نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السابع عشر من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
رواية لا يليق بك الا العشق الفصل 17
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة السابعة عشر
تصبب العرق من جبينها ، كأنها بيوم صيفى شديد الحرارة ، خلاف تلك الأيام التى جمعت بين البرودة الخفيفة ، ودفء الجو ، حاولت أن تبلل شفتيها ، التى أصابها الجفاف فجأة ، كما أصاب حلقها ، بيد مرتعشة حاولت إخفاء رجفتها عن أعينهما ، فتناولت كوب الماء الموضوع أمامها ، على تلك المنضدة الصغيرة أمامها
بعد إنهاءها الكوب ، كانت ستخطئ بوضعه على حافة المنضدة ، لولا تداركها نفسها ، ووضعته بالمنتصف ، فحتى لو شربت نهر من الماء ، لن يكون كافياً بإطفاء تلك النيران التى أشتعلت بداخلها ، بعد سماع ما قاله زوج إبنتها
إبتلعت ما أمكنها من ريقها ، فخرج صوتها يحمل دهشة :
– أنت بتقول إيه يا وحيد وإزاى تتهم حماك بتهمة زى دى مش ممكن شكرى يعمل كده
لم يأخذ وحيد بمنطق دهشتها المزيفة ، فهو لم يصمت من البداية إلا من أجل زوجته ، على الرغم من تأنيب ضميره المتكرر له ووخزه ووصفه له بأنه شيطان أخرس ، ولكنه خشى خسارة هبة ، وخشى أيضاً أن تجد نفسها بلا عائلة ، وتتهدم حياتها أكثر فأكثر
فوضع يديه بجيبى بنطاله قائلاً بفتور :
– روحى إسأليه بس نصيحة مني بلاش تحاولوا تاخدوا هبة من هنا تانى أصل لو ده حصل ههد المعبد على دماغ الكل
أسرعت قسمت بترك مقعدها ، بل أنها تركت الشقة بأكملها ، ومازالت هبة تقف بالقرب من أحد المقاعد كتمثال حجرى ، واضعة يدها على فمها ، وعيناها على إتساعها كمن توشك ترك محجرهما ، من صدمة ما سمعته للتو ، فكيف فعل أباها هذا ؟ لما أخذت تلك الصورة المثالية ، التى وضعتها له بقلبها ، تتهشم بل تحطمت بسماع ما قاله زوجها
نظر إليها وحيد مطولاً ، لا يعرف ماذا يفعل هو الآن ؟ ولكنه هتف بإسمها بضعف :
– هبة
تتابعت أنفاسها بعد سماعه يناديها ، فأسرعت بالجلوس قبل أن تعجز قدميها عن حملها أكثر من ذلك ، نظرة الحزن بعينيها تقتله ، ولكن هو لم يشأ كشف الستار عن ذلك السر ، ولكن بفعلة والدتها ، جعلته يتخذه سلاحاً للدفاع عن حقه بزوجته
أقترب من مجلسها ، فجلس القرفصاء أمامها ، ووضع يديه على ذراعيها يمسد عليهما بلطف :
– هبة أنا أسف لو كنت زعلتك أو خليتك عرفتى حقيقة بشعة زى دى عن باباكى
– أنت عرفت إزاى يا وحيد
قالتها هبة بتساؤل ، فمن حقها الآن أن تعرف كيف علم هو بهذا الشأن ، وهو لم يقابل والدها من بعد إنتهاء عزاء خالها عرفان
أطرق وحيد برأسه قليلاً ، كأنه يفكر كيف يصيغ لها الإجابة ، التى ولا شك فيه ستجعلها تبكى ، فما لبث أن رفع وجهه لها وهو يقول بصوت مرهق :
– عرفت يوم العزا بتاع خالك ، لما العزا خلص كنت بدور على باباكى علشان أقول أن أنا همشى فلقيته واقف فى مكان ضلمة فى الجنينة ومعاه راجل تانى بيتكلموا افتكرت أنه بيعزيه ، بس صوت الرجل كان عالى فمقربتش منهم ووقفت أسمع بيقولوا إيه ، فلقيت الراجل بيهدد أبوكى أنه لو مدفعش له المليون جنية اللى اتفقوا عليه قصاد أن الراجل ده يخبط عربية خالك بعربية نقل كبيرة علشان يموتوا ، هيفضحه ، فباباكى قاله لما يستلموا الورث هيدفع ليه المليون جنية
أجهشت هبة بالبكاء ، وصارت تنتحب بملأ فاها على ما سمعته ، فوالدها ليس دنئ فقط ، بل قاتل أيضاً ، فهى لم تخبر زوجها لما هى تركت المنزل وأتت إليه ، مكتفية بأنها أخبرته بشأن أنها لن تجعل والدايها يفرقان بينهما ، متحاشية الذكر للسبب الأساسى لتركها المنزل
طوقها بذراعيه ، ليجعلها تكف عن البكاء ، فهى ليست مذنبة بأن لديها أب كهذا ، فهو لن يجعل ما حدث ينال من حبه لها ، فهى نقية طاهرة كزهرة بيضاء ، يرغب بأن تنثر عطرها بحياته ، فهو سيعمل على النسيان من يكون والدها ، مكتفياً بمن تكون هى ، وأنها زوجته وحبيبته وعشقه الأول والأخير
_____________
وقفت حياء أمام البوابة الرئيسية لدار رعاية الأطفال ، تحمل بيدها حقيبة بلاستيكية كبيرة ، كان محتواها حلوى وألعاب ودمى ، أشترتهم هى من أجل الأطفال ، لعل بإدخالها شئ من السرور على قلوب هؤلاء الأطفال ، سيرزقها الله بالراحة والهدوء ، اللذان تحتاجهما بوقتها الحالى ، فتبسمت لحارس الدار ، الذى سرعان ما فتح الباب ، بعد إخبارها له بشأن مجيئها ، فخطت بقدميها للداخل ، فرآت الأطفال يلهون بالحديقة ، فحثت الخطى على الإقتراب منهم تناديهم بإبتسامة واسعة
– تعالوا هنا يا حبايبى
لبى العديد من الأطفال ندائها ، بينما أنزوى البعض منهم بجانب المرأة ، التى تعمل على الإشراف على تنقلهم بداخل الدار ، حتى لا يتأذى أحد منهم
أنتقلت حياء بجوار المرأة ، ومدت يدها لها بما تبقى معها من حلوى ودمى وقالت بإبتسامة رقيقة :
– لو هم خايفين منى أديهم أنتى الحلويات والألعاب دى
تناولت المرأة من يدها الحقيبة ، شاكرة لها لطفها وكرمها ، فجلست حياء بجانبها على أريكة خشبية ، رغبة منها فى قضاء بعض الوقت هنا ، قبل عودتها للمنزل
ظلت عيناها تتابع الأطفال وهم يركضون بسعادة ، وكل منهم يحمل دميته ، فنظرت بجانبها للمرأة وقالت :
– هى الأستاذة عديلة صاحبة الدار مش موجودة كان نفسى أشوفها
أجابتها المرأة وهى تضع فتاة ربما لم يتخطى عمرها الثلاث سنوات على ساقيها :
– لاء موجودة بس موجود معاها ضيف شوية كده وهتلاقيها خارجة أهى جاية هناك أهى
نظرت حياء وهى باسمة المحيا حيث أشارت المرأة ، فوجدت صاحبة الدار تتأبط ذراع رجل وتمشى بخطوات متأنية ، فخبت إبتسامتها شيئاً فشيئاً ، فهى لم تكتفى بذلك ، بل مدت يدها تفرك عينيها ، لعل ذلك الرجل الذى تراه ماهو إلا شبيه راسل ، ولكنه هو بذاته ، وليس شخص أخر ، فهى أصبحت تميزه بسهولة ، ولكن ماذا يفعل هنا ؟
قبل أن تسعفها قدميها بالهرب ، قبل إقترابهما ، كان هو الأسرع بندائها :
– أنسة حياء أنسة حياء
تيبست قدميها غير قادرة على الإستدارة أو النظر لهما ، ولكن أيقنت بأن بعد قطعهما خطوات قليلة ، صارا خلفها ، فلم يعد لديها مفر من أن تستدير إليهما ، وهى تريد لو بإمكانها أن تتلاشى من الوجود
تلمست عديلة نظارتها ، تطمئن من وجودها على وجهها ، فحدقت بحياء ملياً حتى تذكرتها فهتفت بها بإبتسامة :
– أيوة أنا افتكرتك مش أنتى حياء وجيتى هنا قبل كده وأخدتى حاجتك اللى كانت هنا
جف فمها ، فلم يعد بإمكانها ترطيب حلقها ، لتخفف من وطأة ذلك الموقف ، الذى وضعت به ، فلما دائماً يبدأ الأمر الذى يخصها وهى بمفردها ، وينتهى بحضوره فى أسوء حالات ضعفها
يحدق بها صامتاً ، كأن ليس لديه ما يقوله ، فهو أستطاع أن يفطن ، حسبما أخبرته قسمت بأنها فتاة جلبها عرفان من دار رعاية الأطفال ، بأن تلك الدار هى من كانت مأوى لها بصغرها
أراد رفع الحرج عن عاتقها ، ولكن قبل أن يفه بكلمة ، سمعوا صوت عاملة بالدار تنادى عديلة ، تخبرها بشأن مجئ أسرة من أجل تبنى طفل
فأسرعت عديلة بالإبتعاد بعدما ربتت على ذراع راسل بإبتسامة وقالت :
–خلاص يا راسل نكمل كلامنا بعدين هخلص مع الناس دى وأرجعلك تانى
تبسم لها راسل بهدوء قائلاً :
– تمام مفيش مشكلة
أبتعدت عديلة ،فتأكل الفضول حياء ، لمعرفة سبب وجوده هنا بهذا الوقت ، أو ماذا يفعل هنا ؟
فنظرت له متسائلة:
– هو أنت بتعمل ايه هنا ؟
– بتسألى ليه
قالها راسل بإبتسامة واسعة ، من نبرة صوتها الفضولية ، فلا يعلم الآن ، لما واتته رغبة إثارة غيظها مثلما كان يفعل بالسابق ، فهو لاينكر أن هدوءها هذا يقلقه
فحركت كتفيها بلامبالاة وقالت :
– عادى أنا بس مستغربة ان كل مكان أروحه ألاقيك زى …
– زى العفريت اللى بيطلعلك فى كل مكان قوليها يا حياء
قال راسل عبارته ، رافعاً حاجبه بمكر
فما كان منها سوى أن تبسمت بهدوء وقالت :
– مكنتش هقول كده على فكرة ميبقاش ظنك سيئ
لم يرغب بإنتهاء حديثهما ، خاصة بعدما رأها تنظر بساعة معصمها ، كأنها على وشك المغادرة ، ولكنه أراد لها البقاء بعض الوقت
فدعاها للجلوس ، حتى تعود صاحبة الدار ، فلم تمانع ، بل حرصت على الجلوس على الأريكة الخشبية بأقصى طرفها ، وهى تخشى النظر إليه
فبادر هو بالحديث قائلاً :
– أنتى عايزة تعرفى أنا هنا ليه هقولك ، كل دور رعاية الأطفال ، مخصص ليها جزء عندى فى المستشفى ، علشان لو فى طفل محتاج عملية ، أو مصاب بمرض يتعالج كويس ، صدقة جارية على بابا اللى بنالى المستشفى ، ووصانى أنا وماما أن أعمل كده ، فأنا بعمل بوصيته ، وأعرف عديلة هانم من كذا سنة
– أنت غريب أوى على فكرة
تلك هى الجملة الوحيدة التى نطقت بها ، فأثارت غرابته من قولها ، فبما تقصد بها ؟ وما وجه الغرابة به ؟
فألتحم حاجباه ببعضهما ، بتعبير التعجب من سماع قولها ، فقال متسائلاً:
– تقصدى إيه بكلامك ده
قالت حياء بسرعة و إستحياء ، مخافة أن يكون أخطأ بفهمها :
– أنا قصدى أن اللى سمعته عنك حاجة واللى شوفته بتصرفاتك حاجة تانية يعنى اللى يشوف اللى بتعمله ميصدقش أنك واحد لا تطاق وقتلت مراتك زى ما بيقولوا
عضت على لسانها بعدما أفرغت من حديثها ، فما هذا الهراء الذى تفوهت به لتوها ؟ زاغت بعينها قبل أن تنقل بصرها بحرص لوجهه ، فكأنها ألقت عليه تعويذة الجمود ، فملامحه كأنها قدت من حجر ، لا يأتى بحركة ، كأن أطرافه أصبحت خالية من الحياة
فإن كان جسده ساكناً ، فالدماء تتدفق حارة بشرايينه ، بل شعر بضغط الدماء برأسه ، كأنها على وشك الإنفجار بين فينة وأخرى ، فمن أين علمت هى بذلك ؟ ولكنه تذكر أن خطيبها السابق ، كان يعمل بمشفاه ، و أن تلك الشائعة ملأت أرجاء المشفى ، وعلم هو بها ، بالرغم من حرص العاملين لديه ، بأن لا يظهروا له ذلك
فكسر حاجز الصمت قائلاً بهدوء مروع :
– مين اللى قالك الكلام ده أكيد نادر
أماءت برأسها عدة مرات ، ولكنها إستمعت إليه معقباً:
– وأنتى تفتكرى إيه إن أنا فعلا قتلتها
بحركات متتابعة كانت تنفى تصديقها بهذا الأمر الآن ، فربما هى ببادئ معرفتها به ، صدقت أنه أقدم حقاً على قتل زوجته ، ولكن الآن هى لا تخفى عن نفسها ، عدم إيمانها بشئ يزعزع تلك الثقة لديها والتى بُنيت على رؤيتها له من منظور أخر بتلك الآونة
فأبتلعت ريقها قائلة بصوت جاهدت على أن يخرج من جوفها :
– دلوقتى مصدقش أنك ممكن تكون عملت كده بس ليه هم قالوا عليك كده ولو أنت فعلا مقتلتهاش مين اللى قتلها
زفرة حارة خرجت من أنفه ، وهو يحاول أن يحافظ على ما تبقى لديه من هدوء ، فالخوض بذلك الأمر لن يكون بالشئ الهين ، خاصة أنه حاول على عدم التحدث مع أحد بشأنه بالسنوات الماضية
وعلى الرغم من رغبته بعدم إخبارها بحقيقة الأمر ، إلا أنه وجد لسانه يتحدث بحرية كأنه يحدث ذاته ، فبدأ بسرد الأمر من البداية
صوته كان خالياً من الدفء ومن الشعور ، خالياً من أى شئ تستطيع هى التنبأ من خلاله إذا كانت تلك المحادثة بينهما ، ستنتهى مرور الكرام أم لا ، ولكنها أصغت إليه ليس بأذنيها فقط ، بل بجوارحها كاملة
رآته يشد على أصابع يده اليسرى بكفه الأيمن ، حتى أبيضت مفاصل يده وهو يقول :
– صوفيا مراتى كانت جميلة جدا ، تفتن أى حد بجمالها ، جت المستشفى بتاعتى فى حادثة عربية ، مكنتش حالتها سيئة ، كانت حاجة بسيطة ، حصل موقف بينى وبينها وضربتها بسبب جرأتها فى الكلام ، بس أعتذرت ومشيت من المستشفى ، قابلتها مرة تانية ، غوتنى بجمالها ، زى أى راجل يكون عايش حياته من غير ست أو حب ، بس صممت أن ميكونش بينا أى علاقة غير شرعية ، وطلبتها للجواز ووافقت ، قالتلى أنها ملهاش غير أخ واحد بس عايش فى إيطاليا ، جه مصر وحضر فرحنا وبعدين سافر تانى ، كانت رسامة ونحاتة ،والشهادة لله كانت رسامة شاطرة أوى ، وعرفت ترسم عليا الدور صح ، روحنا قضينا شهر العسل وبعد ما رجعنا عرفت أنها حامل فى سجود ، بس اتجننت وقالت مش عايزة أطفال دلوقتى ، واحنا لسه فى بداية حياتنا الزوجية ، أنا فرحت ان هيبقى ليا طفل من مراتى وحبيبتى ، وفضلت مراعيها لحد ما قربت تولد علشان متعملش حاجة وتنزل البيبى ، بعد ولادة سجود ب٣ شهور صحيت فى يوم لاقيتها أختفت وملهاش أثر فى مصر نهائى ، اتجننت وخوفت يكون جرالها حاجة ، أفتكرت اخوها اللى فى ايطاليا فسافرتله ، بس مكنتش اعرف عنوان ولا اى حاجة ليه ، كان ليا معارف فى السفارة الايطالية ، ساعدونى لحد ما قدرت أوصله بس …
كف عن الحديث ، وحجب وجهه بكف يده ، وصغط على جانبى رأسه ، لعل ذلك الألم الذى داهمه من سرد ما حدث يهدأ قليلاً
فأشفقت على حاله وقالت بصوت خافت :
– أنا أسفة لو كنت ضايقتك لو مش حابب تكمل كلامك بلاش
أزاح يده من على وجهه قائلاً بشعور قوى من الألم :
– لاء هكمل جايز أرتاح من الوجع اللى فضل ينهش فى قلبى لحد ما مات
أخذ نفساً عميقاً وأطلق نهدة حارة وهو يقول :
– لما وصلته أكتشفت أن صوفيا معاه وعايشة معاه ، وعرفت كمان انه مش اخوها لاء ده جوزها
شهقت حياء بفزع ، وهى تضع يدها على فمها ،وعيناها جاحظتان من قوله ، فما زادها إكمال حديثه ، سوى شعورها بالغثيان ، وخاصة وهو يقول :
– أيوة طلع جوزها وهم الاتنين نصابين ، هى بتسافر أى بلد وتشوف راجل مناسب وغنى وتوقعه فى حبها وتنصب عليه ، لكن أنا أضطرت تتجوزنى علشان كنت رافض أن يكون بينا علاقة من غير جواز ،وكمان محطتش فى بالها أنها ممكن تحمل منى وتخلف قبل ما تكمل نصب عليا ، فطبعا عرفت كل المعلومات دى ، عقلى طار ، روحتلهم بيتهم ، خافت لما شافتنى بس محستش بنفسى إلا وانا بضربهم الاتنين ، وجه البوليس واخدنى ، واتهمونى بالجنون وان انا اتعديت عليهم من غير وجه حق ، حاولت اثبتلهم انها مراتى محدش صدقنى وخصوصا ان أنا عربى ومسلم وفى بلد غربى فالموضوع صعب ، هى كمان قالتلهم ان أنا كنت بجرى وارها علشان اخدها من جوزها ، وان بحبها لدرجة الجنون ، علشان كده بتوهم أنها مراتى ، جت هى وهو قسم الشرطة ، عرضت عليا مقابل انها تطلعنى من الورطة دى وتسيبلى سجود أدفع ليها مبلغ كبير ، وإلا هفضل محبوس ومش بعيد كمان تلبسنى تهمة تانية ، وافقت كنت عايز أخرج من القسم بأى طريقة ، وأتفقت معاها أدفعلها الفلوس أول ما أرجع مصر ، خرجت من القسم تايه حاسس أن كل اللى بيحصل حلم ، مش معقول يكون الحلم الجميل أنتهى نهاية مفيش عقل يصدقها ، رجعت الفندق اللى كنت قاعد فيه ، علشان اخد شنطتى وأرجع على مصر ، وأنا خارج من الفندق ، لقيت البوليس بيقبض عليا بتهمة قتل صوفيا ، وأنا المتهم الأول لأن لسه كنت محبوس بسبب ضربها ، حاولت اقولهم أن أنا مقتلتهاش محدش صدقنى ، أخدونى وودونى على البيت اللى أتقتلت فيه ، روحت لقيت جثتها متفحمة وجوزها قاعد يعيط جمبها ، وأول ما شافتى قعد يصرخ ويقول أنت اللى قتلتها ، أخدونى على السجن وبدل ما أتقدم لمحاكمة ، دخلت سجن شفت فيه العذاب ألوان ، ضرب وإهانة وتعذيب محدش يستحملهم ، ولسه أثارهم على جسمى لدرجة وصلت أن حتى الألم مبقتش حاسس بيه إحساسى مات كل حاجة جوايا ماتت ماتت يا حياء ، لدرجة أن لما رجعت مصر شكيت فى نسب بنتى وعملت تحليل إثبات نسب ،علشان أعرف إذا كانت بنتى ولا لاء ، رجعت تايه ومدمر ، والوحيدة اللى قدرت تحافظ على شوية الرحمة اللى فاضلة فى قلبى هى سجود بنتى
لا تعلم لما شعرت بأنه على وشك البكاء ، فصوته به غصة ، وشفتاه ترتجف ، ولكن عيناه متحجرة ، فأعتصر الألم قلبها مما سمعته منه ، فهو وقع فريسة لإمرأة ، لم يكن له ذنباً سوى أنه أحبها
شعرت برغبة بالبكاء ليس على شئ ، سوى أنه يشعر بالألم ، وهى لا تملك ما يساعدها بالتخفيف عنه ، فلم تجد إلا بضع كلمات تتمنى أن تأتى بثمارها:
– ربنا يباركلك فيها وحاول تنسى اللى فات زى ما أنا بحاول
لم تزد كلمة أخرى ، فخيم الصمت عليهما ، لا يفعلان شيئاً سوى أن يحدق كل منهما بالفراغ ، كأنهما يعيدان ترتيب حياتهما من جديد بمخيلتهما ، فالخيال هو الشئ الوحيد ، الذى لاتستطيع أن تشاركه مع أحد ، فما نسجته بمخيلتها الآن ، جعلها تشعر بحرارة تغزو وجنتيها ، خاصة وهى تفكر ، كيف سيكون حاله إذا عاد وأغرم من جديد ، وأنت تكون هى مبلغ مقصده تلك المرة ، فطالما تمنت أن تشعر بنبضها لا يهدأ ، مثلما تشعر به الآن ، خاصة وأن خفقات قلبها تناديه ، تستشعر مذاق نطق حروف إسمه على شفتيها بتمهل ، وهى تهمس بها لذاتها ، حريصة ألا تصل همساتها الرقيقة إليه
________________
تعجب زملاءها بالعمل ، من نشاطها وحماسها المفرط ، منذ مجيئها للمصرف ، فبالأيام الماضية كان العبوس يحتل قسماتها ، والحدة ترافق صوتها مع كل من يتحدث معها ، فكأنها ليست ولاء التى يعرفونها ، فالعميل الجالس أمامها ، هو ثالث عميل تستطيع إنهاء مطلبه ، بدون الحاجة لها بالذهاب للمدير ، حدقت بكل العيون الناظرة إليها ، توزع أبتسامتها عليهم ، فظل كل منهم ينظر للأخر بغرابة
فضحكت بصوت خافت ، على ما أعتراهم من عدم تصديق ، لكونها أنها هى بذاتها ولاء ، التى كانت تأتى للعمل بفتور وملل ، رأت إثنان من الرجال قادمان إليها ، فأحدهما شاباً ، والآخر رجل كهل
جلس معتصم على مقعد مقابل مقعد الرجل الأخر ، فنظر إليها قائلاً بإبتسامة مهذبة :
– صباح الخير أنا كنت جاى النهاردة علشان أعمل تحويل لمبلغ مالى من حسابى لحسابه ، وعايز أفتح حساب تانى بإسم مجموعة فنادق الصفوة ممكن
بادلته ولاء إبتسامته وقالت بهدوء :
– صباح النور أكيد طبعا يافندم ممكن حضرتك بس تعطينى رقم الحساب بتاعك ورقم الحساب بتاعه وكمان عايزة البطاقات الشخصية
أخرج معتصم جواز سفره من جيب بنطاله قائلاً :
– الصراحة مش معايا بطاقة شخصية بس معايا الباسبور بتاعى أتفضلى
أخرج الرجل هويته وأعطاها لها ، فأخذت ولاء العمل على تحويل المال ، فبعد إطمئنان الرجل على أنه أخذ نقوده كاملة ، أعتذر من معتصم مغادراً ، فمهمته أنتهت إلى هذا الحد ، وأصبحت الفنادق رسمياً وقانونياً ملكاً لهم
انتظر معتصم حتى تنتهى ولاء من إنشاء حساب خاص للفنادق ، فكلما رفعت وجهها عن جهاز الحاسوب ، تجده يبتسم لها ، فتشيح هى بوجهها سريعاً ، فتلك هى المرة الأولى ، التى يزورها الخجل ، إذا رآت رجل يبتسم لها ، فدائماً ما كان الغضب والنفور يتملكان منها ، وأحياناً كثيرة كان يصل بها الأمر للشجار
ولكن نظرته مربكة للغاية ، فقميصه الأبيض ، قد ترك الأزرار الأولى منه بدون إغلاق ، ولكن ليس بالأمر السافر والمخجل ، يثنى طرف قميصه عن معصميه ، وبنطاله الأسود حالك السواد ملتصقاً به ، ويصفف شعره المائل للون البنى بعيداً عن وجهه ، ولحيته ليست بالكثيفة ، بل يبدو عليها حديثه النمو ، وجسده يميل للنحول
– دقايق بس يا أفندم وكل شئ هينتهى
ماذا تفعل هى الآن ؟ لما تنظر إليه هكذا ؟ نفضت رأسها وهى تستعيذ بداخلها من رعونة تصرفاتها المبطنة ، ولكنها هى لم تكن وحدها ، من تركت الأعين تقيم ما تراه ، فهو الآخر لا يحيد بعينيه عنها ، فعندما كانت تلح عليهما غزل بالزواج ، كان عمران يخبرها بعدم ميله لبنات حواء ، بينما معتصم أبدى رغبته بالإقتران من فتاة شرقية ، ومن موطنه ، فهو لم يزهد بالنصف الأكثر إحتياجاً له كشقيقه ، بل دائماً ما يعطى نفسه وعداً ، بأنه سيعثر عليها يوماً ما
– براحتك يا أنسة أنا مش مستعجل
قالها بإبتسامة إستطاعت شق شفتيه ، من كثرة ما تراوده الأفكار بشأت تلك الفتاة
فهمس بصوت إستطاعت هى سماعه وهو يقول :
– كيلوباترا
قطبت ولاء حاجبيها قائلة بعدم فهم :
– أفندم حضرتك بتقول حاجة
حرك معتصم رأسه وحمحم قائلاً :
– لا أبداً خلاص كده كله تمام
أماء ولاء برأسها بمهنية وهى تقول :
– تمام يا أفندم شرفتنا
نهض معتصم عن مقعده ، وتأهب للرحيل ، ولكنه عاد لمكتبها ثانية ، عندما تذكر أنه لم يأخذ جواز سفره ، فأخذه ووضعه بجيبه ، ومازال مبتسماً لها ، مما جعلها تشعر بحرارة شديدة ، كأنها تقف أمام الشمس مباشرة ، فهى لو أخبرت أحداً بما تشعر به الآن لن يصدقها ، فهى من أعلنت راية الحداد على قلبها البكر ، من قبل مجئ من يسكنه ، فلما رغبت هى الآن ، بتنكيس راية الحداد ، ورفع راية المهادنة
عاد معتصم لمكتب غزل هائماً ، فهو ولج المكتب وجلس أمامها واضعاً يده على وجنته ، ولم ينسى إطلاق نهدة حارة من وقت لأخر
فنظرت له غزل بغرابة وهى تقول:
– معتصم مالك فى إيه جاى هيمان على نفسك ليه كده
غامت عيناه بشعور كاسح قائلاً بصوت متهدج :
– لقيتها يا غزل لقيت كيلوباترا بتاعتى
فاتها مغزى حديثه ، ولم تفهم شيئاً سوى ذلك الإسم الذي كان يطلقه على عروسه المستقبلية ، فضيقت عينيها وهى تقول بإبتسامة عريضة:
– أنت قصدك أنك ….
أماء معتصم برأسه مراراً وقال :
– أيوة لقيت العروسة اللى كنت بدور عليها ، أنا عايز أقوم ابوسك يا غزل أنك خلتينى أروح البنك النهاردة ، بس رجلى مش شيلانى
ضحكت غزل ضحكة صاخبة ، بسبب ما تفوه به معتصم ، فوجدت عمران يلج الغرفة هو الأخر ، فتركت مقعدها وأقتربت منه وهى تقول :
– تعال شوف يا عمران أخوك واللى جراله
هب معتصم واقفاً ، وسحبها من مرفقها يقربها منه قائلاً برجاء وصوت منخفض :
– أبوس إيدك يا غزل بلاش تفضحينى قدام عمران ، هيقضى اليوم كله بيتسلى عليا
جلس عمران واضعاً ساق على الأخرى متسائلا :
– ماله معتصم حصل إيه
– كنت عايزة أقولك أنه خلص موضوع البنك وكله تمام
قالتها غزل بإبتسامة ، بينما عقبت بهمس لمعتصم :
– خليك فاكرها سترت عليك أهو
تجمدت تعابير وجهه ، بينما هتف بذهول :
– سترتى عليا ! ليه قفشانى فى وضع مخل أنا بس مش عايز أقوله لأن عارف هيقولى أن أنا خيالى وقلبى رهيف
يتابع عمران الهمس بين معتصم وغزل بريبة ، فعلام يتهامسان ، ولكن قبل أن يسأل عن حديثهما الهامس ، سمع طرق على باب الغرفة ، ودلف أحد العاملين بالمطعم ، فهو قد أوصاه بشأن إخباره بمجئ ” ميس النعمانى ”
فقبل أن يقول شيئاً ، جذبه عمران معه وخرجا من الغرفة ، فهمس له العامل ببضع كلمات ، تبسم على أثرها عمران وأمره بالإنصراف
خرج عمران للمطعم ،وجد تلك الحسناء وصديقاتها ، فأقترب من طاولتهن ، قائلاً بترحيب :
– أهلا بيكم شرفتوا المكان
تطلعت إليه ميس بهدوء ، ولكنها تسائلت بقرارة نفسها من يكون هذا الشاب ، فهو لا يرتدى الزى الخاص بالعاملين ، بل أنه شديد الأناقة والوسامة بحُلته الرمادية ، ونظارته الشمسية الموضوعة بمنتصف شعره الكثيف
فرمقته ميس بغرابة وقالت :
– مين حضرتك وعايز إيه
أنحنى عمران قليلاً بحركة مهذبة ، فما لبث أن أستقام بوقفته ،ووضع يديه بجيب بنطاله قائلاً:
– أنا عمران الزناتى صاحب الفندق والمطعم والنهاردة إحتفالاً بملكيتى للفنادق ، فالحساب علينا يا أنسة لأن عرفت أنك زبونة مميزة هنا فى المطعم
– تمام شكراً
قالتها ميس وعادت تنظر لقائمة الطعام ، فنظرت بطرف عينيها ، وجدته مازالاً واقفاً مكانه ، بل يحدق بها بتفحص أخجلها ، فقبل أن تسأله عن سبب تحديقه بها ، وجدته ينصرف ، يمشى بخيلاء ولا تعلم لما شعرت بأنه يشبه الطاووس ،الذى يستطيع جذب الأنظار إليه بغروره ، ويغفر له الجميع هذا التعالى ، لبريق ألوانه الزاهية ، التى تسبى العيون الناظرة إليها ، فبإحدى الزوايا كان يتوارى عن الجميع ، وعيناه وشفتاه تتلو نذور الويل و الوعيد
_______________
فاليوم هو يوم عطلتها من العمل ، فلم تبارح شقتها ، فمن خلف الستار الأبيض الموضوع على النافذة المطلة على الشارع ، كانت حياء تنظر لهاتفها الممسكة به ، ولم يكف عن الرنين منذ ما يقرب الخمس دقائق ، فكلما رآت إسمه ينير الشاشة ، تعمل على غلق الصوت حتى ينتهى الرنين ، فهو لم يكتفى بهذا وحسب ، بل إنه قابع بسيارته المصفوفة أسفل المنزل
صاحت صالحة برفق :
– ما تردى يا بنتى على التليفون دا مش مبطل رن
– لاء يا دادة مش هرد
قالتها حياء ، ومازالت ترصد بعيناها ماخلف الستار ، حريصة على ألا يراها ، فهى مازالت غاضبة من نفسها ، على تلك الاحاسيس والمشاعر التى صارت تكنها له ، فكيف تركت العنان لقلبها هكذا وهى من طعنت بخنجر الغدر ، بسبب عشق لم يكن له وجود إلا بخيالها ، ولا تريد تكرار هذا الأمر ثانية ، ولكنها رآت سيارته تترك مكانها ، فربما أصابه السأم من مهاتفتها فقرر الذهاب
فتهدلت ملامحها وهى تقول :
– زهقت بالسرعة دى ومشيت
ولكن سمعت رنين هاتفها ، بوصول رسالة لها ، فأسرعت بفتح الهاتف لتعلم فحوى تلك الرسالة
فقرأتها بصوت هامس :
– أنا كنت برن عليكى علشان يوم ما كنتى فى دار الرعاية فى حاجة وقعت منك وأنا لقيتها وكنت عايز أديهالك لو عايزة تاخديها أبقى تعالى المستشفى خديها سلام
فكرت كثيراً ماذلك الشئ المفقود منها ؟ وعندما يأست من التفكير ، ذهبت لغرفتها كى ترتدى ثيابها ، وتذهب لمشفاه ، لمعرفة ماهذا الشئ ؟
خرجت من غرفتها ،وأخبرت صالحة بضرورة ذهابها من أجل مقابلته ، فهى تخبرها بكل شئ ، فأقترحت صالحة الذهاب معها ، فأبدت رفضها لذلك ، معللة بأنها لن تتأخر كثيراً ، بل ستعود سريعاً
خرجت من المنزل ، فلم تعثر على سيارة أجرة ، فسارت حتى تركت الحى المقيمة به ، ووصلت للشارع الرئيسى ، ولكن قبل أن تشير للسيارة ، وجدت عدة رجال يقتربون منها ، فزعت حياء من رؤية وجوههم ، فحاولت أن تلوذ بالفرار ، ولكن رجل منهم كان الأسرع بإمساكها من مرفقها ، حاولت الصراخ لعل أحد ينقذها ، فكمم فمها بمحرمة قطنية ، بمجرد وضعها على أنفها ، فقدت وعيها فحملها عائداً للسيارة ، وضعها بالمقعد الخلفى ، وأسرعوا بالذهاب ، فبعد نصف ساعة تقريباً كان الرجل يلقى بجسد حياء على فراش شبه متهالك بغرفة تشبه القبو
صاح الرجل بالرجال خلفه قائلاً بأمر :
– يلا أنت وهو أخرجوا برا على الباشا ما ييجى وأنا قاعد جمبها
أنصرف الرجال ، بينما جلس أمرهم على مقعد بجوار الباب ، فأخرج هاتفه يعبث به ، لحين مجئ سيده ، الذى ألح عليه بضرورة جلب حياء ، وإلا سيكون أخر يوم بالعمل له بخدمته ، فلم يتوانى عن تنفيذ ما أمره به
بدأت حياء تستعيد وعيها المفقود ، فأعتصرت جفنيها بقوة ، من ذلك الشعور بالألم ، الذى ثقل رأسها ، فوضعت يديها على جانبى رأسها
فتأوهت بخفوت :
– أااه إيه الصداع ده
رفرفرت بأهدابها عدة مرات ، قبل أن يصطدم بصرها بوجه ذلك الرجل الجالس بجوار الباب
فأنتفضت واعتدلت بجلستها وهى تصيح بخوف :
– أنت مين وجبتنى هنا ليه عايزين منى إيه
– فين الملف بتاع الصفقة يا حياء
تلك هى الجملة التى وصلت لمسامعها ، قبل أن تستدير برأسها وترى عاصم يقف على عتبة الباب ، ينظر إليها بتهديد
فقطبت حاجبيها وهى تقول بغرابة :
– ملف إيه يا عاصم بيه حضرتك تقصد إيه أنا مش فاهمة حاجة
بثلاث خطوات كان عاصم قاطعاً المسافة بينه وبينها ، فأقترب منها قابضاً على حجابها بقوة ، حتى كاد يقتلع خصيلاتها معه
فصاح بها بجماع صوته :
– أنت هتستهبلى يا روح أمك مش عارفة بتكلم عن إيه عن الملف اللى المفروض كنا نعمل بيه صفقة الشحن بتاعة المينا ، الورق أختفى بعتينى بكام أنطقى لأن محدش يعرف بالملف ده غيرى أنا وأنتى
تبع حديثه بصفعة لها على وجنتها ، فجحظت عينيها مما فعله ، فهى وضعت أوراق تلك الصفقة بالخزنة الخاصة به بالمكتب مثلما أمرها ، ولم تراه ثانية
فسقطت دموعها وهى تضع يديها على وجنتها وقالت بنحيب :
– والله ما عملت حاجة يا عاصم بيه أنا حطيت الملف مكان ما قولتلى وغير كده والله ما شوفته ولا عملت حاجة صدقنى
عاد لهز رأسها ثانية ، وعروقه بارزة من الغضب ، فتلك ليست المرة الأولى ، التى يتم خداعه بها ، فمن قبل فعلت فتاة ما فعلته وكان مصيرها ، أنها نالت عقاب جريرتها عقاباً قاسياً منه
جز على أسنانه وفح من بينهما بتحذير :
– أحسنلك ما تكذبيش علشان أنا مش هصدق دموعك دى وهيبقى عقابك قاسى أوى لأن مش عاصم النعمانى اللى يضحك عليه فاهمة
مع أخر كلمة له ، دفعها فسقطت على الفراش ، قبل أن تعتدل مرة أخرى ، لمحت دخول رجل أخر يحمل أصفاداً حديدية ، فقبل أن تقول شيئاً ، أسرع عاصم بوضع الأصفاد بيدها ، ولم يكتفى بهذا فأمر أحد رجاله بأن يجلب له حبلاً ، فأوثق قدميها به ، فظلت ترفس بقدميها تحاول تحرير يديها وقدميها فلم تفلح بذلك
فصرخت عالياً برجاء :
– يا عاصم بيه والله العظيم ما عملت حاجة والله العظيم أنا بريئة
رمقها عاصم قائلاً بسخرية :
– بريئة ! شوفى حد تانى أضحكى عليه أنا هعرفك إزاى تلعبى مع عاصم النعمانى وخليكى هنا لحد ما تقرى بكل حاجة
فرفع يده يشير لرجاله بأمر :
– وأنتوا خلوا عينكم عليها وأعملوا معاها واجب الضيافة
إلتوى ثغره بإبتسامة هازئة ، فأنتفض كل عرق بها ، فماذا يقصد بتلك الكلمة ، فماذا سيفعلان بها ؟ فتلك الابتسامات على وجوههم لا تبشر بخير أبداً ، فأنزوت بجسدها ما أمكنها بالفراش ، وهى تحاول ضم جسدها ، فمن الأفضل أن يقتلوها على أن يسمها أحد ، فكم تشعر هى بالغباء الآن على عدم إجابة راسل عندما هاتفها
خرج عاصم من الغرفة الموجودة بمبنى ملحق بقصر النعمانى ، فأثناء مروره بالحديقة ، تقابل مع ميس ، التى خرجت لتوها من الداخل
فتبسمت له قائلة بوداعة :
– خالو أنت كنت فين وحشنى
رفع عاصم حاجبه الأيسر من تلك الوداعة بصوتها ، والتى يعلم أن خلفها شئ تريده منه ، فغرز يده بشعره قائلاً :
– اممم خير عايزة إيه يا ميس
عبست ميس وضمت حاجبيها بضيق وهى تقول :
– يعنى علشان قولتلك وحشنى يبقى عايزة حاجة يا خالو
رآى أنها ربما حقاً لم تكن تريد شئ ، سوى أن تخبره بإشتياقها له ، فأحاط كتفيها وجعلها تسير معه ، فمال على رأسها يقبلها بحنان :
– حبيبة قلبي متزعليش بس خالك اليومين دول دماغه مشغولة بالشغل وخصوصاً لما السكرتيرة الشخصية بتاعتى خانت ثقتى فيها وضيعت منى ملف أخر صفقة
كفت ميس عن السير وتطلعت إليه بإستفسار :
– إنت قصدك على سكرتيرتك اللى إسمها حياء ؟
هز عاصم رأسه بالموافقة ، فدمدم بغيظ :
– أيوة هى حتى هى دلوقتى هنا فى الأوضة اللى ورا القصر أنا هعملها الأدب وأعرفها إزاى تعمل كده
سمعت ميس ما قاله ، فشعرت بالخوف ، هتفت به بقلق :
– خالو أنت مش هتقتلها صح ؟
ضحك عاصم على قول ميس فقال :
– أنتى مفكرانى قتال قتلة أنا بس هعرفها غلطها مش أكتر علشان تحرم تعمل اللى عملته وكمان تقر هى ودت الملف لمين لأن الصفقة دى شركات كتير بتجرى وراها والورق فص ملح وداب مش لاقى ليه أثر
– إن شاء الله تلاقيه يا خالو سلام دلوقتى علشان راحة المستشفى عند راسل
قالتها ميس وهى تسرع فى الذهاب ، فألتقط عاصم ذراعها قبل أن تبتعد
فحدقت به بإنتظار معرفة ماذا يريد منها ، فوجدته يهتف بها :
– ميس قولتلك لو عايزة بدل المستشفى يبقى عندك أتنين وتبقى بتاعتك ليه مصرة على مستشفى راسل
– عن إذنك يا خالو
هتفت بها ميس بهدوء ، وهى تتأهب لمغادرة المكان ، فهى سأمت ذلك الحديث منه ومن والدتها ، فهى لن تستمع لأحد منهما ، فهى لا تشعر بالأمان إلا إذا كانت قريبة من راسل ، نظر عاصم لأثرها حتى أختفت عن ناظريه ، فأكمل سيره للداخل ، ليخبر عمه بما حدث ، فلا صغيرة ولا كبيرة تحدث إلا إذا كان رياض يعلم بشأنها
_______________
طرقت الخادمة باب الغرفة عدة طرقات مهذبة ، لتسرع بعد ذلك بإدارة مقبض الباب ، فولجت الغرفة وجدت هند مازالت نائمة منذ الأمس ، بعد عودتها بساعة متأخرة من الليل ، ولا تعلم لما أصبحت تعود هكذا بوقت متأخر ، منذ سفر والدايها لقضاء أمر هام ، على أن يعودا بعد أسبوعين فقط ، فكأنها كانت بإنتظار سفرهما ، لتلهو هى للساعات الأولى من فجر اليوم التالى برفقة أصدقاءها ، أشفقت الخادمة من تلك الحالة التى أصبحت عليها ، فهى أختبرت غرورها وعجرفتها كثيراً ، ولكن ليس للحد ، الذى تعود به تترنح من شرب الخمر والسهر برفقة رفقاء السوء
أقتربت بحذر ووكزت كتفها بلطف وهى تقول :
– أنسة هند أنسة هند فوقى بقى إحنا بقينا العصر حضرتك
– يووووووه عايزة إيه أنتى دلوقتى سبينى أنام
صاحت هند بجملتها بوجه الخادمة ، وسحبت وسادة صغيرة ووضعتها على رأسها ، لكى لا تستمع لصوتها
ولكن لم تستمع الخادمة لما قالته ، فعادت لتقول بصوت هادئ :
– يا أنسة هند الأستاذ كرم إبن خالة حضرتك موجود تحت وجاى يشوفك وقالى أنه عايز يقابل حضرتك
أزاحت هند الوسادة عن رأسها ، بعد سماع ما قالته الخادمة ، فإن كانت مستاءة من إقدامها على إيقاظها من نومها ، فهى صارت الآن مستاءة أضعافاً كثيرة ، بسماع مجئ كرم وأنه يريد رؤيتها
فدمدمت بصوت ساخط :
– روحى قوليله نايمة وأن بابى ومامى مسافرين يلا
رفعت يدها تشير لها بالإنصراف ، فزفرت الخادمة بيأس وخفوت من أفعال تلك الفتاة ، فتركت الغرفة وخرجت
سمعت هند صوت رنين هاتفها ، فسحبته من على الكومود ، فتبسمت بعد رؤية ذلك الإسم ينير الشاشة ، ففتحت الهاتف فجاءها صوت رجولى قائلاً :
– معقولة لسه نايمة لدلوقتى أنتى وحشتينى
أعتدلت هند بفراشها ، وهى تمسح عينيها قائلة بنعاس :
– ماهو بسبب السهرة بتاعة إمبارح أنا رجعت البيت مش شايفة قدامى خالص
– طب إيه رأيك النهاردة هنسهر سهرة بتاعة إمبارح متجيش حاجة جمبها أهم حاجة القمر يبقى راضى عنى أنا بحبك أوى يا هند بحبك ، أنتى أجمل بنت شافتها عينيا ، نفسى أفتح عينى وأغمضها ألاقيكى بقيتى مراتى
أستندت للوسائد خلفها وشفتيها مبتسمة بإتساع ، فهى منذ أن قابلته ، وهو حريص على دلالها ، يسمعها أعذب الكلمات وأرقها ، جعلها تنسى ما كان سابقاً من أمرها ، فهى عندما رآت أن لا طائل لها ولا فائدة من حبها لراسل ، فتحت نوافذ قلبها لأول من رشقها بعبارات الغزل والإطراء ، كمن أرادت أن تثبت للجميع ، أن هناك من يريدها حد الموت ، كذلك الشاب الذى تقضى الليل برفقته وبرفقة أصدقاءها ، وبنهارها لايكف عن مهاتفتها وإرسال الرسائل النصية والصوتية ، فهى ترى أنه يعتنى بها كثيراً ، وهذا ماتريده وتحتاجه بوقتها الحالى
وصلت لغرفة المعيشة ، فتبسمت الخادمة وقالت بحرج :
– أنا أسفة يا أستاذ كرم بس الأنسة هند لسه نايمة لدلوقتى
علم كرم مدلول حديث الخادمة ، فرجفة صوتها الخفيفة ، أنبأته بأن هند رفضت مقابلته ، وتعللت الخادمة بأنها نائمة ، فقبل أن يبدأ بلعن نفسه وجلد ذاته على مجيئه
هتف بالخادمة ببرود :
– أنا بس جيت أطمن عليها علشان خالتى أتصلت عليا وقالتلى أن أبقى أجى أشوفها وأطمن عليها على ما يرجعوا بالسلامة فطالما هى كويسة أنا ماشى عن إذنك
– طب إستنى أشرب حاجة يا أستاذ كرم
قالتها الخادمة وهى تحاول رفع الحرج عنه ، الذى تسببت به تلك النائمة المتعجرفة
أبدى كرم رفضه لإقتراحها ، فأسرع بالخروج من المنزل ، فضربت الخادمة كفيها ببعضهما بشفقة وهى تقول :
– يا عينى عليك يا أستاذ كرم باين عليك واقع على بوزك وبتحبها وهى جبلة مش حاسة بيك
ربما كل من يراه ، يستطيع كشف حبه لها بسهولة ، عداها هى التى لا تريد هذا الحب ولا تريده هو أيضاً
فبعد خروجه من منزل خالته ، تذكر ذلك الموعد الخاص بتدريس اللغة الفرنسية بالمركز التعليمى ، فبعد إنقضاء خمسة عشر دقيقة ، كان يلج القاعة التى أعتاد مقابلة الطالبات بها ، فوجدهن جميعاً بإنتظاره
فتبسم قائلاً بإعتذار :
– معلش أتأخرت عليكم النهاردة شوية يلا بينا نبدأ بسم الله
بدأ كرم بالشرح ، بينما هامت تلك الفتاة بالنظر إليه ، فوضعت وجهها بين كفيها ، وهى ترمقه بهيام ، فندت عنها نهدة مشتاقة ، ولكن بتذكرها أن اليوم هو أخر يوم ستراه به ، قبل إنتهاء اختبارات نهاية العام الدراسى ومجئ العطلة الصيفية ، فأغتمت ملامحها ، فهى حتى لم تنتبه على نداءه لها ، إلا بعدما وكزتها صديقتها
– سهى يا سهى صحصحى شوية ، قومى جاوبى على السؤال ده يلا
نطق بها كرم فى محاولة منه أن يسترعى إنتباهها لما يقوله
فما كان منها سوى أن أبدت أسفها وهى تقول :
– أسفة يا مستر كرم
بلفظها إسمه بلكنة صوتها ، التى ضمنتها كل رقتها ، إجتاحت حواسه الحرج ، خاصة بعدما تذكر الآن ، أنه استمع إليها وهى تصرح لصديقتها المقربة بحبها له ، ساد الصمت وهو مازال يحدق بها كأنه يراها اليوم لأول مرة ، فهو لم يتمعن النظر بوجهها من قبل ، أو بالمعنى الأدق ، لم تشأ عيناه أن ترى أنثى من بنات حواء سوى هند إبنة خالته
فإن كانت ملامحها مازالت تحمل طابع الطفولة ، فلا يستطيع نكران تلك الجاذبية التى تملكها ، وربما عندما تكتسب المزيد من العمر ستصبح شابة جميلة ، فلما لا ….
أنتشله صوتها من بحر أفكاره ، المتزاحم بأفكار هادرة كالأمواج تزوره لأول مرة بشأن تلك الصغيرة
______________
صارت الساعة الثامنة مساءاً ولم تعود حياء بعد ، فصالحة قطعت الشرفة ذهاباً وإياباً وهى تنظر بكل إتجاه ، لترى إذا كانت قادمة أم لا ؟ فهى هاتفتها أكثر من مرة ، ولكنها تجد هاتفها مغلق ، فدب القلق بقلبها ، تخشى أن يكون أصابها مكروه ، فطفقت تدعو الله سراً بأن يعيدها إليها سالمة ، فهى وصلت الآن لذروة قلقها ، فلم تنتظر دقيقة أخرى ، وأسرعت بإرتداء عباءتها السوداء وحجابها وخرجت من المنزل ، فهى فكرت بالذهاب لذلك المشفى الذى أخبرتها به ، لتعلم سبب تأخرها كل هذا الوقت
– جيب العواقب سليمة يارب
قالتها صالحة وهى تشير بيدها لعربة أجرة ، فأسرعت بإتخاذ مكانها وأخبرت السائق بعنوان المشفى ، فطوال الطريق الذى قطعته عربة الأجرة ، كانت صالحة تفرك يدها بتوتر وقلق وخوف ، والعديد من الأفكار السوداء ملأت رأسها ، من أن حياء ربما مسها سوء وهى لا تعلم
وصلت العربة أمام المشفى ، فترجلت صالحة بعد أن أعطت السائق نقوده ، هرولت بخطواتها حتى وصلت للداخل ، وطلبت مقابلة راسل على وجه السرعة من أجل أمر هام
وقفت صالحة بجانب إحدى الممرضات أمام غرفة مكتب راسل ، فطرقت الممرضة الباب ، وولجت تستأذن لصالحة بالدخول ، فولجت صالحة والقلق مرتسم على وجهها ،وجدت راسل جالساً خلف مكتبه ، وفتاة لا تعلم من تكون تجلس على الأريكة الجلدية تتصفح إحدى المجلات
فوقفت بمنتصف الغرفة وهى تقول بتساؤل :
– هى حياء فين يا دكتور راسل
بسماع إسم حياء ، ترك راسل مقعده ودار حول مكتبه ، ووقف أمام صالحة قائلاً بقلق :
– مالها حياء وجاية تسألى عليها هنا ليه أنا مشوفتهاش
دبت صالحة صدرها وهى تقول بنواح :
– يالهوى يا لهوى هتكون راحت فين دى خرجت من البيت على أساس أنها جاية هنا ورنيت عليها تليفونها مقفول دى خرجت من الضهر ولسه مرجعتش يا مصيبتى ليكون جرالها حاجة
بسماعه قول صالحة ، جفت الدماء بعروقه ، وتوقفت حواسه ، فما معنى حديثها ، فأرتجفت شفتاه وهو يقول :
– يعنى إيه الكلام ده هتكون راحت فين طب بلغتى البوليس
هزت صالحة رأسها نفياً ، وهى تمسح أنفها بمحرمة ورقية ، وعيناها مازالت تذرف الدموع خوفاً على حياء
فبعد أن أستمعت ميس لذلك الحوار الدائر بينهما ، قطبت حاجبيها قليلاً من إسم الفتاة ، فالفتاة التى بحوزت خالها تسمى حياء أيضاً
فتساءلت ميس :
– هى حياء دى شغالة عند خالو عاصم يا راسل
– أيوة أنتى تعرفيها يا ميس أو شوفتيها
نطق راسل بعبارته وأقترب من ميس فجذبها من مرفقها ، حتى أستقامت بوقفتها
فأماءت ميس برأسها وهى تقول :
– أيوة دى عندنا فى القصر خالو عاصم جابها النهاردة
– جابها القصر ليه وعايز منها إيه
صاح بها راسل بغضب جم ، فأرتعدت ميس من صياحه بوجهها
فقالت وهى تحاول وضع مسافة أمنة بينها وبينه :
– بيقول أنها أتسببت فى ضياع ملف صفقة مهم وحابسها فى القصر علشان تعترف ودته فين
إجتمعت شياطينه كافة ، بعد سماع ما قالته ميس ، ومعرفته بما فعل عاصم بحياء ، فلم يمهل نفسه ثانية أخرى للتفكير ، بل خلع عنه رداءه الطبى ، وألقاه من يده ، وخرج من الغرفة مهرولاً للذهاب لقصر النعمانى
بينما نظرت صالحة لميس بإستجداء وهى تقول :
– أبوس إيدك يا بنتى ودينى ليها دى ملهاش حد غيرى
أشفقت ميس على حالتها فردت قائلة وهى تسبقها للخارج :
– تعالى معايا أنا هوديكى ليها
تبعت صالحة ميس ، حتى وصلتا لسيارتها بالخارج ، فميس تفكر فيما أصاب راسل بعد سماعه ماحدث لحياء ، فتلك هى المرة الأولى التى تراه هكذا ، بل وصل به الأمر أن يصرخ بوجهها ، وهو الذى لم يعاملها يوماً كأى أحد ، بل دائماً ما كانت تشعر بتميز مكانتها بقلبه ، فربما بالأمر شئ تجهله ، ولكن ما هو يا ترى ؟
يقود سيارته التى تطوى الأرض بسرعة مغمغماً بغيظ ووعيد :
– أصبر عليا يا عاصم يا نعمانى أما وريتك جنانى على حق مبقاش أنا راسل
ظل طوال طريقه ، وهو يسب ويلعن بعاصم ، حتى وجد نفسه أمام القصر ، فأطلق البوق عدة مرات ، فربما أصاب الحارس بالصمم ، فأسرع بفتح البوابة الكبيرة ، لكى يكف عن ذلك ، ولج بسيارته حتى وصل للباب الداخلى للقصر ، ترجل من السيارة بسرعة ، فهو حتى لم يأبه بغلق بابها ، بل ركض للداخل
فوقف ببهو القصر وصاح بملأ فاه :
– عااااااااااصم
أجتمع كل من كان بالقصر ، أثر سماع صياحه ، فسوزانا هبطت الدرج بخطوات سريعة ، وهى تقول بقلق:
– هو فى إيه ماله عاصم
لم يرد جواباً على سؤالها ، بل تقدم بخطواته حتى وصل لمجلس رياض المعتاد بغرفة المعيشة ، لم يرف له جفن ، بل كان جالساً كعادته وحوله رجاله المخلصين ، ففضل أن يتحدث مع ذلك الغاضب بلين ، عوضاً عن أن يتطرق الأمر للعنف
فحاول قدر إستطاعته إمتصاص غضب ذلك الواقف أمامه ، كأنه مارد من الجن ، أُرسل من الجحيم لتوه ، فملامح وجهه لا تنبأ بخير أبداً ، ولا يعلم هو علام كل هذا ؟
فأستند بكفيه على عصاه ، يحنى رأسه مغمغماً:
– أنت عايز إيه يا راسل وجاى عمال تزعق ليه وتقل أدبك
علا صوت راسل الحانق وهو يجيبه :
– هى فين يا رياض يا نعمانى
زوى رياض ما بين حاجبيه قائلاً بعدم فهم:
– هى مين دى
عض راسل على نواجزه مغمغماً:
– فين حياء
فهم رياض ما يرمى إليه ، فأجابه ببرود :
–اه حياء ، وعايز منها إيه يا راسل
– عايزها
قالها راسل ببساطة ، إلا أنه عاد معقباً:
– لو مأخدتش حياء وغلاوة بنتى لهولع نار محدش هيعرف يطفيها وأول اللى هيتحرق بيها أبنك اخوك الغالى عاصم بيه ، وأنت عارف أنا مليش عزيز ولا غالى ولا يهمنى إذا كان إبن أخوك يعيش أو لاء وهخليه يحصل اللى راح زمان
عند هذا الحد ، هب رياض واقفاً ، قدر ما أمكنه جسده الواهن ، فرفع عصاه ووكز راسل بها بصدره ، حتى أرتد خطوة للخلف
فرفع سبابته بوجهه قائلاً بتحذير:
– أنت لو ما أحترمتش نفسك يا راسل هيبقى ليا معاك تصرف تانى ، أنا صبرت عليك كتير ومش علشان أنا بسكت على كلامك وعمايلك ، يبقى خلاص فكرت نفسك هتناطحنى ، أصحى لنفسك وأعرف أنت بتتكلم مع مين أنا رياض النعمانى يا إبن بنت الساعى
ولج عاصم للداخل ، على صوت شجار راسل ورياض ، فبعد خروجه من المبنى الملحق بالقصر ، بعد قضاء ساعة بأكملها يحاول أن يجعل حياء تدلى بإعترافها ، ولكن جوابها لم يكن سوى أنها لا تعلم عما يتحدث ، فلا يعلم من أين جاءت بكل تلك القوة ، التى جعلتها تتحمل إرهابه لها ، المتمثل بالضرب ، وإخافتها من أنه سيجعل حياتها جحيماً ، ولكن إغماءها هو من جعله يعود للقصر على أن يعود إليها بوقت لاحق
– هو فى إيه
ثلاث كلمات فقط ، إستطاع عاصم قولها ، قبل أن يقترب منه راسل قابضاً على عنقه بذراعه ، بل لم يكتفى بذلك ، بل سحب سلاحه النارى من غمده ، ووضع فوهته على أحد جانبى رأسه
فصرخت سوزانا وهى تقول بخوف :
– أنت مجنون أنت هتعمل فيه إيه سيبه
شد راسل على عنقه أكثر ، وعاصم يحاول أن يفلت من بين يديه ، فأحمر وجهه وجحظت عيناه وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه ، ولكن كلما حاول الخلاص من بين يده ، يعود راسل ويحكم ذراعه حول عنقه ، ولم يبالى بكل هؤلاء الرجال الذين يطوقونه وكل منهم مصوباً سلاحه بوجهه
فأدنى راسل برأسه من أذنه قائلاً :
فأدنى راسل برأسه من أذنه قائلاً :
– بطل حركة علشان ممكن أكسر رقبتك فى أى وقت وقول لرجالتك ورجالة عمك يبعدوا أحسن ما أتجنن وأضربك طلقة وأخلص عليك دا لو أنت لسه باقى على عمرك
رفع عاصم يده يشير للرجال بالإبتعاد ، لعل ذلك المجنون ، يخفف من ضغط ذراعه حول عنقه ، فبعد إطمئنانه لإبتعادهم ، هز جسد عاصم بذراعه وهو يقول :
– ودلوقتى قولى أنت وديت حياء فين وعملت فيها إيه
– حياء فى الاوضة اللى فى الجنينة برا
لفظ عاصم عبارته بشق الأنفس ، فسحبه راسل معه إلى الخارج فتبعهما كل من رياض وسوزانا ، وصل راسل للمبنى ، فركل الباب بقدمه ،ومازال رافضاً ترك عاصم قبل رؤية حياء
وجد بالداخل رجلان ، أسرعا بإخراج أسلحتهما ، ولكن أمرهما عاصم بوضعها أرضاً ، سار بممر حتى وصل لغرفة أخرى لا يوجد بها سوى فراشاً ربما تخلى عنه أصحاب المنزل منذ وقت طويل
وقع بصره عليها ، فدفع عاصم عنه وأقترب منها ، فثيابها مبتلة بالكامل ، تضم قدميها لصدرها وترتجف كمن تشعر ببرد شديد ، ويرجع ذلك لأوامر عاصم لرجاله بإفاقتها ، فسكب أحدهما دلو من الماء عليها ليجعلها تفيق من إغماءها
وليس هذا فحسب ، فوجهها تركت أثار أصابع عليه ، ودماء تنزف من جانب فمها ، فنادها بلهفة وخوف :
– حياء حياء ردى عليا
كأن صوته يأتيها من مكان بعيد ، فهى غير قادرة على رفع جفنيها لترى من يناديها ، ولكنها تعلم من يكون صاحب هذا الصوت القوى
فبالكاد خرج صوتها وهى تقول :
– راسل قوله أنا معملتش حاجة والله ما عملت حاجة ومتخليهوش يضربنى تانى
عاد من جديد لعاصم ، وقبض على ثيابه وهو يصرخ بوجهه حانقاً
– أنت عملت فيها إيه وإزاى تمد إيدك عليها
وصل عاصم لحافة صبره من أفعال راسل ، فنشب بينهما عراكاً وحاول كل منهما النيل من الأخر ، فلم يفلح رياض بجعلهما أن يكفا عن العراك
شهقت ميس وهى ترى راسل وخالها يتعاركان ، فحاولت هى فض الشجار ، فأقتربت من راسل الجاثم على صدر عاصم ، وحاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تجعل راسل يبتعد عنه ، فأستقام راسل بوقفته وهو يلهث ، يحاول إلتقاط أنفاسه
ولكن صالحة التى أقتربت من حياء وهى تربت عليها باكية على حالها الذى رأتها به ، فظلت تمسد على جسدها وهى تقول:
– مالك يا حبيبتى أنا دادة سمعانى يا نور عيني
ولكن لم يأتيها رد منها ، فربما عادت لإغماءها ثانية ، فظلت صالحة تربت على وجهها برفق وهى تقول:
– أصحى يا حبيبتى ردى عليا حياااااء
أنتبه راسل على قول صالحة ، فأقترب من الفراش ثانية ، ورفع يدها ، يتحسس بأصابعه نبضها ، فرأى أنه من الأفضل خروجها من هنا
ولكن قبل أن يعمل على إخراجها من الغرفة ، أخرج سلاحه النارى مصوباً به ثانية بوجه عاصم ، قائلا ببرود :
– دى علشان أنت مديت إيدك عليها
سحب زناد سلاحه ، وأطلق منه رصاصة إستقرت بمنتصف ذراع عاصم الأيمن ، ولكن قبل أن يعود إليها ، دوى صوت طلقة نارية أخرى شهق على أثرها الجميع
يتبع…