نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 24 من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل الرابع والعشرون
* أصبحت أسيرته *
٢٤– " إبتسامة ورجاء "
شقت إبتسامة عريضة شفتيه ، بعد سماعه إدلائها بموافقتها على ما أبداه من خطة وشروط ستكون منهاجاً لهما ، حتى يحدث ما أستهوى نفسيهما الجشعة
شعر هادى بثقة بالنفس ، وهو يرى عينيها تتفحص ملامحه ، بإعجاب لم تستطيع أن تخفيه ، فألتوى ثغره بإبتسامة زهو ، تاركاً إياها تشبع عيناها من رؤية ظاهره ، فهى لا تعلم ما يوجد خلف تلك الوسامة والبنية الجسدية التى أثرت إهتمامها
– وسيم أوى مش كده يا جوليا
قالها هادى قاصداً إحراجها بالمقام الأول ،فهى من كانت منذ دقائق لا تريد رؤية وجهه ، صارت متمعنة النظرات به
حاولت أن تتصنع اللامبالاة ،فأشاحت بوجهها عنه قائلة بسخرية:
– على أساس أن مفيش أوسم منك عمك طلعت كان أوسم منك ومكنش بيبان عليه سن فبلاش غرور يا دكتور هادى
وإحنا العلاقة بنا هتبقى علاقة منفعة مش أكتر
أى منفعة هى تقصد ، هل هى منفعة حسية ؟ أم منفعة مادية ؟
فبكلتا الحالتين ،لن يخسر هو شيئاً ، بل ربما سيكون مكسبه ليس إرث فقط ، بل إمرأة ربما تتناسب مع اهواءه التى لا يقال عنها سوى أنها أهواء مريضة
تركت مقعدها فهى ترى أن تلك الجلسة قد طالت عن اللازم ، فإستقامت بوقفتها ترفع يدها تشير بها تجاه الباب:
– كفاية كده النهاردة أنا عايزة أنام مع السلامة
نهض هادى عن مقعده ،يهم بالانصراف ولكن تباطأت قدميه قبل ان يصل للباب ،فألتفت لها قائلاً بتحذير:
– أنا ماشى يا جوليا بس إياكى تفكرى تعملى تصرف يخلينى أقلب التربيزة عليكى ، وأخليكى تخرجى إيد ورا وإيد قدام سلام يا جوليا
أنتهى من تحذيرها ، أو بالأصح تهديدها ، خارجاً من باب المنزل يغلقه خلفه بعنف ، فإنتفضت من صوت إغلاق الباب
فدبت الأرض بقدميها قائلة بغيظ:
– دا أنت أتاريك بلوة وشيطان وأنا مش واخدة بالى دا أبليس يقولك يا أستاذ
ولكن حتى وإن كان هو وغد لعين ، فهى ليست إمرأة ضعيفة ، بل بها شر مماثل لشره ، لذلك تشعر بإنجذاب غريب له ، خاصة بعد أن انكشفت جزء من أطماعه اليوم ، فكم من شيطان يسكن بداخل من يدعى المثالية والاحترام
________________
دمعت عيناها بسعادة ،وهى تستمع لهذا النبأ السار من ولدها ، فأخذته بين ذراعيها تحتضنه بحنان ، تربت على ظهره تارة وتمسد عليه تارة أخرى ، كأنها لا تجد من الكلمات ما تصف به سعادتها الآن ،وهو يخبرها أن الله قد من عليه وسيرزقه هو وزوجته بطفل
فأبتعد عنها قليلاً فخرج صوتها متحشرجاً وهى قائلة بسعادة:
– ألف مبروك يا حبيبى ألف مبروك فرحت قلبى يا جواد تقوم بالسلامة ان شاء الله
انحنى جواد على يديها يقبلها مغمغماً:
– الله يبارك فيكى يا أمى وتسلميلى وييجى وتربيه أنتى على إيدك
تبسمت كريمة بوجهه قائلة:
–ييجى ويتربى فى عزك أنتى يا حبيبي
تركته دقيقتين ، لتعود تحمل بيدها صندوق خشبى ، به مصاغها وجواهرها الغالية ، فتحت الصندوق تفتش بداخله عن شئ ، سرعان ما وجدته فرفعته من الصندوق يتدلى من بين أصابعها ولم يكن سوى عقد ماسى تلتمع حبات الألماس به ببريق أخاذ
فتبسمت تناوله إياه:
– خد يا جواد أدى العقد ده لمراتك العقد ده غالى عليا أوى ده أبوك الله يرحمه اشترهولى لما عرفنا أن أنا حامل فيك ، خليها تلبسه دا هديتى ليها
قبل أن يجيبها جواد سمع صوت تالين التى ولجت الغرفة لتوها :
– بقى كده تخمنى وتخلينى فى الحمام وتيجى تقول لطنط لوحدك عجبك كده يا طنط عمايل ابنك مع أن قيلاله ان إحنا هنقولك مع بعض ،بس أنا اللى طولت فى الحمام شوية
ضحكت كريمة على حديث زوجة إبنها ، فأشارت لها بالاقتراب ،فأقتربت منها تالين تجلس ممتعضة مستاءة كطفلة أخذ منها أحد حق الأسبقية بقول شئ يخصها هى بالمقام الأول
عقد جواد حاجبيه قائلاً بتبرم:
– وفيها ايه يعنى إن مقدرتش أصبر على الخبر الحلو ده دا كويس انك ملقتهوش منشور فى الجرايد
شهقت تالين وهى تقول:
– وماله أعملها علشان الموضوع يتنحس من أوله مسمعتش عن المثل اللى بيقول دارى على شمعتك تزيد ولا تئيد باين
يحاول كل منهما المزاح على طريقته الخاصة ، تجلس كريمة بينهما كحكم إحدى المباريات
حتى صاحت بهما قائلة بصرامة مفتعلة:
– بااااااس بقى أنتوا الاتنين اقولكم انا بقى يلا على أوضتكم وجعتوا دماغى يلا هش
نهض جواد يشير لتالين بالنهوض هى الاخرى قائلا بإبتسامة:
– عجبك كده اهى أمى بتطردنا اللى عمرها ما عملتها الست الطيبة الأميرة دى
حمحمت تالين قائلة بتفكه:
– متخافش طول ما انت متجوزنى هتشوف العجب
أثنت كريمة على الله بالدعاء من رؤيتها سعادة إبنها ، التى كانت غائبة عنه وعن المنزل ، تدعو الله أن يديم سعادتهما
عادت لغرفتهما مع زوجها الذى سارع بحملها ،يلج الغرفة مغلقاً الباب بإحدى قدميه ، تضع رأسها على كتفه مطوقة عنقه بذراعيها
وضعها على الفراش ،تذكر هدية والدته لها ،فأخرج العقد من جيبه قائلاً بحب:
–تالين العقد ده هدية أمى ليكى لما عرفت أنك حامل والعقد ده غالى عليها علشان بابا اشترهولها لما كانت حامل فيها فعيزاكى تلبسيه
إعتدلت تالين بجلستها ، لملمت شعرها ترفعه عن عنقها قائلة بإبتسامة صافية:
– هى مامتك سبق وهديتنى أغلى هدية اللى هى أنت يا حبيبى لبسهولى يا جواد
وضع العقد حول عنقها المرمى ، فأقترب أكثر منها ليغلقه من الخلف ، فتنفست رائحته ، تغمض عيناها بإنتشاء من رائحة عطره
فهمست بصوت دافئ :
– بحبك
همسها بتلك الكلمة بصوتها الرقيق ، يشبه ترقرق الماء العذب بجدول فى حديقة العشق الغناء بود ووصال وهمسات وبوح بأسرار تخصهما وحدهما
كلمة واحدة تضمنت ما تحمله بقلبها ، فحتى الكلمات لن تكون كافية ، فتلك العواطف والمشاعر الحلوة التى تشعر بها ، كأن الكلمات تصبح أحياناً عاجزة عن البوح بما يعتمل بقلبها ، كلما رأته ، أو أقترب منها
سماع تلك الكلمة منها ،جعلت يداه التى عملت على إغلاق العقد حول عنقها ،هى من أن أنزلقت تطوقها بتملك ظاهر ، تملك لا تريده ولا تهواه إلا منه هو ، فكم تحب أسرها بين يديه ، وأن تحتمى بين جدران قلبه ، تسمع صوت خفقاته كأنغام يظل صوتها عالقاً بعقلها طويلاً
____________
لاتعلم أين وضعتها؟ تدور حولها نفسها ،كأنها أضاعت شئ ،تعتصر عقلها لتتذكر أين وضعت ما تبحث عنه والذى لم يكن سوى تلك الثياب التى أحتفظت بها منذ مولد إبنتها ، وهاهى الآن علمت بأن أبنتها حامل ، وتريد أن تعطيها تلك الأغراض التى ظلت محتفظة بها وقتاً طويلاً
تعجب زوجها عن بحثها المستمر فهتف بها بغرابة:
– فى إيه يا زينب بتدورى على إيه كده وقلبتى الدولاب
أجابته وهى مازالت تفتش بيديها بين الثياب :
– تعال يا جلال دور معايا على الهدوم اللى كانت بتاعة تالين لما اتولدت
أفتر ثغره عن إبتسامة وهو يقول:
– هتعملى بيها إيه يا زينب وأنتى إيش عرفتك أن تالين هتخلف بنت ما يمكن ربنا يرزقها بولد
إلتفتت إليه قائلة بإبتسامة عريضة:
– أنا مش بتكلم على أنا هتخلف ولد ولا بنت أنا بس كنت عايزة أديها هدومها اللى كنت محتفظة بيها وهى هتفرح بيهم
عادت لتكمل بحثها ،حتى وجدت الثياب ، رفعتها بين يديها تشتم رائحتها ،كأنها تتذكر مولد إبنتها ، فظلت تتحسس القماش بحنين لأيام كانت بها إبنتها طفلة صغيرة ، فهى فرحتها الأولى التى من الله بها عليها ، لتنجب بعد ذلك بسام
فتذكرت أنها يجب أن تخبره بشأن حمل شقيقته ،فوضعت الثياب على الفراش بجوار زوجها الذى عاد يقرأ الجريدة ،وخرجت من الغرفة ، ذهبت لغرفة بسام ،وجدت جالساً يضع يده على وجنته يحدق بالفراغ
فأقتربت منه وحطت بيدها على كتفه قائلة بتساءل:
– مالك يا بسام قاعد ليه كده
رمقها بسام بهدوء يزفر أنفاسه بخفوت:
– مفيش بس أول مرة هذاكر للإمتحانات من غير تالين كانت بتفضل مقعدانى قدامها علشان أذاكر أينعم أنا بكره المذاكرة كره العمى بس كنت بحب أقعد اذاكر معاها
جلست زينب على طرف الفراش قائلة بمحبة:
– ربنا ميحرمكوش من بعض يا حبيبى وعندى ليك خبر حلو تالين حامل يعنى أنت إن شاء الله قريب هتبقى خالو
أنتفض بسام من مكانه صارخاً بسعادة:
– بجد يا ماما الكلام ده تالين هتجيب بييى
أومأت برأسها موافقة ،فتركت مكانها قائلة:
– على فكرة شوية كده هنروح نشوف أختك هتيجى معانا ولا إيه
حرك رأسه بحماس ، خلاف تلك المرات التى كانت تراه متردداً فى المجئ معهما ، وهذا ما كان يثير حيرتها ،فلم تستطيع كتمان ما تشعر به
فحدقت به قائلة بتعجب:
– أول مرة أشوفك متحمس أنك تيجى معانا عند أختك يا بسام كنت دايما بحس أنك خايف تيجى معانا ومش عارفة ليه زى ما يكون فى حاجة مخوفاك ومش راضى تقول ، قلبى بيقولى أنك مخبى عليا حاجة إيه هى يا بسام
ظلت إبتسامته تخبو شيئاً فشيئاً بسماع حديث والدته ، أبتلع لعابه حتى شعر بجفاف حلقه ، فهل تعلم والدته بما حدث ، وتحاول أن تجعله يخبرها بكل شئ ، أم أن هذا حدسها لا أكثر
حمحم يجلى صوته قائلاً يدعى الجهل:
– مش فاهم يا ماما تقصدى إيه عادى هو أنا هخاف من إيه يعنى دا أهل جوزها ناس كويسين جدا بس أنتى عارفة أن أنا مش باخد على الناس بسرعة بس أدى كل الحكاية ولما عرفتهم كويس أطمنت أن أختى عايشة سعيدة مع جوزها فبقى الموضوع عادى متحمس ان أروح اشوفهم وأباركلها وكمان علشان أديها إنذار أن هعمل إبنها الفساد هيبقى تربية خاله
تفكه بجملته الأخيرة ، رغبة منه فى صرف تفكير والدته عن سبب تحوله المفاجئ ، فلا نفع بفتح أبواب الماضى ، فكل شئ أنتهى على أفضل حال ، وشقيقته تحيا سعيدة برفقة زوجها ،الذى قدمت له الثناء والشكر على أنه كان سبباً لذهابها إليه ومعرفتها به
حتى إن لم تقتنع بما قاله بسام ، فهى لن تسأله ثانية ، فهى عادت وتذكرت أمر ذهابها لرؤية أبنتها ، فخرجت من الغرفة بعد تشديد أمرها له بالاسراع فى إرتداء ثيابه ، ولا يتركهما ينتظرانه وقتاً طويلاً مثلما يفعل بالعادة
______________
مرت الأيام حتى حان موعد عقد قران كل من ديما وسليم ونائل وهيلينا ، فبعد أسبوع واحد سيقام حفل الزفاف ،فأصبح منزل جواد يعج بالمدعويين من كلا الطرفين
جلس المأذون بين جواد وسليم وبدأ بعقد القران ،وتعالت صوت الزغاريد من والدة سليم ووالدة تالين ،لينتهى عقد القران ، ويحين دور نائل ، فجلس بحماس لا يضاهيه حماس ،واضعاً يده بيد جواد
فهتف قائلاً بسعادة غامرة:
– يلا بسرعة يا عم الشيخ أكتب الكتاب دا أنا خللت من الإنتظار
تعالت أصوات الضحكات من أفواه الحضور ،على ما تفوه به نائل ، فهو بالأيام الماضية ، كان يمارس أقصى درجات ضبط النفس ،حتى تمر تلك الأيام بسلام ، فساحرته الألمانية ، كل مرة يراها بها ، ينعت نفسه بأسوء النعوت على موافقته أن ينتظر ، ويراها هكذا أمامه ولا يستطيع الإقتراب منها
فهتف به المأذون قائلا بهدوءه المعهود:
– صبراً يا عريس فبالتأنى السلامة
أجابه نائل متفكهاً:
– والله صبرت كام شهر يا عم الشيخ ومخزون الصبر عندى خلص هتجوزونى ولا إيه عايز أتجوز يا ناس
سحق جواد يد نائل من أسفل المحرمة القطنية التى وضعها المأذون على كفيهما فغمغم من بين أسنانه:
– ما تحترم نفسك بقى يا أخى كسفت البت ووشها جاب ألوان يا عم التور أنت
لم يهتم نائل بألم يده أكثر من أن يرى كيف أصطبغ وجه هيلينا بحمرة قانية ، وكريمة تضمها إليها تهمس لها بشئ فى أذنها
بدأ المأذون بعقد القران حتى أنتهى بجملته الشهيرة ، فسحب نائل يده سريعاً من يد جواد قائلاً بأنين:
– كنت هتكسر أيدى يا جواد حرام عليك يا أخى
أجابه جواد ببرود:
– كويس أن مكسرتش رقبتك كمان على الدوشة اللى أنت عاملهالنا دى يلا مبروك ولو أنها خسارة فيك
يعلم نائل أنه يمازحه ، فتبسم على قوله ، ولكن عيناه بحثت عنها هى ،تلك التى أقسمت على أن تجعل السهاد حليف عيناه حتى تأتى لمنزله ، فخرجت منه تنهيدات حارة وهو يهمس بإسمها بهمس يسمعه هو فقط " هيلينا "
عيناها ترصد ما يجرى حولها ، ولكن عندما ترصده هو ، فليس بإمكانها أن تحيد بناظريها عنه ، فتبسمت وهى تمسد على بطنها التى أنتفخت إنتفاخاً ملحوظاً ، تأمل عندما تذهب تلك المرة للمعاينة الطبية أن تخبرها الطبيبة أنها تحمل جنيناً ذكراً
فهى تريد ولد يشبه ، ليس ليحمل دماءه فقط ،بل يحمل كل صفاته وأخلاقه وحبذا لو أتم الله نعمته عليها وجاء يشبهه بملامح الوجه ، فيالسعادتها عندما تحصل على نسختها المصغرة منه
بخضم أمنياتها ودعائها ، كان هو يراقبها وهى شاردة مبتسمة المحيا ويداها تعمل على تمسيد بطنها بلطف وإحتواء كأنها تحمى كنزها الثمين ، فكم هو مغرماً بأفعالها ، التى لا تزيد قلبه سوى تعلقاً بها وبوجودها بحياته
ألحت ديما على أن تتحدث مع سليم بأمر هام بمفردهما ، فخرجت برفقته لحديقة المنزل ، فجلست على أريكة خشبية أسفل إحدى الأشجار الضخمة
أشارت على مكان يبعد عنها قائلة بإبتسامة خجولة :
– أقعد يا سليم علشان عايزة أتكلم معاك فى موضوع مهم
جلس سليم ولا ينكر تلك الريبة التى سكنته من إلحاحها بالحديث معه يخشى أن يكون هناك شيئاً لا يعلمه يفسد سعادتهما
– خير يا ديما فى إيه أنتى كده قلقتينى
إفتر ثغرها عن إبتسامة مشجعة وهى تقول:
– متقلقش أوى كده يا سليم خير إن شاء الله أنا بس كنت عايزة أطلب منك أن إحنا نعيش فى بيت بابا
لم يجيبها سليم فى الحال ،بل ظل صامتاً ليفهم مغزى حديثها فزوى ما بين حاجبيه قائلاً :
– مش فاهم يا ديما يعنى إيه نعيش فى بيت باباكى والشقة اللى أشترتها وجهزتها دى
خشيت هى أن تخبره بهذا الأمر ببداية خطبتها ، فهى تستطيع أن ترى أنه يعتز بكبرياءه ، حريص على تقديم الأفضل لها ، ولكن منزل والداها منذ وفاته وتركها له للمجئ لمنزل عمها وهو خالى ومهجور ، فأرادت أن تعود لتعيش به برفقته
ردت ديما قائلة بهدوء:
– البيت يا سليم مقفول بقاله سنين وحرام أفضل أسيبه كده أنا كنت خايفة أروح أعيش فيه لوحدى وجواد وطنط كريمة مكنوش هيوافقوا على أن أعمل كده ، بس البيت عزيز عليا أوى ومن ريحة بابا وهو قريب من هنا مش بعيد ، وهات مامتك وأختك وكلنا نعيش فيه البيت واسع زى البيت ده بالظبط علشان أنتوا بقيتوا عيلتى وصدقنى يا سليم والله العظيم أنا مقصدش من طلبى ده أن أقلل من اللى انت عملته علشانى أنا أعيش معاك فى أى مكان كفاية أنك الوحيد اللى دخلت قلبى وحبيته وشوفت فيك اللى مشفتوش فى حد تانى ، وصدقنى لو رفضت مش هزعل أنا بس كنت عايزة أعيش وسط عيلة ودفا زى اللى كنت عايشة فيه هنا لما تجيب مامتك وأختك يعيشوا معانا ، أينعم أنا طلعت عين جواد وزهقته ،بس عمره ما حسسنى أن مليش سند أو أن سندى راح بموت بابا لاء كان هو زيه بالظبط ودلوقتى أنت اللى هتبقى سندى يا سليم ، فأنت فكر فى كلامى وأى قرار هتأخده أنا هوافق عليه ومش هعترض
اختتمت حديثها بإبتسامة ، فإستند بوجه على كفيه المضموتين ، يفكر فيما قالته ، فأتخاذ القرار بهذا الشأن يحتاج تفكير بروية ، فهو لا يريد أن يقول أحد أنه تزوجها من أجل مالها ، أو أنه يحيا حياة الترف والبذخ بفضلها ، فهو رجل معتد بكرامته وكبرياءه ، لايريد أن ينظر له أحد نظرة لا تعجبه
فأجابها بتهذيب وهدوء:
– سبينى أفكر فى الموضوع يا ديما مش هينفع أقولك قرارى دلوقتى لازم أفكر كويس
أنهى الأمر بتلك الكلمات ، فوجدها باسمة ، ولا يعرف علام هى تبتسم هكذا ؟ فهى إن كانت راغبة فى تحقيقه له أمنتيها ،ولكنها تشعر بسعادة لا تضاهيها سعادة ، من أنه يرفض كل تلك المغريات،ولا يريد سواها هى فقط
____________
أنتهت العدة الشرعية لتلك الأرملة الفاتنة ، وباليوم التالى ، أعد هادى كل شئ من أجل عقد قرانهما بهدوء وخفية بدون علم أحد طبقاً لتلك الخطة التى وضعها ، أنتهى المأذون من عقد القران منصرفاً وخلفه الشاهدان اللذان تدبر هادى أمرهما ،من أجل التوقيع على قسيمة الزواج ، بعد أن رحل كل من كان موجوداً ، ظلت بمفردها معه وجهها لوجه
تصاعدت نظراته من قدميها مروراً بساقيها المكشوفتين حتى ركبتيها ، لتتابع عيناه مسيرتها بتفحص ما تبقى من تلك المرأة المتغنجة بثوب بضيق ، لا يعلم كيف إستطاعت إرتداءه ، وهو يشبه فستان لطفلة صغيرة
سيجاره المتدلى من فمه وهو يجلس بإرتياح على مقعد مقابل لمقعدها ، أضفى عليه مظهراً عابثاً ، لقى صدى إستحسان لديها وهى تحيك بخاطرها ما لاتستطيع الإقرار به صراحة
لابد من شئ يكسر هذا الصمت والجمود الظاهرى بتلك الجلسة ،فهتف بها قائلاً بخبث وبرود:
– إيه يا جوليا ناوية تقعدى هنا ولا هتروحى بيت عمى أصل الصراحة مجهد أوى وعايز أنام
أثار نقمها وسخطها ، ألم تحرك به ساكناً ،وهى ترتدى تلك الثياب وبجمالها الذى يهواه الرجال ، يحدثها هكذا ببرود مزعج
نقرت بإصبعها على طرف مقعدها قائلة بعدم إكتراث:
– لاء هروح لأن بيتك مفيهوش حاجة تخلينى أقعد يا هادى بيت بارد ومزعج بألوانه دى اللى تتعب العين والأعصاب وبالصور الغريبة اللى أنت معلقها على الحيطان دى
تأملت الصور على الجدارن ، كأنها تنطق بالقسوة وبتعذيب النفس وألامها ، صور تثير الرعب أكثر ما تثير الإعجاب
