نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 25 والاخير من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل الاحير
* أصبحت أسيرته *
الأخير –" أسيرة بقلب عاشق "
ربما زادت بالأمر الليلة ، مما جعله غاضباً منها ، وفضل أن يذهب إلى الفراش ، عوضاً عن أن تعانى من أثر حنقه وغضبه ، على ما حدث منذ قليل ، عندما ولج للغرفة ووجدها تبكى ، فأثارت الخوف والرعب بقلبه ، وكل هذا من أجل مشهد وفاة بطلة إحدى الأفلام التي تشاهدها بالتلفاز ، فبعد أن أكتشف سر بكاءها ، رأت بعيناه عاصفة ،تنذر بغضب عارم على ما سببته له من قلق عليها ، فهو كان يخشى أن يكون أصابها أو أصاب الجنين مكروه
شعر بها تجلس على طرف الفراش ،وهو يوليها ظهره ، فلتذق قليلاً مما عناه منذ دقائق ، نأى بذراعه عن يدها التى تلمسته بحنو بالغ ، فسحب إحدى الوسائد يضعها على رأسه ، يخفى إبتسامته ،على محاولة إسترضاءها له
فنادته بصوت ناعم :
– جواد حبيبى رد عليا يا بيبى معلش مكنش قصدى أن أخضك والله بس المشهد كان مؤثر أوى لما البطلة ماتت فى الآخر والبطل كان بيعيط عليها هو أنا لو موت هتزعل عليا كده
هب جالساً بعد سماع شق جملتها الأخير ،فهدر بها بصوت غاضب:
– إيه اللى أنتى بتقوليه ده يا تالين ولزمتها إيه السيرة دى دلوقتى مش عايز أسمعك بتقولى كده تانى فاهمة
إرتعدت من حدة صوته ، فزمت شفتيها تمهيداً لبكاءها ، فبحملها صارت مرهفة الإحساس والمشاعر ، تبكى لأتفه الأسباب ، حتى وهو يحدثها الآن ، ألحت دموعها عليها
فوضعت وجهها بين يديها ،وأجهشت بالبكاء كما كانت تفعل منذ مجيئه
هزمته بفعلتها فلم يكن منه سوى أن جذبها إليه يطوقها بإحدى ذراعيه ، فتوسدت كتفه ، فمد يده الحرة يزيل عبراتها
ربت عليها قائلاً بحنان:
– بس يا حبيبتى متعيطيش
فعوضاً عن سكوتها ، كمن أعطاها ضوء أخضر لتزيد فى بكاءها ، فتعجب من فعلتها ، فأبعدها عنه ليحدق بوجهها
فقطب حاجبيه متسائلاً بغرابة:
– هو فى إيه يا تالين بتعيطى تانى ليه
– أصل أنا جعانة أوى يا جواد
قالتها وهى تمسح عينيها بظاهر يدها ، لا ترى ما أعترى وجهه من ملامح مبهمة لاتخفى عيناه دهشته ، من أسباب بكاءها التى يراها أحياناً غير مبررة
فماذا يفعل معها ؟ ربما لابد له من أن يتحلى بالصبر ، وأن يكون مراعياً لها بتلك الآونة التى تشعر فيها بأنها ليست على سجيتها
ترك الفراش قائلاً بهدوء:
– حاضر يا تالين هروح أجبلك أكل
خرج من الغرفة فأستندت على الوسائد خلفها ،تتبعه بنظراتها المحبة ، فتذكرت الحلوى التى أبتاعها لها والتى مازالت ملقاة على الأرضية
فتركت الفراش ، ولملمتها من على الأرض وعادت للفراش تجلس عليه تضعها أمامها ، كمن حصلت على الجائزة الكبرى ، بدأت بتناولها بتلذذ وشراهة
إلتفتت برأسها عندما وجدت زوجها يعود للغرفة ،يحمل بين يديه طعاماً لها ،تمثل بعدة شطائر وكوب من الحليب الدافئ
أقترب منها واضعاً ما يحمله أمامها قائلاً:
– أتفضلى الأكل أهو ومتجيش كمان دقيقتين تقولى جعانة ماشى
أخذت شطيرة تقضم منها قائلة بتذمر :
– هو أنت بتعد عليا الأكل يا جواد كمان طب وربنا أعيط
– لااااااااء إياكى تعيطى تانى
صرخ بها جواد معنفاً إياها ،يحذرها أن تبكى ثانية ، فهو نال كفايته اليوم ، فهو يريد أن ينام وينال راحته ، فلن يقضى ليلته يرجوها أن تكف عن البكاء
تمدد بالفراش جوارها ، يرمقها بهدوء وهى مازالت جالسة تتناول الطعام الذى أحضره لها ،حتى شعرت بالشبع والاكتفاء ،فنهضت عن الفراش تلملم ما تبقى ، تركنه جانباً ، وبعد ذلك ولجت للمرحاض كى تغسل يديها
بعد أن جففت يديها ، طرأ على بالها أن تكافئه على ما أبداه من حنان ولطف أمتزج أيضاً بغضبه بعد الأحيان من تصرفها ، ولكن هى تعشقه هكذا بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى
فخرجت من المرحاض ،وجدته يغمض عينيه ، فتبسمت ذاهبة لغرفة الثياب ، وقفت أمام الثياب تطالعها بحيرة ، فربما تلك الثياب لن تناسبها الآن بإنتفاخ بطنها
ولكن ربما أبتهجت لعثورها على ثوب فضفاض أنيق ،سيفى بالغرض بتلك الحالة ، بعد خمس دقائق ،كانت أنتهت مما تفعل
أقتربت من الفراش بخطوات متمهلة ، جلست على طرف الفراش ، فمدت أصابعها تعيث فساداً بشعره كعادتها ، لتجعله يفيق
ولكن سمعت صوته مغمغماً:
– بتعملى إيه يا تالين
لم يحصل على إجابة منها فإستدار إليها ،وجدها مبتسمة ، فاتنة بثوب جميل ، تخبره عيناها صراحة عن مدى إشتياقها إليه
لبى نداء الشوق ، تعيث اللحظات صخباً ، بضواحى مدينة العشق ، تتلألأ أضواء البهجة ، بإجتماع قلبين بلغ الشوق بهما منتهاه
_____________
تلك الليلة التى سبقت حفل الزفاف ، كانت ليلة صاخبة بمنزل جواد لإقامة حفل " الحنة" لديما وهيلينا ، تلك الليلة الأخيرة ،قبل ذهاب كل منهما لمنزل زوجها ، فإجتمعت النساء بالمنزل من الداخل ، بينما الرجال جلسوا بحديقة المنزل
أخذت كل منهما دورها برسم الحناء ، تصدح أصوات الموسيقى الشعبية ،التى رقصت على أنغامها معظم الفتيات المتواجدات
ترتدى كل من ديما وهيلينا ثوب هندى يطلق عليه " السارى " وأساور ملونة بمعصمهما
سحبت ديما يد تالين لتشاركهما الرقص قائلة بتفكه:
– تعالى يا بطيخة يلا أرقصى معانا
ضحكت تالين على نعتها لها ، فتصنعت الغضب وهى توكزها فى كتفها بلطف:
– بس يا بت أنتى دى أجمل بطيخة حمرا ومرملة
بعد دقاىق معدودة شعرت تالين بالتعب من الرقص ، فعادت لتجلس بجانب والداتها التى قبلتها على وجنتها تدنيها منها محتضنة إياها بحب
أرادت هيلينا الذهاب للمرحاض ، فتركت مكانها ،تتجه إليه فى أخر الردهة بالمنزل ، ولكن قبل أن تدلف وجدت من يسحبها من ذراعها ، فشهقت بخوف
سمعت صوت نائل قائلاً بهمس:
– بس يا هيلينا دا أنا نائل أهدى متخافيش
جحظت عيناها ،وهى تراه يتلصص عليهما ، فلكمته بصدره بغيظ قائلة:
– أنت بتعمل ايه هنا جاى تبص على الستات يا قليل الأدب
تبسم نائل وأقترب منها ،حتى حاصرها بالزاوية وهو يقول:
– ستات مين اللى جاى أبص عليها أنا جاى أشوفك أنتى يا قلبى إيه الجمال ده كله ألمانية على مصرية ودلوقتى هندية دا أنتى هتجننى أهلى كده
توهج وجهها من فرط تدفق الدماء به ، فدفعته بيدها حتى تتحرر من حصاره لها :
– بس يا قليل الأدب وأبعد بقى لو حد شافنا هيقول إيه دلوقتى
عاد ليحاصرها مرة أخرى قائلاً بصوت دافئ:
– هيقولوا إيه واحد ومراته وخلاص بكرة فرحنا أنا بس جيت أملى عينى بحلاوتك دى لأن النهاردة مكنتش هشوفك وأنتى لابسة اللبس ده ولا حلاوتك وأنتى عاملة هندية ، دا أنا حاسس أن بكرة ده بقى بعيد أوى أنا بحبك يا هيلينا
تفضح عيناه حبه لها ، فحاولت أن تخفف من شعورها بالخجل ، فرفعت يدها تزيج شعرها خلف أذنها ، تحاول إلهاء عينيها عن النظر بعيناه
سمعت صوت خطوات تقترب فشهقت قائلة بإضطراب:
– نائل فى حد جاى يلا أخرج يلا
دفعته بيدها حتى يعود أدراجه للخارج ، قبل أن يراه أحد من النسوة ، بعد إطمئنانها لذهابه ، ولجت للمرحاض ،ولكن عند خروجها سمعت صوت همس دائر يأتى من مكان قريب
فأقتربت أكتر لترى ما يحدث ، فوجدت سليم وديما يفعلون ما كانت تفعله برفقة نائل منذ قليل
فوضعت يدها على فمها تكتم صوت ضحكتها وهى تغمغم :
– شكلهم أتجننوا النهاردة ولا إيه جواد لو شافهم حيكسر دماغهم زى ما بيقول
فعادت لمكان تجمع النساء ، بينما ظلت ديما التى لم تكن تعى بوجودها قريبة منهما ، تتحدث مع سليم الذى أمطرها بإطراءه وغزله
فحاولت جعله ينصرف قائلة :
– سليم يلا بقى كفاية وأخرج جواد لو شافنا كده هيطلع عينا احنا الاتنين دا ابنى عمى وانا عرفاه
أخذ سليم يدها بين يديه يشد عليها بحب:
– مش قادر أسيب القمر ده وأخرج دا من يوم فرح ابن عمك وأنا بحلم باليوم ده دا أنتى قنبلة جمال متحركة يا ديما يالهوى هو فى كده
فغرت فاها ببلاهة كعادتها ،من أنها وجدت من يخبرها بحبه لها خاصة بتلك اللهفة بصوت وعينيه ، فخرج صوتها هامساً:
– بجد بتحبنى أوى كده يا سليم
أجابها بصوت صادق :
– وأكتر يا روح سليم دا لما كنت أتخيل أن مش هقدر اتجوزك كنت بتجنن ، بس ربنا من عليا بأن حققلى أمنيتى وأنك بقيتى خلاص مراتى وحلالى
كاد ينسيها بحديثه ، أنها يجب أن تعود ،فربما يبحثون عنها الآن ،فركضت مبتعدة عنه تلوح له بيدها :
– يلا يا سليم زمانهم بيدورا عليا وأخرج أنت كمان
ركضت كحلم دافئ ،كان يحيا به منذ قليل ، ولكن لديه ثقة بأن الحلم سيعود إليه بالغد ،ولكن سيكون تلك المرة واقعاً
_____________
باليوم التالى .....
فى الصباح الباكر ، كان جواد يقف بالحديقة مع العاملين وأحدى مُنسقات الأعراس ، لتحويل حديقة المنزل ، كأحد القاعات التى يقام بها حفلات الزفاف ، فتلك هى رغبة والدته ،أن يكون الُعرس هنا بذلك المنزل العريق ، فلم يبدى أحد أعتراضاً على أمر السيدة الأولى ، بل لقى إستحسان لديهم جميعاً
فسارع جواد بتنفيذ رغبة والدته ، التى أرادت أن ترى حدثاً سعيداً كهذا بالمنزل ، فبالمساء ستكون كل منهما بمنزل زوجها ، بعد أن كانوا يمرحون هنا وهناك بالمنزل ، يضفوا جو من المرح
أقتربت منظمة الحفل منه قائلة بتهذيب:
– جواد بيه أنا خلاص كده عرفت حضرتك عايز الحفلة تبقى إزاى وكمان اصناف الأكل اللى هتتقدم والفقرات بتاعت الفرح حضرتك تؤمر بحاجة تانية
رد جواد قائلاً :
– لاء كده تمام بس عايز الحفلة تكون على مستوى علشان دا مش أى فرح دا فرح بنت عمى وبنت أختى
تبسمت المرأة قائلة :
– بس غريبة ان يكون ليك بنت اخت عروسة كده وأنت لسه شاب يعنى
– لا يا شيخة بجد الكلام ده تحبى تعرفى عنده كام سنة كمان
نطقت بها تالين ،وهى ترى شياطين العالم تتراقص أمام عينيها ،من إطراء تلك المرأة لزوجها
علم هو أن ربما شجاراً بالطريق إليه ، فحاول أن ينهى ذلك الأمر قبل أن يتفاقم أكثر ، فهو يعلم مدى غيرة فاتنته
فتبسم قائلاً بتهذيب:
– أتفضلى حضرتك كملى شغلك
ربما هذا أفضل حل لها ، وهى ترى تلك التى تقف بجانبه ،تتأهب ربما لعراكاً معها
سحبها من مرفقها بلطف يسيران سوياً هامساً لها:
– وبعدين بقى فى غيرتك المجنونة دى يا عمرى الست بتقولها عادى يعنى ثم دى متجوزة وجوزها أعرفه كويس جدا وعندها أطفال كمان
فاتها هذا الأمر ،بخضم تفكيرها العاصف ،بأن إمرأة أخرى ربما تتودد لزوجها
فأبدت ندمها وهى تقول:
– مكنتش أعرف الكلام ده بس لما بشوف ست بتكلمك بتجنن يا جواد وأنا عارفة أن ممكن أكون أوفر فى عمايلى وخصوصاً وأنا حامل ما هو إبنك السبب أعمله إيه بقى الهرمونات طافحة عندى بزيادة
وضع يده على بطنها مبتسماً ، فهو كان سعيداً عندما علم أثناء معاينتها الطبية أنها تحمل جنيناً ذكراً ، فسيكون عوض الله له على ما أخذه منه سابقاً
فهتف بها قائلا بحنو بالغ:
– تقومى بالسلامة يا قلبى ، وأستحمل هرموناتك دى وأمرى لله على ما تخلص شهور الحمل ، ويلا بقى علشان أتمم على كل حاجة وروحى طلعى هرموناتك على ديما وهيلينا بس متأفوريش أوى مش عايز مشاكل النهاردة
دفعها بلطف لتكمل سيرها للداخل ، فتبسمت على قوله ، فكثيرا تشعر أنها ليست زوجته فقط ،بل طفلته أيضاً ، التى إذا سعت للشجار مع أحد ،يسرع هو بفض الأمر معاتباً إياها بحنان ولطف
مرت ساعات النهار سريعاً ، وحل المساء وإسدل الليل ستائره المرصعة بالنجوم اللامعة تضاهى لمعانها ،تلك الأضواء التى أنارت حديقة المنزل بأكملها
بعد أن أنتهى من إرتداء تلك الحُلة السوداء بقميصها الأبيض ، ورابطة عنق أنيقة ، خرج من غرفته ،يدق باب تلك الغرفة التى كانت تنهى بها ديما وهيلينا زينتهما ترافقهما زوجته ، التى رأها ترتدى ثوب أبيض وحجاب ملائم له ، فكانت تشبه العروس بليلة زفافها هى الأخرى
فتحت والدته الباب تبتسم لها يستأذنها بأخذ الفتاتين ، فخرجت هيلينا وديما تتأبط كل منهما ذراع من ذراعيه ، وصل بهما للخارج ، فأسرع كل من نائل وسليم بالأقتراب منه ،ليأخذ كل منهما عروسه
قبل أن يحرر هيلينا وديما من يديه ، حدق بنائل وسليم قائلاً بصرامة:
– أسمع ياض أنت وهو حسك عينك واحد فيكم يزعل مراته ولا يضايقها ولا تجيلى فى يوم تشتكيلى مش هتعرفوا أنا ممكن أعمل فيكم أه أنا بنبهمكم من أولها أهو وأعرفوا أن وراهم أسد يأكل اللى ييجى عليهم بسنانه مفهوم ولا أقول تانى وخصوصاً أنت ياللى أسمك نائل
رفع نائل حاجبه قائلاً:
– هات يا أخويا بقى ومتقرفناش بالوصايا العشر بتاعتك دى ، هى لو دخلت بيتى هتخرج تانى إلا على جثتى
فسارعت هيلينا بالقول :
– بعد الشر عليك يا نائل
تراقص حاجبيه ،ليغيظ جواد يظهر له مدى حب عروسه له ، ولم يكن هو بأقل منها حباً وعشقاً لها ، فأثارت فعلته ضحكة جواد فهو يعلم مدى جنان صديقه
ولكن سليم كان كعهده دائما لطيفاً مهذباً فرد قائلا:
– دى فى عينيا متقلقش
رفع جواد يشير إليه وهو يمازح نائل:
– شايف الرد والأدب يا عديم الأدب بس هقول إيه تور هايج بجد
بدأ حفل الزفاف المنسق بعناية ،حرص عليها جواد لتكون تلك الليلة أفضل ليلة يتذكرونها جميعهم ، فأشتدت أجواء الفرحة والسعادة
يقف ممسكاً بيدها وهى تقف بجواره يستقبل المدعويين ، حتى حان وقت رقصة العروسين ، فأخذها من يدها يراقصها ، يطوقها بذراعيه ، وهى تضع يديها على كتفيه ، تتمايل معه بحرص ، حتى أنتهت أنغام الموسيقى
بعد مرور ساعات تشع بهجة وسعادة ، أنتهى حفل الزفاف ، وأخذ كل منهما زوجته وغادر لمنزله
وصل سليم بسيارته أمام تلك البناية التى تقع بها الشقة التى سيقطن بها برفقة ديما
فتح باب السيارة يساعدها بأن تترجل منها حتى لا تتعرقل بثوبها ، وصلا للشقة ، وفتح الباب فأصر على أن يحملها للداخل ،حتى وصل لغرفة النوم ، فأنزلها من بين ذراعيه على الأرض قائلا بإبتسامة عريضة:
– نورتى بيتك يا حبيبتى
ردت ديما قائلة بخجل:
– ده نورك أنت يا حبيبى يلا علشان نصلى
وقف أمامها يأمها بالصلاة ،وبعد أن أنتهيا منها ،دعى لها ،فأخذ يدها بين يديه قائلاً:
– ديما أنا مش عايزك تزعلى أن أنا اصريت نعيش هنا فى الشقة اللى أشترتها بس صدقينى لما ييجى الوقت المناسب واللى أقدر أثبت نفسى فيه ،هنروح نعيش فى بيت باباكى زى ما كنتى عايزة فمش عايزك تكونى زعلانة من قرارى
حركت ديما رأسها بنفى وهى تقول:
– أبدا يا سليم مش زعلانة بالعكس أنت كبرت فى نظرى أكتر وأكتر يا حبيبى
بعد تلك الكلمة ، لم يكن بحاجة أخرى سوى أن يجعلها تعلم مدى حبه لها الذى نبض بقلبه منذ تلك المرة الأولى التى رآها بها ، فربحت هى زوج عاشق محب ، جعلها ترى حياة أخرى خاصة بهما فقط سيكون هو بها رفيقاً وخليلاً لها
______________
طال إنتظاره وهو جالساً هكذا ينتظرها أن تعود ، فبعد أن أنتهيا من صلاتهما ، وذهابها لغرفة الثياب ، مشددة عليه بالانتظار ، وأن لا يتبعها ،وهو يتململ على طرف الفراش ،يخشى أن يكون حدث لها شيئاً
فنادى بإسمها بقلق:
– هيلينا أنتى فين بتعملى إيه عندك
– أنا جيت أهو يا سى نائل
قالتها هيلينا وهى تخرج من غرفة الثياب ، ترتدى جلباب ضيق لا يصل لكاحليها ، به أشياء تلمع بشكل ملفت للنظر ترتدى أساور بمعصميها ، وسوار حول كاحلها الأيمن يصدر صوتاً رناناً ،ووشاح بمنتصف رأسها تعقص به شعرها ، تمسك بيديها وعاء نحاسى به إبريق تسنده على أحدى جانبيها ، وتضع علكة بفمها تتشدق بها
فغر نائل فاهه ، وجحظت عيناه مما يراه ، فتقدمت منه تصدر صوتاً بأساور معصميها ، تتغنج وهى تمشى بدلال ، تلوك العلكة بفمها يميناً وشمالاً ،حتى خرجت من فمها فقاعة تصدر صوتاً كأنه صوت إنفجار طفيف
فقالت بدلال ظاهر بلكنة صوتها الرقيق:
– أنا جيت أهو يا أخويا كنت بجبلك ماية سخنة بملح ياسيد الرجالة
وضعت وسادة على الأرض ،تجلس عليها وضعت الوعاء أسفل قدميه ، فأخذتهما تضعهما به ،وبدأت بسكب الماء الدافئ على قدميه ، وكل هذا لم يصدر منه قول أو فعل سوى أنه ينظر لها ببلاهة مما تفعله
سحبت أصابع قدمه الواحد تلو الآخر ، فلم يتمالك نفسه فضحك بصوت عالى بسبب تلك القشعريرة التى يشعر بها
بعد أن أنتهت جففت قدميه ، وحملت الوعاء والأبريق ، تضعهما جانباً ، وسحبت منضدة متحركة عليها أصناف طعام شهى ، وبدأت بوضع الطعام بفمه ، وهو ما زال لا يعى ما يحدث معه
ولكن خرج من ذهوله قائلاً:
– هيلينا إيه اللى أنت عملاه ده
تبسمت هيلينا تضع الطعام بفمه وهى تقول:
– أصل شوفت فى فيلم عربى من أفلامكم واحدة بتعمل كده مع جوزها فعجبنى المشهد وقولت أوريك هيلينا الشعبية ،زى ما شوفت الالمانية والهندية والمصرية المتحضرة ، فقولت نرجع لورا شوية ، ودخلتلك فى فيلم أبيض وأسود
حلو الأكل يا سى نائل
عادت ثانية لدلالها ، ترمقه بغنج ، فأبتلع ما بجوفه قائلاً بصوت متحشرج :
– أنتى وربنا بعترتى اللى باقى من عقل سى نائل بس هو سؤال بس يا هيلينا أنتى جبنتى الحاجات دى منين
أجابته هيلينا وهى تشير لجلبابها :
– دى أشتريتها من محل هدوم وأنا بشترى حاجات الفرح والأساور والخلخال من محل إكسسوارات
وعادت لتشير للوعاء والأبريق معقبة :
– ودول أشتريتهم من محل أنتيكات أيه معجبكش الجو اللى عملتهولك
ظنت أنها لم تلقى إستحسانه على ما أراد أن تفاجئه به ، فقبل أن تنكمش ملامح وجهها بضيق ،كان هو يسرع فى إبداء رآيه بأن ما فعلته قد سلب عقله ، خاصة وهى تحاول أن تجعله يشعر أنه تزوج فتاة مصرية الأصل والمنشأ بأساليب وطرق الأفلام القديمة
لم يجد طريقة يبرهن بها على مدى حبه لها ، سوى أن يجعلها ترافقه بجنة العشق ، تُحلق بخفة كالفراشات التى تتنقل من زهرة لأخرى ترفرف بجناحيها بألوانهما الزاهية
______________
مرت أيام أخرى ، حتى حان ميعاد وضع جومانا لطفلتها ، فهى تلبستها حالة من الحزن والألم بعد علمها بمقتل شقيقتها جوليا بتلك الطريقة البشعة
فعلى الرغم من أنها لم ترى من جوليا شئ حسن ، فعندما علمت بمقتلها خرت ساقطة مغشياً عليها
لم تكن تريد لها تلك النهاية ، فعلمت من التحقيقات التى أجراها وكيل النيابة مع هادى ، أن بتلك الليلة التى تم قتلها بها على يده ، كانت ليلة عقد قرانهما ، وعلمت أيضاً بشأن أتفاقهمها على الإستلاء على إرث زوجها الأول بطرق ملتوية ، فهادى أعترف بكل شئ فلا شئ إستطاع إخفاءه
وبتلك الجلسة التى حضرتها هى وزوجها بالمحكمة ، لمعرفة الحكم النهائى لهادى ،تم الحكم عليه بقضاء خمسة عشر عاماً بالسجن
فتذكرت كيف كان هادى يصرخ عندما سمع حكم القاضى بحقه ، حتى كادت أن تجزم أن أحباله الصوتية على وشك الإنقطاع
أفاقت من التخدير وهى تنادى زوجها بصوت خافت:
– قاسم
أقترب منها قاسم باسماً وجلس بجانبها على طرف الفراش يحمل صغيرته التى وضعها بأحضانها وهو يقول:
– أيوة يا حبيبتى ياسمين أهى يا جومانا
ضمت جومانا طفلتها لصدرها وهى تقبل رأسها وعيناها دامعتان بدموع السعادة :
– جميلة أوى يا قاسم هتبقى ياسمين قاسم سعد الدين الوزان
مال بجسده للأمام ، وقبل جبينها بمحبة:
– حمد الله على سلامتك يا حبيبتى ، هى ياسمين وهتبقى ياسمين يعطر أيامنا كلها ، الحمد لله أنكم بخير وسلامة ، أنا هعملها سبوع متعملش لحد قبل كده
ضحكت جومانا حتى شعرت بألم طفيف وهى تقول:
– زى ما عملت لأمها فرح كده كل ما أفتكر يوم الفرح والناس كلها مركزة على بطنى أقول زمانهم بيقولوا العروسة دى عندها أنتفاخ
علا صوت ضحكته ، على ما قالته ، فهو يتذكر أيضًا عندما كانت تحاول أن تتوارى به خجلاً من أن يكتشف أحد أمر حملها
أخذ إحدى يديها بين راحتيه يربت عليها بحنان ، وهو يحمد الله على أن صارت أموره إلى أفضل حال ، وأن زوجته أنجبت له فتاة ، أسماها تيمناً بإسم شقيقته الغالية
___________
أنتهى شهرها الثامن من الحمل ،يتبعه أسبوع أخر ، وها هى ببداية أسبوعها الثانى بالشهر التاسع ، فبليلة أخرى ، أجتمعت بها العائلة وهم يجلسون بحديقة المنزل مثلما أعتادوا أن يفعلوا من وقت لأخر ، التفوا جميعهم حول تلك المائدة التى أوصت عليها كريمة وأن يتناولوا الطعام بالهواء الطلق
تململت تالين بجلستها لا تشعر بالراحة ، فهى بدأت تشعر بألم ببطنها ، فكلما حاولت أن تخفى ذلك ، تتأوه بصوت سمعه زوجها
فرمقها بخوف وهو يراها تنحنى بجزعها للأمام ممسكة ببطنها وبدأت بالتأوه والبكاء ، فجأها المخاض
فصرخت صرخة مدوية :
– أاااااااااه ألحقونى مغص هيموتنى أااااااااه
فزع الجميع على صوتها ،فأقتربت منها والداتها تربت على وجهها تحاول أن تواسيها:
– إهدى يا حبيبة ماما متخافيش
تتابعت أنفاسها ، كأن بالدقيقة التالية لن تجد هواءا تتنفسه فخرج صوتها مغمغما:
– مش قادرة يا ماما ألحقنى يا جواااااد
لم يدعها تكرر ندائها له ، فحملها بين ذراعيه يذهب بها لسيارته ، فتبعته والداته ووالدة زوجته ، وضعها بالسيارة بالخلف وجلس بجانبها كريمة وزينب ، فقاد السيارة بسرعة يتبعه الحاضرين بسياراتهم
وصل للمشفى ،فأكمل مسيرة حملها للداخل ، فأستقبله ممرضات المشفى بسرير وضع تالين عليه ،التى لم تكف عن صراخها المتألم
ظل يذرع ممر المشفى ذهاباً ومجيئاّ أمام غرفة العمليات ، يدعو الله بأن يحفظ زوجته وطفله ، رأى المشفى تكتظ بكل من كان بالمنزل ، وظلوا جميعهم بإنتظار خروج أحد ليطمئنهم على ما يجرى بالداخل
بعد مرور وقت ليس بالكثير ، خرجت ممرضة تحمل الصغير ،واضعة إياه بين يدى والده ، الذى لم يمنع دموعه التى تساقطت فرحاً بمولد صغيره ، أذن بأذن الصغير وناوله لوالدته ، فخر راكعاً شكراً لله
تناوب الحضور على رؤية الصغير وهم مبتسمين ،فعادت الممرضة قائلة:
– هى فين هدوم البيبى علشان نلبسهاله أحنا لفيناه كده على ما تجيبوا الهدوم
تذكر جواد تلك الحقيبة التى أصرت تالين بأن تجعلها بسيارته دائماً تحسباً لموقف كهذا فرد قائلاً:
– ثوانى هجبلك الهدوم بس مراتى عاملة إيه
ردت الممرضة بهدوء :
– زى الفل وشوية وهتخرج
لم يبخل أحد من الحاضرين ، بإعطاء الممرضة نقوداً على مجيئها بالصغير ،فظلت تنظر للنقود بحبور ، تدمدم بالدعاء بالعمر المديد للصغير
تم وضع تالين بإحدى غرف المشفى ، وبعد أن هنأها الحضور أنصرفوا تباعاً وظلت والداتها التى أصرت على زوجها بأن يعود للمنزل هو وبسام على أن تظل هى بجانب إبنتها تلك الليلة حتى تعود للمنزل
تلك اللحظة خاصة به وبمعشوقته ، فرأى والدته تخرج برفقة والدة زوجها ليتاح له الفرصة ، على أن يطمأن على زوجته ، فولج الغرفة وجدها تبتسم له ، والصغير ينام بجانبها
سحب مقعد يجلس عليه بجوار الفراش وأنحنى يقبل رأس الصغير ، وأخذ يدها يقبل باطنها كعادته مغمغماً:
– حمد الله على سلامتكم إنتوا الاتنين يا حبيبتى
– شوفت أدم أبننا عسول إزاى يا جواد
قالتها تالين وهى تمسد على رأس الصغير ، فشعر بأن حواسه جميعها توقفت فجأة بعد سماع أسم الصغير منها ، فكان من المتفق عليه أن يسميا الصغير " تميم " ولكن هى الآن تخبره أنه "آدم"
فعلمت ما يشعر به فشدت على يده وهى مبتسمة :
– أيوة يا جواد هنسميه أدم كنت عايزة أعملهالك مفاجأة وكمان خوفت لتعترض أن إحنا نسميه أدم
مسد على رأسها بحنان بالغ:
– مكنتش هعترض يا حبيبتى لأن ده عوض ربنا ليا ربنا عوضنى بيكى وبيه
فهمس مستطرداً :
– أدم حبيب بابا وفرحته اللى رجعت بعد غياب
عادت للمنزل تسير بجانب زوجها الذى يحمل صغيرهما ، يضمه إليه بإشتياق لضحكة طفل غائبة ، وقد أذن الله لها بأن تعود تحمل السعادة لقلبه وقلب زوجته
_____________
مرت أيام و أعوام لم يصدق أحد منهما أنها مرت هكذا بدون أن يشعران بها ، فها هى تقف أمام المرآة ترتدى حجابها لا تصدق أنها أصبحت أم لخمسة ذكور وفتاة ، تبسمت عندما تذكرت أنها كانت هى من تلح على زوجها بالأنجاب
فبعد إنجابها أدم أنجبت يوسف والتوأمان زياد وزين وأيضاً تميم والصغيرة تولين التى لم تكمل عامها الأول بعد و الذى أصر زوجها بتسميتها هذا الإسم لتحمل الكثير من إسمها فالفارق بينهما حرف واحد ، وتلك هى التى جاءت تنازعها على قلبه ، فعندما علمت بحملها بها ظلت تبكى كثيراً فكيف لها أن تنجب وأبنها البكر شاباً على وشك إتمام دراسته الجامعية ، ولكن كالعادة نجح جواد بتهدئة الوضع ، حتى حان مجيئ الصغيرة
سمعت صوت خطوات تقترب من الغرفة ،فإستدارت برأسها ورأت جواد يلج الغرفة حاملاً الصغيرة على ذراعه تضع هى رأسها على كتفه بإرتياح ظاهر يمسد هو عليها بحنان ومحبة
فحدق بزوجته قائلاً:
– خلصتى يا تالين يلا زمان أدم على وصول
تنهدت تالين بشوق لولدها الغائب:
– ده وحشنى أوى يا جواد أنا عارفة إزاى وافقتك أن أدم يسيب حضنى ويروح يتعلم برا أكيد أنت خدرتنى وضحكت عليا على ما وافقت وهو سافر
أرتعدت الصغيرة بخفة بعد سماع ضحكة والداها ، فرفعت رأسها عن كتفه ،تقبله قرب فمه وهى تتلمس فكه بطفولية
كأنه نسى كل شئ وظل يقبل الصغيرة بنهم وهو يغمغم :
– قلب بابا أنتى يا تولين
رفعت تالين إحدى حاجبيها قائلة:
– لا والله يا أخويا أنت وبنتك اللى كلت عقلك دى كأنك
مخلفتش غيرها
داعب جواد أنف الصغيرة قائلاً بتفكه:
– أمك غيرانة من حبى ليكى يا تولين متعرفش أن تولين وتالين مالكين قلب الجواد وأن أنتوا وأخواتك أغلى ما ليا فى الدنيا دى كلها
سمعا صوتاً صاخباً يأتى من الأسفل، فخرجا من الغرفة ليروا علام تلك الجلبة بالأسفل
هبطت تالين الدرج بجوار زوجها ، فعلمت بمجئ هيلينا ونائل وديما وسليم وأولادهم وأن تلك الجلبة بسبب إبنة نائل لينا التى كلما رأى يوسف يقترب منها يفتعل شجاراً ممازح معه
رفع نائل رأسه ينظر لجواد قائلاً وهو يشير بيده ليوسف ، ذلك الفتى اليافع الذى يصغر أدم بعامين فقط :
– أنت هتلم إبنك ده ولا لاء يا جواد لسه شايفه بيدى بنتى وردة وبيقولها نورتى البيت
رد جواد قائلاً بإستياء مصطنع:
– أنا قولت برضه أن الهيصة دى بسببك هو الواد عمل حاجة ما تقيل وراسى أهو زى أبوه ما بنتك اللى بتتلزق فيه
ضحكت ديما قائلة:
– الحمد لله ولادى التلاتة ولاد يعنى مش هنتخانق أنا وانت يا جواد
فإبتسم سليم هو الآخر قائلاً بتفكه:
– الحمد لله يا ديما لقد نجينا من الفخ
فرد أبنهما الصغير قائلاً:
– لاء يا ماما أنا هتجوز تولين لما تكبر
شهقت ديما قائلة:
– يالهوووى هو أنا قد خالك جواد ومش لاقى اللى تولين اللى عامل عليها حظر
أقتربت هيلينا منها قائلة بتفكه:
– أنا مش عارفة كل واحد مخلف بنت عامل عليها حراسة جواد لتولين ونائل للينا وناسى الولدين اللى خلفتهم قبلها رجالة عنصرية
خرجت كريمة من غرفتها تتباطئ مشيتها ، بعد أن نال منها الكبر وهى تقول :
– مش بيقولوا البنت حبيبة وست أبوها
ناول جواد الصغيرة لتالين وأقترب من والداته يقبل يدها بحب يساعدها فى أن تجلس بمقعدها المفضل
وخرج الأولاد للحديقة ، بينما ظلت تالين تترقب وصول أدم وهى تفرك يدها بتوتر ، فزوجها لم يشأ لها أن تذهب للمطار ،وتثير مشهداً درامياً بوصول الشاب العائد بعد أن أنتهى من تحصيله الدراسى بأحد الجامعات البريطانية وحصوله على شهادة التخرج بالهندسة
شد جواد على يدها ليجعلها تكف عن فعلتها المتوترة ، وهو يداعب الصغيرة الجالسة على ساقه ، ولا تفارقه أبداً إلا بذهابه للعمل ، فحتى بنومها تنام معهما بنفس الغرفة بمهد خاص بها قريباً منه
صاح ذلك الشاب الذى ولج للتو قائلاً:
– وحشتوووووونى كلكم
هبت تالين من مكانها تقترب من ولدها تحتضنه بشوق وحنين ، فحملها يدور بها بسعادة قائلاً بمشاغبة :
– وحشتينى يا تالين
تعلقت بعنقه وهى دامعة العينين:
– حمد الله على سلامتك يا حبيبى البيت نور برجوعك يا روحى
أبتعد عنها قليلاً وهو يقبل يدها:
– أنتى اللى وحشتينى أوى يا تالين إيه القمر ده دا أنا لو خرجت معاكى مستحيل حد يصدق أنك أمى هيفتكروكى خطيبتى
– أدم أحترم نفسك
هذا صوت والده ،الذى طالما أحب أن يشاكسه بتدليل والدته ،لعلمه أنه يغار ، فأبتعد عنها يقترب منه فأحتضنه جواد بحب ، فهو يعلم مدى حب والده له ، وخاصة أنه ولده البكر
بعد أن أنتهى من الترحيب بعودة ولده الغائب وجد أطفاله الأربعة الآخرين يقفون صفاً واحداً قائلين بصوت واحد:
– هو مفيش غير أدم وتولين وإحنا لاء
فأشار إليهم جواد بالاقتراب فتدافعوا إليه فضمهم إليه قائلاً بمحبة:
– أنتوا كلكم عندى غلاوة واحدة بس علشان ادم كان مسافر ورجع وتولين لسه صغيرة لسه مشفتش دلع زى الدلع اللى انتوا ادلعتوه وانتوا كنتوا صغيرين زيها كده بس عايزكم تعرفوا أن كلكم حبايب قلبى
أجتمع كل الحاضرين ،وأكتملت سعادة تالين بحضور والدايها وشقيقها بسام وطفليه وزوجته سهى إبنة خالتهما بدور وشقيقة سليم
ظلت تالين تراقب ولدها أدم وخاصة أنه جالساً يداعب شقيقته الصغرى فهو لم يراها إلا عبر الهاتف ، كأنه هو زوجها بملامح وجهه التى تشبهه لحد كبير ، وحنانه وعطفه على الآخرين وعلى أشقاءه فربما إستجاب الله لدعوتها بأن يكون لديها نسختها من جواد حبيبها ، الذى لم تنال السنوات من وسامته ، سوى بعض الشعيرات البيضاء المتفرقة بلحيته ، فمازال شعره حالك السواد ، فإبتسمت بخفوت عندما تذكرت تأففه من عبثها بشعره دائماً ، ولا يعلم أنها مفتونة به
بعد إطمئنانها لخلود أولادها للنوم كل منهم بغرفته ، كأنهما مازالوا صغاراً ولا بد أن تدثرهم بالغطاء ،ولجت غرفتها وجدت زوجها مستلقياً على الفراش ، تتوسد الصغيرة صدره بجسدها الضئيل ،يطبق عليها بذراعيه مستغرقاً بنومه
اقتربت منه بهدوء لأخذ الصغيرة لتضعها بفراشها ،فحلت ذراعيه عنها ، فتملمت الصغيرة ، ولكن هدهدتها وعادت للنوم ثانية ، وضعتها بمهدها ودثرتها بالغطاء تقبلها على وجنتها المكتنزة
لم يواتيها النوم ، فولجت للشرفة وجلست على الأرجوحة الموجودة بها تضم ركبتيها تنظر للسماء مبتسمة ، تتذكر حالها مع زوجها منذ أن رأته حتى اليوم ، فسمعت صوت خطواته فإلتفتت إليه ترمقه بصمت
جلس بجوارها فزادت الأرجوحة بتمايلها من ثقل جسده ، الذى مازال محافظاً على تناسقه مثلما كان دائماً
جذبها إليه فوضعت رأسها على كتفه :
– إيه اللى مخليكى قاعدة هنا أنا حسيت بيكى وأنتى بتاخدى تولين بس أفتكرت أنك هتنامى بس لقيتك دخلتى هنا بس لقيتك غيبتى عنى فجتلك
تنهدت تالين قائلة بصوت عذب:
– مجليش نوم فقعدت أفتكر كل أيامنا مع بعض من أول مرة شوفتك فيها وكنت عمالة أقولك ناديلى والدك وكان فاضل شوية ونتخانق لحد اللحظة اللى أنا فيها دلوقتى
بجد يا جواد أنت حب عمرى وأحلى صدفة وأجمل قدر حتى مش هقدر أوصف بالكلمات حبى ليك
أقترب جواد منها هامساً:
– وأنتى أحلى ما فى العمر يا تالين
زحفت يداها تلقائياً لتطويق عنقه ، ربما لتقتنص من الزمن ،ذكرى حلوة أخرى تضاف لرصيد ذكرياتها الغالية ، فدائماً كان حريصاً على أن يعتنى بزهرته وأن لا يجعل أوراقها اليانعة تجف بإهماله لها ، فأسقاها غراماً وهياماً ، حتى أرتوت روحها التى تشعر بالظمأ فى غيابه عنها ، فبكل ما فعله وسيفعله يجعلها تعلنها صريحة مدوية بأنها " أصبحت أسيرته "
تمت بحمد الله
بقلم سماح نجيب " سمسم "
___________
أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين
الأخير –" أسيرة بقلب عاشق "
ربما زادت بالأمر الليلة ، مما جعله غاضباً منها ، وفضل أن يذهب إلى الفراش ، عوضاً عن أن تعانى من أثر حنقه وغضبه ، على ما حدث منذ قليل ، عندما ولج للغرفة ووجدها تبكى ، فأثارت الخوف والرعب بقلبه ، وكل هذا من أجل مشهد وفاة بطلة إحدى الأفلام التي تشاهدها بالتلفاز ، فبعد أن أكتشف سر بكاءها ، رأت بعيناه عاصفة ،تنذر بغضب عارم على ما سببته له من قلق عليها ، فهو كان يخشى أن يكون أصابها أو أصاب الجنين مكروه
شعر بها تجلس على طرف الفراش ،وهو يوليها ظهره ، فلتذق قليلاً مما عناه منذ دقائق ، نأى بذراعه عن يدها التى تلمسته بحنو بالغ ، فسحب إحدى الوسائد يضعها على رأسه ، يخفى إبتسامته ،على محاولة إسترضاءها له
فنادته بصوت ناعم :
– جواد حبيبى رد عليا يا بيبى معلش مكنش قصدى أن أخضك والله بس المشهد كان مؤثر أوى لما البطلة ماتت فى الآخر والبطل كان بيعيط عليها هو أنا لو موت هتزعل عليا كده
هب جالساً بعد سماع شق جملتها الأخير ،فهدر بها بصوت غاضب:
– إيه اللى أنتى بتقوليه ده يا تالين ولزمتها إيه السيرة دى دلوقتى مش عايز أسمعك بتقولى كده تانى فاهمة
إرتعدت من حدة صوته ، فزمت شفتيها تمهيداً لبكاءها ، فبحملها صارت مرهفة الإحساس والمشاعر ، تبكى لأتفه الأسباب ، حتى وهو يحدثها الآن ، ألحت دموعها عليها
فوضعت وجهها بين يديها ،وأجهشت بالبكاء كما كانت تفعل منذ مجيئه
هزمته بفعلتها فلم يكن منه سوى أن جذبها إليه يطوقها بإحدى ذراعيه ، فتوسدت كتفه ، فمد يده الحرة يزيل عبراتها
ربت عليها قائلاً بحنان:
– بس يا حبيبتى متعيطيش
فعوضاً عن سكوتها ، كمن أعطاها ضوء أخضر لتزيد فى بكاءها ، فتعجب من فعلتها ، فأبعدها عنه ليحدق بوجهها
فقطب حاجبيه متسائلاً بغرابة:
– هو فى إيه يا تالين بتعيطى تانى ليه
– أصل أنا جعانة أوى يا جواد
قالتها وهى تمسح عينيها بظاهر يدها ، لا ترى ما أعترى وجهه من ملامح مبهمة لاتخفى عيناه دهشته ، من أسباب بكاءها التى يراها أحياناً غير مبررة
فماذا يفعل معها ؟ ربما لابد له من أن يتحلى بالصبر ، وأن يكون مراعياً لها بتلك الآونة التى تشعر فيها بأنها ليست على سجيتها
ترك الفراش قائلاً بهدوء:
– حاضر يا تالين هروح أجبلك أكل
خرج من الغرفة فأستندت على الوسائد خلفها ،تتبعه بنظراتها المحبة ، فتذكرت الحلوى التى أبتاعها لها والتى مازالت ملقاة على الأرضية
فتركت الفراش ، ولملمتها من على الأرض وعادت للفراش تجلس عليه تضعها أمامها ، كمن حصلت على الجائزة الكبرى ، بدأت بتناولها بتلذذ وشراهة
إلتفتت برأسها عندما وجدت زوجها يعود للغرفة ،يحمل بين يديه طعاماً لها ،تمثل بعدة شطائر وكوب من الحليب الدافئ
أقترب منها واضعاً ما يحمله أمامها قائلاً:
– أتفضلى الأكل أهو ومتجيش كمان دقيقتين تقولى جعانة ماشى
أخذت شطيرة تقضم منها قائلة بتذمر :
– هو أنت بتعد عليا الأكل يا جواد كمان طب وربنا أعيط
– لااااااااء إياكى تعيطى تانى
صرخ بها جواد معنفاً إياها ،يحذرها أن تبكى ثانية ، فهو نال كفايته اليوم ، فهو يريد أن ينام وينال راحته ، فلن يقضى ليلته يرجوها أن تكف عن البكاء
تمدد بالفراش جوارها ، يرمقها بهدوء وهى مازالت جالسة تتناول الطعام الذى أحضره لها ،حتى شعرت بالشبع والاكتفاء ،فنهضت عن الفراش تلملم ما تبقى ، تركنه جانباً ، وبعد ذلك ولجت للمرحاض كى تغسل يديها
بعد أن جففت يديها ، طرأ على بالها أن تكافئه على ما أبداه من حنان ولطف أمتزج أيضاً بغضبه بعد الأحيان من تصرفها ، ولكن هى تعشقه هكذا بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى
فخرجت من المرحاض ،وجدته يغمض عينيه ، فتبسمت ذاهبة لغرفة الثياب ، وقفت أمام الثياب تطالعها بحيرة ، فربما تلك الثياب لن تناسبها الآن بإنتفاخ بطنها
ولكن ربما أبتهجت لعثورها على ثوب فضفاض أنيق ،سيفى بالغرض بتلك الحالة ، بعد خمس دقائق ،كانت أنتهت مما تفعل
أقتربت من الفراش بخطوات متمهلة ، جلست على طرف الفراش ، فمدت أصابعها تعيث فساداً بشعره كعادتها ، لتجعله يفيق
ولكن سمعت صوته مغمغماً:
– بتعملى إيه يا تالين
لم يحصل على إجابة منها فإستدار إليها ،وجدها مبتسمة ، فاتنة بثوب جميل ، تخبره عيناها صراحة عن مدى إشتياقها إليه
لبى نداء الشوق ، تعيث اللحظات صخباً ، بضواحى مدينة العشق ، تتلألأ أضواء البهجة ، بإجتماع قلبين بلغ الشوق بهما منتهاه
_____________
تلك الليلة التى سبقت حفل الزفاف ، كانت ليلة صاخبة بمنزل جواد لإقامة حفل " الحنة" لديما وهيلينا ، تلك الليلة الأخيرة ،قبل ذهاب كل منهما لمنزل زوجها ، فإجتمعت النساء بالمنزل من الداخل ، بينما الرجال جلسوا بحديقة المنزل
أخذت كل منهما دورها برسم الحناء ، تصدح أصوات الموسيقى الشعبية ،التى رقصت على أنغامها معظم الفتيات المتواجدات
ترتدى كل من ديما وهيلينا ثوب هندى يطلق عليه " السارى " وأساور ملونة بمعصمهما
سحبت ديما يد تالين لتشاركهما الرقص قائلة بتفكه:
– تعالى يا بطيخة يلا أرقصى معانا
ضحكت تالين على نعتها لها ، فتصنعت الغضب وهى توكزها فى كتفها بلطف:
– بس يا بت أنتى دى أجمل بطيخة حمرا ومرملة
بعد دقاىق معدودة شعرت تالين بالتعب من الرقص ، فعادت لتجلس بجانب والداتها التى قبلتها على وجنتها تدنيها منها محتضنة إياها بحب
أرادت هيلينا الذهاب للمرحاض ، فتركت مكانها ،تتجه إليه فى أخر الردهة بالمنزل ، ولكن قبل أن تدلف وجدت من يسحبها من ذراعها ، فشهقت بخوف
سمعت صوت نائل قائلاً بهمس:
– بس يا هيلينا دا أنا نائل أهدى متخافيش
جحظت عيناها ،وهى تراه يتلصص عليهما ، فلكمته بصدره بغيظ قائلة:
– أنت بتعمل ايه هنا جاى تبص على الستات يا قليل الأدب
تبسم نائل وأقترب منها ،حتى حاصرها بالزاوية وهو يقول:
– ستات مين اللى جاى أبص عليها أنا جاى أشوفك أنتى يا قلبى إيه الجمال ده كله ألمانية على مصرية ودلوقتى هندية دا أنتى هتجننى أهلى كده
توهج وجهها من فرط تدفق الدماء به ، فدفعته بيدها حتى تتحرر من حصاره لها :
– بس يا قليل الأدب وأبعد بقى لو حد شافنا هيقول إيه دلوقتى
عاد ليحاصرها مرة أخرى قائلاً بصوت دافئ:
– هيقولوا إيه واحد ومراته وخلاص بكرة فرحنا أنا بس جيت أملى عينى بحلاوتك دى لأن النهاردة مكنتش هشوفك وأنتى لابسة اللبس ده ولا حلاوتك وأنتى عاملة هندية ، دا أنا حاسس أن بكرة ده بقى بعيد أوى أنا بحبك يا هيلينا
تفضح عيناه حبه لها ، فحاولت أن تخفف من شعورها بالخجل ، فرفعت يدها تزيج شعرها خلف أذنها ، تحاول إلهاء عينيها عن النظر بعيناه
سمعت صوت خطوات تقترب فشهقت قائلة بإضطراب:
– نائل فى حد جاى يلا أخرج يلا
دفعته بيدها حتى يعود أدراجه للخارج ، قبل أن يراه أحد من النسوة ، بعد إطمئنانها لذهابه ، ولجت للمرحاض ،ولكن عند خروجها سمعت صوت همس دائر يأتى من مكان قريب
فأقتربت أكتر لترى ما يحدث ، فوجدت سليم وديما يفعلون ما كانت تفعله برفقة نائل منذ قليل
فوضعت يدها على فمها تكتم صوت ضحكتها وهى تغمغم :
– شكلهم أتجننوا النهاردة ولا إيه جواد لو شافهم حيكسر دماغهم زى ما بيقول
فعادت لمكان تجمع النساء ، بينما ظلت ديما التى لم تكن تعى بوجودها قريبة منهما ، تتحدث مع سليم الذى أمطرها بإطراءه وغزله
فحاولت جعله ينصرف قائلة :
– سليم يلا بقى كفاية وأخرج جواد لو شافنا كده هيطلع عينا احنا الاتنين دا ابنى عمى وانا عرفاه
أخذ سليم يدها بين يديه يشد عليها بحب:
– مش قادر أسيب القمر ده وأخرج دا من يوم فرح ابن عمك وأنا بحلم باليوم ده دا أنتى قنبلة جمال متحركة يا ديما يالهوى هو فى كده
فغرت فاها ببلاهة كعادتها ،من أنها وجدت من يخبرها بحبه لها خاصة بتلك اللهفة بصوت وعينيه ، فخرج صوتها هامساً:
– بجد بتحبنى أوى كده يا سليم
أجابها بصوت صادق :
– وأكتر يا روح سليم دا لما كنت أتخيل أن مش هقدر اتجوزك كنت بتجنن ، بس ربنا من عليا بأن حققلى أمنيتى وأنك بقيتى خلاص مراتى وحلالى
كاد ينسيها بحديثه ، أنها يجب أن تعود ،فربما يبحثون عنها الآن ،فركضت مبتعدة عنه تلوح له بيدها :
– يلا يا سليم زمانهم بيدورا عليا وأخرج أنت كمان
ركضت كحلم دافئ ،كان يحيا به منذ قليل ، ولكن لديه ثقة بأن الحلم سيعود إليه بالغد ،ولكن سيكون تلك المرة واقعاً
_____________
باليوم التالى .....
فى الصباح الباكر ، كان جواد يقف بالحديقة مع العاملين وأحدى مُنسقات الأعراس ، لتحويل حديقة المنزل ، كأحد القاعات التى يقام بها حفلات الزفاف ، فتلك هى رغبة والدته ،أن يكون الُعرس هنا بذلك المنزل العريق ، فلم يبدى أحد أعتراضاً على أمر السيدة الأولى ، بل لقى إستحسان لديهم جميعاً
فسارع جواد بتنفيذ رغبة والدته ، التى أرادت أن ترى حدثاً سعيداً كهذا بالمنزل ، فبالمساء ستكون كل منهما بمنزل زوجها ، بعد أن كانوا يمرحون هنا وهناك بالمنزل ، يضفوا جو من المرح
أقتربت منظمة الحفل منه قائلة بتهذيب:
– جواد بيه أنا خلاص كده عرفت حضرتك عايز الحفلة تبقى إزاى وكمان اصناف الأكل اللى هتتقدم والفقرات بتاعت الفرح حضرتك تؤمر بحاجة تانية
رد جواد قائلاً :
– لاء كده تمام بس عايز الحفلة تكون على مستوى علشان دا مش أى فرح دا فرح بنت عمى وبنت أختى
تبسمت المرأة قائلة :
– بس غريبة ان يكون ليك بنت اخت عروسة كده وأنت لسه شاب يعنى
– لا يا شيخة بجد الكلام ده تحبى تعرفى عنده كام سنة كمان
نطقت بها تالين ،وهى ترى شياطين العالم تتراقص أمام عينيها ،من إطراء تلك المرأة لزوجها
علم هو أن ربما شجاراً بالطريق إليه ، فحاول أن ينهى ذلك الأمر قبل أن يتفاقم أكثر ، فهو يعلم مدى غيرة فاتنته
فتبسم قائلاً بتهذيب:
– أتفضلى حضرتك كملى شغلك
ربما هذا أفضل حل لها ، وهى ترى تلك التى تقف بجانبه ،تتأهب ربما لعراكاً معها
سحبها من مرفقها بلطف يسيران سوياً هامساً لها:
– وبعدين بقى فى غيرتك المجنونة دى يا عمرى الست بتقولها عادى يعنى ثم دى متجوزة وجوزها أعرفه كويس جدا وعندها أطفال كمان
فاتها هذا الأمر ،بخضم تفكيرها العاصف ،بأن إمرأة أخرى ربما تتودد لزوجها
فأبدت ندمها وهى تقول:
– مكنتش أعرف الكلام ده بس لما بشوف ست بتكلمك بتجنن يا جواد وأنا عارفة أن ممكن أكون أوفر فى عمايلى وخصوصاً وأنا حامل ما هو إبنك السبب أعمله إيه بقى الهرمونات طافحة عندى بزيادة
وضع يده على بطنها مبتسماً ، فهو كان سعيداً عندما علم أثناء معاينتها الطبية أنها تحمل جنيناً ذكراً ، فسيكون عوض الله له على ما أخذه منه سابقاً
فهتف بها قائلا بحنو بالغ:
– تقومى بالسلامة يا قلبى ، وأستحمل هرموناتك دى وأمرى لله على ما تخلص شهور الحمل ، ويلا بقى علشان أتمم على كل حاجة وروحى طلعى هرموناتك على ديما وهيلينا بس متأفوريش أوى مش عايز مشاكل النهاردة
دفعها بلطف لتكمل سيرها للداخل ، فتبسمت على قوله ، فكثيرا تشعر أنها ليست زوجته فقط ،بل طفلته أيضاً ، التى إذا سعت للشجار مع أحد ،يسرع هو بفض الأمر معاتباً إياها بحنان ولطف
مرت ساعات النهار سريعاً ، وحل المساء وإسدل الليل ستائره المرصعة بالنجوم اللامعة تضاهى لمعانها ،تلك الأضواء التى أنارت حديقة المنزل بأكملها
بعد أن أنتهى من إرتداء تلك الحُلة السوداء بقميصها الأبيض ، ورابطة عنق أنيقة ، خرج من غرفته ،يدق باب تلك الغرفة التى كانت تنهى بها ديما وهيلينا زينتهما ترافقهما زوجته ، التى رأها ترتدى ثوب أبيض وحجاب ملائم له ، فكانت تشبه العروس بليلة زفافها هى الأخرى
فتحت والدته الباب تبتسم لها يستأذنها بأخذ الفتاتين ، فخرجت هيلينا وديما تتأبط كل منهما ذراع من ذراعيه ، وصل بهما للخارج ، فأسرع كل من نائل وسليم بالأقتراب منه ،ليأخذ كل منهما عروسه
قبل أن يحرر هيلينا وديما من يديه ، حدق بنائل وسليم قائلاً بصرامة:
– أسمع ياض أنت وهو حسك عينك واحد فيكم يزعل مراته ولا يضايقها ولا تجيلى فى يوم تشتكيلى مش هتعرفوا أنا ممكن أعمل فيكم أه أنا بنبهمكم من أولها أهو وأعرفوا أن وراهم أسد يأكل اللى ييجى عليهم بسنانه مفهوم ولا أقول تانى وخصوصاً أنت ياللى أسمك نائل
رفع نائل حاجبه قائلاً:
– هات يا أخويا بقى ومتقرفناش بالوصايا العشر بتاعتك دى ، هى لو دخلت بيتى هتخرج تانى إلا على جثتى
فسارعت هيلينا بالقول :
– بعد الشر عليك يا نائل
تراقص حاجبيه ،ليغيظ جواد يظهر له مدى حب عروسه له ، ولم يكن هو بأقل منها حباً وعشقاً لها ، فأثارت فعلته ضحكة جواد فهو يعلم مدى جنان صديقه
ولكن سليم كان كعهده دائما لطيفاً مهذباً فرد قائلا:
– دى فى عينيا متقلقش
رفع جواد يشير إليه وهو يمازح نائل:
– شايف الرد والأدب يا عديم الأدب بس هقول إيه تور هايج بجد
بدأ حفل الزفاف المنسق بعناية ،حرص عليها جواد لتكون تلك الليلة أفضل ليلة يتذكرونها جميعهم ، فأشتدت أجواء الفرحة والسعادة
يقف ممسكاً بيدها وهى تقف بجواره يستقبل المدعويين ، حتى حان وقت رقصة العروسين ، فأخذها من يدها يراقصها ، يطوقها بذراعيه ، وهى تضع يديها على كتفيه ، تتمايل معه بحرص ، حتى أنتهت أنغام الموسيقى
بعد مرور ساعات تشع بهجة وسعادة ، أنتهى حفل الزفاف ، وأخذ كل منهما زوجته وغادر لمنزله
وصل سليم بسيارته أمام تلك البناية التى تقع بها الشقة التى سيقطن بها برفقة ديما
فتح باب السيارة يساعدها بأن تترجل منها حتى لا تتعرقل بثوبها ، وصلا للشقة ، وفتح الباب فأصر على أن يحملها للداخل ،حتى وصل لغرفة النوم ، فأنزلها من بين ذراعيه على الأرض قائلا بإبتسامة عريضة:
– نورتى بيتك يا حبيبتى
ردت ديما قائلة بخجل:
– ده نورك أنت يا حبيبى يلا علشان نصلى
وقف أمامها يأمها بالصلاة ،وبعد أن أنتهيا منها ،دعى لها ،فأخذ يدها بين يديه قائلاً:
– ديما أنا مش عايزك تزعلى أن أنا اصريت نعيش هنا فى الشقة اللى أشترتها بس صدقينى لما ييجى الوقت المناسب واللى أقدر أثبت نفسى فيه ،هنروح نعيش فى بيت باباكى زى ما كنتى عايزة فمش عايزك تكونى زعلانة من قرارى
حركت ديما رأسها بنفى وهى تقول:
– أبدا يا سليم مش زعلانة بالعكس أنت كبرت فى نظرى أكتر وأكتر يا حبيبى
بعد تلك الكلمة ، لم يكن بحاجة أخرى سوى أن يجعلها تعلم مدى حبه لها الذى نبض بقلبه منذ تلك المرة الأولى التى رآها بها ، فربحت هى زوج عاشق محب ، جعلها ترى حياة أخرى خاصة بهما فقط سيكون هو بها رفيقاً وخليلاً لها
______________
طال إنتظاره وهو جالساً هكذا ينتظرها أن تعود ، فبعد أن أنتهيا من صلاتهما ، وذهابها لغرفة الثياب ، مشددة عليه بالانتظار ، وأن لا يتبعها ،وهو يتململ على طرف الفراش ،يخشى أن يكون حدث لها شيئاً
فنادى بإسمها بقلق:
– هيلينا أنتى فين بتعملى إيه عندك
– أنا جيت أهو يا سى نائل
قالتها هيلينا وهى تخرج من غرفة الثياب ، ترتدى جلباب ضيق لا يصل لكاحليها ، به أشياء تلمع بشكل ملفت للنظر ترتدى أساور بمعصميها ، وسوار حول كاحلها الأيمن يصدر صوتاً رناناً ،ووشاح بمنتصف رأسها تعقص به شعرها ، تمسك بيديها وعاء نحاسى به إبريق تسنده على أحدى جانبيها ، وتضع علكة بفمها تتشدق بها
فغر نائل فاهه ، وجحظت عيناه مما يراه ، فتقدمت منه تصدر صوتاً بأساور معصميها ، تتغنج وهى تمشى بدلال ، تلوك العلكة بفمها يميناً وشمالاً ،حتى خرجت من فمها فقاعة تصدر صوتاً كأنه صوت إنفجار طفيف
فقالت بدلال ظاهر بلكنة صوتها الرقيق:
– أنا جيت أهو يا أخويا كنت بجبلك ماية سخنة بملح ياسيد الرجالة
وضعت وسادة على الأرض ،تجلس عليها وضعت الوعاء أسفل قدميه ، فأخذتهما تضعهما به ،وبدأت بسكب الماء الدافئ على قدميه ، وكل هذا لم يصدر منه قول أو فعل سوى أنه ينظر لها ببلاهة مما تفعله
سحبت أصابع قدمه الواحد تلو الآخر ، فلم يتمالك نفسه فضحك بصوت عالى بسبب تلك القشعريرة التى يشعر بها
بعد أن أنتهت جففت قدميه ، وحملت الوعاء والأبريق ، تضعهما جانباً ، وسحبت منضدة متحركة عليها أصناف طعام شهى ، وبدأت بوضع الطعام بفمه ، وهو ما زال لا يعى ما يحدث معه
ولكن خرج من ذهوله قائلاً:
– هيلينا إيه اللى أنت عملاه ده
تبسمت هيلينا تضع الطعام بفمه وهى تقول:
– أصل شوفت فى فيلم عربى من أفلامكم واحدة بتعمل كده مع جوزها فعجبنى المشهد وقولت أوريك هيلينا الشعبية ،زى ما شوفت الالمانية والهندية والمصرية المتحضرة ، فقولت نرجع لورا شوية ، ودخلتلك فى فيلم أبيض وأسود
حلو الأكل يا سى نائل
عادت ثانية لدلالها ، ترمقه بغنج ، فأبتلع ما بجوفه قائلاً بصوت متحشرج :
– أنتى وربنا بعترتى اللى باقى من عقل سى نائل بس هو سؤال بس يا هيلينا أنتى جبنتى الحاجات دى منين
أجابته هيلينا وهى تشير لجلبابها :
– دى أشتريتها من محل هدوم وأنا بشترى حاجات الفرح والأساور والخلخال من محل إكسسوارات
وعادت لتشير للوعاء والأبريق معقبة :
– ودول أشتريتهم من محل أنتيكات أيه معجبكش الجو اللى عملتهولك
ظنت أنها لم تلقى إستحسانه على ما أراد أن تفاجئه به ، فقبل أن تنكمش ملامح وجهها بضيق ،كان هو يسرع فى إبداء رآيه بأن ما فعلته قد سلب عقله ، خاصة وهى تحاول أن تجعله يشعر أنه تزوج فتاة مصرية الأصل والمنشأ بأساليب وطرق الأفلام القديمة
لم يجد طريقة يبرهن بها على مدى حبه لها ، سوى أن يجعلها ترافقه بجنة العشق ، تُحلق بخفة كالفراشات التى تتنقل من زهرة لأخرى ترفرف بجناحيها بألوانهما الزاهية
______________
مرت أيام أخرى ، حتى حان ميعاد وضع جومانا لطفلتها ، فهى تلبستها حالة من الحزن والألم بعد علمها بمقتل شقيقتها جوليا بتلك الطريقة البشعة
فعلى الرغم من أنها لم ترى من جوليا شئ حسن ، فعندما علمت بمقتلها خرت ساقطة مغشياً عليها
لم تكن تريد لها تلك النهاية ، فعلمت من التحقيقات التى أجراها وكيل النيابة مع هادى ، أن بتلك الليلة التى تم قتلها بها على يده ، كانت ليلة عقد قرانهما ، وعلمت أيضاً بشأن أتفاقهمها على الإستلاء على إرث زوجها الأول بطرق ملتوية ، فهادى أعترف بكل شئ فلا شئ إستطاع إخفاءه
وبتلك الجلسة التى حضرتها هى وزوجها بالمحكمة ، لمعرفة الحكم النهائى لهادى ،تم الحكم عليه بقضاء خمسة عشر عاماً بالسجن
فتذكرت كيف كان هادى يصرخ عندما سمع حكم القاضى بحقه ، حتى كادت أن تجزم أن أحباله الصوتية على وشك الإنقطاع
أفاقت من التخدير وهى تنادى زوجها بصوت خافت:
– قاسم
أقترب منها قاسم باسماً وجلس بجانبها على طرف الفراش يحمل صغيرته التى وضعها بأحضانها وهو يقول:
– أيوة يا حبيبتى ياسمين أهى يا جومانا
ضمت جومانا طفلتها لصدرها وهى تقبل رأسها وعيناها دامعتان بدموع السعادة :
– جميلة أوى يا قاسم هتبقى ياسمين قاسم سعد الدين الوزان
مال بجسده للأمام ، وقبل جبينها بمحبة:
– حمد الله على سلامتك يا حبيبتى ، هى ياسمين وهتبقى ياسمين يعطر أيامنا كلها ، الحمد لله أنكم بخير وسلامة ، أنا هعملها سبوع متعملش لحد قبل كده
ضحكت جومانا حتى شعرت بألم طفيف وهى تقول:
– زى ما عملت لأمها فرح كده كل ما أفتكر يوم الفرح والناس كلها مركزة على بطنى أقول زمانهم بيقولوا العروسة دى عندها أنتفاخ
علا صوت ضحكته ، على ما قالته ، فهو يتذكر أيضًا عندما كانت تحاول أن تتوارى به خجلاً من أن يكتشف أحد أمر حملها
أخذ إحدى يديها بين راحتيه يربت عليها بحنان ، وهو يحمد الله على أن صارت أموره إلى أفضل حال ، وأن زوجته أنجبت له فتاة ، أسماها تيمناً بإسم شقيقته الغالية
___________
أنتهى شهرها الثامن من الحمل ،يتبعه أسبوع أخر ، وها هى ببداية أسبوعها الثانى بالشهر التاسع ، فبليلة أخرى ، أجتمعت بها العائلة وهم يجلسون بحديقة المنزل مثلما أعتادوا أن يفعلوا من وقت لأخر ، التفوا جميعهم حول تلك المائدة التى أوصت عليها كريمة وأن يتناولوا الطعام بالهواء الطلق
تململت تالين بجلستها لا تشعر بالراحة ، فهى بدأت تشعر بألم ببطنها ، فكلما حاولت أن تخفى ذلك ، تتأوه بصوت سمعه زوجها
فرمقها بخوف وهو يراها تنحنى بجزعها للأمام ممسكة ببطنها وبدأت بالتأوه والبكاء ، فجأها المخاض
فصرخت صرخة مدوية :
– أاااااااااه ألحقونى مغص هيموتنى أااااااااه
فزع الجميع على صوتها ،فأقتربت منها والداتها تربت على وجهها تحاول أن تواسيها:
– إهدى يا حبيبة ماما متخافيش
تتابعت أنفاسها ، كأن بالدقيقة التالية لن تجد هواءا تتنفسه فخرج صوتها مغمغما:
– مش قادرة يا ماما ألحقنى يا جواااااد
لم يدعها تكرر ندائها له ، فحملها بين ذراعيه يذهب بها لسيارته ، فتبعته والداته ووالدة زوجته ، وضعها بالسيارة بالخلف وجلس بجانبها كريمة وزينب ، فقاد السيارة بسرعة يتبعه الحاضرين بسياراتهم
وصل للمشفى ،فأكمل مسيرة حملها للداخل ، فأستقبله ممرضات المشفى بسرير وضع تالين عليه ،التى لم تكف عن صراخها المتألم
ظل يذرع ممر المشفى ذهاباً ومجيئاّ أمام غرفة العمليات ، يدعو الله بأن يحفظ زوجته وطفله ، رأى المشفى تكتظ بكل من كان بالمنزل ، وظلوا جميعهم بإنتظار خروج أحد ليطمئنهم على ما يجرى بالداخل
بعد مرور وقت ليس بالكثير ، خرجت ممرضة تحمل الصغير ،واضعة إياه بين يدى والده ، الذى لم يمنع دموعه التى تساقطت فرحاً بمولد صغيره ، أذن بأذن الصغير وناوله لوالدته ، فخر راكعاً شكراً لله
تناوب الحضور على رؤية الصغير وهم مبتسمين ،فعادت الممرضة قائلة:
– هى فين هدوم البيبى علشان نلبسهاله أحنا لفيناه كده على ما تجيبوا الهدوم
تذكر جواد تلك الحقيبة التى أصرت تالين بأن تجعلها بسيارته دائماً تحسباً لموقف كهذا فرد قائلاً:
– ثوانى هجبلك الهدوم بس مراتى عاملة إيه
ردت الممرضة بهدوء :
– زى الفل وشوية وهتخرج
لم يبخل أحد من الحاضرين ، بإعطاء الممرضة نقوداً على مجيئها بالصغير ،فظلت تنظر للنقود بحبور ، تدمدم بالدعاء بالعمر المديد للصغير
تم وضع تالين بإحدى غرف المشفى ، وبعد أن هنأها الحضور أنصرفوا تباعاً وظلت والداتها التى أصرت على زوجها بأن يعود للمنزل هو وبسام على أن تظل هى بجانب إبنتها تلك الليلة حتى تعود للمنزل
تلك اللحظة خاصة به وبمعشوقته ، فرأى والدته تخرج برفقة والدة زوجها ليتاح له الفرصة ، على أن يطمأن على زوجته ، فولج الغرفة وجدها تبتسم له ، والصغير ينام بجانبها
سحب مقعد يجلس عليه بجوار الفراش وأنحنى يقبل رأس الصغير ، وأخذ يدها يقبل باطنها كعادته مغمغماً:
– حمد الله على سلامتكم إنتوا الاتنين يا حبيبتى
– شوفت أدم أبننا عسول إزاى يا جواد
قالتها تالين وهى تمسد على رأس الصغير ، فشعر بأن حواسه جميعها توقفت فجأة بعد سماع أسم الصغير منها ، فكان من المتفق عليه أن يسميا الصغير " تميم " ولكن هى الآن تخبره أنه "آدم"
فعلمت ما يشعر به فشدت على يده وهى مبتسمة :
– أيوة يا جواد هنسميه أدم كنت عايزة أعملهالك مفاجأة وكمان خوفت لتعترض أن إحنا نسميه أدم
مسد على رأسها بحنان بالغ:
– مكنتش هعترض يا حبيبتى لأن ده عوض ربنا ليا ربنا عوضنى بيكى وبيه
فهمس مستطرداً :
– أدم حبيب بابا وفرحته اللى رجعت بعد غياب
عادت للمنزل تسير بجانب زوجها الذى يحمل صغيرهما ، يضمه إليه بإشتياق لضحكة طفل غائبة ، وقد أذن الله لها بأن تعود تحمل السعادة لقلبه وقلب زوجته
_____________
مرت أيام و أعوام لم يصدق أحد منهما أنها مرت هكذا بدون أن يشعران بها ، فها هى تقف أمام المرآة ترتدى حجابها لا تصدق أنها أصبحت أم لخمسة ذكور وفتاة ، تبسمت عندما تذكرت أنها كانت هى من تلح على زوجها بالأنجاب
فبعد إنجابها أدم أنجبت يوسف والتوأمان زياد وزين وأيضاً تميم والصغيرة تولين التى لم تكمل عامها الأول بعد و الذى أصر زوجها بتسميتها هذا الإسم لتحمل الكثير من إسمها فالفارق بينهما حرف واحد ، وتلك هى التى جاءت تنازعها على قلبه ، فعندما علمت بحملها بها ظلت تبكى كثيراً فكيف لها أن تنجب وأبنها البكر شاباً على وشك إتمام دراسته الجامعية ، ولكن كالعادة نجح جواد بتهدئة الوضع ، حتى حان مجيئ الصغيرة
سمعت صوت خطوات تقترب من الغرفة ،فإستدارت برأسها ورأت جواد يلج الغرفة حاملاً الصغيرة على ذراعه تضع هى رأسها على كتفه بإرتياح ظاهر يمسد هو عليها بحنان ومحبة
فحدق بزوجته قائلاً:
– خلصتى يا تالين يلا زمان أدم على وصول
تنهدت تالين بشوق لولدها الغائب:
– ده وحشنى أوى يا جواد أنا عارفة إزاى وافقتك أن أدم يسيب حضنى ويروح يتعلم برا أكيد أنت خدرتنى وضحكت عليا على ما وافقت وهو سافر
أرتعدت الصغيرة بخفة بعد سماع ضحكة والداها ، فرفعت رأسها عن كتفه ،تقبله قرب فمه وهى تتلمس فكه بطفولية
كأنه نسى كل شئ وظل يقبل الصغيرة بنهم وهو يغمغم :
– قلب بابا أنتى يا تولين
رفعت تالين إحدى حاجبيها قائلة:
– لا والله يا أخويا أنت وبنتك اللى كلت عقلك دى كأنك
مخلفتش غيرها
داعب جواد أنف الصغيرة قائلاً بتفكه:
– أمك غيرانة من حبى ليكى يا تولين متعرفش أن تولين وتالين مالكين قلب الجواد وأن أنتوا وأخواتك أغلى ما ليا فى الدنيا دى كلها
سمعا صوتاً صاخباً يأتى من الأسفل، فخرجا من الغرفة ليروا علام تلك الجلبة بالأسفل
هبطت تالين الدرج بجوار زوجها ، فعلمت بمجئ هيلينا ونائل وديما وسليم وأولادهم وأن تلك الجلبة بسبب إبنة نائل لينا التى كلما رأى يوسف يقترب منها يفتعل شجاراً ممازح معه
رفع نائل رأسه ينظر لجواد قائلاً وهو يشير بيده ليوسف ، ذلك الفتى اليافع الذى يصغر أدم بعامين فقط :
– أنت هتلم إبنك ده ولا لاء يا جواد لسه شايفه بيدى بنتى وردة وبيقولها نورتى البيت
رد جواد قائلاً بإستياء مصطنع:
– أنا قولت برضه أن الهيصة دى بسببك هو الواد عمل حاجة ما تقيل وراسى أهو زى أبوه ما بنتك اللى بتتلزق فيه
ضحكت ديما قائلة:
– الحمد لله ولادى التلاتة ولاد يعنى مش هنتخانق أنا وانت يا جواد
فإبتسم سليم هو الآخر قائلاً بتفكه:
– الحمد لله يا ديما لقد نجينا من الفخ
فرد أبنهما الصغير قائلاً:
– لاء يا ماما أنا هتجوز تولين لما تكبر
شهقت ديما قائلة:
– يالهوووى هو أنا قد خالك جواد ومش لاقى اللى تولين اللى عامل عليها حظر
أقتربت هيلينا منها قائلة بتفكه:
– أنا مش عارفة كل واحد مخلف بنت عامل عليها حراسة جواد لتولين ونائل للينا وناسى الولدين اللى خلفتهم قبلها رجالة عنصرية
خرجت كريمة من غرفتها تتباطئ مشيتها ، بعد أن نال منها الكبر وهى تقول :
– مش بيقولوا البنت حبيبة وست أبوها
ناول جواد الصغيرة لتالين وأقترب من والداته يقبل يدها بحب يساعدها فى أن تجلس بمقعدها المفضل
وخرج الأولاد للحديقة ، بينما ظلت تالين تترقب وصول أدم وهى تفرك يدها بتوتر ، فزوجها لم يشأ لها أن تذهب للمطار ،وتثير مشهداً درامياً بوصول الشاب العائد بعد أن أنتهى من تحصيله الدراسى بأحد الجامعات البريطانية وحصوله على شهادة التخرج بالهندسة
شد جواد على يدها ليجعلها تكف عن فعلتها المتوترة ، وهو يداعب الصغيرة الجالسة على ساقه ، ولا تفارقه أبداً إلا بذهابه للعمل ، فحتى بنومها تنام معهما بنفس الغرفة بمهد خاص بها قريباً منه
صاح ذلك الشاب الذى ولج للتو قائلاً:
– وحشتوووووونى كلكم
هبت تالين من مكانها تقترب من ولدها تحتضنه بشوق وحنين ، فحملها يدور بها بسعادة قائلاً بمشاغبة :
– وحشتينى يا تالين
تعلقت بعنقه وهى دامعة العينين:
– حمد الله على سلامتك يا حبيبى البيت نور برجوعك يا روحى
أبتعد عنها قليلاً وهو يقبل يدها:
– أنتى اللى وحشتينى أوى يا تالين إيه القمر ده دا أنا لو خرجت معاكى مستحيل حد يصدق أنك أمى هيفتكروكى خطيبتى
– أدم أحترم نفسك
هذا صوت والده ،الذى طالما أحب أن يشاكسه بتدليل والدته ،لعلمه أنه يغار ، فأبتعد عنها يقترب منه فأحتضنه جواد بحب ، فهو يعلم مدى حب والده له ، وخاصة أنه ولده البكر
بعد أن أنتهى من الترحيب بعودة ولده الغائب وجد أطفاله الأربعة الآخرين يقفون صفاً واحداً قائلين بصوت واحد:
– هو مفيش غير أدم وتولين وإحنا لاء
فأشار إليهم جواد بالاقتراب فتدافعوا إليه فضمهم إليه قائلاً بمحبة:
– أنتوا كلكم عندى غلاوة واحدة بس علشان ادم كان مسافر ورجع وتولين لسه صغيرة لسه مشفتش دلع زى الدلع اللى انتوا ادلعتوه وانتوا كنتوا صغيرين زيها كده بس عايزكم تعرفوا أن كلكم حبايب قلبى
أجتمع كل الحاضرين ،وأكتملت سعادة تالين بحضور والدايها وشقيقها بسام وطفليه وزوجته سهى إبنة خالتهما بدور وشقيقة سليم
ظلت تالين تراقب ولدها أدم وخاصة أنه جالساً يداعب شقيقته الصغرى فهو لم يراها إلا عبر الهاتف ، كأنه هو زوجها بملامح وجهه التى تشبهه لحد كبير ، وحنانه وعطفه على الآخرين وعلى أشقاءه فربما إستجاب الله لدعوتها بأن يكون لديها نسختها من جواد حبيبها ، الذى لم تنال السنوات من وسامته ، سوى بعض الشعيرات البيضاء المتفرقة بلحيته ، فمازال شعره حالك السواد ، فإبتسمت بخفوت عندما تذكرت تأففه من عبثها بشعره دائماً ، ولا يعلم أنها مفتونة به
بعد إطمئنانها لخلود أولادها للنوم كل منهم بغرفته ، كأنهما مازالوا صغاراً ولا بد أن تدثرهم بالغطاء ،ولجت غرفتها وجدت زوجها مستلقياً على الفراش ، تتوسد الصغيرة صدره بجسدها الضئيل ،يطبق عليها بذراعيه مستغرقاً بنومه
اقتربت منه بهدوء لأخذ الصغيرة لتضعها بفراشها ،فحلت ذراعيه عنها ، فتملمت الصغيرة ، ولكن هدهدتها وعادت للنوم ثانية ، وضعتها بمهدها ودثرتها بالغطاء تقبلها على وجنتها المكتنزة
لم يواتيها النوم ، فولجت للشرفة وجلست على الأرجوحة الموجودة بها تضم ركبتيها تنظر للسماء مبتسمة ، تتذكر حالها مع زوجها منذ أن رأته حتى اليوم ، فسمعت صوت خطواته فإلتفتت إليه ترمقه بصمت
جلس بجوارها فزادت الأرجوحة بتمايلها من ثقل جسده ، الذى مازال محافظاً على تناسقه مثلما كان دائماً
جذبها إليه فوضعت رأسها على كتفه :
– إيه اللى مخليكى قاعدة هنا أنا حسيت بيكى وأنتى بتاخدى تولين بس أفتكرت أنك هتنامى بس لقيتك دخلتى هنا بس لقيتك غيبتى عنى فجتلك
تنهدت تالين قائلة بصوت عذب:
– مجليش نوم فقعدت أفتكر كل أيامنا مع بعض من أول مرة شوفتك فيها وكنت عمالة أقولك ناديلى والدك وكان فاضل شوية ونتخانق لحد اللحظة اللى أنا فيها دلوقتى
بجد يا جواد أنت حب عمرى وأحلى صدفة وأجمل قدر حتى مش هقدر أوصف بالكلمات حبى ليك
أقترب جواد منها هامساً:
– وأنتى أحلى ما فى العمر يا تالين
زحفت يداها تلقائياً لتطويق عنقه ، ربما لتقتنص من الزمن ،ذكرى حلوة أخرى تضاف لرصيد ذكرياتها الغالية ، فدائماً كان حريصاً على أن يعتنى بزهرته وأن لا يجعل أوراقها اليانعة تجف بإهماله لها ، فأسقاها غراماً وهياماً ، حتى أرتوت روحها التى تشعر بالظمأ فى غيابه عنها ، فبكل ما فعله وسيفعله يجعلها تعلنها صريحة مدوية بأنها " أصبحت أسيرته "
تمت بحمد الله
بقلم سماح نجيب " سمسم "
___________
أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت 25 والاخير ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية نار وهدان الحلقة الاولي أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .