نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الخامس عشر من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
رواية لا يليق بك الا العشق الفصل 15
١٥– ” غير قابل للتفاوض”
مرت دقيقة كاملة منذ أن فتحت قسمت الباب ، قابضة على المقبض بأصابع متشنجة ، بعدما سمعت ما قالته إبنتها ، فأقتحمت الغرفة كالإعصار بهيئتها الشرسة ، التى أنبأت شكرى بأنها ربما فطنت ما أقدم على فعله ، جعل حياء تفر هاربة من المنزل ، إزدراد لعابه لم يكن كافياً بأن يهدأ من ذلك الخوف ، الذى بدأ يسير بعروقه جنباً إلى جنب مع دماءه الحارة ، فالحرارة غزت جسده بالكامل ، ولا يعلم هل تلك الحرارة ناتجة عن شعوره بالخزى ، بعدما علمت إبنته بفعلته ، أم أنها شعور الخوف من زوجته ، فظل ينقل ببصره تارة بين زوجته و إبنته ، التى عقدت ذراعيها أمام صدرها ، تحاول الهروب بعينيها التى تهدد بسقوط دموعها ، ولم تكن سوى دموع الحزن على تشويه تلك الصورة والمكانة ، التى كان يحتلها هو من قلبها
فهو أبيها ، فارسها المغوار كما رأته منذ صغرها ، حتى وإن كانت أحياناً كثيرة تستهجن عدم مقدرته على قمع غضب أمها ، فكانت تقواه وورعه اللذان كان يدعيهما كفيلان بأن تراه من منظور الأب الفاضل حسن السيرة والسلوك القويم ، ولكن بما رآته قبل عدة ساعات ، جعل تلك الصورة تتحطم شر تحطيم بنفسها النقية
فأثناء وجودها بشرفة غرفتها تتحدث مع زوجها عبر الهاتف ، رآت حياء تركض خارجة من المنزل ، فتركت الغرفة مهرولة على الدرج ، لترى ماذا حدث ؟ فرآت غرفتها مفتوحة الباب على مصراعيه ، فأقتربت من الباب ورآت والدها يأن ويتلوى بجسده على الأرض ، فلم تكن بحاجة لمزيد من الذكاء ، لتعلم سبب ماحدث ، فعادت أدراجها لغرفتها ، قبل أن يراها والدها
– إيه اللى سمعته ده يا هبة
قالتها قسمت وهى ترمق هبة بتساؤل ، على أن تسرع الأخرى بإعطاءها الجواب على ما سألتها إياه ، فالباب الذى كانت تقف على عتبته ، مانعة بذلك فرار إبنتها قبل أن تعطيها جواباً ، أوصدته بإحكام ، وصوت أغلاقه لم يزد شكرى سوى فزعاً مما سيلقاه من قسمت
– مماما هو تقصدى إيه
جملتها القصيرة المتلعثمة ، لم تكن سوى وقوداً زاد من تأجج نيران الغضب بصدر قسمت ، فقبل أن تقترب منها ، لتنتزع منها الحقيقة ، إرتدت بخطواتها للخلف ، تشعر بالخوف هى أيضاً
ولكن قبل أن تفه بكلمة ، كان شكرى هو الأسبق بالقول :
– هقولك يا قسمت على اللى حصل ، هو الموضوع أن لما كنت عطشان وخرجت أشرب ، سمعت صوت فى أوضة حياء ، فلما قربت سمعت صوت راجل معاها فى الأوضة ، ففتحت الباب أشوف فى إيه ، لقيتها …
أحنى رأسه يدعى الحزن ، يستجلب الدموع من عيناه الماكرة، فبدمعة واحدة فرت من إحدى عينيه ، أسبغت عليه ملامح الأسى بمهارة وهو يكمل حديثه :
– لقيتها هى وخطيبها الدكتور نادر فى السرير مع بعض ، ولما جيت اتكلم وأمسكه ، ضربنى وهرب وهى كمان هربت وراه ، فقولتلك أن أنا وقعت من على السلم مكنتش حابب أفضح سرها إحنا برضه عندنا بنت وربنا أمر بالستر
فكت هبة عقدة ذراعيها ، وتهدلت بجانبها وهى فاغرة فاها بدهشة ؛ من إتقان والدها للكذب ، وإلقاء التهم الباطلة حتى ينجو بنفسه ، فهى تكاد تجزم أن ذلك الرجل ليس أبيها ، الذى كانت تظن أنها تعرفه حق المعرفة ، فهو يخوض بعرض وشرف فتاة ، من أجل أن لا تنكشف إساءته لها أمام زوجته
– ببابا أنت بتقول إيه حياء مستحيل تعمل كده أنت ..
قبل ان تكمل عبارتها ، كانت والدتها تسبقها القول ، وهى تقول بثغر ملتوى بتأفف :
– ومتعملش كده ليه ، ميغركيش الشويتين اللى كانت بتعملهم دول ، الله أعلم قاعدتها فى بلاد برا عملت فيها إيه ، ياما تحت السواهى دواهى
تنظر لأبيها وتعود لتنظر لأمها ، فكيف عاشت بكنف آثنان مثلهما ، فبتلك الآونة الأخيرة ، أنكشف الستار عن أنفس خبيثة ، لا تهوى سوى الطمع بما يملكه الغير ، وليس هذا حسب ، بل والدها الفاضل لم يكتفى بمحاولته القذرة من القضاء على عفة وطهارة ربيبة ذلك المنزل ، بل وصمها بالعار والسلوك السيئ ، وقذفها بالباطل
فأنكمشت على نفسها ، تشعر بالاشمئزاز والنفور ، كأن من تراه ليس سوى ذئب بثوب حمل وديع ، ولا تنكر أنها صارت تخشاه ، ولكن ليست خشية الخوف من إيذاءها وحسب ، بل الخشية من أنه ربما تأتى نفسه الضعيفة والمنحلة بأن لا يفرق بين إبنته وغيرها ، بتنفيذ رغباته الشيطانية ، فمن تجرأ على التفكير بإنتهاك حرمة جسد فتاة كانت تراه بمقام أبيها ، لن يشكل لديه فارقاً إذا كانت فريسته القادمة فتاة غريبة أم إبنته التى تحمل دماءه
فهى يجب عليها الخروج من ذلك المنزل بأقرب وقت تستطيع به فعل ذلك ، فهى أخذت قرارها وعزمت على تنفيذه بشتى الوسائل الممكنة لها ، فزوجها ومنزله أحق بها الآن ، ولن تتراجع عن عزمها تلك المرة ، مثلما فعلت بوقت سابق ، ظناً منها أنها قادرة على إقناع والدايها بالحسنى ، فبهدمهما لمعتقدها الحسن بهما ، جعلها غير أبهة بما سيحدث لاحقاً ، فالأفضل لها الخروج من هذا المنزل ، قبل أن تنقطع كل أواصر المحبة و الود بينها وبينهما ، التى بدأ أبيها بقطعها واحداً تلو الآخر بيديه الأثمتين
______________
باليوم التالى ….
بوقت الظهيرة ، وأثناء شروعها بأخذ قيلولة قصيرة ، صوت الجرس المُلح ، جعلها تسرع بإرتداء ثوب الصلاة ، الذى لا يوجد غيره ساتراً لها الآن ، فبعد نظرها بشق الباب ، أسرعت بفتح الباب بلهفة لرؤية تلك القادمة ، فبثوانى كانت حياء بين ذراعى صالحة ، وهى مطبقة عليها بحنان وأعين دامعة من رؤيتها التى أشتاقتها ، فبعد إلحاح قسمت لتركها المنزل ، لم يكن بينهما سوى مكالمة عبر الهاتف ، أطلقت حياء العنان لدموعها التى تساقطت فرحة بلقاء مربيتها الحنون ، والتى لم تدعها تنغمس بغمرة سعادة اللقاء وحدها ، بل شاركتها الدموع ، وخاصة بعدما رآت ملامحها الشاحبة ووجهها الذى أختفت منه معالم الحياة ، التى كانت تتمثل بوجنتيها المتوردتين ، وعينيها الصافيتين ، وشفتيها النضرتين ، بل من تراها أمامها شبحاً لفتاة ، تربت على يديها ، وعاشت سنوات طوال كان الحزن لا يعرف لها سبيلاً
– دادة وحشتينى أوى
قالتها حياء بصوت مكتوم وهى دافنة وجهها بصدر صالحة ، تطوقها بذراعيها ، كمن تتعلق بقشة وسط أمواج تتقاذفها بدون رحمة أو شفقة
فربتت صالحة على ظهرها وهى تقول بحب :
– وأنتى كمان يا حبيبتى وحشتينى أوى أنا مصدقتش أن أنتى هنا لما مرات الشيخ قالتلى من شوية
أبتعدت حياء عنها ترمقها بهدوء :
– هى اللى قالتلك أن أنا هنا
أماءت صالحة برأسها إيجاباً ، فولجت للداخل وهى تضمها إليها ، تغلق الباب خلفها ، فجلست على الأريكة بالصالة تجلسها بجانبها ، فهى تريد معرفة سبب مجيئها لهنا ، ولما لم تهاتفها أو تعلمها بشأن مجيئها ، فهى أيضاً تسكن بهذا الحى منذ زواجها ، وبعد وفاة زوجها أسرع عرفان بتقديم يد العون والمساعدة لها فأصرت هى على العمل لديه ، بعدما توسمت به الطيبة هو وزوجته
أخذت صالحة يد حياء بين كفيها ، تحثها على إخبارها بما حدث لها منذ أن تركت المنزل ، فتبسمت لها بتشجيع :
–قوليلى يا حبيبتى إيه اللى حصل وأنتى جيتى هنا ليه ، فى حد زعلك أو عملك حاجة
لم تحسن حياء كبح جماح دموعها ، التى سرعان ما أنهمرت غزيرة على وجنتيها ، فشب القلق بقلب صالحة ، وخاصة عندما تصاعدت شهقاتها ، كأنها تبكى بحسرة ، فقبل أن تبدى قلقها على حالتها ، كانت حياء بدأت تقص عليها ما حدث ، من بداية علمها بأنها ليست إبنة عرفان ، مروراً بإكتشافها كذب نادر وهروبه ، خاتمة حديثها بما كان ينتوى شكرى أن يفعله معها وقضاء ليلتها بين جدران قسم الشرطة ، ومساعدة راسل لها حتى مجيئها لهنا
بملامح متصنمة كانت صالحة ترمق حياء ، لا تصدق ما سمعته منها ، ولكن قبل أن تقول شيئاً ، نظرت إليها حياء بتساؤل :
_ دادة أنتى كنتى تعرفى أن أنا مش بنتهم
هزت صالحة رأسها نفياً وهى تجيبها :
– أبدا والله يا حبيبتى ما أعرف أنا أصلاً مش مصدقة اللى سمعته ده ، معقولة كل ده حصل ، وشكرى كان عايز يعتدى عليكى الله يلعنه طول عمرى مبرتحلوش هو ولا مراته
مع أخر كلمة قالتها ، كانت تدنيها منها تحتضنها ، محتوية إياها بين ذراعيها ، ووضعت قبلة على رأسها شفقة ومواساة لها على ما لقته بالأونة الأخيرة ، فشعرت حياء بالراحة ، من كون صالحة مازالت تعاملها بالود والمحبة ، حتى بعدما علمت حقيقتها ، فإثنتان فقط هما من ظلتا يتعاملان معها كالسابق وهما هبة وصالحة
إتسعت عينيها قليلاً ، بعدما تبادر لذهنها من أن صالحة تستطيع مساعدتها بجلب أشياءها وثيابها من المنزل ، فأبتعدت عنها ونظرت لها بإستجداء :
– دادة ممكن أطلب منك طلب
ربتت صالحة على يدها وهى تقول :
– عيونى يا حبيبتى قولى عايزة إيه
– عيزاكى تروحى البيت وتقولى لهبة تلم ليا هدومى وتليفونى وحاجتى وأوراق تخرجى وكمان فى اللبس اللى جبته من الملجأ ، أنا حطاه هناك وعيزاه وهقولك حطاه فين أنتى عارفة أوضتى كويس
ختمت حياء حديثها ، فى إنتظار سماع رد صالحة ، فلو أبدت رفضها من أجل أن لا ترى قسمت ، فهى لن تلومها ، ولكنها وجدت صالحة تهب واقفة من مكانها ، ففكرت هل بذلك تبدى رفضها أم ماذا ؟
ولكنها سمعتها تقول :
– بس كده من عينيا الاتنين ، هروح ليها حالا يا حبيبتى وهجبهملك مش هتأخر
خرجت صالحة من الشقة ، فوضعت حياء رأسها بين يديها ، وهى تدعو الله أن تسير الأمور بخير ، داعية الله أن تستطيع صالحة جلب ثيابها ، فهى لا يعنيها شئ سوى ثياب ذكريات طفولتها ، فلو لم تنجح بجلب أى شئ أخر سواها ، فستعمل على شراء ثياب جديدة من النقود التى عثرت عليها
قطعت عربة الأجرة المسافة الفاصلة بين ذلك الحى وذلك المنزل الفخم فى غضون نصف ساعة تقريباً ، فترجلت صالحة منها بعدما صاح السائق بصوته الصادح ، بأنهما وصلا لوجهتها التى تريدها
غادرت العربة ، فتقدمت صالحة من البوابة الحديدية ، يتأكلها الخوف من إخفاقها فى تنفيذ ما طلبته حياء منها ، فصياح الحارس بسعادة لرؤيتها جعلها تطمأن قليلاً :
– صالحة يا ألف مرحب عاملة إيه
تبسمت له صالحة :
– الحمد لله تسلم يا رب بقولك إيه هى الست قسمت جوا هى وجوزها
– لاء الست قسمت وشكرى بيه خرجوا من ساعة كده ليه عيزاها ترجعك الشغل هنا تانى
قالها الحارس بفضول ، لمعرفة سبب مجيئها وسؤالها عن قسمت
زادت سعادتها بعلمها عدم وجود أحد منهما بالمنزل ، فأرادته أن يخبر هبة بأنها تريد مقابلتها على وجه السرعة ، فبعد دقائق معدودة ، كانت صالحة تخبر هبة بما تريد ، بعدما ألحت عليها هبة بمعرفة مكان تواجد حياء الآن ، فأخذتها هبة وذهبتا لتلك الغرفة التى كانت تقطنها حياء بالمنزل
– شوفى حياء محتاجة إيه وخديه وأنا هساعدك
قالتها هبة وهى تتقدم صالحة لغرفة الثياب ، فالحقائب الخاصة بالسفر ، كانت موضوعة بأحد أركان الغرفة ، فأخذتا أكبر حقيبتين منهم ، وبدأت كل منهما بترتيب الثياب بداخلها ، فتحت صالحة ذلك الجارور الذى أخبرتها حياء بوجود ثياب طفولتها به ، فحملتها تضعها بالحقيبة ، وبحثت عن هاتفها وأوراقها الخاصة ، وأخذت كل ما رآت أن حياء بحاجة إليه
نظرت صالحة للحقيبتين الكبيرتين و الثقيلتين :
– تقريبا كده خدت كل حاجة هى محتجاها تسلمى يا ست هبة
تبسمت لها هبة ولا تنكر أسفها أيضاً على حالها :
– أبقى سلميلى عليها وكويس أن أطمنت أنها بخير وإن شاء الله أبقى أجى أزورها من غير ما حد يعرف ، ويلا قبل ما ماما ولا بابا يرجعوا من برا
سحبت كل منهما حقيبة ، تجرها خلفها تشعر بثقلها ، حتى وصلتا للبوابة الخارجية ، فساعدتها هبة فى إيقاف سيارة أجرة ، وهى تبتهل من داخلها أن لا يأتى أحد من والدايها الآن
تهللت أسارير هبة وهى ترى سيارة تقف بالقرب منهما ، فترجل السائق ، وحمل الحقائب يضعها بالسيارة ، وبعد إعراب صالحة لشكرها لمساعدتها ، أنطلق السائق بسيارته مغادراً ، فعادت هبة أدراجها للداخل ، وهى تتهئ هى الأخرى لأخذ تلك الخطوة المصيرية
فهى بطور الاستعداد لمغادرة ذلك المنزل ، بعدما أخبرت وحيد بنتيها بترك المنزل والذهاب إليه ، فهى كانت على وشك المغادرة هى الاخرى قبل مجئ صالحة ، فحقيبتها تنتظرها لإنهاء لملمة أغراضها
بصوتها المتلهف كانت صالحة تخبر السائق بالوقوف ، بذلك المكان الذى أشارت إليه ، فترجلت من السيارة وأنحنت تنظر للسائق بإبتسامة :
– بقولك إيه يا أسطى ساعدنى بس أطلع الشنط دى الدور التانى وهديك الأجرة اللى أنت عايزها
أماء السائق وهو يفتح باب السيارة :
– من عينيا يا ست الكل
بمساعدة السائق كانت الحقيبتان متجاورتان أمام باب الشقة ، ففتحت صالحة جزدانها الجلدى ، وأخرجت منه نقوداً وضعتها بيد السائق مع ترديدها عبارات الشكر والامتنان ، فبعد إطمئنانها لذهابه ، ضغطت زر الجرس ، ففتحت حياء الباب
فتبسمت صالحة وهى تشير للحقائب قائلة بتفكه :
– جبتلك الأوضة بتاعتك كلها فى الشنطتين دول
أنفرجت شفتيها بإبتسامة على مزحة صالحة ، فساعدتها بإدخال الحقائب لغرفة النوم ، فنفضت حياء ذراعيها بألم :
– الشنط تقيلة أوى أنت شكلك يا دادة جبتى الاوضة بحيطانها كمان فى الشنطة ،
تلك هى المرة الاولى التى ترتسم الضحكة على ملامحها ، فأقتربت من صالحة طابعة قبلة على وجنتها ، وبدأت بإفراغ الحقائب وترتيب الثياب ، تساعدها صالحة وهما يثرثران بمرح ، تحاول كل منهما الترويح عن الأخرى
_____________
سكب من زجاجة الخمر ، الموجودة على الطاولة بجوار مقعده ، حتى أمتلأ الكأس بيده ، فهو لا يكتفى بسكب القليل ، بل دائماً ما يحرص على إمتلاء كأسه ، حتى يتجرعه ببطئ ، ويداه تلتمس الملمس الحريرى ، لذلك الثوب الأنثوى ، الموضوع على ساقيه ، فيد تتلمس الثوب ، واليد الأخرى بها كأس الخمر ، وعيناه مسلطة على الصورة العريضة المعلقة على الجدار بتلك الغرفة ، فهى مخصصة فقط من أجل إسترخاءه ، وجلوسه لإستعادة ومضات ولمحات من ماضٍ ، لا يعلم مر عليه كم من الأعوام ، هامت عيناه بتلك العينان الساحرة ، التى يكاد يشعر بأن الصورة ستدب الروح بها يوماً ما ، وتجلس بجواره ، مثلما كان معتاد هو الجلوس قريباً منها ، ملبياً لمطالبها ، سعيداً بتلك الإبتسامة التى تهديها له بإمتنان ، على ما فعله من أجلها
لم يخرج من تأمله بالصورة ، إلا على صوت دقات الباب المتتالية ، فخرج صوته حاداً بإستياء من قطع خلوته :
– عايزين إيه يا بهايم مش قولت محدش يخبط عليا ولا يزعجنى
– فواز بيه فى حاجة ضرورية حصلت وعايز أبلغ سعادتك بيها
قالها أحد رجاله المقربين ، من خلف الباب الموصد بإحكام ، فترك فواز مقعده ، وأقترب من الباب ، وأدار مقبضه
فتطلع ملياً بالرجل وجفناه حمراويين ، كأنه خرج للتو من عراك أو ما شابه ، فشعره الذى تخللته الخصيلات البيضاء بكثرة مبعثراً بفوضوية ، فهيئته الغير مهندمة ، لا تمت بصلة لذلك الرجل ذائع الصيت بسوق الأعمال ، منذ سنوات ليست بالقليلة
– عايز إيه وحاجة إيه دى اللى ضروري أعرفها
قالها فواز وهو يعود لمجلسه ثانية ، بينما أتبع الرجل أثره ، حتى وقف بجواره يضم يديه بإحترام
فأبتلع ريقه أولاً ، حتى يتسنى له أن يصيغ ذلك الخبر القادم لإخباره به ، ولعمله أيضاً أن ستثور ثائرته بعد سماعه
فبلل الرجل شفتيه قائلاً بصوت مرتجف :
– هى الحقيقة يا فواز بيه مجموعة الفنادق اللى كنا هنشتريها صاحبها باعها لناس تانيين ومقبلش العرض بتاعنا
– بتقول إااايه
تلك الصيحة العالية من فمه ، الذى تطاير منه رزاز الخمر الذى كان يحتسيه بوجه الرجل ، جعل الخوف يزداد أكثر بقلبه ، خشية إقدامه مثلاً على قذفه بزجاجة الخمر ، أو أن يهشم وجهه بلكمة من يده ، فهو حتى إن تجاوز الثانية والخمسون من عمره وزيادة ، فهو مازال يتمتع ببنية جسدية قوية ، يرجع آثرها لعمله كحارس شخصى بشبابه
فلم يكتفى فواز بذلك ، بل قبض على تلابيب ثيابه ، وفح بوجهه معقباً:
– وإزاى ده يحصل ها وإزاى يرجع فى كلامه معايا أنا هوريه شغله بس مين ده اللى أشترى الفنادق
– اللى عرفته أنه باعها لناس كانت عايشة فى اليونان بس الست اللى اشترتهم إسمها غزل عمران الزناتى
قالها الرجل بسرعة ، لعله يفلته من يده ، التى كاد يشعر بها على وشك زهق أنفاسه وهو قابضاً على ياقة قيصه أسفل عنقه
بسماع ذلك الإسم ، الذى أخبره به الرجل ، تشنجت أطرافه ، ويده التى كانت متحجرة ، أرتخت فجأة ، بل شعر بأن عظامه ذابت ، تحت وطأة إلتقاط أذنيه للإسم ، فلا بد له من أنه يتخيل سماع إسمها ، أو ربما اليوم أفرط بشرب الخمر ، وكل ما يحدث ناتج عن حالة من السُكر ، التى أعتادها من كثرة إحتساءه الخمور
– غزل
نطق إسمها بضعف إجتاح حواسه ، فأسرع بالجلوس على مقعده ، حتى لا يترنح بوقفته ، من مداهمة الإرتخاء لأعضاءه
قطب الرجل حاجبيه ، من تلك الحالة التى رأه بها ، فهو يعمل بخدمته ، منذ ما يقرب العشر سنوات ، لم يراه مرة هكذا ، بل دائماً آمرا متجبراً برجاله ، فلا بد أن بالأمر شئ يجهله ،فهو حتى لم يكمل ثورته عليه ، وكأن لفظه بإسم تلك المرآة ، كان مفتاح النجاة له من بطشه
بعدما رآى أنه الآن بطور قبول سماع إسمها ثانية ، ومن فم أحد أخر ، تطلع بوجهه للرجل قائلاً بلهفة لم تخلو من الحدة :
– وهى فين عايشة فين دلوقتى أنطق فى القصر بتاع ابوها ولا فين رد
أنتفض الرجل من حدته بسؤاله ، فأسرع بإجابته :
– هجبلك قرارها يا فواز بيه حاضر
أستقام فواز بوقفته ، وألتفت حوله يميناً ويساراً ،كأنه يبحث عن شئ مفقود ، فهتف بالرجل بما يشبه التحذير :
– خلاص أنت ملكش دعوة بالموضوع ده أنا اللى هعرف كل حاجة بنفسى يلا غور من وشى
لم ينتظر الرجل سماعها منه ثانية ، فبلمح البصر كان تاركاً الغرفة وصاحبها ، فأسرع فواز بالذهاب لغرفته ، ومنها للمرحاض ، فهو يريد أن يستعيد وعيه كاملاً ، فأسرع بفتح الماء ، الذى تدفق على رأسه بقوة ، وهو يلتقط أنفاسه ، كأنه غريق ، فبعد أن رآى أن عقله عاد لثباته ثانية ، أغلق الماء ، وخرج من المرحاض ، ووقف بغرفة الثياب ، ينتقى منها أفضل ما يمكن إرتداءه من أجل مقابلتها ، فهو سيذهب للقصر ، وإن لم يجدها ، سيبحث عنها بكل مكان ، فهو جاب الأرض بحثاً عنها بعد إختفاءها ، ولكنه لم يعثر لها على آثر
تلك المرة لم يشأ أن يقود السائق سيارته ، بل إنه لم ينتظر مجيئه من تلك الغرفة التى يسكنها بحديقة المنزل ، بل أسرع هو بقيادة السيارة ، فكانت تنهب الأرض نهباً حتى يصل لوجهته
أمام البوابة الكبيرة بذلك القصر ، الذى كان تعود ملكيته ، لأحد كبار رجال الأعمال بالإسكندرية ويدعى ” عمران الزناتى”
أوقف محرك السيارة ، وفتح الباب بجانبه ، وترجل منها مسرعاً ، خاصة بعد رؤيته تلك الأضواء المتلألئة بحديقة المنزل
بعد علمه بأن ورثة ذلك القصر ، عادوا حقاً للإسكندرية ، طلب من الحارس مقابلة سيدة القصر ، فلم يكلفه الحارس عناء الوقوف كثيراً ، فدعاه للدخول ، وأستقبلته الخادمة ، التى ساعدته بالوصول لغرفة الصالون، وهى متعجبة قليلاً من أنه يعلم أين هى تريد إيصاله ، فهو يعلم كل ركن بذلك القصر
جلس يفرك يديه بتوتر ، ولكن لم تدوم راحته بمجلسه كثيراً ، فترك المقعد ،كأنه جالساً على جمر محترق ، لا يطيق صبراً لرؤياها
صوت حذاءها الرنان ، وصل لأذنيه قبل أن يستدير برأسه ويراها قادمة ، فتوقفت هى على بعد عدة خطوات منه ، تتفرس بوجهه بهدوء ، كأنها تحاول الربط بين ذلك الرجل الذى تراه أمامها ، وبين ذلك الشاب الذى كان يعمل بخدمة والدها
مسحت عيناه كل إنش بها ، كأن الزمن لم يستطيع المساس بجمالها ، كأنه تركها تلك الصبية الحسناء ، الذى وقع هو صريعاً لحسنها ، ولم يكن هو بمفرده ، بل تبعه الكثيرون
فضيقت ما بين عينيها ، كأنها تحاول تذكره فهتفت به قائلة بصوت ساحر خلاب :
– معقولة أنت فواز
– أيوة أنا يا ست البنات وقمر عيلة الزناتى
قالها فواز بصوت متهدج ، فدائما ما كان يناديها هكذا
فتبسمت هى على قوله وقالت :
– أنت لسه برضه يا فواز بتقولى ياست البنات أنا خلاص كبرت
انفرجت شفتيه باسمة وهو يقول :
– هتفضلى طول عمرك ست البنات وبنت سيدى أنا مصدقتش أنك رجعتى إسكندرية تانى أنا كأنى بحلم دا أنا قعدت أدور عليكى من ساعة الحادثة …..
لم يكمل عبارته ،وهو يراها تسقط جالسة بالمقعد خلفها ، بعد إتيانه على ذكر ما حدث ، فما كان منه سوى إبداء الأسف والندم على قوله
فترجاها بأن تمنحه السماح على ما قاله :
– سامحينى يا ست البنات مش قصدى أفكرك بحاجة
حكت غزل جبهتها ، كأنها أصيبت بالصداع فجأة ، فصوت قصف الأسلحة النارية ، مازال يتردد صداه بأذنيها ، علاوة على صوت الصرخات والعويل ، وتذكرها بركة الدماء ، فكلمة واحدة أعادت كل شئ حياً أمام عينيها
حاولت الإبتسام بعد ذلك العبوس الذى حل على وجهها وقالت :
– بس هو أنت عرفت أن أنا رجعت إزاى يا فواز ولا أقولك فواز بيه الظاهر كده أنك دلوقتى بقيت رجل أعمال مشهور
جلس على حافة مقعد قريب من مقعدها ، يكاد يجثو على ركبتيه بجانب مقعدها ، فهو لا يصدق أنه يراها أمامه ، جميلة أنيقة ، سليلة واحدة من أكبر عائلات المجتمع السكندرى
فخرج صوته قائلاً بحنين :
– لاء أنا فواز وبس فواز خدام تراب رجليكى يا ست البنات
انتفضت غزل بعد تفوهه بعبارته ، فحاولت تغيير دفة ذلك الحديث ، الذى ما أن يبدأ به لن ينتهى ، وهى لا تريد ذلك بوقتها الحالى
فأبتلعت ريقها قدر ما أمكنها ، فقالت بإبتسامة حاولت الحفاظ عليها :
– الزمن بقى غير الزمن يا فواز وأنت أكيد دلوقتى مبقتش زى زمان فخلينا ننسى الماضى ونبقى مجرد أتنين كانوا يعرفوا بعض فى فترة من حياتهم ، وتعاملنا يبقى على أساس وقتنا الحالى وبس وصدقنى أنا مبسوطة أن شوفتك
كأن بتلك الكلمة أحييت كل ما دُفن تحت ثرى الماضى ، فترك مكانه هو الأخر مبتسماً لها :
–مش قد سعادتى أن شوفت يا ست البنات بس هم فين ولادك أخوكى مراد الله يرحمه ، فين معتصم وعمران
ضمت غزل ذراعيها وقالت :
– معتصم لسه خارج قبل ما أنت تيجى وعمران لسه فى اليونان ومرجعش كام يوم كده وهييجى إن شاء الله
وضع فواز يديه بجيبه قائلاً:
– لسه عمران بيحب اللعب بالمسدسات ، لسه فاكر لما عمران باشا الكبير كان يزعقلى أن بعلمه ضرب النار ، ومرة كان هيضرب عاصم النعمانى بالغلط
تتابعت أنفاسها ، تعلو بصدرها ، كأن الهواء يستل من رئتيها رويداً رويداً ، فلما هو على إصرار تام ، بتذكيرها بما حدث ماضياً
علم هو من ملامح وجهها المحتقنة بالدماء ، أنه أخطأ ثانية ، ولكن تلك المرة كان الخطأ فادحاً بذكر إسم ” عاصم النعمانى ”
فحاول أن يبدى أسفه ، فطفق يردد عبارات الأسف الشديد:
– أنا أسف والله يا ست البنات سامحينى غلطت مرة تانية أنا أسف والله ما قصدى
رفعت يدها تشير له ، بأن يكف عن ترديد عبارات الأسف ، فليس الخطأ خطأه ، فلابد أن تثار ذكرياتها سواء بقصد منه ، أو بدون قصد ، وكيف لا ؟ وهو من قضى سنوات يعمل حارساً لدى والدها ، وهو من حاول حمايتها بيوم الفاجعة ، التى حلت على ذلك القصر ، فربما لولاه لكانت ألتحقت بمن قتلوا هى وأبناء شقيقها ، اللذان أستماتت للحفاظ عليهما ، من قصف الأسلحة النارية ، وأستطاعت الهرب بهما خارج البلاد
_____________
جالسة منذ أكثر من نصف ساعة ، تحاول فهم ما اعتراه اليوم من شرود وتيه ، لم يحسن إخفاءه عنها ، خاصة وهو جالس على مقعده خلف مكتبه ، يستند برأسه على حافة المقعد ، يحملق فى تلك الصورة المعلقة على الجدار ، وعيناه متسعة قليلاً ، إستطاعت هى رؤية حركة بؤبؤ سوداويتيه بوضوح ، كمن يحدث نفسه بشئ ، لايريد منها سماعه
فتركت مقعدها وجلست على حافة المكتب ، مثلما أعتادت أن تفعل ، عندما تريد منه شيئاً ، ولكن تلك المرة وضعت يدها على كتفه ووكزته بلطف وهى تقول:
– مالك يا راسل فى إيه
كأنه انتبه على جلوسها أمامه ، فمسح وجهه بكفيه مغمغماً :
– مفيش يا حبيبتى بقولك ايه يلا روحى دلوقتى علشان أن كمان هروح حاسس أن انا تعبان
عقدت ميس حاجبيها ، وهى تنظر بساعة معصمها الثمينة فهتفت بغرابة :
– نروح دلوقتى دا لسه الساعة ٤ ثم مش فى عملية المفروض هنعملها الساعة خمسة ونص
– دى عملية بسيطة هخلى أى دكتور جراح هنا يعملها لأن بجد مش قادر أقعد ولا مركز ومينفعش أدخل أوضة العمليات وأنا مش فى كامل وعيى
قال راسل عبارته وهو يهم بترك مقعده ، وخلع عنه رداءه الطبى الأبيض ملقياً به على مقعده
مازالت ميس جالسة على طرف المكتب ، وهى متعجبة من صنيعه اليوم ، ولم تترك مكانها إلا بعدما جذبها من يدها ، يحثها على إطاعة أمره ، فما كان منها سوى أن أماءت برأسها إيجاباً ، وخلعت عنها هى الأخرى رداءها الطبى ، لينكشف ثوبها المحتشم ، الذى أرتدته إرضاء له
حطت ميس بيدها على كتفه فإبتسمت وهى تقول :
– طب أنا همشى سلام
خرجت من غرفة المكتب ، وبعد أن أستعد للذهاب ، وقبل أن يغلق باب غرفة مكتبه ، وجد ولاء أتية عبر الرواق تقترب بخطوات مهرولة ، ووجهها شاحباً ، فخشى أن يكون حدث لها شيئاً
فقبل أن تخبره بسبب مجيئها ، أسرع هو القول :
– ولاء مالك فى إيه حصل حاجة
وضعت ولاء يدها على صدرها ، تلتقط أنفاسها فأجابته مسرعة :
– أبيه عايز أتكلم معاك فى موضوع ضرورى
– ادخلى يا ولاء
نطق بها راسل ، وهو يشير لولاء بأن تسبقه لغرفة المكتب
جلست ولاء وهى تفرك يدها بتوتر ، خشية من قولها الذى ستقوله الآن ، وربما ستثار ثائرته ، ولكن لا تملك حلاً أخر
فجلس راسل على المقعد المقابل لها يحثها على الكلام :
– فى إيه يا ولاء قولى قلقتينى
– أنا كنت جاية أكلمك بخصوص العريس اللى بابا عايزنى أتجوزه
قالتها ولاء بصوت متحشرج ، فإن إستطاعت إرجاء الأمر بضعة أيام ، فلن تستطيع فعل ذلك ثانية
ضرب راسل جبهته بأسف :
– يا خبر دا أنا نسيت خالص
صار وجه ولاء أكثر شحوباً ، فقبل أن تنهمر دموعها ، بادر هو بإبداء أسفه ، فما حدث له ، جعله لا يتذكر شئ ، سوى حياء وماحدث لها وما علمه عنها
فخرج صوته هادئاً :
– ولاء بجد مكنش قصدى أنسى بس حصل ظروف وحاجات خلتنى أنسى بس متقلقيش هروح لباباكى النهاردة وأتفاهم معاه
زفرت ولاء من أنفها ، وهى تحاول منع دموعها من التساقط :
– لو روحتله مش هيسمعلك يا أبيه. هيمشى اللى فى دماغه
زادت قسمات وجه راسل وحشية وهو يقول بحدة :
– وأنا مش هسمحله بده أبدا ، ولا أسيبك تتعسى نفسك
ضمت ولاء شفتيها ، سرعان ما أفرجت عنهما وهى تزدرد لعابها قائلة بتوجس :
– هو حاليا فى حل وفى واحد يقدر بكلمة واحدة يوقف الجوازة دى وأنت اللى تقدر تكلمه
رمقها راسل قائلاً بإهتمام :
– مين ده لو فعلاً الشخص ده هيقدر يساعدنا هكلمه فوراً
أخذت ولاء نفساً عميقاً وهى تقول بحذر :
– الوحيد اللى يقدر يعمل كده هو رياض النعمانى لو طلبت منه
عيناه المفتوحة على إتساعها ، جعل الخوف يسكنها ، فربما سينسى من تكون وتجده يصفعها الآن ، فكيف لها بالإتيان على ذكر رياض النعمانى ، وهى تعلم مدى العداء بينهما ، أو بالأصح بينه وبين عائلة النعمانى برمتها ، ولكن خوفها هو ما جعلها تلتجأ لهذا الحل
رمش راسل بعينيه أكثر من مرة ، قبل أن يقول :
– أنتى قولتى مين يا ولاء ، أنتى بتهزرى صح ؟
جف حلقها فحاولت أن تبحث عن كلمات ، تحسن بها مطلبها شديد الغرابة :
– مم ماهو يا أبيه أنت عارف أن له كلمة مسموعة على الكبير والصغير فى إسكندرية ، ولو هو بس قال لعريس الغفلة ده يبعد عنى ، مش هيقدر يخالف أوامره
– دا على أساس أنك مش عارفة اللى بينى وبينه مش كده
قالها راسل بصوت شابه حدة خفيفة ، جعلت ولاء تنكمش بمقعدها ، وعيناها امتلأت بدموع ، ستنهمر على وجنتيها ، بين فينة وأخرى
أغلق عيناه مأنباً لذاته ، فعاد معقباً :
– ولاء مش قصدى ازعلك أنتى عارفة غلاوتك عندى بس الطلب ده صعب أوى
أماءت ولاء برأسها مراراً وهى تقول :
– عارفة يا أبيه بس ملقتش حل تانى قدامى غيره ، وكمان خوفت عليك لتحصل خناقة بينك وبين بابا وتتأذى بسببى ، علشان كده كنت عايزة أحل الموضوع من غير مشاكل ، بس لو أنت مش موافق خلاص أعتبر مقولتش حاجة وهتصرف أنا مع العريس ده
لم تنتظر ثانية أخرى ، بل تركت مقعدها وخرجت من الغرفة ، تسرع الخطى ، فوضع رأسه بين يديه ، يكاد الصداع يفتك بها ، فمطلب ولاء منه ، كان الأكثر غرابة ، بل أكثر الأمور التى جعلت من إحياء ذلك الكره الدفين بين طيات قلبه ، أمراً حتمياً ، فكيف له بالذهاب لذلك الرجل ، ليستجديه من أجل أى أمر كان ، فسنوات طوال حاول ترويض ذاته ، على ألا يجعل من أى شئ يعرقل حياته ، يكون حله بيد رياض النعمانى ، ولكن ذلك المطلب غير قابل للتفاوض
____________
بعد مرور أسبوع
أنبلج صباح يوم جديد ، كانت تقف أمام المرآة تضبط حجابها ، بعدما انتهت من إرتداء ثيابها ، سمعت صوت صالحة تناديها من خارج الغرفة ، فأسرعت بأخذ حقيبة كتفها ، وحقيبة أخرى وضعت بها معطف راسل ، بعدما حرصت على تنظيفه قبل أن تعيده إليه ، ولم تنسى أيضاً أخذ ذلك الملف الشخصي المرفق به أوراق تخرجها وكل ما يلزمها من أجل التقدم لتلك الوظيفة ، حتى تستطيع أن تعيل نفسها
فخرجت من الغرفة ، وتبسمت لها صالحة تشير بيدها للمائدة وهى تقول بحنان :
– يلا يا حبيبتى علشان تفطرى قبل ما تنزلى
جلست حياء على أحد المقاعد وهى تقول :
– معقولة هاكل الأكل ده كله يا دادة
– بألف هنا وشفا
قالتها صالحة وذهبت للمطبخ لجلب قدح القهوة ، الذى تحب حياء دائماً إحتساءه بصباحها الباكر ، فوضعت القدح أمامها ، فشدت حياء على يدها لتجلسها :
– أقعدى بقى يا دادة علشان تاكلى معايا
جلست صالحة على مقعد آخر ، فهى لم تتركها لحظة واحدة ، بل فضلت المكوث معها بالشقة ، على ألا تدعها بمفردها ، فهى تعلم مدى هشاشتها ، فهى لم يتبقى لها أحد سوى الله ثم هى ، فهى مازالت تراها تلك الفتاة سليلة الأثرياء ، حتى وإن كانت الحقائق غير ذلك
فبعد أن انتهت حياء من طعامها نهضت عن مقعدها ، وأخرجت من حقيبتها عدة أوراق نقدية ووضعتها أمام صالحة وهى تقول باسمة :
– الفلوس دى يا دادة علشان لو أحتاجتى أى حاجة وأنا مش موجودة وأدعيلى ربنا يوفقنى
فى بادئ الأمر ، رفضت صالحة أخذ النقود ، ولكن بإلحاحها أخذتها منها ، وطفقت تدعو الله ، بأن ييسر لها أمورها ، فهى لم تشأ الانغماس بحزنها أكثر من ذلك ، مفضلة بذلك أن تبحث عن عمل ، لعلها تنسى ماحدث لها من خيبات وجراح
خرجت حياء من المنزل وأشارت لعربة أجرة ، واتخذت مقعدها بالخلف ، تخبر السائق بذلك العنوان لتلك الشركة التى عثرت عليها اثناء بحثها عن وظائف خالية ، داعية الله أن لا يكون الإعلان واهياً أو أن الشركة مختصة بأعمال النصب والاحتيال ، فظلت طوال الطريق ، تفرك يدها بتوتر وقلق ، وتزدرد لعابها من وقت لأخر ، فلم تنتبه لطول المسافة التى قطعتها السيارة ، إلا بعد أن اخبرها السائق بوصولهما
ناولته النقود وخرجت من السيارة ، وقفت أمام ذلك الصرح العملاق الخاص بتلك الشركة المختصة ببيع المنتجات الغذائية ، ولجت للداخل بعد سؤالها لعاملة الاستقبال عن ذلك الطابق المفترض بها الذهاب إليه من أجل تلك الوظيفة المعلن عنها
جلست حياء بجانب العديد من الفتيات ، اللواتى يرغبن مثلها فى الحصول على تلك الوظيفة ، إستمرت مقابلة المدير للفتيات حتى جاء دورها ، فولجت للغرفة تمشى بإستحياء مطرقة برأسها أرضاً
لم ترفع رأسها إلا بعد سماع ذلك الصوت القائل بدهشة :
– أنسة حياء
رفعت حياء رأسها ، وإمتقع لونها بعدما رأت بلال إبن إمام المسجد ، جالساً خلف المكتب بحُلة زرقاء أنيقة ، تحمل شعاراً للشركة ، ماتلك الصدفة التى لم تضعها ببالها ، بأن تراه هنا وليس هذا فحسب بل هو الذى سيجرى معها تلك المقابلة
– أستاذ بلال
قالتها حياء وهى تضم ملف الأوراق لصدرها ، وتشد بيدها الأخرى على الحقيبة الموضوع بها معطف راسل
ترك بلال مقعده قائلاً بإبتسامة عريضة :
– أهلا وسهلا أتفضلى بس غريبة أن اشوفك هنا أنتى جاية هنا ليه ؟
أجابته حياء بتساؤل :
– هى الشركة دى بتاعتك ؟
قهقه بلال بصوت مسموع وهو يقول :
– معقول يعنى أكون صاحب شركة كبيرة زى دى لاء أنا بس مدير قسم المبيعات في الشركة ، بس مقولتليش سبب وجودك هنا
تسلحت حياء بشجاعة واهية وهى تقول بثقة مهزوزة :
– جاية أقدم على الوظيفة اللى الشركة أعلنت عنها وطالبين خريجة إدارة أعمال
قطب بلال حاجبيه قائلاً بغرابة :
– معقولة تقدمى على الوظيفة البسيطة دى ، وباباكى الله يرحمه كان غنى وبإمكانك تديرى أعماله
ماذا تفعل أو تقول هى الآن ؟ فأغمضت عينيها بشئ من الإرهاق ولم تجد سوى تلك الكلمات تقولها :
– عمتو قسمت أخدت الورث كله وياريت متسألنيش ليه ، فلو بالامكان اقدم للوظيفة تمام ، مفيش إمكانية ممكن أمشى
تشكلت أمامه كلغز مستعصى الحل ، ولكن لم يريد لها مزيد من الحرج ، فعاد وجلس على مقعده يشير لها بالجلوس ، فناولته ملف أوراقها ، فطالعه بلال بإعجاب من حصولها على شهادة التخرج من إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية
أغلق بلال الملف أمامه وهو يقول بصوت جاد :
– تمام يا أنسة حياء بإمكانك تبدأى الشغل بس دلوقتى هتقابلى عاصم بيه النعمانى صاحب الشركة لأن انتى هتكونى المساعدة الشخصية ليه
تبسمت حياء بهدوء وهى تقول :
– متشكرة جدا يا أستاذ بلال
سارت خلف بلال بعدما ترك مكانه ، يسبقها بالخروج من غرفة مكتبه ، فسارا عبر رواق طويل ، حتى وصلا أمام باب إحدى الغرف ، أستطاعت حياء التعرف عليها ، بأنها تخص مالك الشركة
طرق بلال الباب بهدوء ، ثم دلف داعياً حياء للدخول ، تحركت قدميها بآلية ، فهى يجب عليها تقبل الأمر ، بأنها ستعمل لدى أحد أخر ، غير ذلك الحلم الذى رسمته سابقاً ، بأنها هى من كانت ستدير أعمال عرفان
رفع عاصم رأسه ، فألتقت عيناه بتلك الفتاة ، التى تسير خلف بلال ، كأنها ضلت طريقها ، تتلفت حولها ، كأنها تبحث عن وجهتها
فأسرع بلال بتقديمها إليه قائلاً بإبتسامة وهو يشير إليها بعدما وضع الملف الخاص بها أمام عاصم :
– دى الأنسة حياء يا عاصم بيه هتبقى المساعدة الجديدة لحضرتك ومعاها شهادات من أحسن جامعة فى أمريكا يعنى مطابقة كل الشروط اللى حضرتك عايزها
إستمعت حياء لمديح بلال ، فرآت عاصم يدعوها للجلوس ، بعدما أمر بلال بالإنصراف ، بعدما أدى مهمته بتوظيفها وجلبها له
خرج بلال من الغرفة ، وأغلق الباب خلفه ، فصدى صوت إغلاق الباب جعلها ترتعد بخفة ، وهى تجلس متململة بمقعدها
تبسم عاصم على ما تفعله ، فوضع القلم من يده ، وأرتكز بمرفقيه على حافة المكتب قائلاً :
– مالك قاعدة خايفة ليه كده هى دى أول مرة تشتغلى فيها
هزت رأسها عدة مرات ، فبدون وعى منها ، ضمت الحقيبة التى تحمل بداخلها معطف راسل ، كأنها بذلك ستخفف من وطأة خوفها وخجلها
فتح عاصم الملف أمامه ، وجال ببصره بأوراقها ، فلم يخفى دهشته عندما علم إسمها المدرج بالأوراق أمامه
فسألها بغرابة :
– معقولة أنتى بنت عرفان الطيب الله يرحمه ، أنا كنت أعرف باباكى بس إزاى جاية تشتغلى هنا
فلو بيدها كانت لطمت خديها الآن ، فإلى متى سيظل كل من يقابلها يطرح عليها هذا السؤال ؟ ولكنها لم تجد إجابة سوى تلك التى تجيدها ، وهى أن شقيقة والدها أنتزعت منها أرثها ، وأنها أصبحت وحيدة ، ولا طاقة لها على مجابهة أحد بعد موت والدايها
أماء عاصم برأسه تفهماً لقولها ، فتبسم لها وهو يقول:
– أممم فهمتك تمام مفيش مشكلة أنك تبقى المساعدة بتاعتى بس بحب كل اللى شغالين معايا دماغهم شغالة ومبحبش الكسل ولا الغباء يا حياء ولازم تبقى لماحة مفهوم
– مفهوم يا أفندم
نطقت بها حياء بصوت يكاد يسمع
فأشار إليها بالإنصراف ، على أن تأتى بالغد لبدء العمل ، فأنصرفت حياء وهى تحاول إلتقاط أنفاسها ، التى كانت تحبسها من وقت لأخر من كثرة خوفها ، فتبعتها عيناه بتقييم حاد ، وهى تسير متجهة صوب باب الغرفة ، فلم تنم ملامحه عن شئ ، لكنه لم يمنع شفتيه من الابتسام لها ، وهى تغلق الباب بعد خروجها
خرجت حياء من الشركة ، ولا تعلم هل أراد بلال توظيفيها من أجل مؤهلاتها الدراسية ، أم من أجل أنه يعرف من تكون ، ولكنها تعلم أن بقبولها تلك الوظيفة ، ستثار الأقاويل والتساؤلات حولها ، فهو لن يستطيع كتمان الأمر عن والديه ، فزفرت بخفوت ، فأمرها لن يظل طى الكتمان للأبد
تذكرت معطف راسل ، فانطلقت سيارة الأجرة التى أشارت إليها ، متجهة صوب ذلك المشفى الذى يملكه ، بسؤالها إحدى الممرضات عن مكان تواجده ، علمت انه بغرفة مكتبه ، فدقت الباب بتهذيب ، وسمعت صوته القوى يأمر الطارق بالدخول
رآها تقف على عتبة الباب ، فظل الجو بينهما مشحوناً بالصمت، حتى أسرع هو بالإشارة لها بالدخول ، فدلفت حياء ودماءها تسير بأوردتها تحمل خجلاً ، لم تعتاد أن يزورها وهى برفقته ، فمقابلتهما السالفة ، كان المتحكم بها ألسنة سليطة ، ودماء نافرة تحمل كرهاً وبغضاء
أقتربت من المكتب ، ومدت يدها له بالحقيبة التى تحملها وهى تقول بشكر وإمتنان ظاهر :
– دا البالطو بتاعك يادكتور راسل وشكراً مرة تانية على مساعدتك ليا عن إذنك
فهى حتى لم ترغب فى سماع رده ، بل أرادت الفرار ، ولكن الفرار إلى أين ؟ وتلك الكلمات القليلة التى خرجت من فمه ، ألجمت ساقيها عن الحركة وهو يقول :
– أنا عرفت أنتى سيبتى البيت ليه يا حياء
مادت الأرض تحت قدميها ، فجحظت عيناها وإستدارت إليه ، بعدما كانت توليه ظهرها ، فأسرعت بسؤاله :
– أنت عرفت إيه بالظبط
– عرفت أنك مش بنت عرفان الطيب الله يرحمه وقدرت أستنتج الباقى وليه أنتى روحتى عيشتى فى البيت اللى وصلتك ليه
قالها راسل وهو يرتكز بمرفقيه على حافة المكتب
إن لم تذهب الآن ، سينهار ثباتها الذى حاولت الحفاظ عليه ، وستتزعزع ثقتها التى جاهدت على غرسها بنفسها ، حتى تستطيع تجاوز تلك المحنة
فخرج صوتها محملاً بالأسى وبغصة علقت بجوفها :
– أتمنى تحتفظ باللى عرفته لنفسك يا دكتور راسل عن إذنك
خرجت من المكتب بهدوء ، ولكن أسرعت بخطواتها التى تشبه الركض حتى وجدت نفسها تستند على أحد أعمدة البناء الضخمة للمشفى فى الخارج ، فهى حقاً ساذجة ، بلهاء إذا ظنت أن أمرها لن يكتشفه أحد ، فالسر إذا انكشف غطاءه ، لن يظل سراً بل سيذاع وينتشر كالنار فى الهشيم ، ولكن ربما من الأفضل لها أن تتقبل هى حقيقة كونها أنها لا تعيش بمفردها فى هذا العالم ، وعليها أن تواجه تلك التحديات والصعوبات ، التى ستواجهها فأبواب الجحيم أنفتحت بوجهها ، وعليها أن تصمد قبل أن تجد نفسها تتلظى بتلك النيران
مسحت عينيها بتلك المحرمة الورقية ، التى أخذتها من حقيبتها ، فأرتعدت أوصالها بعد سماع صوته خلفها قائلاً :
– حياء …
إلتفتت إليه برأسها ، ولكن قبل أن تفه بكلمة رآت تلك الشقراء ، التى أقتربت منهما وهى تقول :
– راسل أنت فين ألحقنى بسرعة فى مريض عنده نزيف حاد وتعبان أوى
سحبته ميس من ذراعه تجره معها ، وعيناه مازالت منصبة على وجه تلك الباكية ، فكلما أبتعد خطوة يعود ويدير رأسه لها ، ليرى هل هى مازالت تقف مكانها ، أم أبتعدت؟ ، فحثت حياء قدميها على السير ، وهى تفكر ماذا كان يريد منها ؟ أو ماذا كان سيقول بعد ذكره لإسمها ولم تسنح الظروف بإكماله حديثه ؟
______________
لم يعد لديها مهرب أو ملجأ ، سوى ذلك الحل الذى أهتدت إليه بتفكيرها ، فهاهى تقف أمام مرآتها تنتهى من إرتداء ثيابها ، من أجل تلك المقابلة القميئة ، التى من المفترض بها أن تتظاهر بالسعادة من أجل أن يمر ذلك اليوم ، قبل أن تجد نفسها وأمها بمأزق ، فبعد إلحاح والدها بالمجئ برفقة فؤاد ، من أجل إعلان الخطبة ، بعدما عملت هى على إرجاء الأمر بعض الوقت ، ولكن ربما نفذ صبر أبيها باكراً ، مثبطاً محاولاتها اليائسة ، سمعت صوت بالخارج ، فعلمت أن والدها أتى برفقة فؤاد ، فبسماعها صوتهما بالخارج ، ملأ النفور والاشمئزاز خلايا جسدها ، فذلك الكره الذى أخذ بالتصاعد ، جعلها تحزم أمرها وتخرج من الغرفة قبل أن تجد أبيها ، يقتحم عليها الغرفة ، يجرها كالشاة التى سيعرضها للسلخ والدبح
وجدتهما جالسان متقاربان على تلك الأريكة ، فهما حقاً يشبهان بعضهما البعض ، من حيث الفسق والأنفس المختلة
فصاح حسان بصوت تراقصت به السعادة :
– تعالى يا ولاء سلمى على عريسك
نهض فؤاد يرمقها بمكر ، وهو يرفع كفه ليصافحها :
– أزيك يا أنسة ولاء
تجاهلت ولاء يده الممدودة ، وجلست على المقعد عاقدة ذراعيها ، تضع ساق على الأخرى ترمقه بكره خالص ، فنظر إليها حسان بتأنيب خفى :
– قومى هاتى العصير يا ولاء علشان تقعدى مع عريسك تتكلموا شوية قبل ما نقرأ الفاتحة أنا بعرف فى الأصول
تبسمت ولاء بتهكم على جملته الأخيرة ، فتركت مكانها وذهبت للمطبخ ، فرأت والدتها تعد المشروبات ، فأخذت صينية ووضعت عليها كوبين فقط ، فملأتهما بمشروب البرتقال ، وسحبت من جيب تنورتها ، ورقة بيضاء ملفوف بها مسحوق أبيض ناعم ، وأفرغتها بالكامل بأحد الأكواب وأعادت الورقة ثانية لجيبها ، قبل أن تراها إسعاد
حملت الصينية فوجدت أبيها يلج المطبخ يحثها على الخروج ، مانعاً إسعاد أن تذهب معها :
– خليكى هنا يا إسعاد أعمليلى فنجان قهوة على ما يقعدوا يتكلموا مع بعض شوية
فربما هذا أفضل لها ، فخرجت ولاء ووضعت الصينية على المنضدة الصغيرة أمامه ، فرفعت الكوب المنشود تناوله إياه قائلة بإبتسامة صفراء :
– أتفضل العصير
– تسلم ايدك يا عروسة
قالها فؤاد وهو يأخذ الكوب من يدها ، متفرساً بملامحها ، ماسحاً بنظراته الوقحة هيئتها كاملة ، بدأ يرتشفه وعيناه تكاد تلتهمها بدناءة ، ولا تخلو عيناه من نظرات الانتصار ، على أنه إستطاع تحدى إرادتها ، وأنها ستصبح له زوجة رغماً عنها ، فتبسمت ولاء وظن هو أنها ربما لانت بالأخير ، وستجعله يحقق انتصاره كاملاً
فانكمشت ملامح وجهه بألم ، ليعود وتنفرج أساريره بعد لمحة من الراحة ، ولكن لم تدم سعادته طويلاً ، فالألم أصبح أشد وأقوى على التحمل ، أنحنى بمنكبيه يطرق برأسه أرضاً ، يضغط بكفيه على معدته ، يشعر بآلام تكاد تمزق أحشاءه
فخرج صوته بأنين ولهاث :
– بطنى مش قادر اااااه بطنى بتتقطع أنتِ كنتِ حاطة إيه فى العصير ده
ألتوى ثغر ولاء بإبتسامة شامتة تقول ببرود :
– هكون حاطة إيه يعنى
باللحظة التالية ،كان ساقطاً من مقعده ، راكعاً على ركبتيه ، صارخاً بألم شديد:
– لاء العصير فيه حاجة أنتى بتكذبى ااااااه
أعتدلت ولاء بجلستها بعدما كانت واضعة ساق على الأخرى ، فأنحنت بجزعها العلوى ، ترمقه بإبتسامة تقول بلامبالاة وصوت خافت كأنها تهمس بأذنيه :
– متقلقش شوية وهترتاح خالص ، أصل السم لازم يعمل كده فى الجسم أول ما يدخل البطن ، بس متقلقش شوية وهترتاح خااالص ، وأرتاح أنا كمان ، هو أنت مفكر أن هخليك تتجوزنى ، وصدقنى حتى لو شرحوا جثتك مش هيعرفوا أنك ميت مسموم …