نقدم اليوم احداث رواية المعلم الفصل 32 من روايات تسنيم المرشدي . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية احببت ملتحي كاملة بقلم ام فاطمة من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية عرف صعيدى pdf كاملة من خلال موقعنا .
المعلم الفصل الثانى والثلاثون
رواية المعلِم
الفصل الثاني والثلاثون ..
___________________________________
_ مر اسبوع علي مكوث ريان في المشفي وقد حان ميعاد خروجه ، لم يتغير وضعه كثيراً لا يريد التحدث مع أحدهم ولا يسمح إليهم بالاقتراب منه عدا عنود ، حالته الصحية تزداد سوءاً عن ذي قبل ويرفض اي تدخل طبي ناهيك عن رفضه لأي طعام ، فقط يرتشف القليل من المياه إن شعر بجفاف حلقه ، خسر الكثير من الوزن وبات نحيفاً هذيل الجسد
_ ساءت حالة عنود للغاية لعدم استجابته لأي مساعدة من الجميع حتي طبيبه النفسي ، كما أزدادت تشنجات رأسها أضعافاً عن ذي قبل ، فالبداية كانت تتألم لثواني معدودة لكن الآن طالت المدة إلي أكثر من خمس دقائق تتمني فيهم الموت من فرط الألم التي لا تتحمله ..
_ لا يوجد لديها وقت لكي تعلم سبب تلك التشنجات فلقد بات ريان شاغلها الأساسي ولا تريد سوي رؤيته يتحسن ..
_ عم الحزن قلوب الجميع من خلف صحة ريان المتدهورة ، لا أحد يأكل لا احد يشرب فقط يصلون لله لكي يعود إليهم معافي كما كان ، لكن تلك اللعينة لا يوقفها شئ الأن تزداد حقداً وبغضاً كلما مرت عليها الأيام ، تلدغ زوجها بـ سُمها في كل آنٍ لكي لا يتنازل لشقيقه عن حقوقه ..
_ مكثت دينا طيلة الأسبوع عند عائلتها لعدم قدرتها علي الرجوع الي منزلها ، لقد طردتها رنا عندما عادت إليه وألقت أشيائهم خارج المنزل كما جلس ماهر عند أبنته هاجر غاضب من تصرف والدهُ ولا يريد الاحتكاك به بشتي الطرق ..
_ لا يكف خالد عن تأنيب نفسه ، يحمل ذاته جميع ما حدث ، لم يعد يعمل عند ذاك البغيض لكي لا يقوم بقتله كلما رآه يسير أمامه بكل وقاحة كما ظلت آية تأزره وترفع من معنوياته التي تنخفض كلما رأي تدهور صحه صديقه
_ طرق باب الغرفة ثم ولج خالد إلي الداخل مشكلاً إبتسامة متهكمة علي ثغره وأردف بنبرة ضعيفة :-
_السلام عليكم ، اخبار المعلم بتاعنا ايه ؟
_ تقوس ثغر عنود بإبتسامة لم تتعدي شفاها واجابته بنبرة راضية :-
_ الحمدلله علي كل حال
_ اقترب خالد من الطاولة ووضع الحقائب البلاستيكية عليها وردد :-
_ جايبلك كباب عارفك بتحبه!
_ شعرت عنود بالحماس وركضت نحو الحقائب وقامت بتفريغ الطعام ثم عادت إلي ريان وجلست أمامه مُشكلة إبتسامة عذبة علي محياها وأردفت بنبرة حنونة :-
_ ريحة الاكل حلوة اوي يلا بقا كُل عشاني
_ أدار ريان رأسه بتهكم بينما تصنعت عنود الحزن وهي تنهض :-
_ عرفت ان مليش خاطر عندك!
_ سرت رجفة مفاجأة في يديها اثر تشنجات رأسها التي تحدث لها مؤخراً وووقع الطعام أرضا رغماً عنها ، وضعت كلتي يديها محاوطة رأسها وظلت تضغط عليهم بشدة لكي توقف الألم لكن دون جدوي
_ ركض خالد نحوها كما اعتدل ريان في جلسته لكن لم يستطع التحدث وظل يرمقها بتوجس عارم ،
_ انتي كويسة ؟ هتف بهم خالد متسائلاً وهو يراها تشد علي رأسها بقوة بينما لم تعبأ عنود لسؤاله فهي لم تصغي له من الأساس ، ركضت إلي خارج الغرفة عندما فشلت في إيقاف ذلك الألم
_ نهض ريان خلفها بصعوبة في سيره ، اقترب منه خالد يريد معاونته لكنه رفض ودلف الي الخارج بمفرده ، تبعه خالد ربما يحتاج أحدهم إلي مساعدة ، وقف أمامها وهي جالسة علي مقعد الإنتظار واضعة يديها أمام وجهها وتبكي بألم ..
_ جلس بجوارها وأبعد يديها عن وجهها ، هز رأسه متعجباً من حالتها بينما أردفت هي :-
_ أنا كويسة وهكون كويسة اكتر لو أكلت
_ هز رأسه بالإيجاب فتقوس ثغرها بإبتسامة ثم نهضت وساعدته علي دخول الغرفة ، واحضرت طعام آخر له وبدأت تطعمه في فمه قِطعً صغيرة للغاية لكي يسهل عليه مضغها ، بينما جلس خالد يراقب ما يحدث في صمت عكس البركان الذي يثور داخله ..
_ أنهت طعامه وابتسمت بسعادة غامرة دقت طبول قلبها وأردفت :-
_ الحمد لله ، يلا بقا نجهز عشان نمشي
_ خفق قلب ريان خوفاً من مواجهة الحياة بعد ما حدث ، كيف لا يخاف وشقيقه قد سرق جميع ثروته واستحل ماله ، فكيف للآخرين أن يفعلوا به ؟
_ لاحظت عنود تشنج ملامحه وربتت علي يده تأزره بينما نهض خالد واقترب منهم واردف :-
_ هتيجي تقعد عندي
_ رفع ريان بصره عليه بأسي ثم اخفض رأسه بحزن قد عم قلبه ، شعور مبهم يشعر به لا يستطيع وصفه لكن يسبب له الشفقة علي ما حاله ، أسرعت عنود قائلة :-
_ لا إحنا هنروح بيتنا ..
_ رمقها خالد بغرابة وردد متعجباً :-
_ بيتكم!
_ أماءت عنود رأسها وأردفت موضحة :-
_ علي أجر لنا بيت..
_ رفع ريان بصره عليها ويريد الصراخ ، لا يتقبل مايحدث ويأبي عقله تصديق حديثهم الذي يردفونه بسهولة دون رأفة لمشاعره
_ استشفت عنود ضيقه وتابعت حديثها مضيفة :-
_ دي فلوس بيتنا في امريكا طول الفترة اللي فاتت مكنتش محتاجة اصرف منهم ووقتهم جه خلاص بس طبعاً حضرتك هترجعهم لي بعدين مش هستني عليهم كتير
_ أردفت جملتها الأخيرة بمزاح لعلها تحسن من صفوه قليلاً ، تنهد ريان ببعض الراحة لكون المال عائد لزوجته وليس لأحد اخر علي الرغم من عدم استيعابه لخسارة ثروته بعد ، أوصد عينه لا يريد النظر إليهم بتلك الحالة التي هو عليها ..
_ انتظر خالد بقية اليوم معهم ، بينما استأذنت عنود للخروج من الغرفة وعزمت أن تعرض نفسها علي الطبيب لكي تعلم ما خلف تلك التشجنات اللعينة
_ طلب منها الطبيب عمل بعض الفحوصات لكي يطمئن علي حالتها الصحية بصورة واضحة ، شكرته عنود وذهبت إلي الطبيب النفسي الذي يتابع حالة ريان ، جلست أمامه وهي تفرك أصابعها بتوتر شديد وأردفت متسائلة :-
_ النهاردة هنخرج وانا مش عارفة هتعامل مع ريان ازاي في حالته دي ده مش رافض اكل وشرب بس ده رافض الحياة كلها ، أنا خايفة أفشل اتعامل معاه وحالته تسوء اكتر بسببي
_ تنهد الطبيب ثم ارتشف القليل من القهوة واجابها بنبرة عملية :-
_عقله لسه مش مستوعب التحول الكبير اللي حصله وهياخد فترة علي لما يتأقلم علي الوضع ، الفترة ممكن تطول وممكن لأ وده هيرجع للبيئة المحاوطة ليه
_ صمت الطبيب ثم سألها بخجل :-
_ هو حضرتك عندك كام سنة ؟
_ أجابته عنود بإرتباك خجل :-
_ ١٨
_ ظهرت علامات الذهول علي تعابير الطبيب لكنه حاول قدر المستطاع أن يبدو طبيعي ، أزفر أنفاسه وانهي قهوته لكي يفصل عقله قليلا ويعود لحديثه بطبيعته التي كان عليها ، استشفت عنود صدمته من عمرها الصغير ولم تستطيع تفسير إلي ماذا تعود تلك الصدمة ، خرجت من شرودها من صوته وهو يتابع حديثه مضيفاً :-
_ أكيد بتدرسي ؟
_ ردت عليه عنود بحماس :-
_ أيوة بدرس وقبل اللي ما يحصل اللي حصل ريان قالي أنه قدم معايا في نفس الكلية لأنها كانت حلمه ولظروف معينة مقدرش يدخلها ..
_ تقوس ثغر الطبيب بإبتسامة عريضة وردد بحماس :-
_ تمام اوي إحنا هنلعب علي الوتر ده ، طلاما حلمه يبقي انتي كل اللي عليكي تشجعيه أنه يكمل فيه أكيد هتلاقي صعوبة في الأول بس مع الضغط الغير مباشر عليه هيبدأ يركز مع حلمه ويتأقلم علي الوضع الجديد اللي حصله ، وحاجات كتير غير التعليم تحاولي توفريهاله ، أكيد انتي عارفة هو بيحب إيه وايه هوياته حاولي علي قد ما تقدري تخليه يركز مع كل اللي بيحبه وانا هتابع معاكي كل فترة نشوف اتحسن كام ٪
_ هزت عنود راسها ونظرت إليه بإمتنان :-
_ Thanks you دكتور
_ دلفت عنود الي الخارج مطأطأ الرأس تشعر بخيبة أمل كبيرة ناهيك عن طاقتها التي لم يعد لها أثر ، فكيف لها علي مواصلة الحياة القادمة و اعطاء ريان كل الدعم وهي من بحاجة إلي من يدعمها أولاً ..
_ تفاجئت بوجود هالة أمامها تبتسم كعادتها في تلك الأيام التي لم تتركها بمفردها قط ، تأتي كل يوم بعدما تنهي يومها الدراسي لكي تطمئن علي حالتها وتكون عوناً لها إن أردات أن تنهار ، فلتنهار بين أحضانها وتعود لزوجها اقوي مما كانت عليه بسبب عناق هالة لها ..
_ تنهدت عنود بآسي وبدون بذل مجهود سارت ببطئ نحو هالة وألقت بنفسها بين أحضانها التي هي بمثابة الجدار الخرساني التي تستند عليه ، حاوطتها هالة بحب وملست علي حجابها ورددت هاتفة :-
{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ}
_ ابتعدت عنها عنود وظلت ترمقها بإمتنان شديد ثم سارت بجوارها وأردفت :-
_ اللي جاي صعب اوي وحاسة أني مش هقدر انجح لوحدي!
_ شدت هالة علي يد عنود وهتفت قائلة :-
_ ومين قالك أنك هتكوني لوحدك وانا روحت فين ؟
_ انسدلت بعض القطرات من عيناي عنود وأردفت بحزن :-
_ عارفة انك جنبي ، بس مش هتكوني جنبي وانا بعافر مع ريان عشان ياكل ويشرب ويرجع لحياته ، مش هتكوني جنبي وانا بحاول أرجع له ثقته بنفسه وبلي حواليه حاجات كتير اوي هترهقني مش عارفة هكون قدها ولا لأ ، خايفة أضعف وبدل ما أكون سبب في تحسن حالته ازيدها سوء ..
_ توقفت عنود عن السير واستنشقت بعض الهواء ورددت :-
_ أنا خايفة ومش مستعدة
_ طالعتها هالة لبرهة وأردفت بثقة :-
_ انتي قدها واعتبريه اختبار من ربنا عشان يشوف قوة إيمانك بيه قد ايه!
_ إلتوي ثغر عنود بإبتسامة ثم عانقت هالة بشدة كأنها تستمد منها القوة والدعم النفسي ثم ابتعدت عنها ونظرت إلي باب غرفة ريان بينما رددت هالة :-
_ أنا هنا لو احتجتيني ..
_ هزت عنود راسها بإيماءة خفيفة ثم ولجت الي الداخل ، تفاجئت بوقوف ريان في شرفة الغرفة ، أبتسمت بسعادة وسارت نحوه بخطي مهرولة ، عانقته بقوة من ظهره ، تفاجئ خالد من تصرفها العفوي وأدار رأسه للجانب يشاهد ما يحدث إلي الأسفل بينما انتبهت عنود لوجود خالد وابتعدت عن ريان بخجل شديد ..
_ حاوط ريان كتفها بذراعه وضمها لحضنه برفق لكي يقلل من خجلها ويشعرها بأن الأمر طبيعي ليس إلا ، تنهدت عنود ببعض الراحة لكن لم يخلو جوفها من الخجل ، رفعت رأسها علي ريان ورددت متسائلة :-
_ نمشي؟
_ هز ريان رأسه بموافقة ثم توجه إلي الداخل كما تبعاه عنود وخالد ، انتهت عنود من تجهيز أشيائهم ثم نظرت إلي الغرفة بنظرة متفحصة وعادت ببصرها نحو ريان وهتفت :-
_ يلا نمشي
_ حمل خالد الحقائب بدلاً عنها بينما سارت هي بجوار ريان ممسكة بيده ، نهضت هالة من جلستها ما أن رأتهم وشكلت إبتسامة خجولة علي ثغرها وأردفت :-
_ حمدلله علي سلامة حضرتك
_ كم أراد ريان البكاء في تلك اللحظة ، يشعر بالشفقة الشديدة حياله ، كأنه يقف عاري أمام الجميع كيف سيصمد مع الكم الهائل الذي سيواجهه مستقبلاً ؟
_ اكتفي ريان بهز رأسه كما لاحظت عنود سرعة سيره التي ازدادت كما لو أنه يهرب من شئ ما ، تفهمت وضعه وسارت خلفه بخطي مهرولة لكي تلحق به ، ركب ريان سيارة خالد ما أن وصل إليها دون أن ينظر خلفه ، أستدارت عنود بجسدها نحو هالة وأردفت :-
_ تعالي نوصلك في طريقنا
_ هزت هالة رأسها برفض بينما أصرت عنود عليها إلي أن وافقت هالة ، ركبت كلتاهما السيارة في هدوء طال إلي وصولهم لمنزل هالة ، تفاجئ ريان بنزول عنود هي الأخري معها وفتحت بابه وأردفت :-
_ البيت هنا!
_ ترجل ريان من السيارة مطأطأ الرأس ، شعرت عنود بالألم حياله لا تريد أن تري تلك النظرة في عينيه تريده أن يتحسن فقط ، يبدو أن الطريق صعب للغاية لكن عليها الإستمرار بكل قوتها إلي أن يتحسن ويعود كما كان أو ربما يفوق حالته السابقة وتجعل منه إنساناً آخر أفضل عن ذي قبل ..
_ ولج الجميع داخل منزل ريان وعنود الجديد وتفاجئ ريان بفرشه بالكامل بفرش منزلهم السابق ، استدار بجسده نحو عنود التي أبتسمت بسعادة وأردفت موضحة :-
_ كنت بخطف كل يوم ساعتين وانت نايم واجي افرش البيت مع هالة أنا عملت فيه حاجات حلوة اوي أكيد هتعجبك!
_ تنهد ريان بآسي وتوجه الي أقرب أريكة وألقي بجسده المنهمك عليها بارهاق ، بينما استأذنت هالة وهمت بالمغادرة وهي متحمسة بشدة لكون صديقتها المقربة انتقلت إلي المنطقة ذاتها التي تقطن بها وسيسهل عليها رؤيتها كلما أردات دون عائق امامها ، ودعتها عنود كما غادر خالد هو الآخر لكي يُحضر بعض المستلزمات إليهم ..
_ أغلقت عنود الباب ونظرت إلي ريان بحماس شديد ، اقتربت منه بخطي متمهلة ثم وقفت أمامه وامسكت بيده وأردفت :-
_ اتفضل قوم عشان ورانا حاجات كتير هنعملها
_ هز ريان رأسه بعدم فهم فتابعت موضحة :-
_ أول حاجة هنصلي شكر لربنا أنك كويس ورجعت البيت ، تاني حاجة هنبدأ نعمل التمارين اللي الدكتور قالنا عليها ، تالت حاجة ها....
_ صمتت عندما لم تجد ما تردفه ، رفعت بصرها عليه وانفجرت ضاحكة وهتفت :-
_ التالت يجي بظروفه
_ شدت يده بالقرب منها لكي ينهض لكنه جذبها نحوه فتعرقلت قدميها ووقعت علي قدمه ، أجبرت يدها علي محاوطة عنقه لكي تثبت حركتها ، شعرت بأنفاسه تضرب وجهها فشعرت بالارتباك القوي يعصف بخلاياها كأنها تجرب شعورهما الأول ثانيةً
_ تسارعت ضربات فؤادها بعنف كما ازدردت ريقها بتوتر ، شعر ريان لوهلة بأنه يعيش لحظاتهم الأولي مرة أخري ولا يدري لما تسلل شعور السعادة داخله ، شعور غريب قد تغلغل بداخله عندما استشف خجلها منه ، هو يريدها دائما بريئة عفوية هكذا معه ، يشعر بالإستمتاع كمراهق يخوض تجاربه الأولي مع فتاتة!
_ نهض بصعوبة قد واجهته لكنه صمد الي أن نهض وهي لازالت بين أحضانه متشبثة في عنقه ، حاوطت خصره بينما سار هو بها الي الأمام قليلاً ولم يستطيع الصمود لأكثر وأنزلها ثم أشار إليها بالبدء فيما تود فعله ، أبتسمت هي وشرعت في الوضوء كما فعل هو الآخر وبدأ كليهما في الصلاة ..
_ تفاجئ ريان بزواية صغيرة خصصتها هي للصلاة ، واضعة سجادتين خلف بعضهما ليكون هو إمامها دوماً في كل صلاة ،
_ أنهي صلاته أولاً ثم ظل يطالعها بنظراته المتعجبة من إطالة مدة صلاتها بالأخير هم الركعتان ذاتهم الذي قام بأدائهما ، أنهت هي صلاتها ونظرات إليه وبادلته ابتسامة عريضة لكونه يطالعها بعذوبة ، اقتربت منه بعد أن خلعت ثوبها وبدأت تحرك فمها بحركات معينة لحالته كما فعل الطبيب أمامها من قبل ..
_ واجه ريان صعوبة بالغة في الحركة لكنه لم ييأس وتابع بكل جهده لكي يعود لطبيعته في اسرع فرصة ، فقط يريد إستعادة حقوقه فهو لن يصمت طويلاً ..
_ توقفت عنود عما تفعله عندما رأت الصعوبة البالغة الذي يواجهها وأردفت بنبرة أنثوية رقيقة :-
_ كفاية كده النهاردة
_ نهضت هي وبدلت ثيابها كما تعمدت اختيار ثوب متحرر ربما يساعده في تحسن حالته ، للمرة الأولي بدلت ثيابها أمامه ، كم تبدو هادئة وطبيعية علي عكس ما تشعر به داخلها ، يزداد خجلها أضعافاً كلما وقع بصرها عليه ورأته يتابعها باهتمام
_ أوصدت عينيها وابتلعت ريقها في محاولة منها علي الارتخاء ، أنه أمر طبيعي بين رجل وامرأته ، ظلت تردد تلك الكلمات في عقلها ربما تهدئ من روعها لكن دون جدوي ، وها قد أجبرت قدميها علي التحرك نحو المرآة وحررت خصلاتها ، تلاعبت بهم قليلا إلي أن بات وضعهم مثير بعض الشئ ، أمسكت من انينة عطرها التي تحبه ووضعت قدراً علي ثائر جسدها ثم استنشقت أكبر قدر من الهواء واستدارت بجسدها نحوه ،
_ سارت بالقرب منه بخطي متمهلة خجولة ، انحنت بجسدها لتكون في نفس مستواه فهو لازال يجلس أرضاً ، إلتوت شفاها علي الجانب مُشكلة إبتسامة متعجبة من أمره واردفت بدلال :-
_ أنت حبيت القاعدة عندك ولا إيه ؟
_ هز ريان رأسه مؤكداً حديثها بينما اقتربت هي أكثر وبدأت في فك أزرار قميصه ذات اللون الأسود ، رفض أن يرتدي شئ سوي بنطال قطني ونهض معها ، جلس علي الفراش وجذبها من يدها وأجبرها علي الجلوس علي قدمه ، أسند جبينه علي جبينه وهو ممسك بعنقها ، أخرج تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم والحزن استشفتها هي من فرط حرارتها ..
_ ابتلعت ريقها وهتفت بدعم :-
_ لعل الخير يكمن في الشر !
_ للمرة الثانية على التوالي تهتف بتلك الجملة التي لم يفهم أي خير فيها ؟ لقد خسر الشئ الوحيد الذي اكتسبه من خسارة جميع أمنياته وأحلامه ، أين الخير التي تتحدث عنه ؟
_ تنهدت عنود وابتعدت قليلا وأردفت بخجل :-
_ { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } أكيد في خير ورا اللي حصل انت مش عارفه
_ أبعد نظره بعيداً عنها فاجبرته هي علي الالتفاف إليها مرة أخري وهمست أمام شفاه :-
_ بحبك
_ رمش بعيناه يبادلها الكلمة لكنها أبت وعقدت حاجبيها بتذمر :-
_ عايزة اسمعها!
_ هز ريان رأسه مستنكراً طلبها ، فأسرعت هي بالحديث وقالت متفهمة :-
_ خلاص متتعصبش عليا!
_ سحبت نفساً عميق واقتربت منه بحميمية ، توقفت حينما سمعت قرع الباب ، أوصدت عينيها في محاولة منها علي التأقلم ثم ابتسمت له ونهضت ، لكنه سرعان ما أمسك بيدها ودلف هو الي الخارج ، فتح الباب وإذا بها دينا تقف أمامه بآسي كبير ، رأي وميض غريب في عينيها كأنها تلومه علي شئ ما لكن ما هو ؟
_ سمح لها بالدخول فتبعته هي الي الداخل وهي ترمق المنزل باهتمام ، التفتت ريان إليها ولم يصدر أي تصرف يدل علي رفضه لها كما كان يفعل مسبقاً ، أخرجت دينا تنهيدة بطيئة مليئة بالشوق والافتقاد إليه ، تقوس ثغرها بإبتسامة ثم سارت نحوه وعانقته بكل ما أوتيت من قوة !
_ حاوطها ريان بذراعيه يبادلها العناق فهو كان قاسِ بعض الشئ في الأيام الأخيرة ولابد أن يصلح ما اقترفه حتي وان لا يروق له ما يحدث ، لا يريد تعكير عناق صغيرته بعناق آخر ، يريد لمساتها فقط دون غيرها لكن هيهات للاقدار لا تأتي دائما كما نتمني ..
_ أغلقت عنود الباب ما إن وقع بصرها علي وضعهم الحميمي للغاية بالنسبة لها ، تريد الخروج وأخذ مستحقاتها ، نعم هو ملكيتها وحدها ولا تريد ملامسة غيره له ، هو لها فقط ليس من حق أي شخص آخر !!
_ ازدادت غيرتها أضعافاً كلما فشلت في استعادته إليها ، كلما تتذكر أنها ليست وحدها من لها الحق فيه تزداد غضباً ، تود أن تثور بكل قوتها لكن لا تستطيع ، ليس لديها القدرة ولا الأحقية في فعل أي شئ سوي البكاء ..
_ بكاء ماذا؟ البكاء قليل في تلك الأثناء ، البكاء فعل بسيط عكس ما تشعر به داخلها ، حسناً تريد أن تنفجر وليس فقط ازدراف بعض الدموع السخيفة ..
_ ارتفع أنينها لكن ليس من الغضب بل من فرط الألم التي تشعر به ، يكاد يفتك برأسها من شدته ، تتمني الموت أهون من تلك التشنجات التي تزداد وتزداد ، ولج ريان داخل الغرفة اثر صراخها الذي لا يتوقف قط ، ركض نحوها بذعر ولعن مرضه الذي يمنعه عن التحدث معها ..
_ أمسك بذراعيها يجبرها علي التوقف لكنها ابتعدت عنه لا تتحمل ذاك الألم اللعين ، لا تتحمل قبضته عليها يكفي ألم رأسها ..
_ هدوء حل فجاءة في الغرفة ، وقعت عنود أرضاً تبكي في صمت ، لا تدري ما الذي يحدث لها ، لا تريد أن يتكرر ثانيةً ، تريد فقط بعض الراحة ..
_ لم يقدر ريان علي التحرك من مكانه ، تجمدت قدميه في الأرض من شدة خوفه عليها ، شعر بالخذلان الشديد لكونه لم يستطيع إنقاذها ولا حتي تقديم المساعدة لها ، كما أنه لم يكن لديه القدرة أن يسألها مابها !
_ ظل يطالعها من علي بعد ثم سار بالقرب منها بخطي متمهلة ، جلس أمامها وأزاح يديها من أمام وجهها ووضع قبلاته داخل كفوفها ، رفع وجهها بيده ليكون في مستوي وجهه ، عقد حاجبيه يحثها علي التحدث لكنها رفضت ورفعت بصرها علي دينا الواقفة خلفه
_ ربما استشف حالتها الان ، تنهد وجذبها الي حضنه بحذر ، لم تقاومه هي بل استكانت بين أضلعه ربما شعور الغيرة يهدأ قليلاً ، لم تتحمل دينا ما يحدث ودلفت الي الخارج سريعاً ، قرع الباب وقامت هي بفتحه وإذا بها هاجر وزوجها وخلفهم العم ماهر و يحيي ،
_ جلس الجميع في ردهة المنزل الصغيرة يتناولان أطراف الحديث لحين ظهور ريان ، نهض ريان وارتدي بقية ثيابه ودلف الي الخارج ، رحب به الجميع وتمنوا له الشفاء العاجل ، جلس ريان في منتصف علي أريكة لفردان ، ركضت دينا نحوه وجلست بجواره قبل أن تأتي تلك التعيسة وتحظي بقربه ، يكفي سخافة لهذا الحد فهو ملكها أيضاً ..
_ دلفت عنود الي الخارج ورحبت بالجميع وكذلك فعلو هم ، تفاجئت بعدم وجود مكان لها بينهم ، أطالت النظر نحو ريان وزوجته التي انتهزت الفرصة وجلست بجواره ، سحبت نفساً عميق ثم انسحبت من بينهم بهدوء وولجت داخل المطبخ تبحث عن شئ تقدمه لهم لكن لا يوجد ، تأففت بضجر بائن واوصدت عينيها بعصبية ، خرجت من حالتها علي قرع الباب ،
_ كادت أن تدلف للخارج لكن يحيي قام بفتح الباب ، وقفت مكانها وإذ به خالد وزوجته ، ألقي عليهم التحية ثم رمق المنزل سريعاً إلي انا وقع بصره علي عنود ، توجه نحوها ووضع الحقائب التي يحملها أرضاً ثم اعتدل في وقفته يلتقط أنفاسه ..
_ تقوس ثغر عنود بإبتسامة خجولة وأردفت بحرج بائن :-
_ أنا مش عارفة اقولك ايه ، أنا ملقتش حاجة اقدمها بجد Thank you
_ تقوس ثغر خالد بإبتسامة متهكمة وأردف بخجل :-
_ ده من بعد خير ريان
_ ظهرت أية من خلفه مُشكلة إبتسامة علي محياها علي عكس عادتها ، تنهدت وهتفت بنبرة عفوية :-
_ حمد لله علي سلامة ريان يا ربنا يعدي الأزمة دي علي خير
_ بادلتها عنود ابتسامة عذبة ومن ثم دلف خالد إلي الخارج بينما رافقت أية عنود وأصرت أن تساعدها في تحضير الحلوي والعصائر للجميع ، انتهوا من التحضيرات ودلفت كلتاهما الي الخارج وقامتَ بضيافة الجميع
_ جلست أية بجوار زوجها بينما لم تجد عنود مآوي لها ، سحبت نفساً وهي تطالع الجميع في حرج ومن ثم انسحبت إلي داخل غرفتها في هدوء ، كانت تتابعها أية بشفقة من بينهم فكان الجميع مشغولون في إعطاء آرائهم السخيفة بالنسبة لريان فأول من تحدث كان يحيي وهو يضع مفتاح سيارته علي الطاولة أمام ريان :-
_ خد العربية أنا مش محتاجها
_ أضاف علي علي حديث يحيي :-
_ الفيزا بتاعتي أهي أنا مش محتاجها معايا فلوس في البيت اقدر امشي بيهم !
_ أسرعت هاجر بالحديث قائلة وهي تضع حزمة من النقود علي الطاولة :-
_ الفلوس اللي كنت بتديهالي مكنتش بعمل بيها اي حاجة لاني مكنتش محتجاها يمكن ده تدبير ربنا عشان يرجعوا ليك تاني
_ تنهد خالد مستاءً من هرائتهم ، بالتأكيد سينفجر ريان بهم في أي لحظة ، فليس من السهل بعد أن كان هو عائلهم تنقلب الآية ويريدون هم أن يعولوه ، الأمر ليس بهين عليه ولا علي بشر ..
_ إلتوي ثغر ريان الي الجانب مُشكلاً ابتسامة ساخرة مما يحدث ، سحب نفساً عميق ثم نهض دون أن يردف بشئ يدل حتي علي غضبه وولج داخل غرفته الجديدة ، وما إن أوصد الباب خلفه حتي انهال علي جميع ما في الغرفة حتي باتت حُطاماً ..
_ كانت تجلس عنود علي الفراش واضعة يديها علي وجهها متوجسة خيفة من غضبه المفاجئ ، لم تتوقع ثورته الآن وليست أي ثورة لقد شعرت لوهلة أنها لا تعرف من يكون هو ، ابتلعت ريقها مراراً عندما توقف عن تحطيم الأشياء ، أبعدت يديها بتهمل عن وجهها ورمقته بتوجس ، أتسعت مقلتيها بصدمة عندما رأت الدماء تنسدل من يديه
_ لم تنتظر مكانها وركضت مهرولة نحوه ، أمسكت بيده وهتفت بخوف شديد :-
_ ليه كده ليه ؟
_ رفعت بصرها عليه وقد ترقرت العبرات من عينيها وصاحت معاتبة :-
_ مش هقدر اشيل الازاز ده هنادي حد يجي يشيله!
_ هز رأسه رافضاً فكرتها وسحب يده وابتعد عنها ، جلس علي الفراش يطالع يده بعدم شفقة علي حاله ، تنهدت مستاءة هي من تصرفه ورفضه الذي ليس في محله الآن ، استشنفت اكبر قدر من الهواء ثم اقتربت منه ، جلس بجوارها وأمسكت يده وبدأت تزيل قطع الزجاج المحطم المتناثر في يده ، كان يخفق قلبها بشدة كلما أزالت قطعة زجاج وشعرت بألمه وكأن الزجاج بيدها هي وليس هو ..
_ انتهت مما تفعله ولن تشعر بدموعها التي انسدلت رغماً عنها ، لا تدري حقيقتها هل لأنها انتهت مما تفعله بسلام أم لرؤيته يتألم أم لانها تشعر بضعفها الذي يزداد كلما مر الوقت عليها بجواره ؟!
_ في الخارج ، كانت أنظار الجميع مُعلقة علي باب الغرفة الذي اختفي خلفها ريان ، نهض خالد ونظر إليهم وهتف عالياً معاتباً إياهم :-
_ بصراحة اللي حصل غلط وملوش لزوم ، الراجل طول عمره بيعطي من غير مقابل ليه بس تعملوا كده ، عارف ان نيتكم كويسة وقاصدين المساعدة بس انتوا لسه متعرفوش ريان نفسه عزيزة قد ايه ، لسه متعرفوش أنه عمره ما هياخد حاجة من حد حتي لو هياكل عيش حاف ، لسه معرفتوش أنه اتعود يكسب من عرق جبينه وياكل من تعب ايده وبس!
_ أخفض خالد رأسه بحزن شديد كما لم يستطيع أحد النظر في أعين الآخر خجلاً مما فعلوه ، ربما نواياهم حسنة لكن الطريقة حتماً خاطئة ، خالد محق فيما قاله لكن كيف سيصلحوا ما اقترفوه ؟
_ غادر الجميع المنزل عندما تأكدوا من عدم خروج ريان لهم مرة أخري ، بات المنزل خالياً الا من ريان وعنود ، وضع ريان رأسه علي قدميها بينما بدأت هي تتلوا آيات عديدة من القرآن لكي تكن له دعماً ..
الفصل الثاني والثلاثون ..
___________________________________
_ مر اسبوع علي مكوث ريان في المشفي وقد حان ميعاد خروجه ، لم يتغير وضعه كثيراً لا يريد التحدث مع أحدهم ولا يسمح إليهم بالاقتراب منه عدا عنود ، حالته الصحية تزداد سوءاً عن ذي قبل ويرفض اي تدخل طبي ناهيك عن رفضه لأي طعام ، فقط يرتشف القليل من المياه إن شعر بجفاف حلقه ، خسر الكثير من الوزن وبات نحيفاً هذيل الجسد
_ ساءت حالة عنود للغاية لعدم استجابته لأي مساعدة من الجميع حتي طبيبه النفسي ، كما أزدادت تشنجات رأسها أضعافاً عن ذي قبل ، فالبداية كانت تتألم لثواني معدودة لكن الآن طالت المدة إلي أكثر من خمس دقائق تتمني فيهم الموت من فرط الألم التي لا تتحمله ..
_ لا يوجد لديها وقت لكي تعلم سبب تلك التشنجات فلقد بات ريان شاغلها الأساسي ولا تريد سوي رؤيته يتحسن ..
_ عم الحزن قلوب الجميع من خلف صحة ريان المتدهورة ، لا أحد يأكل لا احد يشرب فقط يصلون لله لكي يعود إليهم معافي كما كان ، لكن تلك اللعينة لا يوقفها شئ الأن تزداد حقداً وبغضاً كلما مرت عليها الأيام ، تلدغ زوجها بـ سُمها في كل آنٍ لكي لا يتنازل لشقيقه عن حقوقه ..
_ مكثت دينا طيلة الأسبوع عند عائلتها لعدم قدرتها علي الرجوع الي منزلها ، لقد طردتها رنا عندما عادت إليه وألقت أشيائهم خارج المنزل كما جلس ماهر عند أبنته هاجر غاضب من تصرف والدهُ ولا يريد الاحتكاك به بشتي الطرق ..
_ لا يكف خالد عن تأنيب نفسه ، يحمل ذاته جميع ما حدث ، لم يعد يعمل عند ذاك البغيض لكي لا يقوم بقتله كلما رآه يسير أمامه بكل وقاحة كما ظلت آية تأزره وترفع من معنوياته التي تنخفض كلما رأي تدهور صحه صديقه
_ طرق باب الغرفة ثم ولج خالد إلي الداخل مشكلاً إبتسامة متهكمة علي ثغره وأردف بنبرة ضعيفة :-
_السلام عليكم ، اخبار المعلم بتاعنا ايه ؟
_ تقوس ثغر عنود بإبتسامة لم تتعدي شفاها واجابته بنبرة راضية :-
_ الحمدلله علي كل حال
_ اقترب خالد من الطاولة ووضع الحقائب البلاستيكية عليها وردد :-
_ جايبلك كباب عارفك بتحبه!
_ شعرت عنود بالحماس وركضت نحو الحقائب وقامت بتفريغ الطعام ثم عادت إلي ريان وجلست أمامه مُشكلة إبتسامة عذبة علي محياها وأردفت بنبرة حنونة :-
_ ريحة الاكل حلوة اوي يلا بقا كُل عشاني
_ أدار ريان رأسه بتهكم بينما تصنعت عنود الحزن وهي تنهض :-
_ عرفت ان مليش خاطر عندك!
_ سرت رجفة مفاجأة في يديها اثر تشنجات رأسها التي تحدث لها مؤخراً وووقع الطعام أرضا رغماً عنها ، وضعت كلتي يديها محاوطة رأسها وظلت تضغط عليهم بشدة لكي توقف الألم لكن دون جدوي
_ ركض خالد نحوها كما اعتدل ريان في جلسته لكن لم يستطع التحدث وظل يرمقها بتوجس عارم ،
_ انتي كويسة ؟ هتف بهم خالد متسائلاً وهو يراها تشد علي رأسها بقوة بينما لم تعبأ عنود لسؤاله فهي لم تصغي له من الأساس ، ركضت إلي خارج الغرفة عندما فشلت في إيقاف ذلك الألم
_ نهض ريان خلفها بصعوبة في سيره ، اقترب منه خالد يريد معاونته لكنه رفض ودلف الي الخارج بمفرده ، تبعه خالد ربما يحتاج أحدهم إلي مساعدة ، وقف أمامها وهي جالسة علي مقعد الإنتظار واضعة يديها أمام وجهها وتبكي بألم ..
_ جلس بجوارها وأبعد يديها عن وجهها ، هز رأسه متعجباً من حالتها بينما أردفت هي :-
_ أنا كويسة وهكون كويسة اكتر لو أكلت
_ هز رأسه بالإيجاب فتقوس ثغرها بإبتسامة ثم نهضت وساعدته علي دخول الغرفة ، واحضرت طعام آخر له وبدأت تطعمه في فمه قِطعً صغيرة للغاية لكي يسهل عليه مضغها ، بينما جلس خالد يراقب ما يحدث في صمت عكس البركان الذي يثور داخله ..
_ أنهت طعامه وابتسمت بسعادة غامرة دقت طبول قلبها وأردفت :-
_ الحمد لله ، يلا بقا نجهز عشان نمشي
_ خفق قلب ريان خوفاً من مواجهة الحياة بعد ما حدث ، كيف لا يخاف وشقيقه قد سرق جميع ثروته واستحل ماله ، فكيف للآخرين أن يفعلوا به ؟
_ لاحظت عنود تشنج ملامحه وربتت علي يده تأزره بينما نهض خالد واقترب منهم واردف :-
_ هتيجي تقعد عندي
_ رفع ريان بصره عليه بأسي ثم اخفض رأسه بحزن قد عم قلبه ، شعور مبهم يشعر به لا يستطيع وصفه لكن يسبب له الشفقة علي ما حاله ، أسرعت عنود قائلة :-
_ لا إحنا هنروح بيتنا ..
_ رمقها خالد بغرابة وردد متعجباً :-
_ بيتكم!
_ أماءت عنود رأسها وأردفت موضحة :-
_ علي أجر لنا بيت..
_ رفع ريان بصره عليها ويريد الصراخ ، لا يتقبل مايحدث ويأبي عقله تصديق حديثهم الذي يردفونه بسهولة دون رأفة لمشاعره
_ استشفت عنود ضيقه وتابعت حديثها مضيفة :-
_ دي فلوس بيتنا في امريكا طول الفترة اللي فاتت مكنتش محتاجة اصرف منهم ووقتهم جه خلاص بس طبعاً حضرتك هترجعهم لي بعدين مش هستني عليهم كتير
_ أردفت جملتها الأخيرة بمزاح لعلها تحسن من صفوه قليلاً ، تنهد ريان ببعض الراحة لكون المال عائد لزوجته وليس لأحد اخر علي الرغم من عدم استيعابه لخسارة ثروته بعد ، أوصد عينه لا يريد النظر إليهم بتلك الحالة التي هو عليها ..
_ انتظر خالد بقية اليوم معهم ، بينما استأذنت عنود للخروج من الغرفة وعزمت أن تعرض نفسها علي الطبيب لكي تعلم ما خلف تلك التشجنات اللعينة
_ طلب منها الطبيب عمل بعض الفحوصات لكي يطمئن علي حالتها الصحية بصورة واضحة ، شكرته عنود وذهبت إلي الطبيب النفسي الذي يتابع حالة ريان ، جلست أمامه وهي تفرك أصابعها بتوتر شديد وأردفت متسائلة :-
_ النهاردة هنخرج وانا مش عارفة هتعامل مع ريان ازاي في حالته دي ده مش رافض اكل وشرب بس ده رافض الحياة كلها ، أنا خايفة أفشل اتعامل معاه وحالته تسوء اكتر بسببي
_ تنهد الطبيب ثم ارتشف القليل من القهوة واجابها بنبرة عملية :-
_عقله لسه مش مستوعب التحول الكبير اللي حصله وهياخد فترة علي لما يتأقلم علي الوضع ، الفترة ممكن تطول وممكن لأ وده هيرجع للبيئة المحاوطة ليه
_ صمت الطبيب ثم سألها بخجل :-
_ هو حضرتك عندك كام سنة ؟
_ أجابته عنود بإرتباك خجل :-
_ ١٨
_ ظهرت علامات الذهول علي تعابير الطبيب لكنه حاول قدر المستطاع أن يبدو طبيعي ، أزفر أنفاسه وانهي قهوته لكي يفصل عقله قليلا ويعود لحديثه بطبيعته التي كان عليها ، استشفت عنود صدمته من عمرها الصغير ولم تستطيع تفسير إلي ماذا تعود تلك الصدمة ، خرجت من شرودها من صوته وهو يتابع حديثه مضيفاً :-
_ أكيد بتدرسي ؟
_ ردت عليه عنود بحماس :-
_ أيوة بدرس وقبل اللي ما يحصل اللي حصل ريان قالي أنه قدم معايا في نفس الكلية لأنها كانت حلمه ولظروف معينة مقدرش يدخلها ..
_ تقوس ثغر الطبيب بإبتسامة عريضة وردد بحماس :-
_ تمام اوي إحنا هنلعب علي الوتر ده ، طلاما حلمه يبقي انتي كل اللي عليكي تشجعيه أنه يكمل فيه أكيد هتلاقي صعوبة في الأول بس مع الضغط الغير مباشر عليه هيبدأ يركز مع حلمه ويتأقلم علي الوضع الجديد اللي حصله ، وحاجات كتير غير التعليم تحاولي توفريهاله ، أكيد انتي عارفة هو بيحب إيه وايه هوياته حاولي علي قد ما تقدري تخليه يركز مع كل اللي بيحبه وانا هتابع معاكي كل فترة نشوف اتحسن كام ٪
_ هزت عنود راسها ونظرت إليه بإمتنان :-
_ Thanks you دكتور
_ دلفت عنود الي الخارج مطأطأ الرأس تشعر بخيبة أمل كبيرة ناهيك عن طاقتها التي لم يعد لها أثر ، فكيف لها علي مواصلة الحياة القادمة و اعطاء ريان كل الدعم وهي من بحاجة إلي من يدعمها أولاً ..
_ تفاجئت بوجود هالة أمامها تبتسم كعادتها في تلك الأيام التي لم تتركها بمفردها قط ، تأتي كل يوم بعدما تنهي يومها الدراسي لكي تطمئن علي حالتها وتكون عوناً لها إن أردات أن تنهار ، فلتنهار بين أحضانها وتعود لزوجها اقوي مما كانت عليه بسبب عناق هالة لها ..
_ تنهدت عنود بآسي وبدون بذل مجهود سارت ببطئ نحو هالة وألقت بنفسها بين أحضانها التي هي بمثابة الجدار الخرساني التي تستند عليه ، حاوطتها هالة بحب وملست علي حجابها ورددت هاتفة :-
{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ}
_ ابتعدت عنها عنود وظلت ترمقها بإمتنان شديد ثم سارت بجوارها وأردفت :-
_ اللي جاي صعب اوي وحاسة أني مش هقدر انجح لوحدي!
_ شدت هالة علي يد عنود وهتفت قائلة :-
_ ومين قالك أنك هتكوني لوحدك وانا روحت فين ؟
_ انسدلت بعض القطرات من عيناي عنود وأردفت بحزن :-
_ عارفة انك جنبي ، بس مش هتكوني جنبي وانا بعافر مع ريان عشان ياكل ويشرب ويرجع لحياته ، مش هتكوني جنبي وانا بحاول أرجع له ثقته بنفسه وبلي حواليه حاجات كتير اوي هترهقني مش عارفة هكون قدها ولا لأ ، خايفة أضعف وبدل ما أكون سبب في تحسن حالته ازيدها سوء ..
_ توقفت عنود عن السير واستنشقت بعض الهواء ورددت :-
_ أنا خايفة ومش مستعدة
_ طالعتها هالة لبرهة وأردفت بثقة :-
_ انتي قدها واعتبريه اختبار من ربنا عشان يشوف قوة إيمانك بيه قد ايه!
_ إلتوي ثغر عنود بإبتسامة ثم عانقت هالة بشدة كأنها تستمد منها القوة والدعم النفسي ثم ابتعدت عنها ونظرت إلي باب غرفة ريان بينما رددت هالة :-
_ أنا هنا لو احتجتيني ..
_ هزت عنود راسها بإيماءة خفيفة ثم ولجت الي الداخل ، تفاجئت بوقوف ريان في شرفة الغرفة ، أبتسمت بسعادة وسارت نحوه بخطي مهرولة ، عانقته بقوة من ظهره ، تفاجئ خالد من تصرفها العفوي وأدار رأسه للجانب يشاهد ما يحدث إلي الأسفل بينما انتبهت عنود لوجود خالد وابتعدت عن ريان بخجل شديد ..
_ حاوط ريان كتفها بذراعه وضمها لحضنه برفق لكي يقلل من خجلها ويشعرها بأن الأمر طبيعي ليس إلا ، تنهدت عنود ببعض الراحة لكن لم يخلو جوفها من الخجل ، رفعت رأسها علي ريان ورددت متسائلة :-
_ نمشي؟
_ هز ريان رأسه بموافقة ثم توجه إلي الداخل كما تبعاه عنود وخالد ، انتهت عنود من تجهيز أشيائهم ثم نظرت إلي الغرفة بنظرة متفحصة وعادت ببصرها نحو ريان وهتفت :-
_ يلا نمشي
_ حمل خالد الحقائب بدلاً عنها بينما سارت هي بجوار ريان ممسكة بيده ، نهضت هالة من جلستها ما أن رأتهم وشكلت إبتسامة خجولة علي ثغرها وأردفت :-
_ حمدلله علي سلامة حضرتك
_ كم أراد ريان البكاء في تلك اللحظة ، يشعر بالشفقة الشديدة حياله ، كأنه يقف عاري أمام الجميع كيف سيصمد مع الكم الهائل الذي سيواجهه مستقبلاً ؟
_ اكتفي ريان بهز رأسه كما لاحظت عنود سرعة سيره التي ازدادت كما لو أنه يهرب من شئ ما ، تفهمت وضعه وسارت خلفه بخطي مهرولة لكي تلحق به ، ركب ريان سيارة خالد ما أن وصل إليها دون أن ينظر خلفه ، أستدارت عنود بجسدها نحو هالة وأردفت :-
_ تعالي نوصلك في طريقنا
_ هزت هالة رأسها برفض بينما أصرت عنود عليها إلي أن وافقت هالة ، ركبت كلتاهما السيارة في هدوء طال إلي وصولهم لمنزل هالة ، تفاجئ ريان بنزول عنود هي الأخري معها وفتحت بابه وأردفت :-
_ البيت هنا!
_ ترجل ريان من السيارة مطأطأ الرأس ، شعرت عنود بالألم حياله لا تريد أن تري تلك النظرة في عينيه تريده أن يتحسن فقط ، يبدو أن الطريق صعب للغاية لكن عليها الإستمرار بكل قوتها إلي أن يتحسن ويعود كما كان أو ربما يفوق حالته السابقة وتجعل منه إنساناً آخر أفضل عن ذي قبل ..
_ ولج الجميع داخل منزل ريان وعنود الجديد وتفاجئ ريان بفرشه بالكامل بفرش منزلهم السابق ، استدار بجسده نحو عنود التي أبتسمت بسعادة وأردفت موضحة :-
_ كنت بخطف كل يوم ساعتين وانت نايم واجي افرش البيت مع هالة أنا عملت فيه حاجات حلوة اوي أكيد هتعجبك!
_ تنهد ريان بآسي وتوجه الي أقرب أريكة وألقي بجسده المنهمك عليها بارهاق ، بينما استأذنت هالة وهمت بالمغادرة وهي متحمسة بشدة لكون صديقتها المقربة انتقلت إلي المنطقة ذاتها التي تقطن بها وسيسهل عليها رؤيتها كلما أردات دون عائق امامها ، ودعتها عنود كما غادر خالد هو الآخر لكي يُحضر بعض المستلزمات إليهم ..
_ أغلقت عنود الباب ونظرت إلي ريان بحماس شديد ، اقتربت منه بخطي متمهلة ثم وقفت أمامه وامسكت بيده وأردفت :-
_ اتفضل قوم عشان ورانا حاجات كتير هنعملها
_ هز ريان رأسه بعدم فهم فتابعت موضحة :-
_ أول حاجة هنصلي شكر لربنا أنك كويس ورجعت البيت ، تاني حاجة هنبدأ نعمل التمارين اللي الدكتور قالنا عليها ، تالت حاجة ها....
_ صمتت عندما لم تجد ما تردفه ، رفعت بصرها عليه وانفجرت ضاحكة وهتفت :-
_ التالت يجي بظروفه
_ شدت يده بالقرب منها لكي ينهض لكنه جذبها نحوه فتعرقلت قدميها ووقعت علي قدمه ، أجبرت يدها علي محاوطة عنقه لكي تثبت حركتها ، شعرت بأنفاسه تضرب وجهها فشعرت بالارتباك القوي يعصف بخلاياها كأنها تجرب شعورهما الأول ثانيةً
_ تسارعت ضربات فؤادها بعنف كما ازدردت ريقها بتوتر ، شعر ريان لوهلة بأنه يعيش لحظاتهم الأولي مرة أخري ولا يدري لما تسلل شعور السعادة داخله ، شعور غريب قد تغلغل بداخله عندما استشف خجلها منه ، هو يريدها دائما بريئة عفوية هكذا معه ، يشعر بالإستمتاع كمراهق يخوض تجاربه الأولي مع فتاتة!
_ نهض بصعوبة قد واجهته لكنه صمد الي أن نهض وهي لازالت بين أحضانه متشبثة في عنقه ، حاوطت خصره بينما سار هو بها الي الأمام قليلاً ولم يستطيع الصمود لأكثر وأنزلها ثم أشار إليها بالبدء فيما تود فعله ، أبتسمت هي وشرعت في الوضوء كما فعل هو الآخر وبدأ كليهما في الصلاة ..
_ تفاجئ ريان بزواية صغيرة خصصتها هي للصلاة ، واضعة سجادتين خلف بعضهما ليكون هو إمامها دوماً في كل صلاة ،
_ أنهي صلاته أولاً ثم ظل يطالعها بنظراته المتعجبة من إطالة مدة صلاتها بالأخير هم الركعتان ذاتهم الذي قام بأدائهما ، أنهت هي صلاتها ونظرات إليه وبادلته ابتسامة عريضة لكونه يطالعها بعذوبة ، اقتربت منه بعد أن خلعت ثوبها وبدأت تحرك فمها بحركات معينة لحالته كما فعل الطبيب أمامها من قبل ..
_ واجه ريان صعوبة بالغة في الحركة لكنه لم ييأس وتابع بكل جهده لكي يعود لطبيعته في اسرع فرصة ، فقط يريد إستعادة حقوقه فهو لن يصمت طويلاً ..
_ توقفت عنود عما تفعله عندما رأت الصعوبة البالغة الذي يواجهها وأردفت بنبرة أنثوية رقيقة :-
_ كفاية كده النهاردة
_ نهضت هي وبدلت ثيابها كما تعمدت اختيار ثوب متحرر ربما يساعده في تحسن حالته ، للمرة الأولي بدلت ثيابها أمامه ، كم تبدو هادئة وطبيعية علي عكس ما تشعر به داخلها ، يزداد خجلها أضعافاً كلما وقع بصرها عليه ورأته يتابعها باهتمام
_ أوصدت عينيها وابتلعت ريقها في محاولة منها علي الارتخاء ، أنه أمر طبيعي بين رجل وامرأته ، ظلت تردد تلك الكلمات في عقلها ربما تهدئ من روعها لكن دون جدوي ، وها قد أجبرت قدميها علي التحرك نحو المرآة وحررت خصلاتها ، تلاعبت بهم قليلا إلي أن بات وضعهم مثير بعض الشئ ، أمسكت من انينة عطرها التي تحبه ووضعت قدراً علي ثائر جسدها ثم استنشقت أكبر قدر من الهواء واستدارت بجسدها نحوه ،
_ سارت بالقرب منه بخطي متمهلة خجولة ، انحنت بجسدها لتكون في نفس مستواه فهو لازال يجلس أرضاً ، إلتوت شفاها علي الجانب مُشكلة إبتسامة متعجبة من أمره واردفت بدلال :-
_ أنت حبيت القاعدة عندك ولا إيه ؟
_ هز ريان رأسه مؤكداً حديثها بينما اقتربت هي أكثر وبدأت في فك أزرار قميصه ذات اللون الأسود ، رفض أن يرتدي شئ سوي بنطال قطني ونهض معها ، جلس علي الفراش وجذبها من يدها وأجبرها علي الجلوس علي قدمه ، أسند جبينه علي جبينه وهو ممسك بعنقها ، أخرج تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم والحزن استشفتها هي من فرط حرارتها ..
_ ابتلعت ريقها وهتفت بدعم :-
_ لعل الخير يكمن في الشر !
_ للمرة الثانية على التوالي تهتف بتلك الجملة التي لم يفهم أي خير فيها ؟ لقد خسر الشئ الوحيد الذي اكتسبه من خسارة جميع أمنياته وأحلامه ، أين الخير التي تتحدث عنه ؟
_ تنهدت عنود وابتعدت قليلا وأردفت بخجل :-
_ { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } أكيد في خير ورا اللي حصل انت مش عارفه
_ أبعد نظره بعيداً عنها فاجبرته هي علي الالتفاف إليها مرة أخري وهمست أمام شفاه :-
_ بحبك
_ رمش بعيناه يبادلها الكلمة لكنها أبت وعقدت حاجبيها بتذمر :-
_ عايزة اسمعها!
_ هز ريان رأسه مستنكراً طلبها ، فأسرعت هي بالحديث وقالت متفهمة :-
_ خلاص متتعصبش عليا!
_ سحبت نفساً عميق واقتربت منه بحميمية ، توقفت حينما سمعت قرع الباب ، أوصدت عينيها في محاولة منها علي التأقلم ثم ابتسمت له ونهضت ، لكنه سرعان ما أمسك بيدها ودلف هو الي الخارج ، فتح الباب وإذا بها دينا تقف أمامه بآسي كبير ، رأي وميض غريب في عينيها كأنها تلومه علي شئ ما لكن ما هو ؟
_ سمح لها بالدخول فتبعته هي الي الداخل وهي ترمق المنزل باهتمام ، التفتت ريان إليها ولم يصدر أي تصرف يدل علي رفضه لها كما كان يفعل مسبقاً ، أخرجت دينا تنهيدة بطيئة مليئة بالشوق والافتقاد إليه ، تقوس ثغرها بإبتسامة ثم سارت نحوه وعانقته بكل ما أوتيت من قوة !
_ حاوطها ريان بذراعيه يبادلها العناق فهو كان قاسِ بعض الشئ في الأيام الأخيرة ولابد أن يصلح ما اقترفه حتي وان لا يروق له ما يحدث ، لا يريد تعكير عناق صغيرته بعناق آخر ، يريد لمساتها فقط دون غيرها لكن هيهات للاقدار لا تأتي دائما كما نتمني ..
_ أغلقت عنود الباب ما إن وقع بصرها علي وضعهم الحميمي للغاية بالنسبة لها ، تريد الخروج وأخذ مستحقاتها ، نعم هو ملكيتها وحدها ولا تريد ملامسة غيره له ، هو لها فقط ليس من حق أي شخص آخر !!
_ ازدادت غيرتها أضعافاً كلما فشلت في استعادته إليها ، كلما تتذكر أنها ليست وحدها من لها الحق فيه تزداد غضباً ، تود أن تثور بكل قوتها لكن لا تستطيع ، ليس لديها القدرة ولا الأحقية في فعل أي شئ سوي البكاء ..
_ بكاء ماذا؟ البكاء قليل في تلك الأثناء ، البكاء فعل بسيط عكس ما تشعر به داخلها ، حسناً تريد أن تنفجر وليس فقط ازدراف بعض الدموع السخيفة ..
_ ارتفع أنينها لكن ليس من الغضب بل من فرط الألم التي تشعر به ، يكاد يفتك برأسها من شدته ، تتمني الموت أهون من تلك التشنجات التي تزداد وتزداد ، ولج ريان داخل الغرفة اثر صراخها الذي لا يتوقف قط ، ركض نحوها بذعر ولعن مرضه الذي يمنعه عن التحدث معها ..
_ أمسك بذراعيها يجبرها علي التوقف لكنها ابتعدت عنه لا تتحمل ذاك الألم اللعين ، لا تتحمل قبضته عليها يكفي ألم رأسها ..
_ هدوء حل فجاءة في الغرفة ، وقعت عنود أرضاً تبكي في صمت ، لا تدري ما الذي يحدث لها ، لا تريد أن يتكرر ثانيةً ، تريد فقط بعض الراحة ..
_ لم يقدر ريان علي التحرك من مكانه ، تجمدت قدميه في الأرض من شدة خوفه عليها ، شعر بالخذلان الشديد لكونه لم يستطيع إنقاذها ولا حتي تقديم المساعدة لها ، كما أنه لم يكن لديه القدرة أن يسألها مابها !
_ ظل يطالعها من علي بعد ثم سار بالقرب منها بخطي متمهلة ، جلس أمامها وأزاح يديها من أمام وجهها ووضع قبلاته داخل كفوفها ، رفع وجهها بيده ليكون في مستوي وجهه ، عقد حاجبيه يحثها علي التحدث لكنها رفضت ورفعت بصرها علي دينا الواقفة خلفه
_ ربما استشف حالتها الان ، تنهد وجذبها الي حضنه بحذر ، لم تقاومه هي بل استكانت بين أضلعه ربما شعور الغيرة يهدأ قليلاً ، لم تتحمل دينا ما يحدث ودلفت الي الخارج سريعاً ، قرع الباب وقامت هي بفتحه وإذا بها هاجر وزوجها وخلفهم العم ماهر و يحيي ،
_ جلس الجميع في ردهة المنزل الصغيرة يتناولان أطراف الحديث لحين ظهور ريان ، نهض ريان وارتدي بقية ثيابه ودلف الي الخارج ، رحب به الجميع وتمنوا له الشفاء العاجل ، جلس ريان في منتصف علي أريكة لفردان ، ركضت دينا نحوه وجلست بجواره قبل أن تأتي تلك التعيسة وتحظي بقربه ، يكفي سخافة لهذا الحد فهو ملكها أيضاً ..
_ دلفت عنود الي الخارج ورحبت بالجميع وكذلك فعلو هم ، تفاجئت بعدم وجود مكان لها بينهم ، أطالت النظر نحو ريان وزوجته التي انتهزت الفرصة وجلست بجواره ، سحبت نفساً عميق ثم انسحبت من بينهم بهدوء وولجت داخل المطبخ تبحث عن شئ تقدمه لهم لكن لا يوجد ، تأففت بضجر بائن واوصدت عينيها بعصبية ، خرجت من حالتها علي قرع الباب ،
_ كادت أن تدلف للخارج لكن يحيي قام بفتح الباب ، وقفت مكانها وإذ به خالد وزوجته ، ألقي عليهم التحية ثم رمق المنزل سريعاً إلي انا وقع بصره علي عنود ، توجه نحوها ووضع الحقائب التي يحملها أرضاً ثم اعتدل في وقفته يلتقط أنفاسه ..
_ تقوس ثغر عنود بإبتسامة خجولة وأردفت بحرج بائن :-
_ أنا مش عارفة اقولك ايه ، أنا ملقتش حاجة اقدمها بجد Thank you
_ تقوس ثغر خالد بإبتسامة متهكمة وأردف بخجل :-
_ ده من بعد خير ريان
_ ظهرت أية من خلفه مُشكلة إبتسامة علي محياها علي عكس عادتها ، تنهدت وهتفت بنبرة عفوية :-
_ حمد لله علي سلامة ريان يا ربنا يعدي الأزمة دي علي خير
_ بادلتها عنود ابتسامة عذبة ومن ثم دلف خالد إلي الخارج بينما رافقت أية عنود وأصرت أن تساعدها في تحضير الحلوي والعصائر للجميع ، انتهوا من التحضيرات ودلفت كلتاهما الي الخارج وقامتَ بضيافة الجميع
_ جلست أية بجوار زوجها بينما لم تجد عنود مآوي لها ، سحبت نفساً وهي تطالع الجميع في حرج ومن ثم انسحبت إلي داخل غرفتها في هدوء ، كانت تتابعها أية بشفقة من بينهم فكان الجميع مشغولون في إعطاء آرائهم السخيفة بالنسبة لريان فأول من تحدث كان يحيي وهو يضع مفتاح سيارته علي الطاولة أمام ريان :-
_ خد العربية أنا مش محتاجها
_ أضاف علي علي حديث يحيي :-
_ الفيزا بتاعتي أهي أنا مش محتاجها معايا فلوس في البيت اقدر امشي بيهم !
_ أسرعت هاجر بالحديث قائلة وهي تضع حزمة من النقود علي الطاولة :-
_ الفلوس اللي كنت بتديهالي مكنتش بعمل بيها اي حاجة لاني مكنتش محتجاها يمكن ده تدبير ربنا عشان يرجعوا ليك تاني
_ تنهد خالد مستاءً من هرائتهم ، بالتأكيد سينفجر ريان بهم في أي لحظة ، فليس من السهل بعد أن كان هو عائلهم تنقلب الآية ويريدون هم أن يعولوه ، الأمر ليس بهين عليه ولا علي بشر ..
_ إلتوي ثغر ريان الي الجانب مُشكلاً ابتسامة ساخرة مما يحدث ، سحب نفساً عميق ثم نهض دون أن يردف بشئ يدل حتي علي غضبه وولج داخل غرفته الجديدة ، وما إن أوصد الباب خلفه حتي انهال علي جميع ما في الغرفة حتي باتت حُطاماً ..
_ كانت تجلس عنود علي الفراش واضعة يديها علي وجهها متوجسة خيفة من غضبه المفاجئ ، لم تتوقع ثورته الآن وليست أي ثورة لقد شعرت لوهلة أنها لا تعرف من يكون هو ، ابتلعت ريقها مراراً عندما توقف عن تحطيم الأشياء ، أبعدت يديها بتهمل عن وجهها ورمقته بتوجس ، أتسعت مقلتيها بصدمة عندما رأت الدماء تنسدل من يديه
_ لم تنتظر مكانها وركضت مهرولة نحوه ، أمسكت بيده وهتفت بخوف شديد :-
_ ليه كده ليه ؟
_ رفعت بصرها عليه وقد ترقرت العبرات من عينيها وصاحت معاتبة :-
_ مش هقدر اشيل الازاز ده هنادي حد يجي يشيله!
_ هز رأسه رافضاً فكرتها وسحب يده وابتعد عنها ، جلس علي الفراش يطالع يده بعدم شفقة علي حاله ، تنهدت مستاءة هي من تصرفه ورفضه الذي ليس في محله الآن ، استشنفت اكبر قدر من الهواء ثم اقتربت منه ، جلس بجوارها وأمسكت يده وبدأت تزيل قطع الزجاج المحطم المتناثر في يده ، كان يخفق قلبها بشدة كلما أزالت قطعة زجاج وشعرت بألمه وكأن الزجاج بيدها هي وليس هو ..
_ انتهت مما تفعله ولن تشعر بدموعها التي انسدلت رغماً عنها ، لا تدري حقيقتها هل لأنها انتهت مما تفعله بسلام أم لرؤيته يتألم أم لانها تشعر بضعفها الذي يزداد كلما مر الوقت عليها بجواره ؟!
_ في الخارج ، كانت أنظار الجميع مُعلقة علي باب الغرفة الذي اختفي خلفها ريان ، نهض خالد ونظر إليهم وهتف عالياً معاتباً إياهم :-
_ بصراحة اللي حصل غلط وملوش لزوم ، الراجل طول عمره بيعطي من غير مقابل ليه بس تعملوا كده ، عارف ان نيتكم كويسة وقاصدين المساعدة بس انتوا لسه متعرفوش ريان نفسه عزيزة قد ايه ، لسه متعرفوش أنه عمره ما هياخد حاجة من حد حتي لو هياكل عيش حاف ، لسه معرفتوش أنه اتعود يكسب من عرق جبينه وياكل من تعب ايده وبس!
_ أخفض خالد رأسه بحزن شديد كما لم يستطيع أحد النظر في أعين الآخر خجلاً مما فعلوه ، ربما نواياهم حسنة لكن الطريقة حتماً خاطئة ، خالد محق فيما قاله لكن كيف سيصلحوا ما اقترفوه ؟
_ غادر الجميع المنزل عندما تأكدوا من عدم خروج ريان لهم مرة أخري ، بات المنزل خالياً الا من ريان وعنود ، وضع ريان رأسه علي قدميها بينما بدأت هي تتلوا آيات عديدة من القرآن لكي تكن له دعماً ..
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية المعلم الفصل الثاني والثلاثون ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية المعلم الفصل الثالث والثلاثون أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية المعلم ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .