نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت السادس من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل السادس
* أصبحت أسيرته *
٦– " لا يليق بعيناكِ الحزن"
تعالت أصوات الهمهمات والهمسات وكثر اللغط بين الحضور، من ذلك التصريح المدوى الذى ألقاه هذا الشاب ذو الوجه المكفهر بغضب شديد، رأت تالين وجوه متعجبة وأخرى شامتة وتعليقات ساخرة قرأتها على شفاه النسوة ،تركت مكانها فجذبت شقيقها من مرفقه قائلة بهمس خائف:
–بسام إيه اللى أنت بتقوله وبتعمله ده أنت مش خايف على بابا يا بسام
قبل أن تتجاوز الكلمات شفتيه ،سمعا صوت چواد الذى ترك يد أبيهم قبل أن يشرع المأذون بعقد القران ،فوقف بطوله الفارع الذى فاق قامتهم ،فتبسم ممازحاً :
– الله يسامحك يا بسام يعنى لازم تسيحلى وتقول إن أنا اللى فضلت ألح على باباك وأختك علشان يوافقوا عليا طب أعمل إيه لقلبى اللى من ساعة ما شاف أختك وهو مبطلش دق وهيتجنن عليا وعلى اللحظة اللى هتكون فيها مراتى
فغرت تالين فاها قبل الجميع مما سمعته منه ، فهى لم تضع بحسبانها أن يهب لنجدتها ، فربما هذا هو الحل الأفضل أن يضع على عاتقه أسباب تصريح بسام من أن شقيقته لم تكن توافق على تلك الزيجة
رفرفت بأهدابها عدة مرات قبل أن تعاود النظر إليه وسماعه يكمل حديثه مستطرداً:
– أيوة يا جماعة تالين مكنتش موافقة على الجواز دلوقتى وخصوصاً زى ما انتوا عارفين أنها كانت مخطوبة بس أنا اللى أصريت عليها توافق علشان نكتب الكتاب بالرغم من رفضها وكمان ألحيت على عمى جلال علشان يوافق أصل اللى يلاقى جوهرة زى تالين من الصعب عليه أنه يسيبها أو يضيعها من إيده يبقى غبى وأنا الصراحة الكل يشهدلى بالذكاء علشان كده إحنا بنتجوز النهاردة ولو مكنتش امتحاناتها فى الكلية بعد كام يوم كنت عملت الفرح بكرة
ختم حديثه بإبتسامة عريضة ، جاعلاً بعض النسوة يشعرن بالغيرة أكثر من ذى قبل من أنه يوجد من يستميت لزواجه من تلك الفتاة
شعر جلال بالفخر والاعتزاز من دفاع زوج إبنته المستقبلى عنها وعن أى قول يستطيع المساس بكرامتها فرفع كفه يشير إليه بالجلوس وهو يقول:
– أقعد يا إبنى يلا علشان نكتب الكتاب إحنا عمرنا ما هنلاقى أحسن منك لبنتنا زغرطى يا أم تالين
تعالت أصوات الزغاريد من فم زينب التى دمعت عيناها فرحة بعقد قران إبنتها ومن حسن إختيارها تلك المرة فهى لم تكن موافقة على خطبتها من مروان ولكن صمتت من أجل إبنتها ولكن ربما إستجاب الله لدعاءها بأن يعوض إبنتها بأفضل منه ، فهى ترى الآن والدة جواد وهى جالسة بجوار تالين التى عاد اللون الأحمر لوجهها بعد إمتقاعه بالدقائق الماضية ، تحاول جذب أطراف الحديث معها بإبتسامتها الأنيقة المعهودة وترى إبنتها تجبيها بإبتسامة لم تراها على وجهها من قبل وهى تتحدث مع والدة مروان تلك المرأة المدعوة عزيزة ،فطمئن قلبها تبتهل بداخلها من أن تسير الأمور بخير وأن لا تصاب إبنتها بسوء الطالع أو الحسد من أعين النسوة اللواتي إرتسمت معالم الغيرة والحقد بأعينهن
حاولت تالين الهرب بعينيها من مطالعة صديقتها المقربة "سمر" فهى تعلم مايدور بذهنها الآن وقد تحققت مخاوفها عندما وجدتها تميل نحوها تهمس بأذنها :
– تالين هى إيه الحكاية بالظبط أنا مش فاهمة حاجة وجاية النهاردة علشان أحضر كتب كتاب أعز صحباتى بس الظاهر كده أن فى حاجة مخبياها عليا
انكمشت قسمات وجه تالين بحزن طفيف قائلة:
– سمر صدقينى هقولك كل حاجة فى وقتها أنتى عارفة انك صحبتى وأقرب واحدة ليا ودلوقتى أقدر أقولك على كل حاجة بس لما نكون لوحدنا
أخذت سمر يد تالين بين راحتيها لا تعلم مايدور حولها ولكنها علمت شئ واحد من صوتها الحزين وهو أنها تواجه خطب عظيم جعلها تخفى الأمر عنها ،وتسبب فى حزنها فى ذلك اليوم المفترض بها أن تكون أسعد الناس بعقد قرانها
__________
أرتمت ديما على أقرب مقعد وجدته بطريقها بعد أن ولجت المنزل برفقة كريمة بعد إنتهاء عقد قران جواد وأنصرافهن بتشديد أوامره لها بعدم الخروج حتى يحين عودته للمنزل ،فأرسل والدته معها بعد إصرار ديما على الانصراف معللة ذلك بأن أذنيها لا تتحمل الصخب الذى ملأ الأجواء
زفرت ديما براحة تغمغم بإبتسامة:
–ااااه الحمد لله ان رجعت البيت دا كان فاضل شوية وودانى مكنتش هسمع بيها
حطت كريمة بيدها على كتفها فرفعت ديما رأسها إليها فتبسمت بوجهها قائلة:
– أدينا رجعنا البيت أهو أطلعى يلا أرتاحى يا ديما ونامى
علا رنين هاتف ديما بحقيبتها الصغيرة التى كانت تحملها معها أخرجته فأغلقته سريعاً حتى لا تلاحظ كريمة هوية المتصل فنهضت عن مقعدها قائلة بإبتسامة متوترة:
– تمام يا طنط هطلع أنام بقى تصبحى على خير
أرتقت ديما الدرج بخطوات سريعة حتى تصل لغرفتها فالهاتف عاد للرنين مرة أخرى وصلت لغرفتها فأدارت المقبض وولجت للداخل تغلق الباب تستند عليه فتحت الهاتف بإبتسامة قائلة:
_ أيوة يا بنتى فى ايه كل ده رن هتفضحينى كده
جاءها ضحكة صاخبة من الطرف الآخر وهى تقول:
– إيه يا بنتى فينك البارتى خلاص هيبدأ والنهاردة فى مفاجأت واو هتعجبك أوى هتيجى ولا سى جواد هيعمل عليكى حارس ومش هيخرجك أنا مستنياكى بالعربية قدام البيت
وصلت ديما لغرفة ثيابها ومازالت واضعة الهاتف على أذنها فردت قائلة:
– جواد النهاردة مش فاضى كان كتب كتابه وهو لسه عند العروسة هغير هدومى وجيالك على طول باى بقى
ألقت الهاتف من يدها تجيل ببصرها فى أكوام الثياب الموضوعة أمامها فوقع أختيارها على ثوب قصير باللون الأسود الفاحم بفتحة صدر كبيرة يصل لمنتصف ساقيها البيضاوين ،أرتدته تقف أمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة من زينتها تنظر لنفسها بإستحسان ولكن خبت إبتسامتها عندما تذكرت جواد فلو رأها وهى ترتدى هذا الثوب لن يتوانى عن دق عنقها ولكن عادت لتطمئن نفسها بأن جواد لن يكون لديه متسع من الوقت الليلة لمراقبتها أو محاسبتها
خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها ،تحمل حذاءها بيدها تنفست الصعداء عندما هبطت للطابق السفلى ووجدت الصالة خالية فربما كريمة صعدت لغرفتها هى الاخرى، تسللت بخفة حتى وصلت للحديقة ففكرت إن هى خرجت من الباب الأمامى سيراها الحارس ولكن تذكرت ذلك الباب الصغير بالباحة الخلفية للمنزل فوصلت إليه تخرج المفتاح الذى حرصت على أن يظل بحوزتها لتستطيع الفرار من المنزل للتسكع برفقة صديقاتها
رفعت ديما يدها تلوح بها لصديقتها التى تقدمت بسيارتها مسرعة تتخذ ديما مقعدها بجوارها ينطلقا بطريقهما فحدقت بها تلك الفتاة ذات الشعر الغجرى قائلة بإبتسامة ماكرة:
– أخيراً جيتى يا ديما بقالك كام يوم مختفية دى الشلة كلها بتسأل عليكى وخصوصاً نبيل وعملت حفلة مخصوص النهاردة فى الفيلا عندنا علشانك وكمان فرصة بابا وماما مسافرين يعنى هنسهر لحد الصبح
تذكرت ديما ذلك الشاب مفتول العضلات المعتد بوسامته حد الملل الذى قابلته بالنادى الأسبوع الماضى ،وحاول بشتى الطرق جذب إهتمامها فهتفت بإزدراء:
– بلا نبيل بلا بتاع يا دا واحد مغرور طول ماهو قاعد يورينا فى عضلاته و فرحان بيها أوى حاجة مللل يعنى أوف عليه بجد ثم أنا جاية أنبسط شوية مش عايزة خنقة ووجع دماغ
– طب نبيل ولا سى جواد بتاعك ده اللى ناقص يقولك متتنفسيش
قالتها صديقتها بتبرم واضح ،فما كان من ديما إلا أنها صاحت بها قائلة:
– متقارنيش بينهم عايزة تعرفى معنى الرجولة يبقى لازم تعرفى جواد وللعلم بقى انا بحب تحكمه فيا وتسلطه كمان مش علشان حاجة علشان انا عارفة ان بيعمل كل ده خوف عليا بس أنا اللى دماغى جزمة وبحب اعانده ومعرفش ليه بعمل كده جايز علشان معنديش اخوات او بابا الله يرحمه مات ومبقاش ليا سند غير جواد فبحبه يمارس سلطة الأب والاخ عليا مش عارفة
زفرت ديما بتشتت من تخبط أفكارها المقيدة بأوامر من جواد والمتحررة من جانبها هى ،فربما تلك النزعة الغربية التى أكتسبتها من إقامتها بأوروبا مازالت تاركة بصماتها عليها برغم إجتهاد جواد ووالدته فى تقويم سلوكها
__________
جلست والدته بجواره بسيارة الأجرة متأففة كعادتها فهى لم تطاوعه تلك المرة إلا بسبب خوفها من أن تصيبه أزمة نفسية من ترك تالين له ،فمنذ ذلك اليوم الذى فُضت خطبته وهو يجلس بغرفته لايرى أحد ولا يذهب لعمله ،فرق قلبها له تبدى إقتراحاً بأن تذهب معه لإصلاح الأمور بينهم ولتحاول ضبط نفسها من أجل ولدها
إلتفت مروان إليها يبتسم لها بإتساع وهو يقول:
–شكرا يا ماما أنك جيتى معايا
ربتت على يده بإبتسامة لا تتجاوز شفتيها قائلة:
–المهم أنت يا حبيبى تبقى مبسوط أنا محلتيش غيرك يا مروان وبخاف عليك بس برضه مش عيزاك تبينلهم أنك مدلوق أوى مش عايزينها تنفرد علينا بزيادة هى مفرودة لوحدها
– متقلقيش يا ماما تالين قلبها طيب والله بس أنتى اللى مش عارف ليه مش حباها ؟
قالها مروان بتساؤل رغبة منه فى معرفة سبب عدم تقبل والدته لزواجه من تالين
فصمتت عزيزة تهندم ثيابها قبل أن تترجل من السيارة بعد إعلان السائق وصولهم لوجهتهم فالصمت أفضل ،صعدا الدرج حتى وصلا للطابق الثالث الذى يقع به تلك الشقة التى تقطن بها تالين برفقة عائلتها
فقطب مروان حاجبيه من رؤية العديد من الأشخاص يخرجون من الشقة يرتدون ثياب براقة ومزركشة كأنهم بحفل زفاف ،رأى أيضًا بعض النساء تنظر له بشفقة ،شق الجمع يهرول للداخل ليرى ماذا يحدث ،فوجد تالين تجلس برفقة والدايها وشقيقها و رجل لم يراه هو من قبل
– تالين
هتف بها مروان بصوت جاهد على أن يخرج مسموعاً بعد تلك الظنون التى ملأت رأسه والتى يعلم هو أنه ربما ستكون حقيقة تلقيها على مسامعه الآن
رفعت تالين رأسها وهى تشعر بغرابة وجوده هنا الآن وبهذا التوقيت ،فهى قطعت كل أواصر العلاقة بينهم ولم تكن تعلم أنها ستراه ثانية وخاصة بعد إستهجانه لها على تركها له
تركت تالين مقعدها تستقيم بوقفتها تحدق به بخواء فهى كأنها لم تعد تملك تلك المشاعر التى يشعر بها الانسان بمختلف مواقفه فهى لا تملك سوى شعور الحزن فقط
فغمغمت قائلة :
– مروان أنت جاى ليه وفى إيه
خرج الرد من فم والدته التى تحدق بالجميع بسخرية قائلة:
– كان جاى فاكر أن ممكن ترجعيله بس بسم الله ماشاء الله مضيعتيش وقت يا تالين مافاتش عشر أيام إلا وشكلك أتخطبتى تانى هو أنتى بقى سيبتى أبنى علشان تتخطبى لى بسلامته
أشارت عزيزة بيدها لچواد الذى حاول قمع ذلك الغضب الذى طفى على وجهه ينتظر فقط كلمة أخرى وسيخرج من فمه كلمات كالسيل تغرق أذانهم ،ولكن أنتظر لسماع رد تلك الفتاة التى أصبحت تسمى زوجته الآن
عقدت تالين ساعديها أمام صدرها ترمقها ببرود فحدقت بجواد قبل أن تعاود النظر إليها ثانية قائلة :
–دا مش خطيبى ده جوزى يا طنط مش هتقوليلى مبروك
بُهتت عزيزة ومروان الذى أتسعت عيناه بذهول مما سمعه الآن وخرجت كلماته متلعثمة:
–ججوزك إزاى يعنى أنتى أتجوزتى يا تالين وبالسرعة دى يعنى ما صدقتى تخلصى منى علشان تتجوزيه دا أنت طلعتى مبتضيعيش وقت طب ايه لزمته وش البراءة والاخلاق اللى كنتى بترسميه عليا وعاملة فيها مؤدبة
ربتت عزيزة على كتف إبنها تلوى ثغرها بإبتسامة ساخرة وهى تقول:
–شوفت يا حبيبى مضيعتش وقتها ومش بعيد تكون كانت عرفاه وهى مخطوبالك وكانت مقرطساك واديتك سكة علشان تتجوزه
نظر جواد لمروان ووالدته بشر مستطير من عينيه فرفع سبابته بوجهه مهددا بغلظة:
– أنت وأمك مش عايز أسمع منكم كلمة بحق مراتى أو أهلها لأن ردى مش هيعحبكم أنتوا فاهمين ويلا مع السلامة
سحبت عزيزة يد مروان قائلة :
– يلا يا حبيبى نمشى الله اعلم لو كنت اتجوزتها كان ممكن تعمل فيك مش بعيد كانت خلت سيرتك على كل لسان
كلماتها كفتيل أشعل النيران بصدر زينب التى تركت مكانها بجوار إبنتها تستقيم بوقفتها فعلا صوتها بإستنكار من غلظة تلك المرأة التى تقذف إبنتها بتهم باطلة وشنيعة وذلك لتركها ابنها المدلل وزواجها من أخر فصاحت بها قائلة:
– أنتى بتقولى إيه أنتى على بنتى دا ضفرها برقبة مليون من عينة إبنك اللى مبيعملش حاجة غير أنه هقول لماما اصل ماما قالت معندوش رأى أو شخصية وقسما بالله لولا أن مش عايزة فضايح كنت عرفتك مقامك أنتى وإبنك ويلا من غير مطرود
بعد اخذ عزيزة حصتها كاملة من صياح وغضب زينب خرجت تجر مروان خلفها كالشاه الضالة
رآت تالين أبيها يضع يده موضع قلبه متأوهاً بصوت منخفض مما سمعه بحق إبنته ،فتلك الليلة كثرت الأقاويل بحقها فهل كان مخطئاً بإبداء موافقته بتلك السرعة التى إستهجنها العديد ، وجدت شقيقها ووالداتها يقتربون منه فسمعت صوت والداتها تهتف بخوف:
– جلال جلال مالك فى إيه تالين ألحقينى
فعلا صوت بسام بخوف عظيم هو الآخر:
– بابا ايه اللى حصل ماما لازم نوديه المستشفى أو نطلب الإسعاف
أقتربت تالين منه مسرعة تجلس بجواره تضع يدها على يده وهى تهتف بذعر:
–بابا مالك فى إيه رد عليا
إبتسم لها والدها إبتسامة واهنة ،فوجدت جواد يقترب منه هو الآخر بقلق خشية أن يصيبه مكروه يتمتم بإهتمام:
–عمى إنت كويس بسام أسنده معايا علشان نوديه المستشفى الاسعاف ممكن تاخد وقت على ما توصل
أسرع بسام بتنفيذ مطلبه بدون تفكير فأحاط جلال كتف بسام بذراعه اليمين وكتف جواد بذراعه الأيسر حتى وصلوا لتلك السيارة السوداء الفارهة المصفوفة أمام البناية،قاد جواد السيارة تجلس تالين بجانب أبيها وأمها
رآها بمرآة السيارة تذرف من الدموع ماجعل عينيها منتفخة بشكل ملحوظ فتلك العينان لا يليق بها الحزن ،ولكن ربما هو من بسط الطريق للدموع لتأخذ مجراها برماديتيها ،فماذا يفعل هو الآن ؟ فذلك الخافق بين اضلعه بشقه الأيسر هو ما يملى عليه ما يفعله تلك الأيام متخذاً شتى الطرق والوسائل فى الحصول على تلك العنيدة التى ما لبثت أن تجابهه بعنفوانها وكبرياءها منذ تلك المقابلة الأولى لهم وحتى اليوم حتى وإن أظهرت خضوعاً غير مألوفاً لها
__________
رأسها الموضوعة على صدر والداتها وعيناها التى مازالت تأبى أن تكف عن سكب الدموع على وجنتيها جعلت ذرات الحقد تسرى بخلايا جسدها كلما تسلل عطره لأنفها من زرعه رواق المشفى ذهاباً وإياباً بإنتظار خروج الطبيب من الغرفة التى تم وضع جلال بها من أجل فحصه الطبى ،دقائق وخرج الطبيب يتبعه إحدى الممرضات
فأقبل عليه الجميع بخوف فأشار جواد للجميع بالصمت ليتسنى له هو الحديث مع الطبيب قائلاً بجدية:
– هو عامل إيه دلوقتى يا دكتور
خلع الطبيب قناعه الطبى وهو يقول:
– هو الحمد لله كويس كانت حاجة بسيطة وكويس انكم جبتوه بسرعة ويقدر كمان يروح معاكم بس لازم له الراحة وأنه ميتنرفزش او يزعل والف سلامة عليه عن اذنكم
بعد مغادرة الطبيب ،ولجوا جميعاً للغرفة فتسابقت تالين وزينب فى الاقتراب من فراش المشفى الذى يستلقى عليه جلال ينظر لهم بإبتسامة خفيفة كعهده دائماً عندما يرى زوجته أو إبنته
صدح صوت جواد الرزين قائلا بإهتمام:
– ألف سلامة عليك يا عمى الدكتور طمنا وقال أن أنت كمان هتروح معانا الحمد لله عدت على خير
أومأ جلال برأسه إمتناناً له قائلا بصوت منخفض:
– تسلم يا إبنى معلش يوم كتب كتابكم ويحصل كده تعال يا بسام
أقترب بسام هو الآخر من فراش أبيه ودموعه تهدد بالسقوط فقبض على كف والده يرفعه يقبله قائلاً :
– حبيبى يا بابا
ربتت زينب على كتفه ففرت دموعها على وجنتها قائلة:
– ألف سلامة عليك يا جلال بعد الشر عليك كده تخضنا فى يوم حلو زى ده يا راجل
حاولت المزاح مثلما تفعل معه دائما ولكن عيناها أبت إلا أن تذرف المزيد حتى وجدت إبنتها تحتضن كتفها من الخلف وهى تقول:
– بس يا ماما متعيطيش هو بابا عايز بس يعرف غلاوته عندنا مع انه عارفها مش كده يا جلجل
شقت إبتسامة واسعة شفتى جلال من إصرار إبنته الدائم على أن تناديه بلفظ تحببى عندما تريد مشاكسته بأمر ما ،فتركت تالين والداتها لتقترب من أبيها تقبله على وجنته قبلة طويلة وضعت بها خوفها من فقدانه فهى لا تفعل ما تفعله تلك الأيام إلا حفاظاً عليه
فغمغمت قائلة بصوت حنون:
– بعد الشر عليك يا بابا أحنا ملناش غيرك بعد ربنا يا حبيبى
شد جلال على يد إبنته مطمئناً يهتف بصوت منخفض:
– تسلميلى يا حبيبتى بس دلوقتى بقالك سند تانى بقالك جوزك چواد
وكأن وقع الكلمة على أذنها كسقوط حجر من ربوة عالية أصاب رأسها ،فهى لم تتقبل كونه أصبح زوجها او أنها لاتريد التسليم بتلك الحقيقة التى شهد عليها الجميع اليوم من أنها أصبحت زوجته وحاملة إسمه حتى وإن كان ذلك لم يتم بشكل فعلى ولكن أصبحت وثيقة الزواج الشاهدة على ذلك
حاولت رسم إبتسامة واهنة على شفتيها قائلة بإمتعاض لم يستشعره أحد من صوتها سوى ذلك الواقف خلفها على بعد خطوات فقط :
– أه يا بابا هيبقى سند إن شاء الله
ربما وإن لم يكن بتلك الظروف التى تقتضيه الحفاظ على رابطة جأشه ربما لتعالت صوت ضحكته مستمتعاً بتأديبها فالأن لايوجد حاجز بينهم ولكنه سيعمل على ضبط أعصابه حتى يحين يوم الزفاف
بعد ساعة تقريباً كان جواد يقود سيارته بطريق العودة لمنزل عائلة تالين بعد تصريح الطبيب بخروج جلال وأنه أصبح أفضل مع التشديد على توفير سبل الراحة له
جلست تالين بالمقعد الأمامى بجوار جواد وجلس والدايها وشقيقها بالخلف ،فظلت تنظر من نافذة السيارة يختلس هو بعض النظرات إليها ليعود وينظر للطريق أمامه حتى وصلوا للمنزل وصعدوا جميعهم للشقة ولج جواد بأثر تالين التى كان تتقدمه ،فذهب والداها رأسها لغرفته تساعده زوجته وولده ،بينما تبقت تالين برفقة جواد بغرفة الصالون
فحدجته بنظرات نارية قائلة بخشونة:
– عجبك كده كل اللى حصل ده بسببك أنت كل المصايب دى بسببك ومن ساعة ما شوفتك ياريتنى ما شوفتك ولا عرفتك
قابل ثورتها عليه بهدوء وروية فهو يعلم أن تلك الليلة أنتهت نهاية غير مستحبة لجميع الأطراف إلا أنه هتف بها محذراً:
– تالين أحترمى نفسك ومتنسيش أنا دلوقتى بقيت جوزك فاهمة يعنى إيه يعنى لو قليتى أدبك عندى أستعداد اادبك أنا
أنتفضت من مقعدها تزجره بنظراتها المستاءة فرفعت يدها تشير بها أمام وجهه وهى تقول:
– تأدبى أنا ! أنا مؤدبة غصب عنك أنت فاهم
أطلقت صرخة متأوهة عندما شعرت بكف يده على وشك تحطيم عظام كفها الذى كانت تشير به فطحن أسنانه مغمغما :
– وإيدك مترفعهاش فى وشى كده تانى إنتى فاهمة يا تالين سبحان من صبرنى عليكى لحد دلوقتى وعلى لسانك الطويل وتصرفاتك بس ده كله كان قبل ما تبقى مراتى لكن دلوقتى فى حاجة مهمة لازم تعرفيها وهى أن محبش الست بتاعتى تقل أدبها عليها أو تفكر مجرد تفكير أنها تناطحنى فى الكلام مفهوم يا تالين
كالنيران التى أشتعلت بالهشيم كان حال عينيها التى ملأتها النظرات الكارهة والمقت المميت ولكن فجأة قطبت حاجبيها بغرابة عندما شعرت به يرخى يده عن كفها بل مرر إبهامه على باطن يدها جعلها تزدرى لعابها مرة تلو الأخرى وسرت القشعريرة لسائر خلاياها فغمغمت بإضطراب:
– أاانت بتعمل إيه سيب إيدى
لم يكتفى بذلك بل رفع يدها أمام وجهه يتأمل أناملها النحيلة ورقة بشرتها فبسط كفها المضموم بأصابعه طابعاً قبلة على باطن يدها متلهفاً:
– أنتى عنيدة أوى يا تالين ودماغك ناشفة أنا يا تالين ...
لم يكمل ما يريد قوله فسمع صوت خطوات تقترب من غرفة الصالون فلمح والداتها قادمة بإتجاههم فترك يدها على مضض وإرتد خطوتين للخلف مبتعدا عنها ولكنه تبسم لوالدة زوجته التى ولجت باسمة فهتف قائلاً:
– طنط أنا لازم أمشى دلوقتى والف سلامة على عمى
ردت زينب إبتسامته قائلة بحنان:
– بس أنت ما أكلتش حاجة أستنى هحضر العشا وناكل مع بعض أنا كنت عملالك عشا هتاكل صوابعك وراه بس اللى حصل يلا الحمد لله على كل حال
فأعتذر جواد قائلاً:
– معلش لازم أمشى علشان أمى وديما لوحدهم فى البيت سلام عليكم سلام يا تالين
لم يكن منها سوى أنها أومأت برأسها بدون أن تعى ما تفعل ولكنها لم تتفوه بكلمة حتى رآته يخرج من باب الشقة تغلقه والداتها خلفه ،فمازالت متيبسة بمكانها كأنها من العسير عليها تحريك قدميها ولكن أنتبهت على والداتها فتحركت إلى غرفة والدها ولكن أثناء مرورها بالصالة وجدت بسام يجلس يحمل بيده جريدة تناولها من المكان الذى يضعها به أبيهم دائماً
مدت تالين يدها تسحب الجريدة من يده بغضب وهى تقول:
– بطل بقى يا بسام تقرأ الجرايد دى، سبب المصايب اللى إحنا فيها كان خبر فى الجرنال وانا عارفة انك مبتحبش القراية اصلا إيه حكايتك كل شوية تجيب الجرايد بتاعة بابا وتقراها
رفعت بسام رأسه لها واستند بها على طرف مقعده متنهداً:
– بقى عندى وساوس يا تالين ان كل ما افتح الجرنال هتفاجئ بحاجة واليوم اللى قريت فيه خبر رامز كنت معدى بالصدفة وشوفت الجرنال فى إيد بابا ودمى من ساعتها وهو هربان أنا شكلى أتجننت
ربتت تالين على كتفه قائلة بحنان :
– خلاص يا بسام هيحصل ايه أكتر من اللى حصل يلا ادخل نام وانا هدخل اطمن على بابا وادخل أنام اليوم استنزف طاقتى كلها
تركت شقيقها وولجت لغرفة والداها للإطمئنان عليه قبل ان تخلد لنومها ولكنها متيقنة أنها لن تستطيع جلب النوم لعينيها تلك الليلة التى بدأت بدموع وأنتهت بصخب يعتمل بداخلها من قبلة تركها ذلك الجواد على باطن يدها قبل إنصرافه
__________
بمنتصف الليل ....
زخرت أجواء الحفل المقام بمنزل إحدى صديقاتها بالصخب و بالعديد من مختلف أنواع المشروبات الكحولية التى أمتنعت ديما عن إحتساءها
فأقترب صديقتها تحمل بيدها كأساً تقربه منها قائلة:
– يابنتى خدى إشربى بقى متبقيش فصيلة بقى اومال متربية وكنتى عايشة فى أوروبا إزاى
أزاحت ديما الكأس من يد صديقتها فراقت محتواه على الأرضية فهدرت بها بصوت متأفف :
– قولتلك ١٠٠ مرة مبشربش خمرة أفهمى بقى أنا جاية هنا أستمتع بالحفلة من غير ما أشرب خمرة ولا مخدرات اللى عاملين توزعوها كأنها شيكولاتة
– طب خدى ده عصير إشربيه يا ديما
قالها ذلك الشاب المدعو نبيل وهو يمد يده لها بكوب العصير فتناولته منه مكرهه فهى تشعر بالظمأ وتريد شئ يرطب من جفاف حلقها
إبتسم نبيل عندما رأها تحتسى محتوى الكوب حتى أنهته بالكامل فهتف قائلا بمكر:
– بالهنا والشفا يا ديما
رفعت ديما شفتها العليا قائلة بتبرم واضح:
– شكراً عن إذنك
ما كادت تبتعد خطوة حتى شعرت بدوار برأسها وكادت تترنح بوقفتها فتلقاها نبيل بين ذراعيه ،فالرؤية أصبحت مشوشة لا تسبين شئ مما يحدث حولها فهى ترى العديد من الوجوه ولكنها غير قادرة على الكلام
أسندها نبيل حتى خرج من المنزل يقترب من سيارته فتح بابها يجلسها بالمقعد الأمامى المجاور لمقعده ولكن قبل أن ينطلق بالسيارة سمع صوت تلك الفتاة تناديه قائلة:
– إيه يا بلبل أنت واخدها كده من غير ما تدفع اللى عليك فين اللى أتفقنا عليه إيدك على الفلوس يا حبيبى دا انا فضلت أزن عليها لحد ما جبتها الحفلة وجبتهالك على طبق من دهب
فتح نبيل الدرج الصغير بالسيارة يخرج حفنة من النقود وضعها بيدها الممدودة من نافذة السيارة قائلاً:
– على أساس ان كنت هاكل عليكى الفلوس ثم بيتى مش بعيد عن هنا كنت هخلص اللى عايزه وارجعها على هنا تانى واديكى فلوسك
أخذت الفتاة النقود تقلبها بين يديها بإبتسامة واسعة وهى تقول:
– تمام كده يا بلبل إنچوى يا بيبى
أنطلق نبيل بالسيارة وهو من حين لأخر يرمق تلك الفتاة الغائبة عن الوعى بخبث تجمع بعينيه فمد يده يزيل شعرها المسدل على وجهها قائلاً :
– شكل ليلتنا النهاردة حلوة يا ديما دا أنتى إندفع فيكى مبلغ كبير أوى علشان بس أقدر أجيب
أخرج هاتفه من جيبه ووضعه على أذنه ،لحظات وجاءه الرد على الطرف الاخر فإبتهج نبيل وهو يقول:
– تمام يا باشا هى معايا دلوقتى وطالع بيها على بيتى وكل اللى أنت عايزه هيتنفذ بالحرف والفيديو هيكون عندك الصبح
تعالت صوت الضحكات من فم طلعت الزينى فتلك هى المرة الأولى التى يضحك بها منذ تلقيه خبر موت إبنه رامز فرد قائلاً :
– تمام كده وبكرة هتاخد بقية حسابك سلام
أغلق طلعت الهاتف ،فنظر إليه إحدى رجاله قائلاً:
– طب يا باشا ما كنا قتلنا اللى إسمه جواد النصراوى ده وخلصنا بدل ما نعمل ده كله وتخسر الفلوس دى كلها
نفث طلعت دخان سيجاره وترك مقعده الوثير يقترب من إحدى النوافذ الزجاجية ينظر لحديقة منزله المتسعة وهو يغمغم بحقد:
– أنا لو كنت عايز اقتله كنت قتلته من يوم إبنى ما مات بس أنا عايز أموته بالبطئ واحدة واحدة وهبدأ باللى تبقى بنت عمه و تحت رعايته ووصايته ولما الفيديو بتاعها ينزل على كل مواقع السوشيال ميديا هتبقى فضحته بجلاجل وسمعته فى الأرض وبعد كده هفكرله فى مصيبة تانية هخليه مش ملاحق على المصايب ولا البلاوى اللى هعملهاله لحد ما اخليه يكره نفسه ويكره حياته ومش بعيد بعد كده أقتله بس أشفى غليلى منه الأول
تلك هى الخطة المرسومة بحقد وخبث من طلعت ليستطيع القضاء على جواد ولكن وقعت تلك الحمقاء التى كانت تحيا بكنفه ورعايته فريسة أولى لذلك الحقد المنفوث بقلبه يسرى بعروقه كسم الافاعى
بإحدى المنازل التى يغلب عليها طابع الرفاهية والبذخ ،صف نبيل سيارته ،فترجل من السيارة يدور حولها وفتح الباب بجوار ديما فحملها بين ذراعيه يلج للداخل ،فاليوم حرص على إخلاء المنزل من جميع العاملين به لتنفيذ ذلك المخطط الذى وضعه طلعت الزينى ،وصل لغرفة النوم ،فوضع ديما على الفراش الواسع فتململت بنومها تغمغم قائلة:
– جواد
أفتر ثغره عن إبتسامة هازئة وهو يقول:
– جواد مين يا حلوة النهاردة فى نبيل وبس بس ثوانى أظبط الكاميرا علشان نعمل أحلى شو مع بعض يا ديما
وضع الكاميرا على كومود مواجهة للفراش وشرع فى التقرب من تلك النائمة والتى لا تعى ما يحدث حولها سوى أنها تشعر بأنفاس دافئة تضرب صفحة وجهها بدون هوادة
.......
يتبع...!!!!!!
٦– " لا يليق بعيناكِ الحزن"
تعالت أصوات الهمهمات والهمسات وكثر اللغط بين الحضور، من ذلك التصريح المدوى الذى ألقاه هذا الشاب ذو الوجه المكفهر بغضب شديد، رأت تالين وجوه متعجبة وأخرى شامتة وتعليقات ساخرة قرأتها على شفاه النسوة ،تركت مكانها فجذبت شقيقها من مرفقه قائلة بهمس خائف:
–بسام إيه اللى أنت بتقوله وبتعمله ده أنت مش خايف على بابا يا بسام
قبل أن تتجاوز الكلمات شفتيه ،سمعا صوت چواد الذى ترك يد أبيهم قبل أن يشرع المأذون بعقد القران ،فوقف بطوله الفارع الذى فاق قامتهم ،فتبسم ممازحاً :
– الله يسامحك يا بسام يعنى لازم تسيحلى وتقول إن أنا اللى فضلت ألح على باباك وأختك علشان يوافقوا عليا طب أعمل إيه لقلبى اللى من ساعة ما شاف أختك وهو مبطلش دق وهيتجنن عليا وعلى اللحظة اللى هتكون فيها مراتى
فغرت تالين فاها قبل الجميع مما سمعته منه ، فهى لم تضع بحسبانها أن يهب لنجدتها ، فربما هذا هو الحل الأفضل أن يضع على عاتقه أسباب تصريح بسام من أن شقيقته لم تكن توافق على تلك الزيجة
رفرفت بأهدابها عدة مرات قبل أن تعاود النظر إليه وسماعه يكمل حديثه مستطرداً:
– أيوة يا جماعة تالين مكنتش موافقة على الجواز دلوقتى وخصوصاً زى ما انتوا عارفين أنها كانت مخطوبة بس أنا اللى أصريت عليها توافق علشان نكتب الكتاب بالرغم من رفضها وكمان ألحيت على عمى جلال علشان يوافق أصل اللى يلاقى جوهرة زى تالين من الصعب عليه أنه يسيبها أو يضيعها من إيده يبقى غبى وأنا الصراحة الكل يشهدلى بالذكاء علشان كده إحنا بنتجوز النهاردة ولو مكنتش امتحاناتها فى الكلية بعد كام يوم كنت عملت الفرح بكرة
ختم حديثه بإبتسامة عريضة ، جاعلاً بعض النسوة يشعرن بالغيرة أكثر من ذى قبل من أنه يوجد من يستميت لزواجه من تلك الفتاة
شعر جلال بالفخر والاعتزاز من دفاع زوج إبنته المستقبلى عنها وعن أى قول يستطيع المساس بكرامتها فرفع كفه يشير إليه بالجلوس وهو يقول:
– أقعد يا إبنى يلا علشان نكتب الكتاب إحنا عمرنا ما هنلاقى أحسن منك لبنتنا زغرطى يا أم تالين
تعالت أصوات الزغاريد من فم زينب التى دمعت عيناها فرحة بعقد قران إبنتها ومن حسن إختيارها تلك المرة فهى لم تكن موافقة على خطبتها من مروان ولكن صمتت من أجل إبنتها ولكن ربما إستجاب الله لدعاءها بأن يعوض إبنتها بأفضل منه ، فهى ترى الآن والدة جواد وهى جالسة بجوار تالين التى عاد اللون الأحمر لوجهها بعد إمتقاعه بالدقائق الماضية ، تحاول جذب أطراف الحديث معها بإبتسامتها الأنيقة المعهودة وترى إبنتها تجبيها بإبتسامة لم تراها على وجهها من قبل وهى تتحدث مع والدة مروان تلك المرأة المدعوة عزيزة ،فطمئن قلبها تبتهل بداخلها من أن تسير الأمور بخير وأن لا تصاب إبنتها بسوء الطالع أو الحسد من أعين النسوة اللواتي إرتسمت معالم الغيرة والحقد بأعينهن
حاولت تالين الهرب بعينيها من مطالعة صديقتها المقربة "سمر" فهى تعلم مايدور بذهنها الآن وقد تحققت مخاوفها عندما وجدتها تميل نحوها تهمس بأذنها :
– تالين هى إيه الحكاية بالظبط أنا مش فاهمة حاجة وجاية النهاردة علشان أحضر كتب كتاب أعز صحباتى بس الظاهر كده أن فى حاجة مخبياها عليا
انكمشت قسمات وجه تالين بحزن طفيف قائلة:
– سمر صدقينى هقولك كل حاجة فى وقتها أنتى عارفة انك صحبتى وأقرب واحدة ليا ودلوقتى أقدر أقولك على كل حاجة بس لما نكون لوحدنا
أخذت سمر يد تالين بين راحتيها لا تعلم مايدور حولها ولكنها علمت شئ واحد من صوتها الحزين وهو أنها تواجه خطب عظيم جعلها تخفى الأمر عنها ،وتسبب فى حزنها فى ذلك اليوم المفترض بها أن تكون أسعد الناس بعقد قرانها
__________
أرتمت ديما على أقرب مقعد وجدته بطريقها بعد أن ولجت المنزل برفقة كريمة بعد إنتهاء عقد قران جواد وأنصرافهن بتشديد أوامره لها بعدم الخروج حتى يحين عودته للمنزل ،فأرسل والدته معها بعد إصرار ديما على الانصراف معللة ذلك بأن أذنيها لا تتحمل الصخب الذى ملأ الأجواء
زفرت ديما براحة تغمغم بإبتسامة:
–ااااه الحمد لله ان رجعت البيت دا كان فاضل شوية وودانى مكنتش هسمع بيها
حطت كريمة بيدها على كتفها فرفعت ديما رأسها إليها فتبسمت بوجهها قائلة:
– أدينا رجعنا البيت أهو أطلعى يلا أرتاحى يا ديما ونامى
علا رنين هاتف ديما بحقيبتها الصغيرة التى كانت تحملها معها أخرجته فأغلقته سريعاً حتى لا تلاحظ كريمة هوية المتصل فنهضت عن مقعدها قائلة بإبتسامة متوترة:
– تمام يا طنط هطلع أنام بقى تصبحى على خير
أرتقت ديما الدرج بخطوات سريعة حتى تصل لغرفتها فالهاتف عاد للرنين مرة أخرى وصلت لغرفتها فأدارت المقبض وولجت للداخل تغلق الباب تستند عليه فتحت الهاتف بإبتسامة قائلة:
_ أيوة يا بنتى فى ايه كل ده رن هتفضحينى كده
جاءها ضحكة صاخبة من الطرف الآخر وهى تقول:
– إيه يا بنتى فينك البارتى خلاص هيبدأ والنهاردة فى مفاجأت واو هتعجبك أوى هتيجى ولا سى جواد هيعمل عليكى حارس ومش هيخرجك أنا مستنياكى بالعربية قدام البيت
وصلت ديما لغرفة ثيابها ومازالت واضعة الهاتف على أذنها فردت قائلة:
– جواد النهاردة مش فاضى كان كتب كتابه وهو لسه عند العروسة هغير هدومى وجيالك على طول باى بقى
ألقت الهاتف من يدها تجيل ببصرها فى أكوام الثياب الموضوعة أمامها فوقع أختيارها على ثوب قصير باللون الأسود الفاحم بفتحة صدر كبيرة يصل لمنتصف ساقيها البيضاوين ،أرتدته تقف أمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة من زينتها تنظر لنفسها بإستحسان ولكن خبت إبتسامتها عندما تذكرت جواد فلو رأها وهى ترتدى هذا الثوب لن يتوانى عن دق عنقها ولكن عادت لتطمئن نفسها بأن جواد لن يكون لديه متسع من الوقت الليلة لمراقبتها أو محاسبتها
خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها ،تحمل حذاءها بيدها تنفست الصعداء عندما هبطت للطابق السفلى ووجدت الصالة خالية فربما كريمة صعدت لغرفتها هى الاخرى، تسللت بخفة حتى وصلت للحديقة ففكرت إن هى خرجت من الباب الأمامى سيراها الحارس ولكن تذكرت ذلك الباب الصغير بالباحة الخلفية للمنزل فوصلت إليه تخرج المفتاح الذى حرصت على أن يظل بحوزتها لتستطيع الفرار من المنزل للتسكع برفقة صديقاتها
رفعت ديما يدها تلوح بها لصديقتها التى تقدمت بسيارتها مسرعة تتخذ ديما مقعدها بجوارها ينطلقا بطريقهما فحدقت بها تلك الفتاة ذات الشعر الغجرى قائلة بإبتسامة ماكرة:
– أخيراً جيتى يا ديما بقالك كام يوم مختفية دى الشلة كلها بتسأل عليكى وخصوصاً نبيل وعملت حفلة مخصوص النهاردة فى الفيلا عندنا علشانك وكمان فرصة بابا وماما مسافرين يعنى هنسهر لحد الصبح
تذكرت ديما ذلك الشاب مفتول العضلات المعتد بوسامته حد الملل الذى قابلته بالنادى الأسبوع الماضى ،وحاول بشتى الطرق جذب إهتمامها فهتفت بإزدراء:
– بلا نبيل بلا بتاع يا دا واحد مغرور طول ماهو قاعد يورينا فى عضلاته و فرحان بيها أوى حاجة مللل يعنى أوف عليه بجد ثم أنا جاية أنبسط شوية مش عايزة خنقة ووجع دماغ
– طب نبيل ولا سى جواد بتاعك ده اللى ناقص يقولك متتنفسيش
قالتها صديقتها بتبرم واضح ،فما كان من ديما إلا أنها صاحت بها قائلة:
– متقارنيش بينهم عايزة تعرفى معنى الرجولة يبقى لازم تعرفى جواد وللعلم بقى انا بحب تحكمه فيا وتسلطه كمان مش علشان حاجة علشان انا عارفة ان بيعمل كل ده خوف عليا بس أنا اللى دماغى جزمة وبحب اعانده ومعرفش ليه بعمل كده جايز علشان معنديش اخوات او بابا الله يرحمه مات ومبقاش ليا سند غير جواد فبحبه يمارس سلطة الأب والاخ عليا مش عارفة
زفرت ديما بتشتت من تخبط أفكارها المقيدة بأوامر من جواد والمتحررة من جانبها هى ،فربما تلك النزعة الغربية التى أكتسبتها من إقامتها بأوروبا مازالت تاركة بصماتها عليها برغم إجتهاد جواد ووالدته فى تقويم سلوكها
__________
جلست والدته بجواره بسيارة الأجرة متأففة كعادتها فهى لم تطاوعه تلك المرة إلا بسبب خوفها من أن تصيبه أزمة نفسية من ترك تالين له ،فمنذ ذلك اليوم الذى فُضت خطبته وهو يجلس بغرفته لايرى أحد ولا يذهب لعمله ،فرق قلبها له تبدى إقتراحاً بأن تذهب معه لإصلاح الأمور بينهم ولتحاول ضبط نفسها من أجل ولدها
إلتفت مروان إليها يبتسم لها بإتساع وهو يقول:
–شكرا يا ماما أنك جيتى معايا
ربتت على يده بإبتسامة لا تتجاوز شفتيها قائلة:
–المهم أنت يا حبيبى تبقى مبسوط أنا محلتيش غيرك يا مروان وبخاف عليك بس برضه مش عيزاك تبينلهم أنك مدلوق أوى مش عايزينها تنفرد علينا بزيادة هى مفرودة لوحدها
– متقلقيش يا ماما تالين قلبها طيب والله بس أنتى اللى مش عارف ليه مش حباها ؟
قالها مروان بتساؤل رغبة منه فى معرفة سبب عدم تقبل والدته لزواجه من تالين
فصمتت عزيزة تهندم ثيابها قبل أن تترجل من السيارة بعد إعلان السائق وصولهم لوجهتهم فالصمت أفضل ،صعدا الدرج حتى وصلا للطابق الثالث الذى يقع به تلك الشقة التى تقطن بها تالين برفقة عائلتها
فقطب مروان حاجبيه من رؤية العديد من الأشخاص يخرجون من الشقة يرتدون ثياب براقة ومزركشة كأنهم بحفل زفاف ،رأى أيضًا بعض النساء تنظر له بشفقة ،شق الجمع يهرول للداخل ليرى ماذا يحدث ،فوجد تالين تجلس برفقة والدايها وشقيقها و رجل لم يراه هو من قبل
– تالين
هتف بها مروان بصوت جاهد على أن يخرج مسموعاً بعد تلك الظنون التى ملأت رأسه والتى يعلم هو أنه ربما ستكون حقيقة تلقيها على مسامعه الآن
رفعت تالين رأسها وهى تشعر بغرابة وجوده هنا الآن وبهذا التوقيت ،فهى قطعت كل أواصر العلاقة بينهم ولم تكن تعلم أنها ستراه ثانية وخاصة بعد إستهجانه لها على تركها له
تركت تالين مقعدها تستقيم بوقفتها تحدق به بخواء فهى كأنها لم تعد تملك تلك المشاعر التى يشعر بها الانسان بمختلف مواقفه فهى لا تملك سوى شعور الحزن فقط
فغمغمت قائلة :
– مروان أنت جاى ليه وفى إيه
خرج الرد من فم والدته التى تحدق بالجميع بسخرية قائلة:
– كان جاى فاكر أن ممكن ترجعيله بس بسم الله ماشاء الله مضيعتيش وقت يا تالين مافاتش عشر أيام إلا وشكلك أتخطبتى تانى هو أنتى بقى سيبتى أبنى علشان تتخطبى لى بسلامته
أشارت عزيزة بيدها لچواد الذى حاول قمع ذلك الغضب الذى طفى على وجهه ينتظر فقط كلمة أخرى وسيخرج من فمه كلمات كالسيل تغرق أذانهم ،ولكن أنتظر لسماع رد تلك الفتاة التى أصبحت تسمى زوجته الآن
عقدت تالين ساعديها أمام صدرها ترمقها ببرود فحدقت بجواد قبل أن تعاود النظر إليها ثانية قائلة :
–دا مش خطيبى ده جوزى يا طنط مش هتقوليلى مبروك
بُهتت عزيزة ومروان الذى أتسعت عيناه بذهول مما سمعه الآن وخرجت كلماته متلعثمة:
–ججوزك إزاى يعنى أنتى أتجوزتى يا تالين وبالسرعة دى يعنى ما صدقتى تخلصى منى علشان تتجوزيه دا أنت طلعتى مبتضيعيش وقت طب ايه لزمته وش البراءة والاخلاق اللى كنتى بترسميه عليا وعاملة فيها مؤدبة
ربتت عزيزة على كتف إبنها تلوى ثغرها بإبتسامة ساخرة وهى تقول:
–شوفت يا حبيبى مضيعتش وقتها ومش بعيد تكون كانت عرفاه وهى مخطوبالك وكانت مقرطساك واديتك سكة علشان تتجوزه
نظر جواد لمروان ووالدته بشر مستطير من عينيه فرفع سبابته بوجهه مهددا بغلظة:
– أنت وأمك مش عايز أسمع منكم كلمة بحق مراتى أو أهلها لأن ردى مش هيعحبكم أنتوا فاهمين ويلا مع السلامة
سحبت عزيزة يد مروان قائلة :
– يلا يا حبيبى نمشى الله اعلم لو كنت اتجوزتها كان ممكن تعمل فيك مش بعيد كانت خلت سيرتك على كل لسان
كلماتها كفتيل أشعل النيران بصدر زينب التى تركت مكانها بجوار إبنتها تستقيم بوقفتها فعلا صوتها بإستنكار من غلظة تلك المرأة التى تقذف إبنتها بتهم باطلة وشنيعة وذلك لتركها ابنها المدلل وزواجها من أخر فصاحت بها قائلة:
– أنتى بتقولى إيه أنتى على بنتى دا ضفرها برقبة مليون من عينة إبنك اللى مبيعملش حاجة غير أنه هقول لماما اصل ماما قالت معندوش رأى أو شخصية وقسما بالله لولا أن مش عايزة فضايح كنت عرفتك مقامك أنتى وإبنك ويلا من غير مطرود
بعد اخذ عزيزة حصتها كاملة من صياح وغضب زينب خرجت تجر مروان خلفها كالشاه الضالة
رآت تالين أبيها يضع يده موضع قلبه متأوهاً بصوت منخفض مما سمعه بحق إبنته ،فتلك الليلة كثرت الأقاويل بحقها فهل كان مخطئاً بإبداء موافقته بتلك السرعة التى إستهجنها العديد ، وجدت شقيقها ووالداتها يقتربون منه فسمعت صوت والداتها تهتف بخوف:
– جلال جلال مالك فى إيه تالين ألحقينى
فعلا صوت بسام بخوف عظيم هو الآخر:
– بابا ايه اللى حصل ماما لازم نوديه المستشفى أو نطلب الإسعاف
أقتربت تالين منه مسرعة تجلس بجواره تضع يدها على يده وهى تهتف بذعر:
–بابا مالك فى إيه رد عليا
إبتسم لها والدها إبتسامة واهنة ،فوجدت جواد يقترب منه هو الآخر بقلق خشية أن يصيبه مكروه يتمتم بإهتمام:
–عمى إنت كويس بسام أسنده معايا علشان نوديه المستشفى الاسعاف ممكن تاخد وقت على ما توصل
أسرع بسام بتنفيذ مطلبه بدون تفكير فأحاط جلال كتف بسام بذراعه اليمين وكتف جواد بذراعه الأيسر حتى وصلوا لتلك السيارة السوداء الفارهة المصفوفة أمام البناية،قاد جواد السيارة تجلس تالين بجانب أبيها وأمها
رآها بمرآة السيارة تذرف من الدموع ماجعل عينيها منتفخة بشكل ملحوظ فتلك العينان لا يليق بها الحزن ،ولكن ربما هو من بسط الطريق للدموع لتأخذ مجراها برماديتيها ،فماذا يفعل هو الآن ؟ فذلك الخافق بين اضلعه بشقه الأيسر هو ما يملى عليه ما يفعله تلك الأيام متخذاً شتى الطرق والوسائل فى الحصول على تلك العنيدة التى ما لبثت أن تجابهه بعنفوانها وكبرياءها منذ تلك المقابلة الأولى لهم وحتى اليوم حتى وإن أظهرت خضوعاً غير مألوفاً لها
__________
رأسها الموضوعة على صدر والداتها وعيناها التى مازالت تأبى أن تكف عن سكب الدموع على وجنتيها جعلت ذرات الحقد تسرى بخلايا جسدها كلما تسلل عطره لأنفها من زرعه رواق المشفى ذهاباً وإياباً بإنتظار خروج الطبيب من الغرفة التى تم وضع جلال بها من أجل فحصه الطبى ،دقائق وخرج الطبيب يتبعه إحدى الممرضات
فأقبل عليه الجميع بخوف فأشار جواد للجميع بالصمت ليتسنى له هو الحديث مع الطبيب قائلاً بجدية:
– هو عامل إيه دلوقتى يا دكتور
خلع الطبيب قناعه الطبى وهو يقول:
– هو الحمد لله كويس كانت حاجة بسيطة وكويس انكم جبتوه بسرعة ويقدر كمان يروح معاكم بس لازم له الراحة وأنه ميتنرفزش او يزعل والف سلامة عليه عن اذنكم
بعد مغادرة الطبيب ،ولجوا جميعاً للغرفة فتسابقت تالين وزينب فى الاقتراب من فراش المشفى الذى يستلقى عليه جلال ينظر لهم بإبتسامة خفيفة كعهده دائماً عندما يرى زوجته أو إبنته
صدح صوت جواد الرزين قائلا بإهتمام:
– ألف سلامة عليك يا عمى الدكتور طمنا وقال أن أنت كمان هتروح معانا الحمد لله عدت على خير
أومأ جلال برأسه إمتناناً له قائلا بصوت منخفض:
– تسلم يا إبنى معلش يوم كتب كتابكم ويحصل كده تعال يا بسام
أقترب بسام هو الآخر من فراش أبيه ودموعه تهدد بالسقوط فقبض على كف والده يرفعه يقبله قائلاً :
– حبيبى يا بابا
ربتت زينب على كتفه ففرت دموعها على وجنتها قائلة:
– ألف سلامة عليك يا جلال بعد الشر عليك كده تخضنا فى يوم حلو زى ده يا راجل
حاولت المزاح مثلما تفعل معه دائما ولكن عيناها أبت إلا أن تذرف المزيد حتى وجدت إبنتها تحتضن كتفها من الخلف وهى تقول:
– بس يا ماما متعيطيش هو بابا عايز بس يعرف غلاوته عندنا مع انه عارفها مش كده يا جلجل
شقت إبتسامة واسعة شفتى جلال من إصرار إبنته الدائم على أن تناديه بلفظ تحببى عندما تريد مشاكسته بأمر ما ،فتركت تالين والداتها لتقترب من أبيها تقبله على وجنته قبلة طويلة وضعت بها خوفها من فقدانه فهى لا تفعل ما تفعله تلك الأيام إلا حفاظاً عليه
فغمغمت قائلة بصوت حنون:
– بعد الشر عليك يا بابا أحنا ملناش غيرك بعد ربنا يا حبيبى
شد جلال على يد إبنته مطمئناً يهتف بصوت منخفض:
– تسلميلى يا حبيبتى بس دلوقتى بقالك سند تانى بقالك جوزك چواد
وكأن وقع الكلمة على أذنها كسقوط حجر من ربوة عالية أصاب رأسها ،فهى لم تتقبل كونه أصبح زوجها او أنها لاتريد التسليم بتلك الحقيقة التى شهد عليها الجميع اليوم من أنها أصبحت زوجته وحاملة إسمه حتى وإن كان ذلك لم يتم بشكل فعلى ولكن أصبحت وثيقة الزواج الشاهدة على ذلك
حاولت رسم إبتسامة واهنة على شفتيها قائلة بإمتعاض لم يستشعره أحد من صوتها سوى ذلك الواقف خلفها على بعد خطوات فقط :
– أه يا بابا هيبقى سند إن شاء الله
ربما وإن لم يكن بتلك الظروف التى تقتضيه الحفاظ على رابطة جأشه ربما لتعالت صوت ضحكته مستمتعاً بتأديبها فالأن لايوجد حاجز بينهم ولكنه سيعمل على ضبط أعصابه حتى يحين يوم الزفاف
بعد ساعة تقريباً كان جواد يقود سيارته بطريق العودة لمنزل عائلة تالين بعد تصريح الطبيب بخروج جلال وأنه أصبح أفضل مع التشديد على توفير سبل الراحة له
جلست تالين بالمقعد الأمامى بجوار جواد وجلس والدايها وشقيقها بالخلف ،فظلت تنظر من نافذة السيارة يختلس هو بعض النظرات إليها ليعود وينظر للطريق أمامه حتى وصلوا للمنزل وصعدوا جميعهم للشقة ولج جواد بأثر تالين التى كان تتقدمه ،فذهب والداها رأسها لغرفته تساعده زوجته وولده ،بينما تبقت تالين برفقة جواد بغرفة الصالون
فحدجته بنظرات نارية قائلة بخشونة:
– عجبك كده كل اللى حصل ده بسببك أنت كل المصايب دى بسببك ومن ساعة ما شوفتك ياريتنى ما شوفتك ولا عرفتك
قابل ثورتها عليه بهدوء وروية فهو يعلم أن تلك الليلة أنتهت نهاية غير مستحبة لجميع الأطراف إلا أنه هتف بها محذراً:
– تالين أحترمى نفسك ومتنسيش أنا دلوقتى بقيت جوزك فاهمة يعنى إيه يعنى لو قليتى أدبك عندى أستعداد اادبك أنا
أنتفضت من مقعدها تزجره بنظراتها المستاءة فرفعت يدها تشير بها أمام وجهه وهى تقول:
– تأدبى أنا ! أنا مؤدبة غصب عنك أنت فاهم
أطلقت صرخة متأوهة عندما شعرت بكف يده على وشك تحطيم عظام كفها الذى كانت تشير به فطحن أسنانه مغمغما :
– وإيدك مترفعهاش فى وشى كده تانى إنتى فاهمة يا تالين سبحان من صبرنى عليكى لحد دلوقتى وعلى لسانك الطويل وتصرفاتك بس ده كله كان قبل ما تبقى مراتى لكن دلوقتى فى حاجة مهمة لازم تعرفيها وهى أن محبش الست بتاعتى تقل أدبها عليها أو تفكر مجرد تفكير أنها تناطحنى فى الكلام مفهوم يا تالين
كالنيران التى أشتعلت بالهشيم كان حال عينيها التى ملأتها النظرات الكارهة والمقت المميت ولكن فجأة قطبت حاجبيها بغرابة عندما شعرت به يرخى يده عن كفها بل مرر إبهامه على باطن يدها جعلها تزدرى لعابها مرة تلو الأخرى وسرت القشعريرة لسائر خلاياها فغمغمت بإضطراب:
– أاانت بتعمل إيه سيب إيدى
لم يكتفى بذلك بل رفع يدها أمام وجهه يتأمل أناملها النحيلة ورقة بشرتها فبسط كفها المضموم بأصابعه طابعاً قبلة على باطن يدها متلهفاً:
– أنتى عنيدة أوى يا تالين ودماغك ناشفة أنا يا تالين ...
لم يكمل ما يريد قوله فسمع صوت خطوات تقترب من غرفة الصالون فلمح والداتها قادمة بإتجاههم فترك يدها على مضض وإرتد خطوتين للخلف مبتعدا عنها ولكنه تبسم لوالدة زوجته التى ولجت باسمة فهتف قائلاً:
– طنط أنا لازم أمشى دلوقتى والف سلامة على عمى
ردت زينب إبتسامته قائلة بحنان:
– بس أنت ما أكلتش حاجة أستنى هحضر العشا وناكل مع بعض أنا كنت عملالك عشا هتاكل صوابعك وراه بس اللى حصل يلا الحمد لله على كل حال
فأعتذر جواد قائلاً:
– معلش لازم أمشى علشان أمى وديما لوحدهم فى البيت سلام عليكم سلام يا تالين
لم يكن منها سوى أنها أومأت برأسها بدون أن تعى ما تفعل ولكنها لم تتفوه بكلمة حتى رآته يخرج من باب الشقة تغلقه والداتها خلفه ،فمازالت متيبسة بمكانها كأنها من العسير عليها تحريك قدميها ولكن أنتبهت على والداتها فتحركت إلى غرفة والدها ولكن أثناء مرورها بالصالة وجدت بسام يجلس يحمل بيده جريدة تناولها من المكان الذى يضعها به أبيهم دائماً
مدت تالين يدها تسحب الجريدة من يده بغضب وهى تقول:
– بطل بقى يا بسام تقرأ الجرايد دى، سبب المصايب اللى إحنا فيها كان خبر فى الجرنال وانا عارفة انك مبتحبش القراية اصلا إيه حكايتك كل شوية تجيب الجرايد بتاعة بابا وتقراها
رفعت بسام رأسه لها واستند بها على طرف مقعده متنهداً:
– بقى عندى وساوس يا تالين ان كل ما افتح الجرنال هتفاجئ بحاجة واليوم اللى قريت فيه خبر رامز كنت معدى بالصدفة وشوفت الجرنال فى إيد بابا ودمى من ساعتها وهو هربان أنا شكلى أتجننت
ربتت تالين على كتفه قائلة بحنان :
– خلاص يا بسام هيحصل ايه أكتر من اللى حصل يلا ادخل نام وانا هدخل اطمن على بابا وادخل أنام اليوم استنزف طاقتى كلها
تركت شقيقها وولجت لغرفة والداها للإطمئنان عليه قبل ان تخلد لنومها ولكنها متيقنة أنها لن تستطيع جلب النوم لعينيها تلك الليلة التى بدأت بدموع وأنتهت بصخب يعتمل بداخلها من قبلة تركها ذلك الجواد على باطن يدها قبل إنصرافه
__________
بمنتصف الليل ....
زخرت أجواء الحفل المقام بمنزل إحدى صديقاتها بالصخب و بالعديد من مختلف أنواع المشروبات الكحولية التى أمتنعت ديما عن إحتساءها
فأقترب صديقتها تحمل بيدها كأساً تقربه منها قائلة:
– يابنتى خدى إشربى بقى متبقيش فصيلة بقى اومال متربية وكنتى عايشة فى أوروبا إزاى
أزاحت ديما الكأس من يد صديقتها فراقت محتواه على الأرضية فهدرت بها بصوت متأفف :
– قولتلك ١٠٠ مرة مبشربش خمرة أفهمى بقى أنا جاية هنا أستمتع بالحفلة من غير ما أشرب خمرة ولا مخدرات اللى عاملين توزعوها كأنها شيكولاتة
– طب خدى ده عصير إشربيه يا ديما
قالها ذلك الشاب المدعو نبيل وهو يمد يده لها بكوب العصير فتناولته منه مكرهه فهى تشعر بالظمأ وتريد شئ يرطب من جفاف حلقها
إبتسم نبيل عندما رأها تحتسى محتوى الكوب حتى أنهته بالكامل فهتف قائلا بمكر:
– بالهنا والشفا يا ديما
رفعت ديما شفتها العليا قائلة بتبرم واضح:
– شكراً عن إذنك
ما كادت تبتعد خطوة حتى شعرت بدوار برأسها وكادت تترنح بوقفتها فتلقاها نبيل بين ذراعيه ،فالرؤية أصبحت مشوشة لا تسبين شئ مما يحدث حولها فهى ترى العديد من الوجوه ولكنها غير قادرة على الكلام
أسندها نبيل حتى خرج من المنزل يقترب من سيارته فتح بابها يجلسها بالمقعد الأمامى المجاور لمقعده ولكن قبل أن ينطلق بالسيارة سمع صوت تلك الفتاة تناديه قائلة:
– إيه يا بلبل أنت واخدها كده من غير ما تدفع اللى عليك فين اللى أتفقنا عليه إيدك على الفلوس يا حبيبى دا انا فضلت أزن عليها لحد ما جبتها الحفلة وجبتهالك على طبق من دهب
فتح نبيل الدرج الصغير بالسيارة يخرج حفنة من النقود وضعها بيدها الممدودة من نافذة السيارة قائلاً:
– على أساس ان كنت هاكل عليكى الفلوس ثم بيتى مش بعيد عن هنا كنت هخلص اللى عايزه وارجعها على هنا تانى واديكى فلوسك
أخذت الفتاة النقود تقلبها بين يديها بإبتسامة واسعة وهى تقول:
– تمام كده يا بلبل إنچوى يا بيبى
أنطلق نبيل بالسيارة وهو من حين لأخر يرمق تلك الفتاة الغائبة عن الوعى بخبث تجمع بعينيه فمد يده يزيل شعرها المسدل على وجهها قائلاً :
– شكل ليلتنا النهاردة حلوة يا ديما دا أنتى إندفع فيكى مبلغ كبير أوى علشان بس أقدر أجيب
أخرج هاتفه من جيبه ووضعه على أذنه ،لحظات وجاءه الرد على الطرف الاخر فإبتهج نبيل وهو يقول:
– تمام يا باشا هى معايا دلوقتى وطالع بيها على بيتى وكل اللى أنت عايزه هيتنفذ بالحرف والفيديو هيكون عندك الصبح
تعالت صوت الضحكات من فم طلعت الزينى فتلك هى المرة الأولى التى يضحك بها منذ تلقيه خبر موت إبنه رامز فرد قائلاً :
– تمام كده وبكرة هتاخد بقية حسابك سلام
أغلق طلعت الهاتف ،فنظر إليه إحدى رجاله قائلاً:
– طب يا باشا ما كنا قتلنا اللى إسمه جواد النصراوى ده وخلصنا بدل ما نعمل ده كله وتخسر الفلوس دى كلها
نفث طلعت دخان سيجاره وترك مقعده الوثير يقترب من إحدى النوافذ الزجاجية ينظر لحديقة منزله المتسعة وهو يغمغم بحقد:
– أنا لو كنت عايز اقتله كنت قتلته من يوم إبنى ما مات بس أنا عايز أموته بالبطئ واحدة واحدة وهبدأ باللى تبقى بنت عمه و تحت رعايته ووصايته ولما الفيديو بتاعها ينزل على كل مواقع السوشيال ميديا هتبقى فضحته بجلاجل وسمعته فى الأرض وبعد كده هفكرله فى مصيبة تانية هخليه مش ملاحق على المصايب ولا البلاوى اللى هعملهاله لحد ما اخليه يكره نفسه ويكره حياته ومش بعيد بعد كده أقتله بس أشفى غليلى منه الأول
تلك هى الخطة المرسومة بحقد وخبث من طلعت ليستطيع القضاء على جواد ولكن وقعت تلك الحمقاء التى كانت تحيا بكنفه ورعايته فريسة أولى لذلك الحقد المنفوث بقلبه يسرى بعروقه كسم الافاعى
بإحدى المنازل التى يغلب عليها طابع الرفاهية والبذخ ،صف نبيل سيارته ،فترجل من السيارة يدور حولها وفتح الباب بجوار ديما فحملها بين ذراعيه يلج للداخل ،فاليوم حرص على إخلاء المنزل من جميع العاملين به لتنفيذ ذلك المخطط الذى وضعه طلعت الزينى ،وصل لغرفة النوم ،فوضع ديما على الفراش الواسع فتململت بنومها تغمغم قائلة:
– جواد
أفتر ثغره عن إبتسامة هازئة وهو يقول:
– جواد مين يا حلوة النهاردة فى نبيل وبس بس ثوانى أظبط الكاميرا علشان نعمل أحلى شو مع بعض يا ديما
وضع الكاميرا على كومود مواجهة للفراش وشرع فى التقرب من تلك النائمة والتى لا تعى ما يحدث حولها سوى أنها تشعر بأنفاس دافئة تضرب صفحة وجهها بدون هوادة
.......
يتبع...!!!!!!
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت السادس ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت السابع أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .