احداث رواية امبراطورية الرجال الفصل التاسع والاربعون من روايات رحاب ابراهيم . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، والتى نالت اعجاباً شديداً بين القراء سواء واتباد أو فيس بوك . نرحب بكم فى موقع مجنونة عشاق روايات موقعنا ، هنا سوف تجد كل رواياتك : روايات رومانسية ، روايات رومانسية مصرية ، قصص عشق ، قصص قصيرة ، قصص حب ، روايات pdf ، روايات واتباد ، قصص رعب ، روايات رومانسية كوميدية .
امبراطورية الرجال الفصل التاسع والاربعون
تعد رواية امبراطورية الرجال واحدة من اجمل روايات رومانسية والتى نالت شهرة كبيرة على صفحتنا على الفيس بوك وعلى الموقع وهى من روايات رحاب ابراهيم ، نتمنى لكم قراءة ممتعة ، كما يمكنكم تنزيل رواية امبراطورية الرجال pdf كاملة من خلال موقعنا .
يمكنكم قراءة احداث رواية امبراطورية الرجال كاملة بقلم رحاب ابراهيم من خلال موقعكم مجنونة رواية من خلال اللينك السابق ....
روايه امبراطورية الرجال الفصل 49
استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
بغرفة شِبه مظلمة...تشبه غُرف السجون !
نوافذها من الخشب المُجمع من عدة قطع متهالكة...كانت سما جالسة على الأرض مقيدة من يديها وقدميها بجانب تلك اللاصقة اللعينة على فمها...نظرات الهلع لم تهجر حدقتيها وتتناوب نظراتها بين المُلقى مغشياً عليه بجانبها وبين ذلك الذي يجلس على مقعد على بُعد عظة خطوات بسيطة....
عينيه تقطر شرر وتوعد...كأن بينهما ثأر قديم !! منذ أن قيدها واطاح بضربة غادرة على رأس آسر وهو يجلس ناظرا لهم بنظرة منتصرة....لا تخلو من الشماته....حرك المسدس بقبضته وقال بسخرية :-
_ حتى الظروف خدمتني أني اجيبكم لحد هنا بمنتهى السهولة...لا كنت متفق مع السواق...ولا كنت عارف أن العربية هتعطل !!
بس حتى لو كنتوا فضلتوا في الفندق كنت هخطفكم....آسر مش أذكى مني...
رمته سمـا بنظرة عنيفة من الكره والاحتقار وهزت رأسها بقوة....تريد الصراخ بوجهه ولكن تلك اللاصقة تمنعها من الحديث.....نهض "خالد" من مقعده وتوجه إليهـا حتى اقترب واتلك سراح شفتيها للحديث بإزالة اللاصقة ، تجعدت ملامح سما بألم للحظات...القى اللاصقة بعيد بإهمال ثم وقف بثبات قائلًا :- عايزة تقولي إيه سمعيني ! بس إياكِ تغلطي وماتنسيش أنك تحت رحمتي أنتِ وحبيب القلب !!
ختم حديثه بنظرة شرسة وصوت حاد....صرخت به سما بغضب :-
_ عمري ما هكون تحت رحمتك واللي أنت عملته مش هيعدي بسهولة....ماتنساش أنك ماضي على شيك يخرب بيتك ويسجنك !! أنا مصدومة !! لما كنت متخدر كان ليك عذرك انما دلوقتي عذرك ايه !! أنت انسان مريض ولازم تتعالج قبل ما تدمر نفسك !!
تطلع بها "خالد" للحظات...أصابت الهدف ومكمن علته.....مضى الى مقعده وجلس وبدا عليه الوجوم والصمت....وتعجبت سما من ذلك فقد ظنت أنه سيثور من حديثها !!
انسحبت نظرة خالد إلى "آسر" المغشي عليه وقال بنظرة ضائعة :-
_ اللي أنتِ ماتعرفيهوش أني أنا وآسر كنا أعز صحاب...كنت بحبه زي أخويا...مكانش ليا صاحب غيره...بس كرهته لأنه كان السبب في شرخ كبير بعد بيني وبين أهلي....
بالنسبالهم كان هو الأفضل والأحسن...حاولت أثبت نفسي بس معرفتش عشان كده كرهته....لأني معرفتش ابقى زيه....
موضوع الشيك مفرقش معايا على اد ما فرق أني احسسه باللي حسيته أنا من سنين....
سما بعصبية :- وآسر ذنبه ايه ؟! بتنتقم منه ليه ؟!
صرّ "خالد" على أسنانه بعنف وقال:-
_ لأنه كان عارف اللي بيحصل وبيتعمد يبين نفسه عليا قدامهم ، يقلل مني في كل شيء....
هزت سما رأسها برفض وقالت بألم :-
_ وليه مفكرتش أنه لجأ ليهم لما اتحرم من ابوه وأمه؟! مكنش عايز يحس أنه يتيم وقربه ليهم كان احتياج ويتم !!
نهض بحركة غاضبة وهتف بعنف :-
_ مش عايز اسمع تبريرات ماتهمنيش !
رمقها بنظرة نارية قبل أن يخرج من باب الغرفة صافقاً الباب خلفه.....ظلت سما لثوان تكلع اتجاه الباب حتى تحركت زاحفة بصعوبة ولكنها قاومت حتى اقتربت لآسر ونظرت له بدموع وخوف.....قيد يديها منعها من لمس وجهه لتحاول ايقاظه حتى يفيق....وتمنت أن الضربة لم تسبب خطرا على رأسه وتكن كدمة سطحية.....قالت واقتربت لوجهه :-
_ آســر....فوق عشان خاطري...آســــر
ظلت تناديه وهي تبكِ وعاجزة تمامًا عن فعل أي شيء ، أغمضت عينيها بدموع منهمرة وقعت على وجهها بقوة ثم ارتمت على صدره ببكاء وهي تتوسل ربها كي ينقذهما من هذا الموقف.....ضربات قلبه تبدو منتظمة !!
رفعت رأسها حتى عنقه واجهشت مجددًا بالبكاء وهي تردد اسمه كثيرًا....
كان صوتها يبدو بعيدا بعيدا عن سمعه.....
حتى بعد دقائق بدأ يحرك جفنيه بصعوبة شديدة وتمتم باسمها !!
ظلت دقيقة صامته بجمود حتى رفعت رأسها بقوة تتأكد مما سمعته لتجده بدأ يفيق بالفعل....ابتسم بين دموعها ورددت اسمه :-
_ آسر....حبيبي عشان خاطري فـــوق
حرك رأسه ببطء ثم انفرج جفنيه بنظرة تائهة لوجهها الباكي وقال بحروف متقطعة :- سمــا
هزت رأسها بقوة وهي تبتسم وعينيها تضاد بسمتها :- ايوة أنا سما...أنت كويس ؟!
قاوم ثقل جفنيه وقال بالكاد :- آه
وطأن ثقل سقط من على كاهلها فارتمت رأسها على عنقه قائلة بدموع :-
_ كنت هموت من الرعب عليك....أنا مقدرش أعيش من غيرك أنت عمري كله....آسر أنا بحبـك
وكأن قلبه لم يثمل ولم يتيه بل انتفض بداخله من أعترافها....طافت ابتسامة بطيئة ومتعبة على شفتيه ثم بدأ يستعيد وعيه وما حدث يمر بعقله.....اتسعت عينيه بالتدريج ونظر حوله ليقل بأنفاس متسارعة :-
_ حصل ايه !! احنا فين ؟!
شعر بقيد جسده فتملكه الغضب والجنون حتى رفعت سما رأسها وقالت :- خالد اللي عمل كده....ضربك على راسك وكتفنا احنا الاتنين وجابنا هنا ، بس مش عارفة احنا فين !
انتفض جسد آسر من مكانه وجلس بنظرة نارية شرسة وهو يحرك يديه المكبلة خلف ظهرة بغضب....حركته المنفعلة جعلت رأسه يدور ولكنه كافح حتى لا يتيه مجددا.....قال لها بنبرة آمرة :-
_ حاولي تفكي ايديا بأي طريقة....بســـــرعة
ارتعش جسدها وهي تتحرك خلف ظهره حتى خفضت رأسها وبدأت تحرك الأخبال المعقدة على معصمه بأسنانها....كان الأمر مؤلم ويحتاج لكثير من المجهود والمصابرة....استطاعت فك عقدة واحدة فقط بينما تملك آسر ثورة جنون الغضب وبدأ يحرك معصمه بقوة حتى وسعت العقدة واستطاع سحب أحد يديه وهكذا نجح بالخطوة الأولى وأهم خطوة أيضا....بعد لحظات كانت تحرر تماما من القيد وحرر سما أيضاً وكاد أن يقف حتى
انتبه لصوت أقدام آتيه فتظاهر بالقيد ووضع يده خلف ظهره حتى دلف "خالد" للغرفة.....فعلت سما مثل ما فعل آثر ولكن تبدو عقدة قدميه واضحة أنها تحررت من وثاقها!!
نظر "خالد" لهما بدقة....لم يغفل عن الأمر حتى أقترب لآسر وأشهر سلاحه قائلا :- ما تحاولش تتحرك يا آسر....أي خطوة هتعملها أقرأ الفاتحة على روحك الأول....
صرخت سما بزعر حتى تظاهرت بالأغماء بينما وقف آسر بشعور قوي بالدوار ولكنه لم يظهر ذلك بكل قوته.....أجاب :-
_ مكنتش فاكر أنك هتوصل للدرجة دي من الحقارة ! بس مش هسيب حقي يا خالد....طول عمرك حقود وأناني وباصص للي مش ليك !!
هز خالد رأسه بعصبية وقال :-
_ يا أخي أنت ايه !! ده انا كنت حسيت بشوية ندم من كلام مراتك وكنت هسيبكم وأمشي.....بس أنت ما تستاهلش...ولا كنت تستاهلها !!
فتحت سما عينيها بخفاء واستغلت انشغال خالد بالحديث وبحث عن أي شيء حولها تستطيع استخدامه حتى لمحت قدم مقعد خشبي مكسور....على بُعد خطوة واحدة من يديها....لابد أن تفعل شيء فآسر بخطر حقيقي.....
انتظرت حتى استدار خالد ليأتي ببعض الأحبال ليقيد آسر مجددا حتى التقطت قدم المقعد وبسرعة عالية نهض وهبطت بها على كتفه بكل قوتها.......وقع المسدس من يد خالد وصرخ بألم وهو يمسك كتفه....
تطلع آسر بها بتعجب حتى أخذ المسدس الملقى أرضا وأشهره باتجاه "خالد" بنظرة شرسة ولكن اسرعت سما اليه لتمنعه فقالت :-
_ لأ...ما توديش نفسك في داهية عشان واحد زي ده
تطلع بها آسر بعصبية بينما نهض خالد وهو يترنح من ألم كتفيه ليأخذ آسر قدم المقعد الخشبية ويهوي بها مرة أخرى على ذراع خالد اليسرى فصرخ بأعلى صوته بألم شديد....
تطلع به آسر بكره واحتقار ثم قبض على يد سما وخرج من هذا المكان المعبأ بالقمامة..
****************
كان يضغط على أسنانه من شدة الم رأسه وهو يخطو بالطريق وهي بقبضته....نظرت له بابتسامة وحمدت ربها أنه بخير....قال بعصبية :-
_ أوصل القاهرة وهسجنه
سما بضيق :- انساه يا آسر ، ده مسكين !
وقف آسر إثر كلمتها ونظر لها بذهول مردد هذه الكلمة فقال :-
_ مسكين !! بعد اللي عمله مسكين !! ولا يكون صعبان عليكي !!
سما بضيق :- مسكين لأنه كان ضحية أهل بيقارنوه بيك طول الوقت...هو قالي كده ، عشان كده كان بيكرهك وبيغير منك بس هما السبب بدليل أنكم كنتوا صحاب من صغركم !!
آسر بغضب :- ده أنتوا قعدتوا بقى وحكيتوا وأنا مش داري !!
ضيقت عينيها بغيظ وقالت :-
_ أنا مش هرد عليك ، وخليك فاكر اللي عملته من شوية ، اظن واحد غيرك كان زمانه بيشكرني !
زم شفتيه بعصبية تم نظر للطريق وقال بضيق :- حتى معرفش احنا فين !
لمح سيارة خالد بعيدة بمسافة ليست قليلة....جر سما خلفه بعصبية وهي تتلوى بقبضة يده حتى اقترب للسيارة بعد دقائق....
نظر لها لبرهة وقال وقرر العودة لخالد :- مش معايا المفاتيح بتاعت العربية ، خليكي هنا ثواني..
قالت بتصميم :- لأ هاجي معاك
نظر لها بقوة وأشار بتحذير :- قلت خليكِ هنا ثواني وراجعلك !
هزت رأسها برفض وقالت بضيق :-
_ لأ ....مش هسيبك لوحدك
نظر بعينيها للحظات بصمت تام ثم هرب بنظرته منها وتوجه حتى الغرفة البعيدة .....
ركضت سما خلفه حتى دلف للغرفة وانتظرته بالخارج.....ظنت انه سيحتاج لبعض الوقت ولكنه خرج بعد دقائق ومعه المفاتيح ولكن يبدو عليه أنه كان يتلفظ الشتائم لخالد.....
قبض على معصم يدها بقوة وتوجه للسيارة مرة أخرى.....
وقف وترك معصم سما حتى فتح باب السيارة وجلس بمقعد القيادة وجلست سما بجانبه.....قالت متساءلة ببراءة :-
_ هو خالد هيفضل هنا مرمي !
التفت لها بنظرة نارية فنظرت للأمام سريعا وحرك السيارة بعصبية وعينيه الغاضبة مسلطة على وجهها بنظرة جانبية حادة.......
*************
بالطريق......
اختلست النظر اليه فوجدت عينيه ثابته على الطريق ويداه قابضة على المقود بحركات مدروسة....كان أغرب شيء مر عليها هي تلك الابتسامة التي فرت على شفتيها بمرح...شعور هائل بالمرح غزى قلبها الآن ريثما بعدما شهدت غيرته منذ لحظات.....
كتمت ضحكتها بالكاد ثم قالت لتخرجه من صمته :- هو كاسيت العربية ده شغال ؟!
رفع أحد حاجبيه بعصبية ونفاذ صبر وأجاب:- ليه !!
كتمت ضحكتها مرة أخرى ثم قالت بثبات :-
_ شغلنا حاجة نسمعها....نتسلى كده لحد ما نوصل...ياريت يكون كاظم
أطرق على النقود بعصبية وهتف :- احنا في ايه ولا في ايه !
قالت بهدوء :- هو مش انا عروسة ! ايه النكد ده !
رمقها بسخرية ثم عاد بنظرته على الطريق....شعرت بالغيظ منه وتمتمت :- يارب العربية تعطل تاني
انتبه لما قالته ولم يعير اهتمام للأمر حتى مرت دقائق وانتبه لصوت يشبه "الفرقعة " كانت سما تعرف هذا الصوت حيدًا نظرا لقربها من عائلة الأسطعة سمعه الميكانيكي.....وتأكد ظنها عندما وقفت السيارة بعد قليل....وضعت يدها على فمها وكادت أن تفلت منها ضحكة عالية.....تعجب آسر من الأمر وخرج من السيارة حتى اكتشف أن احد الايطارات ثقب !!
خرجت سما من السبارة ووقفت بنظرة متشفية ضاحكة ولكنها تصنعت عدم المعرفة وقالت :- ايه ده في ايه ؟!
ضيق عينيه عليها بعصبية وقال :- مش عارفة في ايه !!
نظرت له وبدأت الابتسامة تدرج على شفتيها لتصبح ضحكة عالية وقالت بين ضحكاتها :-
_ اللي يجي على سمكة يغرق !
لم يستطع أن يتمالك نفسه من الغيظ فأقترب منها ولكنها أسرعت ضاحكة تركض حول السيارة وهو خلفها.....وقف فجأة وتظاهر بالدوار حتى اسرعت اليه بقلق وقالت.:-
_ أنت كويس !!
جذبها اليه وجعل يديها خلف ظهرها بقبضته وقال بحدة :-
_ عاجبك اللي احنا فيه ده وعمالة تضحكي ياهبلة !!
ورغم عصبيته ولكنها ابتسمت قائلة وهي تنظر لعيناه :-
_ آه عاجبني
تعمق بعينيها بشعور قلبه الملتهف اليها بجنون....ولأبتسامتها الطفولية التي ورغم ضيقه كان يبتسم لها سرا.....
ارتخت قبضته على يديها وابتعد عنها بالتدريج.....نظر للسيارة في حيرة من أمره وبحث بها عند احتياطي للإيطار ولم يجد....
***********
بمطار القاهرة.....
جلست رضوى بجانب زوجها على متن الطائرة بينما لاحظ رعد رجفت يديها مما يظهر خوفها من الطيران.....ضم يدها إليه ثم قبّل أنامل يدها ببطء شديد....رجفتها هذه المرة كانت من لمسته...سيبدو الأمر سخيف أن وبخته على ذلك !
وضع يده على كتفيها جاذبا جسدها الى صدره بهالة تحكم ورفق....قال :- احكيلك عن آخر رحلة لليونان قبل المرادي....بصي ياستي....
كانت تلتقط عدة كلمات مما يقوله فتفهم مجرى الحديث ثم تتيه بخجل شديد من هذا القرب وغفلت عن كل شيء عداه هو....أغمضت عينيها وتاهت رغما عنها بغفوة سريعة....لاحظ رعد سكونها فنظر لوجهها بابتسامة ونظرة حنونة ثم قبّل رأسها برقة....
مرت دقائق كثيرة حتى فتحت عينيها بكسل ونظرت لما حولها قائلة :- _ هي الطيارة لسه ما طلعتش !
نظر لها رعد بابتسامة واسعة ولم يجيب...تعجب منه وقالت بغيظ :- بتضحك ليه !!
أجاب بتسلية :- احنا عدينا نص الطريق تقريبًا !! صباح الخير
ختم قوله بضحكة فشعرت بالحرج ونظرت أمامها بصمت....جذبها لصدره مرة أخرى وقال بابتسامة :- خليكِ كده عشان عايز أنام وهعتبر راسك مخدة...
استند رأسها على صدره ببطء وابتسامة أخفتها....فأستند بخده على رأسها وأغمض عينيه ولكن ليس لأحل النوم بل بدعوة أن يؤلف الله بين قلبيهما....
***********
**بغرفة الفندق**
انتهى يوسف من أداء صلاة الضحى....مع ركعتين شكر لله على ما هداه من سعادة.....راقبته حميدة بابتسامة حنونة حتى أنتهى ونهض من موضعه....طوى سجادة الصلاة ووضعها على ظهر المقعد أمام المرآة وهو يردد التسبيح......
اقتربت منه وقالت بابتسامة وهي تضع يدها على صدره بدلال :-
_الفطار وصل...على فكرة ما اتعشناش امبارح واكل ستي حمض !
اتسعت ابتسامته وهو يجذبها اليه أكثر وقال :-
_ مش مشكلة...أنا حاسس أني نسيت الأكل !
ارتفعت ضحكتها بمرح وقالت :- طب يلا عشان نفطر...
اقترب وهمس بأذنها بنظرة عاشقة....اطربها بكلماتٍ جميلة تمس القلب وتخصه فقط....
*************
**بشفة جاسر**
غابت جميلة بعدما تناولت طعام الفطار معه...خرجت من الغرفة وهي ترتدي روب ثقيل وطويل لا يظهر شيء من مفاتنها وبهذا الأمر قد صوبت عصفورين بحجراً واحد......
اقترب منه وهو يجلس أمام شاشة التلفاز فنظر لها بدهشة وبغيظ خفي....جلست بجانبه بثبات حتى قال بنظرة حادة :-
_ ده أخرك في الإغراء ! جميلة يا حبيبتي
نظرت له جميلة وقالت بهدوء :- ايوة يا جاسر ؟!
جاسر بغيظ :- هو الطوفان رجع تاني ؟!
جميلة بتساءل :- طوفان ! ليــه ؟!
جاسر وقد أزداد غيظه منها :- أصلك جمعتي كل البطاطين ولبستيها !!
وضعت جميلة ساق عل. ساق بثقة وأجابت :- ده إنذار لا تقترب !
جاسر بسخرية :-
_ والله لو لبستي عليهم لحافين فايبر هقترب يعني هقترب...يابنتي أنا صايع قديم !
نهضت بعصبية وهتفت :- لازم تفكرني يعني بماضيك الأسود !!
نهض بابتسامة واسعة وجذبها اليه قائلًا بتسلية :-
_ اهو اعترفتي بنفسك أنه كان ماضي ، خلينا بقى في الحاضر والمستقبل والمضارع اللذيذ
اقترب اليها بنظرة ماكرة حتى ابتعدت قائلة :-
_ مافيش حاضر من غير ماضي !!
جاسر بغيظ :- مش وقت حصة تالته تالت دي خالص !!
جميلة بعصبية :- وأنت ما بتتعلمش !
جاسر بنظرة ماكرة :- علميني
هزت جميلة رأسها بيأس وقالت :- مافيش فايدة فيك للأسف !!
مرر جاسر يده على ذقنه وحاول أن لا يغضب ويتحكم بأعصابه ثم قال بتحذير :-
_ طالما بقى هو ده اللي عندك يبقى ما تلوميش غير نفسك...انا خارج
ضيقت عينيها بدهشة وقالت :- خارج !! احنا فرحنا كان امبارح !! أنت عايز الناس تقول عليا ايه ؟!
جاسر بعصبية :-
_ كل حاجة الناس الناس الناس ، اتخطبتيلي بسبب كلام الناس ووافقتي على الجواز لنفس السبب ودلوقتي بتتججي بالناس....كل دي حجج ومبررات بتداري وراها السبب الحقيقي....
جميلة بارتباك :- سبب ايه ؟!
جاسر بسخرية لاذعة :- السبب أنك حبتيني من البداية ، لو حد غيري مكنتيش هتوافقي كل ده ، حتى كلمة بحبك حرماني منها !!
بس تمام أنا مش عايز حتى اسمعها....وكده كل واحد اختار حياته
تركها تقف ويظهر على ملامحها التوتر والشحوب ودلف لغرفته الخاصة...ظلت للحظات عاجزة عن الحركة حتى قررت التحدث معه بهدوء........
دلفت للغرفة ووقف بالقرب منه وهو يفتح خزانة الملابس وينتقي منها ما يريده فقالت بصوت متهدج :- اللي حصل هو اللي خلاني ابقى تايهة ومتلغبطة بس أنا فعلًا....بحبك
نظر اليها وترك ما بيده حتى كررتها جميلة بدموع:-
_ أيوة بحبك وده اللي خلاني اخد الموقف ده عشــان.......
لم تتابع.....كان يكفي هذه الكلمة ليجن جنون قلبه...وتثور ثورته...كانت كلمة تكفي حتى تربكه ، وتعود به لنقط العشق.....فقرر أخذ حقه كاملًا هذه المرة......ورغم أنها قاومت حتى تثبت على قرارها ولكنها بالنهاية تعشقه...تعشقه وهو زوجها....ضعف صوت المقاومة بداخلها حتى أصبح صامتاً تماماً...وطل العشق والمحبة بدلًا عن أي شيء....
******
لا يخاف القلب من كثرة الدموع ربما لأن أملًا مرتسمُ بالآت....بينما يدق القلب خوفاً بعد الابتسامات....يخاف القلب أن تزول الضحكة ويبقى القلب على ما هو عليه من أحزان !!
منذ ذلك الأتصال المريب وهي تحاول بكامل جهدها أن تتناسى الأمر...فربما أراد أحد المزاح معها...أو ربما أي شيء سوى أن يكن "حسام" لا زال على قيد الحياة !!
بعدما ذهب زوجها "وجيه" لعمله بهذا الصباح وهي تطوف بأنحاء القصر...تأمر بترتيب وإزديان كل شيء استعداداً لمجيء الشباب مع زوجاتهم...حتى أخبرها أحد الخدم باتصال ينتظرها....وقفت "للي" ساهمة لدقيقة...لمَ قرع قلبها خوفاً فجأة !!
مضت بالردهة الواسعة واقتربت من الهاتف الأرضي المثبت على طاولة خشبية من خشب الزان الفاخر...وجدت سماعة الهاتف جانبًا والاتصال مفتوح....رفعت السماعة بتوتر حتى صدق حدسها وآتاها ذات الصوت مجددًا.....قال :-
_ القدر جمعنا تاني يا للي ، يمكن كنت نسيتك بس اظاهر أن الأيام هتجمعنا تاني ويتحقق اللي كان نفسي فيـه من أول مرة عنيا وقعت عليكِ......يومها كنتِ زي القطة اللي بترتعش من المطر والبرد....يمكن الموقف ده اللي خلاكي مميزة عندي وفضلتي في دماغي مخرجتيش...بس ما تتغريش وتفتكري أن ده حب !!
مش بحبك..... بس عايزك تبقي ملكي لوحدي...
هجم على ثباتها الرجفة العنيفة من الخوف....حدة صوته ذكرتها بالماضِ....بيوم كان أشد مَصاب أيامهــا...ذلك اليوم الذي أنقذها "راشد" من ماء البحر الذي دفعت به بيد ذلك المجنون زوجها السابق..وتلك الرحلة المشؤمة التي فقدت بها جنينها....فرت دموعها كالشلال
***عودة بالذاكرة لعدة سنوات ***
كانت عيناه مسلطة عليها طيلة الأيام الفائتة من الرحلة....لم يبالِ زوجها بنظرات رئيسه لزوجته بل وكأنه راهن على ذلك !!
وبأحد أيام الرحلة على متن يخت كبير مخصص لذلك...مرت للي بعد الغداء بأحد الممرات العلوية باليخت وتركت الجميع الذي لم ينفكوا عن السُكر والعربدة طيلة الأيام الماضية....وقفت وتمسكت بأناملها الفاصل الحديدي بينها وبين المياه....انزلقت دموعها بعذاب ولا تعرف متى تنتهي كل هذه الآلام التي تغمر قلبها للعمق...تنهدت ببكاء كتمته لسنوات ونظرت للسماء قائلة ببكاء وهي تتحسس بطنها المنتفخة من الحمل :-
_ يــارب....نفسي ارتاح ، أنا مش عايزة أبقى زيهم ، ارزقني راحة البال يارب وانقذني من حسام واللي معاه..
أتى صوت فجأة من خلفها فاستدارت بخوف لتجده "راشد" بنظراته الملتهمة لجسدها....أقترب منها وقال ببسمة ماكرة :-
_ وزعلانة ليه من اللي مع حسام ؟!! لو طاوعتيني هخلصك من حسام للأبد...
ابتعدت للي عنه بكره لم تستطع اخفائه فجذبها من معصم يدها بقوة إليه وهمس بصوت كالفحيح :-
_ أنتِ فيك حاجةِ مميزة مش فاهمها !! يمكن عشان بتتمنعي ورفضاني! مش شايفة جوزك مقضيها أزاي ولا أنتِ حابة تعيشي في دور الزوجة المغلوبة على أمرها ؟! في إيدك تنتقمي منه لما تبقي معايا ، هخلصك منه وهحميكي أنتِ والجنين اللي في بطنك ده
تملصت من قبصته حتى استطاعت دفعه بعيدًا عنها بنظرة احتقار واضحة وهتفت بعنف :-
_ يمكن أنا بكرهه واتمنى الموت ولا أني استمر معاه اكتر من كده لكن ده مش معناه أني ابقى زيه وزيك.. قذرة !! أنا بتعذب وأنا معاه ودي حقيقة بس ربنا مش هيسيبني أنا متأكدة...أنا بحتقركم كلكم...كلكم أقذر من بعض وعمري ما هكون زيكم !
