان جوانب إرتكاب جريمة قتل سعيد كاملة ، من أنهما عملا على إرسال رجل متنكراً بلباس طبى ويضع على وجهه قناع ، كالذى يستخدمه الأطباء والعاملين بالمشفى ، فهما كانا يراقبان كل غدوة وروحة لراسل ، فبعلمهما أنه تشاجر مع أحد من العاملين لديه ، أسرعا بإرسال قاتل مأجور لإنهاء المهمة سريعاً ، قبل أن ينتبه أحد على شئ
فبعد إطمئنان الرجل لوجود سعيد بالمشفى لأخذ متعلقاته ، بعدما أصر راسل على تركه العمل وألقاه خارج مشفاه وعاد لمكتبه ثانية ، جاءته الفرصة على طبق من ذهب عندما رآى سعيد يلج لمخزن الأدوية ، فأتم ذبحه بمبضع إستطاع سرقته من أدوات راسل بعدما عمل على فصل كاميرات المراقبة ، ولم ينسى إلقاء الصورة بجواره ، تلك الصورة التى أستطاعت ليالى بوقت سابق من سرقتها من جزدانه الجلدى أثناء وجودها مرة بغرفة مكتبه ، وهو كان يمر بين المرضى ، تاركاً سترته معلقة على طرف المقعد بغرفة المكتب– كده حضرتك أتأكدت أن الدكتور راسل النعمانى برئ من تهمة قتل سعيد الممرض
صدح صوت المحامى بعبارته التى تفوه بها بثقة ، أنه لن يكون هناك داعى للشك ببراءة راسل
فوضع وكيل النيابة الهاتف أمامه وهو ينظر للرجل الجالس بمقعد قريب من المكتب ، والذى يعمل على كتابة كل ما يمليه عليه ، فهتف به بهدوءه المعتاد :
– أكتب وقد أمرنا بالإفراج عن راسل رياض النعمانى ، بعد أن أتضح لنا أن جريمة القتل قد تم تدبيرها من قبل شخصان آخران يدعان نصر السلمانى وشقيقه نادر ، وقد أمرنا بضبط وإحضار المتهمان على وجه السرعة ، وقد أغلق المحضر فى ساعة وتاريخ ، أكتب وقت وتاريخ النهاردة
كل هذا يحدث من حوله ، وهو لم يفه بكلمة أو صدر منه فعل يدل على سعادته بأنه سيطلق سراحه ، بل ما زال كما هو كأنه جسد مصنوع من الشمع ، كأن لم يعد لديه أى شعور إنسانى يمكن أن يظهره بحالته تلك ، بل ترك المحامى يجذبه من ذراعه ليخرجان من الغرفة ، بعدما أصدر وكيل النيابة قرار إطلاق سراحه
تقدم منه أبيه ورفع ذراعيه يحتضنه قائلاً بسعادة لم يستطع إخفاءها :
– الحمد لله يا أبنى أن كل حاجة أنتهت على خير الحمد لله
اقشعر بدن راسل من مبادرة أبيه بإحتضانه ، فهما لم يحدث بينهما شيئاً كهذا من قبل ، فمن كان يقوم بهذا الدور هو شقيقه وجدى ، لذلك لم يكن يعلم ماهو شعور إحتضان الوالد لولده ، فعلى الرغم من أن زوج خالته كان له الوالد الذى تمناه دوماً وأنه أغدقه بحنانه وعطفه وشمله برعايته ، إلا أن تلك الذبذبات التى تسرى بعروقه يستشعرها لأول مرة ، حتى كاد أن ينسى غضبه من أبيه
ولكن عندما هم برفع ذراعيه ليطوق بهما والده ، عجزت عن الإستجابة له ، بل مر أمام عيناه كل ما لقاه من قسوته وجفاءه ، فأسرع بالابتعاد عنه ، وكأنه لم يكن مستكيناً بين ذراعيه بوداعة منذ قليل
فحدق بوجه والده بجفاء :
– أنا عايز أروح بيتى وأشوف بنتى وماما عن أذنكم
قبض على كف حياء وسحبها معه ورحل تاركاً أبيه بصحبة عاصم والمحامى ، سار بخطوات واسعة حتى وصل للخارج ، فهو كان يظن أن زوجته جاءت بسيارتها ، ولكنه لم يجدها بصف السيارات المصفوفة أمام مبنى النيابة
فألتفت لها متسائلاً:
– فين عربيتك يا حياء ؟
أزدردت حياء لعابها خشية إخباره بحقيقة إقامتها هى ووفاء والصغيرة بقصر النعمانى أثناء غيابه عنهن
أنفرجت شفتيها وهمت بإخباره فعادت وضمتهما ثانية ، إلا أن فعلتها جعلته يمعن النظر بها ، فهو بات يعلمها عن ظهر قلب ، ويعلم أن لابد من أنها تخشى إخباره بشئ ربما سيثير غضبهفهتف بها بهدوء :
– مردتيش عليا ليه ، ولا تكونيش مخبية عليا حاجة لو فى حاجة قولى وأوعدك أن مش هتعصب أنا مفييش حيل أتكلم أصلاً
وضع يده على جبهته كمن أنتابه دوار مفاجئ ، فعلى الأغلب أن إمتناعه عن تناول الطعام ، بدأ يوهن قوته ، بل أنه بدأ يشعر بإرتخاء أطرافه ، فترنح بوقفته كمن سيسقط أرضاً
فأسرعت حياء بإسناده وجعلته يتكأ عليها فقالت بخوف وقلق :
– حبيبى مالك فى إيه أنت كويس
أغمض راسل عينيه وظل يستنشق الهواء ويزفره ببطئ ، لعله يستعيد توازنه ثانية فرد قائلاً بصوت خافت :
– أنا عايز أروح يا حياء
أسرعت حياء بالإشارة لسيارة أجرة ، فهى جاءت برفقة والد زوجها بسيارته الفارهة ، لذلك هى لم تقود سيارتها وتركتها بالقصر منذ ذهابها لهناك
فبعد أن وقفت سيارة الأجرة ، وصعد راسل بالمقعد الخلفى تجاوره حياء ، أنطلقت السيارة بطريقها لمنزله ، فأسترخى بالمقعد ، وأستند برأسه على طرفه وأغمض عينيه ثانية ، فهو لا يطيق صبراً للوصول للمنزل ، فهو لا يريد أن يرى أحد لحظة أنهياره الحتمية نتيجة ما حدث بالأيام الماضية
فبالمنزل كانت وفاء تعمل على إعداد مالذ وطاب من الطعام المحبب لراسل ، فهى عادت بالصغيرة لمنزلها ، من أجل أن يعود راسل ويجدهما
– باااااابى
صرخت سجود بسعادة وهى ترى أبيها يلج من الباب ، فتعلقت بساقيه ، فجثى هو على ركبتيه أمامها وأخذها بين ذراعيه وأطبق عليها ساعديه بحب وإشتياق لمرآها
فهمهم بأذنها بحب :
– حبيبة قلب بابا يا سجود
بدأت الصغيرة بحل ذراعيها من حول عنق أبيها وهى تقول بعفوية :
– بابى لازم تستحمى في ريحة وحشة
تبسم رغماً عنه على قول صغيرته ، فهى محقة بأن لا تتحمل رائحته ، وهى من أعتادت أن تشتم منه أغلى العطور وأثمنها
تبعتها وفاء بلهفة تجفف يديها بمنشفة صغيرة ، فسرعان ما نهض راسل من مكانه مقترباً منها ، فأخذته سريعاً بين ذراعيها وهى تربت عليه بحنان ، فأنزلقت دمعة من عينيها سعادة بعودته
فقالت وصوتها يشوبه رنة بكاء خفيفة :
– الحمد لله أنك رجعتلنا بخير يا حبيبى الحمد لله ، يلا روح خدلك شاور دا انا النهاردة عملالك كل الأكل اللى بتحبهأماء راسل برأسه ، فشق عليه الحديث أو الرد ، كأنه إذا تفوه بكلمة سيغشى عليه لا محالة ، فالله وحده الأعلم كيف هو مازال يقف على قدميه حتى الآن
أخذته حياء من يده وصعدت الدرج ، حتى وصلا غرفتهما ، فبدون أن تنطق بكلمة ، جعلته يجلس على طرف الفراش ، ريثما هى تقوم بملأ المغطس ، فتحت الصنبور بالمغطس الواسع وخرجت لتأتى له بثياب نظيفة ، وضعت ثيابه بالمرحاض وخرجت لتخبره بأن كل شئ جاهز ، فوجدته متسطحها على الفراش ومازالت قدميه موضوعة أرضاً
ولكن عيناه مازلتا مفتوحتان ويحملق بسقف الغرفة ، ربتت على كتفيه لتجعله ينتبه عليها وهى تقول بهدوء وإبتسامة :
– الحمام جاهز يا حبيبى
بصعوبة حاول الإعتدال بجلسته ، فمدت له يد العون سريعاً ، فحالته تنبأ بأنه حاجة ملحة لمساعدتها ، فوهبته كافة ما يمكن أن يريده زوج من زوجته بتلك اللحظة من مساهمتها بتدليله كأنه طفلها ، فجلوسها على حافة المغطس وعملها على تدليلك فروة رأسه حتى شعر بالنعاس ، أمور جعلتها تشعر بأنها هى الوحيدة التى سمح لها أن تراه بحالات ضعفه كالأن ، أن ترى راسل الذى ما أن جاء لهذا العالم ، والحياة لا تكف عن إلقاء همومها على كتفيه ، والذى يأبى أن يترك العنان لعيناه بأن تذرف ما أختزنته طويلاً ، فإن فكر بالبكاء لايريد أن يراه أحد
ترك لها زمام أموره كافة ، لا يفعل شئ سوى إطاعه ما تقوله حتى خرج من المرحاض ، فلم تستغرق وقتاً وهى تمشط له شعره ، وأخذت قنينة عطره المفضل ونثرت منها على ثيابه ، فها هو عاد ثانية الأب والزوج الذى أعتادت هى والصغيرة رؤيته
ولكن عيناه غائرتان ، وجفونه مائلة للون الأحمر ، ففكرت أن تطعمه ويخلد للنوم ، فقالت له وهى بطريقها للخروج من الغرفة :
– أنت لازم تاكل يا راسل هنزل أجبلك أكل وأجى
خرجت حياء من الغرفة بدون أن تسمع رده ، فأضجع بفراشه ، وشفتاه تطلق أنات خافتة ، بعدما أحس بنعومة أغطية فراشه الوثير ، رفع يده ودب بها بخفة على صدره الصلب وعيناه متحجرتان يفكر بما فعلاه نادر وشقيقته ، فلو لم يفعل عمران ما فعله وجاء بدليل براءته ، لكان مازال هو بالسجن ، بل كان سيزداد الأمر سوءاً من ذهابه للمحكمة وإصدار القاضى حكماً يتناسب مع إرتكاب جريمة القتل ، وربما كان سيصل لحبل المشنقة
صعدت يده من صدره حتى عنقه يتحسسه بروية وهو يسأل نفسه ، عن لما يحدث معه هو كل هذا ؟ فهل جمع تعاسة الحظ كلها بمفرده أم ماذا ؟
جاءت حياء حاملة الطعام والصغيرة تتبعها ، وهى تقفز وتصفق بسعادة لعودة أبيها ، وضعت الصينية المحمولة بأشهى المأكولات أمامه ، فتلك الروائح التى تسللت لأنفه ، جعلته يشعر بمدى جوعه ، فألتهم كل ما جلبته حياء ، حتى جعلها تنظر له بذهول وهو يأكل على غير عادته ، كأنه لم يأكل منذ أيام ، فيومياً والده كان يحرص على إرسال الطعام إليه فلما هو شرهاً بتناول طعامه هكذا ؟
– راسل هو أنت مكنتش بتاكل من الاكل اللى كان بيجيلك
قالت حياء وهى تمسد على رأس الصغيرة ، التى مالت برأسها على ساقيها ، بل وغفت أيضاً بعد أن ثرثرت مع أبيها لبضع دقائقهز راسل رأسه نافياً وهو يضع الملعقة بفمه ، فأكتفت بإيماءته وحملت الصغيرة وذهبت بها لغرفتها ، فالوقت مازال مبكراً على نومها ، ولكن سجود تغفو وتفيق بأى وقت ، على الرغم من حفاظها على أن تخلد للنوم بوقت محدد من الليل
– راسل خلصت أكل يا حبيبى
عادت وجدته أنتهى من تناول طعامه ، وأزاح الصينية جانباً ، وعاد وأستلقى على الفراش وتمدد بجسده كاملاً ، بل أنها سمعت صوت إنتظام أنفاسه ، فحملت الصينية ووضعتها على طاولة قريبة من الفراش
جلست بجانبه ومدت يدها بتردد ومسدت على رأسه ، فهى تخشى أن تزعجه أو أن يستيقظ من نومه ، ولكن تعجبت من قلة حديثه كأنه نسى الكلام فجأة ، فهو منذ أن وطأ المنزل وهو لم يفه سوى بجملة واحدة من أجل صغيرته
سحب يدها التى تمسد بها على خصيلاته الرطبة ووضعها على صدره مغمغماً:
– وحشتينى أوى يا حياء
جملة بسيطة ولكن تعنى له ولها الكثير ، إستندت بمرفقها على الوسائد ، ومالت برأسها على كف يدها قائلة بطيف إبتسامة :
– وأنت كمان يا حبيبى وحشتنى كل حاجة كانت ملهاش طعم ولا فيها حياة وأنت مش جمبى يا حبيبى
زحف برأسه على الوسادة حتى صار قريباً منها ، بل إستطاع سماع خفقات قلبها ، فدفن وجهه حيث كانت ترتجف هياماً ، فبسطت ذراعها الذى كانت مستندة به على الوسائد أسفل رأسه ، وتمددت بجانبه واضعة ذراعها الأخرى حوله ، فأخذ يخبرها بماحدث له وهو غائباً عنهن ، وكيف كان شعوره وهو يستعيد ذكرياته الأليمة بإيطاليا ، فظل يتحدث وقتاً طويلاً وهى تستمع لكل كلمة يقولها بإنتباه ، مكتفية بأن تربت عليه بحنان ، فلم تستطع منع تلك الدموع التى راحت تنهمر من عينيها وهو يصور لها مدى بشاعة تلك الأحاسيس التى زارته بين جدران السجن
– أنا مش عارف ليه أنا اللى بيحصلى كده يا حياء
تمتم بعبارته وظلت أنفاسه تضرب تجويف عنقها حيت دفن وجهه ، تكاد تشعر بتمزق قلبها من تلك الهمهمات والأنين الخافت المنطلق من بين شفتيه وهو يقص عليها ما بقلبه ، تحدث عن كل شئ وأى شئ ، كأن تلك الساعات التى قضاها صامتاً ، حاول تعويضها بأنه أطلق العنان للسانه بأن يبوح بكل تلك الغصات التى تكتلت بقلبه وأثقلت كاهله ، فقبلت جبينه قبلة عميقة ودافئة ، كمن تقدم إعتذاراً نيابة عن كل ما لقاه ، فإن كانت تريد إخباره بشأن ما حدث معها ، فالوقت ليس بصالحها ولا بصالحه على الإطلاق ، فيكفى تلك الهموم الغارق بها
_______________
بذلك المكان المهجور والخالى من أى معالم من معالم الحياة ، حيث وقف عمرو وخلفه عدة رجال مدججين بالأسلحة النارية ، وماهم إلا رجال أبيه المخلصين والعاملين تحت إمرته بتلك الأعمال غير المشروعة ، والذين علموا أن إبن سيدهم سيصبح السيد الجديد بتلك الأعمال ، فمنهم من أبدى إعتراضه على أن يقودهم بتلك المهمة نظراً لعدم خبرته بتلك الأمور الأكثر خطورة من القيام بأى عمل أخر– يكون فى معلومكم أن اللى هيحاول يغدر بيا هيكون مصيره القتل وأكيد عارفين أن أدريانو إسكندر مش من النوع اللى بيحب حد يخرج برا دايرة شغله
هتف عمرو بهم بصوت أكثر خشونة ، فكانت كلمته هى الفيصل ، إذ وضعهم أمام خياران لا ثالث لهما ، فإما أن يظلوا على ولاءهم له كأبيه ، أو ترك العمل نهائياً مع حرصه أن لا يجعل أحد منهم يحيا بعد تركه للعمل ، فهو لن يستطيع أن يجازف بأن يترك أحد منهم عمله ويفشى بحقيقته للشرطة
دقائق ووصلت سيارة أخرى سوداء ، خلفت سحابة رملية خلفها ، ترجل منها أربعة رجال ، واحد منهما هو المنوط به تبادل تلك الحقيبة التى تحوى على مخدر الهيروين بحقيبة النقود التى يحملها عمرو
أقترب الرجل الأسيوى من سيارة عمرو ، ووضع الحقيبة على مقدمة السيارة وفتحها ليستعرض ما بداخلها ، فأخذ عمرو أحد أكياس المسحوق الأبيض ، وأخرج بعضاً منه وذاقه بطرف لسانه ، فبعد تأكده من جودة المخدر ، وضع حقيبة النقود وفتحها هو الآخر ، فنظر الرجل الأسيوى بإستحسان للعملات الأجنبية بفئة مئات الدولارات
أخذ كل منهما حقيبته وأنفض الجمع سريعاً ، الذى أقتصر على تبادل كلمات قليلة بين عمرو والرجل الأسيوى ، نظر عمرو للحقيبة التى بحوزته بشعور مبهم ، فأستغرق بتفكيره ولم يشعر سوى بوقوف السيارة داخل منزل أدريانو
– لاء برافو مكنتش أعرف أنك شاطر أوى كده ياعمرو
صاح به أدريانو وهو يصفق بيده بإعجاب ، فهو يرى أن عمرو إجتاز الاختبار الأول له بنجاح ، رغم أخذه كافة الاحتياطات اللازمة أذا كان حدث شيئاً وأخفق بمهمته
رفع عمرو يده بالحقيبة يناولها له وهو يقول ببرود:
– شنطة المخدرات أهى وأظن ليا فيها نصيب
ألتوى ثغر أدريانو بإبتسامة وهو يقول بصوت هازئ :
– أكيد طبعاً ليك نصيب يا عمرو بس يا حبيبى الهيروين اللى هتاخده مش علشان تشمه لاء دا علشان توزعه على التجار اللى كانوا بيتعاملوا مع أبوك
مسح عمرو أنفه بإصبعه وسال لعابه عندما رآى تلك الكمية الكبيرة من مخدر الهيروين ، أثناء فتح أدريانو للحقيبة ، فعندما حاول مد يده لأخذ حصته التى خصصها له أدريانو ، لمح رجل يهرول إليهما سريعاً
فأقترب من أدريانو وهمس فى أذنه ببضع كلمات ، جعلته يغلق الحقيبة ونظر لعمرو قائلاً بعجالة :
– عمرو إستنانى هنا شوية وجايلك متتحركش من مكانك
لم ينتظر أدريانو رداً من عمرو ، بل أسرع فى الذهاب حيث أخبره أحد رجاله أن نصر ونادر بإنتظار بأمر هام للغاية ، فولج حيث غرفة الصالون الكبير ، ووزع نظراته بينهما قائلاً بحدة :
– أنتوا إيه اللى جابكم هنا دلوقتى وإيه اللى سمعته ده فعلاً البوليس بيدور عليكم
وقف نصر أمامه قائلاً بصوت مرتجف :– أيوة يا أدريانو عرفنا أن فى فيديوهات أتقدمت للنيابة وبرأت راسل النعمانى فالبوليس بيدور علينا علشان عرفوا إن إحنا اللى دبرنا ليه كل حاجة وأنا جايلك علشان تحمينا
قبض أدريانو على تلابيب ثيابه وهزه بعنف صارخاً بوجهه:
– وأنت جايلى ليه دلوقتى يا نصر ما هو ده بسبب غباءكم ومين اللى قدر يصوركم فيديوهات زى دى
رد نادر قائلاً وهو يحك جبهته بتفكير :
– ممكن تكون البت ليالى اللى كانت شغالة عند نصر
ترك أدريانو ثياب نصر وخطى بخطواته تجاه نادر ، فضيق ما بين عينيه قائلاً بتساؤل :
– وهى فين ليالى دى دلوقتى
أجابه نادر وهو يمط شفتيه بجهل :
– معرفش من آخر مرة شفتها فيها وطردتها معرفش راحت فين بس مش ده المهم دلوقتى إحنا عايزينك تحمينا
أكد نصر على حديث شقيقه وهو يقول برجاء :
– أيوة يا أدريانو لازم تحمينا لأن لو وقعنا كل حاجة هتنكشف ومش هروح فى داهية لوحدى فأنت لازم تتصرف إن شاء الله حتى تسفرنا برا
لم تكن تلك الجلسة خاصة بثلاثتهم فقط ، بل كان هناك من يسترق السمع على حديثهم ، فعمرو عندما أمره أدريانو بأن ينتظر مكانه ، لم ينفذ ما طلبه منه ، بل إستطاع أن يتعلل برغبته بدخول المرحاض ، وتسلل بدون أن يراه أحد وإستمع لكل ما دار بغرفة الصالون الكبير
فبعلمه أن الحديث أنتهى بينهم ، هرول بخطواته وخرج ينتظر أدريانو بالحديقة ، فبعد أن أخذ حصته وناولها لأحد رجال أبيه ، أمره بأن يعود للمنزل ، على أن يذهب هو لرؤية والده بالمشفى
فعند وصوله للمشفى وأثناء دخوله ، لمح سهى وهى تسير برفقة إمرأة تحمل طفلاً صغيراً ، فبرؤيته لها تذكر ما فعلته بها وتلك النعوت التى أطلقتها عليه ، فهو لم يستطع نسيان وجه تلك الفتاة سليطة اللسان
أنتظر حتى صارت بمفردها بعد دلوف زوجة أبيها وشقيقها للغرفة المختصة لعمل التحاليل الطبية ، فأقترب منها وأصطدم بها كأنه غير متعمد ، فأطاح بالأدوية التى تحملها بيدها ، نظرت سهى بصدمة للعبوات الزجاجية التى تحطمت وأنسكب منها محتواها
فتبسم عمرو بشر قائلاً بتهكم :
– أووه سورى يا أنسة أن كسرتلك أزايز الدوا
رفعت سهى عينيها عن الأرض ونظرت بوجهه وهى على وشك قتل من فعل ذلك ، ولكن برؤيتها له وتذكرها لمن يكون ، زاد إنفعالها أضعافاً وهى تصيح بوجهه :– كاتك كسر رقبتك يا شيخ أنت عارف الدوا ده بكام وأخويا محتاج له دلوقتى ، مش تفتح وأنت ماشى زى الأعمى
ألتوى ثغره وهو يخرج من جيبة حفنة من النقود :
– خدى حق الدوا أهو وأشترى غيره أحسن تعيطى ولا حاجة يا حرام صعبتى عليا
أخذ سهى النقود من يده وحدقت بها ، فسرعان ما نظرت إليه وهى تلقى بها فى وجهه وهى تقول بسخرية :
– خلى الفلوس علشانك ولا أقولك روح أحلق بيهم شعرك اللى مطوله وعامل زى البنات يمكن ساعتها تبقى راجل
تركته وذهبت بعد أن قالت ما لديها ، فظل هو واقفاً مكانه كمن تجمد الدم بعروقه فجأة ، فبجهد إستطاع إدارة رأسه تجاهها ورآها تخرج من المشفى برفقة زوجة أبيها بعد إنتهاءها من عمل الفحوصات اللازمة للصغير ، فقبل أن تعبر من الباب ، ألتفتت إليه ونظرت إليه نظرة إزدراء
تشنج جسده على الفور ، بعد تأكده من ذهابها ، ولكنها قبل أن ترحل تركت له جملة ” يمكن ساعتها تبقى راجل” التى ظل يتردد صداها بعقله ، وتعمل على زيادة تدفق الدماء برأسه ، كأن بين فينة وأخرى ، سينفجر كبالون تم تعبئته حتى وصل للحد الذى لم يعد به متسع للمزيد
_____________
بعد مرور يومان
داخل غرفة النوم الخاصة بميس وعمران ، كانت تلك الفاتنة الشقراء تعمل على الانتهاء من زينتها ، التى تمثلت بإرتداءها ثوب باللون العاجى ، وعقد من الألماس وقرطين مماثلين للعقد ، فهى حصلت على العقد والقرطين بعد تلك الليلة ، التى أصبحت فيها زوجة لعمران قلباً وقالباً
عندما همت بلملمة شعرها الأشقر على أحد كتفيها ، لتكسب نفسها مظهراً خاصاً ، بقصة شعرها التى حصلت عليها اليوم بأحد مراكز التجميل ، وجدت عمران ينحنى إليها قليلاً ويعيده للخلف مثلما كان
فتأمل خضراوتيها قائلاً بهمس :
– شعرك كده أحلى يا ماسة
خجلت ميس من همسه الذى لم يخلو من تمرير أصابعه على وجنتها مروراً بعنقها المرمرى ، فكأن بلمسته إستطاع خطف أنفاسها وصوتها ، فخرجت كلماتها من بين شفتيها بخفوت كأنها تحدث نفسها :
– ششكرا يا عمران مش يلا بينا زمان كلهم مستنين تحت ومش عايزين نتأخر عليهم وخصوصاً أن النهاردة الحفلة بتاعة خالو وعمتك
حرك رأسه ببطئ ، ولكن لم يكن بنيته أن يجيب مطلبها سريعاً ، فلا يعلم أى شيطان سكنه الآن ، جعله يريد أن يفسد زينتها بعناق دار بمخيلته وكاد يفقده صوابه ، فباليومين الماضيين ، لم يبرح غرفته إلا من أجل أن يبتاع لها هدية ومن أجل الحفلة الآن ، التى أصر عاصم على إقامتها لأخذ غزل لقصر النعمانى
فكأنها علمت بنواياه ، فشدت على ذراعيه وهى تقول بحزم :– عمران يلا بينا ننزل
غمغم عمران من بين أسنانه بغيظ :
– حاضر هننزل يا ميس يلا بينا
أخذها وخرج من الغرفة ، فتقابل مع شقيقه معتصم وولاء اللذان يبدو عليهما أنهما خارجان للتو من غرفتهما ، فمدت ميس يدها وسحبت ولاء ، تحاول الفرار من زوجها ، الذى كاد يجعلها تشعر بالخدر من كثرة تلمسه لظاهر يدها بإبهامه ببطئ ونعومة
– تعالى يا ولاء نشوف غزل خلصت ولا لاء
قالت ميس وهى تجر ولاء خلفها ، حتى وصلتا للطابق الأرضى ، ومنه لغرفة غزل
دلفتا فوجدتا غزل إنتهت هى الأخرى ، فثوبها الطويل باللون الأبيض ، والذى أرسله لها عاصم صبيحة اليوم ، جعلها فائقة الجمال ، كأنها صورة جميلة لإمرأة فاتنة من وحى الخيال ، ودبت بها الحياة فجأة
فأثنت كل من ميس وولاء على جمالها بصوت واحد :
– إيه الجمال ده كله
تبسمت غزل على قولهما وردت وهى تشعر بتوهج وجهها :
– دا أنتوا اللى قمرات
ظلن يثرثرن بعض الوقت ، حتى صدح صوت عمران ينبأهن بمجئ رياض وعاصم وشقيقته سوزانا ، فخرجن من الغرفة ووصلوا للحديقة المقام بها الحفل ، فتم دعوة الأصدقاء والمقربين فقط
بأخذه يدها بين كفيه ، أنتفض قلبه بصدره ، فهو حتى الآن لا يصدق أن بعض مرور القليل من الوقت ، ستصبح ببيته وزوجته حقاً ، فتلك الليلة كان ينتظرها منذ أكثر من أثنى وعشرون عاماً ، وعلى الرغم من ذلك ، كانت سعادته تفوق سعادة شاب بمقتبل عمره حصل على شريكة حياته
فأدنى رأسه منها قائلاً بحب وإشتياق :
– أنا مش مصدق يا غزل أن إحنا خلاص هنبقى مع بعض
أجابته غزل همساً:
– ولا أنا كمان يا عاصم ، حاسة كإن بحلم
من خلف كتف عاصم رأت غزل الضيفان اللذان جاءا للتو ولم يكونا سوى راسل وحياء ، فتركت عاصم وأقتربت منهما مرحبة بقدومهما :
– أهلا وسهلا نورتوا مبسوطة أنكم جيتواأقتربت منها حياء وقبلتها على وجنتيها وقدمت لها الهدية التى أبتاعتها من أجلها :
– ألف مبروك ودى هدية بسيطة علشانك
أخذت غزل الهدية منها بإبتسامة ، فقدم راسل تهنئته بكلمات بسيطة ، فهو لم يأتى إلا بعد إلحاح زوجته ، ولم ينكر أنه أتى من أجل رؤية ميس وولاء والإطمئنان على أحوالهما ، فالفتاتان بمجرد رؤيته هرولتا إليه وكل منهما تسبق الأخرى بسؤالها عن أحواله وكيف كان وكيف أصبح ، والعديد من الأسئلة ، التى جعلته بالأخير يرفع يده وهو يقول بصوت عالى نسبياً :
– بس إهدى أنتى وهى سيبونى أتكلم سألتوا ١٠٠ سؤال مرة واحدة
تبسمت ولاء على قوله وهى تقول بوداعة :
– متزعلش مننا يا أبيه أحنا بس كنا عايزين نطمن عليك
تأبطت ميس ذراعه وهى تقول بخوف حقيقى :
– أنا كنت خايفة عليك أوى يا راسل وأقعدت أعيط
ربت راسل على وجنتها ورد قائلاً بحب :
– الحمد لله يا حبيبتى عدت على خير المهم طمنونى عاملين ايه
تابعت حياء حديث زوجها مع ولاء وميس من بعيد ، فهى مازالت واقفة برفقة غزل ، فصدح هاتفها بنغمة وصول الرسائل ، فنفخت بضيق وهى تقرأ الرسالة التى وصلتها ، فهى سأمت من حظر الأرقام التى ترسل لها تلك الرسائل النصية السخيفة حسب وصفها له ، فلولا تلك الظروف العصيبة التى يمر بها زوجها ، لكانت أخبرته بالأمر
جاء نص الرسالة كالتالى :
– ميعادنا قرب أوووى يا حياء
أعادت الهاتف لحقيبتها الصغيرة ، فتبسمت بتوتر لغزل ، ولكنها تذكرت تحديق غزل بتلك الشامة بيدها ،
أرادت سؤالها عن ذلك فقالت بإصرار :
– مدام غزل هسألك سؤال وياريت تجاوبينى بصراحة أرجوكى أنا سبق وسألتك ليه بتبصى على الشامة اللى فى إيدى وأنتى قولتى أنك بتبصى عليها عادى بس أنا حاسة أنك تعرفى حد عنده نفس الشامة دى صح ؟ فلو كده قوليلى الحقيقة جايز أعرف مين أهلى ، على ما أظن أنك عرفتى حكايتى
تلمست غزل حاجبها بطرف إصبعها وهى مطرقة برأسها أرضاً تقول بصدق :
– صدقينى يا حياء هى أه الشامة زى شامة كانت موجودة على ايد واحد كان شغال مع مراد أخويا ووجدى أخو راسل كنت أعرفه زمان بس معرفش إذا كان ليكى علاقة بيه أو لاء أو أن الشامة مجرد تشابه بس مش أكتر ، لأن اللى عرفته أنه عمل حادثة هو ومراته وولاده وماتوانظرت لها حياء قائلة بأمل:
– يبقى مين الراجل ده
همت غزل بإجابتها وهى تعتصر ذاكرتها للحصول على إسمه :
– على ما أظن كان إسمه …
قبل أن تنطق غزل بالأسم أقتربت منها إحدى المدعوات وهى تهنئها وتبعها عاصم الذى أخذها ليبدأا الرقص سوياً
فغرت حياء فاها بتعجب ، فهى كانت على وشك الحصول على طرف خيط ربما يمكنها من معرفة من تكون هى بالحقيقة ، ولكن الظروف حالت بينها وبين إتمام الأمر ، فهى لم تستطع البقاء بالحفل كثيراً ، إذ راسل حثها على الرحيل والعودة للمنزل ، ولكنها أخذت قرارها بأن تجتمع بغزل ثانية من أجل معرفة هوية ذلك الرجل ، الذى كانت على وشك إخبارها بإسمه
بعد إنتهاء ساعات الحفل ، أقترب معتصم وعمران من غزل لوداعها ، فطوقها معتصم ولم يمنع دموعه من أن تنزلق من عيناه وهو يدمدم بحب :
– خلى بالك من نفسك يا غزل مش عارف إزاى هصحى الصبح ومش هلاقيكى فى البيت
ضمته غزل بقوة وهى تربت على ظهره :
– حبيب قلبى يا معتصم أهم حاجة أن طمنت عليكم وكل واحد دلوقتى معاه مراته وإن شاء الله عن قريب تخلفولى أحفاد
أخذ عمران دوره لتوديعها ، ولكنه كان محافظاً على رابطة جأشه أكثر من شقيقه ، على الرغم من حزنه بترك غزل للمنزل ، إلا أن ذلك لم يمنعه من إحتواءها بين ذراعيه القويتين وهو يقول بحنان :
– أنتى عارفة أنا بحبك قد إيه يا غزل وبخاف عليكى وكل اللى أنا عايزة أنك تعيشى مبسوطة فأنا بتمنالك السعادة اللى تنسيكى الحزن اللى عشتيه سنين طويلة
أنزلقت دمعة من عيناها وهى تجيبه مغمغمة بصوت خافت :
– أنا مكنتش بعتبركم ولاد أخويا بس يا عمران أنت ومعتصم كل حاجة فى حياتى أنتوا كنتوا ولادى قبل ما تكونوا ولاد أخويا
طال الوداع بينهم ، حتى قرر عاصم سحبها من يدها ووصل لسيارته ، التى تنتظرهما بالخارج وقرر هو قيادتها ، سمع صوت بكاءها المكتوم ، فناولها محرمة ورقية وهو يقول بقلق :
– مالك يا غزل بتعيطى ليه
ردت غزل وهى تمسح وجنتيها وعيناها :
– مش متخيلة أن سيبت عمران ومعتصم أو سيبت القصر
جذبها إليه وأدناها منه وهو يقبل رأسها:– إشمعنا أنا سيبتينى السنين دى كلها يا أم قلب قاسى
تبسمت رغماً عنها وهى تستريح برأسها على كتفه :
– بلاش نتكلم فى الماضى تانى يا عاصم وخصوصاً الليلة دى
صمت عاصم إستماعاً لنصيحتها ، فالليلة أنتظرها بشوق كبير ، ولاداعى لهما بتذكر ما حدث سالفاً ، فهو أخيراً ظفر بمعشوقته الفاتنة ، التى خلبت لبه الليلة بجمالها الساحر ، فذلك الدفء الذى شعرت هى به وهو يحتويها ويضمها إليه ، جعلها أكثر هدوءاً بل أغمضت عينيها كمن تتهيأ للنعاس وسط غمامة وردية من أحلام نسجتها بالماضى ، وحان الوقت لتحقيقها لتصبح واقعاً أشبه بالخيال ، من إجتماع عاشق وعاشقة بلغ منهما الشوق والإشتياق مبلغه
_____________
أصبح الوضع أكثر تأزماً ، عندما تم إخطاره بضرورة المثول أمام أعضاء النقابة الخاصة بالأطباء ، فعلى ما يبدو أنهم أصبحوا على علم ودراية بتلك الأحداث المؤسفة التى حدثت له بالأونة الأخيرة ، من فيديو فاضح بتهمة الاعتداء ، لإشاعة تداول عقاقير طبية غير صالحة بمشفاه ، وصولاً بإتهامه بقتل أحد العاملين لديه
وكأن كل شئ تحالف ضده فجأة ، فالمنزل صار رهن تصرف المصرف ، الذى أقترض منه سابقا مبلغاً مالياً من أجل شراء أدوات طبية للمشفى ، مثلما يفعل من وقت لأخر ، جاعلاً المنزل وعقار أخر ضماناً لذلك القرض ، فلم يمهله مدير البنك فرصة لتسوية أحواله المالية ، إذا طالبه بتسديد القرض ، أو أنه سيلجأ لبيع تلك الضمانات بالمزاد العلنى
ولم يمهله ممثلى النقابة الفرصة بالدفاع عن نفسه ، إذ أصدروا قرارهم بوقفه عن مزاولة مهنته لحين التأكد من صحة تلك الأقاويل التى ثارت حوله أو تكذيبها
فخرج راسل عن طوره بعد سماع ذلك القرار المجحف بحقه ، فصرخ بصوت جهورى :
– يعنى إيه توقفونى عن مزوالة مهنتى كجراح أنا مقبلش القرار ده
رد كبير ممثلى نقابة الأطباء بصوت عالى :
– متعليش صوتك يا دكتور راسل كفاية البلاوى اللى سمعناها عنك إحنا منقبلش أن واحد زيك يمثل مهنة نبيلة زى دى وبالنسبة للمستشفى بتاعتك هتخضع لإشراف وزارة الصحة لأن طلع فعلاً الأدوية اللى فيها بتضر صحة المرضى وخصوصاً الاطفال دا غير كمان التهمة اللى كانت متوجهالك بالقتل وطلعت منها والله أعلم طلعت منها علشان أنت برئ ولا علشان والدك يبقى رياض النعمانى وهو راجل واصل وقدر يخرجك منها
قال الرجل جملته الأخيره بسخرية واضحة ، فكور راسل قبضة يده وكان على وشك لكمه بوجهه ، ولكنه تراجع بالأخير ، فترك الغرفة وخرج وجد زوجته التى أصر على حضورها معه ، على الرغم من أنها رفضت بالبداية ولا يعلم ما أصابها فجأة وصارت تتصرف بغرابة وجمود كأنها ليست زوجته التى يعلمها
هجره العالم وأنقلب نعيمه إلى جحيم ، أسرع الخطى وهويقبض على كفها فهى ما تبقى له ،فلتكن بلسم لألامه وجراحه الثاخنة ،وصل إلى المنزل الذى من المفترض أن يتركه بالغد لبيعه بالمزاد العلنى ،فهو خسر كل مايملك ،وصل إلى غرفتهما وجدها متصنمة بوقفتها فأحاط وجهها بيديه يحدق بعينيها قائلاً:– حبيبتى مش عايزك تزعلى على اللى حصل المهم أنك أنتى لسه معايا وجمبى أى حاجة تانية تهون
بكى قلبها دماً على حاله الذى وصل إليه فأبت أن تصل الدموع لمقلتيها فتصنعت عدم الاكتراث لتبتعد عنه ترتد بخطواتها للخلف تناظره ببرود وهى تقول:
–ومين قالك أن أنا عايزة أفضل معاك أنا عيزاك تطلقنى
رمش بعينيه عدة مرات كأنه لا يعى ما تفوهت به فرد قائلاً بذهول:
–أنتى بتقولى إيه عيزانى أطلقك عايزة تسيبنى فى الوقت ده
أولته ظهرها تخفى عنه وجهها وعينيها التى تهدد بسقوط دموعها فأقتربت من الحقيبة الموضوعة بأحد أركان الغرفة جرتها خلفها حتى وصلت لباب الغرفة فهتفت قائلة بدون أن تنظر إليه:
–أنت مفكرنى أن هعيش معاك وانت خلاص اتوقفت عن العمل وكمان خسرت كل فلوسك أنا طبعا طول عمرى متربية على العز ومش مستعدة أعيش معاك فى فقر أنا همشى وياريت ورقتى توصلنى فى أقرب وقت
خرجت من الغرفة وهى تتمنى لو تقبض روحها قبل أن تصل للباب الخارجى للمنزل حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة بين ذراعيه وببيته، فقبل أن تضع قدميها على الدرج كان قابضاً على ذراعها الأيسر بحزم ، فجعلها تنظر إليه ، فأبت أن تترك عيناها أسيرة لعينيه المذهولتان من قولها وهو يتمتم :
– حياء أنت واعية للى بتقوليه وبتعمليه دا أنا جوزك وحبيبك جاية دلوقتى تقولى كده ، حياء فيكى إيه وإيه اللى غيرك كده فجأة ، بوصيلى يا حياء دا أنا راسل اللى كنت دايما تقولى أنك محبتيش حد زى ما حبتينى
فنفضت يده بقسوة وهى تقول بجفاء :
– مسمعتش عن حاجة إسمها تمثيل ، أظن أنت جربت الموضوع ده مع مراتك الاولانية ، فكان سهل أوى أن أمثل عليك الحب علشان أضمن أن هعيش فى مستوى زى اللى متعودة عليك على طول بس دلوقتى أنت خلاص مبقتش تملك أى حاجة وأنا الصراحة مليش طولة بال على الكفاح وأن أستناك تبدأ من جديد ، بس ده ميمنعش أن أودعك قبل ما أمشى علشان تبقى تفتكرنى
جذبته إليها وبدأت تعانقه بقوة ، كأنه أخر عناق ستحصل عليه منه ، ففى البداية ظل متحجراً بوقفته ، لا يفهم ما يحدث وما تفعله ، ولكن ذلك العناق الحميمى بينهما ، جعله يطبق عليها بذراعيه ظناً منه أنها كانت تمازحه منذ قليل
فتبسم وهو يهمس بأذنها :
– أنا كانت عارف أنك بتهزرى يا حياء وأنك بتحبينى ومش ممكن تبعدى عنى أو تسيبينى فى أكتر وقت محتاجلك فيه ، قوليلى ليه قولتى كده وليه بقالك كام يوم متغيرة معايا ومش زى عوايدك ، لو فى حاجة مخبياها عليها قوليلى يا حبيبتى
فصلت العناق بينهما وهى تلهث بصوت مسموع ، فبعد أن أخذت كفايتها منه ، دفعته عنها وهى تقول بسخرية أجادت فى إستخدامها :– ومين قالك أن أنا بهزر يا راسل أنا فعلاً هسيبك وأمشى لأن أنت متتحبش أصلاً نسيت أول ما عرفتك وكنا بنتخانق مكنتش بكره حد فى الدنيا دى زيك ، ولما لقيت نفسى فى الدنيا لوحدى قولت مفيش مانع أمثل عليك الحب علشان ما أتبهدلش زى ما حصل وعاصم إبن عمك ضربنى كنت وخداك كده حماية من الزمن والفقر ، بس يا خسارة الحلم مطولش كتير وكده أحسن لأن كتر التمثيل خنقنى سلام
أهتز جسده فجأة وهو يراها تتركه وتهبط الدرج ، فكأن لسانه معقود ولكن كل ما يعيه بتلك اللحظة ، أن من كان وضع آماله بأنها ستكون هى سلواه ، مزقت قلبه بحديثها ، بل صممت على تركه بتلك الظروف الحالكة
ولكنه خرج عن صمته وهو يقول بتحذير :
– حياء لو خرجتى من البيت ده مش هترجعيله تانى
إلتفتت إليه حياء وهى تضحك:
– ماهو البيت هيتباع فى المزاد يا حبيبى ولا نسيت وأنت كمان مش هترجعله تانى
أثار حنقه صوت ضحكتها العالية التى لم تكن بمحلها الآن ، فقال وهو يصرخ بإنفعال ووحشية:
– أخرجى وإمشى وسبينى ولو حصل وأتقابلنا تانى أبقى حاولى تهربى منى يا حياء لأن ساعتها مش هرحمك مش هرحمك
_______________يتبع…
٣٥– ” وداع وعناق أخير ”
حركة بؤبؤ عينيها داخل محجرهما ، كمن تبحث عن شئ مفقود ، جعل هبة تشعر بالقلق من أن تكون تعانى سوء أو مكروه ، فهما لم تتقابلا ثانية ، منذ تلك المرة التى ذهبت إليها بمنزل زوجها ، من أجل أن تتقاسما إرث خالها
سحبت هبة يدها من على كتفها وأسرعت بضمها إليها ، كمن علمت أنها بحاجة للشعور بالأمان ، الذى من الممكن أن تقدمه لها بحكم تلك المودة والمحبة بينهما ، فإستكانت حياء بين ذراعيها ، مستندة بذقنها على كتف هبة ، وتنظر لوالد زوجها ، الواقف بمكان ليس ببعيد
– هبة أنتى بتعملى إيه هنا أنتى وأخوكى ؟
هتفت حياء بسؤالها ، وهى ترتد بخطواتها للخلف ، لتفسح مجالاً بينهما لترى كل منهما الأخرى بوضوح، فتفرست بوجه شقيق هبة ذلك الفتى اليافع والخجول ، والذى ما أن أتت على ذكره ، حتى أطرق برأسه أرضاً بعد أن أصطبغ وجهه بجمرة قانية ، ناتجة عن شعوره بالخجل
أجابتها هبة وهى تداعب رأس شقيقها بإبتسامة حانية :
– كنت جاية بخصوص موضوع الحادثة بتاعة وحيد ، لأن عرفت أنهم قبضوا على اللى ضربه بالعربية ، فجيت أنا والمحامى أتابع الموضوع ، علشان وحيد لسه مش بيقدر يخرج ولا يقف على رجليه ، فأخويا شبط ييجى معايا فجبته وسبت أخويا التانى مع وحيد فى البيت
رآت حياء بوضوح ذلك الحزن ، الذى سكن عينيها وحروفها وهى تذكر زوجها ، فرفعت يدها تربت على ذراعها بمواساة ، ولكن قبل أن تخرج الكلمات المواسية من بين شفتيها الجافتين ، سبقتها هبة وهى تقول متسائلة :
– بس هو أنتى بتعملى إيه هنا يا حياء خير ؟
آتاها هذا السؤال من هبة بنبرة قلقة ، فإن كان والد زوجها حرص كل الحرص على عدم إفشاء الصحافة لما أصاب ولده ، فهى لن تستطيع الكذب عليها ، فسحبتها من ذراعها ووقفتا بأحد الأركان الهادئة نسبياً ، نظراً لحركة النشاط بالمكان ، وقصت عليها كل ما حدث لزوجها ، وكل كلمة تنطق بها ، تجعل عينى هبة تزداد إتساعاً ، بل لم تكتفى بذلك ، بل شهقت وهى تضع يدها على فمها ، حتى لا يسمعها أحد وهى تبدى تعجبها مما تسمعه
جف حلقها وهى تقول بنبرة متقطعة :
– ييا خخبر أبيض كل ده حصل لدكتور راسل ، ربنا يردهولك بالسلامة يا حياء
مسحت هبة وجهها ، كمن شعرت بحرارة مفاجئة ، فأنتباها الحزن على ما تلاقيه حياء بحياتها ، فهى لا تدوم سعادتها طويلاً
قبضت هبة على كف حياء ، وضغطت عليه بحنان ، وقالت وهى تعمل على محو دمعة أنزلقت من عيناها :
– حياء لو محتاجة أى حاجة يا حبيبتى قولى متتكسفيش أحنا أخوات وانا تحت أمرك
أشرقت بسمة على شفاه حياء ، التى لم تذق بالأيام الماضية ،سوى ملوحة دموعها النازفة على خديها ،من كثرة بكاءها وإفتقادها لزوجها
فرفعت يدها الأخرى مربتة على ظهر يد هبة :
– تسلميلى يا هبة أنا مش محتاجة غير دعواتك ليا وبس أن ربنا يعدى الأزمة دى على خير
– إن شاء الله يا حياء ، ربنا هيفرج كربك بإذن الله
قالت هبة بأمل ، من أن يجيب الله دعاءها ، فسمعت صوت المحامى الخاص بها يناديها ، فأعتذرت مغادرة وأخذت شقيقها ، مع تركها وعداً لحياء بأنها ستزورها قريباً
رحلت هبة فأستندت حياء على الجدار بجانبها ، فمالت برأسها عليه وأغمضت عينيها ، تبتهل لله بداخلها أن لا ينتهى اليوم ، إلا وراسل عائدا معها إلى منزلهما ، فكأنها حرمت على أجفانها النوم وهو بعيد عنها ، فإن غفت ساعة واحدة ، تستيقظ بفزع وهى تناديه ، حتى بعد ذهابها لمنزل أبيه ، تقضى نهارها باكية وليلها مسهدة و شاكية لربها
______________
توقفت عجلات القطار وأصدرت صوتاً بإحتكاكها بالقضبان الحديدى ، جعله يعى أنه وصل لوجهته أخيراً ، بعد أن ظن أن القطار سيظل يسير طوال العمر ،ولم تكن وجهته سوى تلك المدينة الأثرية والعريقة المسماة مدينة “الأقصر” ، تلك المدينة التاريخية الزاخرة بالأثار الفرعونية القديمة ، والتى شهدت على بناء حضارة من أعرق الحضارات التى شهدها العالم
أخذ حقيبته الموضوعة على الرف أعلى رأسه وجرها خلفه حتى وصل لباب المقصورة ، مد قدمه بتردد كأنه يخشى أن تطأ قدميه الأرض بالخارج ، ولكنه حسم أمره بالاخير ، بعدما سمع صوت فتاة خلفه تصيح به بنفاذ صبر
– ما تخرج بقى يا أستاذ هو أنت خايف تنزل من القطر مش ناقصين تأخير
إلتفت كرم لمصدر الصوت ، فرآى فتاة تحمل حقيبة بيدها وأخرى على ظهرها ، كمن هى ذاهبة لرحلة إلى مخيم ، ويبدو على وجهها علامات الضيق والنزق
قال كرم بلهجة المعتذر :
–أنا أسف يا أنسة أتفضلى
أمعنت الفتاة النظر برماديتيه ، فلم تفعل شيئاً سوى أنها أماءت برأسها ، وهى تعمل على إبتلاع لعابها وتلك الكلمات التى كانت على وشك قذفها بوجهه ، فصوته الدافئ والمعتذر ووسامته التى لم تستطيع نكرانها ، جعلا من الصعب عليها أن تستمر بإظهار خشونة صوتها وطبيعتها بالتعامل مع الأخرين بإسلوب جاف وخالى من الكياسة
أفسح لها كرم الطريق ، حتى تستطيع الخروج ، فبعد إطمئنانه لخروجها من القطار ، أخذت حقيبته وهو يتبعها ، فبعد خروجه للشارع ، أسرع برفع يديه ليشير لسيارة أجرة ، فوقفت السيارة بالمنتصف بينه وبين تلك الفتاة ، التى كانت على وشك الشجار معه
فخرج السائق من السيارة وقال بتساؤل وهو يوزع نظراته بينهما :
– أنتوا الاتنين شاورتوا للعربية بس مين اللى هيركب فيكم
نظر كرم والفتاة لبعضهما البعض ، فقبل أن تقول شيئاً ، كان هو حاسماً الأمر ، فرفع يده يشير لها بالدخول للسيارة :
– أتفضلى أنتى يا أنسة
تبسمت الفتاة بهدوء ، ووضعت حقائبها بالسيارة ، فقبل أن تأخذ مكانها بالمقعد الخلفى ، نظرت إليه شاكرة إياه لطفه ، فرد إبتسامتها بإبتسامة هادئة وبضع كلمات تعبر عن أنه لم يفعل سوى ما يقتضيه الذوق
فبعد رحيل السيارة بالفتاة ، وقفت سيارة أخرى بالقرب منه ، وسأله السائق :
– عايز تاكسى يا أستاذ
حرك كرم رأسه بالإيجاب وأستقل السيارة ، وأخبر السائق بالعنوان المفترض به أن يصل إليه ، والذى لم يكن سوى منزل أحد أقارب والده ، والذى هاتفه يخبره بضرورة تدبير شقة له ليستأجرها ، بعد أن تم نقل عمله لإحدى المدارس الثانوية الخاصة بالفتيان ، فهو لم يريد العمل بمدارس خاصة بالفتيات ثانية
صف السائق السيارة أمام منزل قديم ، ولكن مازال رونق الألوان والرسومات الفرعونية تنطق على جدرانه بعظمته ، فناول كرم السائق نقوده وأخذ حقيبته ، فرحل السائق وصعد كرم الدرج الصغير ، حتى وصل أمام الباب
مد يده ليدق الجرس ، فأسرع فتى صغير بفتح الباب وهو يقول بضحكة صاخبة :
– هااا فتحت الباب قبل ما ترن الجرس
إبتسم كرم على جملة الصغير ، فداعب رأسه وهو يقول بصوت هادئ :
– جدو فين يا عسل أنت
ركض الصغير لداخل المنزل وهو يصيح :
– جدى جدى فى واحد عايزك
نهض رجل أشيب من على أريكته الخشبية العتيقة ، فأخذ عصاه يستند عليها ، حتى وصل للباب ، فتهلل وجهه وفتح ذراعيه مرحباً بقدوم كرم :
– يا ألف أهلا وسهلا يا ولدى أتفضل
بادله كرم ترحيبه بترحيب أكثر حرارة ، فشد من إحتضانه وربت على ظهره عدة مرات قبل أن يطلق سراحه من بين ذراعيه ، فعاد مكملاً لحديثه:
– دا الأقصر كلها نورت يا ولد الغالى
– تسلم يا حاج سويلم دا نورك وأسف لو كنت أزعجتكم
نطق كرم بعبارته وهو يسير بجوار سويلم ، حتى وصلا لغرفة فسيحة يطلقون عليها ” المضيفة ”
فتبسم له سويلم وربت على كتفه وهو يقول بحنين :
– الله يرحمه أبوك كان غالى عليا أوى ونشيلك فوق الراس ، ثوانى وجايلك
خرج سويلم من الحجرة ، فجلس كرم بإستحياء وهو يستطلع الصور المعلقة على الجدار ، وأثاث الغرفة ، فلمح ذلك الصغير ، الذى أطل برأسه وعاد يختبئ ثانية
فأشار له كرم بالاقتراب قائلاً بلهجة ودية :
– تعال أنت عمال تستخبى منى ليه تعال إسمك إيه
تقدم منه الصغير بخجل ، فبإقترابه منه رفعه عن الأرض ووضعه على ساقه ، فرد الصغير قائلاً بصوت خافت :
– إسمى سويلم زى جدى
قبله كرم على وجنته ، وأخرج من جيبه نقوداً وأعطاها له ، ولكن الصغير رفض أخذها ، بل أنه فر هارباً من الغرفة وهو يرى جده يعود ثانية ، فبعد أن أخذ كرم ضيافته كاملة ، أصر على الحاج سويلم بأن يدله على تلك الشقة التى سيستأجرها
فخرجا من المنزل وسارا قليلاً ، حتى وقفا أمام منزل مكون من طابق واحد فقال الحاج سويلم وهو يشير بعصاه :
– البيت أهو يا ولدى ومتقلقش من أى حاجة دى بيتى برضه
لم يكن يعلم كرم أن المنزل مملوكاً للحاج سويلم ، فأصر أن يدفع ثمن إقامته به فقال بإلحاح :
– حتى لو بيتك يا حاج سويلم أنا هدفع إيجاره زيى زى الغريب وأرجوك مترفضش وإلا هشوف أى مكان تانى
– وه إيه دماغك الناشفة دى عاد ، خش يا ولدى وأرتاح ونبجى نتكلم بعدين
قال الحاج سويلم بصرامة ،فتبسم كرم على قوله ، فهو تارة يتحدث بلغة أهل الصعيد وتارة أخرى يحدثه بلهجته ، فعلى الرغم من بساطة مظهره ، إلا أنه رجل ذو شأن ببلدته ، وليس هذا فقط ، فزواجه من تلك المرأة الألمانية ، التى أغرمت به ، أثناء زيارتها للأقصر ، كانت قصة تتغنى بها الألسن ، من وقوع إمرأة أجنبية بحب رجل صعيدى ، بل أنها أنجبت له ولده الوحيد وتوفت بعد ذلك ، ورفض هو الزواج من أنثى غيرها وفاءاً لهذا الحب
ولج كرم المنزل ، وجد كل شئ مرتب ونظيف ، ووجد مبرد الطعام ممتلئ بالخضروات والفاكهة واللحوم وكل ما يلزمه ، فدلف لغرفة النوم ووضع حقيبته ، فهو بحاجة لحمام دافئ ، يزيل به عناء السفر وشعوره بالتعرق
فأثناء فتح حقيبته وجد أول شئ يطالعه ، صورة هند ، ولا يعلم لما يصر على تعذيب نفسه وهى من كانت بين يديه ، بل أنها كانت راغبة به وأعلنتها صريحة ، ولكن هو من قطع كل الجسور بينهما ، فرفع الصورة وحدق بها لحظات ، حتى قرر وضعها تحت وسادته وأخذ ثيابه وولج للمرحاض ، وعقله لا ينفك عن التفكير عن ماسيكون حالها بعد فراقهما ؟ فهل هى صادقة بإعترافها بحبه ؟ أم ستنساه بأول فرصة ستتاح لها لنسيانه وتعود لحياتها السابقة ؟
_______________
داخل غرفة وكيل النيابة ، و بعد قضاء المحامى وقت لا بأس به يعرض ما لديه من إثباتات وأدلة توحى بأن قضية القتل كانت من تدبير أخرين للإيقاع براسل ، أعاد وكيل النيابة النظر بشاشة الهاتف ، لمشاهدة ذلك الفيديو الخاص بجلسة نادر ونصر وهما يفشيان جوانب إرتكاب جريمة قتل سعيد كاملة ، من أنهما عملا على إرسال رجل متنكراً بلباس طبى ويضع على وجهه قناع ، كالذى يستخدمه الأطباء والعاملين بالمشفى ، فهما كانا يراقبان كل غدوة وروحة لراسل ، فبعلمهما أنه تشاجر مع أحد من العاملين لديه ، أسرعا بإرسال قاتل مأجور لإنهاء المهمة سريعاً ، قبل أن ينتبه أحد على شئ
فبعد إطمئنان الرجل لوجود سعيد بالمشفى لأخذ متعلقاته ، بعدما أصر راسل على تركه العمل وألقاه خارج مشفاه وعاد لمكتبه ثانية ، جاءته الفرصة على طبق من ذهب عندما رآى سعيد يلج لمخزن الأدوية ، فأتم ذبحه بمبضع إستطاع سرقته من أدوات راسل بعدما عمل على فصل كاميرات المراقبة ، ولم ينسى إلقاء الصورة بجواره ، تلك الصورة التى أستطاعت ليالى بوقت سابق من سرقتها من جزدانه الجلدى أثناء وجودها مرة بغرفة مكتبه ، وهو كان يمر بين المرضى ، تاركاً سترته معلقة على طرف المقعد بغرفة المكتب
– كده حضرتك أتأكدت أن الدكتور راسل النعمانى برئ من تهمة قتل سعيد الممرض
صدح صوت المحامى بعبارته التى تفوه بها بثقة ، أنه لن يكون هناك داعى للشك ببراءة راسل
فوضع وكيل النيابة الهاتف أمامه وهو ينظر للرجل الجالس بمقعد قريب من المكتب ، والذى يعمل على كتابة كل ما يمليه عليه ، فهتف به بهدوءه المعتاد :
– أكتب وقد أمرنا بالإفراج عن راسل رياض النعمانى ، بعد أن أتضح لنا أن جريمة القتل قد تم تدبيرها من قبل شخصان آخران يدعان نصر السلمانى وشقيقه نادر ، وقد أمرنا بضبط وإحضار المتهمان على وجه السرعة ، وقد أغلق المحضر فى ساعة وتاريخ ، أكتب وقت وتاريخ النهاردة
كل هذا يحدث من حوله ، وهو لم يفه بكلمة أو صدر منه فعل يدل على سعادته بأنه سيطلق سراحه ، بل ما زال كما هو كأنه جسد مصنوع من الشمع ، كأن لم يعد لديه أى شعور إنسانى يمكن أن يظهره بحالته تلك ، بل ترك المحامى يجذبه من ذراعه ليخرجان من الغرفة ، بعدما أصدر وكيل النيابة قرار إطلاق سراحه
تقدم منه أبيه ورفع ذراعيه يحتضنه قائلاً بسعادة لم يستطع إخفاءها :
– الحمد لله يا أبنى أن كل حاجة أنتهت على خير الحمد لله
اقشعر بدن راسل من مبادرة أبيه بإحتضانه ، فهما لم يحدث بينهما شيئاً كهذا من قبل ، فمن كان يقوم بهذا الدور هو شقيقه وجدى ، لذلك لم يكن يعلم ماهو شعور إحتضان الوالد لولده ، فعلى الرغم من أن زوج خالته كان له الوالد الذى تمناه دوماً وأنه أغدقه بحنانه وعطفه وشمله برعايته ، إلا أن تلك الذبذبات التى تسرى بعروقه يستشعرها لأول مرة ، حتى كاد أن ينسى غضبه من أبيه
ولكن عندما هم برفع ذراعيه ليطوق بهما والده ، عجزت عن الإستجابة له ، بل مر أمام عيناه كل ما لقاه من قسوته وجفاءه ، فأسرع بالابتعاد عنه ، وكأنه لم يكن مستكيناً بين ذراعيه بوداعة منذ قليل
فحدق بوجه والده بجفاء :
– أنا عايز أروح بيتى وأشوف بنتى وماما عن أذنكم
قبض على كف حياء وسحبها معه ورحل تاركاً أبيه بصحبة عاصم والمحامى ، سار بخطوات واسعة حتى وصل للخارج ، فهو كان يظن أن زوجته جاءت بسيارتها ، ولكنه لم يجدها بصف السيارات المصفوفة أمام مبنى النيابة
فألتفت لها متسائلاً:
– فين عربيتك يا حياء ؟
أزدردت حياء لعابها خشية إخباره بحقيقة إقامتها هى ووفاء والصغيرة بقصر النعمانى أثناء غيابه عنهن
أنفرجت شفتيها وهمت بإخباره فعادت وضمتهما ثانية ، إلا أن فعلتها جعلته يمعن النظر بها ، فهو بات يعلمها عن ظهر قلب ، ويعلم أن لابد من أنها تخشى إخباره بشئ ربما سيثير غضبه
فهتف بها بهدوء :
– مردتيش عليا ليه ، ولا تكونيش مخبية عليا حاجة لو فى حاجة قولى وأوعدك أن مش هتعصب أنا مفييش حيل أتكلم أصلاً
وضع يده على جبهته كمن أنتابه دوار مفاجئ ، فعلى الأغلب أن إمتناعه عن تناول الطعام ، بدأ يوهن قوته ، بل أنه بدأ يشعر بإرتخاء أطرافه ، فترنح بوقفته كمن سيسقط أرضاً
فأسرعت حياء بإسناده وجعلته يتكأ عليها فقالت بخوف وقلق :
– حبيبى مالك فى إيه أنت كويس
أغمض راسل عينيه وظل يستنشق الهواء ويزفره ببطئ ، لعله يستعيد توازنه ثانية فرد قائلاً بصوت خافت :
– أنا عايز أروح يا حياء
أسرعت حياء بالإشارة لسيارة أجرة ، فهى جاءت برفقة والد زوجها بسيارته الفارهة ، لذلك هى لم تقود سيارتها وتركتها بالقصر منذ ذهابها لهناك
فبعد أن وقفت سيارة الأجرة ، وصعد راسل بالمقعد الخلفى تجاوره حياء ، أنطلقت السيارة بطريقها لمنزله ، فأسترخى بالمقعد ، وأستند برأسه على طرفه وأغمض عينيه ثانية ، فهو لا يطيق صبراً للوصول للمنزل ، فهو لا يريد أن يرى أحد لحظة أنهياره الحتمية نتيجة ما حدث بالأيام الماضية
فبالمنزل كانت وفاء تعمل على إعداد مالذ وطاب من الطعام المحبب لراسل ، فهى عادت بالصغيرة لمنزلها ، من أجل أن يعود راسل ويجدهما
– باااااابى
صرخت سجود بسعادة وهى ترى أبيها يلج من الباب ، فتعلقت بساقيه ، فجثى هو على ركبتيه أمامها وأخذها بين ذراعيه وأطبق عليها ساعديه بحب وإشتياق لمرآها
فهمهم بأذنها بحب :
– حبيبة قلب بابا يا سجود
بدأت الصغيرة بحل ذراعيها من حول عنق أبيها وهى تقول بعفوية :
– بابى لازم تستحمى في ريحة وحشة
تبسم رغماً عنه على قول صغيرته ، فهى محقة بأن لا تتحمل رائحته ، وهى من أعتادت أن تشتم منه أغلى العطور وأثمنها
تبعتها وفاء بلهفة تجفف يديها بمنشفة صغيرة ، فسرعان ما نهض راسل من مكانه مقترباً منها ، فأخذته سريعاً بين ذراعيها وهى تربت عليه بحنان ، فأنزلقت دمعة من عينيها سعادة بعودته
فقالت وصوتها يشوبه رنة بكاء خفيفة :
– الحمد لله أنك رجعتلنا بخير يا حبيبى الحمد لله ، يلا روح خدلك شاور دا انا النهاردة عملالك كل الأكل اللى بتحبه
أماء راسل برأسه ، فشق عليه الحديث أو الرد ، كأنه إذا تفوه بكلمة سيغشى عليه لا محالة ، فالله وحده الأعلم كيف هو مازال يقف على قدميه حتى الآن
أخذته حياء من يده وصعدت الدرج ، حتى وصلا غرفتهما ، فبدون أن تنطق بكلمة ، جعلته يجلس على طرف الفراش ، ريثما هى تقوم بملأ المغطس ، فتحت الصنبور بالمغطس الواسع وخرجت لتأتى له بثياب نظيفة ، وضعت ثيابه بالمرحاض وخرجت لتخبره بأن كل شئ جاهز ، فوجدته متسطحها على الفراش ومازالت قدميه موضوعة أرضاً
ولكن عيناه مازلتا مفتوحتان ويحملق بسقف الغرفة ، ربتت على كتفيه لتجعله ينتبه عليها وهى تقول بهدوء وإبتسامة :
– الحمام جاهز يا حبيبى
بصعوبة حاول الإعتدال بجلسته ، فمدت له يد العون سريعاً ، فحالته تنبأ بأنه حاجة ملحة لمساعدتها ، فوهبته كافة ما يمكن أن يريده زوج من زوجته بتلك اللحظة من مساهمتها بتدليله كأنه طفلها ، فجلوسها على حافة المغطس وعملها على تدليلك فروة رأسه حتى شعر بالنعاس ، أمور جعلتها تشعر بأنها هى الوحيدة التى سمح لها أن تراه بحالات ضعفه كالأن ، أن ترى راسل الذى ما أن جاء لهذا العالم ، والحياة لا تكف عن إلقاء همومها على كتفيه ، والذى يأبى أن يترك العنان لعيناه بأن تذرف ما أختزنته طويلاً ، فإن فكر بالبكاء لايريد أن يراه أحد
ترك لها زمام أموره كافة ، لا يفعل شئ سوى إطاعه ما تقوله حتى خرج من المرحاض ، فلم تستغرق وقتاً وهى تمشط له شعره ، وأخذت قنينة عطره المفضل ونثرت منها على ثيابه ، فها هو عاد ثانية الأب والزوج الذى أعتادت هى والصغيرة رؤيته
ولكن عيناه غائرتان ، وجفونه مائلة للون الأحمر ، ففكرت أن تطعمه ويخلد للنوم ، فقالت له وهى بطريقها للخروج من الغرفة :
– أنت لازم تاكل يا راسل هنزل أجبلك أكل وأجى
خرجت حياء من الغرفة بدون أن تسمع رده ، فأضجع بفراشه ، وشفتاه تطلق أنات خافتة ، بعدما أحس بنعومة أغطية فراشه الوثير ، رفع يده ودب بها بخفة على صدره الصلب وعيناه متحجرتان يفكر بما فعلاه نادر وشقيقته ، فلو لم يفعل عمران ما فعله وجاء بدليل براءته ، لكان مازال هو بالسجن ، بل كان سيزداد الأمر سوءاً من ذهابه للمحكمة وإصدار القاضى حكماً يتناسب مع إرتكاب جريمة القتل ، وربما كان سيصل لحبل المشنقة
صعدت يده من صدره حتى عنقه يتحسسه بروية وهو يسأل نفسه ، عن لما يحدث معه هو كل هذا ؟ فهل جمع تعاسة الحظ كلها بمفرده أم ماذا ؟
جاءت حياء حاملة الطعام والصغيرة تتبعها ، وهى تقفز وتصفق بسعادة لعودة أبيها ، وضعت الصينية المحمولة بأشهى المأكولات أمامه ، فتلك الروائح التى تسللت لأنفه ، جعلته يشعر بمدى جوعه ، فألتهم كل ما جلبته حياء ، حتى جعلها تنظر له بذهول وهو يأكل على غير عادته ، كأنه لم يأكل منذ أيام ، فيومياً والده كان يحرص على إرسال الطعام إليه فلما هو شرهاً بتناول طعامه هكذا ؟
– راسل هو أنت مكنتش بتاكل من الاكل اللى كان بيجيلك
قالت حياء وهى تمسد على رأس الصغيرة ، التى مالت برأسها على ساقيها ، بل وغفت أيضاً بعد أن ثرثرت مع أبيها لبضع دقائق
هز راسل رأسه نافياً وهو يضع الملعقة بفمه ، فأكتفت بإيماءته وحملت الصغيرة وذهبت بها لغرفتها ، فالوقت مازال مبكراً على نومها ، ولكن سجود تغفو وتفيق بأى وقت ، على الرغم من حفاظها على أن تخلد للنوم بوقت محدد من الليل
– راسل خلصت أكل يا حبيبى
عادت وجدته أنتهى من تناول طعامه ، وأزاح الصينية جانباً ، وعاد وأستلقى على الفراش وتمدد بجسده كاملاً ، بل أنها سمعت صوت إنتظام أنفاسه ، فحملت الصينية ووضعتها على طاولة قريبة من الفراش
جلست بجانبه ومدت يدها بتردد ومسدت على رأسه ، فهى تخشى أن تزعجه أو أن يستيقظ من نومه ، ولكن تعجبت من قلة حديثه كأنه نسى الكلام فجأة ، فهو منذ أن وطأ المنزل وهو لم يفه سوى بجملة واحدة من أجل صغيرته
سحب يدها التى تمسد بها على خصيلاته الرطبة ووضعها على صدره مغمغماً:
– وحشتينى أوى يا حياء
جملة بسيطة ولكن تعنى له ولها الكثير ، إستندت بمرفقها على الوسائد ، ومالت برأسها على كف يدها قائلة بطيف إبتسامة :
– وأنت كمان يا حبيبى وحشتنى كل حاجة كانت ملهاش طعم ولا فيها حياة وأنت مش جمبى يا حبيبى
زحف برأسه على الوسادة حتى صار قريباً منها ، بل إستطاع سماع خفقات قلبها ، فدفن وجهه حيث كانت ترتجف هياماً ، فبسطت ذراعها الذى كانت مستندة به على الوسائد أسفل رأسه ، وتمددت بجانبه واضعة ذراعها الأخرى حوله ، فأخذ يخبرها بماحدث له وهو غائباً عنهن ، وكيف كان شعوره وهو يستعيد ذكرياته الأليمة بإيطاليا ، فظل يتحدث وقتاً طويلاً وهى تستمع لكل كلمة يقولها بإنتباه ، مكتفية بأن تربت عليه بحنان ، فلم تستطع منع تلك الدموع التى راحت تنهمر من عينيها وهو يصور لها مدى بشاعة تلك الأحاسيس التى زارته بين جدران السجن
– أنا مش عارف ليه أنا اللى بيحصلى كده يا حياء
تمتم بعبارته وظلت أنفاسه تضرب تجويف عنقها حيت دفن وجهه ، تكاد تشعر بتمزق قلبها من تلك الهمهمات والأنين الخافت المنطلق من بين شفتيه وهو يقص عليها ما بقلبه ، تحدث عن كل شئ وأى شئ ، كأن تلك الساعات التى قضاها صامتاً ، حاول تعويضها بأنه أطلق العنان للسانه بأن يبوح بكل تلك الغصات التى تكتلت بقلبه وأثقلت كاهله ، فقبلت جبينه قبلة عميقة ودافئة ، كمن تقدم إعتذاراً نيابة عن كل ما لقاه ، فإن كانت تريد إخباره بشأن ما حدث معها ، فالوقت ليس بصالحها ولا بصالحه على الإطلاق ، فيكفى تلك الهموم الغارق بها
_______________
بذلك المكان المهجور والخالى من أى معالم من معالم الحياة ، حيث وقف عمرو وخلفه عدة رجال مدججين بالأسلحة النارية ، وماهم إلا رجال أبيه المخلصين والعاملين تحت إمرته بتلك الأعمال غير المشروعة ، والذين علموا أن إبن سيدهم سيصبح السيد الجديد بتلك الأعمال ، فمنهم من أبدى إعتراضه على أن يقودهم بتلك المهمة نظراً لعدم خبرته بتلك الأمور الأكثر خطورة من القيام بأى عمل أخر
– يكون فى معلومكم أن اللى هيحاول يغدر بيا هيكون مصيره القتل وأكيد عارفين أن أدريانو إسكندر مش من النوع اللى بيحب حد يخرج برا دايرة شغله
هتف عمرو بهم بصوت أكثر خشونة ، فكانت كلمته هى الفيصل ، إذ وضعهم أمام خياران لا ثالث لهما ، فإما أن يظلوا على ولاءهم له كأبيه ، أو ترك العمل نهائياً مع حرصه أن لا يجعل أحد منهم يحيا بعد تركه للعمل ، فهو لن يستطيع أن يجازف بأن يترك أحد منهم عمله ويفشى بحقيقته للشرطة
دقائق ووصلت سيارة أخرى سوداء ، خلفت سحابة رملية خلفها ، ترجل منها أربعة رجال ، واحد منهما هو المنوط به تبادل تلك الحقيبة التى تحوى على مخدر الهيروين بحقيبة النقود التى يحملها عمرو
أقترب الرجل الأسيوى من سيارة عمرو ، ووضع الحقيبة على مقدمة السيارة وفتحها ليستعرض ما بداخلها ، فأخذ عمرو أحد أكياس المسحوق الأبيض ، وأخرج بعضاً منه وذاقه بطرف لسانه ، فبعد تأكده من جودة المخدر ، وضع حقيبة النقود وفتحها هو الآخر ، فنظر الرجل الأسيوى بإستحسان للعملات الأجنبية بفئة مئات الدولارات
أخذ كل منهما حقيبته وأنفض الجمع سريعاً ، الذى أقتصر على تبادل كلمات قليلة بين عمرو والرجل الأسيوى ، نظر عمرو للحقيبة التى بحوزته بشعور مبهم ، فأستغرق بتفكيره ولم يشعر سوى بوقوف السيارة داخل منزل أدريانو
– لاء برافو مكنتش أعرف أنك شاطر أوى كده ياعمرو
صاح به أدريانو وهو يصفق بيده بإعجاب ، فهو يرى أن عمرو إجتاز الاختبار الأول له بنجاح ، رغم أخذه كافة الاحتياطات اللازمة أذا كان حدث شيئاً وأخفق بمهمته
رفع عمرو يده بالحقيبة يناولها له وهو يقول ببرود:
– شنطة المخدرات أهى وأظن ليا فيها نصيب
ألتوى ثغر أدريانو بإبتسامة وهو يقول بصوت هازئ :
– أكيد طبعاً ليك نصيب يا عمرو بس يا حبيبى الهيروين اللى هتاخده مش علشان تشمه لاء دا علشان توزعه على التجار اللى كانوا بيتعاملوا مع أبوك
مسح عمرو أنفه بإصبعه وسال لعابه عندما رآى تلك الكمية الكبيرة من مخدر الهيروين ، أثناء فتح أدريانو للحقيبة ، فعندما حاول مد يده لأخذ حصته التى خصصها له أدريانو ، لمح رجل يهرول إليهما سريعاً
فأقترب من أدريانو وهمس فى أذنه ببضع كلمات ، جعلته يغلق الحقيبة ونظر لعمرو قائلاً بعجالة :
– عمرو إستنانى هنا شوية وجايلك متتحركش من مكانك
لم ينتظر أدريانو رداً من عمرو ، بل أسرع فى الذهاب حيث أخبره أحد رجاله أن نصر ونادر بإنتظار بأمر هام للغاية ، فولج حيث غرفة الصالون الكبير ، ووزع نظراته بينهما قائلاً بحدة :
– أنتوا إيه اللى جابكم هنا دلوقتى وإيه اللى سمعته ده فعلاً البوليس بيدور عليكم
وقف نصر أمامه قائلاً بصوت مرتجف :
– أيوة يا أدريانو عرفنا أن فى فيديوهات أتقدمت للنيابة وبرأت راسل النعمانى فالبوليس بيدور علينا علشان عرفوا إن إحنا اللى دبرنا ليه كل حاجة وأنا جايلك علشان تحمينا
قبض أدريانو على تلابيب ثيابه وهزه بعنف صارخاً بوجهه:
– وأنت جايلى ليه دلوقتى يا نصر ما هو ده بسبب غباءكم ومين اللى قدر يصوركم فيديوهات زى دى
رد نادر قائلاً وهو يحك جبهته بتفكير :
– ممكن تكون البت ليالى اللى كانت شغالة عند نصر
ترك أدريانو ثياب نصر وخطى بخطواته تجاه نادر ، فضيق ما بين عينيه قائلاً بتساؤل :
– وهى فين ليالى دى دلوقتى
أجابه نادر وهو يمط شفتيه بجهل :
– معرفش من آخر مرة شفتها فيها وطردتها معرفش راحت فين بس مش ده المهم دلوقتى إحنا عايزينك تحمينا
أكد نصر على حديث شقيقه وهو يقول برجاء :
– أيوة يا أدريانو لازم تحمينا لأن لو وقعنا كل حاجة هتنكشف ومش هروح فى داهية لوحدى فأنت لازم تتصرف إن شاء الله حتى تسفرنا برا
لم تكن تلك الجلسة خاصة بثلاثتهم فقط ، بل كان هناك من يسترق السمع على حديثهم ، فعمرو عندما أمره أدريانو بأن ينتظر مكانه ، لم ينفذ ما طلبه منه ، بل إستطاع أن يتعلل برغبته بدخول المرحاض ، وتسلل بدون أن يراه أحد وإستمع لكل ما دار بغرفة الصالون الكبير
فبعلمه أن الحديث أنتهى بينهم ، هرول بخطواته وخرج ينتظر أدريانو بالحديقة ، فبعد أن أخذ حصته وناولها لأحد رجال أبيه ، أمره بأن يعود للمنزل ، على أن يذهب هو لرؤية والده بالمشفى
فعند وصوله للمشفى وأثناء دخوله ، لمح سهى وهى تسير برفقة إمرأة تحمل طفلاً صغيراً ، فبرؤيته لها تذكر ما فعلته بها وتلك النعوت التى أطلقتها عليه ، فهو لم يستطع نسيان وجه تلك الفتاة سليطة اللسان
أنتظر حتى صارت بمفردها بعد دلوف زوجة أبيها وشقيقها للغرفة المختصة لعمل التحاليل الطبية ، فأقترب منها وأصطدم بها كأنه غير متعمد ، فأطاح بالأدوية التى تحملها بيدها ، نظرت سهى بصدمة للعبوات الزجاجية التى تحطمت وأنسكب منها محتواها
فتبسم عمرو بشر قائلاً بتهكم :
– أووه سورى يا أنسة أن كسرتلك أزايز الدوا
رفعت سهى عينيها عن الأرض ونظرت بوجهه وهى على وشك قتل من فعل ذلك ، ولكن برؤيتها له وتذكرها لمن يكون ، زاد إنفعالها أضعافاً وهى تصيح بوجهه :
– كاتك كسر رقبتك يا شيخ أنت عارف الدوا ده بكام وأخويا محتاج له دلوقتى ، مش تفتح وأنت ماشى زى الأعمى
ألتوى ثغره وهو يخرج من جيبة حفنة من النقود :
– خدى حق الدوا أهو وأشترى غيره أحسن تعيطى ولا حاجة يا حرام صعبتى عليا
أخذ سهى النقود من يده وحدقت بها ، فسرعان ما نظرت إليه وهى تلقى بها فى وجهه وهى تقول بسخرية :
– خلى الفلوس علشانك ولا أقولك روح أحلق بيهم شعرك اللى مطوله وعامل زى البنات يمكن ساعتها تبقى راجل
تركته وذهبت بعد أن قالت ما لديها ، فظل هو واقفاً مكانه كمن تجمد الدم بعروقه فجأة ، فبجهد إستطاع إدارة رأسه تجاهها ورآها تخرج من المشفى برفقة زوجة أبيها بعد إنتهاءها من عمل الفحوصات اللازمة للصغير ، فقبل أن تعبر من الباب ، ألتفتت إليه ونظرت إليه نظرة إزدراء
تشنج جسده على الفور ، بعد تأكده من ذهابها ، ولكنها قبل أن ترحل تركت له جملة ” يمكن ساعتها تبقى راجل” التى ظل يتردد صداها بعقله ، وتعمل على زيادة تدفق الدماء برأسه ، كأن بين فينة وأخرى ، سينفجر كبالون تم تعبئته حتى وصل للحد الذى لم يعد به متسع للمزيد
_____________
بعد مرور يومان
داخل غرفة النوم الخاصة بميس وعمران ، كانت تلك الفاتنة الشقراء تعمل على الانتهاء من زينتها ، التى تمثلت بإرتداءها ثوب باللون العاجى ، وعقد من الألماس وقرطين مماثلين للعقد ، فهى حصلت على العقد والقرطين بعد تلك الليلة ، التى أصبحت فيها زوجة لعمران قلباً وقالباً
عندما همت بلملمة شعرها الأشقر على أحد كتفيها ، لتكسب نفسها مظهراً خاصاً ، بقصة شعرها التى حصلت عليها اليوم بأحد مراكز التجميل ، وجدت عمران ينحنى إليها قليلاً ويعيده للخلف مثلما كان
فتأمل خضراوتيها قائلاً بهمس :
– شعرك كده أحلى يا ماسة
خجلت ميس من همسه الذى لم يخلو من تمرير أصابعه على وجنتها مروراً بعنقها المرمرى ، فكأن بلمسته إستطاع خطف أنفاسها وصوتها ، فخرجت كلماتها من بين شفتيها بخفوت كأنها تحدث نفسها :
– ششكرا يا عمران مش يلا بينا زمان كلهم مستنين تحت ومش عايزين نتأخر عليهم وخصوصاً أن النهاردة الحفلة بتاعة خالو وعمتك
حرك رأسه ببطئ ، ولكن لم يكن بنيته أن يجيب مطلبها سريعاً ، فلا يعلم أى شيطان سكنه الآن ، جعله يريد أن يفسد زينتها بعناق دار بمخيلته وكاد يفقده صوابه ، فباليومين الماضيين ، لم يبرح غرفته إلا من أجل أن يبتاع لها هدية ومن أجل الحفلة الآن ، التى أصر عاصم على إقامتها لأخذ غزل لقصر النعمانى
فكأنها علمت بنواياه ، فشدت على ذراعيه وهى تقول بحزم :
– عمران يلا بينا ننزل
غمغم عمران من بين أسنانه بغيظ :
– حاضر هننزل يا ميس يلا بينا
أخذها وخرج من الغرفة ، فتقابل مع شقيقه معتصم وولاء اللذان يبدو عليهما أنهما خارجان للتو من غرفتهما ، فمدت ميس يدها وسحبت ولاء ، تحاول الفرار من زوجها ، الذى كاد يجعلها تشعر بالخدر من كثرة تلمسه لظاهر يدها بإبهامه ببطئ ونعومة
– تعالى يا ولاء نشوف غزل خلصت ولا لاء
قالت ميس وهى تجر ولاء خلفها ، حتى وصلتا للطابق الأرضى ، ومنه لغرفة غزل
دلفتا فوجدتا غزل إنتهت هى الأخرى ، فثوبها الطويل باللون الأبيض ، والذى أرسله لها عاصم صبيحة اليوم ، جعلها فائقة الجمال ، كأنها صورة جميلة لإمرأة فاتنة من وحى الخيال ، ودبت بها الحياة فجأة
فأثنت كل من ميس وولاء على جمالها بصوت واحد :
– إيه الجمال ده كله
تبسمت غزل على قولهما وردت وهى تشعر بتوهج وجهها :
– دا أنتوا اللى قمرات
ظلن يثرثرن بعض الوقت ، حتى صدح صوت عمران ينبأهن بمجئ رياض وعاصم وشقيقته سوزانا ، فخرجن من الغرفة ووصلوا للحديقة المقام بها الحفل ، فتم دعوة الأصدقاء والمقربين فقط
بأخذه يدها بين كفيه ، أنتفض قلبه بصدره ، فهو حتى الآن لا يصدق أن بعض مرور القليل من الوقت ، ستصبح ببيته وزوجته حقاً ، فتلك الليلة كان ينتظرها منذ أكثر من أثنى وعشرون عاماً ، وعلى الرغم من ذلك ، كانت سعادته تفوق سعادة شاب بمقتبل عمره حصل على شريكة حياته
فأدنى رأسه منها قائلاً بحب وإشتياق :
– أنا مش مصدق يا غزل أن إحنا خلاص هنبقى مع بعض
أجابته غزل همساً:
– ولا أنا كمان يا عاصم ، حاسة كإن بحلم
من خلف كتف عاصم رأت غزل الضيفان اللذان جاءا للتو ولم يكونا سوى راسل وحياء ، فتركت عاصم وأقتربت منهما مرحبة بقدومهما :
– أهلا وسهلا نورتوا مبسوطة أنكم جيتوا
أقتربت منها حياء وقبلتها على وجنتيها وقدمت لها الهدية التى أبتاعتها من أجلها :
– ألف مبروك ودى هدية بسيطة علشانك
أخذت غزل الهدية منها بإبتسامة ، فقدم راسل تهنئته بكلمات بسيطة ، فهو لم يأتى إلا بعد إلحاح زوجته ، ولم ينكر أنه أتى من أجل رؤية ميس وولاء والإطمئنان على أحوالهما ، فالفتاتان بمجرد رؤيته هرولتا إليه وكل منهما تسبق الأخرى بسؤالها عن أحواله وكيف كان وكيف أصبح ، والعديد من الأسئلة ، التى جعلته بالأخير يرفع يده وهو يقول بصوت عالى نسبياً :
– بس إهدى أنتى وهى سيبونى أتكلم سألتوا ١٠٠ سؤال مرة واحدة
تبسمت ولاء على قوله وهى تقول بوداعة :
– متزعلش مننا يا أبيه أحنا بس كنا عايزين نطمن عليك
تأبطت ميس ذراعه وهى تقول بخوف حقيقى :
– أنا كنت خايفة عليك أوى يا راسل وأقعدت أعيط
ربت راسل على وجنتها ورد قائلاً بحب :
– الحمد لله يا حبيبتى عدت على خير المهم طمنونى عاملين ايه
تابعت حياء حديث زوجها مع ولاء وميس من بعيد ، فهى مازالت واقفة برفقة غزل ، فصدح هاتفها بنغمة وصول الرسائل ، فنفخت بضيق وهى تقرأ الرسالة التى وصلتها ، فهى سأمت من حظر الأرقام التى ترسل لها تلك الرسائل النصية السخيفة حسب وصفها له ، فلولا تلك الظروف العصيبة التى يمر بها زوجها ، لكانت أخبرته بالأمر
جاء نص الرسالة كالتالى :
– ميعادنا قرب أوووى يا حياء
أعادت الهاتف لحقيبتها الصغيرة ، فتبسمت بتوتر لغزل ، ولكنها تذكرت تحديق غزل بتلك الشامة بيدها ،
أرادت سؤالها عن ذلك فقالت بإصرار :
– مدام غزل هسألك سؤال وياريت تجاوبينى بصراحة أرجوكى أنا سبق وسألتك ليه بتبصى على الشامة اللى فى إيدى وأنتى قولتى أنك بتبصى عليها عادى بس أنا حاسة أنك تعرفى حد عنده نفس الشامة دى صح ؟ فلو كده قوليلى الحقيقة جايز أعرف مين أهلى ، على ما أظن أنك عرفتى حكايتى
تلمست غزل حاجبها بطرف إصبعها وهى مطرقة برأسها أرضاً تقول بصدق :
– صدقينى يا حياء هى أه الشامة زى شامة كانت موجودة على ايد واحد كان شغال مع مراد أخويا ووجدى أخو راسل كنت أعرفه زمان بس معرفش إذا كان ليكى علاقة بيه أو لاء أو أن الشامة مجرد تشابه بس مش أكتر ، لأن اللى عرفته أنه عمل حادثة هو ومراته وولاده وماتوا
نظرت لها حياء قائلة بأمل:
– يبقى مين الراجل ده
همت غزل بإجابتها وهى تعتصر ذاكرتها للحصول على إسمه :
– على ما أظن كان إسمه …
قبل أن تنطق غزل بالأسم أقتربت منها إحدى المدعوات وهى تهنئها وتبعها عاصم الذى أخذها ليبدأا الرقص سوياً
فغرت حياء فاها بتعجب ، فهى كانت على وشك الحصول على طرف خيط ربما يمكنها من معرفة من تكون هى بالحقيقة ، ولكن الظروف حالت بينها وبين إتمام الأمر ، فهى لم تستطع البقاء بالحفل كثيراً ، إذ راسل حثها على الرحيل والعودة للمنزل ، ولكنها أخذت قرارها بأن تجتمع بغزل ثانية من أجل معرفة هوية ذلك الرجل ، الذى كانت على وشك إخبارها بإسمه
بعد إنتهاء ساعات الحفل ، أقترب معتصم وعمران من غزل لوداعها ، فطوقها معتصم ولم يمنع دموعه من أن تنزلق من عيناه وهو يدمدم بحب :
– خلى بالك من نفسك يا غزل مش عارف إزاى هصحى الصبح ومش هلاقيكى فى البيت
ضمته غزل بقوة وهى تربت على ظهره :
– حبيب قلبى يا معتصم أهم حاجة أن طمنت عليكم وكل واحد دلوقتى معاه مراته وإن شاء الله عن قريب تخلفولى أحفاد
أخذ عمران دوره لتوديعها ، ولكنه كان محافظاً على رابطة جأشه أكثر من شقيقه ، على الرغم من حزنه بترك غزل للمنزل ، إلا أن ذلك لم يمنعه من إحتواءها بين ذراعيه القويتين وهو يقول بحنان :
– أنتى عارفة أنا بحبك قد إيه يا غزل وبخاف عليكى وكل اللى أنا عايزة أنك تعيشى مبسوطة فأنا بتمنالك السعادة اللى تنسيكى الحزن اللى عشتيه سنين طويلة
أنزلقت دمعة من عيناها وهى تجيبه مغمغمة بصوت خافت :
– أنا مكنتش بعتبركم ولاد أخويا بس يا عمران أنت ومعتصم كل حاجة فى حياتى أنتوا كنتوا ولادى قبل ما تكونوا ولاد أخويا
طال الوداع بينهم ، حتى قرر عاصم سحبها من يدها ووصل لسيارته ، التى تنتظرهما بالخارج وقرر هو قيادتها ، سمع صوت بكاءها المكتوم ، فناولها محرمة ورقية وهو يقول بقلق :
– مالك يا غزل بتعيطى ليه
ردت غزل وهى تمسح وجنتيها وعيناها :
– مش متخيلة أن سيبت عمران ومعتصم أو سيبت القصر
جذبها إليه وأدناها منه وهو يقبل رأسها:
– إشمعنا أنا سيبتينى السنين دى كلها يا أم قلب قاسى
تبسمت رغماً عنها وهى تستريح برأسها على كتفه :
– بلاش نتكلم فى الماضى تانى يا عاصم وخصوصاً الليلة دى
صمت عاصم إستماعاً لنصيحتها ، فالليلة أنتظرها بشوق كبير ، ولاداعى لهما بتذكر ما حدث سالفاً ، فهو أخيراً ظفر بمعشوقته الفاتنة ، التى خلبت لبه الليلة بجمالها الساحر ، فذلك الدفء الذى شعرت هى به وهو يحتويها ويضمها إليه ، جعلها أكثر هدوءاً بل أغمضت عينيها كمن تتهيأ للنعاس وسط غمامة وردية من أحلام نسجتها بالماضى ، وحان الوقت لتحقيقها لتصبح واقعاً أشبه بالخيال ، من إجتماع عاشق وعاشقة بلغ منهما الشوق والإشتياق مبلغه
_____________
أصبح الوضع أكثر تأزماً ، عندما تم إخطاره بضرورة المثول أمام أعضاء النقابة الخاصة بالأطباء ، فعلى ما يبدو أنهم أصبحوا على علم ودراية بتلك الأحداث المؤسفة التى حدثت له بالأونة الأخيرة ، من فيديو فاضح بتهمة الاعتداء ، لإشاعة تداول عقاقير طبية غير صالحة بمشفاه ، وصولاً بإتهامه بقتل أحد العاملين لديه
وكأن كل شئ تحالف ضده فجأة ، فالمنزل صار رهن تصرف المصرف ، الذى أقترض منه سابقا مبلغاً مالياً من أجل شراء أدوات طبية للمشفى ، مثلما يفعل من وقت لأخر ، جاعلاً المنزل وعقار أخر ضماناً لذلك القرض ، فلم يمهله مدير البنك فرصة لتسوية أحواله المالية ، إذا طالبه بتسديد القرض ، أو أنه سيلجأ لبيع تلك الضمانات بالمزاد العلنى
ولم يمهله ممثلى النقابة الفرصة بالدفاع عن نفسه ، إذ أصدروا قرارهم بوقفه عن مزاولة مهنته لحين التأكد من صحة تلك الأقاويل التى ثارت حوله أو تكذيبها
فخرج راسل عن طوره بعد سماع ذلك القرار المجحف بحقه ، فصرخ بصوت جهورى :
– يعنى إيه توقفونى عن مزوالة مهنتى كجراح أنا مقبلش القرار ده
رد كبير ممثلى نقابة الأطباء بصوت عالى :
– متعليش صوتك يا دكتور راسل كفاية البلاوى اللى سمعناها عنك إحنا منقبلش أن واحد زيك يمثل مهنة نبيلة زى دى وبالنسبة للمستشفى بتاعتك هتخضع لإشراف وزارة الصحة لأن طلع فعلاً الأدوية اللى فيها بتضر صحة المرضى وخصوصاً الاطفال دا غير كمان التهمة اللى كانت متوجهالك بالقتل وطلعت منها والله أعلم طلعت منها علشان أنت برئ ولا علشان والدك يبقى رياض النعمانى وهو راجل واصل وقدر يخرجك منها
قال الرجل جملته الأخيره بسخرية واضحة ، فكور راسل قبضة يده وكان على وشك لكمه بوجهه ، ولكنه تراجع بالأخير ، فترك الغرفة وخرج وجد زوجته التى أصر على حضورها معه ، على الرغم من أنها رفضت بالبداية ولا يعلم ما أصابها فجأة وصارت تتصرف بغرابة وجمود كأنها ليست زوجته التى يعلمها
هجره العالم وأنقلب نعيمه إلى جحيم ، أسرع الخطى وهويقبض على كفها فهى ما تبقى له ،فلتكن بلسم لألامه وجراحه الثاخنة ،وصل إلى المنزل الذى من المفترض أن يتركه بالغد لبيعه بالمزاد العلنى ،فهو خسر كل مايملك ،وصل إلى غرفتهما وجدها متصنمة بوقفتها فأحاط وجهها بيديه يحدق بعينيها قائلاً:
– حبيبتى مش عايزك تزعلى على اللى حصل المهم أنك أنتى لسه معايا وجمبى أى حاجة تانية تهون
بكى قلبها دماً على حاله الذى وصل إليه فأبت أن تصل الدموع لمقلتيها فتصنعت عدم الاكتراث لتبتعد عنه ترتد بخطواتها للخلف تناظره ببرود وهى تقول:
–ومين قالك أن أنا عايزة أفضل معاك أنا عيزاك تطلقنى
رمش بعينيه عدة مرات كأنه لا يعى ما تفوهت به فرد قائلاً بذهول:
–أنتى بتقولى إيه عيزانى أطلقك عايزة تسيبنى فى الوقت ده
أولته ظهرها تخفى عنه وجهها وعينيها التى تهدد بسقوط دموعها فأقتربت من الحقيبة الموضوعة بأحد أركان الغرفة جرتها خلفها حتى وصلت لباب الغرفة فهتفت قائلة بدون أن تنظر إليه:
–أنت مفكرنى أن هعيش معاك وانت خلاص اتوقفت عن العمل وكمان خسرت كل فلوسك أنا طبعا طول عمرى متربية على العز ومش مستعدة أعيش معاك فى فقر أنا همشى وياريت ورقتى توصلنى فى أقرب وقت
خرجت من الغرفة وهى تتمنى لو تقبض روحها قبل أن تصل للباب الخارجى للمنزل حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة بين ذراعيه وببيته، فقبل أن تضع قدميها على الدرج كان قابضاً على ذراعها الأيسر بحزم ، فجعلها تنظر إليه ، فأبت أن تترك عيناها أسيرة لعينيه المذهولتان من قولها وهو يتمتم :
– حياء أنت واعية للى بتقوليه وبتعمليه دا أنا جوزك وحبيبك جاية دلوقتى تقولى كده ، حياء فيكى إيه وإيه اللى غيرك كده فجأة ، بوصيلى يا حياء دا أنا راسل اللى كنت دايما تقولى أنك محبتيش حد زى ما حبتينى
فنفضت يده بقسوة وهى تقول بجفاء :
– مسمعتش عن حاجة إسمها تمثيل ، أظن أنت جربت الموضوع ده مع مراتك الاولانية ، فكان سهل أوى أن أمثل عليك الحب علشان أضمن أن هعيش فى مستوى زى اللى متعودة عليك على طول بس دلوقتى أنت خلاص مبقتش تملك أى حاجة وأنا الصراحة مليش طولة بال على الكفاح وأن أستناك تبدأ من جديد ، بس ده ميمنعش أن أودعك قبل ما أمشى علشان تبقى تفتكرنى
جذبته إليها وبدأت تعانقه بقوة ، كأنه أخر عناق ستحصل عليه منه ، ففى البداية ظل متحجراً بوقفته ، لا يفهم ما يحدث وما تفعله ، ولكن ذلك العناق الحميمى بينهما ، جعله يطبق عليها بذراعيه ظناً منه أنها كانت تمازحه منذ قليل
فتبسم وهو يهمس بأذنها :
– أنا كانت عارف أنك بتهزرى يا حياء وأنك بتحبينى ومش ممكن تبعدى عنى أو تسيبينى فى أكتر وقت محتاجلك فيه ، قوليلى ليه قولتى كده وليه بقالك كام يوم متغيرة معايا ومش زى عوايدك ، لو فى حاجة مخبياها عليها قوليلى يا حبيبتى
فصلت العناق بينهما وهى تلهث بصوت مسموع ، فبعد أن أخذت كفايتها منه ، دفعته عنها وهى تقول بسخرية أجادت فى إستخدامها :
– ومين قالك أن أنا بهزر يا راسل أنا فعلاً هسيبك وأمشى لأن أنت متتحبش أصلاً نسيت أول ما عرفتك وكنا بنتخانق مكنتش بكره حد فى الدنيا دى زيك ، ولما لقيت نفسى فى الدنيا لوحدى قولت مفيش مانع أمثل عليك الحب علشان ما أتبهدلش زى ما حصل وعاصم إبن عمك ضربنى كنت وخداك كده حماية من الزمن والفقر ، بس يا خسارة الحلم مطولش كتير وكده أحسن لأن كتر التمثيل خنقنى سلام
أهتز جسده فجأة وهو يراها تتركه وتهبط الدرج ، فكأن لسانه معقود ولكن كل ما يعيه بتلك اللحظة ، أن من كان وضع آماله بأنها ستكون هى سلواه ، مزقت قلبه بحديثها ، بل صممت على تركه بتلك الظروف الحالكة
ولكنه خرج عن صمته وهو يقول بتحذير :
– حياء لو خرجتى من البيت ده مش هترجعيله تانى
إلتفتت إليه حياء وهى تضحك:
– ماهو البيت هيتباع فى المزاد يا حبيبى ولا نسيت وأنت كمان مش هترجعله تانى
أثار حنقه صوت ضحكتها العالية التى لم تكن بمحلها الآن ، فقال وهو يصرخ بإنفعال ووحشية:
– أخرجى وإمشى وسبينى ولو حصل وأتقابلنا تانى أبقى حاولى تهربى منى يا حياء لأن ساعتها مش هرحمك مش هرحمك
_______________
يتبع…
لإكمال الرواية تابعنا علي قناة تليجرام
👈 الفصل التالي: رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السادس والثلاثون
👈 جمييع الفصول: رواية لا يليق بك إلا العشق كاملة بقلم سماح نجيب
👈 المزيد من الروايات الرومانسية الكاملة: روايات كاملة
👈 لتحميل المزيد من الروايات: تحميل روايات pdf
انتهت أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.