نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل العشرون من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
رواية لا يليق بك الا العشق الفصل 20
٢٠ – ” سأكون أنا عنوانها ”
أقحم يده بجيب بنطاله ، ووضع هويته الشخصية ، ومازالت أصابعه قابضة على أطرافها ، يشعر بها تكاد تمزق باطنها ، فكنية ترافقت مع أسمه ، تحمل أوجاع وماضى ، كان يظن أنه بإستطاعته نسيانه ، ولكن كيف له بالنسيان ؟ فكلما نظر بها يتذكر من هو ، فهو الغائب الهارب من خناق والده الثرى ، الذى لم يلقى بقصره سوى الجفاء والبرودة ، فهو لم يكن له يد بما حدث ، فمشيئة القدير هى من جعلته يحمل دماء وإسم رياض النعمانى ، وحمل أيضاً كرهاً وبغضاء ، ترافقت جمباً إلى جنب مع دماءه
فنظر لها بشموخ ، وحاول إكساب صوته البرود ، يخشى أن يخرج طيف ذلك الطفل الصغير من بين ثنايا قلبه ، وتجده يسقط على ركبتيه باكياً ، ولكن هو بإمكانه تحمل الألم ، على أن يرى أحداً ضعفه
فرد قائلاً ببرود :
– أكيد كنتى هتعرفى ، كنتى هتتجوزينى إزاى كان ساعة كتب الكتاب هتعرفى
تبسمت حياء بذهول وهى تقول:
– ساعة كتب الكتاب علشان أكون قدام الأمر الواقع ، علشان مقدرش أرفض ساعتها حفاظاً على صورتى قدام الناس وأن أخاف من الشوشرة لاء بجد برافو يا دكتور راسل
رفعت يديها تصفق بها بهدوء ، كأنها شاهدت عرض مسرحى ونال إشادتها بإتقان الممثل تأدية دوره ، فما كان منه سوى أن نادى صغيرته وهو يقول :
– سيجو روحى أوضتك يلا علشان تنامى
جذبت سجود يد حياء وقالت :
– مامى يلا علشان تحكيلى حدوتة قبل ما أنام
قبل أن يأتيها الرد من حياء ، كان أبيها آمراً إياها بحزم :
– سجود قولتلك يلا على أوضتك وماما هتحصلك
أمتثلث الصغيرة لأمره وخرجت من الغرفة ، بينما ظل الجو بينهما مشحوناً بصمت يحمل بين طياته الكثير من الإستياء والغضب ، فهى تراه بمنظور الخداع ، فمن قبل واجهت تلك الخدعة ، عندما تقدم نادر لخطبتها مصطحباً إناساً ليسوا بأهله ، والآن علمت أن راسل يخفى عنها كونه إبن رياض النعمانى
فلما هى تعيسة الحظ هكذا ، فإن كانت من قبل إستطاعت تجاوز محنتها مع نادر ، فهى مُقنة أن تلك المرة سيتفتت قلبها ، فلا تشابه بين ماظنت أنه حباً بالماضى ، وبين ما تشعر به تجاهه ، فشتان بين الحالتين ، فنادر لم يعد يعنيها ، فهى حتى بدأت بنسيان ملامح وجهه ، كأنها لم تقابله من قبل ، أو أنها رأته بحلم وأستيقظت وطوت الأمر طى النسيان ، ولكن راسل لن تستطيع التحرر من تلك القيود الحريرية ، التى كبل بها قلبها وروحها
فدمعت عيناها وهى بإنتظاره أن يكمل حديثه ، فلا تعلم ما شعر به من سوء لرؤية عبراتها ، فهو من أخذ عهداً ، بأن لا يجعل الحزن يقربها ثانية ، ولكنه فشل بفعل ذلك بأول عثرة ستواجه دربهما
فأراد أعطاءها مطلق الحرية للإختيار ، فحتى وإن صار عاشقها ، فلن يكون أنانياً ويساهم بكسر أجنحتها التى بدأت تجبر كسرها
فأخذ نفساً عميقاً وقال:
– عارف أن زعلتلك بس اللى عايز أقولهولك أن كل واحد وله ظروفه ، وموضوع ليه أنا مخبى أن رياض النعمانى أبويا أو مش حابب العلاقة دى فده أكيد وراه اسباب وبرضه مش حابب اتكلم عنها دلوقتى ، إلا ما ييجى الوقت المناسب اللى أبقى قادر أحكيلك فيه ، بس اللى عايزك تعرفيه أن رياض النعمانى بيعتبرنى النقطة السودة فى تاريخه اللى لا عارف يمحيها ولا عارف يخلينى أسامحه عليها ، فلو أنتى حاسة يا حياء أنك عايزة تتراجعى عن الجواز ، أو شايفة أن خدعتك ، أنا هقبل منك أى قرار ، ومش هغصب عليكى ، حتى لو كنت بحبك ، فالقرار فى ايدك
ألقى الطابة بملعبها ، بإنتظار قرارها ، فلما يفعل بها ذلك ؟ فحتى وإن كانت مستاءة ، فهى كانت بإنتظاره ، أن يعلنها صريحة أنه لن يتركها تذهب من هنا ، حتى لو كانت هى تريد ذلك ، فدائماً بروده ما يحيرها ، وتلك الهالة من القوة ، التى تحيطه دائما ، تجعلها بحيرة من أمرها ، لا تساهم بأخذها القرار الصائب ، فكبرياءها دائماً ما يزعجها بتلك اللحظات ، من أنه يريدها أن تكون نداً له
فتطلع إليها معقباً:
– هسيبك تفكرى وتصبحى على خير
رآى أن يترك لها الوقت الكافى بالتفكير ، فهى لن تتخذ قرارها بلحظة ، لذلك خرج من الغرفة ، وأغلق الباب خلفه ، فصوت إغلاق الباب جعلها تعى حقيقة أنها صارت بمفردها ، أو بالأدق صارت تقف بمنتصف طريق بين قلبها وعقلها الذى يشد من أزره كبرياء انثى ترى أنها أكتفت من أمور الخداع ، جلست على الأريكة المواجهة للفراش ، فتمعنت النظر به ، فمن المفترض أن بالغد سيتشاركان حياتهما سوياً ، سيصبح كل منهما سنداً ودعماً للأخر ، وأنه هو من سيهديها أسرار وخفايا العشق ، التى لم تعلم منها وعنها سوى اليسير
رفعت ساقيها عن الأرض ، وأحاطتهما بذراعيها ، وظلت تحملق بالفراغ ، كأنها بإنتظار بزوغ قرارها من فجر العدم
________________
منذ عودته وهو جالساً بغرفته ، وأحبط محاولات شقيقته وعمه فى معرفة ما أصابه ، فبعد أن جعل كل ما طالته يداه حطاماً ، جلس على المقعد القريب من النافذة ، منحنى الظهر والأكتاف إلى الأمام ، تتساقط عبراته على زجاج إطار صورتها ، التى ظل محتفظاً بها منذ أن كانت بالعشرين من عمرها ، وكانت قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح زوجته ، لتأتى رياح الخيبة ، وتقتلع جذور أمانيه
فكلما تذكر حديثها معه وتصريحها بأن فواز خطيبها ، وهو يشعر بنيران تلتهم قلبه وأوردته ، وتعجزه عن التفكير السليم
فلو بيده كان جعل من فواز أشلاء ، فمن تجرأ على التفكير بها لابد أن يستحق العقاب
قبل أن تختمر خططه الإنتقامية من قلبه العاشق ، سمع صوت ميس وهى تناديه برقة كعادتها :
– خالو أنا ميس أفتحلى الباب بليزز علشان خاطرى
لم يخيب رجاءها ونداءها ، فترك مكانه وفتح لها الباب ، فبعد أن ولجت الغرفة بقدميها ، أوصد الباب ثانية بالمفتاح ، لكى لا تتبعها سوزانا
نظرت ميس لمحتوى الغرفة المتناثر بكل أرجاءها ، فشهقت بخفوت وهى تضع يدها على فمها وقالت:
– إيه ده يا خالو أنت عملت فى الأوضة ليه كده طب أنت كويس اتعورت ولا حاجة
حرك عاصم رأسه دليلاً على أن كل شئ على ما يرام ، فعاد وجلس مكانه ثانية ، محاولاً إخفاء صورة غزل ، ولكن إستطاعت ميس رؤيتها ، فسحبتها من جواره وهى تمعن النظر بها
فلم تمنع إطلاق صيحة إعجاب بجمال صاحبة الصورة وهى تقول :
– واوووو مين البنت الجميلة دى يا خالو دى واحدة من حبيباتك
رد عاصم قائلاً بنهدة مشتاقة :
– ده حبيبتى الوحيدة ولا فى قبلها ولا كان فى بعدها
عقدت ميس حاجبيها بعدم تصديق لما قاله ، فهى على علم ودراية بأموره الغرامية ، وليس هى وحسب بل الجميع يعلم بشأن علاقاته النسائية المتعددة
فجلست بجانبه ، وأرتكزت بمرفقها على ساقها وأستندت بفكها على كف يدها ، ونظرت له بصمت دام لثوان ، ولكنها قالت بالأخير :
– عليا الكلام ده يا خالو دا أنت صيتك زى الطبل زى ما بيقولوا
إبتسم عاصم إبتسامة تخلو من المرح وهو يقول:
– مش بيقولك الصيت ولا الغنى بس صدقينى يا ميس وجايز دى حاجة أول مرة أقولها لحد أنا عمرى ما لمست واحدة ست جايز كنت اعرف ستات بس المعرفة السطحية اللى عمرها ما أنتهت بحاجة غلط لحد ما طلع عليا أن بتاع ستات وجايز دى حاجة كنت راضى بها كنوع من الغرور مش أكتر بس الحقيقة غير كده غزل دى هى الوحيدة اللى قدرت تاخد قلبى من أول ما عينى وقعت عليها ساعة ما أتولدت ، كأنها أتخلقت فى الدنيا دى علشان تاخد قلبى وعلشان تبقى نارى وعذابى وجنتى اللى هفضل مطرود منها طول عمرى
أستشعرت ميس نبرة الحزن التى تخللت صوت خالها ، فمن تكون تلك المحبوبة ، التى جعلته مدلها بغرامها إلى هذا الحد ، فما تراه به من مال وقوة ووسامة تخوله الحصول على ما يريد من النساء
فضمت شفتيها بالبدء ، لتعود بعد ذلك وتنفرج تمهيدها لقولها :
– هو إيه اللى حصل خلاك تقول كده يا خالو يعنى أنت كان بإمكانك أنك تتجوزها ولاهى مثلا كانت فقيرة فعلشان كده الجوازة متمتش
تبسم عاصم بألم وهو يقول:
– مش هتصدقى لو قولتلك أنها من أكبر العائلات في إسكندرية وأبوها وجدك كانوا أعز أصحاب من وهم صغيرين ومش بس كده دا كان فى كمان صلة قرابة بينا كنا يعتبر كلنا عيلة واحدة
تعجبت ميس من سماع كم تلك المغريات ،ومع ذلك لم يصح له الزواج منها ، فهتفت قائلة بغرابة :
– يعنى كل ده وبرضه مقدرتش تتجوزها أنا مش فاهمة حاجة يا خالو ايه اللى حصل فهمنى
مسح عاصم وجهه بيده السليمة وهو يزفر من أنفه بتيه :
– اللى حصل أن فى شيطان دخل بينا والدنيا أتقلبت والعداوة بينا بقى عارف بيها كل الناس اللى حوالينا وكنت أنا السبب ، لأنها فاكرة أن أنا خنتها قبل فرحنا بأسبوع ومش بس كده دى قفشانى فى فندق مع واحدة أجنبية كانت جاية إسكندرية فى زيارة وكانت فضيحة بجلاجل
لم تعلم ميس لما واتتها الرغبة بالضحك على جملة خالها الأخيرة ، خاصة أنه قالها بكل ما يحمله من غيظ ، على تلك الظروف التى حالت بينه وبين معشوقته
فقطب حاجبيه وهو يراها تحاول كبت ضحكتها ، فثارت ثائرته أكثر وعلا صوته قائلاً بحدة:
– بتضحكى على إيه أنتى دلوقتى جاية تضحكى على أحزان خالك أنا غلطان أن أتكلمت معاكى
انفجرت ميس ضاحكة ، كأنه أعطاها إشارة على بدء نوبة الضحك العالية التى أنتابتها من حديثه معها ، فدمعت عيناها وحاولت تقديم أسفها على ما بدر منها
فحمحمت تجلى صوتها وهى تقول:
– والله بجد أسفة يا خالو بس لما سمعتك بتقول قفشتنى مع واحدة أجنبية مقدرتش أمسك نفسى أسفة والله بس يعنى غلطة زى دى مقدرتش تسامحك عليها وخصوصاً أنك مكنتش غلطان حسب ما فهمت من كلامك
حرك عاصم رأسه بعدما أغمض عينيه متنهداً وقال :
– هى شايفة أنها غلطة متغتفرش وانتى كمان متعرفيش أن اللى بين العيلتين وصل للدم كمان اللى راح ضحيته أ…
أمتنع عاصم عن إكمال حديثه ، ففتح عيناه على إتساعها ، فهو كان على وشك إخبارها بالسبب الحقيقى لوفاة أبيها ، فهى لا تعلم شيئاً سوى أنه وافته المنية أثر حادث سيارة ، ولا تعلم السبب الحقيقى لمقتله
فعندما رآى فضولها يزداد بعينيها لمعرفة بقية حديثه ، أشار لها بالخروج وإخبار إحدى الخادمات بضرورة المجئ لتنظيف الغرفة ، فخرجت ميس على مضض من دفع خالها لها برفق ليجعلها تخرج من الغرفة ، بل لم يكتفى بذلك بل أغلق الباب حتى لا تعود للغرفة ثانية
_______________
قضى ليلته بأكملها على أريكة خشبية بجوار المسبح ، فهذا هو المكان الذى يمكنه بوضوح ، من رؤية شرفة غرفته ، التى مازالت أضواءها على حالها منذ الأمس ، فحرارة الشمس بدأت بلسع جلده ، بعدما عملت على إفاقته من نومه ، بعد أن غلبه النعاس بوقت متأخر من الليل ، فبعد أن يأس من رؤيتها تأتى لتخبره بقرارها ، فضل أن يعبث النوم بجفنيه ، لعله عندما يستيقظ ، يجد الأمور أكثر وضوحاً على ضوء النهار
دلك مؤخرة عنقه ، التى بدأت تألمه من النوم غير المريح ، فقميصه مجعد وشعره مشعث من كثرة ما عاثت به يده فساداً ، فترك مكانه وحاول أن يجعل الدماء تسرى بأطرافه المتيبسة ، فتمطى بجسده ثلاث مرات ،حتى رأى أنه بحالة جيدة نسبياً ، ففكر بالذهاب للداخل ، ليرى ما آلت إليه الأمور
ولج للداخل ووجد حركة نشاط غير معتادة ، فقابل وفاء التى تحمل بيدها طبقاً به طعاماً وبطريقها لوضعه على مائدة الطعام
فتبسمت له وهى تصيح بإبتسامة :
– إيه يا حبيبى أنت كنت فين كل ده مش يلا علشان تفطر و تشوف هتعمل ايه وتجهز نفسك علشان كتب الكتاب والفرح مبقاش فاضل عليهم غير كام ساعة بس
جف حلقه يخشى سؤالها عن حياء، فتتعجب من سؤاله ويضطر بالأخير أن يخبرها بما حدث ، ولكن سعادتها تنبأ بأن ربما كل شئ مازال على حاله
فأراد سؤالها بطريقة غير مباشرة :
– هى سجود فين
وضعت وفاء الطبق من يدها وهى تقول:
– فوق مع حياء فى الأوضة علشان الميكب أرتست جت وهى معاها فوق هى وولاء ويلا بقى أنت كمان ظبط نفسك عيزاك قمر زى ما أنت قمر على طول
عوضاً عن سماعه آمرها له المغلف بالسعادة ، وجد نفسه يقترب منها ويطوقها بذراعيه ، كأنه يدعوها لإحتضانه مثلما تفعل دائماً بأوقاته العسيرة ، فرفعت ذراعيها وضمته إليها فشعرت بوجود أمر يقلقه
فربتت على ظهره تحثه على البوح بما لديه :
– مالك يا حبيبى فى إيه
– حياء عرفت أنا أبن مين عرفت أن رياض النعمانى أبويا وزعلت وأنا سبتها تاخد قرارها براحتها ياتمشى يا توافق نكمل جوازنا
قالها راسل بصوت حاول إخفاء رجفته ، ولكن كأنه نقل إليها عدوى الإرتجاف
فيداها أرتعشت وهى تحاول سحبه بعيداً عنها ، لتنظر لوجهه فتعمقت خطوط الإرتجاف حول فمها وهى تقول:
– وإيه يعنى لما تعرف ما كان مسيرها فى يوم هتعرف كل حاجة يا راسل مفيش حاجة بتستخبى العمر كله ، بس هى فوق دلوقتى وبتجهز نفسها ، لو كانت هتمشى كانت مشيت من الصبح ، ثم متحاولش تفكر فى حاجة النهاردة ، أفرح يا حبيبى بجوازك ومتخليش حاجة تعكنن عليك
تنهد بثقل قائلاً بحزن :
– وتفتكرى هفرح يا ماما ولا أنا أنكتب عليا الوجع وبس
ربتت على وجنته وأنزلقت دمعة من عيناها وهى تقول:
– هتفرح يا حبيبى إن شاء الله
تركها راسل وصعد الدرج بتأنى ، فجلست على أحد مقاعد المائدة ، ووضعت يدها على فمها لتمنع صوت بكاءها على حاله ، ولكن بسماعها صوت أقدام قادمة ، مسحت عينيها سريعاً ، ونهضت لتكمل إعداد المائدة
فتبسمت لها صالحة وهى تقول:
– متتعبيش نفسك يا ست وفاء خليكى مرتاحة ، أسفة يعنى فى سؤالى هو حضرتك مولودة ومتربية فين اللى يشوفك يقول عليكى هانم بنت بشوات ، بس برضه ست بيت شاطرة أوى
ربتت وفاء على كتف صالحة وقالت بإبتسامة :
– وأنا تعبانة فى إيه يعنى ثم أنا مش مولودة وفى بوقى معلقة دهب ولا حاجة دا أنا أصلى بسيط أوى ومولودة ومتربية فى حارة وكان ابويا الله يرحمه شغال ساعى فى شركة ريا…..
أمتنعت وفاء عن قول إسم ” رياض النعمانى ” فتبسمت بتوتر وأكملت حديثها :
– بس جوزى صفى الدين الله يرحمه كان عطار وربنا فتحها عليه وبقى عنده محل كبير وكمان أشترى البيت ده وبنى المستشفى لراسل ، يلا بقى نشوف هنعمل إيه علشان اليوم ميطرش مننا وإحنا لسه معملناش حاجة وهتصل أشوف إسعاد أتأخرت ليه كده
سبقتها صالحة للمطبخ ، بينما تلكأت وفاء فى الذهاب ، فبعد إخبار راسل لها بما حدث بينه وبين حياء ، تخشى أن تنتهى الليلة نهاية غير مستحبة أو صادمة له ، فهى تعلم أنه أكتفى من الألم والوجع منذ صغره وحتى الآن ، فرفعت وجهها وهى تهمس بالدعاء لله أن تمر الليلة بسلام وأن ينعم بالسعادة ، ولم تنسى أخذ هاتفها لحث إسعاد على المجئ بسرعة
أنهت إستعدادها للذهاب لمنزل صديقتها ، لكى تكون بجانبها اليوم ، فولاء سبقتها لهناك ، ولكن اثناء فتحها الباب وجدت زوجها حسان ، يقف مبتسماً لها ويقول بسماجة :
– راحة فين على الصبح كده يا ست إسعاد
نفخت إسعاد بضيق من رؤيته وقالت :
– أصبحنا وأصبح الملك لله مش عوايدك تيجى بدرى كده حسان مش عايزة أتأخر ، النهاردة فرح راسل
دفعها حسان للداخل وهو يقول :
– فرح راسل ! هو مبيزهقش من الجواز ما علينا كنت جاى أفكرك بخطوبة بنتك لفؤاد بيه مش عارف هو الصراحة الأسبوعين خلصوا وهو غطسان فين بس مسيره يظهر
فكرت إسعاد أن زوجها لا يعلم بما حدث وأن رياض النعمانى أمره بأن يترك تلك الزيجة ، فتبسمت إسعاد بتشفى :
– أنت متعرفش أن أصلا مفيش خطوبة ولا جواز خلاص العريس طار كان فى منه وخلص
لوى حسان ذراعها خلف ظهرها وهو يقول:
– بتقولى إيه يا ولية أنتى يعنى إيه الكلام ده
صرخت إسعاد بألم وهى تقول :
– أااه دراعى حرام عليك سيبنى وإن كان على بنتك فى عريس تانى أحسن منه وأغنى منه كمان عايز يتجوزها وهى موافقة
قالت ما لديها لعله يرحمها من ذلك الألم ، فترك ذراعها وتبسم بإتساع وهو يقول:
– هى البت بقى الطلب عليها زايد ليه كده بس مش مهم بس طالما كده مقولتوش ليه وعايز أشوف العريس ده اللى بتقولوا عليه
عجزت إسعاد عن الرد فهى تعلم بشأن خوف إبنتها من مقابلة معتصم لوالدها ، فمتى سينتهى ذلك الخوف والحيرة التى يعيشنها ، فبعدما أخبرته بأن قريباً ستخبره بالموعد المرتقب لمجئ معتصم ، ذهب حسان وهو سعيد بأن ربما تلك المرة سيتلقى عرضاً أفضل من أجل زيجة إبنته ، فخرجت من المنزل وهى تجر قدميها جراً وتفكر كيف ستكون حالة إبنتها بعدما تعلم بشأن زلة لسانها وأنها أخبرت والدها بالأمر
بالطابق الثانى من منزله وأمام غرفته ، كان مازال واقفاً منذ أن صعد الدرج ، تتقاذفه رغبة الإقدام والإحجام عن طرق الباب ، فهو لا يريد الذهاب لتلك الغرفة التى كانت مخصصة له بالإقامة حتى مجئ ليلة الزفاف ، قبل أن يتحدث معها ويسمعها منها صريحة
فأنتهى الصراع الدائر بخلده بطرقه على الباب طرقات وصلت حد الإلحاح ، ففتحت سجود الباب وتبسمت لأبيها وهى تقول :
– بابى عايز ايه
أنحنى راسل لسجود ومسد على ذراعيها وهو يقول:
– عايزك تقولى لمامى بابى عايز يتكلم معاكى فى موضوع ضرورى
ولجت الصغيرة بخطوات راكضة وأخبرت حياء بما يريده أبيها ، فأستأذنت حياء من تلك المرأة التى كانت على وشك البدء بتزيين وجهها ، فوضعت عليها ثوب الصلاة ، وأطلت برأسها من شق الباب
فنادته بصوت منخفض :
– كنت عايزنى فى إيه وايه الموضوع الضرورى ده قلقتنى
غرز يده بين طيات شعره مغمغماً بإرهاق :
– كنت عايز أعرف قرارك النهائى وهل أنتى حابة نكمل جوازنا
أطرقت حياء برأسها أرضاً وهى تقول بخجل :
– أكيد طبعاً حابة نكمل جوازنا وأنك تبقى جوزى وسجود بنتى وعن أذنك بقى علشان هتعطلنى كده
أغلقت الباب قبل أن تستمع لرده ، فكأنها ألقت عليه سحراً ، جعل الحزن يتبدد عن عينيه وتسكن البهجة قلبه ثانية ، فتبسم قائلاً بلطافة :
– على فكرة دى تانى مرة تقفلى الباب فى وشى وكده مش حلو خالص
وضعت يدها على فمها تكتم ضحكتها إلا أنها إستطاعت القول :
– يلا روح شوف هتعمل إيه علشان الوقت ميضعش على الفاضى
هرول بخطواته صوب الغرفة التى ينتظره بها ثيابه لتلك الليلة ، بينما هى عادت ثانية وجلست على المقعد أمام منضدة الزينة ، وسمحت للمرأة بأن تبدأ عملها ، وظلت تتجاذب أطراف الحديث معها ومع ولاء وسجود التى جلست على ساق ولاء وهى تعمل على طلاء أظافرها الصغيرة بلون يتماشى مع لون ثوبها الجميل
فقبلتها ولاء على وجنتها وقالت :
– ها حلو اللون ده يا سيجو دا تالت لون تخلينى أحطهولك وترجعى تخلينى أشيله
نظرت الصغيرة لأظافرها بتقييم :
– مم حلو يا ولاء عايزة أحط روج ومكياج
ضحكن جميعاً على قولها ، فطوقتها ولاء وهى تقول :
– من عيونى حاضر بس خلينا نعمل كده قبل الفرح ما يبدأ بدقيقتين علشان عارفة أن هلاقى الروج فى كل حتة فى وشك واحتمال كمان الاقيه فى الفستان ماشى
أماءت الصغيرة برأسها موافقة ، فتركت ساق ولاء وأقتربت من حياء لتجعلها ترى طلاء أظافرها ، فقبلتها حياء وأجلستها أمامها ، فهى تريد النظر إليها وإلى أبيها لما تبقى من عمرها ، فهى اتخذت قرارها وأستمعت لنداء قلبها ، فهى تثق به ولن تجعل شئ ينال من تلك الثقة أو الحب الذى تكنه له بقلبها
شردت ولاء بخيالها ، وهى ترى نفسها بيوم كهذا ، فالفرصة سانحة ومستحيلة بالوقت ذاته ، فهى حتى الآن لم تخبر راسل بما حدث ، فهى تنتظر إنتهاء الزفاف و يأتى الوقت المناسب لإخباره
________________
ضمت هند ساقيها بذراعيها وهى جالسة على الفراش ، تهتز بحركات متتابعة ورتيبة للأمام والخلف ، وعيناها عالقة باللاشئ ، فجفنيها حمراوين من عدم نومها ، ووجهها شاحباً ، فمنذ عودة والدايها ، وحدوث تلك الكارثة لها ،وهى كأنها أعتزلت الجميع ، وفضلت العزلة بعيداً عن أعين المحيطين بها ، فتلك الفتاة المفعمة بالنشاط والحيوية وحب الحياة ، لاتمت بصلة لتلك التى يكاد يجزم كل من يراها ، أنها ألقى عليها سحر أسود ، جعلها كالمجذوبة ، فهى حتى لم تنسى أن تحدث نفسها وتلومها بصوت مسموع ، كأنها حقاً قد اختل عقلها
فعاودت جلد ذاتها وهى تقول:
– أنا السبب أنا اللى عملت فى نفسى كده مسمعتش كلام اللى حواليا لحد ما ضعت فعلاً انا السبب ، خلاص يا هند ضيعتى خلاص أرتاحتى دلوقتى
تبع حديثها ضحكات هيسترية ، فتعالت أصوات الضحكات شيئاً فشيئاً ، وأختتمتها بصوت صرخة كادت تمزق أحبالها الصوتية ، يرافقها دموع ساخنة ألهبت وجنتيها ، فعلى أثر تلك الصرخة فتح باب الغرفة وولجت والدتها بأقدام مرتجفة ظناً منها أنها اصابها مكروه
فأقتربت من الفراش وانحنت تتحسس وجهها وتقول بلهفة :
– مالك يا هند مالك يا حبيبتى فيكى إيه وليه صرختى كده
دمعت عيناها وهى تنظر لوجه والدتها وقالت بصوت مرتعش :
– مفيش حاجة يا ماما دا انا كنت نايمة وحلمت بكابوس فقومت صرخت من غير ما أقصد
جلست والدتها على حافة الفراش وضمتها إليها وهى تربت على ظهرها بحنان :
– نفسى أعرف إيه اللى جرالك يا حبيبتى خلاكى من ساعة ما رجعت أنا وباباكى وأنتى قاعدة فى أوضتك لا بتخرجى ولا بتشوفى حد دا أنتى وشك بقى باين عليه التعب خالص ، حاسة بإيه يا قلب ماما قوليلى ، أنتى حزينة وزعلانة علشان راسل هيتجوز تانى ؟
فبما تخبرها هى الآن ، هل تخبرها بأن إبنتها وزهرة هذا المنزل ومدللة أبيها وقعت بالمحظور ، هل تخبرها بأنها أصبحت وردة ذابلة لا لون لها ولا عطر
أنفاس حارة خرجت من أنفها ، ودموع تسللت من بين أهدابها المغلقة ، فهذا كل ما حصلت عليه والدتها من إجابات على ما سألتها إياه
فحاولت إخفاء إرتجاف صوتها وهى تقول:
– أنا كويسة يا ماما مفيش حاجة ثم خلاص أنا مبقتش بفكر فى راسل
– كويسسسسسة إزاى بعد عملتك السودة دى يا هند
فتلك العبارة هزت بدنها عندما إستمعت لصراخ أبيها وهو يلج غرفتها كالإعصار
فبديهياً انكمشت بين ذراعى والدتها ، فنظرت له بذعر وهى تقول:
– أنت قصدك إيه يا بابا
لم يكن رده على ما قالته ، سوى صفعة تلقتها وجنتها وكادت تقتلع أسنانها ، فهو لم يكتفى بذلك بل قبض على شعرها وحرك رأسها بعنف وهو يقول بغضب العالم أجمع:
– قصدى إيه ! قصدى على سمعتى وشرفى اللى حطتيهم فى الطين يا قليلة الأدب يا عديمة التربية
جرها من على الفراش وأسقطها أرضاً على ركبتيها ، ومازال غضبه يعميه ويصفعها بيديه بأى مكان تصل إليه يداه بأنحاء جسدها كافة
صرخت والدتها وهى ترى إبنتها فريسة لغضب أبيها ، والذى لا تعلم ما أصابه حتى يفعل ذلك بها ، فهى تعلم مدى حبه لإبنته وتدليله لها ، ولكن أن يأتى الآن ويضربها هكذا ، فبالأمر شئ لا تفهمه
فبجهد جهيد حاولت إبعاد جسد هند عن أيدى أبيها الغاضبتين ، فصرخت به بخوف :
– بااااس كفاية أنت هتموتها فى إيدك ايه اللى حصل لده كله دا أنت عمرك ما مديت إيدك عليها
أرتخت يداه فجأة ، وقال بصوت يغلب عليه الحسرة:
– ياريتنى كنت ضربتها من زمان وعلمتها الأدب بدل ما كانت حطت شرفى فى الطين وهتخلى سمعتنا على كل لسان
تركت إبنتها ووقفت أمام زوجها ،تحاول الاستقصاء عن أسباب اقواله ، فما تبادر لذهنها من ظنون جعلها تخشى قولها
فتلعثمت حروفها وهى تقول بترقب :
– أنت قصدك ايه أوعى يكون …
حطت يديها على فمها ، عندما قرأت الجواب بعينى زوجها الدامعتين ، فلا تعلم كيف أخذت الدموع تجرى على وجنتيها عندما تأكدت ظنونها؟
وليس هذا فحسب ، فهو أخرج هاتفه من جيبه وناوله لها وهو يقول :
– خدى شوفى بنتك المحترمة عملت ايه وأن المنافس ليا فى انتخابات مجلس الشعب بقى يهددى يا أنسحب واساعده ينجح يا إما فيديو بنتك هينتشر على السوشيال ميديا وتبقى فضحتنا بجلاجل
أرتعشت يداها وهى تأخذ منه الهاتف ، بدأت بمشاهدة الفيديو وعيناها جاحظتان ، فهى ترى إبنتها ترقص بملابس فاضحة وهى مخمورة وتفعل أشياء مشينة مع شاب لم ترى وجهه جيداً ، فلم تستطيع إكمال المشاهدة ، إذ سقط الهاتف من يدها ، وتجمدت ملامح وجهها ، بل بدأت تشعر بأن الدماء قد تم سحبها من جسدها ببطئ ، والخدر بدأ يأخذ مكانه بأطرافها
فأحنت رأسها وهى تنظر لإبنتها الملقاة على الأرض ، ودموعها تتساقط كحبات المطر الغزير ، فلم تحسن غير خروج بضع كلمات من فمها وهى تقول:
– أنتى يا هند …..
فقبل أن تعاود إكمال قولها ، سمعا صوت إرتطام بالأرض ، ولم يكن سوى زوجها ، الذى سقط مغشياً عليه ، من هول ما علمه من فعلة إبنته
صرخت هند وهى ترى جسد أبيها طريح الأرض بجانبها :
– باااااباااااااا
أقتربت منه زاحفة على ركبتيها ، وشفتيها تنزفان من أثار إحتكاك خاتم والدها بهما أثناء صفعه لها ، فحاولت تحريك جسده وهى تهذى بجنون :
– بابا بابا رد عليا بابا بوصلى أبوس إيدك يا بابا رد علياااااااا
جثت والدتها هى الأخرى ، بجانبهما وهى تبكى وترى زوجها كمن أوشك على بلوغ نزوع الروح ، ففعلت ما فعلته إبنتها تحاول أن تجعله يفيق من إغماءه المفاجئ ، ولكن لم تأتى حيلتهما بأى نتيجة مرجوة ، فأسرعت زوجته بطلب سيارة الإسعاف من المشفى الخاص براسل ، وجاءتها على جناح السرعة ، ونقلت زوجها للمشفى
_____________
مرت سريعاً الساعات المتبقية على موعد عقد القران وبدء حفل الزفاف ، فهى أتمت زينتها على أكمل وجه وأرتدت ثوبها الأبيض الأنيق ، وولاء وسجود كانتا بطلة أكثر من رائعة ، وقفت أمام المرآة تنظر لنفسها جيداً ، تحاول تهدئة وجيب قلبها الذى أشتد خفقانه ، حتى شعرت بألم به ، ويرجع ذلك لتلك السعادة التى مزجت بالترقب مما سيحدث بعد قليل ، فلم يتبقى سوى دقائق ويقترن إسمها بإسمه وستصبح ” حياء راسل صفى الدين ” ولكنها عادت وتذكرت أن إسمه الحقيقى هو ” راسل رياض النعمانى ” ولكن ذلك لن يشكل لها فرقاً ، فهى تريده هو مهما كان مسمى والده ، حتى وإن كانت تشعر بالكراهية تجاه والده الحقيقى ولها الحق بذلك
صوت الطرقات على باب الغرفة ، هو من جعلها تخرج من شرودها ، ففتحت ولاء الباب وهى مبتسمة لرؤية وفاء ، التى ولجت الغرفة وهى تطلق الزغاريد كعادتها
فأقتربت من حياء وقبلت وجنتيها وهى تقول:
– بسم الله ماشاء الله الله أكبر عروسة زى القمر يلا يا حبيبتى علشان كتب الكتاب وكمان الشيخ اللى طلبتيه علشان يبقى وكيلك جه هو ومراته وإبنه
فحياء أبدت رغبتها بأن يكون إمام المسجد ووالد بلال هو وكيلها بأمر زواجها ، فلم يخيب رجاءها به وأتى هو وأسرته
فخرجت حياء من الغرفة وتأبطت ولاء ذراعها وسجود تحمل طرف الوشاح الأبيض على رأسها وهى تقفز بسعادة ، هبطوا جميعاً الدرج ، وسبقتهن وفاء وهى تعلن عن حضور العروس
ترقب الجالسين بغرفة المعيشة ظهور عروس الليلة ، وخاصة هو فدقات قلبه تصدر صخباً بين أضلعه ، فدقائق فقط هى من منعته عن جلبها بنفسه ، فهو ينتظر فقط أن يعلنها المأذون ، ولن يمنعه عنها شيئاً حتى وإن كان بموته
أقترب منها والد بلال متبسماً وقال :
– ألف مبروك يا بنتى ومتعرفيش فرحت قد ايه انك خلتينى وكيلك واعتبرتينى زى والدك
– بادلته حياء الابتسام بإبتسامة أشد خجلاً:
– أنت فعلاً بقيت زى والدى وانا اللى المفروض اشكرك انك مرفضتش طلبى وجيت
ملأت السعادة وجوه الحاضرين ، عدا بلال الذى لم يستطيع جلب مظاهر الفرحة والسعادة لوجهه أو شفتيه ، فهو لا ينكر أن منذ مجيئها للحى وهو كان يريد أن تكون من نصيبه ، ولكنها ستصبح الآن ملك لرجل أخر ، رجل رآى كيف ينظر إليها وعيناه تود لو تجعلها سجينتهما لكى لا يراها أحد ، فزفر بضيق إلا أنه لم يحاول أفتعال أمر يخرب الزيجة ، بل جلس بجانب والدته صامتاً
وضع راسل يده بيد إمام المسجد وبدأ المأذون بعقد القران ، وبعد قول جملته الشهيرة ” بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير” تعالت أصوات الزغاريد من وفاء وصالحة حتى ولاء التى لم تتمكن من فعل ذلك بالطريقة الصحيحة
حاولت حياء إلتقاط أنفاسها ، التى شعرت بها تنسحب ببطئ من رئتيها بعدما وعت حقيقة واحدة وهى أنها أصبحت زوجته الآن ، فها هى تخط إسمها بيدها على قسيمة الزواج بعدما تم التوقيع عليها من راسل وإمام المسجد والشاهدان
بعد إنتهاءها سحبت ولاء من يدها القلم وهى تقول بتفكه :
– أخدت القلم بدل ما اقرصك فى ركبتك وأحصلك فى جمعتك
قهقهت حياء على قولها فانتبه لها راسل ، الذى عقد حاحبيه تحذيراً لها بلطف لكى لا يستمع أحد لصوت ضحكتها ، فعبست وأخفضت وجهها ، فتبسم بخفوت على فعلتها ، وكم يشتهى هو الآن أن يتشاجران وأن يستطيع هو إنهاء المشاجرة بينهما ليس كمثل أى مرة حدثت من قبل ولكن تلك المرة ستنتهى نهاية مرضية له عندما تجعله يثمل من خمر عشقها
ولكن زاد عبوسه أكثر برؤية بلال يقترب منها وهو يقول :
– مبروك يا أنسة حياء ربنا يتمم بخير
ردت حياء وهى باسمة وقالت :
– الله يبارك فيك يا أستاذ بلال وعقبال عندك إن شاء الله
قبل أن يستمر الحوار بينهما أكثر من ذلك ،كان راسل يتقدم من مقعدها وبسط لها كفه قائلاً:
– يلا بينا يا حياء علشان نلحق نروح القاعة اللى معمول فيها الفرح
بإستحياء وضعت يدها بيده ، فجذبها برفق حتى إستقامت بوقفتها ، فبدأ الحاضرين بالخروج من المنزل للذهاب إلى القاعة المقام بها حفل الزفاف
تأبطت ذراعه ولكنها تلفتت حولها تبحث عن سجود فقالت :
– راسل فين سجود راحت فين
تبسم لها راسل وهو يقول :
– سجود مع ولاء متقلقيش ثم أول مرة أسمع منك بتقولى يا راسل مكنتش أعرف أن إسمى حلو كده
وجنتيها صارت بلون الدم من كثرة تدفق الدماء بهما ، تشعر بحرارة شديدة تجتاحها ، فهل تشعر بالخجل من الحديث فقط ، فما بالها بما سيحدث لها بعدما تصبح زوجته فعلياً
بوقت ليس بالكثير ، كانوا جميعهم بالقاعة ، فرآت حياء كثيراً من الحضور ، فالقاعة مكتظة بالمدعويين ، فلابد أن زوجها ذائع الصيت بالمجتمع السكندرى ، فهى ترى العديد من الأفراد يهنئونه بزفافه
لم تكن تعلم أن زفافها سيكون أسطورى هكذا ، فتنوعت فقرات حفل الزفاف بشكل منسق ، فسعادتها بلغت أوجها ، تنظر إليه بين الفينة والأخرى بإبتسامة ، ولكن تلك الإبتسامة ماتت على شفتيها وهى ترى رياض النعمانى يلج القاعة وميس تتأبط ذراعه وخلفهما الحرس الخاص به
ببادئ الأمر لم ينتبه راسل على مجيئه لإنشغاله بمداعبة إبنته ، ولكن سمع صوته يرن بأذنه وهو يقول:
– ألف مبروك يا دكتور راسل بس مش عيب ما تعزمش أبوك على الفرح مبروك يا عروسة
ردت حياء بصوت خافت :
– الله يبارك فيه
ظل راسل على صمته ، ولكنه انتبه على أقتراب ميس منه وهى تقبله على وجنته وقالت:
– مبروك يا حبيبى ألف مبروك
تركت ميس راسل وأقتربت من حياء وقبلتها هى الاخرى معقبة :
– ألف مبروك يا عروسة خلى بالك منه
قالتها ميس ممازحة لعلها تخفف من حدة الجو المشحون بالغضب والعصبية من جانب جدها وجانب راسل المتجهم الوجه ، فلم تنسى أيضاً تقديم الهدية التى إبتاعتها من أجل حياء ، فمدت يدها لها بها ،فأخذتها منها حياء وشكرت لطفها
حاولت ميس جذب يد جدها وهى تقول:
– جدو تعال يلا نقعد
رفض رياض مطلبها وهو يرفع يده قائلاً :
– روحى أنتى أقعدى يا ميس وجاى وراكى بس لما اتكلم مع عمك المحترم شوية
قبض رياض على ذراع راسل ، فلم يبدى إحتجاجاً على ما فعله ، بل ربما هذا أفضل من أن يعلو صوتهما ويثيران جلبة بالقاعة
خرجا من القاعة وبأحد الزوايا الهادئة ، كان راسل يقف وجها لوجه مع أبيه ، الذى تدل هيئته على أنه غاضب منه بشدة
فحاول إنهاء الأمر سريعاً ليعود للداخل ، فقال ببرود :
– خير يا رياض باشا عايز منى ايه فى ليلة زى دى أنت مش شايف أن أنا عريس النهاردة
جذبه رياض من سترته وهو يقول:
– أنت إيه مش ناوى ترتاح إلا ما تموتنى كل حاجة تتصرف فيها من دماغك يعنى مش كفاية جوازتك المنيلة من الإيطالية اللى كان بسببها ممكن تموت رايح دلوقتى تتجوز واحدة متعرفش ليها أصل ولا فصل ولا نعرف بنت مين ومتعرفش ايه اللى ممكن يحصلك بعدين
حدق به راسل قائلاً بوحشية :
– ملكش دعوة بيها مفهوووم دى دلوقتى مراتى ثم إزاى أنا معرفش هى بنت مين دى بنت عرفان الطيب وأنت أكيد عارف هو مين
– وعرفت كمان أنها مش بنته وانه متبنيها مش كده
قالها رياض فجأة ، بينما عمل راسل على سحب طرف سترته من كف رياض
فرد قائلاً بتحذير :
– أنا مش عايز أسمع كلمة عنها تزعلنى ثم ميهمنيش بنت عرفان ولا مش بنته ومش عايز أعرف هى بنت مين وأعتبرها أنها بقت بنتى أنا وبقت حياء راسل النعمانى
ألتوى ثغر رياض بإبتسامة قائلاً:
– راسل النعمانى ! وده من أمتى ما انت بقالك اكتر من ٢٠ سنة متبرى من الإسم
حاول أن يجارى راسل سخريته وهو يقول:
– أصل ممكن يكون إسم النعمانى ليه برضه مميزاته ، ومتنساش أن أنا وريثك الوحيد دلوقتى وأنا اللى همد فى إسمك ولا تحب أخلى إسم رياض النعمانى ينتهى معايا وأنت عارف سجود وميس هيجلهم الوقت إن شاء الله اللى ولادهم هيشيلوا اسم حد تانى ، فأنا بقى اللى حابب أمد فى إسمك بس ولادى بإذن الله مش هخلفهم من حد غير حياء وهى اللى هتبقى أمهم ، وخلى الزمن يعيد نفسه تانى يا رياض باشا يبقى حد من عيلة النعمانى خلف من واحدة فقيرة بس اوعدك إن شاء الله مش هخلى ولادى يكرهونى ولا هعايرهم بأمهم
ذلك التهديد الأخرق الذى ما فتأ يذكره به ، فهو سمع منه ذلك الحديث بزواجه الأول ، وهاهو يعيده ثانية ، ولكن تلك المرة رآى بعينيه تصميم وإرادة لم يراها من قبل
فأنتهى الحديث بينهما بعودة راسل لحياء ثانية ، فمد يده وتخللت أصابعه بأصابعها يتشابكان سوياً ، بل شعرت بضغط يده كأنه على وشك كسر عظام يدها
فحاولت ما أمكنها أن تتحمل الألم ولكنها هتفت به بأنين :
– مالك يا راسل حصل حاجة بينك وبين باباك
تبسم لها وهو يحرك رأسه قائلاً :
– لاء مفيش يا حبيبتى يلا بينا نرقص سوا
أخذها من يدها ، بعدما خفضت الإضاءة ، وتعالت نغمات الموسيقى الناعمة ، فوضعت يديها على كتفيه وحاوط هو خصرها بكفيه
فأحنى رأسه إليها وأستند بجبينه على جبينها وقال :
– أنا بحبك يا حياء وعايزك تعرفى أن مفيش حد هيقدر يفرق بينا ولا أى حاجة هتخلينى أتخلى عنك وأسيبك
شعرت بالقلق من حديثه ، فأبتعدت برأسها قليلاً وهى تقول:
– راسل هو فى إيه باباك عرف حقيقتى صح عرف أن أنا مليش أهل مش كده
قبل أن يرى عينيها تدمعان ، أسرع القول بحب وثقة :
– أنا أهلك يا حياء أنتى هتبقى مراتى وبنتى وحبيبتى ومش عايز إسمعها منك تانى أنك تقولى ملكيش أهل
– أنا بحبك
أنطلقت الكلمة من فمها بسهولة ، فتساقطت حروفها على قلبه قبل أذنيه ، فهو لم يسمعها منها من قبل إلا الآن ، فإن كان لا يطيق صبراً حتى يعود للمنزل ، فصبره أوشك على النفاذ بعد قولها
فربما الوقت خدمه الليلة بإنتهاءه سريعاً ، فها هما يعودان للمنزل بعد إنتهاء حفل الزفاف ، الذى لم تكن تعلم حياء بأنه سيظل ذكرى رائعة بقلبها طوال عمرها ، وصلوا المنزل بمفردهما ، فوفاء وسجود ذهبتا برفقة إسعاد وولاء لمنزلهما للمبيت عندهما لترك المنزل لهما بمفردهما الليلة ، وصالحة عادت لمنزلها برفقة أسرة إمام المسجد
ولج راسل المنزل وهو يحملها بين ذراعيه ، تضع هى ذراعيها حول عنقه ولكنها لم تحيد بنظرها عن وجهه ، بل تركت العنان لعينيها لتلتهم ملامحه بعشق جارف
صعد بها الدرج بسهولة حتى وصل غرفته ، فدفع الباب بقدمه فأنفتح سريعاً ، كأنه تُرك مفتوحاً ، فربما الخادمة التى عملت على وضع الطعام بالغرفة تركته هكذا قبل إنصرافها من المنزل
بمنتصف الغرفة كان يحررها من بين ساعديه ، ولكنه لم يتركها تبتعد ، فربما حان وقت دفع غرامات الشوق المتراكمة بقلبه ، فإن كانت تظن أن بإمكانها الفرار فهى واهمة ، فحصاره أشتد حولها
ولكن همس لها :
– يلا علشان نصلى يا حبيبتى
أسرعت بتنفيذ مطلبه وذهبت لغرفة الثياب ، خلعت ثوب الزفاف وهى تدعو أن لا يأتى الآن ، فبعد إنتهاءها وضعت ذلك الرداء الأبيض الحريرى على جسدها تخفى ما أرتدته أسفله ، وجذبت ثوب الصلاة وأرتدته هو الأخر
خرجت من الغرفة وجدته بإنتظارها ، فبدأ صلاتهما وبعد إنتهاءه من دعاءه لها ، أخذها وأجلسها بجانبه على الأريكة ، التى تم وضع الطعام على المنضدة أمامها
فأخذ طعاماً من أحد الأطباق وقربه منها وهو يقول :
– عايزك تأكلى الأكل ده كله دا أنتى طلعتى خف الريشة أنتى مكنتيش بتاكلى كويس ؟
أزدرت لعابها وهى تقول:
– لاء بأكل عادى يعنى بس جايز شهيتى قلت الفترة الأخيرة
تجولت أنفاسه على وجهها وهو يقول:
– لاء أنا عايز حياء اللى شفتها أول مرة أينعم كانت المقابلة مش ولابد بس مقدرتش أنسى عينيكى وهى بتدق شرار بعد ما فوقتى وكنتى عيزانى أعتذرلك
تبسمت رغما عنها وهى تقول:
– أنت كنت فظيع وكنت كل ما أشوفك كان نفسى أخنقك والله
تبسم على قولها ووضع الطعام بفمها ، فأبتلعته بحرص حتى لا تختنق فهو لا يعلم ما تشعر به الآن من خوف وتوتر وترقب وقلق ، وكل ما يمكن أن تشعر به فتاة بليلة كتلك
أراد منحها الوقت الكافى للتأقلم على وضعها الحالى ، ولكن ساهمت كل الاجواء المحيطة به ، بأن ينفذ مخزون صبره سريعاً ، فكانت طامته الكبرى عندما رآى ثوبها الذى ترتديه أسفل ثوب الصلاة ، فشعر بشئ يسد عليه مجرى الهواء ويمنعه من الوصول لرئتيه
فبدأ الأمر بينهما بهدوء وروية ، فبعد أن إستكانت لملمس يديه القابضة على كفيها بحنان وحب ، طار صوابهما سوياً من عناقهما الأول ، فإن كان هو متزوجاً من قبل وليست تلك هى المرة الأولى له ، فتلك المشاعر التى يشعر بها الآن لم تزوره من قبل ، خاصة وأن الطرف الأخر بتلك الحالة ماهى إلا فتاة خجولة وربما تستحى أن تظهر تعلقها به دفعة واحدة ، وليست كزوجته الأولى التى كانت تمتاز بالجرأة الشديدة
سقطت ببحر الغرام ، فتصارعت أمواج الشوق بإغراقهما ، فارس مغوار وصبية تاهت بين أرجاء مدينة الحزن واليأس ، فعمل على إنقاذها ، وأودعها بقلبه لتصنع من خفقاته ملاذاً لها ، فشيدت من أضلعه سياج تحيط قلعتها التى بنتها بداخل قلبه وتربعت هى ملكة على عرشها
فكانت أخر كلمة سمعتها منه قبل أن تعود النجوم لسماءها التى قطفتها برحلتهما لدنيا السحر هى :
– بحبك
كلمة تجعلها تشعر كأنها أمتطت جواد الأحلام وسافرت لبلاد سحرية ، لتجمعها به بعالم أخر غير ذلك العالم ، فخرجت الحروف من بين شفتيها بهمس خافت :
– وأنا بعشقك يا راسل
كمن زهد بالطعام منذ زمن فجاءته كوجبة شهية وسد رمقه حتى شعر بالإكتفاء ، فذلك الصخب الذى أعتمل بداخل صدره ، وصل لأذنيها وهى تضع رأسها موضع قلبه ، فقبل رأسها بإنتشاء ، فدماءه السارية بعروقه كأنها يسرى معها مخدر جعله لا يريد أن يفلتها من بين ذراعيه ، ولكنه نهض من مكانه على مضض للذهاب إلى المرحاض
فدفنت وجهها بالوسادة وهى مغمضة العينين ، ولكن تذكرت أمرها فنهضت وسحبت الغطاء التى تدثرت به فأمعنت النظر بغطاء الفراش أسفلها ، ولكنها لم ترى ذلك الشئ الذى كانت بإنتظاره كدليل على عفتها وطهارتها ، فقطبت حاجبيها بغرابة ، بل أنها سحبت رداءها الملقى على طرف الفراش وأرتدته سريعاً وتركت مكانها ، فظلت تبحث بعيناها بكل مكان بتلك الملاءة البيضاء ، ولكنها لم تجد ما يجعلها مطمئنة البال ، فشعرت بالإختناق فجأة وشدت رباط خصرها وخرجت للشرفة
فنسمات الليل أشد وطئًا من أنفاسها الحائرة ، تداعب أوراق الشجر وتصدر حفيفاً ، تعالت دقات قلبها صوتاً عنه ، فالقمر ينير السماء المعتمة ، كنقطة بيضاء وسط سواد حالك ، كأن ضوءه يسرى بعروقها ، نهدة حارة عميقة ، تنازعت بصدرها ، فأطلق شفتيها سراحها ، فاليوم مر بسلام ، فهاهى تقف بشرفة الغرفة ، رفعت يدها تنظر للخاتم المحكم حول بنصرها بكف يدها الأيسر ، تتوسطه ماسة صغيرة ، تلألأت كوميض عينيها وهى سابحة بأحلامها ، بإنتظاره أن يعود ، فلما هو تأخر هكذا
أغمضت عينيها ، وأشتمت تلك الرائحة التى تسللت لأنفها ، كإنذار لها بأنه قادم ، خشيت أن تلتفت للخلف ، وتتقابل أعينهما ، ويعلم خباياها ، فمن الأفضل لها أن تظل هكذا بمكانها
عزفت أنامله على خصيلاتها نغمات الشوق ، فزادت وتيرة أنفاسها ، فيديها القابضتان على السور العريض للشرفة ، إنطلقت منهما الرجفة ، لتبدأ السريان بباقى حواسها
تململت أنفاسه وهو يدنو برأسه إليها قائلاً بأنفاس تكاذ تذوب من فرط الاشتياق:
– حياء
– نعم يا حبيبى
لم تحسن نطق غير تلك الكلمات ، فنداءه لها جعل أنفاسها تَعلق بصدرها ، فأرسل إليها أنفاسه الحارة لتداعب وجنتها ، فحانت لحظة لقاء الأعين ، حاولت الفرار من أسر عينيه ، لتجد نفسها تقع أسيرة ساعديه
– بوصيلى يا حياء
من علياء قامته ، جاءها أمر الوصال ، وظنت أنها قادرة على النضال والصمود ، فتهاوت صروح الخصام ، ولكن قبل أن ينسيها الحب ما تريد قوله ، كانت تسرع بوضع يديها حائل بينهما
فتلعثمت حروفها وهى تقول:
– رر راسل هو ليه
لم تسعفها بقية الحروف بتكملة عبارتها ، فخفضت وجهها أرضاً ، فكأنما علم بما كانت تريد قوله والسؤال عنه ، فأحاط وجهها بكفيه وجعلها تنظر إليه
فقبل جبينها قبلة طويلة قائلاً بهدوء :
– بلاش يا حبيبتى تفضلى تفكرى فى حاجة تبوظ فرحتنا وهى ممكن تكون حاجة عادية اصلاً
– عادية ! بس إزاى يعنى وأنا….
قالتها حياء بتشتت ، حتى وإن حاول هو صرف فكرها وذهنها عن الأمر إلا أنها لن تستطيع فعل ذلك
________
يتبع…