فضلت أن تعود لمنزلها ، عوضاً عن الجلوس برفقة ذلك الرجل الذى أصبح يسمى الآن زوجها ، تركت مقعدها تتجه صوب الباب ، قبل أن تدير مقبضه ، كانت يده تسبقها فى جذب إحدى ذراعيها ،حتى أصتطدمت بجدار خلفها
فتأوهت بألم قائلة بسخط:
– فى إيه براحة كنت هتكسر دراعى وضهرى كمان وجعنى من خبطة الحيطة إيه الهمجية دى
أقترب منها يحاصرها بينه وبين الجدار هامساً :
– أنتى لسه شوفتى همجية يا جوليا
منذ حادث إنتحار نايا ، وهو لم يقرب أنثى ، فهى من كانت تأتى له بالفتيات أو أن تكون هى الضحية مقابل المال ، أما الآن فلديه زوجة فليذيقها القليل من وحشيته التى يستمتع بها وخاصة بصراخ ضحيته
بدأ الأمر بعناق هادئ ، ليجعلها تأمن جانبه بالبداية ، فأتت فعلته بثمارها ، فلم يحتاج لوقت طويل ،حتى كانت تمنحه موافقتها على أن تصبح زوجته فعلاً كما أصبحت قولاً
ظنت بالبداية أن ما يفعله ماهو إلا لعبة ،حتى وجدته يزيد بأمر إيذاءها ،حتى أنتفضت تنكمش بالفراش تضم جسدها
مسحت تلك الدماء النازفة من جانب فمها قائلة ببكاء:
– أنت مجنون أيه اللى عملته ده إزاى أنت مستحمل نفسك كده أنت باين عليك مريض ومعتوه ومجنون أبعد عنى
صوت توسلها له لم يزيده ، سوى سريان نشوة الوحشية والقسوة بعروقه ، فعادت إليه طباعه الغير أدمية دفعة واحدة، فهو سيقضى ليلة لم يقضى مثلها منذ أشهر ، فأفرط بأمور وحشيته حتى صار جسدها هامداً ساكناً سكون مقلق
لم ينتبه لما يفعل إلا عندما وجد صوتها يكف عن الصياح والتوسل بتركها ، فأسرع بالابتعاد عنها يربت على وجهها ولكنها لا تستجيب له
دار حول نفسه يبحث عن شئ يجعلها تستعيد وعيها، فالعطر الذى جلبه من أجل إفاقتها لم يفيد بشئ ، فجسدها اصبح بارداً ، أمسك يدها يتحسس نبضها فلطم خده وهو يعلم أنها فارقت الحياة
جلس بجانبها على الفراش وهو ينتحب كالنساء قائلا:
– أنا عملت إيه عملت إيه أنا روحت فى داهية
لم يكن لديه الوقت الكافى للتفكير ، فإرتدى ثيابه على عجالة ، فهو يجب أن يتخلص من جثتها قبل أن يعلم أحد ، لف جسدها بشرشف الفراش يحملها حتى وصل لسيارته ، فالليل قد أنتصف منذ ما يقارب الساعتين والآن الساعة الثانية ، وضعها بسيارته فى الخلف ، وليذهب لإحدى المناطق المعزولة وليلقى بجثتها ، فهو يفعل كل ذلك وهو مغيب العقل والتفكير ،فجل ما يريده هو أن يتخلص من جثمانها
ولكن لم يضع بحسبانه أنه يجد رجال الشرطة بأحد الكمائن على الطريق ، حاول أن يعيد أدراجه بالسيارة ،فأثار ريبة الضابط ، فتبعه بسيارة الشرطة أمراً إياه بأن يتوقف ،ولكن كلما طلب منه الضابط أن يقف محرك السيارة ، يزيد هادى من سرعة قيادته لسيارته
ظلت المطاردة بينهم حتى وجد هادى نفسه محاصر بسيارة الشرطة من الخلف وأمامه حائط منزل لن يستطيع العبور خلاله
ترجل الضابط من السيارة ،وأخرج سلاحه النارى من غمده ،مصوباً به بوجه هادى من نافذة السيارة هادراً:
– أنزل من العربية يلااااا أنت وراك إيه وبتهرب ليه أنزل شكل وراك مصيبة
ترجل هادى من السيارة فتأكد الضابط من ظنونه ،برؤية بقعة دماء على قميصه ، أشار الضابط لأحد العساكر قائلاً بأمر :
– فتشلى العربية دى بسرعة
أمر الضابط هادى بفتح السيارة من الخلف ، فتسمرت يده غير قادر على فتحها فإنتفض بعد صراخ الضابط به ، ففتح السيارة كاشفاً عن جثة جوليا الهامدة
أتسعت حدقة عين الضابط قائلاً:
– أه يا بن **** أنت قاتلها وبتهرب كمان تعال دا أنت مصيبتك سودة
سحبه الضابط من مرفقه يدخله سيارة الشرطة بعد أن وضع بيده الأصفاد الحديدية ،فجلس هادى بين إثنان من العساكر ،وعيناه باكية ،على ما فعله وعلى ما ألت إليه أموره ، وكل هذا نتاج أطماعه وسلوكه المنحرف عن التقويم السليم الذى خلق به الله سبحانه وتعالى عباده
_____________
بعد مرور يومين ....عاد جواد حاملاً بين يديه ،كل ما طلبته فاتنته من حلوى وسكاكر تفرط فى تناولها منذ علمها بحملها ، فتبسم وجهه ، عندما تذكر وجهها وفمها الذى غطاه طبقة الشيكولاتة وهى تأكل منها بشراهة أثارت دهشته ، وعندما تحدثت وفمها مملوء بها وهى تقول:
– حلوة اوى الشيكولاتة يا جواد حلوة أوى
تقول تلك الكلمة وتعود لتأكل المزيد ، وهو يضحك من كل قلبه ، على أفعالها وتصرفاتها
أنتبه بعد أن صعد الدرج لوجود هيلينا وديما يقفان أمامه واضعة كل منهما يداها بخصرها ،كمن ينتظرانه بشأن أمر مروع
فرفع شفته العليا قائلاً :
– يا ساتر يارب أنتوا وقفين ليا كده ليه زى ريا وسكينة فى إيه
أشرأبت هيلينا بعنقها لتتفحص ما يحمله :
– أممم جايب شيكولاتة لمراتك ومجبتلناش إحنا كمان ليه
– ما هو خلاص مبقاش يعبرنا مش فاضيلنا
قالتها ديما تدعى الضيق والاستياء ، وهى تشيح بوجهها بشكل درامى
فأخرج جواد قوالب الحلوى الاخرى من جيبه قائلا:
– نيتك سودة أنتى وهى أنا كنت جايبلكم شيكولاتة أنتوا كمان ثم مش كل واحدة فيكم بقى عندها جوز ما يجبولكم هم بس لما أشوف وشهم وربنا يهون بالكام يوم اللى فاضلين على الفرح
أخذت كل منهما حلواها ،فأرادت ديما مشاكسته :
– لاء أنا عايزة من الشيكولاتة بتاعت تالين
– لو خدتى منها مش بعيد الاقى تالين خارجة تاكل دراعك وأنتى حرة دا أنا مسيطر عليها بالعافية
تبع حديثه بضحكة رنانة ، فضحكا الاثنان على ما قاله
فقطبت هيلينا حاجبيها قائلة بمواساة:
– الله يكون فى عونك جواد انا خايفة نصحى الصبح نلاقى تالين أكلتك أنت كمان
بعد أن أنتهى من ممازحتهما ، عادت كل منهما لغرفتها ، فأقترب جواد من غرفته ،قبل أن يدير مقبض الباب ، سمع صوت باكى ونهنهة صادرة من الداخل ، أدار المقبض بسرعة وولج للغرفة ، ليرى ماذا حدث ؟
شحب وجهه وأصفر لونه ، وهو يرى تالين تبكى بكاءاً شديداً ، فسقطت تلك الأغراض من يده بعد سماعها تقول له :
– ألحقنى يا جواد
__________
يتبع ....
٢٤– " إبتسامة ورجاء "
شقت إبتسامة عريضة شفتيه ، بعد سماعه إدلائها بموافقتها على ما أبداه من خطة وشروط ستكون منهاجاً لهما ، حتى يحدث ما أستهوى نفسيهما الجشعة
شعر هادى بثقة بالنفس ، وهو يرى عينيها تتفحص ملامحه ، بإعجاب لم تستطيع أن تخفيه ، فألتوى ثغره بإبتسامة زهو ، تاركاً إياها تشبع عيناها من رؤية ظاهره ، فهى لا تعلم ما يوجد خلف تلك الوسامة والبنية الجسدية التى أثرت إهتمامها
– وسيم أوى مش كده يا جوليا
قالها هادى قاصداً إحراجها بالمقام الأول ،فهى من كانت منذ دقائق لا تريد رؤية وجهه ، صارت متمعنة النظرات به
حاولت أن تتصنع اللامبالاة ،فأشاحت بوجهها عنه قائلة بسخرية:
– على أساس أن مفيش أوسم منك عمك طلعت كان أوسم منك ومكنش بيبان عليه سن فبلاش غرور يا دكتور هادى
وإحنا العلاقة بنا هتبقى علاقة منفعة مش أكتر
أى منفعة هى تقصد ، هل هى منفعة حسية ؟ أم منفعة مادية ؟
فبكلتا الحالتين ،لن يخسر هو شيئاً ، بل ربما سيكون مكسبه ليس إرث فقط ، بل إمرأة ربما تتناسب مع اهواءه التى لا يقال عنها سوى أنها أهواء مريضة
تركت مقعدها فهى ترى أن تلك الجلسة قد طالت عن اللازم ، فإستقامت بوقفتها ترفع يدها تشير بها تجاه الباب:
– كفاية كده النهاردة أنا عايزة أنام مع السلامة
نهض هادى عن مقعده ،يهم بالانصراف ولكن تباطأت قدميه قبل ان يصل للباب ،فألتفت لها قائلاً بتحذير:
– أنا ماشى يا جوليا بس إياكى تفكرى تعملى تصرف يخلينى أقلب التربيزة عليكى ، وأخليكى تخرجى إيد ورا وإيد قدام سلام يا جوليا
أنتهى من تحذيرها ، أو بالأصح تهديدها ، خارجاً من باب المنزل يغلقه خلفه بعنف ، فإنتفضت من صوت إغلاق الباب
فدبت الأرض بقدميها قائلة بغيظ:
– دا أنت أتاريك بلوة وشيطان وأنا مش واخدة بالى دا أبليس يقولك يا أستاذ
ولكن حتى وإن كان هو وغد لعين ، فهى ليست إمرأة ضعيفة ، بل بها شر مماثل لشره ، لذلك تشعر بإنجذاب غريب له ، خاصة بعد أن انكشفت جزء من أطماعه اليوم ، فكم من شيطان يسكن بداخل من يدعى المثالية والاحترام
________________
دمعت عيناها بسعادة ،وهى تستمع لهذا النبأ السار من ولدها ، فأخذته بين ذراعيها تحتضنه بحنان ، تربت على ظهره تارة وتمسد عليه تارة أخرى ، كأنها لا تجد من الكلمات ما تصف به سعادتها الآن ،وهو يخبرها أن الله قد من عليه وسيرزقه هو وزوجته بطفل
فأبتعد عنها قليلاً فخرج صوتها متحشرجاً وهى قائلة بسعادة:
– ألف مبروك يا حبيبى ألف مبروك فرحت قلبى يا جواد تقوم بالسلامة ان شاء الله
انحنى جواد على يديها يقبلها مغمغماً:
– الله يبارك فيكى يا أمى وتسلميلى وييجى وتربيه أنتى على إيدك
تبسمت كريمة بوجهه قائلة:
–ييجى ويتربى فى عزك أنتى يا حبيبي
تركته دقيقتين ، لتعود تحمل بيدها صندوق خشبى ، به مصاغها وجواهرها الغالية ، فتحت الصندوق تفتش بداخله عن شئ ، سرعان ما وجدته فرفعته من الصندوق يتدلى من بين أصابعها ولم يكن سوى عقد ماسى تلتمع حبات الألماس به ببريق أخاذ
فتبسمت تناوله إياه:
– خد يا جواد أدى العقد ده لمراتك العقد ده غالى عليا أوى ده أبوك الله يرحمه اشترهولى لما عرفنا أن أنا حامل فيك ، خليها تلبسه دا هديتى ليها
قبل أن يجيبها جواد سمع صوت تالين التى ولجت الغرفة لتوها :
– بقى كده تخمنى وتخلينى فى الحمام وتيجى تقول لطنط لوحدك عجبك كده يا طنط عمايل ابنك مع أن قيلاله ان إحنا هنقولك مع بعض ،بس أنا اللى طولت فى الحمام شوية
ضحكت كريمة على حديث زوجة إبنها ، فأشارت لها بالاقتراب ،فأقتربت منها تالين تجلس ممتعضة مستاءة كطفلة أخذ منها أحد حق الأسبقية بقول شئ يخصها هى بالمقام الأول
عقد جواد حاجبيه قائلاً بتبرم:
– وفيها ايه يعنى إن مقدرتش أصبر على الخبر الحلو ده دا كويس انك ملقتهوش منشور فى الجرايد
شهقت تالين وهى تقول:
– وماله أعملها علشان الموضوع يتنحس من أوله مسمعتش عن المثل اللى بيقول دارى على شمعتك تزيد ولا تئيد باين
يحاول كل منهما المزاح على طريقته الخاصة ، تجلس كريمة بينهما كحكم إحدى المباريات
حتى صاحت بهما قائلة بصرامة مفتعلة:
– بااااااس بقى أنتوا الاتنين اقولكم انا بقى يلا على أوضتكم وجعتوا دماغى يلا هش
نهض جواد يشير لتالين بالنهوض هى الاخرى قائلا بإبتسامة:
– عجبك كده اهى أمى بتطردنا اللى عمرها ما عملتها الست الطيبة الأميرة دى
حمحمت تالين قائلة بتفكه:
– متخافش طول ما انت متجوزنى هتشوف العجب
أثنت كريمة على الله بالدعاء من رؤيتها سعادة إبنها ، التى كانت غائبة عنه وعن المنزل ، تدعو الله أن يديم سعادتهما
عادت لغرفتهما مع زوجها الذى سارع بحملها ،يلج الغرفة مغلقاً الباب بإحدى قدميه ، تضع رأسها على كتفه مطوقة عنقه بذراعيها
وضعها على الفراش ،تذكر هدية والدته لها ،فأخرج العقد من جيبه قائلاً بحب:
–تالين العقد ده هدية أمى ليكى لما عرفت أنك حامل والعقد ده غالى عليها علشان بابا اشترهولها لما كانت حامل فيها فعيزاكى تلبسيه
إعتدلت تالين بجلستها ، لملمت شعرها ترفعه عن عنقها قائلة بإبتسامة صافية:
– هى مامتك سبق وهديتنى أغلى هدية اللى هى أنت يا حبيبى لبسهولى يا جواد
وضع العقد حول عنقها المرمى ، فأقترب أكثر منها ليغلقه من الخلف ، فتنفست رائحته ، تغمض عيناها بإنتشاء من رائحة عطره
فهمست بصوت دافئ :
– بحبك
همسها بتلك الكلمة بصوتها الرقيق ، يشبه ترقرق الماء العذب بجدول فى حديقة العشق الغناء بود ووصال وهمسات وبوح بأسرار تخصهما وحدهما
كلمة واحدة تضمنت ما تحمله بقلبها ، فحتى الكلمات لن تكون كافية ، فتلك العواطف والمشاعر الحلوة التى تشعر بها ، كأن الكلمات تصبح أحياناً عاجزة عن البوح بما يعتمل بقلبها ، كلما رأته ، أو أقترب منها
سماع تلك الكلمة منها ،جعلت يداه التى عملت على إغلاق العقد حول عنقها ،هى من أن أنزلقت تطوقها بتملك ظاهر ، تملك لا تريده ولا تهواه إلا منه هو ، فكم تحب أسرها بين يديه ، وأن تحتمى بين جدران قلبه ، تسمع صوت خفقاته كأنغام يظل صوتها عالقاً بعقلها طويلاً
____________
لاتعلم أين وضعتها؟ تدور حولها نفسها ،كأنها أضاعت شئ ،تعتصر عقلها لتتذكر أين وضعت ما تبحث عنه والذى لم يكن سوى تلك الثياب التى أحتفظت بها منذ مولد إبنتها ، وهاهى الآن علمت بأن أبنتها حامل ، وتريد أن تعطيها تلك الأغراض التى ظلت محتفظة بها وقتاً طويلاً
تعجب زوجها عن بحثها المستمر فهتف بها بغرابة:
– فى إيه يا زينب بتدورى على إيه كده وقلبتى الدولاب
أجابته وهى مازالت تفتش بيديها بين الثياب :
– تعال يا جلال دور معايا على الهدوم اللى كانت بتاعة تالين لما اتولدت
أفتر ثغره عن إبتسامة وهو يقول:
– هتعملى بيها إيه يا زينب وأنتى إيش عرفتك أن تالين هتخلف بنت ما يمكن ربنا يرزقها بولد
إلتفتت إليه قائلة بإبتسامة عريضة:
– أنا مش بتكلم على أنا هتخلف ولد ولا بنت أنا بس كنت عايزة أديها هدومها اللى كنت محتفظة بيها وهى هتفرح بيهم
عادت لتكمل بحثها ،حتى وجدت الثياب ، رفعتها بين يديها تشتم رائحتها ،كأنها تتذكر مولد إبنتها ، فظلت تتحسس القماش بحنين لأيام كانت بها إبنتها طفلة صغيرة ، فهى فرحتها الأولى التى من الله بها عليها ، لتنجب بعد ذلك بسام
فتذكرت أنها يجب أن تخبره بشأن حمل شقيقته ،فوضعت الثياب على الفراش بجوار زوجها الذى عاد يقرأ الجريدة ،وخرجت من الغرفة ، ذهبت لغرفة بسام ،وجدت جالساً يضع يده على وجنته يحدق بالفراغ
فأقتربت منه وحطت بيدها على كتفه قائلة بتساءل:
– مالك يا بسام قاعد ليه كده
رمقها بسام بهدوء يزفر أنفاسه بخفوت:
– مفيش بس أول مرة هذاكر للإمتحانات من غير تالين كانت بتفضل مقعدانى قدامها علشان أذاكر أينعم أنا بكره المذاكرة كره العمى بس كنت بحب أقعد اذاكر معاها
جلست زينب على طرف الفراش قائلة بمحبة:
– ربنا ميحرمكوش من بعض يا حبيبى وعندى ليك خبر حلو تالين حامل يعنى أنت إن شاء الله قريب هتبقى خالو
أنتفض بسام من مكانه صارخاً بسعادة:
– بجد يا ماما الكلام ده تالين هتجيب بييى
أومأت برأسها موافقة ،فتركت مكانها قائلة:
– على فكرة شوية كده هنروح نشوف أختك هتيجى معانا ولا إيه
حرك رأسه بحماس ، خلاف تلك المرات التى كانت تراه متردداً فى المجئ معهما ، وهذا ما كان يثير حيرتها ،فلم تستطيع كتمان ما تشعر به
فحدقت به قائلة بتعجب:
– أول مرة أشوفك متحمس أنك تيجى معانا عند أختك يا بسام كنت دايما بحس أنك خايف تيجى معانا ومش عارفة ليه زى ما يكون فى حاجة مخوفاك ومش راضى تقول ، قلبى بيقولى أنك مخبى عليا حاجة إيه هى يا بسام
ظلت إبتسامته تخبو شيئاً فشيئاً بسماع حديث والدته ، أبتلع لعابه حتى شعر بجفاف حلقه ، فهل تعلم والدته بما حدث ، وتحاول أن تجعله يخبرها بكل شئ ، أم أن هذا حدسها لا أكثر
حمحم يجلى صوته قائلاً يدعى الجهل:
– مش فاهم يا ماما تقصدى إيه عادى هو أنا هخاف من إيه يعنى دا أهل جوزها ناس كويسين جدا بس أنتى عارفة أن أنا مش باخد على الناس بسرعة بس أدى كل الحكاية ولما عرفتهم كويس أطمنت أن أختى عايشة سعيدة مع جوزها فبقى الموضوع عادى متحمس ان أروح اشوفهم وأباركلها وكمان علشان أديها إنذار أن هعمل إبنها الفساد هيبقى تربية خاله
تفكه بجملته الأخيرة ، رغبة منه فى صرف تفكير والدته عن سبب تحوله المفاجئ ، فلا نفع بفتح أبواب الماضى ، فكل شئ أنتهى على أفضل حال ، وشقيقته تحيا سعيدة برفقة زوجها ،الذى قدمت له الثناء والشكر على أنه كان سبباً لذهابها إليه ومعرفتها به
حتى إن لم تقتنع بما قاله بسام ، فهى لن تسأله ثانية ، فهى عادت وتذكرت أمر ذهابها لرؤية أبنتها ، فخرجت من الغرفة بعد تشديد أمرها له بالاسراع فى إرتداء ثيابه ، ولا يتركهما ينتظرانه وقتاً طويلاً مثلما يفعل بالعادة
______________
مرت الأيام حتى حان موعد عقد قران كل من ديما وسليم ونائل وهيلينا ، فبعد أسبوع واحد سيقام حفل الزفاف ،فأصبح منزل جواد يعج بالمدعويين من كلا الطرفين
جلس المأذون بين جواد وسليم وبدأ بعقد القران ،وتعالت صوت الزغاريد من والدة سليم ووالدة تالين ،لينتهى عقد القران ، ويحين دور نائل ، فجلس بحماس لا يضاهيه حماس ،واضعاً يده بيد جواد
فهتف قائلاً بسعادة غامرة:
– يلا بسرعة يا عم الشيخ أكتب الكتاب دا أنا خللت من الإنتظار
تعالت أصوات الضحكات من أفواه الحضور ،على ما تفوه به نائل ، فهو بالأيام الماضية ، كان يمارس أقصى درجات ضبط النفس ،حتى تمر تلك الأيام بسلام ، فساحرته الألمانية ، كل مرة يراها بها ، ينعت نفسه بأسوء النعوت على موافقته أن ينتظر ، ويراها هكذا أمامه ولا يستطيع الإقتراب منها
فهتف به المأذون قائلا بهدوءه المعهود:
– صبراً يا عريس فبالتأنى السلامة
أجابه نائل متفكهاً:
– والله صبرت كام شهر يا عم الشيخ ومخزون الصبر عندى خلص هتجوزونى ولا إيه عايز أتجوز يا ناس
سحق جواد يد نائل من أسفل المحرمة القطنية التى وضعها المأذون على كفيهما فغمغم من بين أسنانه:
– ما تحترم نفسك بقى يا أخى كسفت البت ووشها جاب ألوان يا عم التور أنت
لم يهتم نائل بألم يده أكثر من أن يرى كيف أصطبغ وجه هيلينا بحمرة قانية ، وكريمة تضمها إليها تهمس لها بشئ فى أذنها
بدأ المأذون بعقد القران حتى أنتهى بجملته الشهيرة ، فسحب نائل يده سريعاً من يد جواد قائلاً بأنين:
– كنت هتكسر أيدى يا جواد حرام عليك يا أخى
أجابه جواد ببرود:
– كويس أن مكسرتش رقبتك كمان على الدوشة اللى أنت عاملهالنا دى يلا مبروك ولو أنها خسارة فيك
يعلم نائل أنه يمازحه ، فتبسم على قوله ، ولكن عيناه بحثت عنها هى ،تلك التى أقسمت على أن تجعل السهاد حليف عيناه حتى تأتى لمنزله ، فخرجت منه تنهيدات حارة وهو يهمس بإسمها بهمس يسمعه هو فقط " هيلينا "
عيناها ترصد ما يجرى حولها ، ولكن عندما ترصده هو ، فليس بإمكانها أن تحيد بناظريها عنه ، فتبسمت وهى تمسد على بطنها التى أنتفخت إنتفاخاً ملحوظاً ، تأمل عندما تذهب تلك المرة للمعاينة الطبية أن تخبرها الطبيبة أنها تحمل جنيناً ذكراً
فهى تريد ولد يشبه ، ليس ليحمل دماءه فقط ،بل يحمل كل صفاته وأخلاقه وحبذا لو أتم الله نعمته عليها وجاء يشبهه بملامح الوجه ، فيالسعادتها عندما تحصل على نسختها المصغرة منه
بخضم أمنياتها ودعائها ، كان هو يراقبها وهى شاردة مبتسمة المحيا ويداها تعمل على تمسيد بطنها بلطف وإحتواء كأنها تحمى كنزها الثمين ، فكم هو مغرماً بأفعالها ، التى لا تزيد قلبه سوى تعلقاً بها وبوجودها بحياته
ألحت ديما على أن تتحدث مع سليم بأمر هام بمفردهما ، فخرجت برفقته لحديقة المنزل ، فجلست على أريكة خشبية أسفل إحدى الأشجار الضخمة
أشارت على مكان يبعد عنها قائلة بإبتسامة خجولة :
– أقعد يا سليم علشان عايزة أتكلم معاك فى موضوع مهم
جلس سليم ولا ينكر تلك الريبة التى سكنته من إلحاحها بالحديث معه يخشى أن يكون هناك شيئاً لا يعلمه يفسد سعادتهما
– خير يا ديما فى إيه أنتى كده قلقتينى
إفتر ثغرها عن إبتسامة مشجعة وهى تقول:
– متقلقش أوى كده يا سليم خير إن شاء الله أنا بس كنت عايزة أطلب منك أن إحنا نعيش فى بيت بابا
لم يجيبها سليم فى الحال ،بل ظل صامتاً ليفهم مغزى حديثها فزوى ما بين حاجبيه قائلاً :
– مش فاهم يا ديما يعنى إيه نعيش فى بيت باباكى والشقة اللى أشترتها وجهزتها دى
خشيت هى أن تخبره بهذا الأمر ببداية خطبتها ، فهى تستطيع أن ترى أنه يعتز بكبرياءه ، حريص على تقديم الأفضل لها ، ولكن منزل والداها منذ وفاته وتركها له للمجئ لمنزل عمها وهو خالى ومهجور ، فأرادت أن تعود لتعيش به برفقته
ردت ديما قائلة بهدوء:
– البيت يا سليم مقفول بقاله سنين وحرام أفضل أسيبه كده أنا كنت خايفة أروح أعيش فيه لوحدى وجواد وطنط كريمة مكنوش هيوافقوا على أن أعمل كده ، بس البيت عزيز عليا أوى ومن ريحة بابا وهو قريب من هنا مش بعيد ، وهات مامتك وأختك وكلنا نعيش فيه البيت واسع زى البيت ده بالظبط علشان أنتوا بقيتوا عيلتى وصدقنى يا سليم والله العظيم أنا مقصدش من طلبى ده أن أقلل من اللى انت عملته علشانى أنا أعيش معاك فى أى مكان كفاية أنك الوحيد اللى دخلت قلبى وحبيته وشوفت فيك اللى مشفتوش فى حد تانى ، وصدقنى لو رفضت مش هزعل أنا بس كنت عايزة أعيش وسط عيلة ودفا زى اللى كنت عايشة فيه هنا لما تجيب مامتك وأختك يعيشوا معانا ، أينعم أنا طلعت عين جواد وزهقته ،بس عمره ما حسسنى أن مليش سند أو أن سندى راح بموت بابا لاء كان هو زيه بالظبط ودلوقتى أنت اللى هتبقى سندى يا سليم ، فأنت فكر فى كلامى وأى قرار هتأخده أنا هوافق عليه ومش هعترض
اختتمت حديثها بإبتسامة ، فإستند بوجه على كفيه المضموتين ، يفكر فيما قالته ، فأتخاذ القرار بهذا الشأن يحتاج تفكير بروية ، فهو لا يريد أن يقول أحد أنه تزوجها من أجل مالها ، أو أنه يحيا حياة الترف والبذخ بفضلها ، فهو رجل معتد بكرامته وكبرياءه ، لايريد أن ينظر له أحد نظرة لا تعجبه
فأجابها بتهذيب وهدوء:
– سبينى أفكر فى الموضوع يا ديما مش هينفع أقولك قرارى دلوقتى لازم أفكر كويس
أنهى الأمر بتلك الكلمات ، فوجدها باسمة ، ولا يعرف علام هى تبتسم هكذا ؟ فهى إن كانت راغبة فى تحقيقه له أمنتيها ،ولكنها تشعر بسعادة لا تضاهيها سعادة ، من أنه يرفض كل تلك المغريات،ولا يريد سواها هى فقط
____________
أنتهت العدة الشرعية لتلك الأرملة الفاتنة ، وباليوم التالى ، أعد هادى كل شئ من أجل عقد قرانهما بهدوء وخفية بدون علم أحد طبقاً لتلك الخطة التى وضعها ، أنتهى المأذون من عقد القران منصرفاً وخلفه الشاهدان اللذان تدبر هادى أمرهما ،من أجل التوقيع على قسيمة الزواج ، بعد أن رحل كل من كان موجوداً ، ظلت بمفردها معه وجهها لوجه
تصاعدت نظراته من قدميها مروراً بساقيها المكشوفتين حتى ركبتيها ، لتتابع عيناه مسيرتها بتفحص ما تبقى من تلك المرأة المتغنجة بثوب بضيق ، لا يعلم كيف إستطاعت إرتداءه ، وهو يشبه فستان لطفلة صغيرة
سيجاره المتدلى من فمه وهو يجلس بإرتياح على مقعد مقابل لمقعدها ، أضفى عليه مظهراً عابثاً ، لقى صدى إستحسان لديها وهى تحيك بخاطرها ما لاتستطيع الإقرار به صراحة
لابد من شئ يكسر هذا الصمت والجمود الظاهرى بتلك الجلسة ،فهتف بها قائلاً بخبث وبرود:
– إيه يا جوليا ناوية تقعدى هنا ولا هتروحى بيت عمى أصل الصراحة مجهد أوى وعايز أنام
أثار نقمها وسخطها ، ألم تحرك به ساكناً ،وهى ترتدى تلك الثياب وبجمالها الذى يهواه الرجال ، يحدثها هكذا ببرود مزعج
نقرت بإصبعها على طرف مقعدها قائلة بعدم إكتراث:
– لاء هروح لأن بيتك مفيهوش حاجة تخلينى أقعد يا هادى بيت بارد ومزعج بألوانه دى اللى تتعب العين والأعصاب وبالصور الغريبة اللى أنت معلقها على الحيطان دى
تأملت الصور على الجدارن ، كأنها تنطق بالقسوة وبتعذيب النفس وألامها ، صور تثير الرعب أكثر ما تثير الإعجاب
فضلت أن تعود لمنزلها ، عوضاً عن الجلوس برفقة ذلك الرجل الذى أصبح يسمى الآن زوجها ، تركت مقعدها تتجه صوب الباب ، قبل أن تدير مقبضه ، كانت يده تسبقها فى جذب إحدى ذراعيها ،حتى أصتطدمت بجدار خلفها
فتأوهت بألم قائلة بسخط:
– فى إيه براحة كنت هتكسر دراعى وضهرى كمان وجعنى من خبطة الحيطة إيه الهمجية دى
أقترب منها يحاصرها بينه وبين الجدار هامساً :
– أنتى لسه شوفتى همجية يا جوليا
منذ حادث إنتحار نايا ، وهو لم يقرب أنثى ، فهى من كانت تأتى له بالفتيات أو أن تكون هى الضحية مقابل المال ، أما الآن فلديه زوجة فليذيقها القليل من وحشيته التى يستمتع بها وخاصة بصراخ ضحيته
بدأ الأمر بعناق هادئ ، ليجعلها تأمن جانبه بالبداية ، فأتت فعلته بثمارها ، فلم يحتاج لوقت طويل ،حتى كانت تمنحه موافقتها على أن تصبح زوجته فعلاً كما أصبحت قولاً
ظنت بالبداية أن ما يفعله ماهو إلا لعبة ،حتى وجدته يزيد بأمر إيذاءها ،حتى أنتفضت تنكمش بالفراش تضم جسدها
مسحت تلك الدماء النازفة من جانب فمها قائلة ببكاء:
– أنت مجنون أيه اللى عملته ده إزاى أنت مستحمل نفسك كده أنت باين عليك مريض ومعتوه ومجنون أبعد عنى
صوت توسلها له لم يزيده ، سوى سريان نشوة الوحشية والقسوة بعروقه ، فعادت إليه طباعه الغير أدمية دفعة واحدة، فهو سيقضى ليلة لم يقضى مثلها منذ أشهر ، فأفرط بأمور وحشيته حتى صار جسدها هامداً ساكناً سكون مقلق
لم ينتبه لما يفعل إلا عندما وجد صوتها يكف عن الصياح والتوسل بتركها ، فأسرع بالابتعاد عنها يربت على وجهها ولكنها لا تستجيب له
دار حول نفسه يبحث عن شئ يجعلها تستعيد وعيها، فالعطر الذى جلبه من أجل إفاقتها لم يفيد بشئ ، فجسدها اصبح بارداً ، أمسك يدها يتحسس نبضها فلطم خده وهو يعلم أنها فارقت الحياة
جلس بجانبها على الفراش وهو ينتحب كالنساء قائلا:
– أنا عملت إيه عملت إيه أنا روحت فى داهية
لم يكن لديه الوقت الكافى للتفكير ، فإرتدى ثيابه على عجالة ، فهو يجب أن يتخلص من جثتها قبل أن يعلم أحد ، لف جسدها بشرشف الفراش يحملها حتى وصل لسيارته ، فالليل قد أنتصف منذ ما يقارب الساعتين والآن الساعة الثانية ، وضعها بسيارته فى الخلف ، وليذهب لإحدى المناطق المعزولة وليلقى بجثتها ، فهو يفعل كل ذلك وهو مغيب العقل والتفكير ،فجل ما يريده هو أن يتخلص من جثمانها
ولكن لم يضع بحسبانه أنه يجد رجال الشرطة بأحد الكمائن على الطريق ، حاول أن يعيد أدراجه بالسيارة ،فأثار ريبة الضابط ، فتبعه بسيارة الشرطة أمراً إياه بأن يتوقف ،ولكن كلما طلب منه الضابط أن يقف محرك السيارة ، يزيد هادى من سرعة قيادته لسيارته
ظلت المطاردة بينهم حتى وجد هادى نفسه محاصر بسيارة الشرطة من الخلف وأمامه حائط منزل لن يستطيع العبور خلاله
ترجل الضابط من السيارة ،وأخرج سلاحه النارى من غمده ،مصوباً به بوجه هادى من نافذة السيارة هادراً:
– أنزل من العربية يلااااا أنت وراك إيه وبتهرب ليه أنزل شكل وراك مصيبة
ترجل هادى من السيارة فتأكد الضابط من ظنونه ،برؤية بقعة دماء على قميصه ، أشار الضابط لأحد العساكر قائلاً بأمر :
– فتشلى العربية دى بسرعة
أمر الضابط هادى بفتح السيارة من الخلف ، فتسمرت يده غير قادر على فتحها فإنتفض بعد صراخ الضابط به ، ففتح السيارة كاشفاً عن جثة جوليا الهامدة
أتسعت حدقة عين الضابط قائلاً:
– أه يا بن **** أنت قاتلها وبتهرب كمان تعال دا أنت مصيبتك سودة
سحبه الضابط من مرفقه يدخله سيارة الشرطة بعد أن وضع بيده الأصفاد الحديدية ،فجلس هادى بين إثنان من العساكر ،وعيناه باكية ،على ما فعله وعلى ما ألت إليه أموره ، وكل هذا نتاج أطماعه وسلوكه المنحرف عن التقويم السليم الذى خلق به الله سبحانه وتعالى عباده
_____________
بعد مرور يومين ....عاد جواد حاملاً بين يديه ،كل ما طلبته فاتنته من حلوى وسكاكر تفرط فى تناولها منذ علمها بحملها ، فتبسم وجهه ، عندما تذكر وجهها وفمها الذى غطاه طبقة الشيكولاتة وهى تأكل منها بشراهة أثارت دهشته ، وعندما تحدثت وفمها مملوء بها وهى تقول:
– حلوة اوى الشيكولاتة يا جواد حلوة أوى
تقول تلك الكلمة وتعود لتأكل المزيد ، وهو يضحك من كل قلبه ، على أفعالها وتصرفاتها
أنتبه بعد أن صعد الدرج لوجود هيلينا وديما يقفان أمامه واضعة كل منهما يداها بخصرها ،كمن ينتظرانه بشأن أمر مروع
فرفع شفته العليا قائلاً :
– يا ساتر يارب أنتوا وقفين ليا كده ليه زى ريا وسكينة فى إيه
أشرأبت هيلينا بعنقها لتتفحص ما يحمله :
– أممم جايب شيكولاتة لمراتك ومجبتلناش إحنا كمان ليه
– ما هو خلاص مبقاش يعبرنا مش فاضيلنا
قالتها ديما تدعى الضيق والاستياء ، وهى تشيح بوجهها بشكل درامى
فأخرج جواد قوالب الحلوى الاخرى من جيبه قائلا:
– نيتك سودة أنتى وهى أنا كنت جايبلكم شيكولاتة أنتوا كمان ثم مش كل واحدة فيكم بقى عندها جوز ما يجبولكم هم بس لما أشوف وشهم وربنا يهون بالكام يوم اللى فاضلين على الفرح
أخذت كل منهما حلواها ،فأرادت ديما مشاكسته :
– لاء أنا عايزة من الشيكولاتة بتاعت تالين
– لو خدتى منها مش بعيد الاقى تالين خارجة تاكل دراعك وأنتى حرة دا أنا مسيطر عليها بالعافية
تبع حديثه بضحكة رنانة ، فضحكا الاثنان على ما قاله
فقطبت هيلينا حاجبيها قائلة بمواساة:
– الله يكون فى عونك جواد انا خايفة نصحى الصبح نلاقى تالين أكلتك أنت كمان
بعد أن أنتهى من ممازحتهما ، عادت كل منهما لغرفتها ، فأقترب جواد من غرفته ،قبل أن يدير مقبض الباب ، سمع صوت باكى ونهنهة صادرة من الداخل ، أدار المقبض بسرعة وولج للغرفة ، ليرى ماذا حدث ؟
شحب وجهه وأصفر لونه ، وهو يرى تالين تبكى بكاءاً شديداً ، فسقطت تلك الأغراض من يده بعد سماعها تقول له :
– ألحقنى يا جواد
__________
يتبع ....
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت 24 ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 25 أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .