نستكمل أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثاني من روايات سماح نجيب ( سمسم ).
رواية لا يليق بك الا العشق الفصل 2
٢– "لا يعتذر أبداً "
محاولة الممرضة المستميتة فى سحب يده من حول عنق تلك الفتاة التى كانت تُقن أنها ربما لقت حتفها ، بسبب كفه القابض على عنقها ، أتت بالنتيجة المرجوة بدفعه عن جسد الفتاة التى سقطت على الأرض مغشياً عليها بمجرد إبتعاده عنها
فبأثناء مرورها بمحض الصدفة من أمام غرفة مكتب صاحب المشفى ، ورؤيتها له يحاصر فتاة بين جسده و الحائط يحاول أن يدق عنقها ، سارعت هى بإبعاده عنها قبل أن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك ، فما الذى دهاه اليوم ؟
صوت إرتطام جسدها بالأرض ، هو ما جعله يفيق من تلك الحالة اللعينة ،التى أصابته بسبب كابوسه الذى لا يفارقه ، فالرؤية لديه مشوشة وضبابية ، فكل ما كان يريده أن يدق عنق تلك التى لا تفارقه بأحلامه ، تجعلها كابوس مزعج، كأنه يعايشها بواقعه
خرج من تلك البلادة التى تلبسته ، بصراخ الممرضة به وهى تقول:
– دكتور راسل ألحقنى دى قربت تقطع النفس
ما كان منه إلا أن حملها عن الأرض ، يضعها على الاريكة التى كان يحتلها بجسده منذ قليل ، حاول أن يجعلها تفيق من حالة الاغماء التى إنتابتها ،نتيجة نقصان الأكسجين من رئتيها
ساعدته الممرضة بإنعاشها ،حتى فتحت حياء عينيها ببطئ ، وهى تهمس بصوت خافت:
– ماما
أطلت عليها الممرضة بإبتسامة هادئة ، وساندتها حتى جلست ،ووضعت قدميها أرضاً ، كمن فقدت الذاكرة فجأة ، تحاول أن تتذكر ما الذى حدث
ولكن عينيها التى إصتطدمت بوجه راسل الجالس على مقعده خلف المكتب ، يرمقها بهدوء كأنه لم يكن ليتسبب بقتلها منذ قليل
فأنتفضت صارخة بصوت جهورى:
–آااااه دا كان هيقتلنى كان بيخنقنى دا مجنون مجنون هو يبقى مين ده
ربتت عليها الممرضة ، لتجعلها تكف عن الارتجاف ، ولكن عندما تطلعت لوجه بنظراته الباردة والحادة ، كأنه ممتعض أنه لم يقضى على أنفاسها ، فهو لا يبدو عليه الندم على ما فعله
سعلت بشدة عندما ظلت تصرخ محتدة على ما كان سيؤل إليه أمرها ، فما كان منه سوى أنه أنحنى قليلاً للامام يستند بمرفقيه على طرف المكتب يعبث بقلم بين أصابعه
فرمقها بنظرة باردة قائلاً بنبرة صوت أشد برودة:
– لو فضلتى تصرخى كده مممكن يغمى عليكى تانى أو ينقطع نفسك هدى نفسك وأسكتى وبطلى زعيق علشان أنا مصدع ومش عايز وجع دماغ أكتر من اللى أنا فيه
نظرت حياء للممرضة التى أومأت لها برأسها أسفاً ، فإن كانت تنتظر أن يبدى ندمه على ما فعله ، فربما ستنتظر لما تبقى من عمرها
إستقامت حياء بوقفتها وهى تستند على يد الممرضة ،التى همست قريباً من أذنها :
– لو مفكرة أنه هيعتذرلك تبقى غلطانة دكتور راسل مبيعتذرش لحد ، وإحتمال كمان تلاقيه طردنى وطردك من الأوضة علشان يكمل نومه
إذا فهو ذلك الطبيب المتعجرف ، الذى سمعت عنه قبل أن تراه ،وياليتها لم تراه ، فهى كانت ستلقى حتفها على يده
ولكن شئ ما بداخلها جعلها رافضة ،أن تصمت على ما فعله ،فهى لن تنصرف من هنا قبل أن تراه يقدم لها أسفه ،على رعونة تصرفه معها
فأقتربت من المكتب تمشى بخطوات متأنية ،تخشى أن تترنح بوقفتها أو أن تسقط أرضاً ثانية ،كأن الدماء مازالت سريانها بعروقها بطئ
حدقت به بنظرة نارية، تصك على أسنانها بغيظ عظيم:
– أظن أنت مدين ليا بإعتذار عن اللى عملته وكان ممكن أوى أروح فيها لولا أن هى خلصتنى من إيدك ، فعلى الأقل تقول أنك أسف ومتقصدش اللى عملته ده ، ومش همشى إلا لما تعتذر
شبكت ذراعيها أمام صدرها ،دليلاً على تصميمها أنها لن تتركه قبل أن تحصل منه على ماتريده
نقر بالقلم على المكتب عدة نقرات ، ربما أثارت غيظها أكثر ، فما كان منه سوى أنه هتف بها بعدم إكتراث:
– أتفضلى يا أنسة مع السلامة وإن كان على الاعتذار أنتى اللى مفروض تعتذرى أنك دخلتى الأوضة بالرغم من أن حاطط ممنوع الدخول على الباب ولا أنتى مبتعرفيش تقرى لقيتى العلامة محطوطة على الباب يبقى فى عقل تفكرى بيه وتعرفى أنك مش لازم تدخلى
فحدق بالممرضة يشير إلى حياء معقباً:
– خديها من هنا ولو لسه تعبانة خلى حد من الدكاترة الموجودين يكشف عليها وخلى فاتورة الكشف على حسابى أتفضلى يا أنسة
فمها الذى فغرته بإندهاش ، لم تخرج منه كلمة أخرى ، فمن يكون هذا الإنسان الذي لم تقابل مثله من قبل ، كأنه أنتزعت منه صفة الأدمية المتعارف عليها بأبداء الأسف او الندم على فعل الخطأ
نظراته المتصاعدة ببرود ، جعلت الممرضة تفضل الخروج من الغرفة ، قبل أن تجده يخرجها من المشفى بأكمله
فأمسكت بيد حياء تجرها خلفها :
– يلا أبوس أيدك لكمان شوية ألاقيه رفدنى من المستشفى
إلتفتت حياء خلفها تلقى عليه نظرة أخيرة ، قبل إغلاف الممرضة لباب الغرفة ، وربما لو النظرات قادرة على القتل ، فمن المؤكد أنه كان خر صريعاً من نظراتها الكارهة
اعتاد هو على رؤية تلك النظرات بأعين المحيطين به ، فإن لم تكن نظرات تملق ، فهو يرى نظرات الخوف والكره ، وربما هذا أفضل ، فكلما زاد خوف الآخرين منه ،زاد إطمئنانه من أنه بأمان تام
______________
تلمست باقة الزهور التى تحملها على ذراعها ، لتضعها بعد ذلك أمام ذلك القبر ، فتلمست الشاهد الرخامى الذى خط عليه إسم تلك الراحلة ، التى تركتها تعانى منذ أن فقدتها فهى ليست شقيقتها فقط بل كانت أم ثانية لها
جثت على ركبتيها ودموعها تغرق جفونها وسرعان ما رطبت وجنتيها
فمسحت وجهها بيدها وهى تقول بحنين :
– وحشتينى أوى وحشتينى يا حبيبتى من يوم ما سبتينى وأنا حاسة أن أنا فى عذاب مبقتش طايقة الدنيا دى أكتر من كده بقيت أحلم كل يوم أنك جاية علشان تخدينى معاكى
ظلت وقتها تناجى الله وتحدث تلك التى وراها الثرى منذ أعوام ، ولكن مازال حزنها رابضاً بقلبها ،كأنها تركتها بالأمس القريب ، وليس منذ سنوات طوال لم تحسن عدها الآن ولا تريد تذكرها
بعد أن بثت شكوى الفراق ، نهضت من مكانها ، نفضت التراب الذى علق بثايبها وتأهبت للرحيل
وصلت لشارع يسبق طريق المقابر ، فسمعت صوت هاتفها ، أخرجته من جيبها ورأت إسم والداتها
ففتحت الهاتف تجيبها بهدوء:
– أيوة يا ماما
خرج صوت إسعاد متلهفاً وهى تقول:
– ولاء أنتى فين ، النهاردة أجازتك من الشغل وقولتى انك جاية على المحل ، أتأخرتى ليه ده كله
زفرت ولاء بخفوت تحاول كبح دموعها :
– كنت فى المقابر يا ماما وجاية دلوقتى مش هتأخر
أنهت المكالمة وأحنت رأسها تضع الهاتف بجيبها ثانية ، فلم تنتبه لذلك الشاب الذى إصطدمت به لتوها ، فرفعت رأسها وعقدت حاجبيها بغرابة من تحديقه بها الذى وصل إلى حد الوقاحة
فرأت أن تكمل طريقها أفضل من أن تعاتب ذلك السمج ، الذى يبدو عليه أنه أصتطدم بها متعمداً
ولكن كلما اتخذت طريق تجده يقف أمامها ، حتى أثار الأمر إستياءها فصاحت به بجماع صوتها الحانق:
– فى إيه يا أخ أنت ما تبعد عن طريقى
تبسم الشاب قائلاً بسماجة:
– طريقى وطريقك واحد يا جميل بس أول مرة أشوف جنية من جنيات المقابر وأعرف أنهم حلوين كده ، انا عندى إستعداد أتلبس لو أنتى جنية
انكمشت ملامح وجهها الجميلة بتفكير ، فما لبثت أن إزداد بريق عينيها السوداوتين ببريق الغيظ وربما الانتقام ممن يحمل كل صفة مذكر ، فربما اليوم يوم حظه السيئ لمقابلته لها ، فهى تكره صنف الرجال ولا تستثنى أحد من تلك القائمة سوى رجل واحد فقط
ظن أن إبتسامتها التى زينت ثغرها الفاتن ، علامة على قبول إطراءه وغزله لها ، ولا يعلم بما تنتوى فعله به
لم يدم الأمر سوى ثوانى معدودة ، حتى خر راكعاً على ركبتيه أمامها ، وصوت صراخه يطرب أذانها ، فتلك الضربة التى سددتها له بين ساقيه أتت بالنتائج المرغوبة ، فهى متمرسة بفنون الدفاع عن النفس ، ولم تبرع بها إلا لرغبتها فى أن ترى كل من يعترض طريقها من الرجال ينال نصيبه
فتركته ذاهبة ولكن قبل أن تبتعد أكثر ، إلتفتت إليه قائلة بشماتة:
– عرفت الجنيات بيدافعوا عن نفسهم إزاى يا سبع البرومبة ، وأظن الضربة دى هتعرفك مقامك كويس
وصلت للطريق الرئيسى ، فأشارت لإحدى عربات الأجرة ، فإستقلتها تخبره بذلك المكان الذى تريد الذهاب إليه ، ولم يكن سوى ذلك الحى الذى يقع به متجر العطور الخاص بوالداتها
عادت وفاء إلى متجرها برفقة الصغيرة ، بعد قضاء عدة ساعات فى البحث عن روضة للأطفال من أجل سجود ، فيومها أنقضى بالبحث ، حتى عثرت على مبتغاها
فسجود التى ما أن رأت تلك الفتاة إبنة إسعاد ،حتى ركضت إليها تناديها بحماس ، ففتحت ولاء ذراعيها تستقبل الصغيرة بينهما تدور بها تقبلها على وجنتيها
فداعبت طرف أنفها قائلة بمشاكسة:
– وحشتينى أوى يا سيجو
قبلتها سجود قبلة طويلة على وجنتيها وهى تقول:
– وأنتى يا ولاء وحشتينى أوى مش بتيجى عندنا ليه
زفرت ولاء تدعى الجدية :
– بجرى على أكل عيشى يا سيجو لحد ما أنقطع نفسى
رمقت سجود جدتها قائلة برجاء:
– آنا وفاء خلى ولاء تودينى الملاهى بليز
نظرت لها وفاء بغضب طفيف قائلة برفض قاطع:
– لاء مفيش ملاهى عقاباً على اللى عملتيه دا أنتى لسه مرفودة من الحضانة ليكى نفس كمان أنك تروحى الملاهى وكفاية اليوم اللى ضاع علشان الاقى حضانة جديدة لسيادتك
قهقهت ولاء من حديث وفاء ،حتى دمعت عيناها ، فغالباً ما ترى تلك المشاجرة بين الجدة والصغيرة ،فأقتربت منها قائلة بتفكه:
– الله هى سجود أترفدت المرة دى كمان دا أبيه راسل هيعلقك يا سجود
خرجت إسعاد من متجرها ،لترى ما يحدث بالخارج ، فتبسمت هى الاخرى على ما رأته والصغيرة التى عادت كعادتها دائماً ،عندما تصر المعلمة على تركها الروضة ، بعد شجاراتها المتكررة
إمتعضت وفاء من إبتسامتها :
– بتضحكى على إيه أنتى وبنتك دلوقتى يا إسعاد
ربتت إسعاد على كتفها بمواساة :
– الله يكون فى عونك يا وفاء عليها
رأت وفاء قدوم بعض الزبائن فإلتفتت إليهم قائلة بجدية:
– خلوها معاكم على ما أشوف الزباين دى
أخذت إسعاد الصغيرة تسير خلفها ولاء ، وماكادت تجلس بمقعدها حتى إلتفتت لإبنتها تخشى أن تخبرها بما لديها ،فهى تعلم عندما تسمع ولاء ما ستقوله ستثور كبركان ،ولكن لابد من إعلامها بما سيحدث وليكن ما يكن
فإبتلعت ريقها قائلة بحذر:
– ولاء باباكى جاى البيت النهاردة
كفت ولاء عن مداعبة الصغيرة ،عندما سمعت ما تفوهت به والداتها ، وتبدلت ملامح وجهها الجميلة من الهدوء ، لغضب عارم وسخط ليس له مثيل
فعلا صوتها وهى تجيبها:
– وهو جاى ليه وعايز مننا إيه جايبلنا مصيبة جديدة ولا خير هو مش مكفية اللى عمله فينا واللى كان بسببه أختى الكبيرة أشجان أنتحرت عايز إيه تانى عايز إييييه
إجتاح إسعاد الندم على إخبار إبنتها، وإثارة سخطها ومقتها لسماع إسم أبيها، وأثارت بنفسها ذكريات مريرة ،تعانى هى الأخرى منها
فحاولت أن تهدأ من روعها:
– إهدى يا ولاء مينفعش اللى بتعمليه ده
أنهالت دموعها على وجنتيها ، فمدت سجود يدها تمسح دموعها بطفولية وهى تقول:
– بتعيطى ليه يا ولاء سيجو هتزعل علشان ولاء بتعيط
تبسمت ولاء من بين دموعها :
– حبيبة قلب ولاء أنتى يا سيجو
فحولت بصرها لوجه والداتها قائلة بجفاء:
– أتصلى عليه قوليله ميجيش يا إما النهاردة أنا هروح أبات عند طنط وفاء كده كده أبيه راسل مش غريب وهو أصلا بيقضى معظم وقته فى المستشفى أقولك خليه ييجى ويشبع بالقعدة معاكى بس انا مش عايزة أشوفه أنا راحة لطنط وفاء يلا يا سجود
أخذت ولاء الصغيرة وخرجت من متجر والداتها ، وهى تمسح دموعها بظاهر يدها ، وذهبت لمتجر وفاء تخبرها بنيتها فى المبيت عندها الليلة ، فرحبت وفاء بمجيئها ، فهى من ربتها منذ صغرها حتى شقيقتها الراحلة تربت برفقة راسل وكن أخوة بالرضاعة
_____________
وهى بطريقها للعودة للمنزل ، لم تكف عيناها عن ذرف الدموع ،على ما حدث اليوم ، فهى لم تشأ البقاء بالمشفى لمقابلة نادر ، بعدما كانت ستلقى حتفها على يد ذلك الرجل المدعو راسل ، قادت سيارتها بحذر ، حتى يأست من عدم رؤية الطريق أمامها بسبب تلك الدموع التى حجبت عنها الرؤية ، فصفت السيارة بجانب الطريق
سمعت صوت الهاتف ،فأخذته من الحقيبة ، فوجدت إسم نادر ينير الشاشة ،فلم تجد مفر من الرد:
– ألو أيوة يا نادر
جاءها صوت نادر متلهفاً:
– حياء أنتى فين أنا مستنيكى من بدرى دا كله فى السكة
أجابته حياء بصوت جاهدت أن يخرج طبيعياً:
– معلش يا نادر أبقى خلى المشوار باليل علشان حاليا مش قادرة سلام
أنهت المكالمة ولم تزد كلمة أخرى ، بعد أن رأت أنها نالت كفايتها من الراحة التى منحتها لنفسها ، أدارت محرك السيارة لتعود للمنزل
سمعت صوت صياح والداها ولا تعلم لما عاد اليوم من عمله باكراً ، ركضت للداخل ،فوجدته يصيح بإمرأة علمت أنها شقيقته الوحيدة وتدعى قسمت ،فعلمت علام يصيح والداها ، فربما تشاجرت معه شقيقته كالعادة ولا تعلم لما تفعل ذلك وهو شقيقها الوحيد
فإنتفضت قسمت من مكانها بعد صراخ شقيقها تصيح هى الاخرى:
– أنت بتعلى صوتك عليا ليه هو أنا قولت حاجة غلط أنا بقولك عايزة فلوس ورثى بتاعت أبويا ولا هتكوش على كل حاجة يا عرفان علشان خاطر الننوسة الصغيرة بتاعتك
أنتفخت أوداج عرفان من إصرار شقيقته ، على أنه أقتطع من ميراثها ، على العلم أنه أعطى لها كل ما أورثه إياها والداهما ، ولكنها لم تكتفى ، تضع ببالها معتقداً أن ما يمتلكه عرفان لها حق به
يأس عرفان من أفعال شقيقته ، فأرتمى على مقعد يزفر أنفاسه بغضب متلاحق ، وخاصة وهو يرى ذلك الرجل الجالس بجانبها يدعى البراءة ، يوهمه أنه ليس لديه يد بتحريضها عليه ككل مرة ، فزوجها ذئب ماكر بثوب حمل وديع
فأنحنى قليلاً للأمام قائلاً بتحفز :
– إيه مش ناوى تقول حاجة أنت كمان يا شكرى
رفع شكرى رأسه بعد سماع مناداة شقيق زوجته ، يحرك حبات مسبحته بين أصابعه يتمتم بخفوت:
– دى حاجة بين الاخ وأخته مليش أدخل فيها
أهة السخرية التى أطلقها عرفان ، أنبأته صراحة أنه ربما يعلم أن ما تفعله قسمت بأمره هو أولاً وأخيراً
حل الصمت عليهم بعد أن ولجت حياء تتفرس بوجوههم ، لتعلم علام الشجار تلك المرة ، فهى أعتادت عليه من شقيقة والداها ، ولم يقدم عرفان بيوم على أن يجور على حقها أو أن يثير عداءها
– السلام عليكم أزيك يا عمتو
نطقت بها حياء وهى تتقدم تأخذ مكانها بجوار والدها ، ولكنها لاحظت عدم وجود والدتها ، فهذا أفضل فربما الأمر سيتفاقم أكثر إذا كانت مديحة جالسة معهم ،فهى لا تحب أحد أن يتجرأ بالحديث مع زوجها حتى وإن كانت شقيقته ، التى تثير عداء كل من حولها
لوت قسمت شفتيها قائلة بلامبالاة:
– أهلا يا روح عمتو
ربت عرفان على يد حياء قائلا بحنان بالغ:
– حبيبتى حجزتوا القاعة خلاص ماما قالتلى انك خرجتى علشان تحجزوها
أماءت حياء برأسها سلباً ، فوضعت رأسها بين يديها قائلة بوهن:
– لاء يا بابا تعبت شوية ورجعت هروح باليل عن اذنكم علشان عايزة أرتاح شوية
تركت مكانها تفضل الذهاب لغرفتها ، فضلا ً عن الجلوس وسماع بقية المشادة الكلامية ، التى أتت بغير محلها ،وخاصة اليوم وبعدما حدث لها ما حدث
حدقت قسمت بأثر حياء ،وبعد سماعها لها تغلف باب غرفتها ، حولت بصرها لشقيقها قائلة ببسمة سمجة:
– حياء كبرت وبقت عروسة يا عرفان وهتتخطب وهتتجوز وانت مش عارف تعمل ليها إيه ولا إيه ولما أجيلك أطلب حقى علشان عايزة أجهز بنتى بتعلى صوتك وتزعقلى
ضرب عرفان بيده على طرف مقعده قائلاً من بين أسنانه بغيظ:
– على أساس أن جهاز بنتك مش انا اللى اشتريتهولها كله من الالف للياء وقولت وماله بيقولوا الخال والد وزيها زى حياء لكن الظاهر طمعتى بزيادة يا قسمت وعايزة تنهبى منى اللى تقدرى عليه بس لاء يا بنت أبويا وأمى مش أنا اللى اضرب على قفايا وأسكت أن كنت بسكتلك فده علشان خاطر الدم اللى بينا وعلشان أنتى أختى الوحيدة واللى أصغر منى ومن حقك اراعيكى وأكون سندك لكن أنك تسوقى فيها لاء طبعا مش هسمحلك يا قسمت وحطى ده فى دماغك مفهوم
أنتفضت قسمت من مكانها ، تشير لزوجها بالنهوض وهى تقول:
– يلا بينا يا شكرى كفاية علينا كده وتشكر يا أخويا على الحسنة اللى بتديهالنا وبترجع تذلنا بيها ربنا يباركلك فى الحلوة وتعيش وتشوف عيالها
بعد أن ألقت بحديثها فى وجه شقيقها ، خرجت تحث الخطى على الإسراع من المنزل ،يسير خلفها زوجها حتى وصلا للخارج
فألقت قسمت نظرة على منزل شقيقها مغمغمة :
– أعمل يا عرفان وتقل فى عمايلك بقى مش عايز تدينى حقى بس أنا هاخده بس أصبر عليا
لملم شكرى مسبحته بكف يده ، كمن يستشعر بوزنها ، وهو يلقيها من يده لتعود وتسقط بكفه فألتوى ثغره قائلاً:
– أخوكى شكله كل ما يزيد غنى يزيد بخله يلا بينا يا قسمت
صعدت قسمت للسيارة ذات الطراز القديم بجوار زوجها ،الذى أدار محرك السيارة ، ومازالت عيناه ترصد منزل عرفان ، فهو سيحاول بدون كلل أو ملل ، أن يحصل على ما يريد ، فهو مطمئن البال أن زوجته ستكون أداته بتلك الحرب الخفية التى يشنها على عرفان ، لينال منه ومن ماله
_____________
أتجه صوب غرفته بعدما عاد من المشفى ، وربما عاد باكراً اليوم لأنه لم يشأ البقاء هناك اكثر من ذلك ، خاصة وأنه اليوم كان سيقدم على إرتكاب فعلة حمقاء ، ففراشه الآن سيكون مأواه للكف عن التفكير بما حدث اليوم وبتلك الفتاة ،التى رأى عينيها الكبيرتين تزداد أتساعاً أثر ذعرها مما فعله
والدته وطفلته لم يجدهما بعد عودته ، فأخرج هاتفه ولكن قبل أن يهاتف والدته ،وجد سجود تقتحم الغرفة تصيح بصوتها :
– باااااااااابى
قفزت على الفراش وجلست على بطنه تحيط وجهه بكفيها الصغيرين تقبله على وجنتيه وهى تدمدم:
– بابى وحشتنى أوى كنت فين
طوقها بذراعيه فجعلها تتوسد صدره يقبلها على رأسها قائلاً بحنان:
– حبيبة قلبى وأنتى كمان وحشتينى معلش كان عندى عمليات كتير معرفتش أجى أمبارح هى فين تيتة
غمغمت الصغيرة وهى تدفن وجهها بعنق أبيها:
– آنا وفاء تحت ومعاها ولاء علشان هتنام هنا النهاردة وهتنام جمبى على سريرى فى أوضتى
صمتت الصغيرة فشعر بوجود خطب ما بها ، فتلك ليست عادتها ، فهى دائما عندما تراه تظل تثرثر بما فعلته بيومها كاملاً
فرفع شعرها عن وجهها قائلاً بغرابة:
– مالك يا سيجو أنتى زعلانة فى حاجة
تنهدت الصغيرة كمن تحمل من الهموم أثقلها فأجابته:
– بابى الميس خلت آنا وفاء تيجى تاخدنى من الحضانة وقالتلى مجيش تانى وآنا وفاء هتودينى حضانة تانية
أعتدل راسل بجلسته ،فأجلسها على ساقه ،يتفرس بوجهها بصمت ، فزاغت الصغيرة بعينيها عنه كأنها على علم بما سيقوله ، ولكن أسرعت هى معقبة:
– بابى هو ليه معنديش ماما وليه الاولاد بيقولوا أن أنا شبه العروسة اللعبة ، وأنا سمعت الميس بتقول عليا أنى شيطانة أنا شيطانة يا بابى
– لاء يا قلب بابى أنت جميلة وعسولة بس شقية شوية يا سجود
قالها راسل وهو يحتضن جسدها الصغير يضمها إليه ،يربت عليها بحب وحنان
أبتعدت الصغيرة عنه ترمقه بوداعة وهو تقول:
– بابى هى ماما هترجع أمتى بقى هى مش هتيجى زى ما قولتلى هتفضل مسافرة كتير حتى أنا معرفش شكلها ولا شوفت ليها صورة أنا عايزة أشوفها يا بابى
هذا ما كان يخشاه ، أن يأتى اليوم وتلح بمطلبها برؤية والداتها ، ولكن ماذا يقول لها ؟ فما حدث بعد مولدها بثلاثة أشهر ، يجب أن يظل طى الكتمان ،فهذا أفضل للجميع
حاول راسل أن يبتسم لها ممازحاً:
– ماما هتيجى يا روحى بس علشان هى بتجيب هدية كبيرة ليكى فهتتأخر شوية ماشى
أماءت الصغيرة برأسها عدة مرات كأنها أقتنعت بحديث أبيها ، الذى ربما يتلوه عليها ،منذ أن أدركت حاجتها لوجود والداتها ،وسؤالها المستمر عنها
صوت طرق باب الغرفة ،هو ما أخرجه من شروده ، فرفع رأسه وجد الخادمة ،تعلن عن تحضير العشاء وانتظار والداته له بالأسفل
حمل الصغيرة وهبط الدرج ، حتى وصل للمائدة وضع إبنته على مقعدها ،وأقترب من والدته يقبل رأسها ويدها ،وألقى التحية على ولاء
حاول كسر الصمت المحيط على جلستهم فوجه حديثه لولاء:
– عاملة إيه فى شغلك يا ولاء مرتاحة فيه
إبتلعت ولاء ما بجوفها قائلة بفتور:
– الحمد لله يا أبيه بس الصراحة شغلانة أن أنا أقعد على مكتب وأشتغل فى بنك دى خنيقة أوى وأنا مش واخدة على كده عايزة أتنطط هنا وهناك يكون فى حركة كده بدل ما الواحد قاعد يقول يا افندم طول النهار
ضحكت وفاء وهى تقول:
–أنتى بتحبى الفرهدة يا ولاء بس البنك اللى أنتى شغالة فيه كويس وكمان أنتى لسه يادوب متخرجة السنة اللى فاتت دا كتير يحسدوكى على أنك لقيتى شغل بسرعة كده
تبسمت ولاء على ما قالته فرمقت راسل بإمتنان :
– ماهو البركة في أبيه راسل هو اللى جابلى الوظيفة دى
ولكن لاحظت وفاء شرود راسل ، ولكن هذا ليس بجديد فدائما ما يكون الحاضر الغائب ، فإن كان حاضراً بالجسد ، فدائماً عقله يكون بمكان أخر أو ربما مازال عالقاً بما حدث سابقاً
– راسل مش أنا شوفتلك عروسة
قالتها وفاء لترى رد فعل ولدها على ما قالته ، فما كان منه سوى أنه ظل يسعل بشدة حتى دمعت عيناه بعدما علق الطعام بحلقه ،بعدما سمع ما تفوهت به ، فاللقيمات كانت كالخناجر تشق جوفه وهو يحاول إبتلاعها حتى لا يختنق
كوب الماء الموضوع أمامه ، كان حبل نجاته فأرتشفه حتى أنهاه
فحمحم ينظف حلقه وهو يقول:
– عروسة إيه يا ماما دى كمان حد قالك أن عايز أتجوز تانى مش كفاية اللى حصلى قبل كده
ألقى الملعقة من يده بغضب ،تصدر صوت قرقعة على طرف الطبق الخزفى ، فنهض تاركاً المائدة ،بعدما إمتلأ صدره بغضب شديد
فظلت وفاء توزع نظراتها بين ولاء وسجود الجالسات بصمت تحدق كل منهما بوجه الآخرى، متناسية هى أن الصغيرة لابد لها أن تتعجب ولو قليلاً وهى من تنتظر عودة والداتها
لم تكن العودة لغرفته محل طلبه الآن ، فوجد نفسه ذاهباً للحديقة ، يقترب من ذلك المبنى الملحق بالمنزل ، والذى كان عبارة عن غرفتين فسيحتين يشبهان " الاستراحة "
فإحدى هاتان الغرفتان مغلقة منذ سنوات ، ولا يريد دخولها ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها
أما الغرفة الأخرى فكانت مجهزة بشكل كامل كملعب لتلك اللعبة التى يهوى ممارستها ويبرع بها ألا وهى لعبة " الاسكواش "
و ُُتمارس لعبة الإسكواش في ملعب مغلق من أربع حوائط ، و تستلزم جهدا عنيفا و مهارة فائقة لصد الكرة المندفعة بقوة، ويستخدم كل لاعب مضربا مشدودا مصنوعا من نسيج خاص أو من الكربون الأسود المستخدم في صناعة أقلام الرصاص ، أما الكرة فتصنع من المطاط ، و هي مجوفة من الداخل. على كل لاعب أن يحلق بالكرة المقذوفة بعد ارتدادها عن أي حائط من الأربع بشرط عدم ارتدادها مرتين.
أخذ المضرب والكرة ،وبدأ اللعب بهدوء فى البداية ، ولكن كلما يتذكر أحداث يومه ، يزداد عنفه فى تسديد الضربات ، تتحرك قدماه بإحترافية على الأرضية الخشبية ، وصوت الكرة يتردد صداه بأذنيه
بدون كلل أو ملل ظل وقتاً طويلاً ينفث غضبه بتلك اللعبة ، فأصبح وجهه وجسده متعرقاً للغاية ، من جهده المبذول أو ربما فاق كل مرة يمارس بها تلك اللعبة ، ولكن هذا لم يجعله يكف عن اللعب ، بل جل ما فعله خلع عنه كنزته الصوفية ، يكمل ما كان يفعله
فدمدم ساخطاً على نفسه :
– كفاية بقى وأطلعى من دماغى
فكلما ألقى الكرة على الحائط ، يرى وجهها كأنها تنظر له ساخرة من محاولته البائسة فى نفضها عن ذهنه ، ولكن بتذكره تلك الفتاة التى قابلها اليوم ، أخطأ فى تسديد الكرة ،فإرتدت إليه تضرب صدره بموضع قلبه ، بديهياً وضع يده مكان الألم ، فتلمست يده إحدى تلك الجروح التى مازال أثرها واضحاً بجسده
فألقى المضرب من يده وجلس على الأرضية يستند على الحائط ، يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة من كثرة اللعب والتفكير وبالأخص بتلك الفتاة التى رآها اليوم وربما كان سيتسبب فى قتلها ، ولكن عندما أفاق لنفسه لم يسعه سوى تصنع الهدوء ، وخاصة وهى تحمل ذلك الشبه بينها وبين وجه أخر بماضيه الذى لم يخلو من الندبات التى ملأت فؤاده
_____________
بعد أن تم إختيار القاعة المناسبة لحفل الخطبة ، مر ما تبقى من الوقت ،حتى حل مساء ذلك اليوم الذى انتظرته حياء بترقب ، فهى إستطاعت تجاوز ماحدث لها ، تفكر الآن فى ذلك الحدث السعيد
إمتلأت القاعة بالمدعويين ، مهنئين لها بخطبتها ، لا يخفى عليها همس الفتيات الدائر بينهن على وسامة نادر ، فهو حقاً وسيماً ، رجل تتمناه الكثيرات مثلما هى تراه ، فهو فارس أحلامها والأمثل بعينيها
تبسم نادر قائلاً بلطافة:
– بس إيه الجمال ده عروسة قمر
تخضبت وجنتاها بدماء الخجل هامسة:
– نادر بس بقى احنا من ساعة ما حفلة الخطوبة إبتدت وأنت مش ساكت وبتكسفنى
زادت إبتسامته ،وقبل أن يجيبها ،رأى ذلك الذى ولج القاعة للتو فقال بصوت خفيض ودهشة أيضاً:
– دكتور راسل جه الخطوبة معقولة انا فاكر انه مش هييجى
ظن أنه يخاطب نفسه ، ولكن تسللت جملته لمسامعها ، فأتسع بؤبؤ عينيها وهى تستمع للإسم ، فإستدارت برأسها وهى مازالت جاحظة العينين ، فرأت ما كانت تخشاه ، فها هو ذلك الطبيب المتعجرف يلج القاعة بشموخ وكبرياء لعين
أقترب منه نادر مصافحاً بحرارة ،معرباً عن سعادته بحضوره ، فما كان من راسل سوى أن ابتسم إبتسامة متكلفة كعادته دائماً:
– ألف مبروك يا نادر
رد نادر قائلاً وهو يبتسم إبتسامة عريضة:
– الله يبارك فيك يا دكتور راسل دا شرف ليا حضورك النهاردة حفلة خطوبتى
فأشار لها نادر بيده أن تتقدم منهما ، فبالبداية تسمرت قدميها ، ترفض الحركة ، ولكن تحديقه المستمر بها ،جعلها تنهى صراعها بين الإقدام والتراجع
وقفت على مقربة منهما تبتسم بإقتضاب ، ولكن ملامحه صلدة باردة ،كأنه لم يتذكرها ، أو يتذكر ما فعله بها
– أقدملك يا دكتور راسل حياء خطيبتى
قالها نادر بلطف وهو يبتسم لها ،فعاود النظر لراسل معقباً:
–دا يا حياء دكتور راسل صاحب المستشفى اللى بشتغل فيها
لم تخرج من فمها سوى كلمة مقتضبة:
– أهلا
لم يكترث بشأن إقتضابها ، أو بنظراتها التى ترمقه بإستياء ، كأنها تريده أن يسرع فى الذهاب من هنا ، لتعود لحفل خطبتها ،فهى ترى وجوده يفسد سعادتها
ولكن تلك الفتاة التى رأتها تقترب منهما وهى مبتسمة الشفاه التى تطليها بحمرة قانية تصيح بسعادة غامرة:
– راسل معقول أنا مصدقتش عينى لما شوفتك
إبتهجت هند برؤيته ، فهى لم تعلم بشأن مجيئه ، وإلا كانت أبدت رغبتها فى مرافقته التى تهواها ، ولكن يصدها هو دائماً ،وهذا ما يزيد بروح التحدى لديها
فرمق هند بلمحة خاطفة ، وسرعان ما حول بصره لحياء وهو يقول :
– وأنا مصدقتش نفسى لما شوفتك صدفة عجيبة
بعد الابتهاج الذى رأته حياء من تلك الفتاة التى لا تعلم سوى إنها إبنة أحد رجال الاعمال وتمت دعوتها هى ووالدايها لحفل الخطبة من طرف أبيها
سحبت هند راسل من ذراعه قائلة بحماس:
– دا بابى ومامى هيفرحوا اوى لما يشوفوك
زفرت حياء براحة بعد إبتعادهما ، ولكن سمعت صوت ضحكة نادر الخافتة ،فأثار غرابتها فعلام هو يضحك ؟
فسألته قائلة بغرابة :
– أنت بتضحك على إيه يا نادر
إلتفت نادر حوله ،كأنه يطمأن أن لا أحد يسمعه ، فرد قائلاً :
– أصل الظاهر كده الآنسة هند دى عينها من دكتور راسل وبتجيله المستشفى كتير بس الظاهر كده هو مطنشها ومش عايز يتجوز تانى بعد مراته وعايش لبنته وأمه وبس
قطبت حياء حاجبيها قائلة بغرابة:
– ليه هى فين مراته دى هو مطلقها ولا إيه
فدمدمت لنفسها هامسة :
– دى يبقى معاها حق لو طلبت منه الطلاق دا واحد مفيش واحدة تستحمله ولا تطيق تقعد معاه ثانيتين على بعض مش عمر بحاله
كثر همسها لنفسها فأدنى نادر برأسه منها قليلاً ،كأن ما سيتفوه به لايجب أن يسمعه احد غيرها فهمس لها قائلاً بحذر:
– لاء هو مش مطلقها أنا سمعت فى المستشفى لما أشتغلت فيها بيقولوا أنها ماتت مقتولة وأن هو اللى قتلها
____________
يتبع...!!!!!!
محاولة الممرضة المستميتة فى سحب يده من حول عنق تلك الفتاة التى كانت تُقن أنها ربما لقت حتفها ، بسبب كفه القابض على عنقها ، أتت بالنتيجة المرجوة بدفعه عن جسد الفتاة التى سقطت على الأرض مغشياً عليها بمجرد إبتعاده عنها
فبأثناء مرورها بمحض الصدفة من أمام غرفة مكتب صاحب المشفى ، ورؤيتها له يحاصر فتاة بين جسده و الحائط يحاول أن يدق عنقها ، سارعت هى بإبعاده عنها قبل أن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك ، فما الذى دهاه اليوم ؟
صوت إرتطام جسدها بالأرض ، هو ما جعله يفيق من تلك الحالة اللعينة ،التى أصابته بسبب كابوسه الذى لا يفارقه ، فالرؤية لديه مشوشة وضبابية ، فكل ما كان يريده أن يدق عنق تلك التى لا تفارقه بأحلامه ، تجعلها كابوس مزعج، كأنه يعايشها بواقعه
خرج من تلك البلادة التى تلبسته ، بصراخ الممرضة به وهى تقول:
– دكتور راسل ألحقنى دى قربت تقطع النفس
ما كان منه إلا أن حملها عن الأرض ، يضعها على الاريكة التى كان يحتلها بجسده منذ قليل ، حاول أن يجعلها تفيق من حالة الاغماء التى إنتابتها ،نتيجة نقصان الأكسجين من رئتيها
ساعدته الممرضة بإنعاشها ،حتى فتحت حياء عينيها ببطئ ، وهى تهمس بصوت خافت:
– ماما
أطلت عليها الممرضة بإبتسامة هادئة ، وساندتها حتى جلست ،ووضعت قدميها أرضاً ، كمن فقدت الذاكرة فجأة ، تحاول أن تتذكر ما الذى حدث
ولكن عينيها التى إصتطدمت بوجه راسل الجالس على مقعده خلف المكتب ، يرمقها بهدوء كأنه لم يكن ليتسبب بقتلها منذ قليل
فأنتفضت صارخة بصوت جهورى:
–آااااه دا كان هيقتلنى كان بيخنقنى دا مجنون مجنون هو يبقى مين ده
ربتت عليها الممرضة ، لتجعلها تكف عن الارتجاف ، ولكن عندما تطلعت لوجه بنظراته الباردة والحادة ، كأنه ممتعض أنه لم يقضى على أنفاسها ، فهو لا يبدو عليه الندم على ما فعله
سعلت بشدة عندما ظلت تصرخ محتدة على ما كان سيؤل إليه أمرها ، فما كان منه سوى أنه أنحنى قليلاً للامام يستند بمرفقيه على طرف المكتب يعبث بقلم بين أصابعه
فرمقها بنظرة باردة قائلاً بنبرة صوت أشد برودة:
– لو فضلتى تصرخى كده مممكن يغمى عليكى تانى أو ينقطع نفسك هدى نفسك وأسكتى وبطلى زعيق علشان أنا مصدع ومش عايز وجع دماغ أكتر من اللى أنا فيه
نظرت حياء للممرضة التى أومأت لها برأسها أسفاً ، فإن كانت تنتظر أن يبدى ندمه على ما فعله ، فربما ستنتظر لما تبقى من عمرها
إستقامت حياء بوقفتها وهى تستند على يد الممرضة ،التى همست قريباً من أذنها :
– لو مفكرة أنه هيعتذرلك تبقى غلطانة دكتور راسل مبيعتذرش لحد ، وإحتمال كمان تلاقيه طردنى وطردك من الأوضة علشان يكمل نومه
إذا فهو ذلك الطبيب المتعجرف ، الذى سمعت عنه قبل أن تراه ،وياليتها لم تراه ، فهى كانت ستلقى حتفها على يده
ولكن شئ ما بداخلها جعلها رافضة ،أن تصمت على ما فعله ،فهى لن تنصرف من هنا قبل أن تراه يقدم لها أسفه ،على رعونة تصرفه معها
فأقتربت من المكتب تمشى بخطوات متأنية ،تخشى أن تترنح بوقفتها أو أن تسقط أرضاً ثانية ،كأن الدماء مازالت سريانها بعروقها بطئ
حدقت به بنظرة نارية، تصك على أسنانها بغيظ عظيم:
– أظن أنت مدين ليا بإعتذار عن اللى عملته وكان ممكن أوى أروح فيها لولا أن هى خلصتنى من إيدك ، فعلى الأقل تقول أنك أسف ومتقصدش اللى عملته ده ، ومش همشى إلا لما تعتذر
شبكت ذراعيها أمام صدرها ،دليلاً على تصميمها أنها لن تتركه قبل أن تحصل منه على ماتريده
نقر بالقلم على المكتب عدة نقرات ، ربما أثارت غيظها أكثر ، فما كان منه سوى أنه هتف بها بعدم إكتراث:
– أتفضلى يا أنسة مع السلامة وإن كان على الاعتذار أنتى اللى مفروض تعتذرى أنك دخلتى الأوضة بالرغم من أن حاطط ممنوع الدخول على الباب ولا أنتى مبتعرفيش تقرى لقيتى العلامة محطوطة على الباب يبقى فى عقل تفكرى بيه وتعرفى أنك مش لازم تدخلى
فحدق بالممرضة يشير إلى حياء معقباً:
– خديها من هنا ولو لسه تعبانة خلى حد من الدكاترة الموجودين يكشف عليها وخلى فاتورة الكشف على حسابى أتفضلى يا أنسة
فمها الذى فغرته بإندهاش ، لم تخرج منه كلمة أخرى ، فمن يكون هذا الإنسان الذي لم تقابل مثله من قبل ، كأنه أنتزعت منه صفة الأدمية المتعارف عليها بأبداء الأسف او الندم على فعل الخطأ
نظراته المتصاعدة ببرود ، جعلت الممرضة تفضل الخروج من الغرفة ، قبل أن تجده يخرجها من المشفى بأكمله
فأمسكت بيد حياء تجرها خلفها :
– يلا أبوس أيدك لكمان شوية ألاقيه رفدنى من المستشفى
إلتفتت حياء خلفها تلقى عليه نظرة أخيرة ، قبل إغلاف الممرضة لباب الغرفة ، وربما لو النظرات قادرة على القتل ، فمن المؤكد أنه كان خر صريعاً من نظراتها الكارهة
اعتاد هو على رؤية تلك النظرات بأعين المحيطين به ، فإن لم تكن نظرات تملق ، فهو يرى نظرات الخوف والكره ، وربما هذا أفضل ، فكلما زاد خوف الآخرين منه ،زاد إطمئنانه من أنه بأمان تام
______________
تلمست باقة الزهور التى تحملها على ذراعها ، لتضعها بعد ذلك أمام ذلك القبر ، فتلمست الشاهد الرخامى الذى خط عليه إسم تلك الراحلة ، التى تركتها تعانى منذ أن فقدتها فهى ليست شقيقتها فقط بل كانت أم ثانية لها
جثت على ركبتيها ودموعها تغرق جفونها وسرعان ما رطبت وجنتيها
فمسحت وجهها بيدها وهى تقول بحنين :
– وحشتينى أوى وحشتينى يا حبيبتى من يوم ما سبتينى وأنا حاسة أن أنا فى عذاب مبقتش طايقة الدنيا دى أكتر من كده بقيت أحلم كل يوم أنك جاية علشان تخدينى معاكى
ظلت وقتها تناجى الله وتحدث تلك التى وراها الثرى منذ أعوام ، ولكن مازال حزنها رابضاً بقلبها ،كأنها تركتها بالأمس القريب ، وليس منذ سنوات طوال لم تحسن عدها الآن ولا تريد تذكرها
بعد أن بثت شكوى الفراق ، نهضت من مكانها ، نفضت التراب الذى علق بثايبها وتأهبت للرحيل
وصلت لشارع يسبق طريق المقابر ، فسمعت صوت هاتفها ، أخرجته من جيبها ورأت إسم والداتها
ففتحت الهاتف تجيبها بهدوء:
– أيوة يا ماما
خرج صوت إسعاد متلهفاً وهى تقول:
– ولاء أنتى فين ، النهاردة أجازتك من الشغل وقولتى انك جاية على المحل ، أتأخرتى ليه ده كله
زفرت ولاء بخفوت تحاول كبح دموعها :
– كنت فى المقابر يا ماما وجاية دلوقتى مش هتأخر
أنهت المكالمة وأحنت رأسها تضع الهاتف بجيبها ثانية ، فلم تنتبه لذلك الشاب الذى إصطدمت به لتوها ، فرفعت رأسها وعقدت حاجبيها بغرابة من تحديقه بها الذى وصل إلى حد الوقاحة
فرأت أن تكمل طريقها أفضل من أن تعاتب ذلك السمج ، الذى يبدو عليه أنه أصتطدم بها متعمداً
ولكن كلما اتخذت طريق تجده يقف أمامها ، حتى أثار الأمر إستياءها فصاحت به بجماع صوتها الحانق:
– فى إيه يا أخ أنت ما تبعد عن طريقى
تبسم الشاب قائلاً بسماجة:
– طريقى وطريقك واحد يا جميل بس أول مرة أشوف جنية من جنيات المقابر وأعرف أنهم حلوين كده ، انا عندى إستعداد أتلبس لو أنتى جنية
انكمشت ملامح وجهها الجميلة بتفكير ، فما لبثت أن إزداد بريق عينيها السوداوتين ببريق الغيظ وربما الانتقام ممن يحمل كل صفة مذكر ، فربما اليوم يوم حظه السيئ لمقابلته لها ، فهى تكره صنف الرجال ولا تستثنى أحد من تلك القائمة سوى رجل واحد فقط
ظن أن إبتسامتها التى زينت ثغرها الفاتن ، علامة على قبول إطراءه وغزله لها ، ولا يعلم بما تنتوى فعله به
لم يدم الأمر سوى ثوانى معدودة ، حتى خر راكعاً على ركبتيه أمامها ، وصوت صراخه يطرب أذانها ، فتلك الضربة التى سددتها له بين ساقيه أتت بالنتائج المرغوبة ، فهى متمرسة بفنون الدفاع عن النفس ، ولم تبرع بها إلا لرغبتها فى أن ترى كل من يعترض طريقها من الرجال ينال نصيبه
فتركته ذاهبة ولكن قبل أن تبتعد أكثر ، إلتفتت إليه قائلة بشماتة:
– عرفت الجنيات بيدافعوا عن نفسهم إزاى يا سبع البرومبة ، وأظن الضربة دى هتعرفك مقامك كويس
وصلت للطريق الرئيسى ، فأشارت لإحدى عربات الأجرة ، فإستقلتها تخبره بذلك المكان الذى تريد الذهاب إليه ، ولم يكن سوى ذلك الحى الذى يقع به متجر العطور الخاص بوالداتها
عادت وفاء إلى متجرها برفقة الصغيرة ، بعد قضاء عدة ساعات فى البحث عن روضة للأطفال من أجل سجود ، فيومها أنقضى بالبحث ، حتى عثرت على مبتغاها
فسجود التى ما أن رأت تلك الفتاة إبنة إسعاد ،حتى ركضت إليها تناديها بحماس ، ففتحت ولاء ذراعيها تستقبل الصغيرة بينهما تدور بها تقبلها على وجنتيها
فداعبت طرف أنفها قائلة بمشاكسة:
– وحشتينى أوى يا سيجو
قبلتها سجود قبلة طويلة على وجنتيها وهى تقول:
– وأنتى يا ولاء وحشتينى أوى مش بتيجى عندنا ليه
زفرت ولاء تدعى الجدية :
– بجرى على أكل عيشى يا سيجو لحد ما أنقطع نفسى
رمقت سجود جدتها قائلة برجاء:
– آنا وفاء خلى ولاء تودينى الملاهى بليز
نظرت لها وفاء بغضب طفيف قائلة برفض قاطع:
– لاء مفيش ملاهى عقاباً على اللى عملتيه دا أنتى لسه مرفودة من الحضانة ليكى نفس كمان أنك تروحى الملاهى وكفاية اليوم اللى ضاع علشان الاقى حضانة جديدة لسيادتك
قهقهت ولاء من حديث وفاء ،حتى دمعت عيناها ، فغالباً ما ترى تلك المشاجرة بين الجدة والصغيرة ،فأقتربت منها قائلة بتفكه:
– الله هى سجود أترفدت المرة دى كمان دا أبيه راسل هيعلقك يا سجود
خرجت إسعاد من متجرها ،لترى ما يحدث بالخارج ، فتبسمت هى الاخرى على ما رأته والصغيرة التى عادت كعادتها دائماً ،عندما تصر المعلمة على تركها الروضة ، بعد شجاراتها المتكررة
إمتعضت وفاء من إبتسامتها :
– بتضحكى على إيه أنتى وبنتك دلوقتى يا إسعاد
ربتت إسعاد على كتفها بمواساة :
– الله يكون فى عونك يا وفاء عليها
رأت وفاء قدوم بعض الزبائن فإلتفتت إليهم قائلة بجدية:
– خلوها معاكم على ما أشوف الزباين دى
أخذت إسعاد الصغيرة تسير خلفها ولاء ، وماكادت تجلس بمقعدها حتى إلتفتت لإبنتها تخشى أن تخبرها بما لديها ،فهى تعلم عندما تسمع ولاء ما ستقوله ستثور كبركان ،ولكن لابد من إعلامها بما سيحدث وليكن ما يكن
فإبتلعت ريقها قائلة بحذر:
– ولاء باباكى جاى البيت النهاردة
كفت ولاء عن مداعبة الصغيرة ،عندما سمعت ما تفوهت به والداتها ، وتبدلت ملامح وجهها الجميلة من الهدوء ، لغضب عارم وسخط ليس له مثيل
فعلا صوتها وهى تجيبها:
– وهو جاى ليه وعايز مننا إيه جايبلنا مصيبة جديدة ولا خير هو مش مكفية اللى عمله فينا واللى كان بسببه أختى الكبيرة أشجان أنتحرت عايز إيه تانى عايز إييييه
إجتاح إسعاد الندم على إخبار إبنتها، وإثارة سخطها ومقتها لسماع إسم أبيها، وأثارت بنفسها ذكريات مريرة ،تعانى هى الأخرى منها
فحاولت أن تهدأ من روعها:
– إهدى يا ولاء مينفعش اللى بتعمليه ده
أنهالت دموعها على وجنتيها ، فمدت سجود يدها تمسح دموعها بطفولية وهى تقول:
– بتعيطى ليه يا ولاء سيجو هتزعل علشان ولاء بتعيط
تبسمت ولاء من بين دموعها :
– حبيبة قلب ولاء أنتى يا سيجو
فحولت بصرها لوجه والداتها قائلة بجفاء:
– أتصلى عليه قوليله ميجيش يا إما النهاردة أنا هروح أبات عند طنط وفاء كده كده أبيه راسل مش غريب وهو أصلا بيقضى معظم وقته فى المستشفى أقولك خليه ييجى ويشبع بالقعدة معاكى بس انا مش عايزة أشوفه أنا راحة لطنط وفاء يلا يا سجود
أخذت ولاء الصغيرة وخرجت من متجر والداتها ، وهى تمسح دموعها بظاهر يدها ، وذهبت لمتجر وفاء تخبرها بنيتها فى المبيت عندها الليلة ، فرحبت وفاء بمجيئها ، فهى من ربتها منذ صغرها حتى شقيقتها الراحلة تربت برفقة راسل وكن أخوة بالرضاعة
_____________
وهى بطريقها للعودة للمنزل ، لم تكف عيناها عن ذرف الدموع ،على ما حدث اليوم ، فهى لم تشأ البقاء بالمشفى لمقابلة نادر ، بعدما كانت ستلقى حتفها على يد ذلك الرجل المدعو راسل ، قادت سيارتها بحذر ، حتى يأست من عدم رؤية الطريق أمامها بسبب تلك الدموع التى حجبت عنها الرؤية ، فصفت السيارة بجانب الطريق
سمعت صوت الهاتف ،فأخذته من الحقيبة ، فوجدت إسم نادر ينير الشاشة ،فلم تجد مفر من الرد:
– ألو أيوة يا نادر
جاءها صوت نادر متلهفاً:
– حياء أنتى فين أنا مستنيكى من بدرى دا كله فى السكة
أجابته حياء بصوت جاهدت أن يخرج طبيعياً:
– معلش يا نادر أبقى خلى المشوار باليل علشان حاليا مش قادرة سلام
أنهت المكالمة ولم تزد كلمة أخرى ، بعد أن رأت أنها نالت كفايتها من الراحة التى منحتها لنفسها ، أدارت محرك السيارة لتعود للمنزل
سمعت صوت صياح والداها ولا تعلم لما عاد اليوم من عمله باكراً ، ركضت للداخل ،فوجدته يصيح بإمرأة علمت أنها شقيقته الوحيدة وتدعى قسمت ،فعلمت علام يصيح والداها ، فربما تشاجرت معه شقيقته كالعادة ولا تعلم لما تفعل ذلك وهو شقيقها الوحيد
فإنتفضت قسمت من مكانها بعد صراخ شقيقها تصيح هى الاخرى:
– أنت بتعلى صوتك عليا ليه هو أنا قولت حاجة غلط أنا بقولك عايزة فلوس ورثى بتاعت أبويا ولا هتكوش على كل حاجة يا عرفان علشان خاطر الننوسة الصغيرة بتاعتك
أنتفخت أوداج عرفان من إصرار شقيقته ، على أنه أقتطع من ميراثها ، على العلم أنه أعطى لها كل ما أورثه إياها والداهما ، ولكنها لم تكتفى ، تضع ببالها معتقداً أن ما يمتلكه عرفان لها حق به
يأس عرفان من أفعال شقيقته ، فأرتمى على مقعد يزفر أنفاسه بغضب متلاحق ، وخاصة وهو يرى ذلك الرجل الجالس بجانبها يدعى البراءة ، يوهمه أنه ليس لديه يد بتحريضها عليه ككل مرة ، فزوجها ذئب ماكر بثوب حمل وديع
فأنحنى قليلاً للأمام قائلاً بتحفز :
– إيه مش ناوى تقول حاجة أنت كمان يا شكرى
رفع شكرى رأسه بعد سماع مناداة شقيق زوجته ، يحرك حبات مسبحته بين أصابعه يتمتم بخفوت:
– دى حاجة بين الاخ وأخته مليش أدخل فيها
أهة السخرية التى أطلقها عرفان ، أنبأته صراحة أنه ربما يعلم أن ما تفعله قسمت بأمره هو أولاً وأخيراً
حل الصمت عليهم بعد أن ولجت حياء تتفرس بوجوههم ، لتعلم علام الشجار تلك المرة ، فهى أعتادت عليه من شقيقة والداها ، ولم يقدم عرفان بيوم على أن يجور على حقها أو أن يثير عداءها
– السلام عليكم أزيك يا عمتو
نطقت بها حياء وهى تتقدم تأخذ مكانها بجوار والدها ، ولكنها لاحظت عدم وجود والدتها ، فهذا أفضل فربما الأمر سيتفاقم أكثر إذا كانت مديحة جالسة معهم ،فهى لا تحب أحد أن يتجرأ بالحديث مع زوجها حتى وإن كانت شقيقته ، التى تثير عداء كل من حولها
لوت قسمت شفتيها قائلة بلامبالاة:
– أهلا يا روح عمتو
ربت عرفان على يد حياء قائلا بحنان بالغ:
– حبيبتى حجزتوا القاعة خلاص ماما قالتلى انك خرجتى علشان تحجزوها
أماءت حياء برأسها سلباً ، فوضعت رأسها بين يديها قائلة بوهن:
– لاء يا بابا تعبت شوية ورجعت هروح باليل عن اذنكم علشان عايزة أرتاح شوية
تركت مكانها تفضل الذهاب لغرفتها ، فضلا ً عن الجلوس وسماع بقية المشادة الكلامية ، التى أتت بغير محلها ،وخاصة اليوم وبعدما حدث لها ما حدث
حدقت قسمت بأثر حياء ،وبعد سماعها لها تغلف باب غرفتها ، حولت بصرها لشقيقها قائلة ببسمة سمجة:
– حياء كبرت وبقت عروسة يا عرفان وهتتخطب وهتتجوز وانت مش عارف تعمل ليها إيه ولا إيه ولما أجيلك أطلب حقى علشان عايزة أجهز بنتى بتعلى صوتك وتزعقلى
ضرب عرفان بيده على طرف مقعده قائلاً من بين أسنانه بغيظ:
– على أساس أن جهاز بنتك مش انا اللى اشتريتهولها كله من الالف للياء وقولت وماله بيقولوا الخال والد وزيها زى حياء لكن الظاهر طمعتى بزيادة يا قسمت وعايزة تنهبى منى اللى تقدرى عليه بس لاء يا بنت أبويا وأمى مش أنا اللى اضرب على قفايا وأسكت أن كنت بسكتلك فده علشان خاطر الدم اللى بينا وعلشان أنتى أختى الوحيدة واللى أصغر منى ومن حقك اراعيكى وأكون سندك لكن أنك تسوقى فيها لاء طبعا مش هسمحلك يا قسمت وحطى ده فى دماغك مفهوم
أنتفضت قسمت من مكانها ، تشير لزوجها بالنهوض وهى تقول:
– يلا بينا يا شكرى كفاية علينا كده وتشكر يا أخويا على الحسنة اللى بتديهالنا وبترجع تذلنا بيها ربنا يباركلك فى الحلوة وتعيش وتشوف عيالها
بعد أن ألقت بحديثها فى وجه شقيقها ، خرجت تحث الخطى على الإسراع من المنزل ،يسير خلفها زوجها حتى وصلا للخارج
فألقت قسمت نظرة على منزل شقيقها مغمغمة :
– أعمل يا عرفان وتقل فى عمايلك بقى مش عايز تدينى حقى بس أنا هاخده بس أصبر عليا
لملم شكرى مسبحته بكف يده ، كمن يستشعر بوزنها ، وهو يلقيها من يده لتعود وتسقط بكفه فألتوى ثغره قائلاً:
– أخوكى شكله كل ما يزيد غنى يزيد بخله يلا بينا يا قسمت
صعدت قسمت للسيارة ذات الطراز القديم بجوار زوجها ،الذى أدار محرك السيارة ، ومازالت عيناه ترصد منزل عرفان ، فهو سيحاول بدون كلل أو ملل ، أن يحصل على ما يريد ، فهو مطمئن البال أن زوجته ستكون أداته بتلك الحرب الخفية التى يشنها على عرفان ، لينال منه ومن ماله
_____________
أتجه صوب غرفته بعدما عاد من المشفى ، وربما عاد باكراً اليوم لأنه لم يشأ البقاء هناك اكثر من ذلك ، خاصة وأنه اليوم كان سيقدم على إرتكاب فعلة حمقاء ، ففراشه الآن سيكون مأواه للكف عن التفكير بما حدث اليوم وبتلك الفتاة ،التى رأى عينيها الكبيرتين تزداد أتساعاً أثر ذعرها مما فعله
والدته وطفلته لم يجدهما بعد عودته ، فأخرج هاتفه ولكن قبل أن يهاتف والدته ،وجد سجود تقتحم الغرفة تصيح بصوتها :
– باااااااااابى
قفزت على الفراش وجلست على بطنه تحيط وجهه بكفيها الصغيرين تقبله على وجنتيه وهى تدمدم:
– بابى وحشتنى أوى كنت فين
طوقها بذراعيه فجعلها تتوسد صدره يقبلها على رأسها قائلاً بحنان:
– حبيبة قلبى وأنتى كمان وحشتينى معلش كان عندى عمليات كتير معرفتش أجى أمبارح هى فين تيتة
غمغمت الصغيرة وهى تدفن وجهها بعنق أبيها:
– آنا وفاء تحت ومعاها ولاء علشان هتنام هنا النهاردة وهتنام جمبى على سريرى فى أوضتى
صمتت الصغيرة فشعر بوجود خطب ما بها ، فتلك ليست عادتها ، فهى دائما عندما تراه تظل تثرثر بما فعلته بيومها كاملاً
فرفع شعرها عن وجهها قائلاً بغرابة:
– مالك يا سيجو أنتى زعلانة فى حاجة
تنهدت الصغيرة كمن تحمل من الهموم أثقلها فأجابته:
– بابى الميس خلت آنا وفاء تيجى تاخدنى من الحضانة وقالتلى مجيش تانى وآنا وفاء هتودينى حضانة تانية
أعتدل راسل بجلسته ،فأجلسها على ساقه ،يتفرس بوجهها بصمت ، فزاغت الصغيرة بعينيها عنه كأنها على علم بما سيقوله ، ولكن أسرعت هى معقبة:
– بابى هو ليه معنديش ماما وليه الاولاد بيقولوا أن أنا شبه العروسة اللعبة ، وأنا سمعت الميس بتقول عليا أنى شيطانة أنا شيطانة يا بابى
– لاء يا قلب بابى أنت جميلة وعسولة بس شقية شوية يا سجود
قالها راسل وهو يحتضن جسدها الصغير يضمها إليه ،يربت عليها بحب وحنان
أبتعدت الصغيرة عنه ترمقه بوداعة وهو تقول:
– بابى هى ماما هترجع أمتى بقى هى مش هتيجى زى ما قولتلى هتفضل مسافرة كتير حتى أنا معرفش شكلها ولا شوفت ليها صورة أنا عايزة أشوفها يا بابى
هذا ما كان يخشاه ، أن يأتى اليوم وتلح بمطلبها برؤية والداتها ، ولكن ماذا يقول لها ؟ فما حدث بعد مولدها بثلاثة أشهر ، يجب أن يظل طى الكتمان ،فهذا أفضل للجميع
حاول راسل أن يبتسم لها ممازحاً:
– ماما هتيجى يا روحى بس علشان هى بتجيب هدية كبيرة ليكى فهتتأخر شوية ماشى
أماءت الصغيرة برأسها عدة مرات كأنها أقتنعت بحديث أبيها ، الذى ربما يتلوه عليها ،منذ أن أدركت حاجتها لوجود والداتها ،وسؤالها المستمر عنها
صوت طرق باب الغرفة ،هو ما أخرجه من شروده ، فرفع رأسه وجد الخادمة ،تعلن عن تحضير العشاء وانتظار والداته له بالأسفل
حمل الصغيرة وهبط الدرج ، حتى وصل للمائدة وضع إبنته على مقعدها ،وأقترب من والدته يقبل رأسها ويدها ،وألقى التحية على ولاء
حاول كسر الصمت المحيط على جلستهم فوجه حديثه لولاء:
– عاملة إيه فى شغلك يا ولاء مرتاحة فيه
إبتلعت ولاء ما بجوفها قائلة بفتور:
– الحمد لله يا أبيه بس الصراحة شغلانة أن أنا أقعد على مكتب وأشتغل فى بنك دى خنيقة أوى وأنا مش واخدة على كده عايزة أتنطط هنا وهناك يكون فى حركة كده بدل ما الواحد قاعد يقول يا افندم طول النهار
ضحكت وفاء وهى تقول:
–أنتى بتحبى الفرهدة يا ولاء بس البنك اللى أنتى شغالة فيه كويس وكمان أنتى لسه يادوب متخرجة السنة اللى فاتت دا كتير يحسدوكى على أنك لقيتى شغل بسرعة كده
تبسمت ولاء على ما قالته فرمقت راسل بإمتنان :
– ماهو البركة في أبيه راسل هو اللى جابلى الوظيفة دى
ولكن لاحظت وفاء شرود راسل ، ولكن هذا ليس بجديد فدائما ما يكون الحاضر الغائب ، فإن كان حاضراً بالجسد ، فدائماً عقله يكون بمكان أخر أو ربما مازال عالقاً بما حدث سابقاً
– راسل مش أنا شوفتلك عروسة
قالتها وفاء لترى رد فعل ولدها على ما قالته ، فما كان منه سوى أنه ظل يسعل بشدة حتى دمعت عيناه بعدما علق الطعام بحلقه ،بعدما سمع ما تفوهت به ، فاللقيمات كانت كالخناجر تشق جوفه وهو يحاول إبتلاعها حتى لا يختنق
كوب الماء الموضوع أمامه ، كان حبل نجاته فأرتشفه حتى أنهاه
فحمحم ينظف حلقه وهو يقول:
– عروسة إيه يا ماما دى كمان حد قالك أن عايز أتجوز تانى مش كفاية اللى حصلى قبل كده
ألقى الملعقة من يده بغضب ،تصدر صوت قرقعة على طرف الطبق الخزفى ، فنهض تاركاً المائدة ،بعدما إمتلأ صدره بغضب شديد
فظلت وفاء توزع نظراتها بين ولاء وسجود الجالسات بصمت تحدق كل منهما بوجه الآخرى، متناسية هى أن الصغيرة لابد لها أن تتعجب ولو قليلاً وهى من تنتظر عودة والداتها
لم تكن العودة لغرفته محل طلبه الآن ، فوجد نفسه ذاهباً للحديقة ، يقترب من ذلك المبنى الملحق بالمنزل ، والذى كان عبارة عن غرفتين فسيحتين يشبهان " الاستراحة "
فإحدى هاتان الغرفتان مغلقة منذ سنوات ، ولا يريد دخولها ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها
أما الغرفة الأخرى فكانت مجهزة بشكل كامل كملعب لتلك اللعبة التى يهوى ممارستها ويبرع بها ألا وهى لعبة " الاسكواش "
و ُُتمارس لعبة الإسكواش في ملعب مغلق من أربع حوائط ، و تستلزم جهدا عنيفا و مهارة فائقة لصد الكرة المندفعة بقوة، ويستخدم كل لاعب مضربا مشدودا مصنوعا من نسيج خاص أو من الكربون الأسود المستخدم في صناعة أقلام الرصاص ، أما الكرة فتصنع من المطاط ، و هي مجوفة من الداخل. على كل لاعب أن يحلق بالكرة المقذوفة بعد ارتدادها عن أي حائط من الأربع بشرط عدم ارتدادها مرتين.
أخذ المضرب والكرة ،وبدأ اللعب بهدوء فى البداية ، ولكن كلما يتذكر أحداث يومه ، يزداد عنفه فى تسديد الضربات ، تتحرك قدماه بإحترافية على الأرضية الخشبية ، وصوت الكرة يتردد صداه بأذنيه
بدون كلل أو ملل ظل وقتاً طويلاً ينفث غضبه بتلك اللعبة ، فأصبح وجهه وجسده متعرقاً للغاية ، من جهده المبذول أو ربما فاق كل مرة يمارس بها تلك اللعبة ، ولكن هذا لم يجعله يكف عن اللعب ، بل جل ما فعله خلع عنه كنزته الصوفية ، يكمل ما كان يفعله
فدمدم ساخطاً على نفسه :
– كفاية بقى وأطلعى من دماغى
فكلما ألقى الكرة على الحائط ، يرى وجهها كأنها تنظر له ساخرة من محاولته البائسة فى نفضها عن ذهنه ، ولكن بتذكره تلك الفتاة التى قابلها اليوم ، أخطأ فى تسديد الكرة ،فإرتدت إليه تضرب صدره بموضع قلبه ، بديهياً وضع يده مكان الألم ، فتلمست يده إحدى تلك الجروح التى مازال أثرها واضحاً بجسده
فألقى المضرب من يده وجلس على الأرضية يستند على الحائط ، يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة من كثرة اللعب والتفكير وبالأخص بتلك الفتاة التى رآها اليوم وربما كان سيتسبب فى قتلها ، ولكن عندما أفاق لنفسه لم يسعه سوى تصنع الهدوء ، وخاصة وهى تحمل ذلك الشبه بينها وبين وجه أخر بماضيه الذى لم يخلو من الندبات التى ملأت فؤاده
_____________
بعد أن تم إختيار القاعة المناسبة لحفل الخطبة ، مر ما تبقى من الوقت ،حتى حل مساء ذلك اليوم الذى انتظرته حياء بترقب ، فهى إستطاعت تجاوز ماحدث لها ، تفكر الآن فى ذلك الحدث السعيد
إمتلأت القاعة بالمدعويين ، مهنئين لها بخطبتها ، لا يخفى عليها همس الفتيات الدائر بينهن على وسامة نادر ، فهو حقاً وسيماً ، رجل تتمناه الكثيرات مثلما هى تراه ، فهو فارس أحلامها والأمثل بعينيها
تبسم نادر قائلاً بلطافة:
– بس إيه الجمال ده عروسة قمر
تخضبت وجنتاها بدماء الخجل هامسة:
– نادر بس بقى احنا من ساعة ما حفلة الخطوبة إبتدت وأنت مش ساكت وبتكسفنى
زادت إبتسامته ،وقبل أن يجيبها ،رأى ذلك الذى ولج القاعة للتو فقال بصوت خفيض ودهشة أيضاً:
– دكتور راسل جه الخطوبة معقولة انا فاكر انه مش هييجى
ظن أنه يخاطب نفسه ، ولكن تسللت جملته لمسامعها ، فأتسع بؤبؤ عينيها وهى تستمع للإسم ، فإستدارت برأسها وهى مازالت جاحظة العينين ، فرأت ما كانت تخشاه ، فها هو ذلك الطبيب المتعجرف يلج القاعة بشموخ وكبرياء لعين
أقترب منه نادر مصافحاً بحرارة ،معرباً عن سعادته بحضوره ، فما كان من راسل سوى أن ابتسم إبتسامة متكلفة كعادته دائماً:
– ألف مبروك يا نادر
رد نادر قائلاً وهو يبتسم إبتسامة عريضة:
– الله يبارك فيك يا دكتور راسل دا شرف ليا حضورك النهاردة حفلة خطوبتى
فأشار لها نادر بيده أن تتقدم منهما ، فبالبداية تسمرت قدميها ، ترفض الحركة ، ولكن تحديقه المستمر بها ،جعلها تنهى صراعها بين الإقدام والتراجع
وقفت على مقربة منهما تبتسم بإقتضاب ، ولكن ملامحه صلدة باردة ،كأنه لم يتذكرها ، أو يتذكر ما فعله بها
– أقدملك يا دكتور راسل حياء خطيبتى
قالها نادر بلطف وهو يبتسم لها ،فعاود النظر لراسل معقباً:
–دا يا حياء دكتور راسل صاحب المستشفى اللى بشتغل فيها
لم تخرج من فمها سوى كلمة مقتضبة:
– أهلا
لم يكترث بشأن إقتضابها ، أو بنظراتها التى ترمقه بإستياء ، كأنها تريده أن يسرع فى الذهاب من هنا ، لتعود لحفل خطبتها ،فهى ترى وجوده يفسد سعادتها
ولكن تلك الفتاة التى رأتها تقترب منهما وهى مبتسمة الشفاه التى تطليها بحمرة قانية تصيح بسعادة غامرة:
– راسل معقول أنا مصدقتش عينى لما شوفتك
إبتهجت هند برؤيته ، فهى لم تعلم بشأن مجيئه ، وإلا كانت أبدت رغبتها فى مرافقته التى تهواها ، ولكن يصدها هو دائماً ،وهذا ما يزيد بروح التحدى لديها
فرمق هند بلمحة خاطفة ، وسرعان ما حول بصره لحياء وهو يقول :
– وأنا مصدقتش نفسى لما شوفتك صدفة عجيبة
بعد الابتهاج الذى رأته حياء من تلك الفتاة التى لا تعلم سوى إنها إبنة أحد رجال الاعمال وتمت دعوتها هى ووالدايها لحفل الخطبة من طرف أبيها
سحبت هند راسل من ذراعه قائلة بحماس:
– دا بابى ومامى هيفرحوا اوى لما يشوفوك
زفرت حياء براحة بعد إبتعادهما ، ولكن سمعت صوت ضحكة نادر الخافتة ،فأثار غرابتها فعلام هو يضحك ؟
فسألته قائلة بغرابة :
– أنت بتضحك على إيه يا نادر
إلتفت نادر حوله ،كأنه يطمأن أن لا أحد يسمعه ، فرد قائلاً :
– أصل الظاهر كده الآنسة هند دى عينها من دكتور راسل وبتجيله المستشفى كتير بس الظاهر كده هو مطنشها ومش عايز يتجوز تانى بعد مراته وعايش لبنته وأمه وبس
قطبت حياء حاجبيها قائلة بغرابة:
– ليه هى فين مراته دى هو مطلقها ولا إيه
فدمدمت لنفسها هامسة :
– دى يبقى معاها حق لو طلبت منه الطلاق دا واحد مفيش واحدة تستحمله ولا تطيق تقعد معاه ثانيتين على بعض مش عمر بحاله
كثر همسها لنفسها فأدنى نادر برأسه منها قليلاً ،كأن ما سيتفوه به لايجب أن يسمعه احد غيرها فهمس لها قائلاً بحذر:
– لاء هو مش مطلقها أنا سمعت فى المستشفى لما أشتغلت فيها بيقولوا أنها ماتت مقتولة وأن هو اللى قتلها
____________
يتبع...!!!!!!
لإكمال الرواية تابعنا علي قناة تليجرام
👈 الفصل التالي: رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثالث
👈 جمييع الفصول: رواية لا يليق بك إلا العشق كاملة بقلم سماح نجيب
👈 المزيد من الروايات الرومانسية الكاملة: روايات كاملة
انتهت أحداث رواية لا يليق بك إلا العشق إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.