نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت العاشر من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل العاشر
* أصبحت أسيرته *
١٠– " ما بين خفقات و أنين "
ما عساه أن يفعل هو الآن؟ فهو ينتظر أن تجيبه على ما سألها إياه للمرة الرابعة ،وهى مازالت تتخذ من صمتها جدار بينهما ، فإرتجاف شفتيها أنبأه صراحة عما تخفيه ،فمارس أقصى درجات ضبط النفس ، لكى لا يثور بوجهها
فأعاد سؤاله بهدوء جازاً على أنيابه قائلاً:
– بقولك كنتى هتعملى إيه بالحبوب دى يا تالين ،جايبة حبوب مهدئة ليه ،بتفكرى فى إيه بالظبط قولى وازاى تجيبى حاجة زى دى ومنين أنطقى
لم تجد مفر سوى أن تتسلح بعنفوانها وشجاعتها التى أفتقرت إليها بتلك اللحظة فرفعت رأسها تناظره بتحدى:
– دى حبوب مهدئة بس مفعولها قوى سمر جابتهالى من صيدلية أخوها جبتها علشان أخذها علشان لو حصل بنا حاجة أتقبلها أرتاحت يا جواد وعرفت
شوفت وصلتنى بتفكيرى لإيه ان أضر نفسى وأنا بكامل وعيى وده كله بسببك ، فرضت علينا جوازنا وكمان عايزنى اخلفلك طفل اللى انا مش عارفة أصلا اذا كان ربنا رايدلى أخلف ولا لاء ، عايزنى اكون طبيعية معاك ازاى ونعيش حياتنا مع بعض وانا أساساً معرفكش ولا اعرف حاجة عنك غير ان إسمك جواد النصراوى ، بقيت حاسة زى ما اكون داخلة النار برجليا علشان أحافظ على أهلى ، بقيت عايز تؤمر وأنا اقول حاضر من غير ما أعترض بس إزاى وانا اللى فى حياتى كلها عمرى ما اتفرض عليا حاجة حتى خطوبتى الاولانية وافقت عليا بإرادتى برغم من ان اهلى كانوا رافضين طول عمرى كلمتى من دماغى ومحدش له سلطان عليا غير بابا بس
جاى دلوقتى تقولى اعملى كذا وكذا واقولك حاضر ، ان بين يوم وليلة يبقى ليك الحق فى كل حاجة فيا ان انت اللى هتستحل كل حاجة فيا وانا مقدرش اتكلم اى منطق ده اللى يقول ان لازم ابقى مبسوطة ومرتاحة معاك فى ليلة زى دى او فى حياتنا كلها
أنا بكرهك بكرهك فاهم يعنى ايه ، مستحيل أحب حد عايزنى أكون جارية له يخلف منها وخلاص، من غير ما نكون حابين حياتنا مع بعض او على الاقل فى ارتياح ما بينا ، ده شغل حيوانات مش بنى أدمين
أصابت كبرياءه بمقتل ، هل هى تمقت قربه منها لهذا الحد الذى إهتدى به تفكيرها لتناول أقراص مهدئة وتأذى نفسها بكثرة تناولها منها ، فما تلك السخافة والحماقة من جانبها
إلتوى ثغره بسخرية مريرة :
– وأنا يا تالين مش حابب مراتى تبقى معايا جثة بتتنفس ومكنش ليه داعى تعملى كده كان ممكن تقوليلى أنا مش عيزاك تقرب منى وانا مكنتش هغصبك عليا، مش انا الراجل اللى ببقى مبسوط بقهر مراتى او ان أكون فارض نفسى عليها فى الحاجة الوحيدة اللى مينفعش تكون بالغصب لا من ست ولا من راجل ، وان كان على كرهك ليا انتى برضه اللى مش مديانى فرصة نتعامل فيها مع بعض زى اى اتنين دايما لسانك سابقك وتصريحك بكرهك ليا فى الوقت اللى انتى مفكرة فيه إن فارض جوازى عليكى بالغصب مفكرتيش انا عملت ليه كده ؟ مش علشان تخلفيلى ولد ولا حاجة لاء علشان أنا بح
ولكنه أمتنع عن التصريح بها ، فما نفعها تلك الكلمة الآن ، فهى أوضحت له مشاعرها منذ البداية ، فلن يجنى من قول تلك الكلمة سوى مزيد من الجراح ، وربما سيظهر فخرها بإيقاعه فى شباكها ، وتزيد من عنادها وتمردها
ألقى قنينة الدواء من يده بغضب ، تاركاً إياها فخرج من الغرفة الملحقة ووصل للغرفة الكبيرة، انتعل حذاء وجده بطريقه ، و أخذ مفاتيح سيارته التى ألقاها على الكومود ،وخرج من الغرفة وهو بثيابه المكونة من سروال أسود قطنى وكنزة بيضاء مطبوع عليها شعار إحدى ماركات الثياب الشهيرة صافعاً الباب خلفه
تهاوى جسدها ببطئ وأحتك ظهرها بالجدار حتى جلست القرفصاء ، فوضعت وجهها بين يديها وتعالت صوت شهقاتها بفعل دموعها التى كسرت حاجز محجر عينيها ، ولا تعلم علام تبكى هى الآن ؟
__________
صف سيارته بمكان خلا من وجود الناس بتلك العاصفة المطيرة ، نظر بمرآة السيارة ،فوضع يده على رأسه المبلل بفعل المطر وقت خروجه من الفندق ،فأستند به على طرف المقعد يحدق بسقف السيارة ، يفكر فيما فعله ، هل وصل به الحال للركض خلف فتاة ترى به شر العالم أجمع ، رغب الود والوصال من فتاة لا تمقت إنساناً أكثر منه ، فبما أثمر إصراره عليها دون سواها ؟ لم يأتى سعيه خلفها سوى بثمار الكراهية ، التى ما فتأت تطعمه إياها بحديثها وعيناها
تلك العينان التى أرقت مضجعه منذ رأها بذلك اليوم ، عندما فتح باب غرفة مكتبه ليلتقى بها فى المرة الأولى ، إستجداء رماديتيها له ليصفح عن شقيقها ، شفتيها التى لم تتوانى عن صفعه بكلماتها ، وجهها المضئ ووجنتيها ، كل أنش بوجهها يصك قلبه بشعار الخضوع
أخذته ذكرياته لتلك الليلة وهى ليلة زفافه الأولى ، عندما أقترن بزوجته الراحلة " شمس " ولم يكن أخطأ والدايها بتسميتها بهذا الإسم ،فكانت كشمس مضيئة تنير منزله ، تذكر كيف كانت بين يديه راغبة مطيعة مانحة للعطف ، لاترى رجل غيره يستحق أن تمنحه جنات الحب خاصتها ، تذكر همساتها الرقيقة بتلك الكلمات التى ما أن يقع بصرها عليه حتى تلفظها بإشتياق المحبين " بحبك يا جواد "
فماذا فعل بنفسه الآن ؟ هل ترك كبرياءه كرجل معتد به حريصاً على عدم خضوعه لأنثى بإمكانها أن تجعله كخاتم بإصبعها ، فحتى زوجته الأولى ، كان مانحاً لها العطف والاحترام ،بدون التفريط بذلك الذى يكتنفه بين ضلوعه ، لم تجرؤ أى أنثى المساس به سوى تلك التى تركها الليلة راغباً فى صفع ذاته الاف المرات على وقوعه بحبائلها التى اتضح انها بالية ، لا تصمد لحمل شوقه كإبن أدم لشقه الآخر من بنات حواء
– أنا اللى عملت كده فى نفسى من الأول أنا اللى غبى بس مش دى اللى هتهز كرامتى وكبريائى وإن كان على قلبى فأنا هدوس عليه برجليها ولا أنها تعمل فيا كده أنا جواد النصرواى وهفضل جواد النصراوى اللى ستات أشكال والوان بس اتمنت منه نظرة رضا
شحن عقله وقلبه بعبارات الاعتزاز بالنفس ،وعدم الخضوع ،فإن خذله قلبه بخضوعه لمن لا تريده ،فسيحرص على أن يجعله مستقبلا ً منصاعاً لعقله وأوامره هو فقط
شعر بالجو الخانق بالسيارة ، فترجل منها دون مراعاة لسوء الأحوال الجوية ، وذلك الطقس الممطر ، فالسماء ترعد والبرق ينير السحب وأصواتهما تكاد تصم الأذان
تساقط المطر عليه فبلله بالكامل ،وإلتصقت به ثيابه ، وظل الماء يقطر من رأسه ووجه وكامل أطرافه ، رفع رأسه وفرد ذراعيه ، كمن يريد أن يتغلغل ماء المطر بداخله لعله يمحى ركام الحزن بداخله
توقف المطر فجأة ،كمن يأذن له بالرحيل، فيكفيه تلك الدقائق التى نعم بها ، جسده مبتل بالكامل فلم يهتم فعاد للسيارة يقودها ليعود للفندق ثانية
تعجب الحارسان بالفندق من هيئته وهو يعود ، ولكن نظراً لمعرفتهما بهويته ومن يكون اكتفيا بالنظر كل منهما للأخر بصمت ويتسائلا بقرارة نفسيهما ، ماذا يفعل شخص مثله بالخارج ومن المفترض الليلة ليلة عُرسه ؟
علم من النظر إليهما ،تلك الاقاويل التى يحيكها كل منهما بداخله ، ولكنه لم يعر الأمر إلتفاتاً ، وصل للغرفة فقرع الباب فهو لا يملك مفتاحاً ، دقيقة واحدة ووجد تالين تفتح الباب
تأملته ملياً وتعجبت من حالته المزرية ، إلا ان بأقترابه تنحت جانباً ،لتسمح له بالمرور دون أن يتماسا ثانية
ولجت خلفه قائلة بقلق:
– إنت إيه اللى عملته فى نفسك ده يا جواد
– ملكيش دعوة فاهمة ومش عايز أسمع صوتك نهائى مفهوم
صاح بها ببرود و هو ذاهبا للمرحاض ، فلم تتعجب مما يفعله ، فعادت وجلست على طرف الفراش
وقف تحت المياه الدافئة التى تساقطت عليه ،فقضى وقتاً لا بأس به ، و بعد إنتهاءه إرتدى رداء الإستحمام الأبيض وخرج يجفف رأسه بالمنشفة الصغيرة التى يحملها بيده ، بعد إنتهاءه ألقى المنشفة من يده ، وذهب لجلب ثياب نظيفة ، فهو بحاجة للنعاس ، بعد خمس دقائق عاد للغرفة الأخرى ،بدون أن يلفظ بكلمة ، تمدد على السرير ، يغلق عيناه عن رؤيتها
تأملته بعد أن سمعت صوت إنتظام أنفاسه ، فأتخذت مكانها بأقصى طرف بالفراش ، ووضعت الوسادة بالمنتصف تحول بين إقترابها منه بأثناء نومها ، تململت بنومتها لا تشعر بالراحة بتلك المساحة الصغيرة التى خصصتها لنفسها بعد أن شغل هو بجسده الجزء الأكبر من الفراش
شعر بحركتها المستمرة فهتف بها وهو مغلق العينين:
– ياريت بقى تنامى وتبطلى حركة شوية متخافيش مش هقربلك يا تالين حتى لو كنتى نايمة فى حضنى علشان أنا مبحبش الأمور دى بالذات بالغصب والصراحة كمان مليش مزاج ليكى، حتى لو أنتى اللى طلبتى قربى منك مش عايز فنامى وأطمنى
عوضاً عن شعورها بالراحة ، شعرت كأنه طعن كبرياءها كأنثى وخاصة وهو يعلنها صراحة أنه لا يريدها حتى وإن كانت بين يديه طالما لا يشعر برغبته بقربها ،وإن خطبت هى وده
___________
فى الصباح...
دقت كريمة باب غرفة ديما ، ليأتيها صوت ديما الرقيق ، فهى تعلم أنها لا تستيقظ مبكراً من نومها ، ولكنها سمعت صوتها كأنها لم تنم البارحة
فتحت كريمة الباب وولجت قائلة بوجه صبوح:
– صباح الخير يا ديما أنتى منمتيش من إمبارح ولا إيه
طوقت ديما ساقيها بذراعيها وإستندت عليهما بذقنها قائلة :
– نمت بس صحيت من شوية ومعرفتش أنام تانى أنا مبقتش أعرف أنام يا طنط كريمة
دفنت وجهها بين ركبتيها ،وأجهشت بالبكاء الذى وصل لمسامع كريمة ، فأقتربت منها وجلست بجوارها على الفراش
جذبتها كريمة لأحضانها تربت عليها قائلة بحنان:
– إهدى يا ديما وحاولى تنسى اللى حصل
رفعت ديما وجهها المبلل بدموعها وهى تقول:
– أنسى إزاى يا طنط كريمة وجواد مش راضى يكلمنى وزعلان منى ولولا أن مليش غيركم أنا كنت مشيت من البيت أهون من انه هو بالذات يزعل منى
تبسمت كريمة بوجهها قائلة:
– أنتى مش عارفة غلاوتك عندنا يا ديما وخصوصاً جواد دا انتى تربية إيده لولا الكام سنة اللى عيشتيهم فى اوروبا ورجعتى واحدة تانية انتى مكنتيش كده دا انتى كنتى زى ضله ، وهو مكنش بيحب حد يزعلك وكان بيضرب اى حد علشانك ، ولما كبرتى بقيتى تجننيه بتصرفاتك
تبسمت ديما رغماً عنها فزفرت بإجهاد وهى تقول:
– عارفة ان تعبته معايا وانا مفيش فى حياتى اغلى منه دا هو ابويا واخويا وصاحبى وابن عمى واللى باقى ليا فى الدنيا ، محبتش قد خوفه عليا ، وحمايته ليا ، حتى لما بيغضب منى ، بحب غضبه لأن ببقى عارفة انه على حق بس مش عارفة انا ايه اللى جرالى بقيت حاسة ان مقسومة نصين ، واحدة عايزة تسمع كلامه والتانية تعانده انا شكلى اتجننت
تفهمت كريمة كون ديما ربما تعانى من حالات مزاجية متقلبة ، ففتاة مثلها بريعان شبابها ، تواجه مخاطر عدة من ربما تقابل رفيقات سوء ، يكن عامل من عوامل هدم حياتها
ضمتها كريمة إليها ثانية وهى تقول:
– اسمعى كلام جواد وابعدى عن صحباتك دول اللى مجاش ليكى من وراهم إلا الاذى وخليكى واثقة ان محدش هيخاف عليكى قدنا المهم دلوقتى انا هروح علشان اشوف جواد وتالين قبل ما يسافروا بالليل تحبيى تيجى معايا تسلمى عليه هو وعروسته
قفزت ديما من الفراش قائلة بحماس:
– أه يا طنط هاجى معاكى علشان اسلم عليهم يمكن جواد يسامحنى
نهضت كريمة من مكانها قائلة:
– خلاص جهزى نفسك وحصلينى على تحت ومتتأخريش
سارعت ديما فى الذهاب لحجرة ثيابها ، أنتقت ثياب محتشمة ، فهى لا تريد إثارة غضب جواد أكثر من ذلك ، فهى ترجو مسامحته لها على ما أقترفته وكان سيودى بها لحافة الهاوية لولا إنقاذه هو لها
صدح رنين هاتفها بالغرفة فأقتربت منه لمعرفة هوية المتصل فوجدت رقم تلك الفتاة التى أدعت صداقتها وأخذتها لمنزلها وحدث ما حدث
زفرت ديما بغضب قائلة:
– وكمان ليها عين تتصل بيا الجبانة
لم يكف الهاتف عن الرنين ،فأضطرت ديما للاجابة علها تفرغ بها ما بداخلها من غضب ، فتحت الهاتف فعلا صوتها وهى تقول:
– وليكى عين تكلمينى تانى يا نايا أنا عرفت ان قولتى ان انا روحت مع نبيل بمزاجى أنتى تعملى فيا أنا كده وانا كنت بعتبرك صاحبتى
أنتظرت نايا حتى فرغت ديما من حديثها فأجابتها قائلة:
– وأنتى متعرفيش أن نبيل أختفى يا ديما ومش لاقينه وأكيد ابن عمك اللى عمل كده وخصوصا ان انا يوم ما هو راح بيت نبيل وضربه انا صورته وهو بيعتدى عليه بالضرب فلو مثلا روحت النيابة وقدمت الفيديو إبن عمك هيتهم بإختفاءه وكمان هيتحبس فإيه رأيك
بُهتت ديما مما سمعته من تلك الفتاة فألجمت الصدمة لسانها فسمعت تلك الفتاة معقبة:
– فإيه رأيك يا ديما تدفعى نص مليون جنيه وتاخدى الفيديو
أتسع بؤبؤ عينيها وهى تستمع لتلك الفتاة الانتهازية فردت قائلة:
– أنتى بتقولى إيه أنتى بتساومينى وبتبتزينى كمان
ضحكت الفتاة بسخرية وهى تجيبها:
– سميها زى ما تسميه يا ديما وانا عارفة ان فرح ابن عمك كان امبارح فايه رايك يقضى شهر عسله فى سجن طره سمعتى عنه ،فخليكى متعاونة حفاظاً على ابن عمك اللى طالعة بيه السما ولو خايفة عليه ولو حبيتى تتذاكى وتقولى لابن عمك على اتفاقنا وحصلى حاجة انا فى ناس تانية عارفة الحكاية وموصياهم لو جرالى حاجة تانى يوم هتتحبسى انتى وابن عمك فخلى الموضوع بينا من غير حد تالت علشان متتأذيش انتى واللى حواليكى وانا هرجع اكلمك تانى
رنين إتمام المكالمة جعل ديما تتهاوى على أقرب مقعد وجدته ،وحديث وتهديد تلك الفتاة يرن بأذنيها ، فهى تخشى أن يصيب جواد مكروه فكل هذا نتج عن معاندتها له وعدم الإستماع لتحذيراته لها وتنبيه المستمر بضرورة الابتعاد عن رفيقات السوء خاصتها
____________
فى الفندق...
استيقظت تالين من نومها على صوت حركة بالغرفة ، فهى لم تغفو الا قبيل الفجر بعد نوبة من البكاء الصامت ، ودموعها التى جاهدة على وأدها بوسادتها قبل علمه بها ، حريصة على ألا يسمعها زوجها ، سمعت صوت خطواته بالغرفة، فرأته ينتهى من إرتداء ثيابه
جلست بالفراش قائلة بصوت هامس:
– صباح الخير أنت بتلبس ورايح على فين كده
نظر جواد لانعكاس صورتها أمامه بالمرآة قائلاً بصوت فاتر:
– صباح النور رايح فى داهية عايزة حاجة
زوت ما بين حاجبيها من هجومه عليها بالصباح فردت قائلة:
– طب حضرتك رايح فى داهية وسايبى هنا اعمل ايه ثم فى حد يخرج يوم صباحيته وهو عريس
إستدار إليها جواد يبتسم بجانب ثغره ساخراً:
– عريس ! وهو فين الجواز اللى اتجوزته ده الكلام ده تقوليه لو كنت اتجوزت فعلا وامبارح كانت دخلتنا مش ..ولا بلاش
تعمد إحراجها فلم يخفق فى فعل ذلك ، فوجهها أصبح يلتهب بلهيب الخجل الذى حاولت أن تخفيه خلف قناع الغضب:
– أنت على فكرة ردودك مستفزة جدا ولو حد من اهلنا جه هقولهم ايه
أقترب منها بهدوء خطر حتى وقف بجانب الفراش ،فانحنى فجأة إليها جعلها تلتصق بالوسائد خلفها ، ظل يحدق بها بضع لحظات وهو يرى ذعرها ،فاراد لها المزيد فأقترب أكثر حتى باتت ترى حركة بؤبؤ عينيه بوضوح
همس لها قائلاً بتحذير:
– أخر مرة هقولهالك يا تالين حسك عينك تردى عليا بكلام ميعجبنيش او تفكرى مجرد تفكير بس ان ممكن تطولى لسانك وانا اسكتلك ،يبقى لسه معرفتنيش ،اصحى لنفسك وشوفى بتكلمى مين ها انا جواد النصراوى يا تالين
همسه المخيف جعلها تومأ برأسها إيجاباً على كل ما يخبرها به ، ولكنها لم تتخذ القبول مسلكاً إلا مناشدة من عقلها بأن يبتعد ، فحرارة أنفاسه ، وحركة شفتيه أعادت لها تلك الذكرى القصيرة التى حدثت بالأمس ،فهى لا ترغب في سقوطها بغياهب سحره ،كزوج اذاقها كيف يكون بداية الوصال بين الزوجين وتخشى ان تصل معه لنهاية الطريق وتصبح مفتونة به
أزدرت لعابها قائلة :
– خلاص فهمت وإبعد بقى عنى
أستقام بوقفته قائلا بعدم إكتراث :
– ما قولتلك يا تالين أنا مليش مزاج ليكى والصراحة مش عارف ايه اللى خلانى أعرض عليكى الجواز وانا بإمكانى أجيب اللى احلى منك وتتمنالى الرضا الظاهر كده كنت مش فى وعيى لما طلبت اتجوزك زى اللى بيعمل حاجة ويرجع يندم بس بعد الوقت ما يكون فات
إستمعت لحديثه للنهاية ، كلماته كالسياط جلدت كرامتها ، كمن تجرع كأس المُر ، فأراد أن يذيقها القليل ، فلم يخفق فى فعل ذلك ، فربما أصبح أكثر تصميماً على أن يكيل لها الصاع صاعين
رفعت رأسها بأنفة قائلة:
– بإمكانك تصلح غلطتك ويكون أفضل للكل
رفع يديه يغلق زر قميصه حول معصمه فرد نظرتها قائلاً:
– هيحصل يا تالين بس علشان ميبقاش شكلك وحش قدام اهلك هيبقى موقفك ايه قدام جيرانك لما ترجعى مطلقة تانى يوم فرحك هيألفوا عليكى حكايات وروايات من سيبانك لخطيبك لجوازك منى لطلاقك يوم صباحيتك ،مظنش ان فى راجل هيفكر يتجوزك بعد اللى هيحصل ده كله
فعلشان خاطر باباكى ومامتك هنعيش مع بعض شوية وان كان على إتفاقى معاكى بخصوص ان تخلفيلى ولد فأعتبريه ملغى لان خلاص مش حابب يكون عندى طفل منك انتى بالذات وكل ما أبص فى وشه أفتكرك
مزيد من الاهانات ، فربما رصيده لم ينتهى بعد ، حاولت كبح دموعها التى تلح عليها
فإبتسمت بسخرية تدعى السعادة:
– وأنا هيبقى أسعد يوم فى حياتى يوم ما اخلص من الجوازة دى وارجع لحياتى تانى
خصها بنظرة باردة ، وذلك الذى بدأ التسارع فى خفقانه بات يألمه ، فربما هذا أفضل ،أن يحل إرتباطها به ، فصرح أمانيه تهاوى، ولن يبنى احلاماً على رمال السراب ثانية
خرج جواد من الغرفة يصفق الباب خلفه ، فأطلقت سراح دموعها الحبيسة ، فما تمنته سيصبح حقيقة ، وربما هذا أفضل من أن تظل أسيرة واجبها تجاه عائلتها ، وخوفها منه ،ولكن الخوف من ماذا ؟ ، هل تخشى بقاءها معه لخوفها منه ؟ أم لتخوفها أن يخون قلبها إلتزامه بتجنبه؟
أزاحت تالين أغطية الفراش تكاد تشعر أن قدميها رخوتين ،فشق عليها الذهاب للغرفة الأخرى ،لاخذ ثياب نظيفة لعل إغتسالها بالماء الدافئ يزيل عنها كأبتها ودموعها التى مازالت تذرفها منذ البارحة
جلست بالمغطس وهى لا تعلم بما تخبر عائلتها أو عائلته إذا جاءوا الآن ولن يجدوه ، بعد إزالة الرغوة الكثيفة عن جسدها ، إرتدت ثيابها وخرجت من المرحاض
وقفت أمام المرآة تمشط شعرها ،نظرت مليًا بالمرآة رأت عينيها منتفختين ووجنتيها شاحبتين ، فحاولت إخفاءها ببعض الزينة حتى لا يشك احد بأمرها ، فهى تعلم ان لا أحد غريب سيأتى لرؤيتها لذلك لم تمانع فى وضع مساحيق التجميل التى لم تعتاد على وضعها ولكن الأمر يقتضيها أن تفعل ذلك الآن
___________
حرص طلعت على أن لا يصدر حذاءه صوتاً على تلك الأرضية الرخامية ببهو المنزل ، حتى يستطيع مفاجأتها بتلك الهدية التى أبتاعها من أجلها ، تحسس جيب سترته يطمئن لوجودها ، فتلك الهدية كلفته حفنات من النقود ، ليستطيع إسكاتها حتى لا تبدأ بتلك المشادة الكلامية بينهما ، تشعره بمدى تقصيره فى تأدية واجبه تجاهها كزوج ، وتسأله عن سبب مبيته خارجاً بالأمس
لمح ذلك الجسد الأنثوي الصارخ بمعالم الجمال ، مستلقياً براحة على إحدى الارائك العريضة ، تتهدل خصلاتها على وجهها تخفى معالمه ، تحمل بيدها ريموت التلفاز يكاد يسقط من كفها الناعم ذو الأظافر المطلية بلون قانى يحاكى حمرة شفتيها
فأنحنى بجزعه يزيح شعرها عن وجهها ،يمرر يده على وجهها بإشتهاء جلى على وجهه فهمس لها قائلاً:
– جوليا حبيبتى أصحى أنتى نايمة هنا ليه كده
تململت بنومها من ذلك الصوت الهامس ، فعقلها مازال واقعاً تحت تأثير النعاس ، ولكن سمعته يعقب قائلاً:
– قومى شوفى الهدية اللى جبتهالك جبتلك الخاتم اللى شوفتيه وعجبك وكنتى عيزانى اشتريهولك
أخرج من جيب سترته ، تلك العلبة الصغيرة ، يخرج منها الخاتم الماسى ،وأخذ يدها يلبسها إياه ببنصرها ، فأقترب أكثر منها راغباً فى عناقها
عند هذا وأفاقت على حالها ، فأنتفضت من نومها تحدق به بذعر ، تعجب هو من رؤيته على وجهها ، فلما تنظر له هكذا ؟
أنتصبت واقفة تنأى بجسدها عن يديه التى إمتدت لها ، فعلمت أنه يريد ضمها إليه ، فأتسعت حدقتيها قائلة:
– أنت هتعمل إيه أنتى فاكرنى مين أنا مش جوليا أنا جومانا
تصلبت ذرعاه الممتدة بالهواء ، وهو يسمع ما قالته ،هل هذه ليست زوجته جوليا بل شقيقتها التؤام جومانا ، التى لا يستطيع أحد التفريق بينهما إلا بتلك الشامة الصغيرة الموجودة على جانب عنق زوجته جوليا ، ولكنه لم يعلم بشأن مجيئها للمنزل ، فمنذ متى وهى هنا ؟
سكن الحرج بصوته وهو يهتف بها قائلاً:
– سورى يا جومانا أفتكرتك جوليا بس أنتى جيتى أمتى
أعادت جومانا خصلة متمردة خلف أذنها وهى تقول:
– جيت إمبارح بالليل جوليا كلمتنى وقالتلى اجى اقعد معاها شوية بس انت مكنتش موجود وجوليا نايمة فى أوضتكم انا اللى كنت بتفرج على التليفزيون وشكلى نمت من غير ما أحس
حاول رفع الحرج الذى وقع على عاتقهما ، فهتف يبدى أسفه يمتزج بنبرة ضاحكة للتخفيف من ذلك الجو المشحون :
– أسف مرة تانية يا جومانا بس أنتى وأختك شبه بعض خالص ومحدش يعرف يفرق بينكم
قبل أن تجيبه جومانا ، خرجت جوليا من الغرفة تفرك عينيها تتثائب بنعومة وهى تقول:
– حمد الله على السلامة يا طلعت بيه ما لسه بدري ما فضلتش النهاردة كمان برا ليه
أنكمشت جومانا بحرج وهى ترى شقيقتها ستبدأ الشجار مع زوجها فدمدمت بصوت خفيض:
– طب أنا هروح يا جوليا عن اذنكم سلام
تذكر طلعت الخاتم الذى وضعه بإصبعها ، ولكن كيف له بمطالبتها بخلعه ؟ ما كادت جومانا تبتعد خطوتين حتى تذكرت ذلك الخاتم بإصبعها الذى تشعر بثقله ، فتلك الماسة التى تتوسطه ، تضيئ ببريق أخاذ ، دام تحديقها بالخاتم لثوانى تفكر هل تستدير وتعطيه له ، أم تتجاهل الأمر برمته ، فهى تعلم أن زوج شقيقتها لن يقدم على طلبه منها ويشعر ذاته بالحرج وخاصة أنه يستطيع شراء مئات من هذا الخاتم
فهمست بداخلها:
– طب أديهم الخاتم ولا اعمل نفسى مش واخدة بالى دا الخاتم يجنن ويهبل كمان
زادت وساوس نفسها لها بأخذه ، فأطاعتها وتحركت ساقيها المتيبسة ، تحثى الخطى على الخروج من المنزل ، ولكن قبل أن تبلغ الباب ، أهتدى تفكيرها لإبداء حسن نيتها ، فهى لا تريد إثارة سخط شقيقتها إذا علمت بأن زوجها أبتاع لها خاتماً ، وأخذته هى بالخطأ ،فهى تعلم شقيقتها جيداً ، فهى من تفوز بكل شئ دائماً ، تعيش هى على إحسانها وعطفها عليها الذى لم يزيدها سوى كراهية لهذا العطف الذى لا بد لها أن تظهر إمتنانها دائما لها
فإستدارت جومانا قائلة وهى تخلع الخاتم من إصبعها:
– اه أنا أسفة الخاتم ده بتاعك يا جوليا جوزك افتكرنى ان انا انتى وحطه فى صباعى
أقتربت من شقيقتها تضعه فى يدها ، تبتسم إبتسامة صفراء ، ورحلت من المنزل وهى لم تتخلص بعد من تلك البغضاء التى عادت لتطفو على سطح قلبها من جديد
___________
أنتظر ساعات وساعات يتحين وقت مجيئها بعد أن هاتفها للمرة التى لا يعلم عددها ، فهى منذ خروجها بذلك اليوم من الشقة ولم تعود ثانية
سحق سيجارته بمطفأة السجائر وهو يطلق سباب لاذع من بين شفتيه ، سمع صوت مفتاح يدار بالباب فعلم أنها جاءت
أنفتح الباب تلج منه واجمة الوجه فصاحت به قائلة:
– فى إيه عمال تتصل بيا عايز منى إيه تانى
أقترب منها يغلق الباب يحاصرها بينه وبين الباب فأحنى رأسه إليها وهو يقول من بين أسنانه:
– يعنى أرن عليكى بدل المرة ١٠٠ مرة ومش عايزة تردى عليا أنتى مفكرة نفسك إيه ها
إبتسمت ساخرة وهى تزيحه من أمامها لتعبر للداخل ، فجلست على أحد الارائك وضعت ساق على الأخرى تناظره ببرود ،فأخذت من علبة السجائر خاصتة واحدة تشعلها تنفث دخانها بتريث
كل هذا وهو يراقبها بهدوء الذى يسبق العاصفة ،الا انه إستمع إليها وهى تقول:
– أظن الكلام خلص بينا المرة اللى فاتت مش قولت ان متعمدة احمل منك انت خايف اخلف منك وحد يعرف ان ليك علاقة بيا وكمان هجبلك بيبى
أولاها ظهره ينفخ بضيق مما يسمعه فهى بأشد حالاتهما سوءًا تسخر مما هما فيه ، حاول أن يتحلى بالصبر فالمشادة الكلامية بينهما لن تفضى بالنهاية إلا لمزيد من العناد من جانبها
حاول تصنع الهدوء وهو يقول:
– وبعدين يعنى هنعمل ايه البيبى ده لازم تنزليه لازم تعملى عملية إجهاض
إنتفضت من مكانها ووقفت أمامه فلم تكبت صيحتها المستنكرة فصاحت بوجهه قائلة:
– أنا مش هنزله والبيبى ده هخلفه وهييجى على الدنيا وأنت مش هتطلب منى الطلب ده تانى ولو حصلى حاجة انا والبيبى ههد المعبد على الكل زى شمشون كده وعليا وعلى اعدائى وأكيد طلعت الزينى هيفرح أوى لما يعرف أن أنت اللى قتلت إبنه رامز والكل عارف جنان طلعت الزينى انه ممكن يقتل زى ما بيشرب فنجان القهوة بتاعته ببرود
بعد أن أنتهت من تحذيرها له ،أخذت حقيبتها تسرع فى الخروج من الشقة ، قبل أن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك ، فهى تخشى أيضاً أن يصيبها أو يصيب جنينها مكروه ، فذلك الإصرار الذى رأته بعينيه جعلها مدركة أنه لا يريد هذا الطفل حتى وان سلك سبيلاً يجعله يخسرها هى بذاتها
___________
خرجت زينب من غرفتها يسبقها شوقها فى رؤية إبنتها ، فهى لم تعى بعد انها لم تعد تقيم معهم بالشقة فصاحت وهى سعيدة قائلة:
– جلال بسام يلا بقى عايزة أشوف بنتى وأطمن عليها وحشتنى
تبسم جلال وفاض الشوق بعينيه وهو يقول:
– ومين سمعك يا زينب دا زى ماتكون سابتنا من سنين مش من امبارح بس أميرتنا الصغيرة كبرت وراحت بيت جوزها ربنا يسعدها
تلفتت زينب حولها قائلة بغرابة:
– هو بسام راح فين
عندما لم تجده نادت بصوت عالى :
– بسام بسام إنت روحت فين هو الواد ده اختفى فين
ذهبت لغرفته فلم تجده فقطبت حاجبيها بغرابة ، فذهبت لغرفة تالين ،فتحت الباب وجدته جالساً على فراش شقيقته وهى يبكى بإنهيار كأن خطب جلل قد حدث وهى لا تعلم
دبت زينب على صدرها قائلة بخوف:
– يا خبر فى إيه يا بسام إيه اللى حصل وبتعيط ليه كده فى أوضة أختك
____________
١٠– " ما بين خفقات و أنين "
ما عساه أن يفعل هو الآن؟ فهو ينتظر أن تجيبه على ما سألها إياه للمرة الرابعة ،وهى مازالت تتخذ من صمتها جدار بينهما ، فإرتجاف شفتيها أنبأه صراحة عما تخفيه ،فمارس أقصى درجات ضبط النفس ، لكى لا يثور بوجهها
فأعاد سؤاله بهدوء جازاً على أنيابه قائلاً:
– بقولك كنتى هتعملى إيه بالحبوب دى يا تالين ،جايبة حبوب مهدئة ليه ،بتفكرى فى إيه بالظبط قولى وازاى تجيبى حاجة زى دى ومنين أنطقى
لم تجد مفر سوى أن تتسلح بعنفوانها وشجاعتها التى أفتقرت إليها بتلك اللحظة فرفعت رأسها تناظره بتحدى:
– دى حبوب مهدئة بس مفعولها قوى سمر جابتهالى من صيدلية أخوها جبتها علشان أخذها علشان لو حصل بنا حاجة أتقبلها أرتاحت يا جواد وعرفت
شوفت وصلتنى بتفكيرى لإيه ان أضر نفسى وأنا بكامل وعيى وده كله بسببك ، فرضت علينا جوازنا وكمان عايزنى اخلفلك طفل اللى انا مش عارفة أصلا اذا كان ربنا رايدلى أخلف ولا لاء ، عايزنى اكون طبيعية معاك ازاى ونعيش حياتنا مع بعض وانا أساساً معرفكش ولا اعرف حاجة عنك غير ان إسمك جواد النصراوى ، بقيت حاسة زى ما اكون داخلة النار برجليا علشان أحافظ على أهلى ، بقيت عايز تؤمر وأنا اقول حاضر من غير ما أعترض بس إزاى وانا اللى فى حياتى كلها عمرى ما اتفرض عليا حاجة حتى خطوبتى الاولانية وافقت عليا بإرادتى برغم من ان اهلى كانوا رافضين طول عمرى كلمتى من دماغى ومحدش له سلطان عليا غير بابا بس
جاى دلوقتى تقولى اعملى كذا وكذا واقولك حاضر ، ان بين يوم وليلة يبقى ليك الحق فى كل حاجة فيا ان انت اللى هتستحل كل حاجة فيا وانا مقدرش اتكلم اى منطق ده اللى يقول ان لازم ابقى مبسوطة ومرتاحة معاك فى ليلة زى دى او فى حياتنا كلها
أنا بكرهك بكرهك فاهم يعنى ايه ، مستحيل أحب حد عايزنى أكون جارية له يخلف منها وخلاص، من غير ما نكون حابين حياتنا مع بعض او على الاقل فى ارتياح ما بينا ، ده شغل حيوانات مش بنى أدمين
أصابت كبرياءه بمقتل ، هل هى تمقت قربه منها لهذا الحد الذى إهتدى به تفكيرها لتناول أقراص مهدئة وتأذى نفسها بكثرة تناولها منها ، فما تلك السخافة والحماقة من جانبها
إلتوى ثغره بسخرية مريرة :
– وأنا يا تالين مش حابب مراتى تبقى معايا جثة بتتنفس ومكنش ليه داعى تعملى كده كان ممكن تقوليلى أنا مش عيزاك تقرب منى وانا مكنتش هغصبك عليا، مش انا الراجل اللى ببقى مبسوط بقهر مراتى او ان أكون فارض نفسى عليها فى الحاجة الوحيدة اللى مينفعش تكون بالغصب لا من ست ولا من راجل ، وان كان على كرهك ليا انتى برضه اللى مش مديانى فرصة نتعامل فيها مع بعض زى اى اتنين دايما لسانك سابقك وتصريحك بكرهك ليا فى الوقت اللى انتى مفكرة فيه إن فارض جوازى عليكى بالغصب مفكرتيش انا عملت ليه كده ؟ مش علشان تخلفيلى ولد ولا حاجة لاء علشان أنا بح
ولكنه أمتنع عن التصريح بها ، فما نفعها تلك الكلمة الآن ، فهى أوضحت له مشاعرها منذ البداية ، فلن يجنى من قول تلك الكلمة سوى مزيد من الجراح ، وربما سيظهر فخرها بإيقاعه فى شباكها ، وتزيد من عنادها وتمردها
ألقى قنينة الدواء من يده بغضب ، تاركاً إياها فخرج من الغرفة الملحقة ووصل للغرفة الكبيرة، انتعل حذاء وجده بطريقه ، و أخذ مفاتيح سيارته التى ألقاها على الكومود ،وخرج من الغرفة وهو بثيابه المكونة من سروال أسود قطنى وكنزة بيضاء مطبوع عليها شعار إحدى ماركات الثياب الشهيرة صافعاً الباب خلفه
تهاوى جسدها ببطئ وأحتك ظهرها بالجدار حتى جلست القرفصاء ، فوضعت وجهها بين يديها وتعالت صوت شهقاتها بفعل دموعها التى كسرت حاجز محجر عينيها ، ولا تعلم علام تبكى هى الآن ؟
__________
صف سيارته بمكان خلا من وجود الناس بتلك العاصفة المطيرة ، نظر بمرآة السيارة ،فوضع يده على رأسه المبلل بفعل المطر وقت خروجه من الفندق ،فأستند به على طرف المقعد يحدق بسقف السيارة ، يفكر فيما فعله ، هل وصل به الحال للركض خلف فتاة ترى به شر العالم أجمع ، رغب الود والوصال من فتاة لا تمقت إنساناً أكثر منه ، فبما أثمر إصراره عليها دون سواها ؟ لم يأتى سعيه خلفها سوى بثمار الكراهية ، التى ما فتأت تطعمه إياها بحديثها وعيناها
تلك العينان التى أرقت مضجعه منذ رأها بذلك اليوم ، عندما فتح باب غرفة مكتبه ليلتقى بها فى المرة الأولى ، إستجداء رماديتيها له ليصفح عن شقيقها ، شفتيها التى لم تتوانى عن صفعه بكلماتها ، وجهها المضئ ووجنتيها ، كل أنش بوجهها يصك قلبه بشعار الخضوع
أخذته ذكرياته لتلك الليلة وهى ليلة زفافه الأولى ، عندما أقترن بزوجته الراحلة " شمس " ولم يكن أخطأ والدايها بتسميتها بهذا الإسم ،فكانت كشمس مضيئة تنير منزله ، تذكر كيف كانت بين يديه راغبة مطيعة مانحة للعطف ، لاترى رجل غيره يستحق أن تمنحه جنات الحب خاصتها ، تذكر همساتها الرقيقة بتلك الكلمات التى ما أن يقع بصرها عليه حتى تلفظها بإشتياق المحبين " بحبك يا جواد "
فماذا فعل بنفسه الآن ؟ هل ترك كبرياءه كرجل معتد به حريصاً على عدم خضوعه لأنثى بإمكانها أن تجعله كخاتم بإصبعها ، فحتى زوجته الأولى ، كان مانحاً لها العطف والاحترام ،بدون التفريط بذلك الذى يكتنفه بين ضلوعه ، لم تجرؤ أى أنثى المساس به سوى تلك التى تركها الليلة راغباً فى صفع ذاته الاف المرات على وقوعه بحبائلها التى اتضح انها بالية ، لا تصمد لحمل شوقه كإبن أدم لشقه الآخر من بنات حواء
– أنا اللى عملت كده فى نفسى من الأول أنا اللى غبى بس مش دى اللى هتهز كرامتى وكبريائى وإن كان على قلبى فأنا هدوس عليه برجليها ولا أنها تعمل فيا كده أنا جواد النصرواى وهفضل جواد النصراوى اللى ستات أشكال والوان بس اتمنت منه نظرة رضا
شحن عقله وقلبه بعبارات الاعتزاز بالنفس ،وعدم الخضوع ،فإن خذله قلبه بخضوعه لمن لا تريده ،فسيحرص على أن يجعله مستقبلا ً منصاعاً لعقله وأوامره هو فقط
شعر بالجو الخانق بالسيارة ، فترجل منها دون مراعاة لسوء الأحوال الجوية ، وذلك الطقس الممطر ، فالسماء ترعد والبرق ينير السحب وأصواتهما تكاد تصم الأذان
تساقط المطر عليه فبلله بالكامل ،وإلتصقت به ثيابه ، وظل الماء يقطر من رأسه ووجه وكامل أطرافه ، رفع رأسه وفرد ذراعيه ، كمن يريد أن يتغلغل ماء المطر بداخله لعله يمحى ركام الحزن بداخله
توقف المطر فجأة ،كمن يأذن له بالرحيل، فيكفيه تلك الدقائق التى نعم بها ، جسده مبتل بالكامل فلم يهتم فعاد للسيارة يقودها ليعود للفندق ثانية
تعجب الحارسان بالفندق من هيئته وهو يعود ، ولكن نظراً لمعرفتهما بهويته ومن يكون اكتفيا بالنظر كل منهما للأخر بصمت ويتسائلا بقرارة نفسيهما ، ماذا يفعل شخص مثله بالخارج ومن المفترض الليلة ليلة عُرسه ؟
علم من النظر إليهما ،تلك الاقاويل التى يحيكها كل منهما بداخله ، ولكنه لم يعر الأمر إلتفاتاً ، وصل للغرفة فقرع الباب فهو لا يملك مفتاحاً ، دقيقة واحدة ووجد تالين تفتح الباب
تأملته ملياً وتعجبت من حالته المزرية ، إلا ان بأقترابه تنحت جانباً ،لتسمح له بالمرور دون أن يتماسا ثانية
ولجت خلفه قائلة بقلق:
– إنت إيه اللى عملته فى نفسك ده يا جواد
– ملكيش دعوة فاهمة ومش عايز أسمع صوتك نهائى مفهوم
صاح بها ببرود و هو ذاهبا للمرحاض ، فلم تتعجب مما يفعله ، فعادت وجلست على طرف الفراش
وقف تحت المياه الدافئة التى تساقطت عليه ،فقضى وقتاً لا بأس به ، و بعد إنتهاءه إرتدى رداء الإستحمام الأبيض وخرج يجفف رأسه بالمنشفة الصغيرة التى يحملها بيده ، بعد إنتهاءه ألقى المنشفة من يده ، وذهب لجلب ثياب نظيفة ، فهو بحاجة للنعاس ، بعد خمس دقائق عاد للغرفة الأخرى ،بدون أن يلفظ بكلمة ، تمدد على السرير ، يغلق عيناه عن رؤيتها
تأملته بعد أن سمعت صوت إنتظام أنفاسه ، فأتخذت مكانها بأقصى طرف بالفراش ، ووضعت الوسادة بالمنتصف تحول بين إقترابها منه بأثناء نومها ، تململت بنومتها لا تشعر بالراحة بتلك المساحة الصغيرة التى خصصتها لنفسها بعد أن شغل هو بجسده الجزء الأكبر من الفراش
شعر بحركتها المستمرة فهتف بها وهو مغلق العينين:
– ياريت بقى تنامى وتبطلى حركة شوية متخافيش مش هقربلك يا تالين حتى لو كنتى نايمة فى حضنى علشان أنا مبحبش الأمور دى بالذات بالغصب والصراحة كمان مليش مزاج ليكى، حتى لو أنتى اللى طلبتى قربى منك مش عايز فنامى وأطمنى
عوضاً عن شعورها بالراحة ، شعرت كأنه طعن كبرياءها كأنثى وخاصة وهو يعلنها صراحة أنه لا يريدها حتى وإن كانت بين يديه طالما لا يشعر برغبته بقربها ،وإن خطبت هى وده
___________
فى الصباح...
دقت كريمة باب غرفة ديما ، ليأتيها صوت ديما الرقيق ، فهى تعلم أنها لا تستيقظ مبكراً من نومها ، ولكنها سمعت صوتها كأنها لم تنم البارحة
فتحت كريمة الباب وولجت قائلة بوجه صبوح:
– صباح الخير يا ديما أنتى منمتيش من إمبارح ولا إيه
طوقت ديما ساقيها بذراعيها وإستندت عليهما بذقنها قائلة :
– نمت بس صحيت من شوية ومعرفتش أنام تانى أنا مبقتش أعرف أنام يا طنط كريمة
دفنت وجهها بين ركبتيها ،وأجهشت بالبكاء الذى وصل لمسامع كريمة ، فأقتربت منها وجلست بجوارها على الفراش
جذبتها كريمة لأحضانها تربت عليها قائلة بحنان:
– إهدى يا ديما وحاولى تنسى اللى حصل
رفعت ديما وجهها المبلل بدموعها وهى تقول:
– أنسى إزاى يا طنط كريمة وجواد مش راضى يكلمنى وزعلان منى ولولا أن مليش غيركم أنا كنت مشيت من البيت أهون من انه هو بالذات يزعل منى
تبسمت كريمة بوجهها قائلة:
– أنتى مش عارفة غلاوتك عندنا يا ديما وخصوصاً جواد دا انتى تربية إيده لولا الكام سنة اللى عيشتيهم فى اوروبا ورجعتى واحدة تانية انتى مكنتيش كده دا انتى كنتى زى ضله ، وهو مكنش بيحب حد يزعلك وكان بيضرب اى حد علشانك ، ولما كبرتى بقيتى تجننيه بتصرفاتك
تبسمت ديما رغماً عنها فزفرت بإجهاد وهى تقول:
– عارفة ان تعبته معايا وانا مفيش فى حياتى اغلى منه دا هو ابويا واخويا وصاحبى وابن عمى واللى باقى ليا فى الدنيا ، محبتش قد خوفه عليا ، وحمايته ليا ، حتى لما بيغضب منى ، بحب غضبه لأن ببقى عارفة انه على حق بس مش عارفة انا ايه اللى جرالى بقيت حاسة ان مقسومة نصين ، واحدة عايزة تسمع كلامه والتانية تعانده انا شكلى اتجننت
تفهمت كريمة كون ديما ربما تعانى من حالات مزاجية متقلبة ، ففتاة مثلها بريعان شبابها ، تواجه مخاطر عدة من ربما تقابل رفيقات سوء ، يكن عامل من عوامل هدم حياتها
ضمتها كريمة إليها ثانية وهى تقول:
– اسمعى كلام جواد وابعدى عن صحباتك دول اللى مجاش ليكى من وراهم إلا الاذى وخليكى واثقة ان محدش هيخاف عليكى قدنا المهم دلوقتى انا هروح علشان اشوف جواد وتالين قبل ما يسافروا بالليل تحبيى تيجى معايا تسلمى عليه هو وعروسته
قفزت ديما من الفراش قائلة بحماس:
– أه يا طنط هاجى معاكى علشان اسلم عليهم يمكن جواد يسامحنى
نهضت كريمة من مكانها قائلة:
– خلاص جهزى نفسك وحصلينى على تحت ومتتأخريش
سارعت ديما فى الذهاب لحجرة ثيابها ، أنتقت ثياب محتشمة ، فهى لا تريد إثارة غضب جواد أكثر من ذلك ، فهى ترجو مسامحته لها على ما أقترفته وكان سيودى بها لحافة الهاوية لولا إنقاذه هو لها
صدح رنين هاتفها بالغرفة فأقتربت منه لمعرفة هوية المتصل فوجدت رقم تلك الفتاة التى أدعت صداقتها وأخذتها لمنزلها وحدث ما حدث
زفرت ديما بغضب قائلة:
– وكمان ليها عين تتصل بيا الجبانة
لم يكف الهاتف عن الرنين ،فأضطرت ديما للاجابة علها تفرغ بها ما بداخلها من غضب ، فتحت الهاتف فعلا صوتها وهى تقول:
– وليكى عين تكلمينى تانى يا نايا أنا عرفت ان قولتى ان انا روحت مع نبيل بمزاجى أنتى تعملى فيا أنا كده وانا كنت بعتبرك صاحبتى
أنتظرت نايا حتى فرغت ديما من حديثها فأجابتها قائلة:
– وأنتى متعرفيش أن نبيل أختفى يا ديما ومش لاقينه وأكيد ابن عمك اللى عمل كده وخصوصا ان انا يوم ما هو راح بيت نبيل وضربه انا صورته وهو بيعتدى عليه بالضرب فلو مثلا روحت النيابة وقدمت الفيديو إبن عمك هيتهم بإختفاءه وكمان هيتحبس فإيه رأيك
بُهتت ديما مما سمعته من تلك الفتاة فألجمت الصدمة لسانها فسمعت تلك الفتاة معقبة:
– فإيه رأيك يا ديما تدفعى نص مليون جنيه وتاخدى الفيديو
أتسع بؤبؤ عينيها وهى تستمع لتلك الفتاة الانتهازية فردت قائلة:
– أنتى بتقولى إيه أنتى بتساومينى وبتبتزينى كمان
ضحكت الفتاة بسخرية وهى تجيبها:
– سميها زى ما تسميه يا ديما وانا عارفة ان فرح ابن عمك كان امبارح فايه رايك يقضى شهر عسله فى سجن طره سمعتى عنه ،فخليكى متعاونة حفاظاً على ابن عمك اللى طالعة بيه السما ولو خايفة عليه ولو حبيتى تتذاكى وتقولى لابن عمك على اتفاقنا وحصلى حاجة انا فى ناس تانية عارفة الحكاية وموصياهم لو جرالى حاجة تانى يوم هتتحبسى انتى وابن عمك فخلى الموضوع بينا من غير حد تالت علشان متتأذيش انتى واللى حواليكى وانا هرجع اكلمك تانى
رنين إتمام المكالمة جعل ديما تتهاوى على أقرب مقعد وجدته ،وحديث وتهديد تلك الفتاة يرن بأذنيها ، فهى تخشى أن يصيب جواد مكروه فكل هذا نتج عن معاندتها له وعدم الإستماع لتحذيراته لها وتنبيه المستمر بضرورة الابتعاد عن رفيقات السوء خاصتها
____________
فى الفندق...
استيقظت تالين من نومها على صوت حركة بالغرفة ، فهى لم تغفو الا قبيل الفجر بعد نوبة من البكاء الصامت ، ودموعها التى جاهدة على وأدها بوسادتها قبل علمه بها ، حريصة على ألا يسمعها زوجها ، سمعت صوت خطواته بالغرفة، فرأته ينتهى من إرتداء ثيابه
جلست بالفراش قائلة بصوت هامس:
– صباح الخير أنت بتلبس ورايح على فين كده
نظر جواد لانعكاس صورتها أمامه بالمرآة قائلاً بصوت فاتر:
– صباح النور رايح فى داهية عايزة حاجة
زوت ما بين حاجبيها من هجومه عليها بالصباح فردت قائلة:
– طب حضرتك رايح فى داهية وسايبى هنا اعمل ايه ثم فى حد يخرج يوم صباحيته وهو عريس
إستدار إليها جواد يبتسم بجانب ثغره ساخراً:
– عريس ! وهو فين الجواز اللى اتجوزته ده الكلام ده تقوليه لو كنت اتجوزت فعلا وامبارح كانت دخلتنا مش ..ولا بلاش
تعمد إحراجها فلم يخفق فى فعل ذلك ، فوجهها أصبح يلتهب بلهيب الخجل الذى حاولت أن تخفيه خلف قناع الغضب:
– أنت على فكرة ردودك مستفزة جدا ولو حد من اهلنا جه هقولهم ايه
أقترب منها بهدوء خطر حتى وقف بجانب الفراش ،فانحنى فجأة إليها جعلها تلتصق بالوسائد خلفها ، ظل يحدق بها بضع لحظات وهو يرى ذعرها ،فاراد لها المزيد فأقترب أكثر حتى باتت ترى حركة بؤبؤ عينيه بوضوح
همس لها قائلاً بتحذير:
– أخر مرة هقولهالك يا تالين حسك عينك تردى عليا بكلام ميعجبنيش او تفكرى مجرد تفكير بس ان ممكن تطولى لسانك وانا اسكتلك ،يبقى لسه معرفتنيش ،اصحى لنفسك وشوفى بتكلمى مين ها انا جواد النصراوى يا تالين
همسه المخيف جعلها تومأ برأسها إيجاباً على كل ما يخبرها به ، ولكنها لم تتخذ القبول مسلكاً إلا مناشدة من عقلها بأن يبتعد ، فحرارة أنفاسه ، وحركة شفتيه أعادت لها تلك الذكرى القصيرة التى حدثت بالأمس ،فهى لا ترغب في سقوطها بغياهب سحره ،كزوج اذاقها كيف يكون بداية الوصال بين الزوجين وتخشى ان تصل معه لنهاية الطريق وتصبح مفتونة به
أزدرت لعابها قائلة :
– خلاص فهمت وإبعد بقى عنى
أستقام بوقفته قائلا بعدم إكتراث :
– ما قولتلك يا تالين أنا مليش مزاج ليكى والصراحة مش عارف ايه اللى خلانى أعرض عليكى الجواز وانا بإمكانى أجيب اللى احلى منك وتتمنالى الرضا الظاهر كده كنت مش فى وعيى لما طلبت اتجوزك زى اللى بيعمل حاجة ويرجع يندم بس بعد الوقت ما يكون فات
إستمعت لحديثه للنهاية ، كلماته كالسياط جلدت كرامتها ، كمن تجرع كأس المُر ، فأراد أن يذيقها القليل ، فلم يخفق فى فعل ذلك ، فربما أصبح أكثر تصميماً على أن يكيل لها الصاع صاعين
رفعت رأسها بأنفة قائلة:
– بإمكانك تصلح غلطتك ويكون أفضل للكل
رفع يديه يغلق زر قميصه حول معصمه فرد نظرتها قائلاً:
– هيحصل يا تالين بس علشان ميبقاش شكلك وحش قدام اهلك هيبقى موقفك ايه قدام جيرانك لما ترجعى مطلقة تانى يوم فرحك هيألفوا عليكى حكايات وروايات من سيبانك لخطيبك لجوازك منى لطلاقك يوم صباحيتك ،مظنش ان فى راجل هيفكر يتجوزك بعد اللى هيحصل ده كله
فعلشان خاطر باباكى ومامتك هنعيش مع بعض شوية وان كان على إتفاقى معاكى بخصوص ان تخلفيلى ولد فأعتبريه ملغى لان خلاص مش حابب يكون عندى طفل منك انتى بالذات وكل ما أبص فى وشه أفتكرك
مزيد من الاهانات ، فربما رصيده لم ينتهى بعد ، حاولت كبح دموعها التى تلح عليها
فإبتسمت بسخرية تدعى السعادة:
– وأنا هيبقى أسعد يوم فى حياتى يوم ما اخلص من الجوازة دى وارجع لحياتى تانى
خصها بنظرة باردة ، وذلك الذى بدأ التسارع فى خفقانه بات يألمه ، فربما هذا أفضل ،أن يحل إرتباطها به ، فصرح أمانيه تهاوى، ولن يبنى احلاماً على رمال السراب ثانية
خرج جواد من الغرفة يصفق الباب خلفه ، فأطلقت سراح دموعها الحبيسة ، فما تمنته سيصبح حقيقة ، وربما هذا أفضل من أن تظل أسيرة واجبها تجاه عائلتها ، وخوفها منه ،ولكن الخوف من ماذا ؟ ، هل تخشى بقاءها معه لخوفها منه ؟ أم لتخوفها أن يخون قلبها إلتزامه بتجنبه؟
أزاحت تالين أغطية الفراش تكاد تشعر أن قدميها رخوتين ،فشق عليها الذهاب للغرفة الأخرى ،لاخذ ثياب نظيفة لعل إغتسالها بالماء الدافئ يزيل عنها كأبتها ودموعها التى مازالت تذرفها منذ البارحة
جلست بالمغطس وهى لا تعلم بما تخبر عائلتها أو عائلته إذا جاءوا الآن ولن يجدوه ، بعد إزالة الرغوة الكثيفة عن جسدها ، إرتدت ثيابها وخرجت من المرحاض
وقفت أمام المرآة تمشط شعرها ،نظرت مليًا بالمرآة رأت عينيها منتفختين ووجنتيها شاحبتين ، فحاولت إخفاءها ببعض الزينة حتى لا يشك احد بأمرها ، فهى تعلم ان لا أحد غريب سيأتى لرؤيتها لذلك لم تمانع فى وضع مساحيق التجميل التى لم تعتاد على وضعها ولكن الأمر يقتضيها أن تفعل ذلك الآن
___________
حرص طلعت على أن لا يصدر حذاءه صوتاً على تلك الأرضية الرخامية ببهو المنزل ، حتى يستطيع مفاجأتها بتلك الهدية التى أبتاعها من أجلها ، تحسس جيب سترته يطمئن لوجودها ، فتلك الهدية كلفته حفنات من النقود ، ليستطيع إسكاتها حتى لا تبدأ بتلك المشادة الكلامية بينهما ، تشعره بمدى تقصيره فى تأدية واجبه تجاهها كزوج ، وتسأله عن سبب مبيته خارجاً بالأمس
لمح ذلك الجسد الأنثوي الصارخ بمعالم الجمال ، مستلقياً براحة على إحدى الارائك العريضة ، تتهدل خصلاتها على وجهها تخفى معالمه ، تحمل بيدها ريموت التلفاز يكاد يسقط من كفها الناعم ذو الأظافر المطلية بلون قانى يحاكى حمرة شفتيها
فأنحنى بجزعه يزيح شعرها عن وجهها ،يمرر يده على وجهها بإشتهاء جلى على وجهه فهمس لها قائلاً:
– جوليا حبيبتى أصحى أنتى نايمة هنا ليه كده
تململت بنومها من ذلك الصوت الهامس ، فعقلها مازال واقعاً تحت تأثير النعاس ، ولكن سمعته يعقب قائلاً:
– قومى شوفى الهدية اللى جبتهالك جبتلك الخاتم اللى شوفتيه وعجبك وكنتى عيزانى اشتريهولك
أخرج من جيب سترته ، تلك العلبة الصغيرة ، يخرج منها الخاتم الماسى ،وأخذ يدها يلبسها إياه ببنصرها ، فأقترب أكثر منها راغباً فى عناقها
عند هذا وأفاقت على حالها ، فأنتفضت من نومها تحدق به بذعر ، تعجب هو من رؤيته على وجهها ، فلما تنظر له هكذا ؟
أنتصبت واقفة تنأى بجسدها عن يديه التى إمتدت لها ، فعلمت أنه يريد ضمها إليه ، فأتسعت حدقتيها قائلة:
– أنت هتعمل إيه أنتى فاكرنى مين أنا مش جوليا أنا جومانا
تصلبت ذرعاه الممتدة بالهواء ، وهو يسمع ما قالته ،هل هذه ليست زوجته جوليا بل شقيقتها التؤام جومانا ، التى لا يستطيع أحد التفريق بينهما إلا بتلك الشامة الصغيرة الموجودة على جانب عنق زوجته جوليا ، ولكنه لم يعلم بشأن مجيئها للمنزل ، فمنذ متى وهى هنا ؟
سكن الحرج بصوته وهو يهتف بها قائلاً:
– سورى يا جومانا أفتكرتك جوليا بس أنتى جيتى أمتى
أعادت جومانا خصلة متمردة خلف أذنها وهى تقول:
– جيت إمبارح بالليل جوليا كلمتنى وقالتلى اجى اقعد معاها شوية بس انت مكنتش موجود وجوليا نايمة فى أوضتكم انا اللى كنت بتفرج على التليفزيون وشكلى نمت من غير ما أحس
حاول رفع الحرج الذى وقع على عاتقهما ، فهتف يبدى أسفه يمتزج بنبرة ضاحكة للتخفيف من ذلك الجو المشحون :
– أسف مرة تانية يا جومانا بس أنتى وأختك شبه بعض خالص ومحدش يعرف يفرق بينكم
قبل أن تجيبه جومانا ، خرجت جوليا من الغرفة تفرك عينيها تتثائب بنعومة وهى تقول:
– حمد الله على السلامة يا طلعت بيه ما لسه بدري ما فضلتش النهاردة كمان برا ليه
أنكمشت جومانا بحرج وهى ترى شقيقتها ستبدأ الشجار مع زوجها فدمدمت بصوت خفيض:
– طب أنا هروح يا جوليا عن اذنكم سلام
تذكر طلعت الخاتم الذى وضعه بإصبعها ، ولكن كيف له بمطالبتها بخلعه ؟ ما كادت جومانا تبتعد خطوتين حتى تذكرت ذلك الخاتم بإصبعها الذى تشعر بثقله ، فتلك الماسة التى تتوسطه ، تضيئ ببريق أخاذ ، دام تحديقها بالخاتم لثوانى تفكر هل تستدير وتعطيه له ، أم تتجاهل الأمر برمته ، فهى تعلم أن زوج شقيقتها لن يقدم على طلبه منها ويشعر ذاته بالحرج وخاصة أنه يستطيع شراء مئات من هذا الخاتم
فهمست بداخلها:
– طب أديهم الخاتم ولا اعمل نفسى مش واخدة بالى دا الخاتم يجنن ويهبل كمان
زادت وساوس نفسها لها بأخذه ، فأطاعتها وتحركت ساقيها المتيبسة ، تحثى الخطى على الخروج من المنزل ، ولكن قبل أن تبلغ الباب ، أهتدى تفكيرها لإبداء حسن نيتها ، فهى لا تريد إثارة سخط شقيقتها إذا علمت بأن زوجها أبتاع لها خاتماً ، وأخذته هى بالخطأ ،فهى تعلم شقيقتها جيداً ، فهى من تفوز بكل شئ دائماً ، تعيش هى على إحسانها وعطفها عليها الذى لم يزيدها سوى كراهية لهذا العطف الذى لا بد لها أن تظهر إمتنانها دائما لها
فإستدارت جومانا قائلة وهى تخلع الخاتم من إصبعها:
– اه أنا أسفة الخاتم ده بتاعك يا جوليا جوزك افتكرنى ان انا انتى وحطه فى صباعى
أقتربت من شقيقتها تضعه فى يدها ، تبتسم إبتسامة صفراء ، ورحلت من المنزل وهى لم تتخلص بعد من تلك البغضاء التى عادت لتطفو على سطح قلبها من جديد
___________
أنتظر ساعات وساعات يتحين وقت مجيئها بعد أن هاتفها للمرة التى لا يعلم عددها ، فهى منذ خروجها بذلك اليوم من الشقة ولم تعود ثانية
سحق سيجارته بمطفأة السجائر وهو يطلق سباب لاذع من بين شفتيه ، سمع صوت مفتاح يدار بالباب فعلم أنها جاءت
أنفتح الباب تلج منه واجمة الوجه فصاحت به قائلة:
– فى إيه عمال تتصل بيا عايز منى إيه تانى
أقترب منها يغلق الباب يحاصرها بينه وبين الباب فأحنى رأسه إليها وهو يقول من بين أسنانه:
– يعنى أرن عليكى بدل المرة ١٠٠ مرة ومش عايزة تردى عليا أنتى مفكرة نفسك إيه ها
إبتسمت ساخرة وهى تزيحه من أمامها لتعبر للداخل ، فجلست على أحد الارائك وضعت ساق على الأخرى تناظره ببرود ،فأخذت من علبة السجائر خاصتة واحدة تشعلها تنفث دخانها بتريث
كل هذا وهو يراقبها بهدوء الذى يسبق العاصفة ،الا انه إستمع إليها وهى تقول:
– أظن الكلام خلص بينا المرة اللى فاتت مش قولت ان متعمدة احمل منك انت خايف اخلف منك وحد يعرف ان ليك علاقة بيا وكمان هجبلك بيبى
أولاها ظهره ينفخ بضيق مما يسمعه فهى بأشد حالاتهما سوءًا تسخر مما هما فيه ، حاول أن يتحلى بالصبر فالمشادة الكلامية بينهما لن تفضى بالنهاية إلا لمزيد من العناد من جانبها
حاول تصنع الهدوء وهو يقول:
– وبعدين يعنى هنعمل ايه البيبى ده لازم تنزليه لازم تعملى عملية إجهاض
إنتفضت من مكانها ووقفت أمامه فلم تكبت صيحتها المستنكرة فصاحت بوجهه قائلة:
– أنا مش هنزله والبيبى ده هخلفه وهييجى على الدنيا وأنت مش هتطلب منى الطلب ده تانى ولو حصلى حاجة انا والبيبى ههد المعبد على الكل زى شمشون كده وعليا وعلى اعدائى وأكيد طلعت الزينى هيفرح أوى لما يعرف أن أنت اللى قتلت إبنه رامز والكل عارف جنان طلعت الزينى انه ممكن يقتل زى ما بيشرب فنجان القهوة بتاعته ببرود
بعد أن أنتهت من تحذيرها له ،أخذت حقيبتها تسرع فى الخروج من الشقة ، قبل أن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك ، فهى تخشى أيضاً أن يصيبها أو يصيب جنينها مكروه ، فذلك الإصرار الذى رأته بعينيه جعلها مدركة أنه لا يريد هذا الطفل حتى وان سلك سبيلاً يجعله يخسرها هى بذاتها
___________
خرجت زينب من غرفتها يسبقها شوقها فى رؤية إبنتها ، فهى لم تعى بعد انها لم تعد تقيم معهم بالشقة فصاحت وهى سعيدة قائلة:
– جلال بسام يلا بقى عايزة أشوف بنتى وأطمن عليها وحشتنى
تبسم جلال وفاض الشوق بعينيه وهو يقول:
– ومين سمعك يا زينب دا زى ماتكون سابتنا من سنين مش من امبارح بس أميرتنا الصغيرة كبرت وراحت بيت جوزها ربنا يسعدها
تلفتت زينب حولها قائلة بغرابة:
– هو بسام راح فين
عندما لم تجده نادت بصوت عالى :
– بسام بسام إنت روحت فين هو الواد ده اختفى فين
ذهبت لغرفته فلم تجده فقطبت حاجبيها بغرابة ، فذهبت لغرفة تالين ،فتحت الباب وجدته جالساً على فراش شقيقته وهى يبكى بإنهيار كأن خطب جلل قد حدث وهى لا تعلم
دبت زينب على صدرها قائلة بخوف:
– يا خبر فى إيه يا بسام إيه اللى حصل وبتعيط ليه كده فى أوضة أختك
____________
يتبع ...
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت العاشر ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 11 أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .