نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت التاسع من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل التاسع
* أصبحت أسيرته *
٩– "موسم المطر والخوف"
تكونت سحابة من الدخان أمام وجهه من نفثه دخان سيجارته الثالثة على التوالى منذ سماعه ما تفوهت به وهو مازال جالساً على طرف الفراش ،سمع صوت فتح باب المرحاض الملحق بالغرفة ،فرأها تخرج ترتدى مأزر الحمام ،تعقص شعرها بمنشفة صغيرة بيضاء بعد إنتهاءها من الاغتسال
رفع وجهه إليها فنظرت إليه نظرة عابرة وشرعت فى إرتداء ثيابها وبعد الانتهاء وقفت أمام المرآة تجفف شعرها لتصففه قبل رحيلها
نهض عن الفراش يقف خلفها بدون أن يتلامسا فقال:
– أنتى ساكتة ليه
ضربت فرشاة الشعر برأسها بحدة قائلة:
– وعايزنى أتكلم أقول إيه تانى
زفر بضيق وعاد أدراجه ثانية للجلوس على طرف الفراش وأخذ سيجارة أخرى ليشعلها فخرج صوته مغمغماً:
– عايزك تفكرى معايا هنخلص من المصيبة دى إزاى
ألقت الفرشاة بحدة تحدث صوت قرقعة على الأرض وإستدارت إليه بعينان غاضبة:
– دلوقتى بتسميها مصيبة ومفكرتش فى المصيبة اللى إحنا عملناها ليه من الأول ليه دلوقتى جايب اللوم عليا
قطع المسافة بينهما يهدر بصوت عالى وأنفاسه تكاد تحرق وجهها وهو يقول:
– أنتى مش المفروض بتعملى حسابك وبتأخدى موانع للحمل يبقى إزاى حصل الحمل إلا لو بقى أنتى قاصدة تعملى كده
لم تفه بكلمة جلست على مقعد ترتدى حذاءها بعجالة ونهضت أخذة حقيبتها لتسرع فى الخروج من الشقة تكبت غضبها المتفاقم بداخلها من تصرفه معها بعد علمه بشأن حملها
إتجه إلى الشرفة وأزاح ستائرها جانباً ،فحدق بمياة النيل التى تراقص عليها ضوء القمر ببداية ظهوره بكبد السماء ولكن تلبدت السماء بغيوم وسحب كمن تنذر بهطول أمطار غزيرة ورياح قوية تنذر بعاصفة ولكن ليست أقوى من تلك العاصفة التى ستقلب حياته رأساً على عقب إذا أنكشف أمره
____________
يوم يصاحبه أخر بدون شئ تراه يبهج نفسها التى تعطشت للسعادة التى كانت لا تفارقها قبل معرفتها بما حدث لشقيقها ومقابلة ذلك الذى أصبح يسمى زوجها
وجدت باب غرفتها يفتح يلج منه بسام مبتسم الثغر قائلاً:
– تالين تعالى سليم إبن خالتو رجع من البعثة وهو برا
أبتهجت ملامحها الجميلة فتركت مكانها لترتدى ثوب ملائم ،وتضع على رأسها حجابها وبعد أن انتهت خرجت مسرعة وهى تقول بصوت عالى يشوبة سعادة جلية :
– سليم حمد الله على السلامة أخبارك إيه
نهض ذلك الشاب الوسيم ذو الثامنة والعشرون من عمره يصيح بصوته قائلاً:
– تالييين اخبارك إيه لسه زى ما أنتى اوزعة يا تالين مطولتيش شوية
ضيقت تالين ما بين عينيها بسبب عادته بالمزاح معها ونعتها بقصر القامة فهى بالحقيقة طولها معتدل ليست بالقصيرة ولا الطويلة ولكن دائما ما يثير سليم حنقها بنعتها بال" اوزعة"
التوى ثغرها بسخرية قائلة:
– صلاة النبى على طولك أوى يا سليم دا أنت مشوفتش جوزى طويل إزاى أهو انت اللى جمبه هتبقى أوزعة
لا تعرف كيف أتت على ذكره تستشهد به بالدفاع عن نفسها وإثارة غيظ ذلك الذى لا يتوانى عن إثارة غيظها ، فحقاً زوجها يفوق سليم بطول القامة ،فدائما ما تشعر بضألة حجمها وطولها أمامه ولكنها تتخذ من سلاطة لسانها سلاح توارى خلفه خوفها من مواجهته
قهقه سليم بصوت عالى فهتف قائلا:
– اه صحيح انا عرفت من ماما انك اتكتب كتابك بس مش خطيبك اللى كان اسمه مروان بتقول واحد تانى اسمه جواد باين
اومأت تالين برأسها بدون أن تنبت ببنت شفة ،فخرجت زينب من المطبخ تحمل صينية بها أكواب المشروبات المرطبة وهى تقول بسعادة:
– حمد الله على السلامة يا حبيبى وكويس انك رجعت علشان تحضر فرح تالين دا خلاص فاضل كام يوم
أخذ سليم منها الكوب الذى مدت يدها به فرد قائلاً:
– ألف مبروك بس انتى خلصتى امتحانات ولا لسه يا تالين
أجابته تالين وهى شاردة:
– فاضل مادتين وهخلص
أقترب بسام من مقعد سليم يجلس على حافته قائلاً:
– قولنا بقى عملت إيه فى البعثة بتاعتك أكيد كنت خارب الدنيا هناك وكنت بتعاكس البنات هناك أكتر ما كنت بتذاكر
لم يمنع سليم ضحكته على ما تفوه به بسام حتى يكاد يريق محتوى كوبه وهو يقول:
– الله يسامحك يا بسام مش للدرجة دى يعنى
أثناء حديثهم الممازح سمعوا صوت جرس الباب فهبت تالين واقفة لترى من القادم وهى مازالت مبتسمة على ما يخبرهم به سليم من نوادر حدثت له اثناء سفره
فتحت تالين الباب ولكن رأت زوجها فماتت البسمة على شفتيها ،ففكرت ما الذى أتى به الآن ،فهى لم تكن على علم بقدومه ،فالتواصل بينهم شبه معدوم
حدق بها فرفع حاجبيه بغرابة قائلا:
– أنتى هتفضلى بصالى كده مش هتقوليلى أتفضل
تنحت تالين جانباً تشير إليه بالدخول ،فولج للداخل بخطى ثابتة حتى رأى زينب تقترب منه مرحبة به:
– إيه النور ده دا كل الحبايب متجمعين عندنا النهاردة
بالبداية لم يعى مغزى حديثها حتى رأى شاب يتقدم منه مصافحاً:
– أهلا وسهلا بيك أنا سليم إبن خالة تالين أنت جوزها مش كده
بادله جواد المصافحة يومئ برأسه قائلاً:
– تشرفنا يا أستاذ سليم ايوة انا جوزها جواد النصراوى
عادوا للجلوس ،فتجاذب سليم أطراف الحديث مع جواد الذى كان يجيبه بهدوء على ما يسأله إياه ، جلست تالين تفكر فى سبب مجيئه اليوم ، لم تنتبه إلا عندما سمعت سليم يحدثها قائلاً:
– إيه يا أوزعة روحتى فين كده بكلمك مبترديش
رفعت تالين إحدى حاجبيها قائلة :
– أنت هتسكت ولا لاء أحسن ما أسيحلك واقول كانوا بينادولك إيه وأنت صغير خلى الطابق مستور
رد سليم قائلاً بزهو:
– قولى يا اختى مبخافش وكمان مش هديكى الشيكولاتة اللى كنت جيبهالك
برقت عيناها ونسيت لوهلة أن زوجها جالس بجوارها فهتف بطفولة:
– فين الشيكولاتة يا سليم هاتها بقى وأنا هسكت ومش هسيحلك دا انت الغالى
أخرج سليم قالب الشوكولاتة من جيبه يلوح بها قائلاً:
– الشيكولاته أهى وأمرى لله
تركت تالين مقعدها فأقتربت منه تختطف الشيكولاتة من يده وهى تنظر لها ببلاهة فهى النوع المفضل لديها والذى حرص على أن يبتاعه لها دائماً منذ صغرها
فردت قائلة بإبتسامة عريضة:
– ميرسى أوى يا سليم
رأت زوج من العينان تطالعها بتعبير مبهم ،فتذكرت أنه مازال جالساً ،فعادت لمقعدها فجلست بصمت حتى أعلن سليم عن ضرورة رحيله لقضاء بعض شئونه الخاصة
وجدت نفسها جالسة معه بمفردها بعد ذهاب والداتها للمطبخ وشقيقها الذى اختفى منذ مجيئه وسليم الذى خرج منذ خمس دقائق
عم صمت مطبق حتى وجدته يقول:
– باين عليكى أوى واخدة على إبن خالتك ده
بالبداية فاتها مغزى حديثه ولكن عندما أمعنت التفكير به فوجدت نفسها قائلة :
– أديك قولتها هو إبن خالتى وزى أخويا وأظن انا متجوزتش حدودى علشان تلميحك ده اللى ملوش لازمة انا اعرفه من ساعة ما وعيت على الدنيا ثم هو انا كنت قولتلك حاجة على بنت عمك اللى بتقولك يا بيبى
احتدمت رماديتيها بعد أن ختمت حديثها ،فلم يكن منه سوى أنه أطال النظر بها وهو يقول:
– أنتى غيرانة عليا منها
أصدرت عنها أهة السخرية وهى تقول:
– أغير منها على إيه ثم مش لما أكون بحبك أبقى أغير عليك ازاى أغير على واحد مبحبوش
قطعت ذلك الخيط الدقيق الذى تشبث به ، من أمل واهٍ وكاذب ،من أنه ربما سيرى بعينيها شئ يحيه ،فلم يجد سوى ناره وحرقته، فرثا قلبه المسكين ،الماثل أمام محراب العشق يستجدى أملاً ينجيه ، فتمنعت النبضات عن سؤاله ،فلم يجد سوى مقصلة وضعت بين راحتيها ،فترجى عينيها تريحه من عذابه فإن كان له بالموت فكم يكفيه الموت بين يديها ، فربما سيرق قلبها على نبضات تناثرت كنقاط الغيث بموسم المطر ،فلم يكن منها سوى خوفاً من تلوث نقاء قلبها الابيض بدماء العشق المحرم عليه
رفع رأسه بشموخ وكبرياء يناظرها بتحدى قائلاً:
– القلوب عند بعضها يا تالين وأوعى تفتكرى أن أنا واقع فى غرامك أنا متجوزك علشان حاجة واحدة وأنتى عرفاها وإن كان على الحب فده شئ سخيف ميهمنيش
جزت على أنيابها من خلف شفتيها المطبقتين بصمت ثقيل فخرج صوتها ساخراً:
– وأنا عمرى ما هتمنى أن أنت بالذات تحبنى
حديثهما حوى تنكيل وسخرية ،فكل منهما يحاول الخروج من تلك المشادة الكلامية ظافراً بكبرياءه
إلا انها سمعت صوت قائلاً بتحذير خطر:
– بعد الفرح هيكون لينا كلام تانى يا تالين أنا كنت جاى دلوقتى علشان أقولك على ترتيبات الفرح اللى تقريباً كده الاسبوع الجاى دا لو مكنتيش ناسية يعنى فأخر يوم فى امتحاناتك هتخرجى تختارى فستان الفرح وانا حجزت القاعة وعملت كل الترتيبات وإستعدى يا تالين علشان هتدخلى جحيمى برجليكى
لم يكن بحاجة لكلمة اخرى يقولها حتى يبث الخوف والرعب بقلبها من تحذيره ، ولم يزد هو كلمة اخرى بل هب واقفاً يستأذن بالرحيل حتى قبل خروج والداتها التى تعجبت من إنصرافه السريع ،قبل إحتساءه مشروبه
___________
يجوب الأرض بحثاً ، عن ذلك الذى لم يعثر له على أثر منذ علمه بإختفاءه من المشفى ، فعاد إلى حيث ينتظره سيده بغرفة مكتبه ،قرع الباب حتى سمع صوته من الداخل أمراً له بالدخول
أدار مقبض الباب ولا ينكر خوفه مما هو مقدم عليه ،فأنفتح الباب على مصراعيه ،ليرى طلعت يجلس بهيبة وجبروت على مقعده الجلدى الوثير خلف مكتبه الفاخر
– إيه الاخبار يا رشدى لقيت نبيل
قالها طلعت ينفث سيجاره ببرود ،فهو يعلم ما سيقوله قبل أن تنطق به شفتاه ،فهو أخفق بتلك المهمة التى اوكلها إليه ،فعندما طال الصمت من رشدى رد طلعت معقباً:
– ملقتوش مش كده يا رشدى وشك بيقول أنك راجع إيد ورا وإيد قدام
– والله يا باشا قلبت عليه الدنيا ومش لاقيه زى ما يكون فص ملح وداب أو الأرض انشقت وبلعته
قال رشدى جملته باستجداء ليصفح عنه ، فهو بذل ما باستطاعته ولكنه عاد خالى الوفاض
ببطئ مميت أخرج طلعت سلاحه النارى من درج مكتبه ، سلاح حديث الطراز بإمكان رصاصته إختراق الجسد لتميته بلحظات
رأى رشدى ذلك فأرتد بخطواته للخلف فأصطتدم بتلك التى كانت على وشك الدخول ،وكادت تسقط أرضاً بإرتطامها بظهره العريض
هتفت جوليا بصوت حاد وغاضب:
– فى إيه يارشدى حاسب كنت هتوقعنى
نظرت من خلفه وجدت زوجها يشهر سلاحه به فأتسعت مقلتيها قائلة:
–طلعت أنت بتعمل إيه أنت هتقتله وتودى نفسك فى داهية
بلمح البصر اقتربت منه تسحب السلاح من يده وهى تزجره بنظرات نارية ،فإستدارت برأسها لرشدى وهى تقول:
– يلا يا رشدى أنت من هنا دلوقتى
لم ينتظر سماع كلمة اخرى ففر هارباً من الباب يغلقه خلفه كمن يغلق أبواب الجحيم
وضعت جوليا يديها بخصرها وهى تصيح بصوت عالى:
– فى إيه يا طلعت أنت ايه اللى جرالك انت من ساعة موت ابنك وانت تصرفاتك بقت غريبة عايز تقتل ايدك اليمين اللى شايف كل مصالحك عايز تضيع نفسك وتضيعنى معاك دا أنا مليش غيرك
زوى طلعت ما بين حاجبيه قائلا:
– خايفة عليا ولا خايفة على النعيم ليزول
إبتسمت جوليا إبتسامة خفيفة وهى تمسد على وجنته بحركات دائرية وهى تقول:
– إحنا الأتنين بنكمل بعض يا روحى ولا إيه نسيت أن انا ستر وغطا عليك وعلى كل بلاويك يا روحى
كأنها تحدث أحد أخر أو أن ذلك الحديث غير موجه له ، دارت الدنيا أمام عينيه لا يصدق ما التقطته أذناه ،فعلا صدره وهبط سريعاً كمن يركض بطريق طويل ، فماذا تعرف عنه فهدر بصوته قائلاً:
– جوليا أنتى تقصدى إيه بكلامك
اومأت برأسها بخبث،فما كان منه سوى ترك مقعده والاقتراب منها طوقها بذراعيه ،يكاد يعتصرها بين يديه يشد عليها بخوف ملأ جوارحه
تململت بين ذراعيه من شعورها بأنه على وشك تحطيم عظامها فهتفت به بتألم :
– طلعت أنت قربت تكسرلى عضمى
كمن أدرك خطأه الفادح ،فأسرع فى الابتعاد عنها يبدى أسفه الشديد قائلاً:
– حبيبتى أنا أسف مش قصدى أصلك وحشانى أوى
مدت أطراف أناملها تداعب وجنته ،كطفل صغير سيحصل على حلواه ، وبإمكانه أن يطيعها فيما تقوله فتغنجت بصوتها الرقيق وهى تقول:
– حبيبى أنا كنت محتاجة فلوس علشان عايزة أشترى شوية حاجات الكريدت بتاعتى الفلوس اللى فيها خلصت
فما كان منه سوى فتح تلك الخزنة الموضوعة بجانب مكتبه ،فأخرج منها حفنات من النقود وضعها بيدها قائلاً:
– خدى يا حبيبتى إشترى اللى أنتى عيزاه كله
أخذت منه النقود تضعها بحقيبتها ، فطبعت قبله على وجنته قبل ان تعزم على الرحيل ،فخرجت وتركته يعود لمقعده والوجوم يعتلى وجهه من حديثها المبهم الذى سمعه للتو
____________
مرت الأيام المتبقية على حفل الزفاف بدون أن تشعر بها ،كمن يتحالف عليها الزمن بإقتناص الوقت المتبقى بحريتها ،لتتقيد بقيد اخر لا تعلم هل ستستطيع الخلاص منه ام لا ؟
وضعت أخصائية التجميل لمساتها الأخيرة على وجه تالين ،تحدق بها بإستحسان لما فعلت يداها
فهتفت بها قائلة بإعجاب:
– بسم الله ماشاء الله زى القمر والفستان حاجة كده وهم ذوقك جميل جدا
خفضت تالين بصرها تنظر لثوب الزفاف الماسى الذى ترتديه ولم تكن تعلم كيف كان إلا عندما ارتدته فهى تذكرت ذلك اليوم الذى خرجت برفقته لانتقاء ذلك الثوب المنوط بها إرتداءه بحفل زفافها ، فلم تمعن النظر فيما اختاره ،فهى كانت تريد مرور الوقت حتى لا تظل حبيسة خوفها من ظله الذى يتبعها بكل مكان يذهبا إليه
رفعت تالين رأسها ترسم إبتسامة خفيفة وهى تقول:
_ متشكرة جدا وتسلم إيدك
خرجت المرأة برفقة مساعدتها الشابة وتبقت تالين برفقة والداتها وصديقاتها وبنات أقاربها ،حتى يحين موعد مجئ والداها ليأخذها إليه ،فالحفل على أشده بالقاعة الملحقة بذلك الفندق الفخم الذى تمكث بإحدى غرفه الفارهة الآن ،فتلك الغرفة ستقضى بها ليلتها الأولى معه قبل سفرهما مساء غد لقضاء شهر العسل بإحدى الدول الأوروبية وللأحق لن تكون دولة واحدة ،فهو اخبرها بتلك الاماكن التى من المفترض زيارتهما لها، فلم يكن منها سوى أنها أمأت برأسها بدون ان تتذكر تلك الاماكن التى اخبرها بها
ولج جلال الغرفة يقبل رأس إبنته بسعادة متمنياً لها زيجة مباركة ،فخرجت معه تتأبط ذراعه تضع وشاحها الأبيض على وجهها ،يتبعها والداتها والفتيات يطلقن الزغاريد بصوت صدح بالمكان ،حتى وصلوا للقاعة ،دقيقتين وأنفتح الباب وعلت صوت الموسيقى الترحيبية بدخول العروس ووالداها
رأته من خلف وشاحها ، وسيماً، طويلاً ،قوياّ ، مهاباً ،كأسد تجاسرت على دخول عرينه سهواً، ولا تعرف كيف ستخرج منه قبل أن تصبح فريسة له ، زاد شعورها ببرودة الجو بالرغم من التدفئة العالية بالمكان ،ولكن كأنها تشعر بالطقس البارد ينخر عظامها ويرجف أوصالها ،فكم تمنت اليوم أن تهطل الأمطار غزيرة ،فربما كان هذا الطقس يتماشى مع مزاجها الكئيب ،ولكن خلافاً لأمنياتها ،سطعت شمس اليوم دافئة كأنها تخبرها بأن اليوم لن يعكر صفوه شئ سوى أمنياتها المستحيلة
أمتدت يده اليمنى لها ، فوضعت يدها بيده بتردد ،ولكن تلك الرجفة التى أصابتها من أثر ملامسته لها زادت عن رجفة شعورها بالخوف ، جعلها تتأبط ذراعه حتى وصلا لمقعديهما فأجلسها وجلس بجوارها فأمتدت يده يحتضن كفها البارد
أسرت يده أصابعها المرتجفة ،وأزاح بيده الاخرى وشاحها، فأمعن النظر بوجهها وهو يراها تطرق برأسها أرضاً
فمال برأسه على أذنها قائلاً:
– مبروك يا عروسة إيه مش عايزة ترفعى وشى وتبوصيلى خايفة منى
يشعر بلذة لا تضاهيها لذة اخرى عندما يثير حفيظتها كالهررة الغاضبة ، فرفعت رأسها تناظره بتحدى وهى تهمس قائلة:
– لولا ان احنا وسط ناس كنت عرفت أرد عليك يا مغرور يالى شايف ان مفيش حد زيك او ينافسك غرورك بيمرضنى يا جواد يا نصراوى
تلك هى المرة الاولى التى تناديه بإسمه ،فهو لم يستمع لاسمه مجرداً من قبيلها قبل الآن ،فبحة صوتها وهى تلفظه ،جعلت ذلك الذى حاول ترويضه على الا يتاثر بها او بقربها ،يحل عهده معه ولو قليلاً
– أول مرة اسمعك بتقولى جواد يا تالين
قالها جواد بمكر مستمتعاً بحمرة وجهها التى زادت توهجاً من تدفق الدماء الحارة بوجنتيها
مالت شفتيها لليمين قليلاً قبل ان تقول:
– اومال عايزنى اقولك ايه يا جواد باشا ولا يا سى جواد
كبت ضحكته فرد قائلا:
– لاء قوليلى يا جوزى يا حبيبى
رفعت حاجبها الأيسر قائلة بتذمر :
– دا فى المشمش إن شاء الله عارفه
نظرة متكاسلة من عيناه ،جعلت الدماء تزيد بتدفقها فى شرايينها ،فماذا تفعل هى ؟ فهى لا تملك سوى لسان سليط لتجابهه به ، فالفارق بينهما شاسعاً بكل شئ ، وهو لا يرحم كونها مازالت فتاة بمقتبل ربيعها الوردى المزدهر ،وهو رجل سبق له الشعور بكيفية الحصول على زوجة وطفل ، فالمعادلة بينهما ليست عادلة أو يسيرة
– كل شئ فى الدنيا ممكن يا تالين ومتعرفيش أمتى قلبك يدق لحد معين ولو حاولتى تتجاهلى دقات قلبك بإسمه كإنك بتمزقى قلبك أشلاء
صاحب حديثه تنهيدة قوية ،وقبل أن تتمكن من الرد عليه ،كان يسحبها من يديها لتأدية تلك الرقصة الخاصة بالعروسين ، لولا حذائها العالى ،كانت ستشعر بضألتها أمامه أكثر من ذى قبل ، فإلتصاقه بها كصقر يحتضن يمامة بيضاء تكاد تتوارى بين ذراعيه ، ضمته لها قوية بدون إيلام ، فالبرودة التى كانت تشعر بها بأطرافها منذ قليل ، أصبحت الآن تشعر بدفء عارم
لا تعرف تلك الرغبة المجنونة التى تملكتها بأن تضع رأسها على صدره وتغفو بنومها ،كمن ضلت طريقها بغابة مطيرة يلفحها البرد القارص ووجدت مأمن يمنحها الدفء والراحة والسكون
نهرت قلبها الذى إستجاب لقربه منها ، فهى لا يجب أن تنسى من هو وماذا فعل معها بإرغامها على قبول الزواج منه بدون إرادتها
– أنتى نمتى يا تالين
قالها وهو يراها ساكنة بين يديه كمن غفت بسبات عميق ، فكم أحب وداعتها وهى بين ذراعيه فتمنى أن تظل على رقتها هذه وتمنحه شئ من السعادة التى هجرته بدون عودة
حركت رأسها بهزة قوية تخبره أنها لم تغفو لكنها ردت قائلة:
– منمتش بس دماغى مصدعة أنا ملحقتش أرتاح يادوب خلصت امتحان وانت اصريت نعمل الفرح
أجابها جواد بهدوء:
– علشان نلحق نسافر نقضى شهر العسل ونرجع علشان دراستك وكليتك
أقترب منهما أهليهم وذويهم لتقديم المباركات والتهانى والدعوات بأن يجعلها زيجة مباركة وسعيدة وأن يمن الله عليهما بالذرية الصالحة
بالرغم من ضيقها لكنها لم تمنع نفسها من الابتهاج بحفل الزفاف المنسق بعناية يحوى العديد من المفاجأت التى لم تكن تعلمها من حضور مطربين ومطربات لطالما أحبت السماع لأغانيهم عندما كانت تقضى وقت راحتها بغرفتها ببيت والداها الذى ودعته اليوم لتذهب لمنزل زوجها
بعد انتهاء حفل الزفاف
ولجت تالين الغرفة التى كانت تنهى بها زينتها قبل بدء حفل الزفاف، ولجت خلفها والداتها ووالدة زوجها وصديقتها
أقتربت زينب من إبنتها تضمها إليها وطفرت الدموع من عينيها وهى تقول:
– حبيبة ماما مليون مبروك إن شاء الله تعيشى سعيدة يارب ويجعلها جوازة العمر كله
ربتت تالين على ظهر والداتها ولم تمنع دموعها هى الاخرى فردت بصوت منخفض:
– تسلميلى ياماما
ربتت كريمة بحنان على وجه تالين وهى مبتسمة المحيا:
– مبروك يا حبيبتى خلى بالك من إبنى ماشى يا تالين
قالتها كريمة متفكهة ،تحاول صرف خوفها ،فهى تعلم كيف يكون شعور الفتاة بتلك الليلة
بادلتها تالين الابتسام وهى تقول:
– حاضر يا طنط
أقتربت سمر هى الاخرى منها ، فإبتعدت تالين عن مكان والداتها ووالدة زوجها فهمست لها قائلة:
– سمر جيبتى اللى قولتلك عليه
اومأت سمر برأسها ولكنها حدقت بها بريبة قائلة:
– تالين أنتى متأكدة من اللى هتعمليه ده ما بلاش يا تالين
زفرت تالين بقلة حيلة قائلة:
– مفيش حل تانى يا سمر وهاتى البرشام قبل ما حد ياخد باله
فتحت سمر حقيبتها ، فاخرجت قنينة دواء وضعتها بيد تالين التى أخفت يدها خلف ظهرها لكى لا يراها أحد
خرجن جميعهن من الغرفة ، وضعت تالين القنينة من يدها ، تسرع فى خلع ثوب الزفاف الثقيل قبل مجئ زوجها ، تساقط الثوب عند قدميها ،فحملته بين يديها تشعر بثقله فقذقته على إحدى الارائك ،فتشت عن حقيبتها ،فذلك الثوب الموضوع لها على الفراش لترتديه لم تقربه ،فهى لن ترتدى له ثوباً كهذا ، وجدت حقيبتها فأخرجت منها منامة محتشمة وثوب الصلاة وأرتدتهم سريعاً
ولج جواد الى الغرفة ، فكانت هى تقوم بلف حجاب الثوب على رأسها بالغرفة الملحقة ، سمعت صوت خطاه بالخارج ، فزادت خفقات قلبها هلعاً
وجدته يقف على الباب واضعاً يديه بجيبه يطيل النظر بها وهو صامت ، دقيقة ووجدته يحل ربطة عنقه ويزيح عنه سترته ، ويحل أزرار قميصه الأبيض ، ينظر إليها من بين أهدابه المتكاسلة
فركت راحتيها بثوبها تتمتم بتلعثم:
– أاانت بتعمل إيه
رد عليها بدون إكتراث :
– هكون بعمل إيه يعنى بغير هدومى علشان نصلى بلاش
قطبت تالين حاجبيها قائلة بغرابة:
– إيه ده هو انت بتصلى
أجابها جواد بروية :
– وهى حاجة غريبة يعنى انى اكون بصلى مالك مستغربة ليه كده
حركت تالين كتفيها قائلة بعدم إكتراث:
– هو مستغربة شوية بس لأن مش عارفة ليه متخيلاك زى الناس الاغنيا اللى مقضين حياتهم سُكر وعربدة ونسوان وميعرفوش ربنا إلا وقت الزنقة
وقفت يده عند الزر الاخير من قميصه فرفع رأسه يحدق بها وهو يقول:
– متتغريش بالمظاهر يا تالين ومش كل الناس الاغنيا وحشين او فاسدين الدنيا فيها الحلو وفيها الوحش بس انا مش مستغرب وجهة نظرك فيا لان تفكيرك على قدك يا تالين مبتبصيش إلا تحت رجليكى بس غير كده مبتحاوليش تفكرى او بمعنى أصح مش حابة تفكرى
مر بجانبها ليأخذ ثيابه ،ثم ولج للمرحاض ، جلست على مقعد تفكر فيما قاله فما معنى حديثه لها ،لم تخرج من شرودها إلا عندما رأته خارجاً من المرحاض يجفف رأسه ، تشعر بنشاطه وحيويته
– يلا علشان نصلى
قالها وهو يبسط سجادة الصلاة على الأرض يتخذ مكانه أمامها تقف هى خلفه ، شرعا فى صلاتهما بتأنى وخشوع حتى فرغا منها ، شعرت بثقل يده الموضوعة على رأسها وهو يدعو لها ، فأتسع بؤبؤ عينيها عندما تذكرت قنينة الدواء ،فهى غفلت عنها ،حاولت أن تتذكر أين وضعتها عندما كانت تخلع عنها ثوب الزفاف ، فتذكرت أنها بالغرفة الملحقة بالغرفة الكبيرة
أنتظرته حتى أنتهى وهبت واقفة ، فتعجب مما تفعل فرفع رأسه ينظر لها بغرابة قائلا:
– مالك فى إيه قومتى مرة واحدة ليه كده
أزدردت لعابها بخوف عظيم تواريه خلف هدوءها المصطنع :
– مفيش بس كنت عطشانة وعايزة اشرب
أنطلقت للغرفة الثانية تبحث عن قنينة الدواء ،ظلت تجيل ببصرها فى الغرفة بأكملها حتى وجدتها بجوار أحد المقاعد ، مدت يدها أخذتها وهى تزفر براحة مبتسمة ولكنها أنتفضت فجأة بعد سماع صوت زوجها:
– أنت بتدورى على إيه كده يا تالين
وضعت يديها خلف ظهرها قائلة :
– مبدورش على حاجة بس فستان الفرح كان واقع على الأرض فشيلته حطيته على الكرسى
لم يقتنع بما قالته ، ولكنه حاول إيهامها بأنه يصدقها ، إبتهلت لله بأن يخرج من الغرفة ،ولكن لخيبة أملها وجدته يقترب أكثر منها ، ظل بؤبؤ عينيها يروح جيئة وذهاباً ،كمن تبحث عن مخرج من ذلك المأزق الذى على وشك الوقوع فيه إذا أكتشف أمرها ، وعلم ما تخفيه
فحاولت صرفه من أمامها وهى تقول:
– أنت ممكن ترجع الاوضة وأنا هشرب وأجى
كأنها تحدث نفسها ، فهو لا يفه بكلمة ، ساهمت كل الظروف ببث الخوف بقلبها فتلك الثياب التي يرتديها ألتصقت بجسده تبرز لها مدى قوة بنيته الجسدية التى ما أن يعلم بما تنتوى فعله ، فلن يجد جهداً بصفعها ، أو حتى دق عنقها ،فيكفى فقط أن تلتف اصابعه حول عنقها ويشد عليه قليلاً فستلفظ أنفاسها الأخيرة
أسرعت قدميها بأن ترتد للخلف حتى وجدت الجدار يستقبل جسدها بترحيب تستند عليه تقف خائفة مذعورة وهو مازال يقترب منها ،يحدوه شوقه فى أن يتلمس وجهها ، فتلك اللحظات التى قضتها بين ذراعيه برقصهما سوياً ، جعلت قلبه يحل ميثاق أخر من مواثيق الرفض التى تلاها عليه بأن يظل رافضاً الإقتراب منها حتى تأتيه هى سعياً
خطوة واحدة وكان هو قاطع المسافة بينهما ، خشيت رفع رأسها وتراه ينظر إليها من علياء قامته ، ولكن إمتد كفه يرفع وجهها إليه متفرساً بعينيها الجاحظة التى ملأها الخوف
دنى بوجهه منها ،حرارة أنفاسه على وجهها ، جعلت الرجفة تسكن أوصالها ، أنفرجت شفتيها لتقول شيئاً ، فضاعت الكلمات بعناقه
طارت ،حلقت ،سبحت ،غرقت ، قذفها بمحيط عميق ، ليعود وينتشلها ، جعل نسمات الشوق تحملها على أجنحتها لتضعها على غيمة وردية كمن سارت بصحراء قاحلة أنهكها العطش بها ، لتجده يرويهامن عذب مشاعره
انتقص الهواء من رئتيهما ، ومازال شوقه إليها يقتله ، سمعا صوت نقرات حبات المطر على زجاج النافذة ،فتقابلت عيناهما بحوار صامت ،أنزلقت يديه من على كتفيها مرورا بذراعيها ومازالت تخفى يديها خلفها ،فأرتجفت يداها لتسقط قنينة الدواء منها
سمع صوت إرتطامها بالأرض ،فخفض بصره ليرى هذا الشئ الذى سقط لتوه ،فقطب حاجبيه مما يراه
فأنحنى وألتقطه من جوار قدميها ، فأستقام بوقفته وهو يقلب القنينة بين يده لمعرفة ما تحويه ، قرأ ما كتب عليها فزاد فضوله ،وعندما علم حقيقة تلك الأقراص ، أتسعت حدقتيه وحدق بها هادراً بصوت غاضب متسائلاً :
– كنتى هتعملى إيه بالحبوب دى يا تااالين
___________
يتبع....!!!!!
٩– "موسم المطر والخوف"
تكونت سحابة من الدخان أمام وجهه من نفثه دخان سيجارته الثالثة على التوالى منذ سماعه ما تفوهت به وهو مازال جالساً على طرف الفراش ،سمع صوت فتح باب المرحاض الملحق بالغرفة ،فرأها تخرج ترتدى مأزر الحمام ،تعقص شعرها بمنشفة صغيرة بيضاء بعد إنتهاءها من الاغتسال
رفع وجهه إليها فنظرت إليه نظرة عابرة وشرعت فى إرتداء ثيابها وبعد الانتهاء وقفت أمام المرآة تجفف شعرها لتصففه قبل رحيلها
نهض عن الفراش يقف خلفها بدون أن يتلامسا فقال:
– أنتى ساكتة ليه
ضربت فرشاة الشعر برأسها بحدة قائلة:
– وعايزنى أتكلم أقول إيه تانى
زفر بضيق وعاد أدراجه ثانية للجلوس على طرف الفراش وأخذ سيجارة أخرى ليشعلها فخرج صوته مغمغماً:
– عايزك تفكرى معايا هنخلص من المصيبة دى إزاى
ألقت الفرشاة بحدة تحدث صوت قرقعة على الأرض وإستدارت إليه بعينان غاضبة:
– دلوقتى بتسميها مصيبة ومفكرتش فى المصيبة اللى إحنا عملناها ليه من الأول ليه دلوقتى جايب اللوم عليا
قطع المسافة بينهما يهدر بصوت عالى وأنفاسه تكاد تحرق وجهها وهو يقول:
– أنتى مش المفروض بتعملى حسابك وبتأخدى موانع للحمل يبقى إزاى حصل الحمل إلا لو بقى أنتى قاصدة تعملى كده
لم تفه بكلمة جلست على مقعد ترتدى حذاءها بعجالة ونهضت أخذة حقيبتها لتسرع فى الخروج من الشقة تكبت غضبها المتفاقم بداخلها من تصرفه معها بعد علمه بشأن حملها
إتجه إلى الشرفة وأزاح ستائرها جانباً ،فحدق بمياة النيل التى تراقص عليها ضوء القمر ببداية ظهوره بكبد السماء ولكن تلبدت السماء بغيوم وسحب كمن تنذر بهطول أمطار غزيرة ورياح قوية تنذر بعاصفة ولكن ليست أقوى من تلك العاصفة التى ستقلب حياته رأساً على عقب إذا أنكشف أمره
____________
يوم يصاحبه أخر بدون شئ تراه يبهج نفسها التى تعطشت للسعادة التى كانت لا تفارقها قبل معرفتها بما حدث لشقيقها ومقابلة ذلك الذى أصبح يسمى زوجها
وجدت باب غرفتها يفتح يلج منه بسام مبتسم الثغر قائلاً:
– تالين تعالى سليم إبن خالتو رجع من البعثة وهو برا
أبتهجت ملامحها الجميلة فتركت مكانها لترتدى ثوب ملائم ،وتضع على رأسها حجابها وبعد أن انتهت خرجت مسرعة وهى تقول بصوت عالى يشوبة سعادة جلية :
– سليم حمد الله على السلامة أخبارك إيه
نهض ذلك الشاب الوسيم ذو الثامنة والعشرون من عمره يصيح بصوته قائلاً:
– تالييين اخبارك إيه لسه زى ما أنتى اوزعة يا تالين مطولتيش شوية
ضيقت تالين ما بين عينيها بسبب عادته بالمزاح معها ونعتها بقصر القامة فهى بالحقيقة طولها معتدل ليست بالقصيرة ولا الطويلة ولكن دائما ما يثير سليم حنقها بنعتها بال" اوزعة"
التوى ثغرها بسخرية قائلة:
– صلاة النبى على طولك أوى يا سليم دا أنت مشوفتش جوزى طويل إزاى أهو انت اللى جمبه هتبقى أوزعة
لا تعرف كيف أتت على ذكره تستشهد به بالدفاع عن نفسها وإثارة غيظ ذلك الذى لا يتوانى عن إثارة غيظها ، فحقاً زوجها يفوق سليم بطول القامة ،فدائما ما تشعر بضألة حجمها وطولها أمامه ولكنها تتخذ من سلاطة لسانها سلاح توارى خلفه خوفها من مواجهته
قهقه سليم بصوت عالى فهتف قائلا:
– اه صحيح انا عرفت من ماما انك اتكتب كتابك بس مش خطيبك اللى كان اسمه مروان بتقول واحد تانى اسمه جواد باين
اومأت تالين برأسها بدون أن تنبت ببنت شفة ،فخرجت زينب من المطبخ تحمل صينية بها أكواب المشروبات المرطبة وهى تقول بسعادة:
– حمد الله على السلامة يا حبيبى وكويس انك رجعت علشان تحضر فرح تالين دا خلاص فاضل كام يوم
أخذ سليم منها الكوب الذى مدت يدها به فرد قائلاً:
– ألف مبروك بس انتى خلصتى امتحانات ولا لسه يا تالين
أجابته تالين وهى شاردة:
– فاضل مادتين وهخلص
أقترب بسام من مقعد سليم يجلس على حافته قائلاً:
– قولنا بقى عملت إيه فى البعثة بتاعتك أكيد كنت خارب الدنيا هناك وكنت بتعاكس البنات هناك أكتر ما كنت بتذاكر
لم يمنع سليم ضحكته على ما تفوه به بسام حتى يكاد يريق محتوى كوبه وهو يقول:
– الله يسامحك يا بسام مش للدرجة دى يعنى
أثناء حديثهم الممازح سمعوا صوت جرس الباب فهبت تالين واقفة لترى من القادم وهى مازالت مبتسمة على ما يخبرهم به سليم من نوادر حدثت له اثناء سفره
فتحت تالين الباب ولكن رأت زوجها فماتت البسمة على شفتيها ،ففكرت ما الذى أتى به الآن ،فهى لم تكن على علم بقدومه ،فالتواصل بينهم شبه معدوم
حدق بها فرفع حاجبيه بغرابة قائلا:
– أنتى هتفضلى بصالى كده مش هتقوليلى أتفضل
تنحت تالين جانباً تشير إليه بالدخول ،فولج للداخل بخطى ثابتة حتى رأى زينب تقترب منه مرحبة به:
– إيه النور ده دا كل الحبايب متجمعين عندنا النهاردة
بالبداية لم يعى مغزى حديثها حتى رأى شاب يتقدم منه مصافحاً:
– أهلا وسهلا بيك أنا سليم إبن خالة تالين أنت جوزها مش كده
بادله جواد المصافحة يومئ برأسه قائلاً:
– تشرفنا يا أستاذ سليم ايوة انا جوزها جواد النصراوى
عادوا للجلوس ،فتجاذب سليم أطراف الحديث مع جواد الذى كان يجيبه بهدوء على ما يسأله إياه ، جلست تالين تفكر فى سبب مجيئه اليوم ، لم تنتبه إلا عندما سمعت سليم يحدثها قائلاً:
– إيه يا أوزعة روحتى فين كده بكلمك مبترديش
رفعت تالين إحدى حاجبيها قائلة :
– أنت هتسكت ولا لاء أحسن ما أسيحلك واقول كانوا بينادولك إيه وأنت صغير خلى الطابق مستور
رد سليم قائلاً بزهو:
– قولى يا اختى مبخافش وكمان مش هديكى الشيكولاتة اللى كنت جيبهالك
برقت عيناها ونسيت لوهلة أن زوجها جالس بجوارها فهتف بطفولة:
– فين الشيكولاتة يا سليم هاتها بقى وأنا هسكت ومش هسيحلك دا انت الغالى
أخرج سليم قالب الشوكولاتة من جيبه يلوح بها قائلاً:
– الشيكولاته أهى وأمرى لله
تركت تالين مقعدها فأقتربت منه تختطف الشيكولاتة من يده وهى تنظر لها ببلاهة فهى النوع المفضل لديها والذى حرص على أن يبتاعه لها دائماً منذ صغرها
فردت قائلة بإبتسامة عريضة:
– ميرسى أوى يا سليم
رأت زوج من العينان تطالعها بتعبير مبهم ،فتذكرت أنه مازال جالساً ،فعادت لمقعدها فجلست بصمت حتى أعلن سليم عن ضرورة رحيله لقضاء بعض شئونه الخاصة
وجدت نفسها جالسة معه بمفردها بعد ذهاب والداتها للمطبخ وشقيقها الذى اختفى منذ مجيئه وسليم الذى خرج منذ خمس دقائق
عم صمت مطبق حتى وجدته يقول:
– باين عليكى أوى واخدة على إبن خالتك ده
بالبداية فاتها مغزى حديثه ولكن عندما أمعنت التفكير به فوجدت نفسها قائلة :
– أديك قولتها هو إبن خالتى وزى أخويا وأظن انا متجوزتش حدودى علشان تلميحك ده اللى ملوش لازمة انا اعرفه من ساعة ما وعيت على الدنيا ثم هو انا كنت قولتلك حاجة على بنت عمك اللى بتقولك يا بيبى
احتدمت رماديتيها بعد أن ختمت حديثها ،فلم يكن منه سوى أنه أطال النظر بها وهو يقول:
– أنتى غيرانة عليا منها
أصدرت عنها أهة السخرية وهى تقول:
– أغير منها على إيه ثم مش لما أكون بحبك أبقى أغير عليك ازاى أغير على واحد مبحبوش
قطعت ذلك الخيط الدقيق الذى تشبث به ، من أمل واهٍ وكاذب ،من أنه ربما سيرى بعينيها شئ يحيه ،فلم يجد سوى ناره وحرقته، فرثا قلبه المسكين ،الماثل أمام محراب العشق يستجدى أملاً ينجيه ، فتمنعت النبضات عن سؤاله ،فلم يجد سوى مقصلة وضعت بين راحتيها ،فترجى عينيها تريحه من عذابه فإن كان له بالموت فكم يكفيه الموت بين يديها ، فربما سيرق قلبها على نبضات تناثرت كنقاط الغيث بموسم المطر ،فلم يكن منها سوى خوفاً من تلوث نقاء قلبها الابيض بدماء العشق المحرم عليه
رفع رأسه بشموخ وكبرياء يناظرها بتحدى قائلاً:
– القلوب عند بعضها يا تالين وأوعى تفتكرى أن أنا واقع فى غرامك أنا متجوزك علشان حاجة واحدة وأنتى عرفاها وإن كان على الحب فده شئ سخيف ميهمنيش
جزت على أنيابها من خلف شفتيها المطبقتين بصمت ثقيل فخرج صوتها ساخراً:
– وأنا عمرى ما هتمنى أن أنت بالذات تحبنى
حديثهما حوى تنكيل وسخرية ،فكل منهما يحاول الخروج من تلك المشادة الكلامية ظافراً بكبرياءه
إلا انها سمعت صوت قائلاً بتحذير خطر:
– بعد الفرح هيكون لينا كلام تانى يا تالين أنا كنت جاى دلوقتى علشان أقولك على ترتيبات الفرح اللى تقريباً كده الاسبوع الجاى دا لو مكنتيش ناسية يعنى فأخر يوم فى امتحاناتك هتخرجى تختارى فستان الفرح وانا حجزت القاعة وعملت كل الترتيبات وإستعدى يا تالين علشان هتدخلى جحيمى برجليكى
لم يكن بحاجة لكلمة اخرى يقولها حتى يبث الخوف والرعب بقلبها من تحذيره ، ولم يزد هو كلمة اخرى بل هب واقفاً يستأذن بالرحيل حتى قبل خروج والداتها التى تعجبت من إنصرافه السريع ،قبل إحتساءه مشروبه
___________
يجوب الأرض بحثاً ، عن ذلك الذى لم يعثر له على أثر منذ علمه بإختفاءه من المشفى ، فعاد إلى حيث ينتظره سيده بغرفة مكتبه ،قرع الباب حتى سمع صوته من الداخل أمراً له بالدخول
أدار مقبض الباب ولا ينكر خوفه مما هو مقدم عليه ،فأنفتح الباب على مصراعيه ،ليرى طلعت يجلس بهيبة وجبروت على مقعده الجلدى الوثير خلف مكتبه الفاخر
– إيه الاخبار يا رشدى لقيت نبيل
قالها طلعت ينفث سيجاره ببرود ،فهو يعلم ما سيقوله قبل أن تنطق به شفتاه ،فهو أخفق بتلك المهمة التى اوكلها إليه ،فعندما طال الصمت من رشدى رد طلعت معقباً:
– ملقتوش مش كده يا رشدى وشك بيقول أنك راجع إيد ورا وإيد قدام
– والله يا باشا قلبت عليه الدنيا ومش لاقيه زى ما يكون فص ملح وداب أو الأرض انشقت وبلعته
قال رشدى جملته باستجداء ليصفح عنه ، فهو بذل ما باستطاعته ولكنه عاد خالى الوفاض
ببطئ مميت أخرج طلعت سلاحه النارى من درج مكتبه ، سلاح حديث الطراز بإمكان رصاصته إختراق الجسد لتميته بلحظات
رأى رشدى ذلك فأرتد بخطواته للخلف فأصطتدم بتلك التى كانت على وشك الدخول ،وكادت تسقط أرضاً بإرتطامها بظهره العريض
هتفت جوليا بصوت حاد وغاضب:
– فى إيه يارشدى حاسب كنت هتوقعنى
نظرت من خلفه وجدت زوجها يشهر سلاحه به فأتسعت مقلتيها قائلة:
–طلعت أنت بتعمل إيه أنت هتقتله وتودى نفسك فى داهية
بلمح البصر اقتربت منه تسحب السلاح من يده وهى تزجره بنظرات نارية ،فإستدارت برأسها لرشدى وهى تقول:
– يلا يا رشدى أنت من هنا دلوقتى
لم ينتظر سماع كلمة اخرى ففر هارباً من الباب يغلقه خلفه كمن يغلق أبواب الجحيم
وضعت جوليا يديها بخصرها وهى تصيح بصوت عالى:
– فى إيه يا طلعت أنت ايه اللى جرالك انت من ساعة موت ابنك وانت تصرفاتك بقت غريبة عايز تقتل ايدك اليمين اللى شايف كل مصالحك عايز تضيع نفسك وتضيعنى معاك دا أنا مليش غيرك
زوى طلعت ما بين حاجبيه قائلا:
– خايفة عليا ولا خايفة على النعيم ليزول
إبتسمت جوليا إبتسامة خفيفة وهى تمسد على وجنته بحركات دائرية وهى تقول:
– إحنا الأتنين بنكمل بعض يا روحى ولا إيه نسيت أن انا ستر وغطا عليك وعلى كل بلاويك يا روحى
كأنها تحدث أحد أخر أو أن ذلك الحديث غير موجه له ، دارت الدنيا أمام عينيه لا يصدق ما التقطته أذناه ،فعلا صدره وهبط سريعاً كمن يركض بطريق طويل ، فماذا تعرف عنه فهدر بصوته قائلاً:
– جوليا أنتى تقصدى إيه بكلامك
اومأت برأسها بخبث،فما كان منه سوى ترك مقعده والاقتراب منها طوقها بذراعيه ،يكاد يعتصرها بين يديه يشد عليها بخوف ملأ جوارحه
تململت بين ذراعيه من شعورها بأنه على وشك تحطيم عظامها فهتفت به بتألم :
– طلعت أنت قربت تكسرلى عضمى
كمن أدرك خطأه الفادح ،فأسرع فى الابتعاد عنها يبدى أسفه الشديد قائلاً:
– حبيبتى أنا أسف مش قصدى أصلك وحشانى أوى
مدت أطراف أناملها تداعب وجنته ،كطفل صغير سيحصل على حلواه ، وبإمكانه أن يطيعها فيما تقوله فتغنجت بصوتها الرقيق وهى تقول:
– حبيبى أنا كنت محتاجة فلوس علشان عايزة أشترى شوية حاجات الكريدت بتاعتى الفلوس اللى فيها خلصت
فما كان منه سوى فتح تلك الخزنة الموضوعة بجانب مكتبه ،فأخرج منها حفنات من النقود وضعها بيدها قائلاً:
– خدى يا حبيبتى إشترى اللى أنتى عيزاه كله
أخذت منه النقود تضعها بحقيبتها ، فطبعت قبله على وجنته قبل ان تعزم على الرحيل ،فخرجت وتركته يعود لمقعده والوجوم يعتلى وجهه من حديثها المبهم الذى سمعه للتو
____________
مرت الأيام المتبقية على حفل الزفاف بدون أن تشعر بها ،كمن يتحالف عليها الزمن بإقتناص الوقت المتبقى بحريتها ،لتتقيد بقيد اخر لا تعلم هل ستستطيع الخلاص منه ام لا ؟
وضعت أخصائية التجميل لمساتها الأخيرة على وجه تالين ،تحدق بها بإستحسان لما فعلت يداها
فهتفت بها قائلة بإعجاب:
– بسم الله ماشاء الله زى القمر والفستان حاجة كده وهم ذوقك جميل جدا
خفضت تالين بصرها تنظر لثوب الزفاف الماسى الذى ترتديه ولم تكن تعلم كيف كان إلا عندما ارتدته فهى تذكرت ذلك اليوم الذى خرجت برفقته لانتقاء ذلك الثوب المنوط بها إرتداءه بحفل زفافها ، فلم تمعن النظر فيما اختاره ،فهى كانت تريد مرور الوقت حتى لا تظل حبيسة خوفها من ظله الذى يتبعها بكل مكان يذهبا إليه
رفعت تالين رأسها ترسم إبتسامة خفيفة وهى تقول:
_ متشكرة جدا وتسلم إيدك
خرجت المرأة برفقة مساعدتها الشابة وتبقت تالين برفقة والداتها وصديقاتها وبنات أقاربها ،حتى يحين موعد مجئ والداها ليأخذها إليه ،فالحفل على أشده بالقاعة الملحقة بذلك الفندق الفخم الذى تمكث بإحدى غرفه الفارهة الآن ،فتلك الغرفة ستقضى بها ليلتها الأولى معه قبل سفرهما مساء غد لقضاء شهر العسل بإحدى الدول الأوروبية وللأحق لن تكون دولة واحدة ،فهو اخبرها بتلك الاماكن التى من المفترض زيارتهما لها، فلم يكن منها سوى أنها أمأت برأسها بدون ان تتذكر تلك الاماكن التى اخبرها بها
ولج جلال الغرفة يقبل رأس إبنته بسعادة متمنياً لها زيجة مباركة ،فخرجت معه تتأبط ذراعه تضع وشاحها الأبيض على وجهها ،يتبعها والداتها والفتيات يطلقن الزغاريد بصوت صدح بالمكان ،حتى وصلوا للقاعة ،دقيقتين وأنفتح الباب وعلت صوت الموسيقى الترحيبية بدخول العروس ووالداها
رأته من خلف وشاحها ، وسيماً، طويلاً ،قوياّ ، مهاباً ،كأسد تجاسرت على دخول عرينه سهواً، ولا تعرف كيف ستخرج منه قبل أن تصبح فريسة له ، زاد شعورها ببرودة الجو بالرغم من التدفئة العالية بالمكان ،ولكن كأنها تشعر بالطقس البارد ينخر عظامها ويرجف أوصالها ،فكم تمنت اليوم أن تهطل الأمطار غزيرة ،فربما كان هذا الطقس يتماشى مع مزاجها الكئيب ،ولكن خلافاً لأمنياتها ،سطعت شمس اليوم دافئة كأنها تخبرها بأن اليوم لن يعكر صفوه شئ سوى أمنياتها المستحيلة
أمتدت يده اليمنى لها ، فوضعت يدها بيده بتردد ،ولكن تلك الرجفة التى أصابتها من أثر ملامسته لها زادت عن رجفة شعورها بالخوف ، جعلها تتأبط ذراعه حتى وصلا لمقعديهما فأجلسها وجلس بجوارها فأمتدت يده يحتضن كفها البارد
أسرت يده أصابعها المرتجفة ،وأزاح بيده الاخرى وشاحها، فأمعن النظر بوجهها وهو يراها تطرق برأسها أرضاً
فمال برأسه على أذنها قائلاً:
– مبروك يا عروسة إيه مش عايزة ترفعى وشى وتبوصيلى خايفة منى
يشعر بلذة لا تضاهيها لذة اخرى عندما يثير حفيظتها كالهررة الغاضبة ، فرفعت رأسها تناظره بتحدى وهى تهمس قائلة:
– لولا ان احنا وسط ناس كنت عرفت أرد عليك يا مغرور يالى شايف ان مفيش حد زيك او ينافسك غرورك بيمرضنى يا جواد يا نصراوى
تلك هى المرة الاولى التى تناديه بإسمه ،فهو لم يستمع لاسمه مجرداً من قبيلها قبل الآن ،فبحة صوتها وهى تلفظه ،جعلت ذلك الذى حاول ترويضه على الا يتاثر بها او بقربها ،يحل عهده معه ولو قليلاً
– أول مرة اسمعك بتقولى جواد يا تالين
قالها جواد بمكر مستمتعاً بحمرة وجهها التى زادت توهجاً من تدفق الدماء الحارة بوجنتيها
مالت شفتيها لليمين قليلاً قبل ان تقول:
– اومال عايزنى اقولك ايه يا جواد باشا ولا يا سى جواد
كبت ضحكته فرد قائلا:
– لاء قوليلى يا جوزى يا حبيبى
رفعت حاجبها الأيسر قائلة بتذمر :
– دا فى المشمش إن شاء الله عارفه
نظرة متكاسلة من عيناه ،جعلت الدماء تزيد بتدفقها فى شرايينها ،فماذا تفعل هى ؟ فهى لا تملك سوى لسان سليط لتجابهه به ، فالفارق بينهما شاسعاً بكل شئ ، وهو لا يرحم كونها مازالت فتاة بمقتبل ربيعها الوردى المزدهر ،وهو رجل سبق له الشعور بكيفية الحصول على زوجة وطفل ، فالمعادلة بينهما ليست عادلة أو يسيرة
– كل شئ فى الدنيا ممكن يا تالين ومتعرفيش أمتى قلبك يدق لحد معين ولو حاولتى تتجاهلى دقات قلبك بإسمه كإنك بتمزقى قلبك أشلاء
صاحب حديثه تنهيدة قوية ،وقبل أن تتمكن من الرد عليه ،كان يسحبها من يديها لتأدية تلك الرقصة الخاصة بالعروسين ، لولا حذائها العالى ،كانت ستشعر بضألتها أمامه أكثر من ذى قبل ، فإلتصاقه بها كصقر يحتضن يمامة بيضاء تكاد تتوارى بين ذراعيه ، ضمته لها قوية بدون إيلام ، فالبرودة التى كانت تشعر بها بأطرافها منذ قليل ، أصبحت الآن تشعر بدفء عارم
لا تعرف تلك الرغبة المجنونة التى تملكتها بأن تضع رأسها على صدره وتغفو بنومها ،كمن ضلت طريقها بغابة مطيرة يلفحها البرد القارص ووجدت مأمن يمنحها الدفء والراحة والسكون
نهرت قلبها الذى إستجاب لقربه منها ، فهى لا يجب أن تنسى من هو وماذا فعل معها بإرغامها على قبول الزواج منه بدون إرادتها
– أنتى نمتى يا تالين
قالها وهو يراها ساكنة بين يديه كمن غفت بسبات عميق ، فكم أحب وداعتها وهى بين ذراعيه فتمنى أن تظل على رقتها هذه وتمنحه شئ من السعادة التى هجرته بدون عودة
حركت رأسها بهزة قوية تخبره أنها لم تغفو لكنها ردت قائلة:
– منمتش بس دماغى مصدعة أنا ملحقتش أرتاح يادوب خلصت امتحان وانت اصريت نعمل الفرح
أجابها جواد بهدوء:
– علشان نلحق نسافر نقضى شهر العسل ونرجع علشان دراستك وكليتك
أقترب منهما أهليهم وذويهم لتقديم المباركات والتهانى والدعوات بأن يجعلها زيجة مباركة وسعيدة وأن يمن الله عليهما بالذرية الصالحة
بالرغم من ضيقها لكنها لم تمنع نفسها من الابتهاج بحفل الزفاف المنسق بعناية يحوى العديد من المفاجأت التى لم تكن تعلمها من حضور مطربين ومطربات لطالما أحبت السماع لأغانيهم عندما كانت تقضى وقت راحتها بغرفتها ببيت والداها الذى ودعته اليوم لتذهب لمنزل زوجها
بعد انتهاء حفل الزفاف
ولجت تالين الغرفة التى كانت تنهى بها زينتها قبل بدء حفل الزفاف، ولجت خلفها والداتها ووالدة زوجها وصديقتها
أقتربت زينب من إبنتها تضمها إليها وطفرت الدموع من عينيها وهى تقول:
– حبيبة ماما مليون مبروك إن شاء الله تعيشى سعيدة يارب ويجعلها جوازة العمر كله
ربتت تالين على ظهر والداتها ولم تمنع دموعها هى الاخرى فردت بصوت منخفض:
– تسلميلى ياماما
ربتت كريمة بحنان على وجه تالين وهى مبتسمة المحيا:
– مبروك يا حبيبتى خلى بالك من إبنى ماشى يا تالين
قالتها كريمة متفكهة ،تحاول صرف خوفها ،فهى تعلم كيف يكون شعور الفتاة بتلك الليلة
بادلتها تالين الابتسام وهى تقول:
– حاضر يا طنط
أقتربت سمر هى الاخرى منها ، فإبتعدت تالين عن مكان والداتها ووالدة زوجها فهمست لها قائلة:
– سمر جيبتى اللى قولتلك عليه
اومأت سمر برأسها ولكنها حدقت بها بريبة قائلة:
– تالين أنتى متأكدة من اللى هتعمليه ده ما بلاش يا تالين
زفرت تالين بقلة حيلة قائلة:
– مفيش حل تانى يا سمر وهاتى البرشام قبل ما حد ياخد باله
فتحت سمر حقيبتها ، فاخرجت قنينة دواء وضعتها بيد تالين التى أخفت يدها خلف ظهرها لكى لا يراها أحد
خرجن جميعهن من الغرفة ، وضعت تالين القنينة من يدها ، تسرع فى خلع ثوب الزفاف الثقيل قبل مجئ زوجها ، تساقط الثوب عند قدميها ،فحملته بين يديها تشعر بثقله فقذقته على إحدى الارائك ،فتشت عن حقيبتها ،فذلك الثوب الموضوع لها على الفراش لترتديه لم تقربه ،فهى لن ترتدى له ثوباً كهذا ، وجدت حقيبتها فأخرجت منها منامة محتشمة وثوب الصلاة وأرتدتهم سريعاً
ولج جواد الى الغرفة ، فكانت هى تقوم بلف حجاب الثوب على رأسها بالغرفة الملحقة ، سمعت صوت خطاه بالخارج ، فزادت خفقات قلبها هلعاً
وجدته يقف على الباب واضعاً يديه بجيبه يطيل النظر بها وهو صامت ، دقيقة ووجدته يحل ربطة عنقه ويزيح عنه سترته ، ويحل أزرار قميصه الأبيض ، ينظر إليها من بين أهدابه المتكاسلة
فركت راحتيها بثوبها تتمتم بتلعثم:
– أاانت بتعمل إيه
رد عليها بدون إكتراث :
– هكون بعمل إيه يعنى بغير هدومى علشان نصلى بلاش
قطبت تالين حاجبيها قائلة بغرابة:
– إيه ده هو انت بتصلى
أجابها جواد بروية :
– وهى حاجة غريبة يعنى انى اكون بصلى مالك مستغربة ليه كده
حركت تالين كتفيها قائلة بعدم إكتراث:
– هو مستغربة شوية بس لأن مش عارفة ليه متخيلاك زى الناس الاغنيا اللى مقضين حياتهم سُكر وعربدة ونسوان وميعرفوش ربنا إلا وقت الزنقة
وقفت يده عند الزر الاخير من قميصه فرفع رأسه يحدق بها وهو يقول:
– متتغريش بالمظاهر يا تالين ومش كل الناس الاغنيا وحشين او فاسدين الدنيا فيها الحلو وفيها الوحش بس انا مش مستغرب وجهة نظرك فيا لان تفكيرك على قدك يا تالين مبتبصيش إلا تحت رجليكى بس غير كده مبتحاوليش تفكرى او بمعنى أصح مش حابة تفكرى
مر بجانبها ليأخذ ثيابه ،ثم ولج للمرحاض ، جلست على مقعد تفكر فيما قاله فما معنى حديثه لها ،لم تخرج من شرودها إلا عندما رأته خارجاً من المرحاض يجفف رأسه ، تشعر بنشاطه وحيويته
– يلا علشان نصلى
قالها وهو يبسط سجادة الصلاة على الأرض يتخذ مكانه أمامها تقف هى خلفه ، شرعا فى صلاتهما بتأنى وخشوع حتى فرغا منها ، شعرت بثقل يده الموضوعة على رأسها وهو يدعو لها ، فأتسع بؤبؤ عينيها عندما تذكرت قنينة الدواء ،فهى غفلت عنها ،حاولت أن تتذكر أين وضعتها عندما كانت تخلع عنها ثوب الزفاف ، فتذكرت أنها بالغرفة الملحقة بالغرفة الكبيرة
أنتظرته حتى أنتهى وهبت واقفة ، فتعجب مما تفعل فرفع رأسه ينظر لها بغرابة قائلا:
– مالك فى إيه قومتى مرة واحدة ليه كده
أزدردت لعابها بخوف عظيم تواريه خلف هدوءها المصطنع :
– مفيش بس كنت عطشانة وعايزة اشرب
أنطلقت للغرفة الثانية تبحث عن قنينة الدواء ،ظلت تجيل ببصرها فى الغرفة بأكملها حتى وجدتها بجوار أحد المقاعد ، مدت يدها أخذتها وهى تزفر براحة مبتسمة ولكنها أنتفضت فجأة بعد سماع صوت زوجها:
– أنت بتدورى على إيه كده يا تالين
وضعت يديها خلف ظهرها قائلة :
– مبدورش على حاجة بس فستان الفرح كان واقع على الأرض فشيلته حطيته على الكرسى
لم يقتنع بما قالته ، ولكنه حاول إيهامها بأنه يصدقها ، إبتهلت لله بأن يخرج من الغرفة ،ولكن لخيبة أملها وجدته يقترب أكثر منها ، ظل بؤبؤ عينيها يروح جيئة وذهاباً ،كمن تبحث عن مخرج من ذلك المأزق الذى على وشك الوقوع فيه إذا أكتشف أمرها ، وعلم ما تخفيه
فحاولت صرفه من أمامها وهى تقول:
– أنت ممكن ترجع الاوضة وأنا هشرب وأجى
كأنها تحدث نفسها ، فهو لا يفه بكلمة ، ساهمت كل الظروف ببث الخوف بقلبها فتلك الثياب التي يرتديها ألتصقت بجسده تبرز لها مدى قوة بنيته الجسدية التى ما أن يعلم بما تنتوى فعله ، فلن يجد جهداً بصفعها ، أو حتى دق عنقها ،فيكفى فقط أن تلتف اصابعه حول عنقها ويشد عليه قليلاً فستلفظ أنفاسها الأخيرة
أسرعت قدميها بأن ترتد للخلف حتى وجدت الجدار يستقبل جسدها بترحيب تستند عليه تقف خائفة مذعورة وهو مازال يقترب منها ،يحدوه شوقه فى أن يتلمس وجهها ، فتلك اللحظات التى قضتها بين ذراعيه برقصهما سوياً ، جعلت قلبه يحل ميثاق أخر من مواثيق الرفض التى تلاها عليه بأن يظل رافضاً الإقتراب منها حتى تأتيه هى سعياً
خطوة واحدة وكان هو قاطع المسافة بينهما ، خشيت رفع رأسها وتراه ينظر إليها من علياء قامته ، ولكن إمتد كفه يرفع وجهها إليه متفرساً بعينيها الجاحظة التى ملأها الخوف
دنى بوجهه منها ،حرارة أنفاسه على وجهها ، جعلت الرجفة تسكن أوصالها ، أنفرجت شفتيها لتقول شيئاً ، فضاعت الكلمات بعناقه
طارت ،حلقت ،سبحت ،غرقت ، قذفها بمحيط عميق ، ليعود وينتشلها ، جعل نسمات الشوق تحملها على أجنحتها لتضعها على غيمة وردية كمن سارت بصحراء قاحلة أنهكها العطش بها ، لتجده يرويهامن عذب مشاعره
انتقص الهواء من رئتيهما ، ومازال شوقه إليها يقتله ، سمعا صوت نقرات حبات المطر على زجاج النافذة ،فتقابلت عيناهما بحوار صامت ،أنزلقت يديه من على كتفيها مرورا بذراعيها ومازالت تخفى يديها خلفها ،فأرتجفت يداها لتسقط قنينة الدواء منها
سمع صوت إرتطامها بالأرض ،فخفض بصره ليرى هذا الشئ الذى سقط لتوه ،فقطب حاجبيه مما يراه
فأنحنى وألتقطه من جوار قدميها ، فأستقام بوقفته وهو يقلب القنينة بين يده لمعرفة ما تحويه ، قرأ ما كتب عليها فزاد فضوله ،وعندما علم حقيقة تلك الأقراص ، أتسعت حدقتيه وحدق بها هادراً بصوت غاضب متسائلاً :
– كنتى هتعملى إيه بالحبوب دى يا تااالين
___________
يتبع....!!!!!
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت التاسع ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت العاشر أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .