نقدم اليوم احداث رواية صغيرة بلال الجزء الثاني الحلقة السادسة عشر من روايات أم فاطمة . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية احببت ملتحي كاملة بقلم ام فاطمة من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية احببت ملتحي pdf كاملة من خلال موقعنا .
صغيرة بلال ج2 الفصل السادس عشر
صغيرة_بلال2
#الحلقة_السادسة_عشر
......................
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
تحقق حلمي بعد طول انتظاري، تحقق حلمي ومن تمنيته صار حلالي تحقق حلمي ولبست فستان الستر لمن طرق قلبي وفتحت له بابي وغادرت دار أهلي وأحبابي ولكن اللعنة قد أخذته مني فبدل أن يسعد بأحضاني أخذه الموت مني وهو بين أضلاعي فصرخت أن استيقظ وكف عن افزاعي فخذلني لأول مرة وياليت لو ظل يخذلني لمرّات.
انتهى حفلة الزفاف وعاد الجميع كل منهم إلى منزله .
وكانت في المقدمة أشرقت ،عادت تجر أذيال الخيبة من حبيب العمر الذي لم يتسنى له ولو لمرة واحدة أن يفعل شيئا من أجلها وكانت أشرقت تعاتب نفسها قائلة...إنسان غبي، وسلبي ، وجبان .
أنا مش عارفة حبيت فيه إيه ده ؟
ولكنها أغمضت عينيها لتتذكر ذكرياتها معه ،وعينيه التي كانت تقول نيابة عن لسان حاله أحبك .
وغيرته الشديدة عليها ، وشرائه لها كل ما أرادت ولو على حساب نفسه ولو نام جائعا .
أشرقت ...كان بيعمل كل حاجة تسعدني وكنت حاسه بحبه
في كل نظرة وحركة .
ثم انفعلت بشدة ورددت ...بس لسانه اللي يتشل ده عمره ما قالها ، ولا عمره طمن قلبي بس خان قلبي واتجوز اللي ما تتسمى لميا .
إلهي يجي ويحط عليها مطرح ما تكون .
ثم حاولت التماسك لتدخل إلى والددها لتطمئن عليه قبل أن تخلد للنوم .
فولجت إليه بعد أن رسمت على وجهها ابتسامة مصطنعة ، ابتسم لها لؤي عندما رآها .
وكان والده مؤمن معه فقال مرحبا بها...أهلا أهلا بعروستنا
الجميلة، تعالي لحضن جدك يا شوشو .
فأسرعت أشرقت إلى مؤمن واحضنته بحب ، ثم ابتعدت عنه برفق قائلة..وأنت عامل إيه يا جدو .
مؤمن ...عامل مبسوط ، أعملك معايا .
أشرقت بضحك ...ياريت يا جدو.
مؤمن ...ربنا يسعد قلبك الطيب يا أشرقت .
ثم نظرت إلى والدها ..بابا عامل إيه دلوقتي يا حبيبي ؟
أومأ لؤي برأسه ...أي نعم بخير .
مؤمن ...إيه أخبار الفرح كان ، حلو ؟
والعروسة مبسوطه.
أشرقت ...آه أوي يا جدو ، ربنا يسعدهم .
مؤمن ...ودكتور بلال بخير .
فتاهت أشرقت عند ذكر اسمه ، وتغير لون وجهها .
فنظر مؤمن إلى لؤي، فأغمض لؤي عينيه حزنا على قلب ابنته المكسور كقلبه.
أشرقت دون أن تنظر إليه وقد قامت من مقعدها ...بخير يا جدو .
أنا هروح أوضتي أستريح بعد إذنكم .
مؤمن...اتفضلي يا حبيبتي.
فأسرعت أشرقت إلى غرفتها وألقت بنفسها على وسادتها تبكي مرارا لذلك الحبيب الجافي .
.........
أما هو فحاله لا يختلف عليها كثيرا بل أشد وأصعب .
فقد ولج إلى شقته غير مصدق أنها لم تعد بها الروح التي تساعده على الحياة .
فقد تركته أشرقت وها هي بسمة أيضا ،وأصبح وحيدا بين أربع جدران ، تداهمه الذكريات .
فهنا ضحكت أشرقت وتحركت أمامه بدلال وتكلمت بعفوية ، فآثرت قلبه منذ طفولتها وأصبحت حبيبته الصغيرة .
وهنا كانت بسمة التي كانت رغم أنها صغيرته أيضا ولكنها كانت بقلب أمه التي فقدها صغيرا .
كانت هي اليد الحانية والسند في كل كبيرة وصغيرة من مصاعب الحياة .
فوجد نفسه لا يستطيع التحمل المكوث بمفرده داخل الشقة .
فأسرع للخارج مرة أخرى، والدموع تلمع في عينيه والحزن والشوق يكادان يفتكان به .
وأخذ يطوف في الطرقات هائما على وجهه ، حتى وصل إلى كورنيش النيل فجلس على مقعد منها، وعيناه على
الماء ، حتى غفت عينيه من غير أن يشعر .
...........
ولجت العروس بسمة إلى شقتها بخطوات بطيئة ، يتملكها الحياء وبعض الخوف والتوتر من كونها أول ليلة لها مع زوجها كباقي حال كل الفتيات في هذا اليوم .
شعر جلال بتوترها من رجفة يدها ، فأطبق يديه على يدها بحنو عليها كأنه يقول ..أنا هنا معاكي ، متخافيش ، أنا أمنك وأمناك ، أنا سندك وعمري ما هخذلك أبداً .
تقدم بها جلال إلى حجرة النوم ولكن ضربات قلبه كانت كلما خطا خطوة ارتفعت وظن أنها من الفرحة والشوق للقاء حبيبته، فوضع يده على قلبه متألما بعض الشيء .
لاحظت ذلك بسمة ففزعت وقالت ...جلال مالك أنت كويس
يا حبيبي !
فابتسم جلال وهمس ...أخيرا قولتيها يا بسمة .
يااااه متصوريش أنا حاسس بإيه دلوقتي ؟
فنظرت بسمة للأرض خجلا ..حاسس بإيه ؟
فرفع جلال بيديه وجهها نحوه وغارت عينيه في عينها ، ثم على شفتيها لينهل منها بحب جارف ، ثم يتركها لتلتقط أنفاسها مبتسما قائلا ...حاسس أني مالك الدنيا دي كلها ، وأني محدش فرحان ولا سعيد قدي .
تلون وجه بسمة بحمرة الخجل وابتعدت عنه في حرج قائلة...أنا هدخل الحمام أغير الفستان وألبس إسدال الصلاة عشان نصلي .
أمسك يدها جلال بعد أن زادات ضربات قلبه والألم زاد عن تحمله قائلا بضعف ...مفيش وقت .
لو متوضية صلي عادي بالفستان .
بسمة...آه متوضية .
جلال ..طيب يلا نبدأ .
ثم كبر للصلاة وهي من ورائه يسيطر عليها شعور ممزوج بالرهبة والقلق ولكن يغمرها الحب والاشتياق.
وعندما انتهى جلال من الصلاة كانت حبيبات العرق بدأت تتناثر
من وجهه وظهر عليه الضعف .
فظهر الرعب على وجه بسمة وقالت ..جلال ، لا أنت شكلك تعبان بجد .
أنت حاسس بإيه قولي ؟
دمعت عيني جلال ..ثم همس بضعف ...بسمة ممكن تحضنيني .
بسمة بفزع ...مش وقته يا جلال أنت فعلا تعبان ، إحنا لازم ننزل الدكتور حالا أو اتصل بيه يجي .
جلال بهمس ...أؤجوكي يا بسمة احضنيني.
فارتمت بسمة في أحضانه وعينيها امتلأت بالدموع .
جلال ...يااااه الحمد لله ، أن ربنا جمعني بيكي في الحلال الطيب .
أنا بحبك أووي يا بسمة ، ثم اشتد عليه الالم وصرخ ....آاااااااه .
ليهمس بعدها بضعف ....أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
لتثقل رأسه على صدر بسمة ، فتصرخ ...جلااااااااااال .
لتبعده عنها برفق فتسقط رأسه على الفراش .
فتصيبها حالة ذهول غير مصدقة أنه فارق الحياة بتلك السهولة وفي ليلة زفافهم .
فأخذت تركض في الغرفة تصرخ ثم تعود إليه وتمسك بيده وتصرخ قائلة ...قوووووم يا جلال ، أنت لا مموتش .
لاااااااااا أنت أكيد بتهزر صح .
رد عليه يا جلال ، قول أنك بتمثل عليه عشان أخاف بس وتحس أني بحبك .
آه بحبك والله ، قوم يلا .
ولكن جلال لا يجيبها ، فتعالت صرخاتها .
لاااا جلاااال ، متسبنيش أرجوك .
لاااا أنا مصدقت لقيتك ، تقوم تسيبني في اليوم ده .
لا يا جلااااال قوم أرجوك .
لتلتقط بعدها الهاتف وتتصل بأخيها .
ليستيقظ بلال من غفلته على الكورنيش ، وينظر للهاتف فيرى اسم بسمة ، فيدق قلبه بشدة فزعا ويجيبها سريعا بقوله .....بسمة حبيبتي ، أنتِ كويسة ؟
بسمة بصراااخ ....إلحقني يا بلال ، جلال مش بيرد عليا .
جلال ماااات يا بلال .
فاهتز جسد بلال غير مصدق وردد ....أنتِ بتقولي إيه ؟
لا مش معقول ، أنا جي حالا .
فذهب مسرعا إليها ، يتخبط في كل من يقابله .
يتذكر موت والدته ثم والده ثم موت شروق والدة أشرقت ثم موت أم مصطفى جارته .
ومع كل لحظة يبكي مرارا وتكرارا وقهرا ويتجرع الألم .
ويسأل في لحظة ضعف بإيمان ضعيف ...ليه كل اللي بنحبهم بيموتوا ، ليه ، ليه .د؟
ثم تذكر أشرقت صغيرته وقال ...الحمد لله أني بعدت عنك .
لو كنت اتجوزتك كنتي موتي أنتِ كمان ،وساعتها كنت هموت نفسي وراكي.
أهو جلال مات من الفرحة أكيد ، قلبه مستحملش .
عشان كده هحرم على قلبي الفرحة ، عشان متاخدش مني تاني حاجة بحبها .
وظل كذلك يبكي ويجزع في القلب حتى وصل إلى بسمة .
فطرق الباب طرقات متعددة ، لتسرع بسمة وتفتح شاحبة الوجه ومازالت بفستان الزفاف .
ولكن وجهها تلطخ بالسواد بسبب البكاء الذي أفسد زينتها .
انكسر قلب بلال عندما رآها بذلك الوضع ، وضمها لصدره وهمس ...أنا هنا ،معاكي، وقولي زي ما وصتيني قبل كده فاكرة .
إنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها .
فصرخت بسمة ...ده جلال ،مش لميا يا بلال .
بلال ...مهي أم سلمى برده كانت متجوزة أبو سلمى صحابي ومن خيرة الصحابة .
وربنا أكرمها بخير خلق الله .
بسمة ...لا خلاص ، كده مفيش بعد جلال .
بلال ...طيب حتى قوليه على سبيل السنة وتاخدي أجر .
فرددته بسمة بلسانها ولكن بعقل رافض أن يكون هناك من يحبها مثل جلال .
ثم بدأ جلال في تجهيز مراسم الدفن ، بعد أن تأكد من موته بسكتة مفاجئة .
وانهارت بسمة بجانب جلال حين وقفت على غسله .
وكاد قلب جلال أن يتوقف حزنا على أخته الوحيدة .
فتشجع لأول مرة في حياته ، وقام بالاتصال على أشرقت .
لم تصدق أشرقت الإسم الذي يظهر على هاتفها ...بلال ، لا معقول بلال .
أكيد فيه حاجة حصلت ، لا أكيد فيه مصيبة .
فاستجابت سريعا بقلب ينتفض ...بلال ، حصل إيه ؟
فسمعت شهقاته الخافتة فقالت بصوت فزع....قول فيه إيه ؟
بلال ...البقاء لله ، جلال مات وبسمة منهارة ومحتاجاكي أوي
يا أشرقت ، ياريت تجيلها بسرعة.
أنا مش قادر أشوفها كده ومش عارف اعمل إيه ؟
الأمر فوق طاقتي صدقيني .
فانقبض قلب أشرقت وبكت قائلة... انت بتقول ايه ؟
ازاى ده حصل ؟
مش معقول !
بلال بحزن شديد .....أمر الله ،لكل اجل كتاب .
أشرقت بغصة مريرة.....
يا حبيبتي يا بسمة .
ملحقتيش تفرحي يا قلب أختك .
أنا جاية حالا .
لتغلق الخط وتسرع لإرتداء ملابسها ،ثم أسرعت للخارج بعد استئذان والدها وجدها مؤمن .
لتصل إليها بعد مرور وقت ليس بالطويل ، واستقبلها بلال ، ليرى وجهها البريء الذي تخللته الحمرة من كثرة البكاء فحدث نفسه .. آه يا قلبي ، حتى وأنتِ معيطة وحزينة بتحلوي أكتر .
ولكنه تماسك وغض بصره ليقول ...أشرقت ، الحمدلله أنك جيتي في الوقت المناسب .
ادخللها هي جوه بس نايمة شوية من تأثير المهدىء اللي الدكتور ادهولها .
أشرقت بصوت مبحوح من البكاء ...يا حبيبتي ، هي وصلت كمان لمهدىء .
بلال ...للأسف صدمتها كبيرة أوي ، ومش مصدقة أنه مات ، وكل شوية تصرخ وتقول ...لا هو هيقوم ، ده بيهزر بس معايا ، عشان يعرف أنا بحبه قد إيه .
وبينما هما يتبادلان الحديث ، ظهر أمامهما رجل .
بلال ...خير يا دكتور ، حضرتك نسيت تكتب حاجة تاني ولا إيه ؟
عماد ...آسف ، بس أنا نسيت الموبايل على الكمودينو .
بلال ...طيب حضرتك اتفضل استريح وأنا هجيبه حالا لحضرتك .
لينظر بعدها عماد إلى الفتاة التي تقف منكسة رأسها وكأنها غائبة عن الوعي فيقول ...أنتِ معقول !
بتعملي إيه هنا ؟
فرفعت رأسها ونظرت له بإندهاش مرددة ...دكتور عماد !
عماد ...أيوه يا آنسة ، أنتِ عاملة زي العفاريت بتطلعي في كل مكان ولا إيه !
بس تصوري مش مصدق شكلك دلوقتي ، رقيقة كده وأنتِ زعلانة .
ميشفوكيش وأنت بسبع السان وقتها .
ثم ضحك وضحكت هي بعفوية .
ليأتى بلال من الداخل حاملا هاتف عماد بين يديه ، ليجدهما يبتسمان لبعضهما لبعض ، فيثير غيرته .
ويشتغل غيظا فيزفر بضيق قائلا ....الموبايل أهو حضرتك اتفضل ، ولا الآنسة طلبت استشارة سريعة ولا حاجة .
ثم نظر إلى أشرقت نظرة نارية أفزعتها ، لأنها تعلم ما وراءها وذكرتها تلك النظرة بذكرياتها معه .
عندما كان يغير عليها بشدة .
بلال ...أنتِ وقفة عندك بتعملي إيه ؟
اتفضلي أدخلي جوا .
وجدت أشرقت أنها فرصة عظيمة لتكيد له ، انتقاما مما فعله بها .
فأرادت أن تثير غيرته أكثر وأكثر ، فوجهت حديثها نحو عماد والابتسامة الصفراء على وجهها ...فرصة سعيدة يا دكتور عماد ، وإن شاء الله أشوف حضرتك قريب في الكلية .
عماد ...آه أكيد طبعا لينا لقاءات وكلام كتير جدا .
فاشتد غضب بلال حتى نهرها بغلظة...أظن كفاية كلام هنا ، واتفضلي جوا بقولك .
فارتبكت أشرقت وشعرت بالإحراج ونظرت له نظرة مليئة بالعتاب ثم ولجت للداخل .
عماد حدث نفسه...لا الأمر مش طبيعي خالص ، هي تقربله إيه ده ، معقول تكون خطيبته !!
بس أسأله ازاي ؟
سدد بلال نظرة نارية لعماد قائلا ...حضرتك يعني ناسي حاجة تاني ولا هتتفضل .
فحمحم عماد بحرج قائلا ....طيب بعد إذنك ، ولو حصل أي تطور في حالة المريضة ، ياريت تبلغني .
حضرتك أو الآنسة أشرقت .
هي صح باللنسبة تقربلك إيه ؟
فكاد بلال أن يبطش به ولكنه تماسك وأحرجه بقوله ...وده يهمك في إيه حضرتك .
ثم تابع... آنست وشرفت يا دكتور .
فشعر عماد وكأن دلوا من الماء البارد قد سكب عليه ، فاضطر للمغادرة سريعا منعا للحرج أكثر من هذا .
ولكن في قرارة نفسه ، أصر على معرفة العلاقة بين بلال وأشرقت .
أمّا أشرقت فولجت للداخل بالفعل ولكن كانت مشاعرها مختلطة بين الفرح لأنه مازال يغار عليها وبين غضبها من أسلوبه المنفر ، فهي لم تعد صغيرته حتى يعاملها على هذا النحو .
ولكنها عندما وجدت بسمة على فراشها ذابلة الوجه والدموع تنهمر من عينيها رغم أنها نائمة ، انكسر قلبها حزنا عليها .
ما أصعب الفقد حقا ، إنه كالنار المشتعلة في القلب ولا تنطفىء أبداً .
فجلست بجانبها برفق وأزالت بيدها دموع بسمة المتساقطة
على وجنتيها قائلة بإنكسار.....حبيبتي يا بسمة ، قلبي معاكي ، ربنا يصبر قلبك .
ثم وجدت بلال أمامها ، ولكنها أدارت وجهها عنه غضبا .
فتحدث بحرج ....أشرقت ، أنا عارف أني زودتها شوية ، ومكنش أصلا مفروض اتكلم .
أنتِ خلاص بقا ليكي حياتك بعيد عننا ، وأنا مبقتش الوصي عليكي زي الاول .
بس صدقيني كان غصب عني ، متزعليش .
حدثت نفسها أشرقت ...هو أنا آه بعدت بجسمي عنكم بس روحي لسه معاكم يا بلال ، بس أنت للأسف مش حاسس بكده ، عشان كده آن الأوان أدفن روحي دي وأدوس على قلبي اللي حبك وأنت متستهلش حبي ده .
أشرقت ...حصل خير .
بلال ...طيب أنا مضطر أسيبك دلوقتي عشان أقف مع أهل المرحوم في شدتهم وأستقبل العزا في بيت والده معاهم .
وربنا يهون عليهم وعلينا .
وطبعا مش هوصيكي على بسمة .
أشرقت ...آه طبعا ، أنت عارف إحنا روح واحدة من زمان .
فحدث نفسه بلال ...عارف يا روحي أنتِ .
بلال ...طيب محتاجة أى حاجة أجبها وأنا جي ؟
أشرقت ...سلامتك ، في أمان الله .
فنظر لها بلال ، وكأنه يستمد من رؤيتها القوة ،ولكن لا تزيده نظراته إليها إلا انكساراً لأنها أصبحت صعبة المنال ولا طريق إليها ثم تركها وغادر .
لتودعه هي بنظراتها محدثة نفسها ...تبا لقلب عشق ما ليس له .
فلا هو خالي البال مستراح ولا هو ينهم مع عاشقه من بحر الحب بل تركه يتجرع العطش بلا رحمة .
ثم بدأت تفوق من شرودها على صوت بسمة تتأوه وتردد اسم جلال .
بسمة ...جلال ، جلال ، أنت فين ؟
ليه مشيت وسبتني ؟
أنا زعلانة منك .
تعال يا جلال لحضني ، متسبنيش أرجوك .
ثم انهمرت دموعها حتى سمعت أشرقت شهقاتها .
لتسرع لها أشرقت وتلمس وجهها برفق قائلة ...بسمة حبيبتي ، فوقي ، أنا هنا جمبك ، أنا أشرقت ، أختك يا حبيبتي .
فتحي عينيكي عشان خاطري وكفاية دموع
وادعيله بالرحمة وربنا يربط على قلبك .
فتحت بسمة عينيها لترى أشرقت أمامها لتسرع بالجلوس قائلة ...أشرقت شوفتي اللي حصل ، بيقولوا جلال ماااات
يا أشرقت ، بس هما كدابين لا ، جلال ممتش ، هو بس بيحب يعمل مقالب ، فهميهم يا أشرقت ، جلال ممتش .
فبكت أشرقت لبكائها وحديثها ، فاحضنتها بحب وربتت على ظهرها بحنو قائلة...يا حبيبتي يا بسمة ، ربنا يربط على قلبك ، مش عارفه صراحة أقولك إيه ، الموت مصيبة فعلا ، بس المؤمن ربنا بيلهمه الصبر من عنده .
.............
مازالت لمياء في منفاها في جزر المالديف التي لطالما كانت تحلم بها ، ولكنها لم تعد حلم بل أصبحت كابوس .
ذاقت به على يد سعود الآلام والقهر والحزن على حالها .
فأصبحت ترى البحر كأنه بركان من النار يحرقها .
والأشجار كأنها قضبان تحبس هي من ورائها .
وكانت تعذب كلما اقترب منها ، فلم يعد هذا حلال طيب بل كان عذابا في الحرام ، قبلته هي على نفسها .
وكان يتلذذ هو بتعذيبها حتى يقضى وتره منها في كل مرة .
لمياء ببكاء ....حرام عليك يا سعود ، ارحمني شوية .
أنا تعبت وجسمى كله اتشوه من الزرقان .
محدش بيعمل كده ، أنت حيوان مش إنسان طبيعى أبداً .
فغضب سعود وانفعل وشد الحزام من بنطاله وأخذ يضربها به قائلا بحدة ....أنا حيوان يا حقيرة ، هوريكي بالفعل الحيوان الحق .
لتتلقى لمياء ضربات متتالية متعددة مؤلمة حتى انجرح جلدها وخرجت منه الدماء ، وأخذت تصرخ حتى أغشي عليها .
فارتبك سعود وظن أنها ماتت بين يديه فقال...إيش هذا ؟
متجول تلك الحقيرة تكون سبب في سجني هنا .
لااااا .
ثم اقترب منها ليسمع نبضها ويتحقق أنها مازالت على قيد الحياة أم ماتت بالفعل .
فشعر بنبض خفيف ، فردد ...كيف الحية هي بسبع ارواح .
ولولا أني مازالت أشتيها كنت خنقتها بيدي هذه .
ولكن سأهتم بها على طريقتي حتى أنفر منها .
وارميها للكلاب بعدي .
ثم ضحك بهيسترية ، ثم اتصل بأحد اتباعه حتى يأتي له بطبيب ولكن بشرط أن لا ينطق بشيء عن ما حدث لها .
وله ما يريد من المال كما يحب وليصمت للأبد .
ثم أخذ يجوب الغرفة يمينا ويسارا بتوتر وينظر لها ، ولكنها لا تتحرك ولكنه يرى حركة صدرها تعلو وتهبط .
سعود .....لا أعرف ليش ما تصحى تلك الغبية ؟
ثم استأذن للدخول الطبيب فأذن له سعود .
سعود ...تفضل يا دكتور .
فدلف الداخل وحين رأى لمياء وما بها من كدمات وجروح ، شهق قائلا ....أوه ، من فهل هذا بها ؟
فتلون وجه سعود بالغضب قائلا بلهجة شديدة ....أنت هنا لتعالج لا لتسأل .
الطبيب بحرج ....أوك ، لنرى .
فأمسك بيديها ، فوجد أن النبض ضعيف ، فحقنها بحقنة سريعة لتستعيد وعيها .
فبدأت تستفيق ولكنها تتأوه ألما .
فحقنها مرة أخرى بمسكن ثم حاول تطهير تلك الجروح وتغطيتها بشاش معقم .
ثم وضع السماعة على قلبها ليتأكد أن قلبها عاد لينبض بإنتظام ، فسمع نبضا آخر مع نبضها .
الطبيب ..يا للهول ، إنها حامل سيدي .
وقد صدق الله حين قال في كتابه العزيز : “ما جعل الله لرجل
من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم”.
بمعنى أن الرجل لا يحمل قلبين على عكس المرأة حين تحمل فيكون لها قلبين ينبضان ، قلبها وقلب طفلها .
فاتسعت عيني سعود غير مصدق ليقول بصدمة ....حاااااامل .
...........
فما سيفعل سعود بهذا الحمل ؟
هل سيقبله أم سبجبرها على الإجهاض ؟
وكيف سيكون الحال بين أشرقت وبلال ؟
هل ستعود المياه لمجاريها أم مازالت هناك حواجز بينهم ؟
"اللهم إنَّك جعلت الموت آية تتحدى بها عبيدك أن كلٌّ راجع إليك، اللهم إنَّ روحي المرهقة التي يكللها الهم والحزن هي بين يديك، اللهم اكفني ما أهمني وما أحزنني يا رب العالمين. اللهم يا سامع كل صوت ويا رب السماوات السبع والأراضين أسألك أن تلهمني الصبر والسلوان وأن تنهل عليَّ الرحمات بكرمك وحدك يا الله."
......
أم فاطمة
#الحلقة_السادسة_عشر
......................
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
تحقق حلمي بعد طول انتظاري، تحقق حلمي ومن تمنيته صار حلالي تحقق حلمي ولبست فستان الستر لمن طرق قلبي وفتحت له بابي وغادرت دار أهلي وأحبابي ولكن اللعنة قد أخذته مني فبدل أن يسعد بأحضاني أخذه الموت مني وهو بين أضلاعي فصرخت أن استيقظ وكف عن افزاعي فخذلني لأول مرة وياليت لو ظل يخذلني لمرّات.
انتهى حفلة الزفاف وعاد الجميع كل منهم إلى منزله .
وكانت في المقدمة أشرقت ،عادت تجر أذيال الخيبة من حبيب العمر الذي لم يتسنى له ولو لمرة واحدة أن يفعل شيئا من أجلها وكانت أشرقت تعاتب نفسها قائلة...إنسان غبي، وسلبي ، وجبان .
أنا مش عارفة حبيت فيه إيه ده ؟
ولكنها أغمضت عينيها لتتذكر ذكرياتها معه ،وعينيه التي كانت تقول نيابة عن لسان حاله أحبك .
وغيرته الشديدة عليها ، وشرائه لها كل ما أرادت ولو على حساب نفسه ولو نام جائعا .
أشرقت ...كان بيعمل كل حاجة تسعدني وكنت حاسه بحبه
في كل نظرة وحركة .
ثم انفعلت بشدة ورددت ...بس لسانه اللي يتشل ده عمره ما قالها ، ولا عمره طمن قلبي بس خان قلبي واتجوز اللي ما تتسمى لميا .
إلهي يجي ويحط عليها مطرح ما تكون .
ثم حاولت التماسك لتدخل إلى والددها لتطمئن عليه قبل أن تخلد للنوم .
فولجت إليه بعد أن رسمت على وجهها ابتسامة مصطنعة ، ابتسم لها لؤي عندما رآها .
وكان والده مؤمن معه فقال مرحبا بها...أهلا أهلا بعروستنا
الجميلة، تعالي لحضن جدك يا شوشو .
فأسرعت أشرقت إلى مؤمن واحضنته بحب ، ثم ابتعدت عنه برفق قائلة..وأنت عامل إيه يا جدو .
مؤمن ...عامل مبسوط ، أعملك معايا .
أشرقت بضحك ...ياريت يا جدو.
مؤمن ...ربنا يسعد قلبك الطيب يا أشرقت .
ثم نظرت إلى والدها ..بابا عامل إيه دلوقتي يا حبيبي ؟
أومأ لؤي برأسه ...أي نعم بخير .
مؤمن ...إيه أخبار الفرح كان ، حلو ؟
والعروسة مبسوطه.
أشرقت ...آه أوي يا جدو ، ربنا يسعدهم .
مؤمن ...ودكتور بلال بخير .
فتاهت أشرقت عند ذكر اسمه ، وتغير لون وجهها .
فنظر مؤمن إلى لؤي، فأغمض لؤي عينيه حزنا على قلب ابنته المكسور كقلبه.
أشرقت دون أن تنظر إليه وقد قامت من مقعدها ...بخير يا جدو .
أنا هروح أوضتي أستريح بعد إذنكم .
مؤمن...اتفضلي يا حبيبتي.
فأسرعت أشرقت إلى غرفتها وألقت بنفسها على وسادتها تبكي مرارا لذلك الحبيب الجافي .
.........
أما هو فحاله لا يختلف عليها كثيرا بل أشد وأصعب .
فقد ولج إلى شقته غير مصدق أنها لم تعد بها الروح التي تساعده على الحياة .
فقد تركته أشرقت وها هي بسمة أيضا ،وأصبح وحيدا بين أربع جدران ، تداهمه الذكريات .
فهنا ضحكت أشرقت وتحركت أمامه بدلال وتكلمت بعفوية ، فآثرت قلبه منذ طفولتها وأصبحت حبيبته الصغيرة .
وهنا كانت بسمة التي كانت رغم أنها صغيرته أيضا ولكنها كانت بقلب أمه التي فقدها صغيرا .
كانت هي اليد الحانية والسند في كل كبيرة وصغيرة من مصاعب الحياة .
فوجد نفسه لا يستطيع التحمل المكوث بمفرده داخل الشقة .
فأسرع للخارج مرة أخرى، والدموع تلمع في عينيه والحزن والشوق يكادان يفتكان به .
وأخذ يطوف في الطرقات هائما على وجهه ، حتى وصل إلى كورنيش النيل فجلس على مقعد منها، وعيناه على
الماء ، حتى غفت عينيه من غير أن يشعر .
...........
ولجت العروس بسمة إلى شقتها بخطوات بطيئة ، يتملكها الحياء وبعض الخوف والتوتر من كونها أول ليلة لها مع زوجها كباقي حال كل الفتيات في هذا اليوم .
شعر جلال بتوترها من رجفة يدها ، فأطبق يديه على يدها بحنو عليها كأنه يقول ..أنا هنا معاكي ، متخافيش ، أنا أمنك وأمناك ، أنا سندك وعمري ما هخذلك أبداً .
تقدم بها جلال إلى حجرة النوم ولكن ضربات قلبه كانت كلما خطا خطوة ارتفعت وظن أنها من الفرحة والشوق للقاء حبيبته، فوضع يده على قلبه متألما بعض الشيء .
لاحظت ذلك بسمة ففزعت وقالت ...جلال مالك أنت كويس
يا حبيبي !
فابتسم جلال وهمس ...أخيرا قولتيها يا بسمة .
يااااه متصوريش أنا حاسس بإيه دلوقتي ؟
فنظرت بسمة للأرض خجلا ..حاسس بإيه ؟
فرفع جلال بيديه وجهها نحوه وغارت عينيه في عينها ، ثم على شفتيها لينهل منها بحب جارف ، ثم يتركها لتلتقط أنفاسها مبتسما قائلا ...حاسس أني مالك الدنيا دي كلها ، وأني محدش فرحان ولا سعيد قدي .
تلون وجه بسمة بحمرة الخجل وابتعدت عنه في حرج قائلة...أنا هدخل الحمام أغير الفستان وألبس إسدال الصلاة عشان نصلي .
أمسك يدها جلال بعد أن زادات ضربات قلبه والألم زاد عن تحمله قائلا بضعف ...مفيش وقت .
لو متوضية صلي عادي بالفستان .
بسمة...آه متوضية .
جلال ..طيب يلا نبدأ .
ثم كبر للصلاة وهي من ورائه يسيطر عليها شعور ممزوج بالرهبة والقلق ولكن يغمرها الحب والاشتياق.
وعندما انتهى جلال من الصلاة كانت حبيبات العرق بدأت تتناثر
من وجهه وظهر عليه الضعف .
فظهر الرعب على وجه بسمة وقالت ..جلال ، لا أنت شكلك تعبان بجد .
أنت حاسس بإيه قولي ؟
دمعت عيني جلال ..ثم همس بضعف ...بسمة ممكن تحضنيني .
بسمة بفزع ...مش وقته يا جلال أنت فعلا تعبان ، إحنا لازم ننزل الدكتور حالا أو اتصل بيه يجي .
جلال بهمس ...أؤجوكي يا بسمة احضنيني.
فارتمت بسمة في أحضانه وعينيها امتلأت بالدموع .
جلال ...يااااه الحمد لله ، أن ربنا جمعني بيكي في الحلال الطيب .
أنا بحبك أووي يا بسمة ، ثم اشتد عليه الالم وصرخ ....آاااااااه .
ليهمس بعدها بضعف ....أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
لتثقل رأسه على صدر بسمة ، فتصرخ ...جلااااااااااال .
لتبعده عنها برفق فتسقط رأسه على الفراش .
فتصيبها حالة ذهول غير مصدقة أنه فارق الحياة بتلك السهولة وفي ليلة زفافهم .
فأخذت تركض في الغرفة تصرخ ثم تعود إليه وتمسك بيده وتصرخ قائلة ...قوووووم يا جلال ، أنت لا مموتش .
لاااااااااا أنت أكيد بتهزر صح .
رد عليه يا جلال ، قول أنك بتمثل عليه عشان أخاف بس وتحس أني بحبك .
آه بحبك والله ، قوم يلا .
ولكن جلال لا يجيبها ، فتعالت صرخاتها .
لاااا جلاااال ، متسبنيش أرجوك .
لاااا أنا مصدقت لقيتك ، تقوم تسيبني في اليوم ده .
لا يا جلااااال قوم أرجوك .
لتلتقط بعدها الهاتف وتتصل بأخيها .
ليستيقظ بلال من غفلته على الكورنيش ، وينظر للهاتف فيرى اسم بسمة ، فيدق قلبه بشدة فزعا ويجيبها سريعا بقوله .....بسمة حبيبتي ، أنتِ كويسة ؟
بسمة بصراااخ ....إلحقني يا بلال ، جلال مش بيرد عليا .
جلال ماااات يا بلال .
فاهتز جسد بلال غير مصدق وردد ....أنتِ بتقولي إيه ؟
لا مش معقول ، أنا جي حالا .
فذهب مسرعا إليها ، يتخبط في كل من يقابله .
يتذكر موت والدته ثم والده ثم موت شروق والدة أشرقت ثم موت أم مصطفى جارته .
ومع كل لحظة يبكي مرارا وتكرارا وقهرا ويتجرع الألم .
ويسأل في لحظة ضعف بإيمان ضعيف ...ليه كل اللي بنحبهم بيموتوا ، ليه ، ليه .د؟
ثم تذكر أشرقت صغيرته وقال ...الحمد لله أني بعدت عنك .
لو كنت اتجوزتك كنتي موتي أنتِ كمان ،وساعتها كنت هموت نفسي وراكي.
أهو جلال مات من الفرحة أكيد ، قلبه مستحملش .
عشان كده هحرم على قلبي الفرحة ، عشان متاخدش مني تاني حاجة بحبها .
وظل كذلك يبكي ويجزع في القلب حتى وصل إلى بسمة .
فطرق الباب طرقات متعددة ، لتسرع بسمة وتفتح شاحبة الوجه ومازالت بفستان الزفاف .
ولكن وجهها تلطخ بالسواد بسبب البكاء الذي أفسد زينتها .
انكسر قلب بلال عندما رآها بذلك الوضع ، وضمها لصدره وهمس ...أنا هنا ،معاكي، وقولي زي ما وصتيني قبل كده فاكرة .
إنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها .
فصرخت بسمة ...ده جلال ،مش لميا يا بلال .
بلال ...مهي أم سلمى برده كانت متجوزة أبو سلمى صحابي ومن خيرة الصحابة .
وربنا أكرمها بخير خلق الله .
بسمة ...لا خلاص ، كده مفيش بعد جلال .
بلال ...طيب حتى قوليه على سبيل السنة وتاخدي أجر .
فرددته بسمة بلسانها ولكن بعقل رافض أن يكون هناك من يحبها مثل جلال .
ثم بدأ جلال في تجهيز مراسم الدفن ، بعد أن تأكد من موته بسكتة مفاجئة .
وانهارت بسمة بجانب جلال حين وقفت على غسله .
وكاد قلب جلال أن يتوقف حزنا على أخته الوحيدة .
فتشجع لأول مرة في حياته ، وقام بالاتصال على أشرقت .
لم تصدق أشرقت الإسم الذي يظهر على هاتفها ...بلال ، لا معقول بلال .
أكيد فيه حاجة حصلت ، لا أكيد فيه مصيبة .
فاستجابت سريعا بقلب ينتفض ...بلال ، حصل إيه ؟
فسمعت شهقاته الخافتة فقالت بصوت فزع....قول فيه إيه ؟
بلال ...البقاء لله ، جلال مات وبسمة منهارة ومحتاجاكي أوي
يا أشرقت ، ياريت تجيلها بسرعة.
أنا مش قادر أشوفها كده ومش عارف اعمل إيه ؟
الأمر فوق طاقتي صدقيني .
فانقبض قلب أشرقت وبكت قائلة... انت بتقول ايه ؟
ازاى ده حصل ؟
مش معقول !
بلال بحزن شديد .....أمر الله ،لكل اجل كتاب .
أشرقت بغصة مريرة.....
يا حبيبتي يا بسمة .
ملحقتيش تفرحي يا قلب أختك .
أنا جاية حالا .
لتغلق الخط وتسرع لإرتداء ملابسها ،ثم أسرعت للخارج بعد استئذان والدها وجدها مؤمن .
لتصل إليها بعد مرور وقت ليس بالطويل ، واستقبلها بلال ، ليرى وجهها البريء الذي تخللته الحمرة من كثرة البكاء فحدث نفسه .. آه يا قلبي ، حتى وأنتِ معيطة وحزينة بتحلوي أكتر .
ولكنه تماسك وغض بصره ليقول ...أشرقت ، الحمدلله أنك جيتي في الوقت المناسب .
ادخللها هي جوه بس نايمة شوية من تأثير المهدىء اللي الدكتور ادهولها .
أشرقت بصوت مبحوح من البكاء ...يا حبيبتي ، هي وصلت كمان لمهدىء .
بلال ...للأسف صدمتها كبيرة أوي ، ومش مصدقة أنه مات ، وكل شوية تصرخ وتقول ...لا هو هيقوم ، ده بيهزر بس معايا ، عشان يعرف أنا بحبه قد إيه .
وبينما هما يتبادلان الحديث ، ظهر أمامهما رجل .
بلال ...خير يا دكتور ، حضرتك نسيت تكتب حاجة تاني ولا إيه ؟
عماد ...آسف ، بس أنا نسيت الموبايل على الكمودينو .
بلال ...طيب حضرتك اتفضل استريح وأنا هجيبه حالا لحضرتك .
لينظر بعدها عماد إلى الفتاة التي تقف منكسة رأسها وكأنها غائبة عن الوعي فيقول ...أنتِ معقول !
بتعملي إيه هنا ؟
فرفعت رأسها ونظرت له بإندهاش مرددة ...دكتور عماد !
عماد ...أيوه يا آنسة ، أنتِ عاملة زي العفاريت بتطلعي في كل مكان ولا إيه !
بس تصوري مش مصدق شكلك دلوقتي ، رقيقة كده وأنتِ زعلانة .
ميشفوكيش وأنت بسبع السان وقتها .
ثم ضحك وضحكت هي بعفوية .
ليأتى بلال من الداخل حاملا هاتف عماد بين يديه ، ليجدهما يبتسمان لبعضهما لبعض ، فيثير غيرته .
ويشتغل غيظا فيزفر بضيق قائلا ....الموبايل أهو حضرتك اتفضل ، ولا الآنسة طلبت استشارة سريعة ولا حاجة .
ثم نظر إلى أشرقت نظرة نارية أفزعتها ، لأنها تعلم ما وراءها وذكرتها تلك النظرة بذكرياتها معه .
عندما كان يغير عليها بشدة .
بلال ...أنتِ وقفة عندك بتعملي إيه ؟
اتفضلي أدخلي جوا .
وجدت أشرقت أنها فرصة عظيمة لتكيد له ، انتقاما مما فعله بها .
فأرادت أن تثير غيرته أكثر وأكثر ، فوجهت حديثها نحو عماد والابتسامة الصفراء على وجهها ...فرصة سعيدة يا دكتور عماد ، وإن شاء الله أشوف حضرتك قريب في الكلية .
عماد ...آه أكيد طبعا لينا لقاءات وكلام كتير جدا .
فاشتد غضب بلال حتى نهرها بغلظة...أظن كفاية كلام هنا ، واتفضلي جوا بقولك .
فارتبكت أشرقت وشعرت بالإحراج ونظرت له نظرة مليئة بالعتاب ثم ولجت للداخل .
عماد حدث نفسه...لا الأمر مش طبيعي خالص ، هي تقربله إيه ده ، معقول تكون خطيبته !!
بس أسأله ازاي ؟
سدد بلال نظرة نارية لعماد قائلا ...حضرتك يعني ناسي حاجة تاني ولا هتتفضل .
فحمحم عماد بحرج قائلا ....طيب بعد إذنك ، ولو حصل أي تطور في حالة المريضة ، ياريت تبلغني .
حضرتك أو الآنسة أشرقت .
هي صح باللنسبة تقربلك إيه ؟
فكاد بلال أن يبطش به ولكنه تماسك وأحرجه بقوله ...وده يهمك في إيه حضرتك .
ثم تابع... آنست وشرفت يا دكتور .
فشعر عماد وكأن دلوا من الماء البارد قد سكب عليه ، فاضطر للمغادرة سريعا منعا للحرج أكثر من هذا .
ولكن في قرارة نفسه ، أصر على معرفة العلاقة بين بلال وأشرقت .
أمّا أشرقت فولجت للداخل بالفعل ولكن كانت مشاعرها مختلطة بين الفرح لأنه مازال يغار عليها وبين غضبها من أسلوبه المنفر ، فهي لم تعد صغيرته حتى يعاملها على هذا النحو .
ولكنها عندما وجدت بسمة على فراشها ذابلة الوجه والدموع تنهمر من عينيها رغم أنها نائمة ، انكسر قلبها حزنا عليها .
ما أصعب الفقد حقا ، إنه كالنار المشتعلة في القلب ولا تنطفىء أبداً .
فجلست بجانبها برفق وأزالت بيدها دموع بسمة المتساقطة
على وجنتيها قائلة بإنكسار.....حبيبتي يا بسمة ، قلبي معاكي ، ربنا يصبر قلبك .
ثم وجدت بلال أمامها ، ولكنها أدارت وجهها عنه غضبا .
فتحدث بحرج ....أشرقت ، أنا عارف أني زودتها شوية ، ومكنش أصلا مفروض اتكلم .
أنتِ خلاص بقا ليكي حياتك بعيد عننا ، وأنا مبقتش الوصي عليكي زي الاول .
بس صدقيني كان غصب عني ، متزعليش .
حدثت نفسها أشرقت ...هو أنا آه بعدت بجسمي عنكم بس روحي لسه معاكم يا بلال ، بس أنت للأسف مش حاسس بكده ، عشان كده آن الأوان أدفن روحي دي وأدوس على قلبي اللي حبك وأنت متستهلش حبي ده .
أشرقت ...حصل خير .
بلال ...طيب أنا مضطر أسيبك دلوقتي عشان أقف مع أهل المرحوم في شدتهم وأستقبل العزا في بيت والده معاهم .
وربنا يهون عليهم وعلينا .
وطبعا مش هوصيكي على بسمة .
أشرقت ...آه طبعا ، أنت عارف إحنا روح واحدة من زمان .
فحدث نفسه بلال ...عارف يا روحي أنتِ .
بلال ...طيب محتاجة أى حاجة أجبها وأنا جي ؟
أشرقت ...سلامتك ، في أمان الله .
فنظر لها بلال ، وكأنه يستمد من رؤيتها القوة ،ولكن لا تزيده نظراته إليها إلا انكساراً لأنها أصبحت صعبة المنال ولا طريق إليها ثم تركها وغادر .
لتودعه هي بنظراتها محدثة نفسها ...تبا لقلب عشق ما ليس له .
فلا هو خالي البال مستراح ولا هو ينهم مع عاشقه من بحر الحب بل تركه يتجرع العطش بلا رحمة .
ثم بدأت تفوق من شرودها على صوت بسمة تتأوه وتردد اسم جلال .
بسمة ...جلال ، جلال ، أنت فين ؟
ليه مشيت وسبتني ؟
أنا زعلانة منك .
تعال يا جلال لحضني ، متسبنيش أرجوك .
ثم انهمرت دموعها حتى سمعت أشرقت شهقاتها .
لتسرع لها أشرقت وتلمس وجهها برفق قائلة ...بسمة حبيبتي ، فوقي ، أنا هنا جمبك ، أنا أشرقت ، أختك يا حبيبتي .
فتحي عينيكي عشان خاطري وكفاية دموع
وادعيله بالرحمة وربنا يربط على قلبك .
فتحت بسمة عينيها لترى أشرقت أمامها لتسرع بالجلوس قائلة ...أشرقت شوفتي اللي حصل ، بيقولوا جلال ماااات
يا أشرقت ، بس هما كدابين لا ، جلال ممتش ، هو بس بيحب يعمل مقالب ، فهميهم يا أشرقت ، جلال ممتش .
فبكت أشرقت لبكائها وحديثها ، فاحضنتها بحب وربتت على ظهرها بحنو قائلة...يا حبيبتي يا بسمة ، ربنا يربط على قلبك ، مش عارفه صراحة أقولك إيه ، الموت مصيبة فعلا ، بس المؤمن ربنا بيلهمه الصبر من عنده .
.............
مازالت لمياء في منفاها في جزر المالديف التي لطالما كانت تحلم بها ، ولكنها لم تعد حلم بل أصبحت كابوس .
ذاقت به على يد سعود الآلام والقهر والحزن على حالها .
فأصبحت ترى البحر كأنه بركان من النار يحرقها .
والأشجار كأنها قضبان تحبس هي من ورائها .
وكانت تعذب كلما اقترب منها ، فلم يعد هذا حلال طيب بل كان عذابا في الحرام ، قبلته هي على نفسها .
وكان يتلذذ هو بتعذيبها حتى يقضى وتره منها في كل مرة .
لمياء ببكاء ....حرام عليك يا سعود ، ارحمني شوية .
أنا تعبت وجسمى كله اتشوه من الزرقان .
محدش بيعمل كده ، أنت حيوان مش إنسان طبيعى أبداً .
فغضب سعود وانفعل وشد الحزام من بنطاله وأخذ يضربها به قائلا بحدة ....أنا حيوان يا حقيرة ، هوريكي بالفعل الحيوان الحق .
لتتلقى لمياء ضربات متتالية متعددة مؤلمة حتى انجرح جلدها وخرجت منه الدماء ، وأخذت تصرخ حتى أغشي عليها .
فارتبك سعود وظن أنها ماتت بين يديه فقال...إيش هذا ؟
متجول تلك الحقيرة تكون سبب في سجني هنا .
لااااا .
ثم اقترب منها ليسمع نبضها ويتحقق أنها مازالت على قيد الحياة أم ماتت بالفعل .
فشعر بنبض خفيف ، فردد ...كيف الحية هي بسبع ارواح .
ولولا أني مازالت أشتيها كنت خنقتها بيدي هذه .
ولكن سأهتم بها على طريقتي حتى أنفر منها .
وارميها للكلاب بعدي .
ثم ضحك بهيسترية ، ثم اتصل بأحد اتباعه حتى يأتي له بطبيب ولكن بشرط أن لا ينطق بشيء عن ما حدث لها .
وله ما يريد من المال كما يحب وليصمت للأبد .
ثم أخذ يجوب الغرفة يمينا ويسارا بتوتر وينظر لها ، ولكنها لا تتحرك ولكنه يرى حركة صدرها تعلو وتهبط .
سعود .....لا أعرف ليش ما تصحى تلك الغبية ؟
ثم استأذن للدخول الطبيب فأذن له سعود .
سعود ...تفضل يا دكتور .
فدلف الداخل وحين رأى لمياء وما بها من كدمات وجروح ، شهق قائلا ....أوه ، من فهل هذا بها ؟
فتلون وجه سعود بالغضب قائلا بلهجة شديدة ....أنت هنا لتعالج لا لتسأل .
الطبيب بحرج ....أوك ، لنرى .
فأمسك بيديها ، فوجد أن النبض ضعيف ، فحقنها بحقنة سريعة لتستعيد وعيها .
فبدأت تستفيق ولكنها تتأوه ألما .
فحقنها مرة أخرى بمسكن ثم حاول تطهير تلك الجروح وتغطيتها بشاش معقم .
ثم وضع السماعة على قلبها ليتأكد أن قلبها عاد لينبض بإنتظام ، فسمع نبضا آخر مع نبضها .
الطبيب ..يا للهول ، إنها حامل سيدي .
وقد صدق الله حين قال في كتابه العزيز : “ما جعل الله لرجل
من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم”.
بمعنى أن الرجل لا يحمل قلبين على عكس المرأة حين تحمل فيكون لها قلبين ينبضان ، قلبها وقلب طفلها .
فاتسعت عيني سعود غير مصدق ليقول بصدمة ....حاااااامل .
...........
فما سيفعل سعود بهذا الحمل ؟
هل سيقبله أم سبجبرها على الإجهاض ؟
وكيف سيكون الحال بين أشرقت وبلال ؟
هل ستعود المياه لمجاريها أم مازالت هناك حواجز بينهم ؟
"اللهم إنَّك جعلت الموت آية تتحدى بها عبيدك أن كلٌّ راجع إليك، اللهم إنَّ روحي المرهقة التي يكللها الهم والحزن هي بين يديك، اللهم اكفني ما أهمني وما أحزنني يا رب العالمين. اللهم يا سامع كل صوت ويا رب السماوات السبع والأراضين أسألك أن تلهمني الصبر والسلوان وأن تنهل عليَّ الرحمات بكرمك وحدك يا الله."
......
أم فاطمة
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية صغيرة بلال الجزء الثاني الحلقة السادسة عشر ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية صغيرة بلال الجزء الثاني الحلقة السابعة عشر أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية صغيرة بلال الجزء الأول ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .