نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت الاول من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية واحدة من اجمل الروايات رومانسية والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة من خلال موقعنا .
أصبحت اسيرته الفصل الاول
* أصبحت أسيرته *
١ - « ليت كل الآثام تُنسى »
تنفس هواء الصباح بعد إختناقه بنسمات ليل عصيب مر عليه كباقى لياليه ، راقب تسلل خيوط النهار من خلف ستار الظلام بعد أن أنتهى من صلاته ، فأحكم غلق سحاب كنزته الصوفية وخرج إلى ذلك الطريق الذى يتخذ منه مضماراً فصوت خطواته الراكضة تصدر صوتاً بدعس تلك الأوراق الجافة المتساقطة من الأشجار التى تحيط المكان كالسياج ، يعدو كمن هناك شبحاً بأثره يريد الفرار منه ،حتى تباطأت قدميه ووقف يلتقط أنفاسه اللاهثة ، فأنحنى بجزعه العلوى وأرتكز بيديه على ركبتيه يحاول تنظيم أنفاسه وصدره مازال يعلو ويهبط حتى سمع صوت رنين هاتفه فأستقام بوقفته وسحبه من جيب كنزته
وضع الهاتف على أذنه قائلاً:
-أيوة لقيتهم ولا لسه
جاءه الرد على الطرف الآخر قائلا بطاعة:
-أيوة حضرتك لقيت واحد فيهم وجبت عنوانه وعرفت كل حاجة عنه
حك جبهته بيده يزفر بشئ من الارتياح فرد قائلاً:
-تمام إستنانى فى مكانك قدامى نص ساعة وجايلك مش هتأخر
أنهى مكالمته وأكمل ركضه حتى وصل لذلك المنزل الذى لا يبعد كثيراً عن مكان تواجده ، فالمنزل مشيد بإحترافية يدل على فخامة ورقى ساكنيه تحيطه حديقة غناء تتناغم ألوان الأشجار والورود بها كإنها لوحة بديعة رسمتها يد فنان محترف ،ولج للداخل وجد العاملين بالمنزل إستيقظوا لبدء روتينهم اليومى كأنهم بخلية نحل يسعى كل منهم لتأدية مهمته على أكمل وجه ،أرتقى الدرج بخطواته السريعة حتى وصل لغرفته بالطابق الثاني ، ففتح سحاب كنزته يلقيها على طرف الفراش وولج للمرحاض ،وبعد عدة دقائق خرج يجفف رأسه فتهدلت خصلات شعره الأسود على جبينه فغرز أصابعه بها بتأفف من سرعة نمو شعره :
-أنا مش عارف كل لما أقص شعرى يطول بسرعة ليه كده
ألقى المنشفة وأرتدى ثيابه وعاد يقف أمام المرآة ثانية لتمشيط شعره ووضع عطره الذى يحمل إسم أفخم دور العطور ،أخذ نفساً عميقاً يزفره ببطئ وقلة حيلة متمنياً أن يكون عثر على مبتغاه تلك المرة
هبط الدرجات بخطوات تكاد لا تسمع وتسلل بخفة من خلف تلك السيدة ذات الخمسة وخمسون عاماً التى توليه ظهرها تعمل على تنسيق مائدة الطعام كعادتها كل يوم ،طوقها بذراعيه يكاد يرفعها عن الأرض من رشاقتها التى حافظت عليها منذ أن كانت فتاة صغيرة
قبلها على وجنتها قائلا بحب:
-صباح الخير يا كوكو
أفتر ثغر كريمة عن إبتسامة واسعة من اللفظ التحببى الذى يناديها به ولدها دائما فهتفت بغضب مصطنع:
-أنا مش بكلمك على فكرة
إبتعد عنها قليلا ليتيح لها الاستدارة إليه فسكنت حركاته يتطلع إليها بصمت ،خشيت هى أن يأخذ حديثها على محمل الجد فهذا عيبه الوحيد لايحب المزاح
فرد قائلاً بهدوء:
-ليه يا أمى عملت إيه ؟
سحبته من كف يده تجلسه على مقعده ومازال رافعاً وجهه لها فى إنتظار أن تجيبه على ما سألها إياه وضعت له من الطعام بطبقه الخاص وهى باسمة:
-أنا بهزر معاك بس زعلت أنك رجعت متأخر أمبارح وكل يوم على كده
حملق بطبقه قائلاً بصوت خافت:
-إنتى عارفة أتأخرت ليه يا أمى
جلست كريمة على مقعدها وأعتلت ملامح وجهها الحزن على ما أصاب ولدها منذ ذلك الحادث المرير فمدت يده تربت على يده التى يكورها حتى برزت عروقه الزرقاء بها فدمدمت بحنان قائلة:
-حبيبى كفاية بقى تعذب نفسك لحد كده اللى حصل حصل ودى إرادة ربنا ملناش يد فيها
وضع إحدى يديه أسفل ذقنه يحاول جاهداً أن يخرج صوته طبيعياً بدون تلك الغصة العالقة به فتمتم قائلاً:
-ونعم بالله يا أمى أنا مش معترض على أمر ربنا بس مش هسيب اللى حرمنى من إبنى فى حاله لازم ياخد جزاءه الله أعلم إتسبب فى ضرر لمين تانى بطيشه وإستهتاره
داهمته ذكريات الحادث دفعة واحدة فترك مكانه فهو لم يستطيع وضع أى شئ من الطعام بفمه فنهض تاركاً مقعده قائلاً:
-سلام يا أمى انا رايح الشركة ورايا شغل كتير
حدقت كريمة بأثره بحزن جم فمنذ أكثر من عام تقريباً ووقوع ذلك الحادث المرير الذى أفضى بخسارتها لحفيدها وخسارة ولدها لإبنه وهو أصبح هكذا شخص عصبى المزاج لا يحتمل أن يذكره أحد بما حدث ،لايشغل عقله سوى العثور على من فعل به ذلك
وصل إلى مقر عمله وجد محاميه الخاص بإنتظاره فهب واقفاً إحتراماً له فأشار إليه بالجلوس ليبدأ فى إخباره تلك المعلومات التى عثر عليها
وضع المحامى الملف من يده أمامه قائلاً :
-دى كل المعلومات عن الولد اللى لقيته إسمه رامز طلعت الزينى
حك جبهته بتفكير قائلا:
-طلعت الزينى صاحب مصنع الزينى للحديد والصلب
أومأ المحامى برأسه إيجاباً قائلا:
-أيوة هو حضرتك ده إبنه الصغير عيل فاسد مبيعملش حاجة غير إنه يصرف فلوس أبوه والصراحة أبوه بيخاف عليه أوى ولو عرف اللى حضرتك ناوى عليه الدنيا هتقوم حريقة بينك وبينه
رد قائلاً بعدم إكتراث:
-إبن طلعت الزينى ولا إبن طلعت حرب حتى غلط يبقى لازم يتعاقب وياخد جزاءه أنا مش هنسى اللى أتعمل فيا وأبنى اللى راح منى قدام عينى بسبب قلة ضميرهم والواد التانى معرفتش توصله
حرك المحامى رأسه نفياً :
-لاء معرفتش هو مين بس ممكن حضرتك تعرف من اللى إسمه رامز ده لأنه أكيد مش هيبقى حابب يشيل الليلة كلها لوحده وأكيد هيعترف على شريكه
لم يمهل نفسه دقيقة أخرى فخرج من مكتبه يستقل سيارته ينطلق بها حتى وصل إلى مقر شركة طلعت الزينى وهو يعلم أن اليوم سيشهد على الكثير
______________
على صعيد آخر فى أحد ضواحى مدينة القاهرة وخاصة بمنطقة المعادى وفى منزل هادىء يخيم عليه الحب والمودة بين أفراده ،وقفت الأم وتدعى زينب إمرأة جميلة حنون فى منتصف الأربعينات من عمرها أمام الموقد تتابع تحضير طعام الإفطار لأسرتها ،فبعد إنتهاءها من سكب القهوة بالقدح الخاص بزوجها حملتها للخارج تضعها على المائدة ،رفعت رأسها تحدق بباب غرفة إبنتها فأومأت برأسها بيأس فتلك الفتاة لا تستيقظ من نومها إلا إذا ألح عليها أحد بالاستيقاظ ،فولجت للغرفة أقتربت من النافذة تزيح ستائرها جانباً قائلة بصوت حنون يشوبه بعض الصرامة:
-تالين اصحى بقى يا حبيبتى كفياكى نوم قومى بقى
تململت تلك الفتاة ذات الواحد والعشرون ربيعاً بنومها فسحبت الوسادة تضعها على رأسها تغمغم بصوت ناعس:
-خمس دقايق بس ياماما وهقوم خمس دقايق بس يا حبيبتى
أقتربت زينب من إبنتها وسحبت الوسادة الموضوعة على رأسها قائلة بحنو بالغ:
-يلا يا حبيبتى بلاش كسل هتتاخرى على جامعتك يا قلبى
إنصاعت تالين لصوت والداتها الرقيق فهتفت قائلة بطاعة:
-حاضر هقوم أهو يا ماما
مسدت زينب على رأس تالين قائلة:
-يلا بسرعة الفطار جاهز ومتعمليش زى كل يوم تنزلى من غير فطار
تمطت تالين بكسل قائلة:
-حاضر يا زوزو هقوم أهو وهاكل قبل ما أنزل
تركت تلك الحسناء فراشها وولجت للمرحاض وخرج أدت صلاتها، وأرتدت ثيابها ووضعت حجابها الذى أبرز جمال وإستدارة وجهها تتهيأ لذهابها إلى الجامعة فهى طالبة بالسنة النهائية بكلية التربية ،خرجت من غرفتها تبتسم لوالداتها قائلة:
-صباح الخير على أحلى زوزو فى الدنيا
ردت زينب وهى تضع كوب الماء على المائدة قائلة بإبتسامة عريضة:
-صباح النور يا قلب زوزو أخيراً جهزتى نفسك علشان تروحى كليتك
نظرت تالين حولها فعاودت التحديق بوجه والداتها قائلة بإستفهام:
- هو بابا فين أوعى يكون راح الشغل قبل ما أشوفه
تبسمت زينب قائلة:
-بيلبس علشان يروح الشغل متخافيش هو يقدر يروح الشغل قبل ما يشوفك
عاودت تالين سؤالها وهى تضع من الطعام الموضوع على المائدة بفمها قائلة:
-بسام بسلامته صحى ولا لسه نايم زى عوايده
زفرت زينب بقلة حيلة عند ذكر إسم ولدها قائلة :
-روحى صحيه يا تالين مش راضى يقوم
ولجت تالين غرفة شقيقها الذى يصغرها بثلاث سنوات فهو طالب بالسنة الأولى بكلية التجارة
أقتربت تالين من فراش شقيقها تصيح بصوتها قائلة:
-بسااااام اصحى يلا كفياك نوم
أنتفض بسام بعد سماع صوت صياح شقيقته فجلس بالفراش قائلا:
- إيه ده فى إيه بتصرخى كده ليه يا تالين ثم أنا مش عايز اقوم سبينى أنام بقى
عاد بسام يستلقى على الفراش فأقتربت منه تجذبه من ذراعه قائلة:
- بقولك قوم دا انت لسه اول سنة فى الكلية ومقضيها نوم
تأفف بسام قائلاً:
-أنا فاشل يا ستى سبينى انام بقى
وكزته تالين بكتفه برقة قائلة بتهديد مصطنع:
-هتقوم ولا ادلق عليك مايه
إنصاع بسام لها بالاخير قائلاً بتبرم:
-خلاص قايم ياقمر انتى ايه الصباح العسل ده أختى قمر يا ناس
رفعت تالين إحدى حاجبيها لمعرفة سبب تملق شقيقها لها فهتفت به قائلة:
-إممم مش مرتحالك عايز ايه
إزدادت إبتسامة بسام إتساعاً قائلاً
-ولا حاجة يا قلبى
أومأت تالين برأسها قائلة:
-قلبك يبقى كده عايز فلوس
رد بسام مشاغباً إياها:
-اوعى تفهمينى صح يا أختى يا حبيبتى
وضعت تالين يدها بخصرها قائلة:
-عيب دا اللى ربى خير من اللى اشترى
قرص بسام إحدى وجنتيها قائلاً بإبتسامة:
-اللى ربى بتاع مربى
نفضت يده الموضوعة على وجنتها قائلة بجدية:
-بس ويلا بقى كفاية هزار على الصبح خلينا نلحق محاضراتنا
خرجت تالين من غرفة شقيقها ورأت والدها يخرج من غرفته هو الآخر فأقتربت منه بخطوات شبه راكضة حتى وصلت إليه تقبله على وجنته تلقى عليه تحية الصباح فربت عليها بحنان قائلا
-انا مش عارف لما تتجوزى مين هيصبح عليا الصباح العسل ده كل يوم
تبسمت تالين ضاحكة فهتفت قائلة:
-متخافش يا بابا هتلاقينى كل يوم جيالك اصبح عليك
مسد على رأسها يحدق بوجهها الحسن قائلاً:
-بقى كده الواد مروان ياخد حبيبة قلبى منى خلاص
خرج بسام من غرفته قائلاً بتفكه:
-اه متفكرنيش كل ما افتكر ان اختى القمر دى قربت تتجوز ببقى نفس أشرح مروان
زمت تالين شفتيها قائلة :
-تشرحه طب اعملها كده يا بسام
رد جلال قائلا:
- الصراحة احنا مش متخيلين البيت هيبقى من غيرك عامل ازاى يا حبيبتى بعد ما تتجوزى
حاولت زينب إنهاء جدلهم فهتفت بهم قائلة بصوتها الجميل:
-يلا بقى افطروا ومش كل شوية تتكلموا فى الموضوع ده
أقتربت تالين من والداتها تطوق كتفيها بمحبة قائلة:
-عايزة تسربينى انتى يا زوزو زى القطة
ربتت زينب على ذراع إبنتها الملتف حول كتفها قائلة بحب:
-أخص عليكى دا انتى بنتى حبيبتى
جلسوا جميعاً لتناول وجبة الإفطار وبعد الإنتهاء نهضت تالين قائلة بعجالة:
سلام بقى علشان الحق محاضراتى يلا يا بسام
أخذت شقيقها معها وخرجوا من المنزل وصلوا للجامعة فذهب بسام رأساً إلى كليته وذهبت تالين إلى كليتها وجدت صديقتها المقربة وهى فتاة تدعى سمر تنتظرها فهتفت بصوت جهورى قائلة:
-دا انتى مواعيدك زفت سيبانى كل ده لوحدى ماكنتى تتأخرى شوية كمان يا أختى
حاولت تالين صرف غضبها فتمتمت باسمة:
-جتلك اهو يا جميل روق بقى ميبقاش خلقك ضيق كده
أفتر ثغر سمر عن إبتسامة خفيفة قائلة:
- طب يلا احنا احسن ما الدكتور يروقنا
بعد إنتهاءهن من محاضراتهن ،جلسن على الدرج أمام مبنى الكلية تنتظر تالين إنتهاء بسام من محاضراته هو الآخر ليعودوا سوياً للمنزل
حملقت تالين بسمر بوداعة قائلة:
-سمر تيجى معايا مروان جاى علشان هنروح نشترى شوية حاجات للشقة
رفعت سمر شفتها العليا قائلة بإمتعاض:
-لاء مش جاية اصل خطيبك مبنزلوش من زور ولا انا كمان بينزلى من زور
قطبت تالين حاجبيها قائلة بسخط:
-بس يابت دا عسل
دمدمت سمر بصوت خافت:
-عسل اسود ومنيل أنا عارفة عاجبك فيه إيه ده
وصل همسها لمسامع تالين فضربتها بخفة على ذراعها زاجرة إياها بنظرة متأففة:
-على دماغك يا سمر هو أنتى وبسام مبتقولوش عليه كلمة عدلة يلا قومى غورى روحى بسام جاى هناك أهو
ضحكت سمر قائلة:
-بحبك وانت متنرفز ياقمر سلام بقى
عادت تالين إلى المنزل برفقة شقيقها واستعدت للقاء خطيبها مروان فهو أخبرها بشأن مجيئه الليلة من أجل إنتقاء الأثاث اللازم لشقتهم فأستأذن والداها فى الخروج معها ،خرجت تالين من الغرفة بعد إنتهاءها من إرتداء ثيابها فهتف بها مروان بإبتسامة تعتلى قسمات وجهه اللطيفة فهو ليس بالشاب الصارخ الوسامة وليس بغليظ الملامح :
-جاهزة يا تالين خلاص
ردت تالين بهدوء قائلة:
-أيوة خلاص يلا بينا
بينما كانوا على وشك الخروج من باب الشقة هتف بهم جلال قائلا بصوت رصين:
- متتأخروش وخدوا بسام معاكم
لم يكن والداها ليسمح لها بالخروج برفقة خطيبها بمفردهم وخاصة أنهم لم يعقدوا قرانهم بعد ،فكان يصر دائماً على خروج شقيقها بسام برفقتهم فخرج مروان يشعر بالسخط فهو يريد الخروج معها هى فقط وليس برفقة من يظل يراقبه بعينيه كحارس لها ولكنه لم يفه بكلمة تأبطت تالين ذراع شقيقها بسام حتى وصلوا إلى وجهتهم فحاول مروان صرف بسام فهتف به بإبتسامة قائلاً:
-ماتروح تشرب عصير يا بسام شكلك عطشان
رد بسام بإبتسامة سمجة قائلاً:
-شكرا مبحبوش ومين قالك إن أنا عطشان
أزدردى مروان لعابه بغيظ طفيف قائلاً:
-طب كل لب
-مش باكل لب أنا يا مروان
قالها بسام ببرود يحبط كل محاولة لمروان لصرفه عنهم
حملق مروان بتالين قائلاً بنزق:
-وبعدين فيه ده
إزدادت إبتسامة بسام إتساعاً قائلاً بإنتصار :
-ريح دماغك مش هتعرف توزعنى اصل انا بطبيعتى غتت
دمدم مروان ساخطاً:
-لاء ماهو واضح يا بسام من غير ما تقول
زفرت تالين بيأس من شجار شقيقها وخطيبها المعتاد فأشارت إليهم قائلة:
-وبعدين فيكم بقى يلا علشان نتفرج على الموبيليا
رد مروان قائلاً بحماس:
- يلا بينا دا حتى ماما قالتى على محل حلو اوى وهيعجبك
على ذكر إسم والدته تغيرت ملامح وجهها من تدخل تلك المرأة بكل شئونهم الصغيرة قبل الكبيرة فصاحت قائلة بعصبية:
-هى ليه مامتك مصرة انها تخترلنا كل حاجة حتى ألوان الشقة هى اللى اخترتها وأنا سكت علشان معملش مشاكل دلوقتى كمان عيزانا نختار من المحلات اللى تعجبها
حدق بها مروان قائلاً ببرود:
-وماله ذوق ماما بقى يا تالين
ردت تالين متبجحة لأول مرة:
- مش عارفة هو انا هتجوزك انت ولا هتجوز امك
تصنع مروان اللطف قائلاً:
-أنتى عارفة أنا مقدرش أزعل ماما
أحنى بسام رأسه قليلاً يميل على أذن شقيقته قائلاً:
-ما قولتلك ده ابن امه مصدقتنيش عجبك اللى بيعمله
عقدت تالين ذراعيها أمام صدرها قائلة بنفاذ صبر:
-بس بقى يا بسام علشان انا على اخرى
زوى مروان ما بين حاجبيه بغرابة من همسهم فهتف بهم قائلاً:
-بتقولوا ايه كده بصوت واطى
ردت تالين بإقتضاب قائلة:
-ولا حاجة يلا بينا نشوف هنعمل إيه
تجولوا بعدة متاجر لبيع الأثاث المنزلى وقع إختيار تالين على غرفة نوم تناسب ذوقها الرقيق فهتف مروان برفض قائلا:
-لاء ماما مبتحبش اللون ده
غمغم بسام قائلاً:
-والله أنت قرفتنا أنت وأمك
وصلت تالين لحافة صبرها الليلة فعلا صوتها قليلاً قائلة:
-والله هى هتبقى أوضتى انا ولا بتاعتها هى بس خلاص انا قفلت من المشوار يلا نروح مش عايزة أختار حاجة النهاردة صدعت وعايزة أروح
أنتشى بسام من سماع حديث شقيقته فسحب يدها يجعلها تتأبط ذراعه قائلا:
-يلا يا أختى ياحبيبتى نلحق نتفرج على المسلسل الكورى تصبح على خير يا مروان وابقى سلميلى على أمك
أخذ بسام شقيقته مبتعدين فأستدار برأسه إليها قائلاً بتساؤل:
-انا مش عارف انتى سكتاله ليه يا تالين على عمايله دى
تمتمت تالين قائلة:
-بس هو قلبه طيب يا بسام
رد بسام قائلاً بإمتعاض ونفور:
- قلبه طيب ! قلبك أبيض يا أختى يلا نطلع ننام بلا هم
من المتفق عليه هو إقامة حفل زفاف تالين ومروان بعد إنتهاءها من دراستها الجامعية أى بعد بضعة أشهر فقط، فهى تمت خطبتها ببداية عامها الدراسى عندما تقدم لخطبتها مروان ورأته شاب مناسب لتكتشف فيما بعد آفته وهى أنه دائم الانصياع لوالدته ،إلا أنها تأمل أن تتغير طباعه لذلك هى تعلل تمسكها به بأن لديه قلب طيب ولكنها من داخلها تخشى الإخفاق فى تلك الزيجة التى يحرك خيوطها فى الخفاء ما تُدعى والدته
___________
بعد مرور يومين...
عاد بسام الى المنزل فى حالة يرثى لها من الخوف والقلق يلتفت خلفه كمن يخشى أن يكون أحد يتتبعه كمن أفتعل جرم عظيم وانكشف أمره لاحظت تالين ذلك فذهبت الى غرفته تلج الغرفة بخطى واسعة وقلق عظيم أقتربت من شقيقها قائلة:
-بسام مالك فى ايه
وضعت يدها على كتفه فأنتفض بسام برجفة شعرت تالين بها فرد قائلا:
-ها مفيش حاجة يا تالين أنا كويس
زاد قلقها أكثر وهى ترى وجهه متعرقاً بهذا الطقس البارد فجلست مقابل له على الفراش قائلة:
- لاء بجد فى ايه مال وشك اصفر ليه كده حصل حاجة قولى يا بسام
لم يكبح جماح عبراته التى تساقطت تباعاً من عينيه قائلا بنشيج:
-فى مصيبة يا تالين وهروح فى داهية
أزدردت لعابها تحاول أن تعى ما يقوله فتلعثمت قائلة:
-ممصيبة ايه يا ابنى انطق وقعت قلبى حرام عليك
حدق بسام بوجهها ووجنتاه رطبتين من بكاءه فبدأ بسرد ما حدث فبدأ حديثه قائلاً:
-الموضوع حصل من حوالى سنة كنت انا ورامز صاحبى راكبين العربية بتاعته ورايحين نتفسح بالليل فالفرامل كانت بايظة حاولت أخليه يوقفها مسمعش كلامى كنا على طريق سريع فى الوقت ده كان فاضى رامز حب يلعب شوية فساقها فى الاتجاه المعاكس ومخدش باله من العربية اللى كانت مقبلانا فخبط فيها ،محصلناش حاجة بس العربية التانية هى اللى أتقلبت،أترعبنا ونزلنا نشوف فى إيه لقينا واحد وإبنه وشهم كله دم وأتعوروا جامد خوفنا بس قولت لرامز يكلم الاسعاف علشان نلحقهم فرامز شدنى غصب عنى وقالى أنت عايز تودينا فى داهية والراجل فضل ينادى أن حد يلحق إبنه لان هو كمان كان مصاب ومش قادر يتحرك ،دخلنى رامز عربيته بالعافية وقالى أن أسكت خالص والا هنروح فى داهية وقالى هيخلى أبوه يتصرف فى الموضوع بعدها بكام يوم رامز ضحك عليا وقالى أن الراجل وإبنه كويسين بس اللى عرفته النهاردة أن الولد مات فى الحادثة وأبوه فضل يدور على اللى عمل كده لحد ما وصل لرامز وقابل أبوه وحكاله على كل حاجة وطلب منه يسلمنا احنا الاتنين للبوليس علشان لازم نتعاقب بس أبو رامز قاله أدينى وقت أفكر وهرد عليك بس هو ضحك عليه وخلى رامز سافر بره مصر وهرب النهاردة بعد ما أتصل عليا وقالى على كل حاجة وانا مش عارف اعمل ايه والله العظيم هو اللى كان سايق وانا اللى دلوقتى هروح فى الرجلين بسببه أنا كنت عايز أنقذ الولد وأبوه والله يا تالين ما عملت حاجة
زادت وتيرة بكاءه فظلت تالين تستمع لشقيقها بعيون متسعة من الصدمة فردت قائلة بذهول:
-وهتعمل ايه دلوقتى لو بابا وماما عرفوا هيروحوا فيها هما مش لازم يعرفوا على ما نشوف حل وخصوصاً بابا دا عنده القلب وميستحملش خبر زى ده
مسح بسام عينيه بظاهر يده قائلاً:
-مش عارف يا تالين مستقبلى هيضيع خلاص وتلاقى أبو الولد زمانه عرف بهروب رامز وهيدور عليا أنا
مدت تالين يدها تمسح دموع شقيقها قائلة:
-قول لابو الولد انك ملكش ذنب وانك مكنتش انت اللى سايق العربية أنت مبتعرفش تسوق اصلاً
تعلقت يد بسام بيد شقيقته الكبرى قائلاً بنحيب:
-مظنش انه هيسمعنى دا طلع راجل صاحب نفوذ وواصل أوى يعنى انا خلاص ضيعت ومستقبلى راح
تركت تالين مكانها تدور حول نفسها يائسة تبحث عن حل أو مخرج من تلك المعضلة:
-احنا لازم نشوف حل بس هنعمل ايه دلوقتى لازم نفكر كويس
وضع بسام وجهه بين راحتيه يزفر بثقل قائلا:
-مش عارف أفكر انا حاسس انى جالى شلل فى التفكير
اقتربت منه تالين سائلة إياه:
-اسمه ايه ابو الولد ده يا بسام
رفع بسام وجهه إليها قائلا بتفكير:
-عايزة تعرفى إسمه ليه يا تالين
عادت لتجلس بجواره ثانية صمتت بالبدء لتعاود الحديث بعد برهة وجيزة فحاولت إضفاء نبرة متزنة على صوتها المرتجف:
-يمكن اروح أفهمه أنك ملكش ذنب و أن أنت برىء يا بسام
رد بسام قائلاً :
-رامز قالى ان اسمه چواد النصراوى
ربتت تالين على يد شقيقها تحاول أن تبث الأمان بقلبه فتبسمت إبتسامة خفيفة:
-خلاص انا هحاول أروح أقابله ونشوف حل يا بسام متقلقش بس لازم أعرف عنوانه
حصلت" تالين" على عنوان "جواد النصراوى" بسهولة لذيع صيته،وذهبت للقاءه وهى تدعو الله أن يوفقها بمهمتها وأن تقنع هذا الرجل ببراءة شقيقها فهو والد أيضاً وسيشعر بحزن والداها إذا أصاب إبنه مكروه فستتوسله أن يصفح عن شقيقها فربما لديه أبناء آخرين بمثل عمرها فلن تجد مشقة بإقناعه
وصلت تالين إلى منزل جواد النصراوى شعرت بالرهبة أكثر خاصة من تلك الرفاهية والبذخ الذى يحيا به فربما ستفضى مهمتها بالنهاية لفشلها فى الحصول على الصفح منه لشقيقها فهو ليس بمذنب ولكن ربما لجواد رأى أخر
قابلتها إحدى الخادمات فقالت تالين بتهذيب:
-لو سمحتى عايزة اقابل چواد بيه ضرورى فى موضوع مهم
ردت الخامة قائلة وهى تشير لها بالدخول:
-اتفضلى حضرتك وانا هديله خبر حالا
ولجت تالين الى غرفة المكتب يتملكها القلق والخوف من هذه المقابلة فماذا سيحدث إذا رفض الاستماع إليها؟ فهى ستفعل المستحيل من أجل حماية شقيقها وإنقاذ مستقبله الذى أصبح على وشك الضياع ،جالت ببصرها بأثاث الغرفة فلمحت عدة صور معلقة على الجدار صورة لرجل أشيب وقور بملامح وسيمة مبتسم المحيا وصورة اخرى تضم ذلك الرجل مع شاب بمقتبل عمره فهتفت هامسة:
-يبقى كده تفكيرى صح جواد ده عنده ولاد كبار ويمكن الواد اللى أتوفى ده كان إبنه الصغير
أثناء حديثها لنفسها أنفتح باب الغرفة ولمحت رجل يحمل نفس ملامح ذلك الشاب بالصورة وخاصة لون عينيه الصفراوتين الغريبتين المختلطتان بلون أخضر خفيف يجعلها تلتمع ببريق مهيب تلك العينان اللتان تشبه أعين أحد زعماء قطيع الذئاب مثلما أعتادت أن تراهم بالتلفاز
شعرت تالين بجفاف فى حلقها فتلعثمت قائلة:
-حضرتك انا جاية اقابل چواد بيه هو يبقى والدك
وضع يده بجيب بنطاله قائلاً بهدوء:
-وانتى عايزة تقابليه ليه فى حاجة
ردت تالين بهدوء تحاول تجميع شتات عقلها :
- فى موضوع مهم أوى عايزة اكلمه فيه ناديله لو سمحت
قطب حاجبيه بغرابة قائلا:
- خير موضوع ايه اتفضلى قولى يا أنسة
أنزعجت تالين من كثرة سؤاله فردت قائلة:
-لاء لازم اتكلم فى الموضوع معاه هو شخصياً مش مع أى حد تانى
جلس على مقعد واضعاً ساق على الأخرى يحدق بها قائلاً:
-قوليلى وانا هبقى اقوله كل اللى انتى عوزاه
قبضت تالين على حقيبتها قائلة:
-حضرتك لازم هو اللى يسمعنى
تشابكت أصابعه قائلاً بصوت رزين:
-اعتبريه سامعك قولى يا أنسة وخلصينى
أنتفخت أوداجها بغضب فعلا صوتها بصياح قائلة:
-وبعدين بقى ما تقولى هو فين وتخلصنى إيه ده أسئلة أسئلة قولتلك أنا عايزة أقابل والدك يبقى تروح وتندهله مش تفضل تزهقنى
هب واقفاً مكانه يحدجها بنظرة غاضبة قائلاً :
- هو انتى جاية تعلى صوتك عليا هنا فى بيتى فى إيه يا أنسة
شعرت تالين برعونة تصرفها فحاولت أن تبدى إعتذارها فهتفت بأسف قائلة:
- أنا مش قصدى طبعاً أعلى صوتى ثم ما هو انت مش راضى تناديلى چواد بيه والدك ومصر انت اللى تعرف عيزاه ليه
التوى فمه قائلا بسخرية:
-ماهو أنا ابقى چواد بيه والدى واللى حضرتك عايزة تتكلمى معاه خير
بُهتت تالين مما سمعته فهى ظنت أن يكون جواد هو ذلك الرجل الكهل بالصورة وليس ذلك الشاب الواقف أمامها والذى ربما ببداية الثلاثينات من عمره
فطفقت تردد بتلعثم واضح:
-هو هو حضرتك چواد بيه متأكد من الكلام ده
رفع جواد حاحبه الأيسر من إصرار تلك الفتاة على عدم الاقتناع بكونه الشخص المنشود والذى تريد مقابلته بشأن أمر هام يجهله هو حتى الآن فرد قائلاً بثقة:
أيوه أنا مش مصدقة تحبى تشوفى بطاقتى الشخصية خير يا آنسة كنتى عيزانى فى ايه
ألجمت الصدمة لسانها ،فأنفرجت شفتيها تمهيداً لحديثها فعاودت ضمها ثانية خشية الإفصاح عما تريده
يتبع....!!!!!!
١ - « ليت كل الآثام تُنسى »
تنفس هواء الصباح بعد إختناقه بنسمات ليل عصيب مر عليه كباقى لياليه ، راقب تسلل خيوط النهار من خلف ستار الظلام بعد أن أنتهى من صلاته ، فأحكم غلق سحاب كنزته الصوفية وخرج إلى ذلك الطريق الذى يتخذ منه مضماراً فصوت خطواته الراكضة تصدر صوتاً بدعس تلك الأوراق الجافة المتساقطة من الأشجار التى تحيط المكان كالسياج ، يعدو كمن هناك شبحاً بأثره يريد الفرار منه ،حتى تباطأت قدميه ووقف يلتقط أنفاسه اللاهثة ، فأنحنى بجزعه العلوى وأرتكز بيديه على ركبتيه يحاول تنظيم أنفاسه وصدره مازال يعلو ويهبط حتى سمع صوت رنين هاتفه فأستقام بوقفته وسحبه من جيب كنزته
وضع الهاتف على أذنه قائلاً:
-أيوة لقيتهم ولا لسه
جاءه الرد على الطرف الآخر قائلا بطاعة:
-أيوة حضرتك لقيت واحد فيهم وجبت عنوانه وعرفت كل حاجة عنه
حك جبهته بيده يزفر بشئ من الارتياح فرد قائلاً:
-تمام إستنانى فى مكانك قدامى نص ساعة وجايلك مش هتأخر
أنهى مكالمته وأكمل ركضه حتى وصل لذلك المنزل الذى لا يبعد كثيراً عن مكان تواجده ، فالمنزل مشيد بإحترافية يدل على فخامة ورقى ساكنيه تحيطه حديقة غناء تتناغم ألوان الأشجار والورود بها كإنها لوحة بديعة رسمتها يد فنان محترف ،ولج للداخل وجد العاملين بالمنزل إستيقظوا لبدء روتينهم اليومى كأنهم بخلية نحل يسعى كل منهم لتأدية مهمته على أكمل وجه ،أرتقى الدرج بخطواته السريعة حتى وصل لغرفته بالطابق الثاني ، ففتح سحاب كنزته يلقيها على طرف الفراش وولج للمرحاض ،وبعد عدة دقائق خرج يجفف رأسه فتهدلت خصلات شعره الأسود على جبينه فغرز أصابعه بها بتأفف من سرعة نمو شعره :
-أنا مش عارف كل لما أقص شعرى يطول بسرعة ليه كده
ألقى المنشفة وأرتدى ثيابه وعاد يقف أمام المرآة ثانية لتمشيط شعره ووضع عطره الذى يحمل إسم أفخم دور العطور ،أخذ نفساً عميقاً يزفره ببطئ وقلة حيلة متمنياً أن يكون عثر على مبتغاه تلك المرة
هبط الدرجات بخطوات تكاد لا تسمع وتسلل بخفة من خلف تلك السيدة ذات الخمسة وخمسون عاماً التى توليه ظهرها تعمل على تنسيق مائدة الطعام كعادتها كل يوم ،طوقها بذراعيه يكاد يرفعها عن الأرض من رشاقتها التى حافظت عليها منذ أن كانت فتاة صغيرة
قبلها على وجنتها قائلا بحب:
-صباح الخير يا كوكو
أفتر ثغر كريمة عن إبتسامة واسعة من اللفظ التحببى الذى يناديها به ولدها دائما فهتفت بغضب مصطنع:
-أنا مش بكلمك على فكرة
إبتعد عنها قليلا ليتيح لها الاستدارة إليه فسكنت حركاته يتطلع إليها بصمت ،خشيت هى أن يأخذ حديثها على محمل الجد فهذا عيبه الوحيد لايحب المزاح
فرد قائلاً بهدوء:
-ليه يا أمى عملت إيه ؟
سحبته من كف يده تجلسه على مقعده ومازال رافعاً وجهه لها فى إنتظار أن تجيبه على ما سألها إياه وضعت له من الطعام بطبقه الخاص وهى باسمة:
-أنا بهزر معاك بس زعلت أنك رجعت متأخر أمبارح وكل يوم على كده
حملق بطبقه قائلاً بصوت خافت:
-إنتى عارفة أتأخرت ليه يا أمى
جلست كريمة على مقعدها وأعتلت ملامح وجهها الحزن على ما أصاب ولدها منذ ذلك الحادث المرير فمدت يده تربت على يده التى يكورها حتى برزت عروقه الزرقاء بها فدمدمت بحنان قائلة:
-حبيبى كفاية بقى تعذب نفسك لحد كده اللى حصل حصل ودى إرادة ربنا ملناش يد فيها
وضع إحدى يديه أسفل ذقنه يحاول جاهداً أن يخرج صوته طبيعياً بدون تلك الغصة العالقة به فتمتم قائلاً:
-ونعم بالله يا أمى أنا مش معترض على أمر ربنا بس مش هسيب اللى حرمنى من إبنى فى حاله لازم ياخد جزاءه الله أعلم إتسبب فى ضرر لمين تانى بطيشه وإستهتاره
داهمته ذكريات الحادث دفعة واحدة فترك مكانه فهو لم يستطيع وضع أى شئ من الطعام بفمه فنهض تاركاً مقعده قائلاً:
-سلام يا أمى انا رايح الشركة ورايا شغل كتير
حدقت كريمة بأثره بحزن جم فمنذ أكثر من عام تقريباً ووقوع ذلك الحادث المرير الذى أفضى بخسارتها لحفيدها وخسارة ولدها لإبنه وهو أصبح هكذا شخص عصبى المزاج لا يحتمل أن يذكره أحد بما حدث ،لايشغل عقله سوى العثور على من فعل به ذلك
وصل إلى مقر عمله وجد محاميه الخاص بإنتظاره فهب واقفاً إحتراماً له فأشار إليه بالجلوس ليبدأ فى إخباره تلك المعلومات التى عثر عليها
وضع المحامى الملف من يده أمامه قائلاً :
-دى كل المعلومات عن الولد اللى لقيته إسمه رامز طلعت الزينى
حك جبهته بتفكير قائلا:
-طلعت الزينى صاحب مصنع الزينى للحديد والصلب
أومأ المحامى برأسه إيجاباً قائلا:
-أيوة هو حضرتك ده إبنه الصغير عيل فاسد مبيعملش حاجة غير إنه يصرف فلوس أبوه والصراحة أبوه بيخاف عليه أوى ولو عرف اللى حضرتك ناوى عليه الدنيا هتقوم حريقة بينك وبينه
رد قائلاً بعدم إكتراث:
-إبن طلعت الزينى ولا إبن طلعت حرب حتى غلط يبقى لازم يتعاقب وياخد جزاءه أنا مش هنسى اللى أتعمل فيا وأبنى اللى راح منى قدام عينى بسبب قلة ضميرهم والواد التانى معرفتش توصله
حرك المحامى رأسه نفياً :
-لاء معرفتش هو مين بس ممكن حضرتك تعرف من اللى إسمه رامز ده لأنه أكيد مش هيبقى حابب يشيل الليلة كلها لوحده وأكيد هيعترف على شريكه
لم يمهل نفسه دقيقة أخرى فخرج من مكتبه يستقل سيارته ينطلق بها حتى وصل إلى مقر شركة طلعت الزينى وهو يعلم أن اليوم سيشهد على الكثير
______________
على صعيد آخر فى أحد ضواحى مدينة القاهرة وخاصة بمنطقة المعادى وفى منزل هادىء يخيم عليه الحب والمودة بين أفراده ،وقفت الأم وتدعى زينب إمرأة جميلة حنون فى منتصف الأربعينات من عمرها أمام الموقد تتابع تحضير طعام الإفطار لأسرتها ،فبعد إنتهاءها من سكب القهوة بالقدح الخاص بزوجها حملتها للخارج تضعها على المائدة ،رفعت رأسها تحدق بباب غرفة إبنتها فأومأت برأسها بيأس فتلك الفتاة لا تستيقظ من نومها إلا إذا ألح عليها أحد بالاستيقاظ ،فولجت للغرفة أقتربت من النافذة تزيح ستائرها جانباً قائلة بصوت حنون يشوبه بعض الصرامة:
-تالين اصحى بقى يا حبيبتى كفياكى نوم قومى بقى
تململت تلك الفتاة ذات الواحد والعشرون ربيعاً بنومها فسحبت الوسادة تضعها على رأسها تغمغم بصوت ناعس:
-خمس دقايق بس ياماما وهقوم خمس دقايق بس يا حبيبتى
أقتربت زينب من إبنتها وسحبت الوسادة الموضوعة على رأسها قائلة بحنو بالغ:
-يلا يا حبيبتى بلاش كسل هتتاخرى على جامعتك يا قلبى
إنصاعت تالين لصوت والداتها الرقيق فهتفت قائلة بطاعة:
-حاضر هقوم أهو يا ماما
مسدت زينب على رأس تالين قائلة:
-يلا بسرعة الفطار جاهز ومتعمليش زى كل يوم تنزلى من غير فطار
تمطت تالين بكسل قائلة:
-حاضر يا زوزو هقوم أهو وهاكل قبل ما أنزل
تركت تلك الحسناء فراشها وولجت للمرحاض وخرج أدت صلاتها، وأرتدت ثيابها ووضعت حجابها الذى أبرز جمال وإستدارة وجهها تتهيأ لذهابها إلى الجامعة فهى طالبة بالسنة النهائية بكلية التربية ،خرجت من غرفتها تبتسم لوالداتها قائلة:
-صباح الخير على أحلى زوزو فى الدنيا
ردت زينب وهى تضع كوب الماء على المائدة قائلة بإبتسامة عريضة:
-صباح النور يا قلب زوزو أخيراً جهزتى نفسك علشان تروحى كليتك
نظرت تالين حولها فعاودت التحديق بوجه والداتها قائلة بإستفهام:
- هو بابا فين أوعى يكون راح الشغل قبل ما أشوفه
تبسمت زينب قائلة:
-بيلبس علشان يروح الشغل متخافيش هو يقدر يروح الشغل قبل ما يشوفك
عاودت تالين سؤالها وهى تضع من الطعام الموضوع على المائدة بفمها قائلة:
-بسام بسلامته صحى ولا لسه نايم زى عوايده
زفرت زينب بقلة حيلة عند ذكر إسم ولدها قائلة :
-روحى صحيه يا تالين مش راضى يقوم
ولجت تالين غرفة شقيقها الذى يصغرها بثلاث سنوات فهو طالب بالسنة الأولى بكلية التجارة
أقتربت تالين من فراش شقيقها تصيح بصوتها قائلة:
-بسااااام اصحى يلا كفياك نوم
أنتفض بسام بعد سماع صوت صياح شقيقته فجلس بالفراش قائلا:
- إيه ده فى إيه بتصرخى كده ليه يا تالين ثم أنا مش عايز اقوم سبينى أنام بقى
عاد بسام يستلقى على الفراش فأقتربت منه تجذبه من ذراعه قائلة:
- بقولك قوم دا انت لسه اول سنة فى الكلية ومقضيها نوم
تأفف بسام قائلاً:
-أنا فاشل يا ستى سبينى انام بقى
وكزته تالين بكتفه برقة قائلة بتهديد مصطنع:
-هتقوم ولا ادلق عليك مايه
إنصاع بسام لها بالاخير قائلاً بتبرم:
-خلاص قايم ياقمر انتى ايه الصباح العسل ده أختى قمر يا ناس
رفعت تالين إحدى حاجبيها لمعرفة سبب تملق شقيقها لها فهتفت به قائلة:
-إممم مش مرتحالك عايز ايه
إزدادت إبتسامة بسام إتساعاً قائلاً
-ولا حاجة يا قلبى
أومأت تالين برأسها قائلة:
-قلبك يبقى كده عايز فلوس
رد بسام مشاغباً إياها:
-اوعى تفهمينى صح يا أختى يا حبيبتى
وضعت تالين يدها بخصرها قائلة:
-عيب دا اللى ربى خير من اللى اشترى
قرص بسام إحدى وجنتيها قائلاً بإبتسامة:
-اللى ربى بتاع مربى
نفضت يده الموضوعة على وجنتها قائلة بجدية:
-بس ويلا بقى كفاية هزار على الصبح خلينا نلحق محاضراتنا
خرجت تالين من غرفة شقيقها ورأت والدها يخرج من غرفته هو الآخر فأقتربت منه بخطوات شبه راكضة حتى وصلت إليه تقبله على وجنته تلقى عليه تحية الصباح فربت عليها بحنان قائلا
-انا مش عارف لما تتجوزى مين هيصبح عليا الصباح العسل ده كل يوم
تبسمت تالين ضاحكة فهتفت قائلة:
-متخافش يا بابا هتلاقينى كل يوم جيالك اصبح عليك
مسد على رأسها يحدق بوجهها الحسن قائلاً:
-بقى كده الواد مروان ياخد حبيبة قلبى منى خلاص
خرج بسام من غرفته قائلاً بتفكه:
-اه متفكرنيش كل ما افتكر ان اختى القمر دى قربت تتجوز ببقى نفس أشرح مروان
زمت تالين شفتيها قائلة :
-تشرحه طب اعملها كده يا بسام
رد جلال قائلا:
- الصراحة احنا مش متخيلين البيت هيبقى من غيرك عامل ازاى يا حبيبتى بعد ما تتجوزى
حاولت زينب إنهاء جدلهم فهتفت بهم قائلة بصوتها الجميل:
-يلا بقى افطروا ومش كل شوية تتكلموا فى الموضوع ده
أقتربت تالين من والداتها تطوق كتفيها بمحبة قائلة:
-عايزة تسربينى انتى يا زوزو زى القطة
ربتت زينب على ذراع إبنتها الملتف حول كتفها قائلة بحب:
-أخص عليكى دا انتى بنتى حبيبتى
جلسوا جميعاً لتناول وجبة الإفطار وبعد الإنتهاء نهضت تالين قائلة بعجالة:
سلام بقى علشان الحق محاضراتى يلا يا بسام
أخذت شقيقها معها وخرجوا من المنزل وصلوا للجامعة فذهب بسام رأساً إلى كليته وذهبت تالين إلى كليتها وجدت صديقتها المقربة وهى فتاة تدعى سمر تنتظرها فهتفت بصوت جهورى قائلة:
-دا انتى مواعيدك زفت سيبانى كل ده لوحدى ماكنتى تتأخرى شوية كمان يا أختى
حاولت تالين صرف غضبها فتمتمت باسمة:
-جتلك اهو يا جميل روق بقى ميبقاش خلقك ضيق كده
أفتر ثغر سمر عن إبتسامة خفيفة قائلة:
- طب يلا احنا احسن ما الدكتور يروقنا
بعد إنتهاءهن من محاضراتهن ،جلسن على الدرج أمام مبنى الكلية تنتظر تالين إنتهاء بسام من محاضراته هو الآخر ليعودوا سوياً للمنزل
حملقت تالين بسمر بوداعة قائلة:
-سمر تيجى معايا مروان جاى علشان هنروح نشترى شوية حاجات للشقة
رفعت سمر شفتها العليا قائلة بإمتعاض:
-لاء مش جاية اصل خطيبك مبنزلوش من زور ولا انا كمان بينزلى من زور
قطبت تالين حاجبيها قائلة بسخط:
-بس يابت دا عسل
دمدمت سمر بصوت خافت:
-عسل اسود ومنيل أنا عارفة عاجبك فيه إيه ده
وصل همسها لمسامع تالين فضربتها بخفة على ذراعها زاجرة إياها بنظرة متأففة:
-على دماغك يا سمر هو أنتى وبسام مبتقولوش عليه كلمة عدلة يلا قومى غورى روحى بسام جاى هناك أهو
ضحكت سمر قائلة:
-بحبك وانت متنرفز ياقمر سلام بقى
عادت تالين إلى المنزل برفقة شقيقها واستعدت للقاء خطيبها مروان فهو أخبرها بشأن مجيئه الليلة من أجل إنتقاء الأثاث اللازم لشقتهم فأستأذن والداها فى الخروج معها ،خرجت تالين من الغرفة بعد إنتهاءها من إرتداء ثيابها فهتف بها مروان بإبتسامة تعتلى قسمات وجهه اللطيفة فهو ليس بالشاب الصارخ الوسامة وليس بغليظ الملامح :
-جاهزة يا تالين خلاص
ردت تالين بهدوء قائلة:
-أيوة خلاص يلا بينا
بينما كانوا على وشك الخروج من باب الشقة هتف بهم جلال قائلا بصوت رصين:
- متتأخروش وخدوا بسام معاكم
لم يكن والداها ليسمح لها بالخروج برفقة خطيبها بمفردهم وخاصة أنهم لم يعقدوا قرانهم بعد ،فكان يصر دائماً على خروج شقيقها بسام برفقتهم فخرج مروان يشعر بالسخط فهو يريد الخروج معها هى فقط وليس برفقة من يظل يراقبه بعينيه كحارس لها ولكنه لم يفه بكلمة تأبطت تالين ذراع شقيقها بسام حتى وصلوا إلى وجهتهم فحاول مروان صرف بسام فهتف به بإبتسامة قائلاً:
-ماتروح تشرب عصير يا بسام شكلك عطشان
رد بسام بإبتسامة سمجة قائلاً:
-شكرا مبحبوش ومين قالك إن أنا عطشان
أزدردى مروان لعابه بغيظ طفيف قائلاً:
-طب كل لب
-مش باكل لب أنا يا مروان
قالها بسام ببرود يحبط كل محاولة لمروان لصرفه عنهم
حملق مروان بتالين قائلاً بنزق:
-وبعدين فيه ده
إزدادت إبتسامة بسام إتساعاً قائلاً بإنتصار :
-ريح دماغك مش هتعرف توزعنى اصل انا بطبيعتى غتت
دمدم مروان ساخطاً:
-لاء ماهو واضح يا بسام من غير ما تقول
زفرت تالين بيأس من شجار شقيقها وخطيبها المعتاد فأشارت إليهم قائلة:
-وبعدين فيكم بقى يلا علشان نتفرج على الموبيليا
رد مروان قائلاً بحماس:
- يلا بينا دا حتى ماما قالتى على محل حلو اوى وهيعجبك
على ذكر إسم والدته تغيرت ملامح وجهها من تدخل تلك المرأة بكل شئونهم الصغيرة قبل الكبيرة فصاحت قائلة بعصبية:
-هى ليه مامتك مصرة انها تخترلنا كل حاجة حتى ألوان الشقة هى اللى اخترتها وأنا سكت علشان معملش مشاكل دلوقتى كمان عيزانا نختار من المحلات اللى تعجبها
حدق بها مروان قائلاً ببرود:
-وماله ذوق ماما بقى يا تالين
ردت تالين متبجحة لأول مرة:
- مش عارفة هو انا هتجوزك انت ولا هتجوز امك
تصنع مروان اللطف قائلاً:
-أنتى عارفة أنا مقدرش أزعل ماما
أحنى بسام رأسه قليلاً يميل على أذن شقيقته قائلاً:
-ما قولتلك ده ابن امه مصدقتنيش عجبك اللى بيعمله
عقدت تالين ذراعيها أمام صدرها قائلة بنفاذ صبر:
-بس بقى يا بسام علشان انا على اخرى
زوى مروان ما بين حاجبيه بغرابة من همسهم فهتف بهم قائلاً:
-بتقولوا ايه كده بصوت واطى
ردت تالين بإقتضاب قائلة:
-ولا حاجة يلا بينا نشوف هنعمل إيه
تجولوا بعدة متاجر لبيع الأثاث المنزلى وقع إختيار تالين على غرفة نوم تناسب ذوقها الرقيق فهتف مروان برفض قائلا:
-لاء ماما مبتحبش اللون ده
غمغم بسام قائلاً:
-والله أنت قرفتنا أنت وأمك
وصلت تالين لحافة صبرها الليلة فعلا صوتها قليلاً قائلة:
-والله هى هتبقى أوضتى انا ولا بتاعتها هى بس خلاص انا قفلت من المشوار يلا نروح مش عايزة أختار حاجة النهاردة صدعت وعايزة أروح
أنتشى بسام من سماع حديث شقيقته فسحب يدها يجعلها تتأبط ذراعه قائلا:
-يلا يا أختى ياحبيبتى نلحق نتفرج على المسلسل الكورى تصبح على خير يا مروان وابقى سلميلى على أمك
أخذ بسام شقيقته مبتعدين فأستدار برأسه إليها قائلاً بتساؤل:
-انا مش عارف انتى سكتاله ليه يا تالين على عمايله دى
تمتمت تالين قائلة:
-بس هو قلبه طيب يا بسام
رد بسام قائلاً بإمتعاض ونفور:
- قلبه طيب ! قلبك أبيض يا أختى يلا نطلع ننام بلا هم
من المتفق عليه هو إقامة حفل زفاف تالين ومروان بعد إنتهاءها من دراستها الجامعية أى بعد بضعة أشهر فقط، فهى تمت خطبتها ببداية عامها الدراسى عندما تقدم لخطبتها مروان ورأته شاب مناسب لتكتشف فيما بعد آفته وهى أنه دائم الانصياع لوالدته ،إلا أنها تأمل أن تتغير طباعه لذلك هى تعلل تمسكها به بأن لديه قلب طيب ولكنها من داخلها تخشى الإخفاق فى تلك الزيجة التى يحرك خيوطها فى الخفاء ما تُدعى والدته
___________
بعد مرور يومين...
عاد بسام الى المنزل فى حالة يرثى لها من الخوف والقلق يلتفت خلفه كمن يخشى أن يكون أحد يتتبعه كمن أفتعل جرم عظيم وانكشف أمره لاحظت تالين ذلك فذهبت الى غرفته تلج الغرفة بخطى واسعة وقلق عظيم أقتربت من شقيقها قائلة:
-بسام مالك فى ايه
وضعت يدها على كتفه فأنتفض بسام برجفة شعرت تالين بها فرد قائلا:
-ها مفيش حاجة يا تالين أنا كويس
زاد قلقها أكثر وهى ترى وجهه متعرقاً بهذا الطقس البارد فجلست مقابل له على الفراش قائلة:
- لاء بجد فى ايه مال وشك اصفر ليه كده حصل حاجة قولى يا بسام
لم يكبح جماح عبراته التى تساقطت تباعاً من عينيه قائلا بنشيج:
-فى مصيبة يا تالين وهروح فى داهية
أزدردت لعابها تحاول أن تعى ما يقوله فتلعثمت قائلة:
-ممصيبة ايه يا ابنى انطق وقعت قلبى حرام عليك
حدق بسام بوجهها ووجنتاه رطبتين من بكاءه فبدأ بسرد ما حدث فبدأ حديثه قائلاً:
-الموضوع حصل من حوالى سنة كنت انا ورامز صاحبى راكبين العربية بتاعته ورايحين نتفسح بالليل فالفرامل كانت بايظة حاولت أخليه يوقفها مسمعش كلامى كنا على طريق سريع فى الوقت ده كان فاضى رامز حب يلعب شوية فساقها فى الاتجاه المعاكس ومخدش باله من العربية اللى كانت مقبلانا فخبط فيها ،محصلناش حاجة بس العربية التانية هى اللى أتقلبت،أترعبنا ونزلنا نشوف فى إيه لقينا واحد وإبنه وشهم كله دم وأتعوروا جامد خوفنا بس قولت لرامز يكلم الاسعاف علشان نلحقهم فرامز شدنى غصب عنى وقالى أنت عايز تودينا فى داهية والراجل فضل ينادى أن حد يلحق إبنه لان هو كمان كان مصاب ومش قادر يتحرك ،دخلنى رامز عربيته بالعافية وقالى أن أسكت خالص والا هنروح فى داهية وقالى هيخلى أبوه يتصرف فى الموضوع بعدها بكام يوم رامز ضحك عليا وقالى أن الراجل وإبنه كويسين بس اللى عرفته النهاردة أن الولد مات فى الحادثة وأبوه فضل يدور على اللى عمل كده لحد ما وصل لرامز وقابل أبوه وحكاله على كل حاجة وطلب منه يسلمنا احنا الاتنين للبوليس علشان لازم نتعاقب بس أبو رامز قاله أدينى وقت أفكر وهرد عليك بس هو ضحك عليه وخلى رامز سافر بره مصر وهرب النهاردة بعد ما أتصل عليا وقالى على كل حاجة وانا مش عارف اعمل ايه والله العظيم هو اللى كان سايق وانا اللى دلوقتى هروح فى الرجلين بسببه أنا كنت عايز أنقذ الولد وأبوه والله يا تالين ما عملت حاجة
زادت وتيرة بكاءه فظلت تالين تستمع لشقيقها بعيون متسعة من الصدمة فردت قائلة بذهول:
-وهتعمل ايه دلوقتى لو بابا وماما عرفوا هيروحوا فيها هما مش لازم يعرفوا على ما نشوف حل وخصوصاً بابا دا عنده القلب وميستحملش خبر زى ده
مسح بسام عينيه بظاهر يده قائلاً:
-مش عارف يا تالين مستقبلى هيضيع خلاص وتلاقى أبو الولد زمانه عرف بهروب رامز وهيدور عليا أنا
مدت تالين يدها تمسح دموع شقيقها قائلة:
-قول لابو الولد انك ملكش ذنب وانك مكنتش انت اللى سايق العربية أنت مبتعرفش تسوق اصلاً
تعلقت يد بسام بيد شقيقته الكبرى قائلاً بنحيب:
-مظنش انه هيسمعنى دا طلع راجل صاحب نفوذ وواصل أوى يعنى انا خلاص ضيعت ومستقبلى راح
تركت تالين مكانها تدور حول نفسها يائسة تبحث عن حل أو مخرج من تلك المعضلة:
-احنا لازم نشوف حل بس هنعمل ايه دلوقتى لازم نفكر كويس
وضع بسام وجهه بين راحتيه يزفر بثقل قائلا:
-مش عارف أفكر انا حاسس انى جالى شلل فى التفكير
اقتربت منه تالين سائلة إياه:
-اسمه ايه ابو الولد ده يا بسام
رفع بسام وجهه إليها قائلا بتفكير:
-عايزة تعرفى إسمه ليه يا تالين
عادت لتجلس بجواره ثانية صمتت بالبدء لتعاود الحديث بعد برهة وجيزة فحاولت إضفاء نبرة متزنة على صوتها المرتجف:
-يمكن اروح أفهمه أنك ملكش ذنب و أن أنت برىء يا بسام
رد بسام قائلاً :
-رامز قالى ان اسمه چواد النصراوى
ربتت تالين على يد شقيقها تحاول أن تبث الأمان بقلبه فتبسمت إبتسامة خفيفة:
-خلاص انا هحاول أروح أقابله ونشوف حل يا بسام متقلقش بس لازم أعرف عنوانه
حصلت" تالين" على عنوان "جواد النصراوى" بسهولة لذيع صيته،وذهبت للقاءه وهى تدعو الله أن يوفقها بمهمتها وأن تقنع هذا الرجل ببراءة شقيقها فهو والد أيضاً وسيشعر بحزن والداها إذا أصاب إبنه مكروه فستتوسله أن يصفح عن شقيقها فربما لديه أبناء آخرين بمثل عمرها فلن تجد مشقة بإقناعه
وصلت تالين إلى منزل جواد النصراوى شعرت بالرهبة أكثر خاصة من تلك الرفاهية والبذخ الذى يحيا به فربما ستفضى مهمتها بالنهاية لفشلها فى الحصول على الصفح منه لشقيقها فهو ليس بمذنب ولكن ربما لجواد رأى أخر
قابلتها إحدى الخادمات فقالت تالين بتهذيب:
-لو سمحتى عايزة اقابل چواد بيه ضرورى فى موضوع مهم
ردت الخامة قائلة وهى تشير لها بالدخول:
-اتفضلى حضرتك وانا هديله خبر حالا
ولجت تالين الى غرفة المكتب يتملكها القلق والخوف من هذه المقابلة فماذا سيحدث إذا رفض الاستماع إليها؟ فهى ستفعل المستحيل من أجل حماية شقيقها وإنقاذ مستقبله الذى أصبح على وشك الضياع ،جالت ببصرها بأثاث الغرفة فلمحت عدة صور معلقة على الجدار صورة لرجل أشيب وقور بملامح وسيمة مبتسم المحيا وصورة اخرى تضم ذلك الرجل مع شاب بمقتبل عمره فهتفت هامسة:
-يبقى كده تفكيرى صح جواد ده عنده ولاد كبار ويمكن الواد اللى أتوفى ده كان إبنه الصغير
أثناء حديثها لنفسها أنفتح باب الغرفة ولمحت رجل يحمل نفس ملامح ذلك الشاب بالصورة وخاصة لون عينيه الصفراوتين الغريبتين المختلطتان بلون أخضر خفيف يجعلها تلتمع ببريق مهيب تلك العينان اللتان تشبه أعين أحد زعماء قطيع الذئاب مثلما أعتادت أن تراهم بالتلفاز
شعرت تالين بجفاف فى حلقها فتلعثمت قائلة:
-حضرتك انا جاية اقابل چواد بيه هو يبقى والدك
وضع يده بجيب بنطاله قائلاً بهدوء:
-وانتى عايزة تقابليه ليه فى حاجة
ردت تالين بهدوء تحاول تجميع شتات عقلها :
- فى موضوع مهم أوى عايزة اكلمه فيه ناديله لو سمحت
قطب حاجبيه بغرابة قائلا:
- خير موضوع ايه اتفضلى قولى يا أنسة
أنزعجت تالين من كثرة سؤاله فردت قائلة:
-لاء لازم اتكلم فى الموضوع معاه هو شخصياً مش مع أى حد تانى
جلس على مقعد واضعاً ساق على الأخرى يحدق بها قائلاً:
-قوليلى وانا هبقى اقوله كل اللى انتى عوزاه
قبضت تالين على حقيبتها قائلة:
-حضرتك لازم هو اللى يسمعنى
تشابكت أصابعه قائلاً بصوت رزين:
-اعتبريه سامعك قولى يا أنسة وخلصينى
أنتفخت أوداجها بغضب فعلا صوتها بصياح قائلة:
-وبعدين بقى ما تقولى هو فين وتخلصنى إيه ده أسئلة أسئلة قولتلك أنا عايزة أقابل والدك يبقى تروح وتندهله مش تفضل تزهقنى
هب واقفاً مكانه يحدجها بنظرة غاضبة قائلاً :
- هو انتى جاية تعلى صوتك عليا هنا فى بيتى فى إيه يا أنسة
شعرت تالين برعونة تصرفها فحاولت أن تبدى إعتذارها فهتفت بأسف قائلة:
- أنا مش قصدى طبعاً أعلى صوتى ثم ما هو انت مش راضى تناديلى چواد بيه والدك ومصر انت اللى تعرف عيزاه ليه
التوى فمه قائلا بسخرية:
-ماهو أنا ابقى چواد بيه والدى واللى حضرتك عايزة تتكلمى معاه خير
بُهتت تالين مما سمعته فهى ظنت أن يكون جواد هو ذلك الرجل الكهل بالصورة وليس ذلك الشاب الواقف أمامها والذى ربما ببداية الثلاثينات من عمره
فطفقت تردد بتلعثم واضح:
-هو هو حضرتك چواد بيه متأكد من الكلام ده
رفع جواد حاحبه الأيسر من إصرار تلك الفتاة على عدم الاقتناع بكونه الشخص المنشود والذى تريد مقابلته بشأن أمر هام يجهله هو حتى الآن فرد قائلاً بثقة:
أيوه أنا مش مصدقة تحبى تشوفى بطاقتى الشخصية خير يا آنسة كنتى عيزانى فى ايه
ألجمت الصدمة لسانها ،فأنفرجت شفتيها تمهيداً لحديثها فعاودت ضمها ثانية خشية الإفصاح عما تريده
يتبع....!!!!!!
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت الأول ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت الثاني أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .