رواية والتقينا الفصل الثاني عشر من روايات ندي ممدوح . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية مصرية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية والتقينا كاملة بقلم ندي ممدوح من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية والتقينا pdf كاملة من خلال موقعنا .
رواية والتقينا الفصل 12
12_طلب زواج
صرخة شقت سكون الليل، ومزقت صفحة السماء، ورجت فؤاد والد إسراء وهو يعرج سُلم البناية على عجلٍ.
غطت إسراء وجهها خيفة من السكين الذي ارتفع في وجهها وهوى نحو صدرها مباشرةً، تلقائيًا وبسبب غريزة البقاء ومع صرختها انحنت وهي تبتعد عن مرمى القاتل، فهوى نصل السكين على الحائط وسقط من يديه، لكنه لم يُفوت لحظة بل جذبها من خمارها ودفعها إلى الحائط وقبض باصأبعه حول عنقها..
وحاولت أن تصرخ، لكن صرختها احتبست في حلقها، وترقرق الدمع مِدرارًا في عينيها، وحاولت أن تنزع كفيه، وفجأة! اقتحم أبيها الحجرة ولم يكد يبصر ما يحدث حتى اندفع وجذب القاتل من كتفيه وأبعده عن ابنته، وهو يهتف في جذع:
_بنتي، أبعد أبعد
لم يهتم أن يرَ وجهه، عينا الأب ألتقطت فقط انهيار ابنته، وسعالها صك مسامعه فاتجه إليها ومال يسألها باهتمام:
_إسراء، يابنتي أنتِ كويسة، طمنينى يا حبيبتي أنتِ كويسة؟
فرفعت إليه عينان تسيلان بالدمع، وهي تمسد على عنقها، وأومات برأسها له مهدئة من انفعاله، في ذات اللحظة التي كان فيها القاتل يكاد يقفز من فوق النافذة، فدفعه والد إسراء لداخل الحجرة، وهو يهتف:
_مش هسيبك تهرب لحد ما عرف مين أنت يا ابن ال******
ثم اتسعت عيناه في صدمة، وهتف وعيناه جاحظتين على ملامح القاتل :
_أنت! أنت يا هشام يا بسيوني أنت؟
وقبل أن يفق من صدمته، كان هشام يدفع رأسه للحائط ثم ينهال عليه ضربًا، وخبط رأسه عدت مرات.. حتى إن هذا الأخير لم يتدارك نفسه وهو يتلقى الضربات المتتالية دون تأني
امتقع وجه إسراء وهي ترَى ترنح والدها وخطٌ رفيعٌ من الدم بدأ يسيل من رأسه، فهبت مندفعة تدفع هشام عنه لكنه أطرحها أرضًا ووثب عبر النافذة قافزًا على إحدى المواسير واحتضنها بذراعيه وساقيه وشرع ينزلق هابطًا.
أفرغت إسراء حقيبتها مما فيها وهي تنبش عن الهاتف، وتناولته متصلة على أحدٍ ما وهي تبكي منتفضة برعبٍ سرى في كامل خلاياها.
اللهم صلَّ وسلَّم وبارك على حبيبنا مُحمد
كان بلال منطلقًا بسيارته في طريق العودة إلىٰ منزله، ينبعث داخل السيارة (القرآن الكريم) بصوت (عبد الباسط عبد الصمد) صوت أرسل في نفسه كل الإرتياح، وأخذ يُردد الآيات مع الشيخ في موجة من الخشوع، عندما رن هاتفه وكاد يتجاوز عن المتصل وهو في غمرة نشوته وارتياحه، لكن الرنين أخذ يدوي مرة أخرى في إصرار، ولم يكد يرى اسم إسراء تضيء شاشة الهاتف حتى اخفض من صوت المذياع، وأجاب في اهتمام:
_السلام عليكم …
ابتلع باقي إلقاء السلام مع أنينها ونحيبها ونشيجعها وهي تهتف بكلمة فقط لا غير:
_بلال، الحقني الحقني يا بلال بابا بيموت الحقني.
فزوى ما بين حاجبيه وهو يضغط كابح السيارة لتتوقف في عشوائية، وسمع سباب ساخط من سيارةً ما كادت أن ترتطم بسيارته لم يعره اهتمامًا، وهو يهتف في انفعال:
_في إيه اهدي مال بباكِ؟ إيه اللي حصل؟
صمت يستمع لبكاءها، قبل أن ينبعث صوتها الباكي من جديد:
_أنا مش عارفة أعمل إيه؟ بابا بيموت!
فغمغم وهو يدير عجلة القيادة عائدًا:
_طيب طيب اهدي الاول أنا في الطريق، متقفليش خليكِ معايا.
وانطلق بأقصى سُرعة، قلبٌ خافقٌ كان يدق في عنفٍ بين جوانحه، قلقٌ استبد بقلبه، وشهقاتها كانت تمزق أوتاره، وقد خُيل إليه إن المسافة تتسع شيءٌ فشيءٌ والطريق باتَ بعيدًا على غير العادة
ما له يسمع دقَّات قلبه تكاد تخرج من صدره إليها؟!
متى أحبها كل ذاك الحب؟
ها هو ذا أخيرًا يتنفس الصعداء، ويغادر سيارته في لهفة تاركًا بابها مفتوحًا دون وعي أو إدراك، وصوته اللاهث يقول لها على الهاتف وهو يرتقي الدرج ركضًا:
_أنا وصلت أهو لحظة بس وأكون عندك.
عَبر مع نهاية عبارته باب (الشقة) الذي كان منفرجًا، وتتبع صوت البكاء، ليقف متسمَّرًا وهو يراها تضم رأس أبيها في حِجرها، وتهذي بكلمات لم يفهمها، ولم تصل إليه لخفوتها، لكن حركت شفتيها أعلمته بها، هرع ينحني على والدها ليتأكد إنه يتنفس.
وقال متسائلًا:
_إيه اللي حصل؟ ماله بباكِ؟!
ربما هدؤه استوطن فؤاده عندما رآها بخير، فخرج سؤاله صارمًا لا يوحي بما يعتمل داخله من انفعالات، بينما همست هي بعينين ضائعتين ومن بين شهقاتها:
_هشام كان هنا …
قاطعها وهو يلتفت إليها، مغمغمًا:
_مين هشام ده؟
_مش وقته خلينا نطمن على بابا وهحكيلك كل حاجة.
انحنى بلال على أبيها و وضع يمناه أسفل رأسه ورفعه لأعلى وهو يهتف فيها بعمق:
_قومي ساعديني.
فهبت واقفة وساندت والدها معه، حتى جعلوه في السيارة، التي انطلق بها بلال مبتغيًا أقرب مستشفى.
الحمد لله رب العالمين
جلست إسراء بجوار مقعد بلال بعدما تم أخذ أبيها من قِبل الممرضات، لم ترقأ عينيها من الدمع، وبلغ مسامع بلال همسها الخافت، المتهدج من أثر البكاء:
_أنا السبب، أنا سبب كل اللي بيحصل، أنا السبب..
ظلت تردد بما بدى له بهذيان، فنفخ بضيق وهو ينهض ليسير في الرواق جيئة وذهابًا، صوت خطوات راكضة جاءت من وراءه جعلته يلتفت ليرى من القادم، فشاهد ندى تعدو إليها في لهفة والأخرى ترتمي في أحضانها، وضيق عيناه وهو يرى الأثنتيين تبكيان، فرفع حاجباه لوهلة وعاد يخفضهما وهو يحوَّل بصره عنهما، لم يمر الكثير من الوقت وقد خرج الطبيب يخبرها إنه ضمد جرح والدها وإنه بحالة جيدة في حاجة فقط إلى الراحة، وأهداه روشتة مدون بها بعض الأدوية التى سيستمر عليها حتى يمتثل إلى الشفاء.
ارتسم الارتياح على وجه إسراء أخيرًا، وكف دمعها، وهي تُردد بِشُكر:
_الحمد لله، احمدك يارب.
غادرها بلال ليجلب الأدوية، بينما تناولت هي هاتفها الذي يواصل إشعارات رسائل من عماد لا تنتهي، وتأففت بحنق ولم تعرها اهتمامًا، بينما ناولتها ندى كوبًا من العصير وهي تستقر بجانبها، قائلة:
_خلاص بقا يا إسراء عمو بخير الحمد لله اهدي وروقي كده واشربي العصير.
فالتفتت إليها إسراء، تقول بفزع:
_اهدى؟! اهدى إزاي بس؟ بقولك هشام البسيوني عايز يقتلني، الحقير بعد كل ندالته معايا عايز يقلتني.
فتساءلت ندى وهي تهدئ من روعها:
_اهدي بس.. أنتِ متأكدة أنه هشام؟! ممكن تكوني...
فقاطعتها إسراء، قائلة بحدة:
_اكون إيه؟ اتلخبط فيه مثلًا؟! هو هشام البسيوني بنفسه.
رب اغفر ليّ ولوالديّ وللمؤمنين والمؤمنات
كانت سهير في ذات الوقت تتصل بأميرة، وتصيح ما أن فتحت الأخرى:
_بيخوني يا أميرة، سمعته بودني بيقول بالحرف (مال دي مش بترد ليه) يبقى ده معناه إيه غير إنه بيكلم وحدة؟
فهدأت اميرة من روعها، وهي تتثاءب مغمغمة:
_ما يمكن أنتِ فاهمة غلط يا سهير، يمكن يقصد أي شي، آه نعم أنا مش بطيق جوزك عماد ده ولا بينزل ليّ من زور بس خلينا نفكر بالعقل.. ممكن يكون يقصد زميلة مثلًا بتشتغل معاه، أي شيء غير إنه بيعرف عليكِ وحدة.
هتفت سهير باستنكار:
_لا لا انا متأكدة إن الموضوع فيه وحدة يا أميرة.
نفخت أميرة بضيق، وأفصحت قائلة بتريث:
_أنتِ ناوية على إيه يا سهير بالضبط؟
لم تتلقَّ ردًا لهنيهة من الزمن، حتى نطقت سهير أخيرًا تُصرح بإصرار:
_بالمواجهة، لازم أواجهُه وأفهم هو مخبي إيه؟
هزت أميرة رأسها رفضًا لقرارها، وقالت تردعها عما تنوي:
_غلط، غلط يا سهير لإنه بالتأكيد مش هيقولك إن في وحدة في حياته وهيكدب، اصبري لحد ما تتأكدي .
انتفضت أميرة في قلق، عندما بلغها صوت عماد الغاضب وهو يهتف:
_سيبي ام التلفون ده من أيدك.
فقفزت من فوق الفراش، وهي تصيح:
_سهير إيه اللي حصل؟ الو سهير أنتِ يا بنتي؟!
لم يصلها سوء صريرٌ يعلن عن إغلاق الهاتف، فأستبد بها الخوف.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
"أنت اتجنيت يا عماد! بتقفل السكة في وش أميرة وأنا بكلمها؟"
هتفت بها سهير في صدمة، عندما جذب عماد منها الهاتف وأغلاق المكالمة، فتأجج الغضب في عينيه، وجأر بانفعال:
_ايوة قفلتها، وهقفلها في وش أمك كمان لو كانت هي اللي بتكلمك مش أميرة.
امتقع وجه سهير حتى بدا يُحاكي وجوه الموتى، واتسعت عيناها على آخرهما، وهي تهتف في ذهول:
_أنت بتقول إيه؟
فهتف عماد محتدًا:
_بقول اللي سمعتيه هجيب لك منين أنا كل شوية كروتة وشحن، أنتِ متجوزة بنك وانا مش عارف؟ ما احمدي ربنا بقا وحافظي على بيتك اللي مكنتيش تحلمي بيه، دا أنا انتشتلك من كلام الناس واتجوزتك ومكنش حد بيبص في وشك.
طعنة .. طعنة حادة غادرة غُرست في سويداء قلبها من كلامه، مُر الإهانة كالحنظل بدا في حلقها، بينما استرسل هو بلهجة قاسية، وجشع:
_اسمعي بقا يا بت الناس عايزة تفضلي يبقي لا تزوري أهلك ولا يزوركي أنا مش فضيلك.
وحدجها بنظرة مقيتة، وهو يلتفت مغادرًا، يرغي ويذبد ويشوح بكفه في امتعاض حتى خرج صافقًا الباب وراءه بعنف أجفلها وجعلها تنتفض، بقت متسمَّرة في مكانها، وسال الدمع على وجنتيها أنهارًا..
ليتها لم توافق على تلك الزيجة!
ليتها تحملت كلام الناس وصبرت فهو أرحم لها!
ليت بإمكانها الهرب، أن تفرَّ في أحضان بلال تبثه شجون فؤادها.
لكن بما يُفيد الندم بعد فوات الأوان؟
جلست على طرف الآريكة، كل شيءٌ بدا لها كئيبًا قاتمًا في عينيها، جدران البيت تبدَّت لها كما الأشباح ترهبها، وضاقت.. ضاقت بها الدنيا ونفسها، فلاذت بالبكاء علُّه يُخفف عِلَّة قلبها.
بعض الكلمات لا يفصح عنها اللسان، ولا تبرح الحلق فتتحرر من داخلنا على هيئة دموع عساها تطيب حدة الوجع.
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
جلست إسراء في كافتيريا المستشفى في المقعد المقابل لمقعد بلال على إحدى الطاولات، والأخير يسألها باهتمام وهو يرتشف من قهوته:
_عايز أعرف إيه اللي حصل لوالدك؟!
فتركت إسراء كأس العصير جانبًا، وإندفعت تروى له ما حدث..
كل شيء في صراحة، بعد أن غادرة سيارته أمام البناية حتى أسعف والدها، وتنهدت وهي تسترخي في مقعدها كأنما حملٌ ثقيل وقد زال، وأسبلت جفنيها في إرهاق، لكنها لم تلبث إن أفرجت عنهما، وتطلعت فيه، مع سؤاله:
_ومين هشام البسيوني ده؟ وليه عايز يقتلك!
صمتت إسراء متطلعة إليه في حيرة دون أن تنبس، لم تدر كيف تخبره إن هشام البسيوني كان المخرج الذي قام بإخراج أكبر مسلسلاتها وأفلامها وجعل منها نجمة مشهورة، بل كيف تقص على مسامعه دون حياء إنه حاول أن يعتدي عليها وعندما قاومته طلب منها الزواج بورقة عرفي وعندما أبت ذلك، قام بتهديدها وإنزالها لسابع أرض لكنها اصرت على قرارها لم تخضع له ولا لتهديدته ببسالة، لقد وعدها هشام إنها أن وافقت على الزواج منه عرفي سيجعل منها نجمة عالمية، وسيكرمها بأموالٍ وفيرة، كان يحبها ويحب نفسه أكثر، وكان متزوج من فتاة ثرية، ترددت في إخباره بكل هذا، لكنها حسمت امرها وقصت عليه كل شيء، وهو لا ينبس إلا بتلك الإنفعالات مع استرسالها فتارة يرفع حاجبه في غضب، وتارة بإشمئزاز وكره وهكذا حتى انتهت، وختمت قولها وهي تقول في أسى:
_ولما رفضته وقبلت الشغل مع مخرج تاني كان شاب محترم نوعًا ما مش زي كمال، وصلتني رسالة من كمال بيهددني فيها إني لو موافقتش على الزواج العرفي ورجعت اشتغل معاه هيقتلني وإني مش هكون في الآخر غير ليه.
صمتت زافرة بضيق، واستطردت:
_مدتش رسالته اي اهتمام خاصة إنه اختفى من حياتي لفترة كبيرة جدًا لحد ما بدات كل الامور دي تحصل وبرضو مشكتش فيه تخيلت إنه ميقصدش اي كلمة من اللي في الرسالة لحد ما شوفته في اوضتي.
سكتت تطلع إلى بلال وهو يشبك يديه امام وجهه ومطرق الرأس بتفكير، كم هو جميل؟!
جميل إن يكون للمرء جانب آمِن يلوذ به قلما أرهقته الحياة!
أخذت إسراء نفسٌ عميق، ومالت على الطاولة تسند فوقها مرفقها، وتركت رأسها تستريح في كفها الذي وضعته أسفل ذقنها وكالمأخوذة طفقت تتأمله، متى أصبح حبه يسري في أوردتها مجرى الدم، بل متى غدا هو مهجتها؟
كيف يَكُف المرء عن حبًا باتَ سرُ الحياة؟
رفع بلال عينيه لتقابل عينيها، وخفق قلبها مع تلك النظرة المشعة بالحنان في مقلتاه، وظلا للحظات يتطلع كل منهما للآخر، وفجأة هَم بلال بقول شيءٍ ما، لكنه عاد لصمته الذي لم يدُم وهو يهمس بصوتٍ خافت بما جعلها ترتد للخلف في صدمة:
_إسراء، تتجوزيني؟
يُتبع …
صرخة شقت سكون الليل، ومزقت صفحة السماء، ورجت فؤاد والد إسراء وهو يعرج سُلم البناية على عجلٍ.
غطت إسراء وجهها خيفة من السكين الذي ارتفع في وجهها وهوى نحو صدرها مباشرةً، تلقائيًا وبسبب غريزة البقاء ومع صرختها انحنت وهي تبتعد عن مرمى القاتل، فهوى نصل السكين على الحائط وسقط من يديه، لكنه لم يُفوت لحظة بل جذبها من خمارها ودفعها إلى الحائط وقبض باصأبعه حول عنقها..
وحاولت أن تصرخ، لكن صرختها احتبست في حلقها، وترقرق الدمع مِدرارًا في عينيها، وحاولت أن تنزع كفيه، وفجأة! اقتحم أبيها الحجرة ولم يكد يبصر ما يحدث حتى اندفع وجذب القاتل من كتفيه وأبعده عن ابنته، وهو يهتف في جذع:
_بنتي، أبعد أبعد
لم يهتم أن يرَ وجهه، عينا الأب ألتقطت فقط انهيار ابنته، وسعالها صك مسامعه فاتجه إليها ومال يسألها باهتمام:
_إسراء، يابنتي أنتِ كويسة، طمنينى يا حبيبتي أنتِ كويسة؟
فرفعت إليه عينان تسيلان بالدمع، وهي تمسد على عنقها، وأومات برأسها له مهدئة من انفعاله، في ذات اللحظة التي كان فيها القاتل يكاد يقفز من فوق النافذة، فدفعه والد إسراء لداخل الحجرة، وهو يهتف:
_مش هسيبك تهرب لحد ما عرف مين أنت يا ابن ال******
ثم اتسعت عيناه في صدمة، وهتف وعيناه جاحظتين على ملامح القاتل :
_أنت! أنت يا هشام يا بسيوني أنت؟
وقبل أن يفق من صدمته، كان هشام يدفع رأسه للحائط ثم ينهال عليه ضربًا، وخبط رأسه عدت مرات.. حتى إن هذا الأخير لم يتدارك نفسه وهو يتلقى الضربات المتتالية دون تأني
امتقع وجه إسراء وهي ترَى ترنح والدها وخطٌ رفيعٌ من الدم بدأ يسيل من رأسه، فهبت مندفعة تدفع هشام عنه لكنه أطرحها أرضًا ووثب عبر النافذة قافزًا على إحدى المواسير واحتضنها بذراعيه وساقيه وشرع ينزلق هابطًا.
أفرغت إسراء حقيبتها مما فيها وهي تنبش عن الهاتف، وتناولته متصلة على أحدٍ ما وهي تبكي منتفضة برعبٍ سرى في كامل خلاياها.
اللهم صلَّ وسلَّم وبارك على حبيبنا مُحمد
كان بلال منطلقًا بسيارته في طريق العودة إلىٰ منزله، ينبعث داخل السيارة (القرآن الكريم) بصوت (عبد الباسط عبد الصمد) صوت أرسل في نفسه كل الإرتياح، وأخذ يُردد الآيات مع الشيخ في موجة من الخشوع، عندما رن هاتفه وكاد يتجاوز عن المتصل وهو في غمرة نشوته وارتياحه، لكن الرنين أخذ يدوي مرة أخرى في إصرار، ولم يكد يرى اسم إسراء تضيء شاشة الهاتف حتى اخفض من صوت المذياع، وأجاب في اهتمام:
_السلام عليكم …
ابتلع باقي إلقاء السلام مع أنينها ونحيبها ونشيجعها وهي تهتف بكلمة فقط لا غير:
_بلال، الحقني الحقني يا بلال بابا بيموت الحقني.
فزوى ما بين حاجبيه وهو يضغط كابح السيارة لتتوقف في عشوائية، وسمع سباب ساخط من سيارةً ما كادت أن ترتطم بسيارته لم يعره اهتمامًا، وهو يهتف في انفعال:
_في إيه اهدي مال بباكِ؟ إيه اللي حصل؟
صمت يستمع لبكاءها، قبل أن ينبعث صوتها الباكي من جديد:
_أنا مش عارفة أعمل إيه؟ بابا بيموت!
فغمغم وهو يدير عجلة القيادة عائدًا:
_طيب طيب اهدي الاول أنا في الطريق، متقفليش خليكِ معايا.
وانطلق بأقصى سُرعة، قلبٌ خافقٌ كان يدق في عنفٍ بين جوانحه، قلقٌ استبد بقلبه، وشهقاتها كانت تمزق أوتاره، وقد خُيل إليه إن المسافة تتسع شيءٌ فشيءٌ والطريق باتَ بعيدًا على غير العادة
ما له يسمع دقَّات قلبه تكاد تخرج من صدره إليها؟!
متى أحبها كل ذاك الحب؟
ها هو ذا أخيرًا يتنفس الصعداء، ويغادر سيارته في لهفة تاركًا بابها مفتوحًا دون وعي أو إدراك، وصوته اللاهث يقول لها على الهاتف وهو يرتقي الدرج ركضًا:
_أنا وصلت أهو لحظة بس وأكون عندك.
عَبر مع نهاية عبارته باب (الشقة) الذي كان منفرجًا، وتتبع صوت البكاء، ليقف متسمَّرًا وهو يراها تضم رأس أبيها في حِجرها، وتهذي بكلمات لم يفهمها، ولم تصل إليه لخفوتها، لكن حركت شفتيها أعلمته بها، هرع ينحني على والدها ليتأكد إنه يتنفس.
وقال متسائلًا:
_إيه اللي حصل؟ ماله بباكِ؟!
ربما هدؤه استوطن فؤاده عندما رآها بخير، فخرج سؤاله صارمًا لا يوحي بما يعتمل داخله من انفعالات، بينما همست هي بعينين ضائعتين ومن بين شهقاتها:
_هشام كان هنا …
قاطعها وهو يلتفت إليها، مغمغمًا:
_مين هشام ده؟
_مش وقته خلينا نطمن على بابا وهحكيلك كل حاجة.
انحنى بلال على أبيها و وضع يمناه أسفل رأسه ورفعه لأعلى وهو يهتف فيها بعمق:
_قومي ساعديني.
فهبت واقفة وساندت والدها معه، حتى جعلوه في السيارة، التي انطلق بها بلال مبتغيًا أقرب مستشفى.
الحمد لله رب العالمين
جلست إسراء بجوار مقعد بلال بعدما تم أخذ أبيها من قِبل الممرضات، لم ترقأ عينيها من الدمع، وبلغ مسامع بلال همسها الخافت، المتهدج من أثر البكاء:
_أنا السبب، أنا سبب كل اللي بيحصل، أنا السبب..
ظلت تردد بما بدى له بهذيان، فنفخ بضيق وهو ينهض ليسير في الرواق جيئة وذهابًا، صوت خطوات راكضة جاءت من وراءه جعلته يلتفت ليرى من القادم، فشاهد ندى تعدو إليها في لهفة والأخرى ترتمي في أحضانها، وضيق عيناه وهو يرى الأثنتيين تبكيان، فرفع حاجباه لوهلة وعاد يخفضهما وهو يحوَّل بصره عنهما، لم يمر الكثير من الوقت وقد خرج الطبيب يخبرها إنه ضمد جرح والدها وإنه بحالة جيدة في حاجة فقط إلى الراحة، وأهداه روشتة مدون بها بعض الأدوية التى سيستمر عليها حتى يمتثل إلى الشفاء.
ارتسم الارتياح على وجه إسراء أخيرًا، وكف دمعها، وهي تُردد بِشُكر:
_الحمد لله، احمدك يارب.
غادرها بلال ليجلب الأدوية، بينما تناولت هي هاتفها الذي يواصل إشعارات رسائل من عماد لا تنتهي، وتأففت بحنق ولم تعرها اهتمامًا، بينما ناولتها ندى كوبًا من العصير وهي تستقر بجانبها، قائلة:
_خلاص بقا يا إسراء عمو بخير الحمد لله اهدي وروقي كده واشربي العصير.
فالتفتت إليها إسراء، تقول بفزع:
_اهدى؟! اهدى إزاي بس؟ بقولك هشام البسيوني عايز يقتلني، الحقير بعد كل ندالته معايا عايز يقلتني.
فتساءلت ندى وهي تهدئ من روعها:
_اهدي بس.. أنتِ متأكدة أنه هشام؟! ممكن تكوني...
فقاطعتها إسراء، قائلة بحدة:
_اكون إيه؟ اتلخبط فيه مثلًا؟! هو هشام البسيوني بنفسه.
رب اغفر ليّ ولوالديّ وللمؤمنين والمؤمنات
كانت سهير في ذات الوقت تتصل بأميرة، وتصيح ما أن فتحت الأخرى:
_بيخوني يا أميرة، سمعته بودني بيقول بالحرف (مال دي مش بترد ليه) يبقى ده معناه إيه غير إنه بيكلم وحدة؟
فهدأت اميرة من روعها، وهي تتثاءب مغمغمة:
_ما يمكن أنتِ فاهمة غلط يا سهير، يمكن يقصد أي شي، آه نعم أنا مش بطيق جوزك عماد ده ولا بينزل ليّ من زور بس خلينا نفكر بالعقل.. ممكن يكون يقصد زميلة مثلًا بتشتغل معاه، أي شيء غير إنه بيعرف عليكِ وحدة.
هتفت سهير باستنكار:
_لا لا انا متأكدة إن الموضوع فيه وحدة يا أميرة.
نفخت أميرة بضيق، وأفصحت قائلة بتريث:
_أنتِ ناوية على إيه يا سهير بالضبط؟
لم تتلقَّ ردًا لهنيهة من الزمن، حتى نطقت سهير أخيرًا تُصرح بإصرار:
_بالمواجهة، لازم أواجهُه وأفهم هو مخبي إيه؟
هزت أميرة رأسها رفضًا لقرارها، وقالت تردعها عما تنوي:
_غلط، غلط يا سهير لإنه بالتأكيد مش هيقولك إن في وحدة في حياته وهيكدب، اصبري لحد ما تتأكدي .
انتفضت أميرة في قلق، عندما بلغها صوت عماد الغاضب وهو يهتف:
_سيبي ام التلفون ده من أيدك.
فقفزت من فوق الفراش، وهي تصيح:
_سهير إيه اللي حصل؟ الو سهير أنتِ يا بنتي؟!
لم يصلها سوء صريرٌ يعلن عن إغلاق الهاتف، فأستبد بها الخوف.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
"أنت اتجنيت يا عماد! بتقفل السكة في وش أميرة وأنا بكلمها؟"
هتفت بها سهير في صدمة، عندما جذب عماد منها الهاتف وأغلاق المكالمة، فتأجج الغضب في عينيه، وجأر بانفعال:
_ايوة قفلتها، وهقفلها في وش أمك كمان لو كانت هي اللي بتكلمك مش أميرة.
امتقع وجه سهير حتى بدا يُحاكي وجوه الموتى، واتسعت عيناها على آخرهما، وهي تهتف في ذهول:
_أنت بتقول إيه؟
فهتف عماد محتدًا:
_بقول اللي سمعتيه هجيب لك منين أنا كل شوية كروتة وشحن، أنتِ متجوزة بنك وانا مش عارف؟ ما احمدي ربنا بقا وحافظي على بيتك اللي مكنتيش تحلمي بيه، دا أنا انتشتلك من كلام الناس واتجوزتك ومكنش حد بيبص في وشك.
طعنة .. طعنة حادة غادرة غُرست في سويداء قلبها من كلامه، مُر الإهانة كالحنظل بدا في حلقها، بينما استرسل هو بلهجة قاسية، وجشع:
_اسمعي بقا يا بت الناس عايزة تفضلي يبقي لا تزوري أهلك ولا يزوركي أنا مش فضيلك.
وحدجها بنظرة مقيتة، وهو يلتفت مغادرًا، يرغي ويذبد ويشوح بكفه في امتعاض حتى خرج صافقًا الباب وراءه بعنف أجفلها وجعلها تنتفض، بقت متسمَّرة في مكانها، وسال الدمع على وجنتيها أنهارًا..
ليتها لم توافق على تلك الزيجة!
ليتها تحملت كلام الناس وصبرت فهو أرحم لها!
ليت بإمكانها الهرب، أن تفرَّ في أحضان بلال تبثه شجون فؤادها.
لكن بما يُفيد الندم بعد فوات الأوان؟
جلست على طرف الآريكة، كل شيءٌ بدا لها كئيبًا قاتمًا في عينيها، جدران البيت تبدَّت لها كما الأشباح ترهبها، وضاقت.. ضاقت بها الدنيا ونفسها، فلاذت بالبكاء علُّه يُخفف عِلَّة قلبها.
بعض الكلمات لا يفصح عنها اللسان، ولا تبرح الحلق فتتحرر من داخلنا على هيئة دموع عساها تطيب حدة الوجع.
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
جلست إسراء في كافتيريا المستشفى في المقعد المقابل لمقعد بلال على إحدى الطاولات، والأخير يسألها باهتمام وهو يرتشف من قهوته:
_عايز أعرف إيه اللي حصل لوالدك؟!
فتركت إسراء كأس العصير جانبًا، وإندفعت تروى له ما حدث..
كل شيء في صراحة، بعد أن غادرة سيارته أمام البناية حتى أسعف والدها، وتنهدت وهي تسترخي في مقعدها كأنما حملٌ ثقيل وقد زال، وأسبلت جفنيها في إرهاق، لكنها لم تلبث إن أفرجت عنهما، وتطلعت فيه، مع سؤاله:
_ومين هشام البسيوني ده؟ وليه عايز يقتلك!
صمتت إسراء متطلعة إليه في حيرة دون أن تنبس، لم تدر كيف تخبره إن هشام البسيوني كان المخرج الذي قام بإخراج أكبر مسلسلاتها وأفلامها وجعل منها نجمة مشهورة، بل كيف تقص على مسامعه دون حياء إنه حاول أن يعتدي عليها وعندما قاومته طلب منها الزواج بورقة عرفي وعندما أبت ذلك، قام بتهديدها وإنزالها لسابع أرض لكنها اصرت على قرارها لم تخضع له ولا لتهديدته ببسالة، لقد وعدها هشام إنها أن وافقت على الزواج منه عرفي سيجعل منها نجمة عالمية، وسيكرمها بأموالٍ وفيرة، كان يحبها ويحب نفسه أكثر، وكان متزوج من فتاة ثرية، ترددت في إخباره بكل هذا، لكنها حسمت امرها وقصت عليه كل شيء، وهو لا ينبس إلا بتلك الإنفعالات مع استرسالها فتارة يرفع حاجبه في غضب، وتارة بإشمئزاز وكره وهكذا حتى انتهت، وختمت قولها وهي تقول في أسى:
_ولما رفضته وقبلت الشغل مع مخرج تاني كان شاب محترم نوعًا ما مش زي كمال، وصلتني رسالة من كمال بيهددني فيها إني لو موافقتش على الزواج العرفي ورجعت اشتغل معاه هيقتلني وإني مش هكون في الآخر غير ليه.
صمتت زافرة بضيق، واستطردت:
_مدتش رسالته اي اهتمام خاصة إنه اختفى من حياتي لفترة كبيرة جدًا لحد ما بدات كل الامور دي تحصل وبرضو مشكتش فيه تخيلت إنه ميقصدش اي كلمة من اللي في الرسالة لحد ما شوفته في اوضتي.
سكتت تطلع إلى بلال وهو يشبك يديه امام وجهه ومطرق الرأس بتفكير، كم هو جميل؟!
جميل إن يكون للمرء جانب آمِن يلوذ به قلما أرهقته الحياة!
أخذت إسراء نفسٌ عميق، ومالت على الطاولة تسند فوقها مرفقها، وتركت رأسها تستريح في كفها الذي وضعته أسفل ذقنها وكالمأخوذة طفقت تتأمله، متى أصبح حبه يسري في أوردتها مجرى الدم، بل متى غدا هو مهجتها؟
كيف يَكُف المرء عن حبًا باتَ سرُ الحياة؟
رفع بلال عينيه لتقابل عينيها، وخفق قلبها مع تلك النظرة المشعة بالحنان في مقلتاه، وظلا للحظات يتطلع كل منهما للآخر، وفجأة هَم بلال بقول شيءٍ ما، لكنه عاد لصمته الذي لم يدُم وهو يهمس بصوتٍ خافت بما جعلها ترتد للخلف في صدمة:
_إسراء، تتجوزيني؟
يُتبع …
لمتابعة باقي الحلقات الرواية تابعنا علي قناة تليجرام
الاكثر قراءة هذا الشهر :
انتهت أحداث رواية والتقينا الفصل الثاني عشر، لمتابعة باقى أحداث رواية والتقينا الفصل الثالث عشر أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة إلى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله.