نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 17 من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل السابع عشر
* أصبحت أسيرته *
١٧– "ما لم يكن بالحسبان "
ظن أنها لم تستمع لما قاله ، فهز كتفيها بلطف ليرى إذا كانت إستمعت لما قاله أم لا ؟ جحظت عيناها هى بذهول من تصريحه الذى ألقاه عليها الآن ، ويجب أن تصدقه وتقتنع أيضاً ، ولكن هل وصل به الحال لتلك الكذبة التى صنعها من أجل إيهامها بشرعية علاقته بتلك الفتاة
نفضت يديه عنها وهى تقول بصياح:
– أنت بتقول إيه بنت اختك إزاى أنت جاى تضحك عليا وتوهمنى بالكلام فاكرنى هصدقك عايز تلوث سمعة باباك علشان تطلع أنت برئ أنا مكنتش أتوقع منك كده أبداً يا جواد
نال نصيبه من الدهشة مما قالته ، هل هذا ما فكرت به وأهتدت إليه من حديثه معها فهتف بها قائلا بغرابة:
– تالين أنتى جرا لمخك حاجة يا حبيبتى يعنى انا هفترى على بابا علشان أحسن صورتى قدامك ما لو فى حاجة تانية ما هقول هخاف منك أو من غيرك ليه أنا مبخافش إلا من اللى خلقنى وبس عايزك تفهمى كده وقولتلك هيلينا تبقى بنت أختى
قبل أن تعاود رفضها لحديثه ، سمعت صوت هيلينا وهى تلج من الخارج قائلة بهدوء:
– أيوة يا تالين أنا بنت أخته من لحمه ودمه أمى تبقى أخته من باباه ومحدش يعرف الموضوع ده نهائى غير جواد وبس حتى مامته وديما ميعرفوش وحتى كمان انا عايشة فى مصر ولو لسه مش مصدقة ، دى كل أوراقى الشخصية فيها إسم أمى بالكامل هيلجا حسنى عبد العزيز النصراوى
أخذت الأوراق من يديها بأصابع مرتجفة ، تجيل النظر بها ، فكيف هذا ؟ هل خان والده والدته بالسابق وتزوج وأنجب وهى لا تعلم طوال تلك الأعوام ،حتى الآن لا تعلم ان لدى زوجها حفيدة بريعان شبابها وليس هذا فقط فهى تعيش بمصر على مقربة منهم ، وخالها هو من يخفى الأمر عن الجميع
تلعثمت بقولها وهى تقول:
– ططب إزاى ومامتك السنين دى كلها متعرفش مشكتش فى باباك وانت فضلت مخبى عليها كمان ما انت ممكن كنت قولتلها ما خلاص باباك مات يعنى مش هتلاقى حد تلومه على اللى حصل
زفر جواد بتعب ، فأبتعد عنها يجلس على أقرب مقعد وجده ، فأجابها:
– بيتهيألك يا تالين أنتى متعرفيش أمى كانت بتحب بابا قد ايه ولحد دلوقتى وهو كمان كان بيحبها مش عايز أكسر ذكراه وحبها ليه وخصوصاً ان بابا كان فعلا بيحب أمى وبيخاف عليها ومحبش لما تعرف تبعد عنه أو تطلب منه الطلاق
عصى عليها فهم حب والده لوالدته ، وبالرغم من ذلك سعى لخيانتها ، بل أثمرت تلك الخيانة عن إبنة تحمل أسمه بالخفاء وحفيدة
فغمغمت قائلة بغرابة:
– هو فى واحد بيحب واحدة ويتجوز عليها طالما باباك كان بيحب مامتك أوى كده ليه عمل كده من وراها ، وخصوصاً ان مامتك بسم الله ماشاء الله زى القمر حتى وهى فى سنها ده ما حال بقى لما كانت شابة كانت عاملة إزاى وانت بتقول انها بتحبه ،وكمان خلفتك وبقيت وريثه ، ايه سبب خيانته ده اللى دماغى مش قادر يتصورها غير انه ضعف قدام واحدة تانية وخان مراته
سعت هيلينا إلى توضيح ذلك الأمر الذى أستعصى عليها التفكير به فردت قائلة:
– كل اللى قاله جواد صح وجدى الله يرحمه مش هو اللى عمل كده بمزاجه دى جدتى أنا اللى عملت كده لما شافته وحبته وأتمنته وهو صدها ومكنش حابب يكسر مراته ، بس رغبتها فيه خلتها تفكر انها تورطه فيها إزاى بقى أنا هحكيلك يا تالين بس أقعدى
أرتمت تالين على مقعد أخر ممتنة لإقتراحها ،فقدميها لن تسعفها بالوقوف أكثر من ذلك ، وخاصة أنها كانت زاهدة بالطعام ،مما أثر سلباً على جسدها
جلست هيلينا فى المقعد المقابل لها وبدأت تروى لها ماحدث من جدتها كما أخبرتها هى سابقاً:
– لما جدتى كانت عندها حوالى عشرين سنة باباها كان رجل اعمال مشهور فى ألمانيا وكان جدى بيتعامل معاه، جدتى شافته حبته من أول نظرة لدرجة انها عرضت عليه يتجوزها بس هو رفض وقالها انه لسه متجوز بنت عمه من حوالى شهرين وهو بيحبها جدا وميقدرش يخونها ، جدتى مقتنعتش برفضه ليها ،فضلت تحاول تقرب منه بأى طريقة وهو يصدها لحد ما فى مرة فكرت إزاى تورطه فيها ويتجوزها ،عملت نفسها انها اقتنعت بكلامه وقالتله خلاص نبقى اصدقاء عزمته على العشا مرة وحطت فى الأكل خمرة مركزة علشان تخليه يسكر لأنه مكنش طبعاً بيشرب خمرة فالخمرة فى الأكل هتعمل مفعولها ولما كان يقولها الأكل والشوربة طعمهم غريب كانت تقوله دا علشان أنت مش واخد إلا على الأكل المصرى ودى أصناف أكل جديدة الظاهر جدى محبش يكسفها فكمل الأكل من باب الذوق لحد ما بدأت الخمرة تعمل مفعولها معاه، مكنش واعى للى بيحصل بس حصل بنهم علاقة ، لما هو عرف اتجنن وساب ألمانيا ورجع مصر ، بس بعد شهرين أتواصلت معاه وقالتله انها حامل ،هو افتكر انها بتكذب عليه بس باباها طلب منه يرجع المانيا ويحلوا الموضوع بهدوء لأن فى طفل هيتولد ، رجع ألمانيا ، وحصل خناق بينه وبين جدتى وباباها واتهمهم انهم كانوا متفقين انهم يورطوه فى الجوازة ، بس لما جدى أتأكد ان جدتى فعلا حامل منه اتجوزها علشان الطفل اللى هيتولد ميبقاش غير شرعى وخلفت جدتى امى هيلجا وعاشوا هنا فى ألمانيا وجدى كان بيزورهم باستمرار علشان خاطر بنته ، بس بالرغم من كده مكنش فى علاقة تربطه بجدتى غير عقد جواز وبنته هيلجا ، ومراته المصرية مخلفتش جواد الا بعد سنين من جوازهم ، وفضلت جدتى ساكتة علشان بتحبه وكانت بتحلم باليوم اللى يحبها فيه زى ما كانت بتحبه بس محصلش ، وعلشان بقى عندها بنت منه أفتكرت ان ده هيخليها قريبة منه ،بس فضل الحال على ما هو عليه ، كبرت امى بقى عندها ١٧ سنة حملت فيا من ابن خالتها ،جدتى بتقول ان لما جدى عرف اتجنن ان ازاى بنته تعمل كده وان ده كله بسبب انها فضلت عايشة فى ألمانيا والتحرر اللى هم فيه ، وزعل من جدتى اكتر انها سمحت لبنتهم تعمل كده وتخلف وهى فى سن صغير ومن علاقة غير شرعية واستنى لما وصلت السن القانونى وجوزها لبابا علشان مبقاش بنت غير شرعية انا كمان ، كان جدى اتعود يزورنا باستمرار وكنت بحبه حصل الحادثة اللى مات فيها ماما وبابا بعدها بحوالى ٣ سنين مات جدى هو كمان كنت انا عندى حوالى ١٤ سنة فى الوقت ده ، جه جواد علشان يشوفنا كنت أسمع من جدى أن ليا خال وشفت صوره بس عمرى ما قابلته ، أول ما شوفته حسيت بالأمان وخصوصاً انه جه وعرض عليا ان أروح أعيش معاه فى مصر علشان يراعينى ، وافقت وروحت عيشت معاه
روحت مصر وكنت عايشة فى شقة كان هو كل يوم ييجى يطمن عليا ويشوف احوالى وفضلت فى مصر السنين اللى فاتت حتى حاليا أنا بدرس فى الجامعة الامريكية بمصر ، كنت متفهمة انه ميقدرش يقول لمامته على اللى حصل لان كل تفكريها هيكون ان جوزها خانها ومش هتصدق ان ده حصل غصب عنه
ربما هذا حلم ، أو أنها تستمع لقصة أحد خرافية أو أسطورية ، ظلت تنقل بصرها من وجه هيلينا تارة لوجه جواد تارة أخرى
فعم الصمت ،وأصبح ثقيلاً ، فهو ألقى الطابة بلمعبها ، فهى من سيحين دورها الآن بالكلام ، ولكن ماذا تقول او تفعل ؟ فالاوراق التى بين يديها دليل قاطع على صدقهما
أن تكتشف اليوم أن زوجها كان لديه شقيقة وإبنة أيضاً ، فهو ليس بالأمر الهين ، فدائما المفاجأت لا تأتيها إلا من جانبه ، لمتى سيظل أمامها ككتاب بطلاسم لا تستطيع فك شفراتها أو قراءتها وفهمها جيداً ، حتى وإن كانت سعيدة لبراءته من خيانتها ، فهى تشعر بالسوء لإخفاءه أمراً كهذا ، فلو كان أخبرها ،كانت ستتفهم كونه يخفى الأمر عن والداته وكانت ستحفظ سره ولن تبوح به لأحد
أطال النظر بها وهو يستريح برأسه على طرف مقعده ، فهو يبدو عليه منهك وخائر القوى ، مثلها تماماً فالايام الثلاثة الفائتة لم تذق طعم النوم إلا ساعات قليلة ، تفيق من نومها على دموعها التى تنساب على وجنتيها من تخيلها له أنه يتركها من أجل أنثى أخرى
___________
تأكلها الغيظ من عدم ردها على مكالماتها الهاتفية ، زرعت الأرض ذهاباًو إياباً ، والحقد يسرى بعروقها ،كالسم بجسد حية رقطاء ، فى إنتظار فريستها ، لغرز أنيابها بها ولن تتركها إلا بعد نفث سمها بأوردتها وتميتها
تأملها ذلك الجالس يعبث بهاتفه فصاح بها بحدة:
– نايا أتهدى بقى وأقعدى خيلتينى معاكى ودماغى وجعتنى من برطمتك اسكتى بقى لو مش هتسكتى يلا أمشى مش عايز وجع دماغ
توقفت نايا مكانها تطالعه بحقد قائلة:
– بقولك إيه يا ريت تسكت خالص يا هادى وتسيبنى فى حالى يا أخ أنت مش فيقالك مش كفاية مش راضى تدينى فلوسى
ألقى هادى الهاتف من يده متشدقاً بكلماته:
– وأديكى فلوس بتاعة إيه يا حبيبتى هى فين البنت اللى كنتى هتجبيها وتقبضى تمنها يا روحى هو انتى جبتى حد وانا كلت عليكى فلوسك ، دا انتى حتى الكام بنت اللى جبتيهم فى الاخر بنات كسر وكنت عامل نفسى عبيط انتى مفكرة انك بتضحكى عليا لما تجبيلى الواحدة من دول وتقوليلى انها بنت وعذراء وعاملة عليا حركة فكرانى مش هعرفها ، بس يا نايا ابقى اختارى دكتور كويس مش اهبل يعمل عمليات هبلة زيه ، انا بعرف الحاجات دى وانا مغمض عينيا يا نايا أنتى ناسية ان أنا دكتور يا حبيبتى
زاغت نايا بعينيها عنه ، فهو كشف أمرها ، فهى كانت مطمئنة لصمته ،متوهمة أنه لن يكتشف خداعها له بجلب فتيات ليسوا عذراوات
فعاود الحديث معقباً:
– قولتلك هتجيبى ديما النصراوى هدفعلك أضعاف ما أنتى عايزة يا نايا والصراحة أنا مبسوط أنك طلعتى تعرفيها وباين عليكى بتعزيها أوى صحيح الدنيا دى صغيرة أوى ولأن عارف أن ديما بنت ومتلمستش من حد قبل كده حتى لما كنتى هتسلميها لنبيل زى ما حكتيلى لما قولتلك على إسمها وإزاى تجبيهالى بس برضه حظها كان حلو واتلحقت
أرادت سؤاله عن طلبه المستميت لديما عن غيرها :
– إشمعنا يعنى ديما اللى أنت عايزها بالذات مع أن فى بنات كتير غيرها يا هادى وأقدر أجبلك اللى تعجبك غيرها
أغمض عينيه ، وقضم شفتيه وهو يتذكر تلك الحسناء ، التى رأها مرة بمشفاه ومن حظه الحسن أن نايا التى أعتاد أن يأتى إليها من أجل جلب فتيات له مقابل المال تعرفها جيداً بل كانت صديقتها بوقت من الأوقات فدمدم حالماً:
– أنا مش قادر أنساها من المرة اللى شوفتها فيها وهى فى المستشفى حاجة كده من النوع الفاخر عاملة زى الجوهرة اللى الواحد يبصلها من بعيد لبعيد من غير ما يلمسها وكل ما كانت البنت صعبة المنال بتبقى الرغبة فيها زيادة ، بيبقى الراجل هيموت ويعرف ايه اللى جواها زى الكتاب اللى هتموتى وتعرفى خافى ايه بين صفحاته
كلما زاد مدحه بديما ، زاد حقدها وكرهها لها ، فحتى هذا العابث الفاسق الوغد بثياب الحمل الوديع بأعين المجتمع الذى لايرى سوى المظاهر الزائفة والبراقة ، ينشد شعراً بحسن ديما وجمالها
فمن يراه وهو بمشفاه صباحاً وإدعاءه الاحترام ، لا يصدق أنه بالمساء يستلذ بسلب الفتيات حياتهن من أجل نزواته الدنيئة ورغباته القذرة ، فهى تعرفه منذ ثلاثة أعوام تقريباً ، وبتلك الأعوام جلبت له العديد من الفتيات ، التى كانت تدعى صداقتهن ، وتأخذ منه النقود ، حتى زاد حبها للمال بشراهة ، وتريد أن تحصل عليه بأى طريقة أو وسيلة كانت
حاولت أن تعرف إذا كانت تستطيع منافسة ديما بعقله أم لا ؟ فأقتربت منه أكثر حتى أصابه الغرابة من تصرفها ، مررت يدها على وجنته متغنجة:
– طب ما تسيبك من ديما وخليك معايا أنا يا هادى
تقطيبة حاجبيه ، وشفاهه العليا التى رفعها إمتعاضاً ،جعلها تفطن لما يفكر به حتى قبل أن يطلق العنان للسانه ، ولكن عوضاً عن ذلك وجدته يجذبها إليه بقسوة ألمتها فهتف بأذنها بفحيح:
– خلينا أصحاب أحسن يا نايا أصلك لو حبيتى توقعينى يبقى هتقعى فى بير وتغرقى ومش هتعرفى تطلعى منه لو حابة تعرفى أقصد إيه تعالى معايا
جرها من يدها خلفه ، حتى وصل لغرفة تبتعد عن باقى الغرف بمنزله ، فتح الباب على مصراعيه ، فنظرت نايا بداخل الغرفة فلم تجد سوى فراش وأريكة ولم تجد شئ أخر يثير الإهتمام أو الغرابة
فنظرت اليه قائلة بعدم فهم:
– هو إيه ده مالها الأوضة ماهى عادية أهى
سحبها من مرفقها ، ودفعها لتجلس على الاريكة ، ووجدته يبتعد يسحب سوط من جانب الفراش ، هربت الدماء من عروقها عندما علمت ماذا يعنى بهذا ؟ فهل هو سادى يرغب بتعذيب ضحاياه ولكن لدهشتها وجدته يضع السوط بيدها
أبتعد قليلاً يخلع عنه قميصه ، وأولاها ظهره ، تعجبت من تلك الجروح والندوب التى تملأ جسده ،فهتف بها بوحشية:
– أضربى يا نايا بأقوى ما عندك وأضربى
تعجبت أكثر من مطلبه ، فهو يريدها أن تجلده بالسوط ، فهو حقاً إنسان مريض ، فعلمت الآن لما كانت كل فتاة تقضى الليلة برفقته ، تخبرها بأنه شخص معتوه فهو يطلب ممن تأتيه أن تلهب جسده بضربات السوط قبل أن يلمسها ، فهو يشعر بلذة عندما يرى الدماء تطفر من جراحه ، ليغرق بعد ذلك ببؤرة من المفاسد والمحرمات
رفعت نايا السوط وهوت به على جسده فتعجبت من عدم صراخه ، فلو هى من تلقت تلك الضربة ، لربما صرخت حتى تنقطع أحبالها الصوتية
من خمس دقائق أنهكها التعب وأصاب يديها التشنج من ثقل السوط بيدها ،فألقته من يدها وهى تقول:
– إيه ده أنت إزاى مستحمل الضرب ده ومبتتكلمش
لمعت عيناه ببريق شيطانى ، وإستدار إليها وقبل أن تعى ما يحدث ،وجدته يقتص منها لكل ضربة تلقاها ، زاد صراخها من وحشيته ، ولكن لن تستطيع هى إنقاذ نفسها فهى من أرادته فلها ذلك ولكن ستسير اللعبة بقانونه الدامى ، الذى لا يقبله العقل أو المنطق أو الفطرة السليمة التي خلق الله بها بنى الإنسان
____________
بعد أن ذهبت هيلينا لإحدى الغرف لتنال راحتها ، بعد أن اصدر جواد أمره للخادمة بأن تأخذ حقائبها لتستريح ،وذهابه لمكتبه ، مازالت جالسة مكانها تستند برأسها على أحد كفيها ، فجلستها قد طالت فتركت مكانها تصعد الدرج ومازالت صامتة
وصلت الغرفة وولجت للداخل ، شرعت فى إرتداء منامتها ،وبعد أن أنتهت ،خرجت للشرفة لعل نسمة هواء باردة تخفف من ضيقها ، ولا تعلم لما هى مازالت تشعر بالضيق ؟ كأنها تشعر بمشاعر مغايرة لتلك التى يجب أن تشعر بها فى تلك اللحظة ، فهاهى زوجها يعود إليها بدليل براءته من خيانتها ، ولكن لا تعرف لما شعرت بالخوف أن يحدث لها ما حدث مع والدته ، فهى لا تستطيع نكران هذا الشعور المخيف
أرتجفت بخفة عندما وجدت ذراعان تمتدان لتطويقها ، وقفت ساكنة بين ذراعيه فأنحنى برأسه إليها يستند بذقنه على كتفها الأيمن قائلاً:
– أنتى لسه زعلانة منى يا حبيبتى
زاد من إلجام لسانها عن الكلام ، تودده لها فهو يبدو عليه أنه إشتاق إليها أشد الاشتياق ، فعوضاً عن الكلام ، مهد لسيل جارف من المشاعر التى تعلم أنها ستغرقها بلجة عميقة ، ولا تستطيع هى الإعتراض ، وكيف لها بأن تعترض ، وهى من أعتصر قلبها شوقها إليه، فثلاث ليال ، كانت البرودة والجفاء رفيقيها بالفراش ، كانت الحياة رتيبة ومملة بغيابه ، حتى عندما كانت غاضبة منه ولا تعلم السبب الحقيقى بإبتعاده عنها
إستدارت إليه تنظر له بصمت ، فقرأ ما تحويه عينيها بوضوح ، قرأ الخوف والشوق بهما ، ولكن علام هى خائفة ؟
فلم يمنع لسانه عن سؤالها :
– باين فى عينيكى الخوف خايفة من إيه يا تالين ؟
زفرت من أنفها بتيه ، فأقتربت منه أكثر ، فربما تشعر من ضمته لها بالأمان ، التى تخاف أن تتزعزع جذوره ، فخرج صوتها مضطرباً:
– اقولك الحق يا جواد خايفة يحصلى زى اللى حصل مع مامتك وأكتشف ان انت يكون عندك زوجة تانية أو أولاد ومخبى عليا
بتفكيرها الطفولى هذا ،لم يكبح ضحكته على ما تفوهت به فأراد أن يمزح معها فهتف قائلا يدعى الجدية:
– متخافيش يا تالين قبل ما أموت هقولك اذا كنت متجوز عليكى وعندى أولاد ولا لاء متخافيش هقولك كل حاجة وهعرفك عليها كمان علشان أموت وضميرى مرتاح ومتدعيش عليا بعد ما موت وتعرفى
أبعدت رأسها عن صدره تنظر له بشرار ، فدفعته بصدره حانقة:
– تصدق أنت اللى هتموتنى ناقصة عمره يا جواد ايه الرد ده ليك نفس تهزر كمان
لن تجدى تلك الثرثرة السخيفة نفعاً ، فمن الأفضل لهما الآن أن يعودا لإكمال ما تركاه عالقاً بمنتصف الطريق ، فسد بوجهها أى سبيل تستطيع به وساوسها إفساد لحظتهما التى لن يجرؤ أحد المساس أو العبث بها ، فهو من حلم بتلك اللحظات برفقتها منذ أن دق قلبه لها ، لم يشتهى أنثى غيرها ، كمن صكت قلبه بإسمها هى فقط
يراها كحورية تجلس على شاطئ نهر الشوق ، تسقيه منه أقداحاً ، فإمتلأ القلب هياماً ، فعشقهما كشجرة وارفة الظل يستظلون بها من عناء الهجر و الفراق
غمغمت وهى تداعب وجنته تستريح برأسها على كتفه:
– أنت وحشتنى أوى الكام يوم اللى فاتوا دول يا حبيبى مع ان كنت حاسة لو شوفتك كنت هقتلك يا جواد وكنت هبقى فرحانة وانا بقتلك كمان
زاد من أقترابه منها وضمته لها ، التى جعلتها تستكين بين ساعديه ، فتبسم بوجهها قائلاً:
– أنتى وحشتينى أكتر بس غصب عنى مكنش ينفع أسيب هيلينا ولا جدتها لأنها برضه كانت تبقى مرات بابا وهو وصانى عليها قبل ما يموت واجراءات الدفن اخدت وقت وانتى مكنتيش بتردى عليا ورافضة تسمعينى بس كنت عارف ان ده كله بسبب الغيرة وقولت جايز على ما أرجع الاقيكى هديتى علشان نعرف نتكلم مع بعض
خرجت أنفاسها حارة محتارة وهى تقول:
– تصدق لسه لحد دلوقتى حاسة ان اللى سمعته ده حلم وباباك بالرغم من ده كله محبش يكسر مامتك علاقة حب تبان غريبة مع ان اى حد لو سمع ان باباك كان ليه زوجة وبنت وحفيدة هيفكر زى ما انا فكرت كده انه راجل خان مراته بمزاجه ، وخصوصاً كمان انه مش موجود علشان يدافع عن نفسه ، حتى مراته الألمانية ماتت يعنى لو حلفت لمامتك مش هتصدق ان ده حصل غصب عنه ، اذا كان انا وشكيت فيك وانت بتحاول تفهمنى ،هى هتعمل ايه ساعتها لو عرفت
سحب جواد ذراعه من أسفل رأسها يعتدل بجلسته ، وضع رأسه بين يديه ، عمل على أن يعيد ترتيب خصلات شعره التى تناثرت بفوضى وعاثت بها أصابع تالين فساداً
زفر جواد زفرات مرتجفة بخوف وهو يقول:
– لو أمى عرفت ياتالين إحتمال مترضاش تبص فى وشى تانى ان خبيت عليها وممكن يجرالها حاجة أنتى متعرفيش كانت بتحب بابا إزاى هو مكنش جوزها بس دا كان ابن عمها كمان وحب عمرها يعنى اتربت على حبه زى ما كانت دايما تقولى وهو كمان لما كان بيموت أقسملى على كتاب الله انه محبش حد فى حياته غيرها وان كل اللى حصل ده غصب عنه ، وكمان ألح عليا أجيب هيلينا تعيش معايا فى مصر خاف ليحصلها زى مامتها بسبب العلاقات المتحررة فى بلاد الغرب وكانت فى سن مراهقة وعايزة اللى يكون معاها ويعرفها الصح من الغلط بس الصراحة هيلينا كانت عاقلة ومستجيبة لكل اللى بقولهولها وعلشان كده يا تالين أرجوكى الكلام ده محدش يعرف بيه حتى لو كان باباكى ومامتك ده سرى وأأتمنتك عليه
إعتدلت هى الاخرى بجلستها ،تدير وجهه لها ، تتعهد له بعيناها قبل شفتيها :
– اوعدك يا قلب تالين أن محدش هيعرف وانا مش هقول لحد خالص اطمن بس احنا هنرجع مصر أمتى
أومأ برأسه قائلاً:
– كمان يومين عايز اظبط شوية شغل هنا وكمان لأن شهر العسل قرب يخلص وكمان أمى وحشتنى وديما أكيد عملت بلاوى من غير ما اعرف قلبى حاسس ان فى مصايب مستنيانى منها
لمح طيف الغيرة الذى مر ببريق عينيها على ذكر ديما ، ولا يعلم سر رغبته الآن فى أن يثير غيرتها أكثر ، فلا يعرف سر إستمتاعه بغضبها وبغيرتها
فأكمل حديثه بجدية مصطنعة:
– وكمان وحشنى خناقى معاها تصدقى يا تالين
ما رأه من بريق الغيرة ، صار الآن عاصفة رعدية وهى تغمغم من بين أسنانها المصتكة :
– وحشك الخناق معاها ! ولا وحشتك كلمة يا بيبى منها يا بيبى
حقق مراده الآن ، فهو سيكون سعيداً بإخماد ثورتها عليه ،فأراد لها المزيد:
– مع أنى بكرة كلمة يا بيبى دى بس معرفش لما بسمعها منك بتبقى أحلى من اللى بتقولها ديما
تمددت على الفراش ،توليه ظهرها قبل أن يزداد حنقها أكثر ، أخذت الوسادة ووضعتها على رأسها وهى تدمدم من أسفلها بسخط:
– قليل الأدب ، بتحب الستات تدلعك
ظنت أنه لم يستمع لما قالت ، ولكنه وجدته يسحب الوسادة من على رأسها وهو يقول:
– أنا قليل الادب يا تالين بصيلى كده وردى عليا هو لسانك ده دايما سابقك
إستدارت برأسها إليه قائلة:
– أنت عايز منى ايه دلوقتى ، انت بتسمع غلط اعملك إيه ويلا خلينا ننام علشان نصحى فايقين ويهون باليومين اللى فاضلين علشان نرجع بيتنا
تلك هى المرة الأولى ،التى تنطق تلك الكلمة " بيتنا" بذلك الحماس الذى بدا جلياً بصوتها ، فأى مكان هو به سيصبح بيتها حتى وإن كان غرفة واحدة طالما سيكون هو معها ستكون الجنة بذاتها
يده تتجول على قسمات وجهها ،متفحصاً أدق تفاصيله ذلك الوجه بهى الطلعة ، حيلة أخرى من حيله ، التى ستجعلها ترضخ له بالأخير ، فهى من أولته ظهرها منذ دقيقة ،أصبحت ملتصقة به كأنها صارت ضلع أخر من ضلوعه ، تتناغم خفقات قلبيهما كلحن عذب تهواه النفس
_____________
صوت الصفعة التى تلقاها رشدى على وجهه ،كأنها نغمة طربية إستمع لها قاسم الذى يسترق السمع لما يحدث بالداخل ، بعد عودة رشدى من قسم الشرطة ، بعد أن عمل ذلك الضابط الفاسد المدعو كمال على أن يحرره قبل أن يتم عرضه على النيابة مقابل مبلغ مالى سيزيد من رصيده بأحد البنوك
أمسكه طلعت من تلابيب ثيابه يصيح به:
– أه يا كلب على الآخر واحد من رجالة طلعت الزينى يتقبض عليه فى شقة مشبوهة وياريتها شقة عدلة لكن قذرة زيك بقى انا بحاول أنضف فيك وانت برضه تحن لقذارتك القديمة مش عايز تنسى انك كنت حارس للرقصات فى الكباريهات وشغل القوادين ده مش محظرك قبل كده مليون مرة أن بلاش تعمل كده مبتسمعش الكلام ليه ، نفسك فى النسوان أوى كده استنضف يا اخويا مش رايح اماكن عرة زيك
لم يكن لديه الوقت الكافى للرد على السباب اللاذع الذى ينطلق من فم طلعت ، فهو من أنذره بعدم الانجراف خلف نزواته ، وضرب بكلامه عرض الحائط ، مطمئناً أنه لن يكتشف ما يفعل
فحاول أن يجد ما يقوله لإخماد غضب طلعت فناشده بإستجداء:
– أنا أسف يا باشا مش هعمل كده تانى صدقنى لو حصل منى حاجة تانية أبقى موتنى
تفحصه طلعت من رأسه لأخمص قدميه قائلاً بوعيد:
– أنت اللى حكمت على نفسك يا رشدى غلطة منك كمان وقول على نفسك يارحمن يارحيم لأن مش هستحمل غباء منك تانى لأن غلطات فى الوقت ده بقت كتير وجهزك نفسك علشان الشحنة اللى هتتسلم بكرة يلا غووور من وشى
لم يدعه ينطقها ثانية ، ففر رشدى هارباً من الباب ، وهو يكظم غيظه بقلبه مما فعله طلعت به ، فإن كان يظهر له الخنوع فلا يمنع ذلك أنه من داخله يشعر أحياناً بالكره الشديد له متمنياً قتله
فكر قاسم بشأن تلك الشحنة التى سيتم تسليمها بالغد ، فربما تلك هى الفرصة المناسبة ليتخلص طلعت من رشدى ،فهو سيعمل على أن يخفق فى تلك المهمة التى أسندها إليه ،يجعله يعود لطلعت خالى الوفاض ، وعند هذا لن يتردد طلعت بقتله ، فتلك الشحنة من الحديد تقدر قيمتها بالملايين ، سيحرص هو على أن يجعله متحسراً على خسرانها
سمع قاسم رنين هاتفه ،فوجد إسم جومانا ،تردد ثانيتين قبل أن يجيبها ، فهو لا ينكر ميل قلبه لها ، وأنه أحبها وهو من بدأ علاقته العاطفية معها رغبة فى الانتقام من كل ما يقرب بصلة لطلعت ، وهى من كان يستقصى منها اخباره بحكم أنها شقيقة زوجته
ولكن بمرور الوقت ،شعر بحبه لها وخاصة أنها عانت من ظلم شقيقتها ، فهو حقاً نادم على بدأ علاقتهما بداية خاطئة وآثمة
فوجد نفسه يجيبها قبل أن تتفوه بكلمة :
– جومانا عايزك تقابلينى حالا أنا هستناكى فى الكافية اللى قريب من الشقة
ردت جومانا متعجبة :
– ليه فى ايه يا قاسم حصل حاجة جديدة وأنا معرفش
أجابها قاسم بهدوء :
– قابلينى بس وأنتى هتعرفى
أطاعته على الفور ،وبعد ساعتين تقريباً عادوا إلى تلك الشقة التى اعتادوا على أن يتقابلوا بها ، ولجت جومانا وهى لا تصدق ما حدث ، فهى بعد أن قابلته أخذها وتم زواجهما بشكل رسمى وبصورة شرعية
أقتربت منه جومانا باسمة وهى تقول:
– قاسم معقول احنا اتجوزنا بجد وبشكل رسمى غير العرفى انا مش مصدقة لحد دلوقتى
أدناها قاسم منه وهو يضمها إليه قائلا:
– لأن بجد حبيتك يا جومانا وعايز إبنى ولا بنتى اللى فى بطنك ييجوا فى النور علشان بعد ما اخلص طارى من طلعت حابب ان نكمل حياتنا مع بعض ، حتى لما كنت بطلب منك تنزل البيبى مكنتش عايز حاجة تربطنى وتعطلنى عن انتقامى بس برضه رجعت وفكرت ان كده هكون بقتل روح ملهاش ذنب غير انها جت فى الوقت الغلط لأن كل اللى كان شاغلنى ان اخد حقى وحق أهلى
وضعت جومانا رأسها على صدره مغمغمة :
– وأنا كمان بحبك يا قاسم ودلوقتى حبيتك أكتر أول مرة محسش أن خايفة وأن مبعملش حاجة غلط لأن دلوقتى بقيت مراتك رسمى
ربما تلك هى المرة الأولى التى يشعران فيها بالراحة لوجودهما سوياً ، فما كان بالوقت السابق لم يكن سوى علاقة بنيت على الخطأ والآثم ، ولكن الرابط بينهما الآن رابط أقوى ، فهى مخطئة فما كان لها أن تتزوج بالخفاء منذ البداية ، حتى وإن كان ذلك بدافع الحب
_____________
وضعت هيلينا سماعات الأذن ، تستريح برأسها على طرف مقعدها بالطائرة ، تبسمت عندما نظرت للمقعدين أمامها ، ورأت تالين غافية على كتف جواد ، فهى تتمنى أن تجد رجلاً مثله يصبح لها معنى الحياة
حركت رأسها باسمة على تفكيرها ، فهى لم تجد حتى الآن من تستطيع أن تأتمنه على قلبها ونفسها ، فعلى الرغم من سنواتها التى قضتها بمصر ، لم تعثر حتى الآن على فارس أحلامها
التى وضعت له معايير قياسية وصفات شبيه بصفات جواد حتى تقتنع بالاقتران به
غفت قبل أن تكمل حديثها لنفسها بشأن فارس الأحلام ، ولا تعلم لما اخذ الأمر منها شكلا ً جدياً بالتفكير تلك المرة كأنها ستهبط من الطائرة وتجده أمامها
سمع جواد التنبيه بشأن وصولهم لمصر ، فوكز تالين بلطف قائلاً:
– حبيبتى أصحى يلا وصلنا مصر خلاص
أبتعدت تالين برأسها عن كتفه تفرك عينيها وهى تقول:
– خلاص وصلنا كنت عايزة أنام كمان شوية
ضحك جواد على قولها وإستدار برأسه لرؤية هيلينا التى تبسمت بوجهه بعد إستيقاظها من غفوتها تلك الاخرى فهتفت به:
– أنا صاحية جواد متتعبش نفسك وتنادى عليا
خرجوا ثلاثتهم من الطائرة ، سكنت الفرحة قلب تالين بعودتها لموطنها وأنها سترى عائلتها ، ولكنها أيضاً تشعر بالحزن لفراق تلك البلاد التى قضت بها وقت لا بأس به ، وخاصة اوقاتها السعيدة برفقة زوجها بالاونة الأخيرة
بصالة الوصول وقفت هيلينا تحدق بإبتسامة بذلك الطفل الذى منذ أن رأها وهو يبتسم لها ، يحمل بيده بالوناً يتمايل بخفة بنسمات الهواء الرقيقة ،ولكن أفلتت يده البالون ، فركض خلفه وهو يبكى ، فركضت خلفه تساعده فى إلتقاط البالون
فهتفت به قائلة بحنان :
– متزعلش هجبلك البالونة بتاعتك
كلما أقتربت من إلتقاطها ، زاد البالون فى الارتفاع ،ولكن استطاعت إمساك طرف ذلك الخيط المربوط به ، تبسمت بإنتصار أنها إلتقطته من أجل الطفل
ولكنها لم تضع بحسبانها أن تتعثر قدماها وتسقط على ركبتيها ، شهقت بألم ولكن وجدت من يمد يده لها بالمساعدة
رفعت وجهها لترى من صاحب اليد ، ولكن جحظت عينيها ،وتدلى فكها وهى تدمدم :
– بابا
_____________
يتبع .....!!!!
١٧– "ما لم يكن بالحسبان "
ظن أنها لم تستمع لما قاله ، فهز كتفيها بلطف ليرى إذا كانت إستمعت لما قاله أم لا ؟ جحظت عيناها هى بذهول من تصريحه الذى ألقاه عليها الآن ، ويجب أن تصدقه وتقتنع أيضاً ، ولكن هل وصل به الحال لتلك الكذبة التى صنعها من أجل إيهامها بشرعية علاقته بتلك الفتاة
نفضت يديه عنها وهى تقول بصياح:
– أنت بتقول إيه بنت اختك إزاى أنت جاى تضحك عليا وتوهمنى بالكلام فاكرنى هصدقك عايز تلوث سمعة باباك علشان تطلع أنت برئ أنا مكنتش أتوقع منك كده أبداً يا جواد
نال نصيبه من الدهشة مما قالته ، هل هذا ما فكرت به وأهتدت إليه من حديثه معها فهتف بها قائلا بغرابة:
– تالين أنتى جرا لمخك حاجة يا حبيبتى يعنى انا هفترى على بابا علشان أحسن صورتى قدامك ما لو فى حاجة تانية ما هقول هخاف منك أو من غيرك ليه أنا مبخافش إلا من اللى خلقنى وبس عايزك تفهمى كده وقولتلك هيلينا تبقى بنت أختى
قبل أن تعاود رفضها لحديثه ، سمعت صوت هيلينا وهى تلج من الخارج قائلة بهدوء:
– أيوة يا تالين أنا بنت أخته من لحمه ودمه أمى تبقى أخته من باباه ومحدش يعرف الموضوع ده نهائى غير جواد وبس حتى مامته وديما ميعرفوش وحتى كمان انا عايشة فى مصر ولو لسه مش مصدقة ، دى كل أوراقى الشخصية فيها إسم أمى بالكامل هيلجا حسنى عبد العزيز النصراوى
أخذت الأوراق من يديها بأصابع مرتجفة ، تجيل النظر بها ، فكيف هذا ؟ هل خان والده والدته بالسابق وتزوج وأنجب وهى لا تعلم طوال تلك الأعوام ،حتى الآن لا تعلم ان لدى زوجها حفيدة بريعان شبابها وليس هذا فقط فهى تعيش بمصر على مقربة منهم ، وخالها هو من يخفى الأمر عن الجميع
تلعثمت بقولها وهى تقول:
– ططب إزاى ومامتك السنين دى كلها متعرفش مشكتش فى باباك وانت فضلت مخبى عليها كمان ما انت ممكن كنت قولتلها ما خلاص باباك مات يعنى مش هتلاقى حد تلومه على اللى حصل
زفر جواد بتعب ، فأبتعد عنها يجلس على أقرب مقعد وجده ، فأجابها:
– بيتهيألك يا تالين أنتى متعرفيش أمى كانت بتحب بابا قد ايه ولحد دلوقتى وهو كمان كان بيحبها مش عايز أكسر ذكراه وحبها ليه وخصوصاً ان بابا كان فعلا بيحب أمى وبيخاف عليها ومحبش لما تعرف تبعد عنه أو تطلب منه الطلاق
عصى عليها فهم حب والده لوالدته ، وبالرغم من ذلك سعى لخيانتها ، بل أثمرت تلك الخيانة عن إبنة تحمل أسمه بالخفاء وحفيدة
فغمغمت قائلة بغرابة:
– هو فى واحد بيحب واحدة ويتجوز عليها طالما باباك كان بيحب مامتك أوى كده ليه عمل كده من وراها ، وخصوصاً ان مامتك بسم الله ماشاء الله زى القمر حتى وهى فى سنها ده ما حال بقى لما كانت شابة كانت عاملة إزاى وانت بتقول انها بتحبه ،وكمان خلفتك وبقيت وريثه ، ايه سبب خيانته ده اللى دماغى مش قادر يتصورها غير انه ضعف قدام واحدة تانية وخان مراته
سعت هيلينا إلى توضيح ذلك الأمر الذى أستعصى عليها التفكير به فردت قائلة:
– كل اللى قاله جواد صح وجدى الله يرحمه مش هو اللى عمل كده بمزاجه دى جدتى أنا اللى عملت كده لما شافته وحبته وأتمنته وهو صدها ومكنش حابب يكسر مراته ، بس رغبتها فيه خلتها تفكر انها تورطه فيها إزاى بقى أنا هحكيلك يا تالين بس أقعدى
أرتمت تالين على مقعد أخر ممتنة لإقتراحها ،فقدميها لن تسعفها بالوقوف أكثر من ذلك ، وخاصة أنها كانت زاهدة بالطعام ،مما أثر سلباً على جسدها
جلست هيلينا فى المقعد المقابل لها وبدأت تروى لها ماحدث من جدتها كما أخبرتها هى سابقاً:
– لما جدتى كانت عندها حوالى عشرين سنة باباها كان رجل اعمال مشهور فى ألمانيا وكان جدى بيتعامل معاه، جدتى شافته حبته من أول نظرة لدرجة انها عرضت عليه يتجوزها بس هو رفض وقالها انه لسه متجوز بنت عمه من حوالى شهرين وهو بيحبها جدا وميقدرش يخونها ، جدتى مقتنعتش برفضه ليها ،فضلت تحاول تقرب منه بأى طريقة وهو يصدها لحد ما فى مرة فكرت إزاى تورطه فيها ويتجوزها ،عملت نفسها انها اقتنعت بكلامه وقالتله خلاص نبقى اصدقاء عزمته على العشا مرة وحطت فى الأكل خمرة مركزة علشان تخليه يسكر لأنه مكنش طبعاً بيشرب خمرة فالخمرة فى الأكل هتعمل مفعولها ولما كان يقولها الأكل والشوربة طعمهم غريب كانت تقوله دا علشان أنت مش واخد إلا على الأكل المصرى ودى أصناف أكل جديدة الظاهر جدى محبش يكسفها فكمل الأكل من باب الذوق لحد ما بدأت الخمرة تعمل مفعولها معاه، مكنش واعى للى بيحصل بس حصل بنهم علاقة ، لما هو عرف اتجنن وساب ألمانيا ورجع مصر ، بس بعد شهرين أتواصلت معاه وقالتله انها حامل ،هو افتكر انها بتكذب عليه بس باباها طلب منه يرجع المانيا ويحلوا الموضوع بهدوء لأن فى طفل هيتولد ، رجع ألمانيا ، وحصل خناق بينه وبين جدتى وباباها واتهمهم انهم كانوا متفقين انهم يورطوه فى الجوازة ، بس لما جدى أتأكد ان جدتى فعلا حامل منه اتجوزها علشان الطفل اللى هيتولد ميبقاش غير شرعى وخلفت جدتى امى هيلجا وعاشوا هنا فى ألمانيا وجدى كان بيزورهم باستمرار علشان خاطر بنته ، بس بالرغم من كده مكنش فى علاقة تربطه بجدتى غير عقد جواز وبنته هيلجا ، ومراته المصرية مخلفتش جواد الا بعد سنين من جوازهم ، وفضلت جدتى ساكتة علشان بتحبه وكانت بتحلم باليوم اللى يحبها فيه زى ما كانت بتحبه بس محصلش ، وعلشان بقى عندها بنت منه أفتكرت ان ده هيخليها قريبة منه ،بس فضل الحال على ما هو عليه ، كبرت امى بقى عندها ١٧ سنة حملت فيا من ابن خالتها ،جدتى بتقول ان لما جدى عرف اتجنن ان ازاى بنته تعمل كده وان ده كله بسبب انها فضلت عايشة فى ألمانيا والتحرر اللى هم فيه ، وزعل من جدتى اكتر انها سمحت لبنتهم تعمل كده وتخلف وهى فى سن صغير ومن علاقة غير شرعية واستنى لما وصلت السن القانونى وجوزها لبابا علشان مبقاش بنت غير شرعية انا كمان ، كان جدى اتعود يزورنا باستمرار وكنت بحبه حصل الحادثة اللى مات فيها ماما وبابا بعدها بحوالى ٣ سنين مات جدى هو كمان كنت انا عندى حوالى ١٤ سنة فى الوقت ده ، جه جواد علشان يشوفنا كنت أسمع من جدى أن ليا خال وشفت صوره بس عمرى ما قابلته ، أول ما شوفته حسيت بالأمان وخصوصاً انه جه وعرض عليا ان أروح أعيش معاه فى مصر علشان يراعينى ، وافقت وروحت عيشت معاه
روحت مصر وكنت عايشة فى شقة كان هو كل يوم ييجى يطمن عليا ويشوف احوالى وفضلت فى مصر السنين اللى فاتت حتى حاليا أنا بدرس فى الجامعة الامريكية بمصر ، كنت متفهمة انه ميقدرش يقول لمامته على اللى حصل لان كل تفكريها هيكون ان جوزها خانها ومش هتصدق ان ده حصل غصب عنه
ربما هذا حلم ، أو أنها تستمع لقصة أحد خرافية أو أسطورية ، ظلت تنقل بصرها من وجه هيلينا تارة لوجه جواد تارة أخرى
فعم الصمت ،وأصبح ثقيلاً ، فهو ألقى الطابة بلمعبها ، فهى من سيحين دورها الآن بالكلام ، ولكن ماذا تقول او تفعل ؟ فالاوراق التى بين يديها دليل قاطع على صدقهما
أن تكتشف اليوم أن زوجها كان لديه شقيقة وإبنة أيضاً ، فهو ليس بالأمر الهين ، فدائما المفاجأت لا تأتيها إلا من جانبه ، لمتى سيظل أمامها ككتاب بطلاسم لا تستطيع فك شفراتها أو قراءتها وفهمها جيداً ، حتى وإن كانت سعيدة لبراءته من خيانتها ، فهى تشعر بالسوء لإخفاءه أمراً كهذا ، فلو كان أخبرها ،كانت ستتفهم كونه يخفى الأمر عن والداته وكانت ستحفظ سره ولن تبوح به لأحد
أطال النظر بها وهو يستريح برأسه على طرف مقعده ، فهو يبدو عليه منهك وخائر القوى ، مثلها تماماً فالايام الثلاثة الفائتة لم تذق طعم النوم إلا ساعات قليلة ، تفيق من نومها على دموعها التى تنساب على وجنتيها من تخيلها له أنه يتركها من أجل أنثى أخرى
___________
تأكلها الغيظ من عدم ردها على مكالماتها الهاتفية ، زرعت الأرض ذهاباًو إياباً ، والحقد يسرى بعروقها ،كالسم بجسد حية رقطاء ، فى إنتظار فريستها ، لغرز أنيابها بها ولن تتركها إلا بعد نفث سمها بأوردتها وتميتها
تأملها ذلك الجالس يعبث بهاتفه فصاح بها بحدة:
– نايا أتهدى بقى وأقعدى خيلتينى معاكى ودماغى وجعتنى من برطمتك اسكتى بقى لو مش هتسكتى يلا أمشى مش عايز وجع دماغ
توقفت نايا مكانها تطالعه بحقد قائلة:
– بقولك إيه يا ريت تسكت خالص يا هادى وتسيبنى فى حالى يا أخ أنت مش فيقالك مش كفاية مش راضى تدينى فلوسى
ألقى هادى الهاتف من يده متشدقاً بكلماته:
– وأديكى فلوس بتاعة إيه يا حبيبتى هى فين البنت اللى كنتى هتجبيها وتقبضى تمنها يا روحى هو انتى جبتى حد وانا كلت عليكى فلوسك ، دا انتى حتى الكام بنت اللى جبتيهم فى الاخر بنات كسر وكنت عامل نفسى عبيط انتى مفكرة انك بتضحكى عليا لما تجبيلى الواحدة من دول وتقوليلى انها بنت وعذراء وعاملة عليا حركة فكرانى مش هعرفها ، بس يا نايا ابقى اختارى دكتور كويس مش اهبل يعمل عمليات هبلة زيه ، انا بعرف الحاجات دى وانا مغمض عينيا يا نايا أنتى ناسية ان أنا دكتور يا حبيبتى
زاغت نايا بعينيها عنه ، فهو كشف أمرها ، فهى كانت مطمئنة لصمته ،متوهمة أنه لن يكتشف خداعها له بجلب فتيات ليسوا عذراوات
فعاود الحديث معقباً:
– قولتلك هتجيبى ديما النصراوى هدفعلك أضعاف ما أنتى عايزة يا نايا والصراحة أنا مبسوط أنك طلعتى تعرفيها وباين عليكى بتعزيها أوى صحيح الدنيا دى صغيرة أوى ولأن عارف أن ديما بنت ومتلمستش من حد قبل كده حتى لما كنتى هتسلميها لنبيل زى ما حكتيلى لما قولتلك على إسمها وإزاى تجبيهالى بس برضه حظها كان حلو واتلحقت
أرادت سؤاله عن طلبه المستميت لديما عن غيرها :
– إشمعنا يعنى ديما اللى أنت عايزها بالذات مع أن فى بنات كتير غيرها يا هادى وأقدر أجبلك اللى تعجبك غيرها
أغمض عينيه ، وقضم شفتيه وهو يتذكر تلك الحسناء ، التى رأها مرة بمشفاه ومن حظه الحسن أن نايا التى أعتاد أن يأتى إليها من أجل جلب فتيات له مقابل المال تعرفها جيداً بل كانت صديقتها بوقت من الأوقات فدمدم حالماً:
– أنا مش قادر أنساها من المرة اللى شوفتها فيها وهى فى المستشفى حاجة كده من النوع الفاخر عاملة زى الجوهرة اللى الواحد يبصلها من بعيد لبعيد من غير ما يلمسها وكل ما كانت البنت صعبة المنال بتبقى الرغبة فيها زيادة ، بيبقى الراجل هيموت ويعرف ايه اللى جواها زى الكتاب اللى هتموتى وتعرفى خافى ايه بين صفحاته
كلما زاد مدحه بديما ، زاد حقدها وكرهها لها ، فحتى هذا العابث الفاسق الوغد بثياب الحمل الوديع بأعين المجتمع الذى لايرى سوى المظاهر الزائفة والبراقة ، ينشد شعراً بحسن ديما وجمالها
فمن يراه وهو بمشفاه صباحاً وإدعاءه الاحترام ، لا يصدق أنه بالمساء يستلذ بسلب الفتيات حياتهن من أجل نزواته الدنيئة ورغباته القذرة ، فهى تعرفه منذ ثلاثة أعوام تقريباً ، وبتلك الأعوام جلبت له العديد من الفتيات ، التى كانت تدعى صداقتهن ، وتأخذ منه النقود ، حتى زاد حبها للمال بشراهة ، وتريد أن تحصل عليه بأى طريقة أو وسيلة كانت
حاولت أن تعرف إذا كانت تستطيع منافسة ديما بعقله أم لا ؟ فأقتربت منه أكثر حتى أصابه الغرابة من تصرفها ، مررت يدها على وجنته متغنجة:
– طب ما تسيبك من ديما وخليك معايا أنا يا هادى
تقطيبة حاجبيه ، وشفاهه العليا التى رفعها إمتعاضاً ،جعلها تفطن لما يفكر به حتى قبل أن يطلق العنان للسانه ، ولكن عوضاً عن ذلك وجدته يجذبها إليه بقسوة ألمتها فهتف بأذنها بفحيح:
– خلينا أصحاب أحسن يا نايا أصلك لو حبيتى توقعينى يبقى هتقعى فى بير وتغرقى ومش هتعرفى تطلعى منه لو حابة تعرفى أقصد إيه تعالى معايا
جرها من يدها خلفه ، حتى وصل لغرفة تبتعد عن باقى الغرف بمنزله ، فتح الباب على مصراعيه ، فنظرت نايا بداخل الغرفة فلم تجد سوى فراش وأريكة ولم تجد شئ أخر يثير الإهتمام أو الغرابة
فنظرت اليه قائلة بعدم فهم:
– هو إيه ده مالها الأوضة ماهى عادية أهى
سحبها من مرفقها ، ودفعها لتجلس على الاريكة ، ووجدته يبتعد يسحب سوط من جانب الفراش ، هربت الدماء من عروقها عندما علمت ماذا يعنى بهذا ؟ فهل هو سادى يرغب بتعذيب ضحاياه ولكن لدهشتها وجدته يضع السوط بيدها
أبتعد قليلاً يخلع عنه قميصه ، وأولاها ظهره ، تعجبت من تلك الجروح والندوب التى تملأ جسده ،فهتف بها بوحشية:
– أضربى يا نايا بأقوى ما عندك وأضربى
تعجبت أكثر من مطلبه ، فهو يريدها أن تجلده بالسوط ، فهو حقاً إنسان مريض ، فعلمت الآن لما كانت كل فتاة تقضى الليلة برفقته ، تخبرها بأنه شخص معتوه فهو يطلب ممن تأتيه أن تلهب جسده بضربات السوط قبل أن يلمسها ، فهو يشعر بلذة عندما يرى الدماء تطفر من جراحه ، ليغرق بعد ذلك ببؤرة من المفاسد والمحرمات
رفعت نايا السوط وهوت به على جسده فتعجبت من عدم صراخه ، فلو هى من تلقت تلك الضربة ، لربما صرخت حتى تنقطع أحبالها الصوتية
من خمس دقائق أنهكها التعب وأصاب يديها التشنج من ثقل السوط بيدها ،فألقته من يدها وهى تقول:
– إيه ده أنت إزاى مستحمل الضرب ده ومبتتكلمش
لمعت عيناه ببريق شيطانى ، وإستدار إليها وقبل أن تعى ما يحدث ،وجدته يقتص منها لكل ضربة تلقاها ، زاد صراخها من وحشيته ، ولكن لن تستطيع هى إنقاذ نفسها فهى من أرادته فلها ذلك ولكن ستسير اللعبة بقانونه الدامى ، الذى لا يقبله العقل أو المنطق أو الفطرة السليمة التي خلق الله بها بنى الإنسان
____________
بعد أن ذهبت هيلينا لإحدى الغرف لتنال راحتها ، بعد أن اصدر جواد أمره للخادمة بأن تأخذ حقائبها لتستريح ،وذهابه لمكتبه ، مازالت جالسة مكانها تستند برأسها على أحد كفيها ، فجلستها قد طالت فتركت مكانها تصعد الدرج ومازالت صامتة
وصلت الغرفة وولجت للداخل ، شرعت فى إرتداء منامتها ،وبعد أن أنتهت ،خرجت للشرفة لعل نسمة هواء باردة تخفف من ضيقها ، ولا تعلم لما هى مازالت تشعر بالضيق ؟ كأنها تشعر بمشاعر مغايرة لتلك التى يجب أن تشعر بها فى تلك اللحظة ، فهاهى زوجها يعود إليها بدليل براءته من خيانتها ، ولكن لا تعرف لما شعرت بالخوف أن يحدث لها ما حدث مع والدته ، فهى لا تستطيع نكران هذا الشعور المخيف
أرتجفت بخفة عندما وجدت ذراعان تمتدان لتطويقها ، وقفت ساكنة بين ذراعيه فأنحنى برأسه إليها يستند بذقنه على كتفها الأيمن قائلاً:
– أنتى لسه زعلانة منى يا حبيبتى
زاد من إلجام لسانها عن الكلام ، تودده لها فهو يبدو عليه أنه إشتاق إليها أشد الاشتياق ، فعوضاً عن الكلام ، مهد لسيل جارف من المشاعر التى تعلم أنها ستغرقها بلجة عميقة ، ولا تستطيع هى الإعتراض ، وكيف لها بأن تعترض ، وهى من أعتصر قلبها شوقها إليه، فثلاث ليال ، كانت البرودة والجفاء رفيقيها بالفراش ، كانت الحياة رتيبة ومملة بغيابه ، حتى عندما كانت غاضبة منه ولا تعلم السبب الحقيقى بإبتعاده عنها
إستدارت إليه تنظر له بصمت ، فقرأ ما تحويه عينيها بوضوح ، قرأ الخوف والشوق بهما ، ولكن علام هى خائفة ؟
فلم يمنع لسانه عن سؤالها :
– باين فى عينيكى الخوف خايفة من إيه يا تالين ؟
زفرت من أنفها بتيه ، فأقتربت منه أكثر ، فربما تشعر من ضمته لها بالأمان ، التى تخاف أن تتزعزع جذوره ، فخرج صوتها مضطرباً:
– اقولك الحق يا جواد خايفة يحصلى زى اللى حصل مع مامتك وأكتشف ان انت يكون عندك زوجة تانية أو أولاد ومخبى عليا
بتفكيرها الطفولى هذا ،لم يكبح ضحكته على ما تفوهت به فأراد أن يمزح معها فهتف قائلا يدعى الجدية:
– متخافيش يا تالين قبل ما أموت هقولك اذا كنت متجوز عليكى وعندى أولاد ولا لاء متخافيش هقولك كل حاجة وهعرفك عليها كمان علشان أموت وضميرى مرتاح ومتدعيش عليا بعد ما موت وتعرفى
أبعدت رأسها عن صدره تنظر له بشرار ، فدفعته بصدره حانقة:
– تصدق أنت اللى هتموتنى ناقصة عمره يا جواد ايه الرد ده ليك نفس تهزر كمان
لن تجدى تلك الثرثرة السخيفة نفعاً ، فمن الأفضل لهما الآن أن يعودا لإكمال ما تركاه عالقاً بمنتصف الطريق ، فسد بوجهها أى سبيل تستطيع به وساوسها إفساد لحظتهما التى لن يجرؤ أحد المساس أو العبث بها ، فهو من حلم بتلك اللحظات برفقتها منذ أن دق قلبه لها ، لم يشتهى أنثى غيرها ، كمن صكت قلبه بإسمها هى فقط
يراها كحورية تجلس على شاطئ نهر الشوق ، تسقيه منه أقداحاً ، فإمتلأ القلب هياماً ، فعشقهما كشجرة وارفة الظل يستظلون بها من عناء الهجر و الفراق
غمغمت وهى تداعب وجنته تستريح برأسها على كتفه:
– أنت وحشتنى أوى الكام يوم اللى فاتوا دول يا حبيبى مع ان كنت حاسة لو شوفتك كنت هقتلك يا جواد وكنت هبقى فرحانة وانا بقتلك كمان
زاد من أقترابه منها وضمته لها ، التى جعلتها تستكين بين ساعديه ، فتبسم بوجهها قائلاً:
– أنتى وحشتينى أكتر بس غصب عنى مكنش ينفع أسيب هيلينا ولا جدتها لأنها برضه كانت تبقى مرات بابا وهو وصانى عليها قبل ما يموت واجراءات الدفن اخدت وقت وانتى مكنتيش بتردى عليا ورافضة تسمعينى بس كنت عارف ان ده كله بسبب الغيرة وقولت جايز على ما أرجع الاقيكى هديتى علشان نعرف نتكلم مع بعض
خرجت أنفاسها حارة محتارة وهى تقول:
– تصدق لسه لحد دلوقتى حاسة ان اللى سمعته ده حلم وباباك بالرغم من ده كله محبش يكسر مامتك علاقة حب تبان غريبة مع ان اى حد لو سمع ان باباك كان ليه زوجة وبنت وحفيدة هيفكر زى ما انا فكرت كده انه راجل خان مراته بمزاجه ، وخصوصاً كمان انه مش موجود علشان يدافع عن نفسه ، حتى مراته الألمانية ماتت يعنى لو حلفت لمامتك مش هتصدق ان ده حصل غصب عنه ، اذا كان انا وشكيت فيك وانت بتحاول تفهمنى ،هى هتعمل ايه ساعتها لو عرفت
سحب جواد ذراعه من أسفل رأسها يعتدل بجلسته ، وضع رأسه بين يديه ، عمل على أن يعيد ترتيب خصلات شعره التى تناثرت بفوضى وعاثت بها أصابع تالين فساداً
زفر جواد زفرات مرتجفة بخوف وهو يقول:
– لو أمى عرفت ياتالين إحتمال مترضاش تبص فى وشى تانى ان خبيت عليها وممكن يجرالها حاجة أنتى متعرفيش كانت بتحب بابا إزاى هو مكنش جوزها بس دا كان ابن عمها كمان وحب عمرها يعنى اتربت على حبه زى ما كانت دايما تقولى وهو كمان لما كان بيموت أقسملى على كتاب الله انه محبش حد فى حياته غيرها وان كل اللى حصل ده غصب عنه ، وكمان ألح عليا أجيب هيلينا تعيش معايا فى مصر خاف ليحصلها زى مامتها بسبب العلاقات المتحررة فى بلاد الغرب وكانت فى سن مراهقة وعايزة اللى يكون معاها ويعرفها الصح من الغلط بس الصراحة هيلينا كانت عاقلة ومستجيبة لكل اللى بقولهولها وعلشان كده يا تالين أرجوكى الكلام ده محدش يعرف بيه حتى لو كان باباكى ومامتك ده سرى وأأتمنتك عليه
إعتدلت هى الاخرى بجلستها ،تدير وجهه لها ، تتعهد له بعيناها قبل شفتيها :
– اوعدك يا قلب تالين أن محدش هيعرف وانا مش هقول لحد خالص اطمن بس احنا هنرجع مصر أمتى
أومأ برأسه قائلاً:
– كمان يومين عايز اظبط شوية شغل هنا وكمان لأن شهر العسل قرب يخلص وكمان أمى وحشتنى وديما أكيد عملت بلاوى من غير ما اعرف قلبى حاسس ان فى مصايب مستنيانى منها
لمح طيف الغيرة الذى مر ببريق عينيها على ذكر ديما ، ولا يعلم سر رغبته الآن فى أن يثير غيرتها أكثر ، فلا يعرف سر إستمتاعه بغضبها وبغيرتها
فأكمل حديثه بجدية مصطنعة:
– وكمان وحشنى خناقى معاها تصدقى يا تالين
ما رأه من بريق الغيرة ، صار الآن عاصفة رعدية وهى تغمغم من بين أسنانها المصتكة :
– وحشك الخناق معاها ! ولا وحشتك كلمة يا بيبى منها يا بيبى
حقق مراده الآن ، فهو سيكون سعيداً بإخماد ثورتها عليه ،فأراد لها المزيد:
– مع أنى بكرة كلمة يا بيبى دى بس معرفش لما بسمعها منك بتبقى أحلى من اللى بتقولها ديما
تمددت على الفراش ،توليه ظهرها قبل أن يزداد حنقها أكثر ، أخذت الوسادة ووضعتها على رأسها وهى تدمدم من أسفلها بسخط:
– قليل الأدب ، بتحب الستات تدلعك
ظنت أنه لم يستمع لما قالت ، ولكنه وجدته يسحب الوسادة من على رأسها وهو يقول:
– أنا قليل الادب يا تالين بصيلى كده وردى عليا هو لسانك ده دايما سابقك
إستدارت برأسها إليه قائلة:
– أنت عايز منى ايه دلوقتى ، انت بتسمع غلط اعملك إيه ويلا خلينا ننام علشان نصحى فايقين ويهون باليومين اللى فاضلين علشان نرجع بيتنا
تلك هى المرة الأولى ،التى تنطق تلك الكلمة " بيتنا" بذلك الحماس الذى بدا جلياً بصوتها ، فأى مكان هو به سيصبح بيتها حتى وإن كان غرفة واحدة طالما سيكون هو معها ستكون الجنة بذاتها
يده تتجول على قسمات وجهها ،متفحصاً أدق تفاصيله ذلك الوجه بهى الطلعة ، حيلة أخرى من حيله ، التى ستجعلها ترضخ له بالأخير ، فهى من أولته ظهرها منذ دقيقة ،أصبحت ملتصقة به كأنها صارت ضلع أخر من ضلوعه ، تتناغم خفقات قلبيهما كلحن عذب تهواه النفس
_____________
صوت الصفعة التى تلقاها رشدى على وجهه ،كأنها نغمة طربية إستمع لها قاسم الذى يسترق السمع لما يحدث بالداخل ، بعد عودة رشدى من قسم الشرطة ، بعد أن عمل ذلك الضابط الفاسد المدعو كمال على أن يحرره قبل أن يتم عرضه على النيابة مقابل مبلغ مالى سيزيد من رصيده بأحد البنوك
أمسكه طلعت من تلابيب ثيابه يصيح به:
– أه يا كلب على الآخر واحد من رجالة طلعت الزينى يتقبض عليه فى شقة مشبوهة وياريتها شقة عدلة لكن قذرة زيك بقى انا بحاول أنضف فيك وانت برضه تحن لقذارتك القديمة مش عايز تنسى انك كنت حارس للرقصات فى الكباريهات وشغل القوادين ده مش محظرك قبل كده مليون مرة أن بلاش تعمل كده مبتسمعش الكلام ليه ، نفسك فى النسوان أوى كده استنضف يا اخويا مش رايح اماكن عرة زيك
لم يكن لديه الوقت الكافى للرد على السباب اللاذع الذى ينطلق من فم طلعت ، فهو من أنذره بعدم الانجراف خلف نزواته ، وضرب بكلامه عرض الحائط ، مطمئناً أنه لن يكتشف ما يفعل
فحاول أن يجد ما يقوله لإخماد غضب طلعت فناشده بإستجداء:
– أنا أسف يا باشا مش هعمل كده تانى صدقنى لو حصل منى حاجة تانية أبقى موتنى
تفحصه طلعت من رأسه لأخمص قدميه قائلاً بوعيد:
– أنت اللى حكمت على نفسك يا رشدى غلطة منك كمان وقول على نفسك يارحمن يارحيم لأن مش هستحمل غباء منك تانى لأن غلطات فى الوقت ده بقت كتير وجهزك نفسك علشان الشحنة اللى هتتسلم بكرة يلا غووور من وشى
لم يدعه ينطقها ثانية ، ففر رشدى هارباً من الباب ، وهو يكظم غيظه بقلبه مما فعله طلعت به ، فإن كان يظهر له الخنوع فلا يمنع ذلك أنه من داخله يشعر أحياناً بالكره الشديد له متمنياً قتله
فكر قاسم بشأن تلك الشحنة التى سيتم تسليمها بالغد ، فربما تلك هى الفرصة المناسبة ليتخلص طلعت من رشدى ،فهو سيعمل على أن يخفق فى تلك المهمة التى أسندها إليه ،يجعله يعود لطلعت خالى الوفاض ، وعند هذا لن يتردد طلعت بقتله ، فتلك الشحنة من الحديد تقدر قيمتها بالملايين ، سيحرص هو على أن يجعله متحسراً على خسرانها
سمع قاسم رنين هاتفه ،فوجد إسم جومانا ،تردد ثانيتين قبل أن يجيبها ، فهو لا ينكر ميل قلبه لها ، وأنه أحبها وهو من بدأ علاقته العاطفية معها رغبة فى الانتقام من كل ما يقرب بصلة لطلعت ، وهى من كان يستقصى منها اخباره بحكم أنها شقيقة زوجته
ولكن بمرور الوقت ،شعر بحبه لها وخاصة أنها عانت من ظلم شقيقتها ، فهو حقاً نادم على بدأ علاقتهما بداية خاطئة وآثمة
فوجد نفسه يجيبها قبل أن تتفوه بكلمة :
– جومانا عايزك تقابلينى حالا أنا هستناكى فى الكافية اللى قريب من الشقة
ردت جومانا متعجبة :
– ليه فى ايه يا قاسم حصل حاجة جديدة وأنا معرفش
أجابها قاسم بهدوء :
– قابلينى بس وأنتى هتعرفى
أطاعته على الفور ،وبعد ساعتين تقريباً عادوا إلى تلك الشقة التى اعتادوا على أن يتقابلوا بها ، ولجت جومانا وهى لا تصدق ما حدث ، فهى بعد أن قابلته أخذها وتم زواجهما بشكل رسمى وبصورة شرعية
أقتربت منه جومانا باسمة وهى تقول:
– قاسم معقول احنا اتجوزنا بجد وبشكل رسمى غير العرفى انا مش مصدقة لحد دلوقتى
أدناها قاسم منه وهو يضمها إليه قائلا:
– لأن بجد حبيتك يا جومانا وعايز إبنى ولا بنتى اللى فى بطنك ييجوا فى النور علشان بعد ما اخلص طارى من طلعت حابب ان نكمل حياتنا مع بعض ، حتى لما كنت بطلب منك تنزل البيبى مكنتش عايز حاجة تربطنى وتعطلنى عن انتقامى بس برضه رجعت وفكرت ان كده هكون بقتل روح ملهاش ذنب غير انها جت فى الوقت الغلط لأن كل اللى كان شاغلنى ان اخد حقى وحق أهلى
وضعت جومانا رأسها على صدره مغمغمة :
– وأنا كمان بحبك يا قاسم ودلوقتى حبيتك أكتر أول مرة محسش أن خايفة وأن مبعملش حاجة غلط لأن دلوقتى بقيت مراتك رسمى
ربما تلك هى المرة الأولى التى يشعران فيها بالراحة لوجودهما سوياً ، فما كان بالوقت السابق لم يكن سوى علاقة بنيت على الخطأ والآثم ، ولكن الرابط بينهما الآن رابط أقوى ، فهى مخطئة فما كان لها أن تتزوج بالخفاء منذ البداية ، حتى وإن كان ذلك بدافع الحب
_____________
وضعت هيلينا سماعات الأذن ، تستريح برأسها على طرف مقعدها بالطائرة ، تبسمت عندما نظرت للمقعدين أمامها ، ورأت تالين غافية على كتف جواد ، فهى تتمنى أن تجد رجلاً مثله يصبح لها معنى الحياة
حركت رأسها باسمة على تفكيرها ، فهى لم تجد حتى الآن من تستطيع أن تأتمنه على قلبها ونفسها ، فعلى الرغم من سنواتها التى قضتها بمصر ، لم تعثر حتى الآن على فارس أحلامها
التى وضعت له معايير قياسية وصفات شبيه بصفات جواد حتى تقتنع بالاقتران به
غفت قبل أن تكمل حديثها لنفسها بشأن فارس الأحلام ، ولا تعلم لما اخذ الأمر منها شكلا ً جدياً بالتفكير تلك المرة كأنها ستهبط من الطائرة وتجده أمامها
سمع جواد التنبيه بشأن وصولهم لمصر ، فوكز تالين بلطف قائلاً:
– حبيبتى أصحى يلا وصلنا مصر خلاص
أبتعدت تالين برأسها عن كتفه تفرك عينيها وهى تقول:
– خلاص وصلنا كنت عايزة أنام كمان شوية
ضحك جواد على قولها وإستدار برأسه لرؤية هيلينا التى تبسمت بوجهه بعد إستيقاظها من غفوتها تلك الاخرى فهتفت به:
– أنا صاحية جواد متتعبش نفسك وتنادى عليا
خرجوا ثلاثتهم من الطائرة ، سكنت الفرحة قلب تالين بعودتها لموطنها وأنها سترى عائلتها ، ولكنها أيضاً تشعر بالحزن لفراق تلك البلاد التى قضت بها وقت لا بأس به ، وخاصة اوقاتها السعيدة برفقة زوجها بالاونة الأخيرة
بصالة الوصول وقفت هيلينا تحدق بإبتسامة بذلك الطفل الذى منذ أن رأها وهو يبتسم لها ، يحمل بيده بالوناً يتمايل بخفة بنسمات الهواء الرقيقة ،ولكن أفلتت يده البالون ، فركض خلفه وهو يبكى ، فركضت خلفه تساعده فى إلتقاط البالون
فهتفت به قائلة بحنان :
– متزعلش هجبلك البالونة بتاعتك
كلما أقتربت من إلتقاطها ، زاد البالون فى الارتفاع ،ولكن استطاعت إمساك طرف ذلك الخيط المربوط به ، تبسمت بإنتصار أنها إلتقطته من أجل الطفل
ولكنها لم تضع بحسبانها أن تتعثر قدماها وتسقط على ركبتيها ، شهقت بألم ولكن وجدت من يمد يده لها بالمساعدة
رفعت وجهها لترى من صاحب اليد ، ولكن جحظت عينيها ،وتدلى فكها وهى تدمدم :
– بابا
_____________
يتبع .....!!!!
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت 17 ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 18 أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .