نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت السادس من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل السادس
* أصبحت أسيرته *
٧– " شفاه تنذر بالوعيد "
أصابته إحدى نوبات الغضب العارم ،عندما تفقد غرفتها بعد عودته ولم يجدها فخرج من الغرفة الخالية من وجودها يصيح بإسمها بصوت سمعه كل من كان بالمنزل
فهذه والداته خرجت من غرفتها تفرك عينيها من أثر النعاس قائلة بتثاؤب:
– فى إيه يا جواد بتزعق كده ليه ورجعت أمتى من عند تالين وبتنادى على ديما ليه دى نايمة من بدرى
اظلمت قسمات وجهه قائلاً من بين أسنانه بغيظ:
– نايمة من بدرى ! الهانم مش فى أوضتها وأكيد خرجت من ورايا ولو ده فعلا حصل المرة دى مش هتفلت من إيدى هكسرلها رجليها علشان تحرم تعملها
هبط الدرج بخطوات سريعة حتى وصل لغرفة مكتبه ،فتح الباب على مصراعيه ، وإتجه لشاشة الحاسوب الموضوع على مكتبه الأنيق يتفقد تسجيلات الكاميرات التى أمر بوضعها بجميع أرجاء المنزل بدون علم ساكينه ، تفقد كل التسجيلات حتى وقف عند أحدهم تظهر به ديما عند الباب الخارجى بالباحة الخلفية ،دقق النظر بالفيديو فعلم من تكون تلك الفتاة التى أصطحبتها معها بالسيارة ،فخرج من المنزل بخطوات شبه راكضة يجر غضبه خلفه وإستياءه من أفعال تلك الحمقاء
وصل للمرآب يستقل السيارة مغمغماً بصوت هادر:
– اصبرى عليا يا ديما إما وريتك إزاى تخالفى كلامى وتخرجى من ورايا مبقاش أنا جواد
بوقت قصير كان جواد يقف أمام ذلك المنزل الذى من المفترض أن يكون لتلك الفتاة التى أصطحبت ديما معها فهو حرص على أن يعلم كل ما يخص صديقاتها لذلك كان يصر عليها بقطع صداقتها معهن ،وضع يده على جرس الباب ولم يرفع سبابته عنه إلا عندما فتحت له إحدى الفتيات تترنح بوقفتها
حدقت به الفتاة من رأسه لأخمص قدميه قائلة بغنج:
– أهلا اهلا أنت أتأخرت ليه كده إحنا طلبنا الاوردر من بدرى فين الاكل مش إنت بتاع الدليفيرى بس هم بتوع الدليفيرى بقوا حلوين كده
مد ذراعه يزيحها من أمامه وهو يقول:
– أه بتاع الدليفيرى بس مش جايبلكم أكل أنا جاى أطفحكم اللى شربتوه
جال ببصره بين الحاضرين الغائبين عن الوعى بفعل تلك المشروبات الكحولية التى يبدو أنهم أحتسوا منها الكثير ،ولكن تلك الفتاة التى كانت تهبط الدرج بتأنى جفت الدماء بعروقها بعد رؤية جواد ينظر إليها من أسفل الدرج
حاولت أن تعيد أدراجها للطابق العلوى ولكن كانت سيئة الحظ فبلمح البصر أصبح جواد بجوارها يقبض على ذراعها قائلاً:
– أنتى راحة فين ديما فين أنطقى أنا عارف أنك أنتى جيتى أخدتيها من البيت أنطقى و أحسنلك متكدبيش
ضغط كفه على ذراعها جعلها تشعر بالالم بجانب خوفها فردت قائلة مسرعة:
– ديما خرجت مع واحد من الشلة راحت معاه بيته بمزاجها هى اللى طلبت منه تروح معاه
ملأ الذهول كيانه مما يسمعه ، لم يشعر بنفسه إلا وهو يجر تلك الفتاة خلفه حتى وصل لسيارته التى صفها بالخارج فهتف بالفتاة قائلاً:
– تعالى معايا وقوليلى بيته فين علشان النهاردة شكله مش هيطلع عليكم يوم تانى أنتوا التلاتة وخصوصا الغبية اللى إسمها ديما
جلست الفتاة بجواره وهى لم تتخلص بعد من خوفها وخاصة تهديده ووعيده لهم الذى ألقاه على مسامعها منذ برهة وجيزة
دقائق معدودة وكانت سيارة جواد تنهب الأرض نهباً ليصل لمنزل ذلك الشاب ،فرفعت الفتاة يدها قائلة:
– بس هنا البيت هو ده اللى على اليمين
ضغط جواد على مكابح السيارة التى أصدرت عجلاتها صريراً قوياً بإحتكاكها بالأرض ، فكادت ترتطم رأس الفتاة بالزجاج الأمامى ،ولكن غضبه يعميه لايرى ما أمامه ،لايفكر بشئ سوى أنه يريد إقتلاع رأس ديما من على كتفيها ، ترجل من السيارة ففكرت تلك الفتاة إن بإمكانها الهرب منه، فترجلت من السيارة تريد إطلاق ساقيها للريح ولكن لم تبتعد سوى خطوتين وكان جواد قابضاً على شعرها يكاد يقتله من جذوره فتأوهت بألم شديد
فحرك رأسها بغضب مغمغماً:
– أنتى فاكرة نفسك راحة تجرى على فين قدامى
مد يده بداخل سترته يخرج سلاحه النارى الخاص به فأتسع بؤبؤ عينيها تزدرد لعابها قائلة بخوف:
– أنت هتعمل إيه
دفعها أمامه لتتقدمه يجيبها بوعيد:
– دا انا هندمكم على اليوم اللى أتولدتوا فيه قدامى ومش عايز أسمع صوتك تانى فاهمة
تقدمته بصمت فشعرت بفوهة سلاحه بمنتصف ظهرها ففكرت أن أى محاولة تتخذها للهرب ستكون هى الخاسرة ،فلعنت طمعها الذى أدى بها إلى ذلك
بعدة طلقات من سلاحه الكاتم للصوت لمقبض الباب وبركلتين من قدمه أنفتح باب المنزل ،قبض على معصم الفتاة يجرها خلفه يصيح بجماع صوته قائلاً:
– ديماااااا أنتى فين
ولكن لا يأتيه رد فالمنزل يعمه الصمت وجد قدميه تسوقه للطابق العلوى، فتح باب كل غرفة تقابله بطريقه حتى وصل لأحد الغرف بأخر الردهة لم يتوانى عن فتح الباب فجحظت عيناه مما يراه أمامه وشلت الصدمة أطرافه فبدون أن يشعر سحق يد تلك الفتاة التى يجرها خلفه
__________
فراشها أصبح مآوى للسهاد والأرق ،فمنذ ساعتين تقريباً تحاول النوم، كأنه من العسير جلب النعاس لعينيها ،فسابقاً بأسوء أحوالها لم تعانى من عدم قدرتها على النوم ،فهى كانت تتخذه وسيلة للهروب من واقعها عندما تواجهها إحدى المشكلات المستعصية الحل ، ولكن اليوم لا تعرف ما أصابها ،أشعلت الضوء الخافت بجانب الفراش تحدق بالظلال التى يلقيها الضوء على السقف ولكن وجدت نفسها ترفع يدها اليمنى تحدق بها كأنها أول مرة تراها ،فتذكرت ما فعله
فأخفضت يدها تعنف نفسها قائلة :
– إزاى أسمحله يعمل كده باين عليه واحد مش محترم وقليل الأدب
تركت فراشها لتخرج من غرفتها حتى وصلت للمرحاض وضعت يدها تحت الماء تحك باطن كفها بيدها الأخرى وهى تغمغم بغيظ:
– أنا غبية إزاى أخليه يلمس إيدى وأسكتله كان لازم أكسر إيده اه يا ما نفسى أكثر رقبته هى كمان المستغل الانتهازى
رفعت وجهها تنظر بالمرآة التى تتصدر الحائط ،فزاغت بعينيها من رؤية تلك اللمعة التى برقت بعينيها عندما تذكرت دفء قبلته وضغط شفتيه على باطن يدها ،شعرت بالخزى لخضوعها ولو لوهلة واحدة كأنثى تستشعر قرب زوجها منها للمرة الأولى ،فهو سينجح بإقتناص كل شئ تختبره بحياتها وخاصة بذلك الجانب الذى سيكون هو طرف أخر به، عاد إليها غضبها ثانية فهى لن تسمح له بالاقتراب منها فإن هى وافقت على الزواج منه فلن تجعل حصوله عليها وعلى ما يريد سهلاً ،فهى ستحرص على أن تجعل حياتهم سوياً أشبه بالجحيم المستعر ، بعد أن جففت يدها بالمنشفة خرجت من المرحاض لتعود لغرفتها فمرت أمام غرفة والدايها ولكن سمعت صوتهم من الداخل يذكرونها ،فلم يكن مقصدها إستراق السمع ولكن أرادت أن تعلم ما شأن ذكرهم لها
فسمعت صوت والدها قائلاً:
– أنا النهاردة يا زينب إتاكدت أن لو جرالى حاجة هكون سايب تالين فى إيد أمينة وفى ايد راجل هيعرف يحافظ عليها
شهقت زينب بخفوت وهى تدب صدرها خوفاً قائلة:
– بعد الشر عليك يا جلال متقولش كده تانى ربنا يباركلنا فى عمرك وتعيش وتجوز احفاد احفادك كمان احنا لينا غيرك بعد ربنا
سمعت تالين والداتها تعاود الحديث بعد صمت دام للحظات :
– بس باين على جواد فعلا واقع اوى فى بنتك لمعة عينيه وهو بيدافع عنها كانت زى لمعة عينيك يا جلال لما شوفتى اول مرة وحبيتنى وفضلت تجرى ورايا علشان ارضى اتجوزك
تعالت صوت ضحكة قوية من فم جلال صاحبها صوت سعال خفيف وهو يقول:
– الله يسامحك يا زينب فكرتينى بالذى مضى بس لو عشت عمر تانى على عمرى مش هلاقى زيك يا فرحة عمرى
جرت تالين قدميها حتى وصلت لغرفتها ،فحرصت على غلق الباب بهدوء ،ووصلت للفراش فجلست على طرفه تفكر فيما سمعته من والدايها وخاصة ذلك الجزء السالف الذكر من والداتها بشأن رؤيتها للحب بعين جواد ،فإبتسمت تالين بسخرية فهى تعرف خير المعرفة أن ما أبداه من مشاعر وعواطف لم تكن سوى لحصوله على مبتغاه وجعلها تنجب له طفل أخر يكون وريثاً له .
__________
حاول نبيل بشتى الطرق زحزحة جسد جواد الجاثم فوق معدته على تلك الأرضية التى جره إليها بعد سحبه من على الفراش ،ومازال يكيل له من اللكمات والصفعات مما جعل الدماء تنزف من شفتيه وصار وجهه مخضب بالدماء ،ولكنه فشل فى فعل ذلك
سعل نبيل بشدة يبصق الدماء من فمه قائلاً بوهن:
– أبعد عنى بقى سيبنى كفاية هموت
كمن يستجدى السمع من أذن صماء ، فجواد غضبه يعميه كلما أرتسم ذلك المشهد الرهيب أمامه وهو يرى ذلك الوغد بجانب ديما على الفراش ينحنى عليها ،كأحد الوحوش الضارية ممسكاً بفريسته مستلذاً بسلبها حياتها
غمغم جواد من بين أسنانه:
– أنت كنت بتعمل إيه يا إبن الكلب فيها ودينى ما هسيبك ولو جرالها حاجة صدقنى مش هتشوف يوم واحد تانى فى الدنيا دى هقتلك بإيدى يا كلب
فعاود لكمه بوجهه ثانية ،واخذ رأسه بين كفيه يصرخ به معقباً:
– أنطق عملت فيها إيه
تلاحقت أنفاس نبيل كمن يوشك على بلوغ نزوع الروح منه فأجابه قائلاً:
– هى دايخة من شرب الخمرة وهى اللى أصرت تيجى معايا هنا واستحايلت عليا كمان علشان هى بتحبنى
هذا أفضل له أن يشدد على ان ديما جاءت معه بمحض إراداتها ،فما رآه من جواد جعله يتشبث بأمل وهمى من أنه رجل لم يستطيع منع نفسه عن فتاة عرضت نفسها عليه بكل سخاء
نهض جواد عنه فأقترب من الفراش ولكن ديما ما زالت على حالها نائمة لا تعى ما يدور حولها ،لكنه لم يستطيع منع يده التى رفعها وهو بها على وجهها مغمغماً:
– يا قليلة الرباية هى قلة ادبك وصلت للدرجة دى والله لتشوفى منى وش تانى عمرك ما شوفتيه
سحب غطاء خفيف من أغطية السرير ،لف جسدها به يوارى ذلك الثوب الفاضح الذى ترتديه ،فحملها بين ذراعيه ،وشيطانه يوسوس له بقتلها فى الحال ،أثناء مروره بجانب الفراش لمح تلك الكاميرا الموضوعة على الكومود
فى بادئ الأمر قطب حاجبيه من وجودها ولكن أتسعت عيناه ذهولاً من تخيله ماذا كان يفعل ذلك الوغد الملقى على الأرض بتلك الكاميرا ،فوضع جسد ديما على كتفه كالمتاع ومد يده واخذ الكاميرا وخرج من الغرفة
لم يكن جسدها الملقى على كتفه بثقل ذلك الأمر البشع الذى رآه وما كانت تنتوى فعله ، فذلك الوعد الذى قطعه لأبيها الراحل هو ما يجعل يديه عاجزتين عن القبض على عنقها وزهق أنفاسها نفساً نفساً
ألقاها على المقعد الخلفى بسيارته ودار حول السيارة يتخذ مقعده خلف المقود ،فأنطلق بها عائداً لمنزله وهو يجز على أنيابه حتى أصدرت أسنانه صوت صريرا بفمه الذى يشعر بمرار به فى ذلك اليوم الذي لم يخلو من الأحداث الغير منتظرة منتهياً بفاجعة له من نوع آخر
_________
صرخ طلعت بصوت جهورى بوجه الرجل المقرب منه وبمثابه ذراعه الأيمن ويدعى رشدى قابضاً على سترته من الأمام يفح بصوت غليظ:
– يعنى إيه جواد النصراوى عرف بالموضوع وراح اخد البنت وضرب نبيل ازاااااى إنطق
نكس رشدى رأسه بإنصياع قائلاً بإنكسار:
– اللى حصل يا طلعت باشا وانا معرفش عرف ازاى كل اللى حصل ان نبيل اتصل عليا وهو مش قادر ياخد نفسه وصوته مش طالع روحتله البيت لقيته مضروب علقة موت خدته وديته المستشفى طلع جواد النصراوى ضربه ضرب مبرح وكسرله ضلعين حتى الدكتور كان عايز يبلغ البوليس بس انا اللى لميت الموضوع قبل ما نتكشف يا باشا
ترك طلعت ثياب رشدى ودفعه بيده حتى كاد أن يرتطم ظهره بالجدار خلفه وهو يقول:
– الظاهر مشغل معايا رجالة ورق مش شاطرين إلا كل شوية عايزين فلوس بس شكلكم هتكتبوا نهايتكم بإيدكم
إزدرد رشدى لعابه بتوتر شديد قائلاً:
– أنا يا باشا عمرى ما قصرت معاك فى أى مصلحة وعارف إن أفوت فى الحديد كمان بس أنت اللى طلبت مدخلش فى موضوع بنت عمه دى
رفع طلعت شفته العليا بسخرية فجة قائلاً:
– وعيلة زى دى كنت هتعرف تضحك عليها إزاى يا فالح دا حتى نبيل اللى مدوخ البنات وراه ومعرفش كنت هتعرف إنت
إزدراءه الواضح وتنكيله به ،جعلا الدماء الغاضبة تسرى فى عروقه ولكن لايستطيع التفوه بكلمة، فكلمة مخالفة منه ستكون نتائجها طلقة نارية من طلعت الزينى بدون أن يرف له جفن أو يتذكر شئ فعله من أجله بيوم ما ،فمن الأفضل له أن يظهر خضوعه له حفاظاً على أن تظل رأسه على كتفيه
– بتزعق كده ليه يا طلعت مش عارفة أنام الوقت أتأخر فى حد يزعق فى وقت زى ده
قالتها تلك المرأة التى خرجت من إحدى الغرف تضم ردائها البيتى الذى لايصح لها الخروج به من باب غرفتها ولكن لم يعترض زوجها الناظر إليها بوجه مبهم
فخرج صوته حاداً:
–جوليا مش وقتك دلوقتى ادخلى كملى نومك
تقدمت منه تلك المرأة الثلاثينية تسير بخطوات شبيهة بعارضات الأزياء اللواتى كانت مثلهن بيوم من الأيام ،حتى رأها طلعت بإحد عروض الأزياء فأنبهر بحسنها ورشاقتها فتقدم لها عارضاً عليها الزواج العرفى فقابلته بالرفض الشديد حريصة على ان تصبح له زوجة شرعية إذا أرادها ،فلم يتوانى عن زواجه منها يضعها بمنزله كإحدى المعروضات أو التحف الفنية التى يحرص على أقتنائها بماله الوفير
جلست جوليا على مقعد وثير قائلة ببرود:
– وأنا هيجيلى نوم تانى إزاى وأنت صحيتنى من أحلى نومة
فوضعت ساق على الأخرى فأنحسر الرداء عن ذلك الثوب أسفله وتصل فتحة هذا الثوب لمنتصف ساقها ،نهشت عين طلعت كل إنش بوجهها وجسدها المعروض أمامه كصورة بإحدى الصحف
رفع طلعت سبابته يشير لرشدى بالانصراف قائلاً:
– يلا أنت أخرج وهاتلى الاخبار أول بأول وبكرة يكون نبيل عندى أنت فاهم يا رشدى
أومأ رشدى برأسه موافقاً:
– أوامرك يا باشا
هرول رشدى يخرج مسرعاً من المنزل قبل أن يزداد حنق وسخط طلعت عليه أكثر من ذلك ، ارتسمت إبتسامة ساخرة على جانب ثغرها الفاتن ، عندما سمعت صوت زوجها وهو يقول:
– مش قولتك ١٠٠ مرة قبل كده لما اكون مع حد من رجالتى متدخليش علينا قولت ولا مقولتش يا جوليا
ناظرته ببرود ،فتركت مقعدها ووقفت امامه تداعب باصابعها النحيلة طرف سترته أسفل عنقه تهمس بدلال :
– وأنت مش هتبطل تزعق كده على طول صحتك يا حبيبى حتى اليومين دول نسيتنى خالص كأنى مش مراتك وليا حق عليك
لفحته بأنفاسها وهمساتها المدللة ،فشق عليه الابتسام فلم يكن منه سوى أنه رفع يده يضعها على يديها التى تريحيهما على صدره فغمغم قائلاً:
– حبيبتى أنتى عارفة الظروف اللى حصلت وانا مش هرتاح ولا يهدالى بال الا لما اخد حقى من اللى اسمه جواد النصراوى
زفرت بضجر من حديثه المتكرر عن ضرورة اخذ ثأر موت ولده المدلل ، فما كان منها سوى العودة لغرفتها وهى تدب الأرض بقدميها ، تلعنه بصوت هامس
لم يعير ما تفعله إهتماماً ،فجلس على ذلك المقعد الذى تركته تلك الحانقة ،فظل ينقر أصابعه ببعضهما البعض ،فعلقت عيناه بصورة ولده الراحل المثبتة على الجدار وكأنه فقد الحياة بموته ولم يتبقى سوى جسداً راغباً فى الانتقام والثأر
__________
جلست كريمة ببهو المنزل الفسيح ، تترقب عودة ولدها الغائب منذ ما يقارب الساعتين ، فإبتهلت متضرعة لله بالدعاء بأن تسير الأمور على ما يرام ،فهى تخشى على ديما من غضب وبطش جواد ،فهى تعلم ولدها خير العلم إذا تملكه الغضب ،ربما تحدث خسائر فادحة
فهتفت قائلة برجاء:
– يارب إسترها يارب واحفظهم يارب ويرجعوا بخير يارب
ما كادت تنهى دعائها حتى رأت جواد يلج المنزل يحمل بين ذراعيه ديما يلف جسدها بغطاء أبيض ،كمن يحمل جثمان للمقابر
شهقت كريمة بصوت مرتفع ووضعت يدها على فمها قائلة بذهول:
– جواد أنت عملت فيها إيه أنت قتلتها يا جواد قتلت ديما
صرخت كريمة بشق جملتها الأخير وهى لا تعى ما تراه أمامها فجواد يقف متصلباً بوقفته وعينيه جامدة كأنها تخلو من الحياة ، فأقترب من إحدى الارائك يضع عليها جسد ديما المتراخى
فأنتصب بوقفته قائلاً بشرار يتطاير من عيناه:
– كان نفسى أقتلها يا أمى بعد اللى عملته النهاردة وسمعتى وشرفنا اللى حطته فى الطين
كمن لا تعى ما سمعته من شفاه ولدها ،ظلت كريمة تحرك رأسها يميناً ويساراً رافضة ما تبادر لذهنها مما قاله فردت قائلة بذهول:
– مستحيل اللى بتقوله ده يا جواد ديما مش ممكن يوصل بيها الحال لكده يا جواد مش ممكن
ملأت الدموع مقلتيه لكنه أبى أن تكسر حاجز جفنيه فصاح قائلاً:
– مش مصدقة يا أمى الهانم لسه جايبها من بيت واحد وكانت معاه وفى سريره
وضعت كريمة يديها على أذنيها لكى لا تستمع للمزيد ، فإنسكبت دموعها بصمت على وجنتيها ، فماذا تفعل هى الآن هل أخفقت بحفظ الأمانة المتروكة لديهم ،فأقتربت من جواد الذى أطرق برأسه حتى لاترى أمه الدموع التى تجمعت بعينيه
فبتردد وضعت يدها على ذراعه قائلة بشحوب:
– ججواد هو اللى انت بتقوله ده بجد ديما عملت كده ضيعت نفسها وضيعتنا معاها ،يعنى إحنا مقدرناش نحافظ عليها وعلى الأمانة اللى سابها عمك حسن فى رقبتنا
كور قبضة يد حتى برزت عروقه ،فإلتفت لتلك التى مازالت غارقة بسباتها ،عندما هم بالاقتراب منها والانقضاض على عنقها ، حالت كريمة بينه وبينها فدفعته بلطف ليتراجع بضع خطوات للخلف
فأستشاط غضباً يزمجر بصوت ناقم:
– أمى كلمى الدكتور سعاد جارتنا واللى تبقى صاحبتك تيجى دلوقتى فورا هى دكتورة نسا خليها تيجى فوراً
قطبت كريمة حاجبيها قائلة بدهشة:
– عايز الدكتورة سعاد وفى الوقت المتأخر ده يا جواد
أومأ جواد برأسه بإصرار :
– أيوة يا أمى تيجى فوراً لأن نهار بكرة مش هيطلع إلا لما أعرف ديما عملت إيه بالظبط علشان هيبقى فى كلام تانى ومعاملة تانية
إلحاح وإصرار منه بإحضار تلك الطبيبة المسنة التى تقطن بالمنزل المجاور لهم ،فما كان من والدته سوى الانصياع لما قاله فسحبت الهاتف طلباً للطبيبة ،التى مالبثت أن جاءت على وجه السرعة خشية أن يكون أصاب صديقتها المقربة مكروه
رفع جواد جسد ديما عن الأريكة فحملها حتى وصل لغرفتها وضعها بمنتصف فراشها وابتعد عن الفراش وخرج من الغرفة ولم ينبت ببنت شفة تاركاً لامه مهمة إخبار سعاد بكيفية الفحص الذى يريده جواد منها
عدلت سعاد من وضع نظارتها الطبية قائلة :
– هى إيه الحكاية بالظبط يا كريمة
إزدردت كريمة لعابها تشعر بالحرج مما تنوى إخبار صديقتها به فمالت على أذنها تخبرها بما تريد منها ،وبعد أن أنتهت حولت سعاد بصرها لديما فزوت ما بين حاجبيها من غرابة مطلبهم ،ولكنها أقتربت من الفراش تبدأ بفحص ديما ذلك الفحص الطبي الذى ربما ترتهن حياة تلك الفتاة به
____________
بعد مرور ثلاثة أيام ...
على الدرج الرخامى بمبنى الكلية جلست تالين برفقة سمر بعد إنتهاءهما من أول أختبار لهما بإختبارات منتصف العام الدراسى
قضمت تالين من قالب الشيكولاتة الذى تحمله بيدها والتى تحرص دائماً على أن يكون رفيقها بحقيبتها بكل مكان تذهب إليه
أصدرت تالين صوتاً مستلذاً بما تأكله قائلة:
– أممم الشيكولاتة دى سحر لو كلت منها ليل ونهار مزهقش
لم ترد سمر على ما قالته ببادئ الأمر ،لكنها وضعت يدها على وجنتها تنظر إليها وهى تضيق ما بين عينيها وهى تقول:
– مش ناوية تقوليلى إيه حكاية جوزك ده بقى
سعلت تالين بشدة بعد سماع تلك الكلمة " جوزك" فبالأيام الماضية أو بالأحرى منذ خروجه من منزلهم بيوم عقد قرانهما وهى لم تراه ولم تسمع له صوتاً ،كأنه نسيها فجأة ،فلم تعر الأمر إهتماماً ،متمنية أن يكون حقاً لا يتذكرها أو يتذكر أنها اصبحت زوجته ،فهى تخشى من مرور تلك الأيام فالاتفاق بينهما على أن يكون حفل زفافهما بعطلة نصف العام الدراسى
ربتت سمر على ظهر تالين بقلق من سعالها المستمر فردت تالين قائلة:
– خلاص يا سمر بقيت كويسة وأنا هحكيلك على كل حاجة
كل كلمة تقولها تالين تزداد عينى سمر اتساعاً وذهولاً ،كمن لا تصدق ما تسمعه حتى أنتهت تالين من سرد القصة كاملة
فحدقت بها سمر وهى تقول:
– تالين أنتى بتتكلمى جد ولا بتهزرى دا كله حصل يعنى انتى متجوزة تخليص حق
اومأت تالين موافقة وهى تجيبها :
– ومش بس كده يا سمر انا مش طيقاه مش عارفة هعيش معاه ازاى ده او ان انفذ اللى بيقول عليه ده أزاى انا هتشل
شردت تالين بأفكارها فتخيلت نفسها وهى ترتدى فستان زفافها ولكنها كمن ستنساق الى الموت او الى الجحيم ولن يكن چواد سوى حارس جحيمها
طوقت سمر كتفى تالين قائلة بحزن:
– يعنى كل ده يحصل ومخبية عليا يا تالين
زفرت تالين بخفوت تكافح الدموع التى على وشك ان تطفر من عينيها وهى تقول:
– خفت حد غيرى انا وبسام يعرف لحد ما احل الموضوع لان خفت على بابا يا سمر دلوقتى بقيت مراته وأطمنت انه مش هيعمل حاجة فى بسام وكله فى الأول والآخر نصيب يا سمر
لاحظت تالين صمت سمر ، فوكزتها بخفة لتعلم علام دام صمتها هكذا ؟
فهتفت بها سمر قائلة بتساؤل:
– بس يا تالين أخوكى بسام مفيش حاجة تدينه حتى الولد اللى كان معاه اتقتل يعنى مفيش دليل مادى انه كان موجود وقت وقوع الحادثة ، يعنى كان ممكن ترفضى الجواز وأخوكى كان هيطلع منها لأن جواد معندوش أدلة عليه
تبسم ثغر تالين بألم ، فأخرجت هاتفها ، تصفحت الصور الموجودة حتى وصلت لما تريد ، فقربته من سمر قائلة :
– خدى شوفى الصور دى وأنتى هتعرفى ان فى دليل على بسام وبسبب الدليل ده انا وافقت يعنى انتى فاكرة ان انا مفكرتش فى اللى قولتيه ده بس الصور دى خلتنى أعيد تفكير
شاهدت سمر الصورة تلو الأخرى ، وهى فاغرة فاها بدهشة ، فالصور التى بين يديها تحكى أدق تفاصيل الحادث من وجود بسام ورامز بجوار سيارة جواد وحتى فرارهما من مكان الحادث
رفعت سمر بصرها عن الهاتف قائلة بغرابة:
– هى الصور دى أتصورت إزاى وأنتى بتقولى ان ساعة الحادثة جواد كان متعور ومش قادر يتحرك حتى ينقذ ابنه تبقى الصور بتاعة الحادثة دى اتصورت إزاى
زفرت تالين بقلة حيلة ،فهى أيضاً لا تعلم كيف حصل جواد على تلك الصور فدمدمت قائلة:
– مش عارفة يا سمر حتى بسام ميعرفش حاجة عن الصور مرضيتش أقوله واخوفه أكتر بس يوم ما جواد عرض عليا الجواز ورفضت ورجعت البيت تانى يوم بعتلى الصور دى على تليفونى ومش بس كده لما عرفت بخبر قتل رامز الزينى خفت أكتر ،حتى لو مكانش هيحبس بسام بالصور اللى معاه ، كان ممكن يحاول يأذيه علشان كده وافقت على الجواز منه ،علشان اضمن سلامة عيلتى
حاولت سمر ان تخفف من وطأة حزن صديقتها فهتفت ممازحة:
– تصدقى نصيبك حلو ومز والله يا بت يا تالين احسن من إبن عزيزة
إبتسمت تالين بسخرية قائلة:
– أه اخدت بالى يا سمر انه عاجب كل اللى حواليا إلا انا مش عارفة أبلعه
أنتبهت تالين على ذلك الأثر الذى يتركه جواد بالاخرين، فاشلاً بجعلها تأمن جانبه او تستكين للطفه الذى يعامل به والدايها
صف جواد سيارته أمام مبنى الكلية ،فأستند برأسه على طرف مقعده ،يشعر بالحيرة من أمره ، هل يترجل من السيارة ليراها ؟ أم يعود أدراجه ثانية لمنزله الذى لم يتركه بالايام الفائتة
انتزعت شفتيه آنات خافتة مزقت جنبيه ، فصار الدم حاراً متدفقاً بعروقه يرغب بالصراخ ملأ جوفه مما حدث ،فحسم أمره بالخروج من السيارة فربما رؤيتها تنسيه ولو مؤقتاً ما يؤرق مضجعه ،فهو يريد شئ يسكن من آلامه ولا يرى سوى وجه تلك العنيدة
أغلق باب السيارة فرأها جالسة بذلك المكان الذى رأها به عندما أتى لهنا بالمرة الأولى ،فحث الخطى على الإسراع نحوها
كمن علمت بإقترابه قبل أن ترفع رأسها وتراه ، فرفعت عينيها ورأته يقترب منها فما الذى جاء به لهنا؟ ،بدون تفكير أخذت حقيبتها تهرول راكضة مبتعدة ، فما كان منه سوى الركض خلفها ولا يعلم لما تفعل ذلك ؟
فصرخ مناديا لها :
– تالين استنى تالين
ركضت حتى وصلت للبوابة الرئيسية ،فعبرت خلالها حتى وصلت للشارع بالخارج ،ولكن تلك هى ساعة الذروة ، فصوت زمور شاحنة عملاقة وسيارات مسرعة جعلوا رأسها يدور كمن أصيبت بالدوار ولكن لم تسمع شئ سوى صوته الصارخ بإسمها:
– تاليييييييين حاااااااسبى
_________
يتبع..!!!!
٧– " شفاه تنذر بالوعيد "
أصابته إحدى نوبات الغضب العارم ،عندما تفقد غرفتها بعد عودته ولم يجدها فخرج من الغرفة الخالية من وجودها يصيح بإسمها بصوت سمعه كل من كان بالمنزل
فهذه والداته خرجت من غرفتها تفرك عينيها من أثر النعاس قائلة بتثاؤب:
– فى إيه يا جواد بتزعق كده ليه ورجعت أمتى من عند تالين وبتنادى على ديما ليه دى نايمة من بدرى
اظلمت قسمات وجهه قائلاً من بين أسنانه بغيظ:
– نايمة من بدرى ! الهانم مش فى أوضتها وأكيد خرجت من ورايا ولو ده فعلا حصل المرة دى مش هتفلت من إيدى هكسرلها رجليها علشان تحرم تعملها
هبط الدرج بخطوات سريعة حتى وصل لغرفة مكتبه ،فتح الباب على مصراعيه ، وإتجه لشاشة الحاسوب الموضوع على مكتبه الأنيق يتفقد تسجيلات الكاميرات التى أمر بوضعها بجميع أرجاء المنزل بدون علم ساكينه ، تفقد كل التسجيلات حتى وقف عند أحدهم تظهر به ديما عند الباب الخارجى بالباحة الخلفية ،دقق النظر بالفيديو فعلم من تكون تلك الفتاة التى أصطحبتها معها بالسيارة ،فخرج من المنزل بخطوات شبه راكضة يجر غضبه خلفه وإستياءه من أفعال تلك الحمقاء
وصل للمرآب يستقل السيارة مغمغماً بصوت هادر:
– اصبرى عليا يا ديما إما وريتك إزاى تخالفى كلامى وتخرجى من ورايا مبقاش أنا جواد
بوقت قصير كان جواد يقف أمام ذلك المنزل الذى من المفترض أن يكون لتلك الفتاة التى أصطحبت ديما معها فهو حرص على أن يعلم كل ما يخص صديقاتها لذلك كان يصر عليها بقطع صداقتها معهن ،وضع يده على جرس الباب ولم يرفع سبابته عنه إلا عندما فتحت له إحدى الفتيات تترنح بوقفتها
حدقت به الفتاة من رأسه لأخمص قدميه قائلة بغنج:
– أهلا اهلا أنت أتأخرت ليه كده إحنا طلبنا الاوردر من بدرى فين الاكل مش إنت بتاع الدليفيرى بس هم بتوع الدليفيرى بقوا حلوين كده
مد ذراعه يزيحها من أمامه وهو يقول:
– أه بتاع الدليفيرى بس مش جايبلكم أكل أنا جاى أطفحكم اللى شربتوه
جال ببصره بين الحاضرين الغائبين عن الوعى بفعل تلك المشروبات الكحولية التى يبدو أنهم أحتسوا منها الكثير ،ولكن تلك الفتاة التى كانت تهبط الدرج بتأنى جفت الدماء بعروقها بعد رؤية جواد ينظر إليها من أسفل الدرج
حاولت أن تعيد أدراجها للطابق العلوى ولكن كانت سيئة الحظ فبلمح البصر أصبح جواد بجوارها يقبض على ذراعها قائلاً:
– أنتى راحة فين ديما فين أنطقى أنا عارف أنك أنتى جيتى أخدتيها من البيت أنطقى و أحسنلك متكدبيش
ضغط كفه على ذراعها جعلها تشعر بالالم بجانب خوفها فردت قائلة مسرعة:
– ديما خرجت مع واحد من الشلة راحت معاه بيته بمزاجها هى اللى طلبت منه تروح معاه
ملأ الذهول كيانه مما يسمعه ، لم يشعر بنفسه إلا وهو يجر تلك الفتاة خلفه حتى وصل لسيارته التى صفها بالخارج فهتف بالفتاة قائلاً:
– تعالى معايا وقوليلى بيته فين علشان النهاردة شكله مش هيطلع عليكم يوم تانى أنتوا التلاتة وخصوصا الغبية اللى إسمها ديما
جلست الفتاة بجواره وهى لم تتخلص بعد من خوفها وخاصة تهديده ووعيده لهم الذى ألقاه على مسامعها منذ برهة وجيزة
دقائق معدودة وكانت سيارة جواد تنهب الأرض نهباً ليصل لمنزل ذلك الشاب ،فرفعت الفتاة يدها قائلة:
– بس هنا البيت هو ده اللى على اليمين
ضغط جواد على مكابح السيارة التى أصدرت عجلاتها صريراً قوياً بإحتكاكها بالأرض ، فكادت ترتطم رأس الفتاة بالزجاج الأمامى ،ولكن غضبه يعميه لايرى ما أمامه ،لايفكر بشئ سوى أنه يريد إقتلاع رأس ديما من على كتفيها ، ترجل من السيارة ففكرت تلك الفتاة إن بإمكانها الهرب منه، فترجلت من السيارة تريد إطلاق ساقيها للريح ولكن لم تبتعد سوى خطوتين وكان جواد قابضاً على شعرها يكاد يقتله من جذوره فتأوهت بألم شديد
فحرك رأسها بغضب مغمغماً:
– أنتى فاكرة نفسك راحة تجرى على فين قدامى
مد يده بداخل سترته يخرج سلاحه النارى الخاص به فأتسع بؤبؤ عينيها تزدرد لعابها قائلة بخوف:
– أنت هتعمل إيه
دفعها أمامه لتتقدمه يجيبها بوعيد:
– دا انا هندمكم على اليوم اللى أتولدتوا فيه قدامى ومش عايز أسمع صوتك تانى فاهمة
تقدمته بصمت فشعرت بفوهة سلاحه بمنتصف ظهرها ففكرت أن أى محاولة تتخذها للهرب ستكون هى الخاسرة ،فلعنت طمعها الذى أدى بها إلى ذلك
بعدة طلقات من سلاحه الكاتم للصوت لمقبض الباب وبركلتين من قدمه أنفتح باب المنزل ،قبض على معصم الفتاة يجرها خلفه يصيح بجماع صوته قائلاً:
– ديماااااا أنتى فين
ولكن لا يأتيه رد فالمنزل يعمه الصمت وجد قدميه تسوقه للطابق العلوى، فتح باب كل غرفة تقابله بطريقه حتى وصل لأحد الغرف بأخر الردهة لم يتوانى عن فتح الباب فجحظت عيناه مما يراه أمامه وشلت الصدمة أطرافه فبدون أن يشعر سحق يد تلك الفتاة التى يجرها خلفه
__________
فراشها أصبح مآوى للسهاد والأرق ،فمنذ ساعتين تقريباً تحاول النوم، كأنه من العسير جلب النعاس لعينيها ،فسابقاً بأسوء أحوالها لم تعانى من عدم قدرتها على النوم ،فهى كانت تتخذه وسيلة للهروب من واقعها عندما تواجهها إحدى المشكلات المستعصية الحل ، ولكن اليوم لا تعرف ما أصابها ،أشعلت الضوء الخافت بجانب الفراش تحدق بالظلال التى يلقيها الضوء على السقف ولكن وجدت نفسها ترفع يدها اليمنى تحدق بها كأنها أول مرة تراها ،فتذكرت ما فعله
فأخفضت يدها تعنف نفسها قائلة :
– إزاى أسمحله يعمل كده باين عليه واحد مش محترم وقليل الأدب
تركت فراشها لتخرج من غرفتها حتى وصلت للمرحاض وضعت يدها تحت الماء تحك باطن كفها بيدها الأخرى وهى تغمغم بغيظ:
– أنا غبية إزاى أخليه يلمس إيدى وأسكتله كان لازم أكسر إيده اه يا ما نفسى أكثر رقبته هى كمان المستغل الانتهازى
رفعت وجهها تنظر بالمرآة التى تتصدر الحائط ،فزاغت بعينيها من رؤية تلك اللمعة التى برقت بعينيها عندما تذكرت دفء قبلته وضغط شفتيه على باطن يدها ،شعرت بالخزى لخضوعها ولو لوهلة واحدة كأنثى تستشعر قرب زوجها منها للمرة الأولى ،فهو سينجح بإقتناص كل شئ تختبره بحياتها وخاصة بذلك الجانب الذى سيكون هو طرف أخر به، عاد إليها غضبها ثانية فهى لن تسمح له بالاقتراب منها فإن هى وافقت على الزواج منه فلن تجعل حصوله عليها وعلى ما يريد سهلاً ،فهى ستحرص على أن تجعل حياتهم سوياً أشبه بالجحيم المستعر ، بعد أن جففت يدها بالمنشفة خرجت من المرحاض لتعود لغرفتها فمرت أمام غرفة والدايها ولكن سمعت صوتهم من الداخل يذكرونها ،فلم يكن مقصدها إستراق السمع ولكن أرادت أن تعلم ما شأن ذكرهم لها
فسمعت صوت والدها قائلاً:
– أنا النهاردة يا زينب إتاكدت أن لو جرالى حاجة هكون سايب تالين فى إيد أمينة وفى ايد راجل هيعرف يحافظ عليها
شهقت زينب بخفوت وهى تدب صدرها خوفاً قائلة:
– بعد الشر عليك يا جلال متقولش كده تانى ربنا يباركلنا فى عمرك وتعيش وتجوز احفاد احفادك كمان احنا لينا غيرك بعد ربنا
سمعت تالين والداتها تعاود الحديث بعد صمت دام للحظات :
– بس باين على جواد فعلا واقع اوى فى بنتك لمعة عينيه وهو بيدافع عنها كانت زى لمعة عينيك يا جلال لما شوفتى اول مرة وحبيتنى وفضلت تجرى ورايا علشان ارضى اتجوزك
تعالت صوت ضحكة قوية من فم جلال صاحبها صوت سعال خفيف وهو يقول:
– الله يسامحك يا زينب فكرتينى بالذى مضى بس لو عشت عمر تانى على عمرى مش هلاقى زيك يا فرحة عمرى
جرت تالين قدميها حتى وصلت لغرفتها ،فحرصت على غلق الباب بهدوء ،ووصلت للفراش فجلست على طرفه تفكر فيما سمعته من والدايها وخاصة ذلك الجزء السالف الذكر من والداتها بشأن رؤيتها للحب بعين جواد ،فإبتسمت تالين بسخرية فهى تعرف خير المعرفة أن ما أبداه من مشاعر وعواطف لم تكن سوى لحصوله على مبتغاه وجعلها تنجب له طفل أخر يكون وريثاً له .
__________
حاول نبيل بشتى الطرق زحزحة جسد جواد الجاثم فوق معدته على تلك الأرضية التى جره إليها بعد سحبه من على الفراش ،ومازال يكيل له من اللكمات والصفعات مما جعل الدماء تنزف من شفتيه وصار وجهه مخضب بالدماء ،ولكنه فشل فى فعل ذلك
سعل نبيل بشدة يبصق الدماء من فمه قائلاً بوهن:
– أبعد عنى بقى سيبنى كفاية هموت
كمن يستجدى السمع من أذن صماء ، فجواد غضبه يعميه كلما أرتسم ذلك المشهد الرهيب أمامه وهو يرى ذلك الوغد بجانب ديما على الفراش ينحنى عليها ،كأحد الوحوش الضارية ممسكاً بفريسته مستلذاً بسلبها حياتها
غمغم جواد من بين أسنانه:
– أنت كنت بتعمل إيه يا إبن الكلب فيها ودينى ما هسيبك ولو جرالها حاجة صدقنى مش هتشوف يوم واحد تانى فى الدنيا دى هقتلك بإيدى يا كلب
فعاود لكمه بوجهه ثانية ،واخذ رأسه بين كفيه يصرخ به معقباً:
– أنطق عملت فيها إيه
تلاحقت أنفاس نبيل كمن يوشك على بلوغ نزوع الروح منه فأجابه قائلاً:
– هى دايخة من شرب الخمرة وهى اللى أصرت تيجى معايا هنا واستحايلت عليا كمان علشان هى بتحبنى
هذا أفضل له أن يشدد على ان ديما جاءت معه بمحض إراداتها ،فما رآه من جواد جعله يتشبث بأمل وهمى من أنه رجل لم يستطيع منع نفسه عن فتاة عرضت نفسها عليه بكل سخاء
نهض جواد عنه فأقترب من الفراش ولكن ديما ما زالت على حالها نائمة لا تعى ما يدور حولها ،لكنه لم يستطيع منع يده التى رفعها وهو بها على وجهها مغمغماً:
– يا قليلة الرباية هى قلة ادبك وصلت للدرجة دى والله لتشوفى منى وش تانى عمرك ما شوفتيه
سحب غطاء خفيف من أغطية السرير ،لف جسدها به يوارى ذلك الثوب الفاضح الذى ترتديه ،فحملها بين ذراعيه ،وشيطانه يوسوس له بقتلها فى الحال ،أثناء مروره بجانب الفراش لمح تلك الكاميرا الموضوعة على الكومود
فى بادئ الأمر قطب حاجبيه من وجودها ولكن أتسعت عيناه ذهولاً من تخيله ماذا كان يفعل ذلك الوغد الملقى على الأرض بتلك الكاميرا ،فوضع جسد ديما على كتفه كالمتاع ومد يده واخذ الكاميرا وخرج من الغرفة
لم يكن جسدها الملقى على كتفه بثقل ذلك الأمر البشع الذى رآه وما كانت تنتوى فعله ، فذلك الوعد الذى قطعه لأبيها الراحل هو ما يجعل يديه عاجزتين عن القبض على عنقها وزهق أنفاسها نفساً نفساً
ألقاها على المقعد الخلفى بسيارته ودار حول السيارة يتخذ مقعده خلف المقود ،فأنطلق بها عائداً لمنزله وهو يجز على أنيابه حتى أصدرت أسنانه صوت صريرا بفمه الذى يشعر بمرار به فى ذلك اليوم الذي لم يخلو من الأحداث الغير منتظرة منتهياً بفاجعة له من نوع آخر
_________
صرخ طلعت بصوت جهورى بوجه الرجل المقرب منه وبمثابه ذراعه الأيمن ويدعى رشدى قابضاً على سترته من الأمام يفح بصوت غليظ:
– يعنى إيه جواد النصراوى عرف بالموضوع وراح اخد البنت وضرب نبيل ازاااااى إنطق
نكس رشدى رأسه بإنصياع قائلاً بإنكسار:
– اللى حصل يا طلعت باشا وانا معرفش عرف ازاى كل اللى حصل ان نبيل اتصل عليا وهو مش قادر ياخد نفسه وصوته مش طالع روحتله البيت لقيته مضروب علقة موت خدته وديته المستشفى طلع جواد النصراوى ضربه ضرب مبرح وكسرله ضلعين حتى الدكتور كان عايز يبلغ البوليس بس انا اللى لميت الموضوع قبل ما نتكشف يا باشا
ترك طلعت ثياب رشدى ودفعه بيده حتى كاد أن يرتطم ظهره بالجدار خلفه وهو يقول:
– الظاهر مشغل معايا رجالة ورق مش شاطرين إلا كل شوية عايزين فلوس بس شكلكم هتكتبوا نهايتكم بإيدكم
إزدرد رشدى لعابه بتوتر شديد قائلاً:
– أنا يا باشا عمرى ما قصرت معاك فى أى مصلحة وعارف إن أفوت فى الحديد كمان بس أنت اللى طلبت مدخلش فى موضوع بنت عمه دى
رفع طلعت شفته العليا بسخرية فجة قائلاً:
– وعيلة زى دى كنت هتعرف تضحك عليها إزاى يا فالح دا حتى نبيل اللى مدوخ البنات وراه ومعرفش كنت هتعرف إنت
إزدراءه الواضح وتنكيله به ،جعلا الدماء الغاضبة تسرى فى عروقه ولكن لايستطيع التفوه بكلمة، فكلمة مخالفة منه ستكون نتائجها طلقة نارية من طلعت الزينى بدون أن يرف له جفن أو يتذكر شئ فعله من أجله بيوم ما ،فمن الأفضل له أن يظهر خضوعه له حفاظاً على أن تظل رأسه على كتفيه
– بتزعق كده ليه يا طلعت مش عارفة أنام الوقت أتأخر فى حد يزعق فى وقت زى ده
قالتها تلك المرأة التى خرجت من إحدى الغرف تضم ردائها البيتى الذى لايصح لها الخروج به من باب غرفتها ولكن لم يعترض زوجها الناظر إليها بوجه مبهم
فخرج صوته حاداً:
–جوليا مش وقتك دلوقتى ادخلى كملى نومك
تقدمت منه تلك المرأة الثلاثينية تسير بخطوات شبيهة بعارضات الأزياء اللواتى كانت مثلهن بيوم من الأيام ،حتى رأها طلعت بإحد عروض الأزياء فأنبهر بحسنها ورشاقتها فتقدم لها عارضاً عليها الزواج العرفى فقابلته بالرفض الشديد حريصة على ان تصبح له زوجة شرعية إذا أرادها ،فلم يتوانى عن زواجه منها يضعها بمنزله كإحدى المعروضات أو التحف الفنية التى يحرص على أقتنائها بماله الوفير
جلست جوليا على مقعد وثير قائلة ببرود:
– وأنا هيجيلى نوم تانى إزاى وأنت صحيتنى من أحلى نومة
فوضعت ساق على الأخرى فأنحسر الرداء عن ذلك الثوب أسفله وتصل فتحة هذا الثوب لمنتصف ساقها ،نهشت عين طلعت كل إنش بوجهها وجسدها المعروض أمامه كصورة بإحدى الصحف
رفع طلعت سبابته يشير لرشدى بالانصراف قائلاً:
– يلا أنت أخرج وهاتلى الاخبار أول بأول وبكرة يكون نبيل عندى أنت فاهم يا رشدى
أومأ رشدى برأسه موافقاً:
– أوامرك يا باشا
هرول رشدى يخرج مسرعاً من المنزل قبل أن يزداد حنق وسخط طلعت عليه أكثر من ذلك ، ارتسمت إبتسامة ساخرة على جانب ثغرها الفاتن ، عندما سمعت صوت زوجها وهو يقول:
– مش قولتك ١٠٠ مرة قبل كده لما اكون مع حد من رجالتى متدخليش علينا قولت ولا مقولتش يا جوليا
ناظرته ببرود ،فتركت مقعدها ووقفت امامه تداعب باصابعها النحيلة طرف سترته أسفل عنقه تهمس بدلال :
– وأنت مش هتبطل تزعق كده على طول صحتك يا حبيبى حتى اليومين دول نسيتنى خالص كأنى مش مراتك وليا حق عليك
لفحته بأنفاسها وهمساتها المدللة ،فشق عليه الابتسام فلم يكن منه سوى أنه رفع يده يضعها على يديها التى تريحيهما على صدره فغمغم قائلاً:
– حبيبتى أنتى عارفة الظروف اللى حصلت وانا مش هرتاح ولا يهدالى بال الا لما اخد حقى من اللى اسمه جواد النصراوى
زفرت بضجر من حديثه المتكرر عن ضرورة اخذ ثأر موت ولده المدلل ، فما كان منها سوى العودة لغرفتها وهى تدب الأرض بقدميها ، تلعنه بصوت هامس
لم يعير ما تفعله إهتماماً ،فجلس على ذلك المقعد الذى تركته تلك الحانقة ،فظل ينقر أصابعه ببعضهما البعض ،فعلقت عيناه بصورة ولده الراحل المثبتة على الجدار وكأنه فقد الحياة بموته ولم يتبقى سوى جسداً راغباً فى الانتقام والثأر
__________
جلست كريمة ببهو المنزل الفسيح ، تترقب عودة ولدها الغائب منذ ما يقارب الساعتين ، فإبتهلت متضرعة لله بالدعاء بأن تسير الأمور على ما يرام ،فهى تخشى على ديما من غضب وبطش جواد ،فهى تعلم ولدها خير العلم إذا تملكه الغضب ،ربما تحدث خسائر فادحة
فهتفت قائلة برجاء:
– يارب إسترها يارب واحفظهم يارب ويرجعوا بخير يارب
ما كادت تنهى دعائها حتى رأت جواد يلج المنزل يحمل بين ذراعيه ديما يلف جسدها بغطاء أبيض ،كمن يحمل جثمان للمقابر
شهقت كريمة بصوت مرتفع ووضعت يدها على فمها قائلة بذهول:
– جواد أنت عملت فيها إيه أنت قتلتها يا جواد قتلت ديما
صرخت كريمة بشق جملتها الأخير وهى لا تعى ما تراه أمامها فجواد يقف متصلباً بوقفته وعينيه جامدة كأنها تخلو من الحياة ، فأقترب من إحدى الارائك يضع عليها جسد ديما المتراخى
فأنتصب بوقفته قائلاً بشرار يتطاير من عيناه:
– كان نفسى أقتلها يا أمى بعد اللى عملته النهاردة وسمعتى وشرفنا اللى حطته فى الطين
كمن لا تعى ما سمعته من شفاه ولدها ،ظلت كريمة تحرك رأسها يميناً ويساراً رافضة ما تبادر لذهنها مما قاله فردت قائلة بذهول:
– مستحيل اللى بتقوله ده يا جواد ديما مش ممكن يوصل بيها الحال لكده يا جواد مش ممكن
ملأت الدموع مقلتيه لكنه أبى أن تكسر حاجز جفنيه فصاح قائلاً:
– مش مصدقة يا أمى الهانم لسه جايبها من بيت واحد وكانت معاه وفى سريره
وضعت كريمة يديها على أذنيها لكى لا تستمع للمزيد ، فإنسكبت دموعها بصمت على وجنتيها ، فماذا تفعل هى الآن هل أخفقت بحفظ الأمانة المتروكة لديهم ،فأقتربت من جواد الذى أطرق برأسه حتى لاترى أمه الدموع التى تجمعت بعينيه
فبتردد وضعت يدها على ذراعه قائلة بشحوب:
– ججواد هو اللى انت بتقوله ده بجد ديما عملت كده ضيعت نفسها وضيعتنا معاها ،يعنى إحنا مقدرناش نحافظ عليها وعلى الأمانة اللى سابها عمك حسن فى رقبتنا
كور قبضة يد حتى برزت عروقه ،فإلتفت لتلك التى مازالت غارقة بسباتها ،عندما هم بالاقتراب منها والانقضاض على عنقها ، حالت كريمة بينه وبينها فدفعته بلطف ليتراجع بضع خطوات للخلف
فأستشاط غضباً يزمجر بصوت ناقم:
– أمى كلمى الدكتور سعاد جارتنا واللى تبقى صاحبتك تيجى دلوقتى فورا هى دكتورة نسا خليها تيجى فوراً
قطبت كريمة حاجبيها قائلة بدهشة:
– عايز الدكتورة سعاد وفى الوقت المتأخر ده يا جواد
أومأ جواد برأسه بإصرار :
– أيوة يا أمى تيجى فوراً لأن نهار بكرة مش هيطلع إلا لما أعرف ديما عملت إيه بالظبط علشان هيبقى فى كلام تانى ومعاملة تانية
إلحاح وإصرار منه بإحضار تلك الطبيبة المسنة التى تقطن بالمنزل المجاور لهم ،فما كان من والدته سوى الانصياع لما قاله فسحبت الهاتف طلباً للطبيبة ،التى مالبثت أن جاءت على وجه السرعة خشية أن يكون أصاب صديقتها المقربة مكروه
رفع جواد جسد ديما عن الأريكة فحملها حتى وصل لغرفتها وضعها بمنتصف فراشها وابتعد عن الفراش وخرج من الغرفة ولم ينبت ببنت شفة تاركاً لامه مهمة إخبار سعاد بكيفية الفحص الذى يريده جواد منها
عدلت سعاد من وضع نظارتها الطبية قائلة :
– هى إيه الحكاية بالظبط يا كريمة
إزدردت كريمة لعابها تشعر بالحرج مما تنوى إخبار صديقتها به فمالت على أذنها تخبرها بما تريد منها ،وبعد أن أنتهت حولت سعاد بصرها لديما فزوت ما بين حاجبيها من غرابة مطلبهم ،ولكنها أقتربت من الفراش تبدأ بفحص ديما ذلك الفحص الطبي الذى ربما ترتهن حياة تلك الفتاة به
____________
بعد مرور ثلاثة أيام ...
على الدرج الرخامى بمبنى الكلية جلست تالين برفقة سمر بعد إنتهاءهما من أول أختبار لهما بإختبارات منتصف العام الدراسى
قضمت تالين من قالب الشيكولاتة الذى تحمله بيدها والتى تحرص دائماً على أن يكون رفيقها بحقيبتها بكل مكان تذهب إليه
أصدرت تالين صوتاً مستلذاً بما تأكله قائلة:
– أممم الشيكولاتة دى سحر لو كلت منها ليل ونهار مزهقش
لم ترد سمر على ما قالته ببادئ الأمر ،لكنها وضعت يدها على وجنتها تنظر إليها وهى تضيق ما بين عينيها وهى تقول:
– مش ناوية تقوليلى إيه حكاية جوزك ده بقى
سعلت تالين بشدة بعد سماع تلك الكلمة " جوزك" فبالأيام الماضية أو بالأحرى منذ خروجه من منزلهم بيوم عقد قرانهما وهى لم تراه ولم تسمع له صوتاً ،كأنه نسيها فجأة ،فلم تعر الأمر إهتماماً ،متمنية أن يكون حقاً لا يتذكرها أو يتذكر أنها اصبحت زوجته ،فهى تخشى من مرور تلك الأيام فالاتفاق بينهما على أن يكون حفل زفافهما بعطلة نصف العام الدراسى
ربتت سمر على ظهر تالين بقلق من سعالها المستمر فردت تالين قائلة:
– خلاص يا سمر بقيت كويسة وأنا هحكيلك على كل حاجة
كل كلمة تقولها تالين تزداد عينى سمر اتساعاً وذهولاً ،كمن لا تصدق ما تسمعه حتى أنتهت تالين من سرد القصة كاملة
فحدقت بها سمر وهى تقول:
– تالين أنتى بتتكلمى جد ولا بتهزرى دا كله حصل يعنى انتى متجوزة تخليص حق
اومأت تالين موافقة وهى تجيبها :
– ومش بس كده يا سمر انا مش طيقاه مش عارفة هعيش معاه ازاى ده او ان انفذ اللى بيقول عليه ده أزاى انا هتشل
شردت تالين بأفكارها فتخيلت نفسها وهى ترتدى فستان زفافها ولكنها كمن ستنساق الى الموت او الى الجحيم ولن يكن چواد سوى حارس جحيمها
طوقت سمر كتفى تالين قائلة بحزن:
– يعنى كل ده يحصل ومخبية عليا يا تالين
زفرت تالين بخفوت تكافح الدموع التى على وشك ان تطفر من عينيها وهى تقول:
– خفت حد غيرى انا وبسام يعرف لحد ما احل الموضوع لان خفت على بابا يا سمر دلوقتى بقيت مراته وأطمنت انه مش هيعمل حاجة فى بسام وكله فى الأول والآخر نصيب يا سمر
لاحظت تالين صمت سمر ، فوكزتها بخفة لتعلم علام دام صمتها هكذا ؟
فهتفت بها سمر قائلة بتساؤل:
– بس يا تالين أخوكى بسام مفيش حاجة تدينه حتى الولد اللى كان معاه اتقتل يعنى مفيش دليل مادى انه كان موجود وقت وقوع الحادثة ، يعنى كان ممكن ترفضى الجواز وأخوكى كان هيطلع منها لأن جواد معندوش أدلة عليه
تبسم ثغر تالين بألم ، فأخرجت هاتفها ، تصفحت الصور الموجودة حتى وصلت لما تريد ، فقربته من سمر قائلة :
– خدى شوفى الصور دى وأنتى هتعرفى ان فى دليل على بسام وبسبب الدليل ده انا وافقت يعنى انتى فاكرة ان انا مفكرتش فى اللى قولتيه ده بس الصور دى خلتنى أعيد تفكير
شاهدت سمر الصورة تلو الأخرى ، وهى فاغرة فاها بدهشة ، فالصور التى بين يديها تحكى أدق تفاصيل الحادث من وجود بسام ورامز بجوار سيارة جواد وحتى فرارهما من مكان الحادث
رفعت سمر بصرها عن الهاتف قائلة بغرابة:
– هى الصور دى أتصورت إزاى وأنتى بتقولى ان ساعة الحادثة جواد كان متعور ومش قادر يتحرك حتى ينقذ ابنه تبقى الصور بتاعة الحادثة دى اتصورت إزاى
زفرت تالين بقلة حيلة ،فهى أيضاً لا تعلم كيف حصل جواد على تلك الصور فدمدمت قائلة:
– مش عارفة يا سمر حتى بسام ميعرفش حاجة عن الصور مرضيتش أقوله واخوفه أكتر بس يوم ما جواد عرض عليا الجواز ورفضت ورجعت البيت تانى يوم بعتلى الصور دى على تليفونى ومش بس كده لما عرفت بخبر قتل رامز الزينى خفت أكتر ،حتى لو مكانش هيحبس بسام بالصور اللى معاه ، كان ممكن يحاول يأذيه علشان كده وافقت على الجواز منه ،علشان اضمن سلامة عيلتى
حاولت سمر ان تخفف من وطأة حزن صديقتها فهتفت ممازحة:
– تصدقى نصيبك حلو ومز والله يا بت يا تالين احسن من إبن عزيزة
إبتسمت تالين بسخرية قائلة:
– أه اخدت بالى يا سمر انه عاجب كل اللى حواليا إلا انا مش عارفة أبلعه
أنتبهت تالين على ذلك الأثر الذى يتركه جواد بالاخرين، فاشلاً بجعلها تأمن جانبه او تستكين للطفه الذى يعامل به والدايها
صف جواد سيارته أمام مبنى الكلية ،فأستند برأسه على طرف مقعده ،يشعر بالحيرة من أمره ، هل يترجل من السيارة ليراها ؟ أم يعود أدراجه ثانية لمنزله الذى لم يتركه بالايام الفائتة
انتزعت شفتيه آنات خافتة مزقت جنبيه ، فصار الدم حاراً متدفقاً بعروقه يرغب بالصراخ ملأ جوفه مما حدث ،فحسم أمره بالخروج من السيارة فربما رؤيتها تنسيه ولو مؤقتاً ما يؤرق مضجعه ،فهو يريد شئ يسكن من آلامه ولا يرى سوى وجه تلك العنيدة
أغلق باب السيارة فرأها جالسة بذلك المكان الذى رأها به عندما أتى لهنا بالمرة الأولى ،فحث الخطى على الإسراع نحوها
كمن علمت بإقترابه قبل أن ترفع رأسها وتراه ، فرفعت عينيها ورأته يقترب منها فما الذى جاء به لهنا؟ ،بدون تفكير أخذت حقيبتها تهرول راكضة مبتعدة ، فما كان منه سوى الركض خلفها ولا يعلم لما تفعل ذلك ؟
فصرخ مناديا لها :
– تالين استنى تالين
ركضت حتى وصلت للبوابة الرئيسية ،فعبرت خلالها حتى وصلت للشارع بالخارج ،ولكن تلك هى ساعة الذروة ، فصوت زمور شاحنة عملاقة وسيارات مسرعة جعلوا رأسها يدور كمن أصيبت بالدوار ولكن لم تسمع شئ سوى صوته الصارخ بإسمها:
– تاليييييييين حاااااااسبى
_________
يتبع..!!!!
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت السابع ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت الثامن أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .