نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الخامس من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
رواية لا يليق بك الا العشق الفصل 5
٥– ” لى أنا وحدى ”
سريان الخوف بعروقها ، جعلها تتراجع بخطواتها ، ومازالت عيناها على إتساعها منذ سماعها تلك الكلمة منه ، فماذا يقصد بها ؟ أرادت الحفاظ على مسافة أمنة بينها وبين ذلك المجنون ، نعم فهو مجنون ولا تراه بأى صورة أخرى ، وخاصة وهو يقف واضعاً يداه بجيب رداءه الأبيض ، ومازال مبتسماً تلك الإبتسامة التى جعلت الخوف يسكنها
حاولت أن تعثر على كلمة مناسبة فتلعثمت :
– ععايزنى دا إيه أنت كمان ، أنت مجنون ومختل كمان
زوى ما بين حاجبيه قائلا بهدوء بعدما فطن معتقدها بتلك الجملة التى لم تكتمل بعد :
– هو أنتى فهمتى إيه أنا كنت عايز أقولك أنا عايزك يا حياء تهدى وتبطلى عصبية ونرفزة
فأعقب حديثه بضحكة عالية مستطرداً:
– أنتى شكل كل أفكارك عنى مش ولابد بس عايز أقولك يا حياء مش أنا اللى أبص فى حاجة فى إيد غيرى لو حاجة متخصنيش من الأول تبقى متلزمنيش أصل مش غاوى رمرمة
– رمرمة
قالتها حياء بفم مفتوح يكاد يصل للأرض ، فهو فظ غليظ القلب بتعبيره ، لا يجد بقاموسه ما ينمق به حديثه
فتبسمت بسخرية وهى تقول :
– فعلاً تبقى رمرمة لو فى واحدة تعرف واحد زيك يا دكتور راسل دى اللى يتقال عليها رمرمة
لن ينال من تلك المشادة الكلامية بينهما سوى زيادة حنقها ، وهذا ما لايريده بالوقت الحالى ، لذلك فضل أن يكتفى بما حدث
فحمحم قائلاً بجدية :
– أظن كفاية عليكى كده إزعاج هبعتلك دكتور العيون
عندما هم بالمغادرة ، تنفست حياء الصعداء من كونها ستتخلص من وجودها معه وحدها بغرفة الفحص ، وما كادت تتراجع حتى تجلس على مقعدها ، حتى سقطت جالسة على الأرض تتأوه بصوت مسموع ، فهى أخطأت بتقدير القرب اللازم لها لتجلس على المقعد
إستمع راسل لصوت صيحتها المتألمة فألتفت خلفه وجدها تجلس على الأرض ، فرفع حاجبيه يقترب منها ينحنى إليها قائلاً باهتمام :
– أنتى إيه اللى وقعك كده هاتى إيدك
نأت بجسدها عنه وهى ترمقه بغيظ :
– لاء شكراً هقوم لوحدى أبعد وأنت مانع عنى الهوا كده
تبسم على قولها ، وخاصة وهو يراها تحاول أن تضع مسافة كافية بينهما ، وضعت يديها على عينيها الحمراوتين ، فدموعها بدأت تزيد من شعورها بالآلام بها ، فرآى أن يكتفى بذلك وألا يزيد من ألامها
مد يده على المكتب ، وأخذ نظارتها يقربها منها قائلاً :
– خدى نضارتك يا حياء
مدت يدها لأخذها منه ، فأنفتح الباب وألتفتت رأسيهما معها لرؤية من القادم ، فإزدردت حياء لعابها وهى ترى أبويها ونادر وطبيب أخر معهم ، فظلوا يحدقون بهم بنظرة أقرب للصدمة ، وهم يرون حياء جالسة على الأرض ، وراسل يجلس القرفصاء ، تجتمع يداهما على نظارة سوداء ، فمن يراهما ستملأ الظنون رأسه من إجتماعهما سوياً بهذا الوضع المريب
لمحت حياء وجه نادر من خلف إحدى منكبيى أبيها ، فبوادر الغضب ملأت وجهه وعيناه تطالبها بتفسير ما يحدث ، فلا إرادياً حولت وجهها لراسل ، لعله يفسر سبب ما يحدث
فما كان منه إلا أنه أستقام بوقفته قائلاً ببرود كعادته يخاطب دكتور العيون :
– حضرتك متأخر على الكشف ليه يا دكتور الانسة قاعدة مستنياك بقالها كتير وباين عليها التعب
شعر الطبيب بحرج من قول راسل ، فتقدم منه قليلاً يبدى أسفه واعتذاره على تأخره :
– أسف يا دكتور راسل أصل ….
قاطعه راسل وهو يشير بيده ليبدأ بفحصها :
– لا أصل ولا فصل أتفضل أكشف عليها وأعملها اللازم عن أذنكم
بأقترابه من الباب تنحى عرفان ومديحة ونادر ، فخرج من الغرفة تتبعه نظرات حياء الكارهة ، فها هو يخرج من الغرفة ، كأنه لم يفعل شئ أو جعلها محط الشك من أبويها وخطيبها ، فظلت تلعنه بخاطرها للمرة التى لا تعلم عددها ، فأمتنت لإسراع والداتها فى مساعدتها بالوقوف ، فحتى قدميها تشعر بخذلانها بعدما قرأت ما تسطر على وجه نادر من شعوره بوجود شئ مبهم بينها وبين راسل ، وهذا ما لا تريده أن يفكر به أو يضعه معتقداً بباله
فبعد إنتهاء الفحص ، وكتابة الطبيب للعقاقير الطبية اللازمة لها ،عادت لسيارة أبيها ترمق نادر من حين لأخر ،وهى تعلم أن لا بد له من سؤالها عما يحدث وهو لا يعلم ، فصمته الآن ماهو إلا وسيلة للصبر حتى تطيب عيناها وتقدم له تفسير لكل الأسئلة التى تضج بعقله
______________
مررت أناملها على ألوان حمرة الشفاه كمن تعزف مقطوعة موسيقية ، لإختيار أحدهم لطلاء شفتيها ، فوقع إختيارها على لون وردى ، فمطت شفتيها بتفكير ، هل تلك الحمرة ستتناسب مع ثوبها بلون العاج أم لا ؟ فأستحسنت إختيارها الذى سيبرز إستدارة شفتيها المغرية ، ضمتهما لتعود وتنفرجان بإبتسامة راضية عن مظهرها الأنيق والخلاب
أنفتح باب حجرتها ، ولمحت والداتها تلج الغرفة ولكن وجهها المستدير به وجوم غير معتاد
فإستدارت إليها قائلة بإهتمام :
– فى إيه يا مامى مالك وشك كده بيقول فى حاجة
نفخت تلك المرأة الخمسينية بضيق ،وتجاوزتها لتجلس على طرف الفراش الوثير ، فرفعت وجهها لها قائلة بتذمر غير معتاد :
– هند أنتى لحد أمتى هتفضلى ترفضى فى العرسان وعلشان إيه أنتى خلاص تميتى ٢٨ سنة مستنية تتجوزى وأنتى عندك خمسين سنة وكل ما ييجى عريس ترفضيه
عادت هند تنظر للمرأة ، وهى تعمل على ترتيب خصلاتها الفحمية ، فخرج صوتها لامبالياً :
– وإيه يعنى تميت ٢٨ سنة خلاص يعنى كده هعنس زى ما بيقولوا ، الكلام ده كان زمان يا مامى دلوقتى الجواز مبقاش له سن محدد ، التقاليد دى بقت قديمة أووووى
لم تقتنع والداتها بأى حرف مما قالته ، فهى تعلم سبب عزوف أبنتها عن الزواج ، وكل هذا من أجل ذلك الطبيب الذى سلبها عقلها منذ أن رأته للمرة الأولى
فإلتوى ثغرها بإبتسامة هازئة :
– تقاليد قديمة ! ولا ده كله علشان الدكتور راسل اللى أصلا لا حاسس بيكى ولا شايلك من أرضك لا أنتى ولا غيرك
تدفقت دماءها الغاضبة بعروقها ، بإقدام والداتها على تذكريها بطبيعة تلك العلاقة الواهية ، التى تتشبث بها هى من جانبها دون جانبه ، كمن تتمسك بطرف خيط معلق بالهواء
فتتابعت أنفاسها الحانقة وهى تقول:
– تقصدى إيه يا ماما أكيد راسل هييجى وقت ويحس بيا
نهضت والداتها عن الفراش وهى تقول بسخرية :
– الوقت ده مظتش أنه هييجى يا هند وجايز واحدة تانية تاخده زى ما حصل كده فى جوازته الأولانية وطلعتى برضه من الموضوع إيد ورا وإيد قدام وجت حتة واحدة إيطالية خلته يجرى وراها ويتجوزها
أرتفعت شفتها العليا قائلة بأهة سخرية :
– وأخد إيه من جريه وراها ولا حاجة ورجع تانى علشان تعرفى بس يا ماما أن راسل هيكون ليا وليا أنا بس ومفيش واحدة تانية هتاخده لأنه أصلاً دلوقتى مبقاش يحب حد يقرب منه وهو ده اللى معلقنى بيه أكتر
يأست والداتها من جعلها تعدل عن التفكير به ، الذى لن يجديها نفعاً ، ولكن تصميم هند على الإقتراب منه ودفاعها المستميت عن تلك الرغبة التى تحدوها بأن تحمل لقب زوجته ،جعلها تبادر بالخروج من الغرفة ، قبل أن تتشاجر معها ،فهى إبنتها الوحيدة والتى لم تشأ لها سوى أن تحصل على كل ما أرادته بحياتها ،فهى مدللة لديها هى ووالداها ، وهما يعلمان بشأن ذلك الحب الذى لم تستطيع عيناها إخفاءه خاصة إذا كان راسل حاضراً بنفس المكان
حاولت هند أن تعيد اللون إلى وجهها الممتقع بعد حديث والداتها معها ، فأفلحت فى ذلك بأن أعادت البسمة المغرية لشفتيها ، ولعينيها اللمحة المضيئة بشوق لرجل يعيش بسبات ثلجى ، كأنه قد من حجر ، وليس ذلك الرجل الذى كان عليه منذ سنوات وقبل أن يتزوج ، فكأن تلك الزيجة كانت كالسيف الذى شق قلبه نصفين ، لا يمت أحدهما للأخر بصلة
خرجت من المنزل وأستقلت سيارتها الرياضية المكشوفة بدون غطاء بلون أنثوى صارخ ، ألا وهو اللون الأحمر ، كلما سمعت صافرات الاعجاب من الشباب أو الرجال ، وخاصة وخصلاتها تتطاير كلما زادت بسرعة قيادة السيارة لتتخلص من ذلك الازعاج ، الذى ربما زرع بها ثقة بجمالها ، وأنها قادرة على جذب أى رجل إليها ، ولكن جمالها هذا لا يفلح فى جذب الرجل الوحيد الذى تريده ، كأن عينيه أصابها العمى لا ينتبه لعينيها وقلبها اللاهب بنيران الحب المستحيل كما وصفته والداتها بإحدى المرات ، ولكن عقلها رافضاً تلك المقولة ، أو ما توحى به ، فهى لديها من الصبر ما سيجعلها تنتظر مجئ ذلك اليوم الذى سيأتيها راسل به طالباً الود والوصال منها
عند تلك الخاطرة إزدادت إبتسامتها إتساعاً ، فكم يحلو لها رؤية الاستجداء والحب بعينيه وهو يهمس لها بتلك الكلمة التى تتحرق شوقاً لسماعها وهى ” بحبك ”
غامت عينيها بهيام عندما لفحتها النسمات الباردة ، التى تذكرها بمن فاقها برودة ، فإلى متى سيظل صامداً يا ترى ؟ فهى سبق لها وأخدت ذلك القرار بأنه سيكون لها هى وحدها ، ولن تجعل أنثى أخرى تقربه ، حتى لو خرج الأمر عن السيطرة
_____________
تتحرك أصابعه على شاشة الهاتف ، يرى الصورة تلو الأخرى ، يلوى شفتيه بإستهزاء وسخرية واضحة ، ولكن برؤية أى صورة لها ؛ يبتلع ريقه ، كمن يشتهى تناول قطعة من حلوى موضوعة أمامه ، ولا يستطيع الإقتراب منها ، عيناه تنهش وجهها البرئ بنظرات جائعة ، ولكن بسماع مقبض الباب يدور ، أغلق الهاتف سريعاً ، يستلقى على الفراش يتدثر بالغطاء السميك ، يتظاهر بالنوم ، حتى لا ينكشف أمره أمام زوجته
أرتعد بخفة من أسفل الغطاء ، بسماع صوت إغلاق الباب وولوج زوجته وصوت خطواتها التى تقترب من الفراش
إجتاحته برودة مفاجئة ، بسحب الغطاء من على نصف جسده تقريباً وهى تصيح به :
– لحقت تنام يا شكرى ولا عامل نفسك نايم يا حبيبى
تظاهر شكرى بالنعاس ، وفتح عيناه ببطئ متثائباً ، كأنها أيقظته من نومه العميق قائلاً بصوت متحشرج :
– فى إيه يا قسمت بتصحينى ليه عايزة منى إيه سبينى أنام
جلست بجانبه على الفراش ، وهو يوليها ظهره ، كأنه يخشى الالتفات إليها ورؤيته لها ، فوكزته بكتفه لتجعله ينتبه لما ستقوله :
– أصحى كده يا أخويا وفوقلى خلينا نشوف هنعمل ايه فى جوازة بنتك هبة
بسماع أسم إبنته ، إعتدل بجلسته مقطب الجبين متسائلاً :
– مالها جوازة هبة ما كل حاجة خلاص وتقريبا مبقاش إلا الفرح والبت تروح بيت جوزها
نظرت له قسمت بعمق عينيه قائلة بتصريح مدوى :
– وأنا مش عايزة الجوازة دى تتم مش عيزاها تبقى مرات واحد محلتوش غير مرتبه ، أنا عايزلها شاب يكون قيمة ومركز وفلوس
أتسعت حدقتيه من تصريح زوجته ، بنيتها فى تخريب زيجة إبنتها ، فإن كان أحياناً يخشى ردود أفعالها ، إلا أن إبنته لها مكانة خاصة بقلبه ، ولن يرتضى بتحطيم أحلامها وقلبها ، وخاصة أنه يعلم بحبها لزوجها
فصاح بها وهو ينتفض من على الفراش :
– أنتى بتقولى إيه يا ولية أنتى أتجننتى عايزة تبوظى جوازة البت لاء دا أنتى مخك ضرب على الاخر بقى يا قسمت أنا بقولهالك أهو أبعدى عن البت وجوازتها فاهمة
ضيقت قسمت ما بين عينيها وهى ترمقه بحدة ، فتركت مكانها ، ووقفت أمامه وجهها لوجه كندين على وشك العراك
– لا يا راجل وكمان بتعلى صوتك عليا بدل ما تشوف حل وتشوف مصلحة بنتك عايز ترميها ، ولا أنت مش فاضى اليومين دول وعندك حاجة تانية شغلاك ، قولى شايفلك واحدة تانية زى ما كنت بتعمل زمان ، ماهو ديل الكلب عمره ما هيتعدل
فإن كان أحياناً يتغاضى عن صوتها العالى ، وحب السيطرة لديها ، فإنه هو الآخر ليس بالسهل أو اللين ، فربما يفوقها أيضًا بطلاقة اللسان ، والافعال التى تأتى بنتائج ربما تكون مضرة فى بعض الأحيان ، كإقدامه على ضربها مثلما كان يفعل سابقا ، ولكنه تخلى عن ذلك بالسنوات الأخيرة ، يعاملها بدلال زائف ، فهى صارت شقيقة رجل الأعمال الثرى ” عرفان الطيب ” لذلك أتخذ الخنوع والخضوع مسلكاً لحياتهما سوياً ،فتلك النقود التى تحصل عليها من شقيقها ، هى من تجعله يعيش بأريحية وخاصة صيت ” عرفان ” الذى يحسن هو إستخدامه بمختلف مصالحه الشخصية ، فيكفى أن يخبر أحد أنه زوج شقيقة ” عرفان الطيب ” فيجد كل شئ ميسر له
شعر بحرارة تغزو وجهه وهو يقول بخوف يداريه خلف إنفعاله الزائف :
– واحدة تانية إيه يا ولية أنتى أصحى لنفسك يا قسمت مش علشان بسكتلك يبقى خلاص
خشى أن تكون زوجته فطنت لشئ مما يحدث بالأونة الأخيرة ،وخاصة بعد عودة تلك الجميلة من بلاد الغرب بعد إتمام تحصيلها الدراسى بإدارة الأعمال ، فتذكر ذلك اليوم الذى كانت به فتاة صغيرة سافرت للولايات المتحدة الأمريكية من أجل دراستها ، وعادت شابة جميلة ، كأنها نبتة صغيرة ، صارت زهرة نقية تمثلت بفتاة ، فهو لا يخشى زوجته فقط ، ولكن يخشى الجميع ، غافلاً عن خشيته من الله ، فأفكاره السوداوية عن تلك الفتاة ربما لو علم بها أحد ، لن يرتضوا سوى بقتله وهذا ما يستحقه رجل لا تسرى بعروقه سوى الخسة والدناءة ، واللهث خلف المحرمات
عندما حاولت مد يدها لأخذ هاتفه ،كان هو الاسرع بإلتقاطه من على الوسادة ، فأيقنت أن ربما يخفى شئ لا يريدها أن تعلم به ، فبسطت يدها وهى تقول :
– هات التليفون يا شكرى وقولى مخبى إيه كده وخايف أشوف التليفون ليه
وضع الهاتف بجيب سرواله البيتى قائلاً :
– وأنتى تفتشى فى تليفونى ليه يا قسمت وهخاف منك ليه أو من غيرك يلا بقى سبينى أكمل نومى ومتوجعيش دماغى
عاد للفراش ثانية ، فسحب الغطاء وأغمض عينيه ، كأنه يخبرها بأن حديثهما أنتهى لهذا الحد ، ظلت قسمت واقفة بجوار الفراش ، وهى عاقدة ذراعيها أمام صدرها ، تنتوى أن تعلم ما يخفيه ، فهى لن تهدأ قبل أن تكشف أمره المبهم لها ، وخاصة ذلك الشعور الذى نمى بداخلها ، بأن شئ ربما سيكون كارثى ، سيحدث قريباً ولا تعلم لما تشعر هكذا تلك المرة ،على الرغم من أنها كانت على علم ودراية بأفعال زوجها السابقة بشأن مصادقته لنساء أخريات ، ولكن كان ذلك بالسابق ، فهى ظنت أنه تخلى عن تلك العادة القبيحة لديه ، عندما بدأ التقرب منها والتودد إليها بالأعوام الماضية
____________
حاول تنظيم أنفاسه اللاهثة ، من كثرة ممارسة تلك الرياضة التى تتطلب منه جهداً كبيراً وعنيفاً بعض الأحيان ، فذلك روتينه اليومى قبل نومه ، فهو يريد أن يصاب بالاجهاد ، حتى يغفو بنومه سريعاً ، ولا يصاب بالسهاد الذى يجعله يسترجع أحداث الماضى كاملة
بعد أن رأى أنه أخذ كفايته ، عاد لضرب الكرة بالمضرب ثانية ، والعرق يتصبب من وجهه ، جولة أخرى وشعر بألم ذراعه ، فألقى المضرب من يده ، تعمل يداه على تجفيف عرقه بتلك المنشفة البيضاء الصغيرة الموضوعة على مقعد بأحد زوايا الغرفة
خرج من الملعب خاصته ، وأثناء مروره من أمام الغرفة الأخرى ، لمح ذلك الإسم المنقوش على الجدار بألوان زاهية ، كتلك التى كانت تستخدمها برسم اللوحات ، ولكن مكتوب بحروف عربية ركيكة ، فهى لم تكن تحسن الكتابة أو النطق بها إلا بعد جهد منه فى تعليمها بعض الكلمات والحروف باللغة العربية
ساقته قدماه حتى وقف أمام ذلك الجدار ، وتأمل الإسم ملياً ، فعصفت به ذكريات كالرياح المشتدة وخاصة بذلك اليوم الذى رآى به تلك الفاتنة التى حملت لقب زوجته فيما بعد
عودة لوقت سابق
صوت ضحكة صاخبة صادرة من غرفة مكتب صاحب المشفى ، تلك الضحكة التى تخص هند ، والتى كانت تخبره بأحد المفارقات التى حدثت معها أثناء مجيئها له بالمشفى ، فأتسعت إبتسامته على مزاحها ، ولكن قبل أن يفه بكلمة ، سمعا صوت طرق على باب الغرفة ، ولجت على أثره إحدى الممرضات بعد سماعه يأذن لها بالدخول
بمنتصف الغرفة وقفت الممرضة قائلة بأدب جم :
– دكتور راسل حضرتك فى حالة جت فى حادثة عربية لسائحة إيطالية تقريباً وعايزين حضرتك
ترك مقعده قائلاً بجدية :
– عن إذنك يا هند أشوف فى إيه
نهضت هند هى الأخرى ترمقه بإبتسامة عريضة:
– ولا يهمك أشوفك بعدين سلام
رحلت هند من المشفى ، وذهب هو لرؤية تلك المريضة التى أخبرته بشأنها الممرضة ، ولج غرفة الجراحة ، وجد فتاة جبينها غارق بالدماء ووجهها أيضاً ، فأسرع لرؤية مدى الضرر الملحق بها ، لم يكن الأمر يشكل خطراً ، فجروحها لم تكن غائرة ، وتستطيع التماثل للشفاء بوقت ليس بالطويل ، فبعد الانتهاء من أمر بوضعها بإحدى غرف المشفى لحين إفاقتها
وبعد ذلك بمرور يوم واحد ، كان راسل يلج الغرفة لرؤيتها بعد أن أخبرته الممرضة بشأن إفاقتها ، ولكنها بحالة من الاستياء ، يعلو صوتها بلغة لم يفهمها أحد من الممرضات
سمع صوتها الناعم قائلة بصياح بوجه إحدى الممرضات:
– أين أنا ؟ وماذا حدث ؟ أريد الذهاب من هنا ، ألا تفهمين
رأى راسل الممرضة تبذل ما بوسعها لتجعلها تهدأ وهى تشير إليها بيدها لعلها تفهم ما تقوله ، فناولتها كوب من الماء البارد ، فأطاحت به من يدها
فتتابعت أنفاسها الحانقة وهى تقول :
– لا أريد شئ سوى الذهاب من هنا
وضع راسل يده بجيب رداءه قائلاً بهدوء وحزم :
– كثرة إنفعالك ستؤدى بك للشعور بمزيد من الألم ، فلتحاولى أن تصمتى قليلاً ، وأن تخفضى صوتك العالى ، أنت هنا بالمشفى ، ويجب عليك إحترام راحة المرضى الأخرين ، فصوتك مزعج للغاية أيتها السيدة ، بالمناسبة ما أسمك ؟
كفت عما تفعله ، عندما سمعت ذلك الصوت الرجولى ، الذى يحدثها بلغتها بإتقان ، فقطبت حاجبيها قائلة بتساؤل :
– أسمى صوفيا و من أنت أيها الرجل ؟ هل أنت ملاك أسود ترك جنته ، وجاء للبحث عنها هنا على الأرض ، ولكن هنا الجحيم بعينه ، فالجحيم شطرين ، أحدهما هنا أمامك الآن ، وسيجعلك تخلع عنك أجنحتك البيضاء
تعجب راسل من حديثها الذى حمل تعبيرات مبهمة وغرابة أيضاً ، فعن أى جحيم تتحدث ؟ فهل الحادث له تأثير على قواها العقلية ، فهو يخشى أن يكون حدث لها ذلك بالفعل
فأقترب منها وقام بفك الضماد الأبيض الملفوف حول رأسها ، فتطلعت إليه بزرقاوتيها ، جعلته ربما يحبس أنفاسه لمرآها ، فكم هى حقاً جميلة بل فاتنة ، وخاصة أنها أستكانت تحت لمساته الخبيرة فى الاطمئنان على سلامة الجرح الذى أصابها ، فبعد أن أستبدل الضماد بأخر ، تراجع عن الفراش ، قبل أن تزهق أنفاسه بإبتسامتها الخلابة ، فأى لعنة جعلتها تأتى لمشفاه وماذا يحدث معه ؟ فتلك ليست المرة الأولى التى يرى بها إمرأة أو فتاة جميلة ، ولكنه لم يرى مثل تلك التى مازالت ترمقه بنظرات ربما وقحة بعض الشئ
وضعت ذراعيها خلف رأسها وهى تستند على الوسادة خلفها قائلة بإبتسامة :
– إذن فأنت طبيب هنا ، فهمت الآن ، ولكن لا أخفى عليك سراً فأنت جذاب جداً أيها الطبيب الوسيم ، فكم أتحرق للحصول على عناق منك الآن ، ألا تعطنى إياه ، فأصرف تلك الممرضة ، ما رأيك أن نحظى ببعض الخصوصية
فهى ليست وقحة وحسب ، بل لديها جرأة تفوق الرجال ، ولكن ربما ذلك عائد لنمط حياتها الغربية ، حمد راسل الله ، على أن الممرضة لم تفهم ما قالته
فحاول رسم ملامح الجدية على وجهه وهو يخاطبها بغضب :
– مابك أيتها السيدة ،ألا تخجلين مما تقولين أنت هنا بمصر وليس ببلدك الغربى ، فلتتسمى ببعض الاخلاق قليلاً ، إنك وقحة للغاية
إتسعت إبتسامتها ،وأعتدلت بجلستها ، وهى تشير بيدها للممرضة بأن ترحل ، فإلتفتت الممرضة برأسها لراسل لعله يفهمها ماذا تريد منها ؟
حمحم راسل قائلا بهدوء :
– روحى أنتى شوفى شغلك
خرجت الممرضة من الغرفة وأغلقت الباب خلفها ، فوثبت صوفيا عن الفراش ، ووقفت أمامه ، وكلما أقتربت خطوة ، إرتد هو أخرى إلى الخلف ، ولكن قبل أن تضع ذراعيها حول عنقه ، قبض على أحد كفيها يمنع إلتصاقها الوشيك به
فصاح بها غاضباً :
– هل جننتى ؟ هل أثر الحادث على عقلك أم ماذا ؟ أنتِ هنا بمشفى فلتلتزمى بالأداب المتعارف عليها
ظن أن بشده على معصمها سيجعلها تتوسم به القوة ، ولترهبه قليلاً ، ولكن ما زادها هذا سوى أنفلات عقلها ، فجذبته بيدها الحرة من ياقة قميصه ، حتى صار وجهها لا يبعد عن وجهه سوى إنش واحد ، فحتى إذا فتح فاه سيصبح العناق واقع لا محالة ، ولكن بدفعة قوية ، جعلها تترنح بوقفتها ، ينأى بجسده عنها ، فالغواية كانت قريبة ، والوقوع بذلك الجرم كان وشيكاً ، فهو بشر وليس ملاك ، ولكن ربما قيمه التى زرعت به ، هى من جعلته يتراجع بالأخير
فجاءها رد فعل غير متوقع منه ، فهو رفع يده وهوى بها على وجهها بصفعة قوية ، جعلت وجهها يدور للجهة الأخرى ، من شدة وقع الصفعة على وجنتها
فعادت بوجهها له ثانية وهى جاحظة العينين ، لم تصدق ما فعله بها ، فدمدمت بذهول :
– ماذا فعلت ؟ ألا تعلم أنه بإمكانى الزج بك خلف قضبان السجن جراء ما فعلته أيها الطبيب المغرور ، فمن بإمكانه مقاومة إغراء فاتنة مثلى ، فأنت رجل شرقى متخلف ، ربما من العصور الوسطى
فأزالت ملامح الذهول عن وجهها ، وأنفرجت شفاهها الوردية بإعجاب ظاهر معقبة :
ولكن أتعلم راقنى ما فعلت ، فلتمنحنى عناقاً الآن تبدى به أسفك على تلك الصفعة التى تلقتها وجنتى المسكينة
فهو أجزم الآن ، أن تلك المرأة مختلة ، وليست بوعييها ، فرأى أن يخرج من الغرفة أفضل من الوقوف هكذا بوجه تلك الفاتنة اللعينة ، التى يخشى أن تهدم كل ما لديه من قوة وثقة وقيم أيضاً
لم يطأ غرفتها ثانية بعد ذلك اليوم ، بل جعل طبيب أخر يشرف على علاجها ، ولكن لدهشته لم يأتيه شكوى أخرى بحقها ، بل أخبرته الممرضة المسئولة عنها ، بأنها صارت أكثر هدوءاً ولم تعد تثير المتاعب ، مثلما كانت تفعل بأول يوم لها هنا ، فلا يعلم لما ظن أنه ربما مارست جنونها على الطبيب المعالج لها الآن ، ولكن هو يعلم أن ذلك الطبيب متدين ورجل له زوجة وأطفال ، ويعلم أنه ليس له بمصاحبة النساء ، عوضاً عن ذلك فالممرضة ترافقه منذ دخوله وحتى خروجه ، أى أنه لا يظل بمفرده معها بالغرفة
إذن لما فعلت معه هو ذلك ، بخضم تفكيره وشروده ، سمع طرق على باب غرفة مكتبه ، تبعه فتح الباب ، فرأى صوفيا تقف على الباب مبتسمة المحيا ، فظل صامتاً وهو يراها تلج الغرفة تقترب من المكتب
فجلست على مقعد تحدق به بهدوء :
– لقد جئت إليك لأبدى أسفى على ما فعلته عندما رأيتك أول مرة ، فلا أعرف لما فعلت ذلك ؟ فأنا أسفة ، فربما يرجع ذلك لتأثير المخدر الذى جعلنى أتفوه بتلك الكلمات السخيفة ، وأن أتصرف بتلك الحماقة ، فلتغفر لى ، فأنا سأترك المشفى اليوم ، ولم أشأ الذهاب قبل أن أعتذر منك على ما بدر منى
أنتظرت رده على ما قالته ، فما كان منه سوى أن تبسم ، يومأ برأسه قائلاً بهدوء وصوت رخيم :
– لا عليك ، فلم يحدث شيئاً ، فلتعتنى بنفسك ولتكونى أكثر حرصاً بالمستقبل
بعد مغادرتها المشفى بعدة أيام ، وأثناء سيره على أحد الشواطئ السياحية ، التى ذهب إليها لقضاء عطلة قصيرة ، لمحها تخرج من الماء بثوب السباحة الذى لم يكن يستر من جسدها إلا القليل ، تشبه إحدى الجنيات وهى تخرج مبتلة الشعر ، تتبختر بمشيتها بدلال ، فظن بالبداية أن ما يراه لم يكن سوى حلم نسجه قلبه الراغب برؤية تلك الفاتنة ثانية ، ولكن لم يكن صوتها هذا حلماً وهو يراها تقترب منه
فتبسمت بغنج :
– مرحباً أيها الطبيب الوسيم ، لقد ألتقينا ثانية ، وأعلم أنك كنت تريد رؤيتى أليس كذلك ؟
ظلت تحث الخطى على الإقتراب ، وصوت دقات قلبه تعلو وهو يراها تقترب منه ، حتى أدنت بوجهها من وجهه و…
ولكن قبل أن يستكمل تذكره لما حدث بعد ذلك ، سمع صوت إبنته تناديه :
– بااااابى
فأرتعد بخفةِ بعد عودته لوقته الحالى ، وهو يرى سجود تركض إليه ، فرفعت ذراعيها إليه رغبة منها فى أن يحملها ، فأنحنى إليها وحملها عن الأرض ، فوضعت ذراعيها حول عنقه ، فظل يرمقها بتفحص ربما زاد تلك المرة عن أى مرة أخرى ، وخاصة أن سجود كأنها نسخة مصغرة من صوفيا ، ولكنه لم يستطيع أن يحمل كراهية لأبنته حتى وإن كانت تحمل ذلك الشبه بينها وبين تلك التى حطمت كل ما كان لديه من إنسانية ، كان يحاول هو الحفاظ عليها ، بعدما كان بصغره يتلقى خيبة تلو الأخرى
فتبسم بوجه صغيرته قائلاً بحب :
– سيجو أنتى عايزة تشوفى ماما مش كده أيه رأيك نروح نشوفها
أبتهجت الصغيرة بسماع ما قاله أبيها فصرخت قائلة بحماس :
– أيوة يا بابى عايزة أشوفها هى رجعت من السفر خلاص وهشوفها
أماء راسل برأسه باسماً قائلاً بإصرار :
– أيوة يا روحى هى رجعت خلاص وهوديكى ليها تشوفيها خلاص يلا بينا نطلع دلوقتى ننام علشان بكرة نروح نشوفها
وضعت سجود رأسها على كتف أبيها مطوقة عنقه بمحبة ، فأخذها عائداً للمنزل ، فأتجه صوب غرفته ووضعها بفراشه ، وذهب للمرحاض وبعد أن انتهى من الاغتسال عاد للغرفة ، فأستلقى بجوار أبنته التى ألقت برأسها على ذراعه يضمها إليه بحنان ، وبعد دقائق معدودة غفت الصغيرة بحضن أبيها ، وظل هو يفكر فى تلك المقابلة المرتقبة ، والتى لابد له من خوضها ، فهو يعلم أن ربما ستكون النتائج غير مرضية ، ولكن لا يملك حيلة غيرها
_______________
بعد أن تماثلت عيناها للشفاء ، وطابت بشكل نهائي ، هاتفها نادر يخبرها بشأن زيارته لها اليوم ، فكم هى سعيدة وهى تقف أمام المرآة تنهى إرتداء حجابها ، تزداد إبتسامتها بترقب لمجيئ خطيبها الوسيم ، حتى وإن كانت تعلم انه قادم أولاً من أجل معرفة ما استعصى عليه فهمه يوم الخطبة ويوم ذهابها للمشفى ، ولكنها أخذت قرارها بأنها ستخبره بكل شئ ، فلم يتبقى على زواجهما الكثير
ولجت الخادمة الغرفة وهى تقول بإعجاب ظاهر ومحبة :
– بسم الله ماشاء الله زى القمر يا ست حياء يا بخت دكتور نادر بيكى هياخد عروسة بدر منور
تبسمت لها حياء بعد ذكر اسم نادر فردت بخجل :
– تسلمى يا دادة ده كله من ذوقك وعينيكى الحلوة
سمعا صوت جرس الباب ، فسرى الدم بعروقها حاراً ، من فرط الخجل الذى تدفق بشراينها ، فقبل أن تذهب الخادمة لفتح الباب
سبقتها حياء قائلة بسعادة :
– خليكى يا دادة أنا هفتح الباب
أسرعت حياء إلى الباب لفتحه ، وإبتسامتها تملأ وجهها ، فربما يديها التى قبضت على مقبض الباب اصابتها رجفة خفيفة من كثرة حماسها المختلط بخجلها
فتحت الباب وهى مازالت باسمة ولكن برؤيتها من يقفان على الباب ، ماتت بسمتها على الفور ، فدمدمت بصدمة:
– أنتم ……
لإكمال الرواية تابعنا علي قناة تليجرام
👈 الفصل التالي: رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السادس
👈 جمييع الفصول: رواية لا يليق بك إلا العشق كاملة بقلم سماح نجيب
👈 المزيد من الروايات الرومانسية الكاملة: روايات كاملة
#سماح_نجيب
انتهت أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.