راشد بسخرية ونظرة غاضبة :- يبقى خليكي في اللي أنتِ فيه ، اوعي تفتكري أني مش قادر أطولك !! ، جوزك ده ممكن يبيعك ليا في دقيقتين ولا هيهمه لكن أنا عايزك بمزاجك...كيفي كده
هتفت "للي" بشراسة وفاضت دموعها بألم :-
_ لو على موتي مش هعمل كده ، مش هرخص نفسي..مش مستعدة أخسر آخر حاجة لسه موجودة وما اتكسرتش...أحترامي لنفسي.
جاوب "راشد" بإزدراء واستهزاء:-
_ شعارات فارغة ، وتفكير غبي...هعتبر أن الكلام ده ماسمعتهوش وهديلك يوم واحد كمان تفكري لأني هاخدك يعني هاخدك..
كان يراقب المشهد أزواج من العيون المراقبة من بعيد...وقف حسام بجانب "جين" واختلس نظرة جانبية لعيناها التي تقدح شرر وهي ترى زوجها يغازل ويركض خلف أخرى...ريثما أنها أيضاً لا تريده وتبغضه !!
تظاهر حسام بالغضب وقال :-
_ ده اللي فضلتيه عني !! بيخونك ومع مين ؟! مراتي ! أنا لازم انتقم منها....
اندفع حسام متظاهرا حتى مكان "للي" بينما كان تركها راشد منذ لحظات بعدما فقد الأمل بها....تحدثت "للي" وظهر عليها الغضب بينما بحث حسام بعقله على شيء ليكون سبب واضح كي يعنفها....أخذ أطراف حديثها وأمرها أن تسبح في الماء معه وهو على علم أنها لن تفعل ذلك بسبب الحمل ولكنه صمم وقيدها بقراره المريب وعندما رفضت أبرحها ضرباً ثم القاها بالماء من أعلى اليخت بعنف....
شاهدت ذلك أحدى الفتيات التي كانت تستعد للسباحة بعد طعام الغداء فصرخت به قائلة :- يامجنون هتودينا في داهية !!
نظر حسام بسخرية ل "للي" التي تحاول الطفو وتستنجد الأمواج حتى تفاجئ بركوض راشد وهو يخلع تيشرته الصيفي والقى بنفسه بالماء وخلفه عدة رجال من رفقاء الرحلة....
**********
استعادت "للي" ذكرى فقدان جنينها بدموع تهدج له النبض ، وألم طاف بكيانها ولركن الأمومة بروحها....قال راشد من جديد :-
_ ماتنسيش أن لولايا كان زمانك ميته غرقانة...أنا اللي انقذتك...ولو مكنتش أنقذتك مكنش حد هيعمل كده ! يعني أنتِ مديونة ليا
احتدت نظراتها بشراسة وهي تبكِ :-
_ ابعد عني احسنلك...لو اتكتب ليا أعيش فده لأن عوض ربنا كان مستنيني وليا عمر أشوفه...لأني اتعذبت كتير واستحملت لحد ربنا ما بعتلي فرحة احسن من اللي كنت بتمناها...لا يمكن هتنازل عنها لو هموت..
ظهر صوت "راشد" وكأنه نهض من مقعده وثار غاضباً :-
_ لا مش أنتِ اللي هتموتي !! اللي فرحنالي بيه ده هو اللي هيموت...رجوعك ليا مش بمزاجي المرادي....رغم أنه جاي على هوايا ولأول مرة حسام يخدمني في شيء....حسام كاتب وصية أنك لازم تطلقي واتجوزك...وإلا الورق اللي مسكه عليا أنا واللي معايا هيوصل في ايد النيابة....يعني غصب عن الكل هتنفذي اللي هقولك عليه والا هموت وجيه الزيان وقدام عينك وبرضو هتكوني معايا ! في كل الاحتمالات هتكوني معايا فالاحسن لك تطلقي من غير دوشة...الأختيار ليكِ
انتهى الأتصال وهي تقف كلوح الثلج متجمدة !! لا ترى شيء من الصدمة....
تهديد بالقتل...ومن بالخطر ؟ زوجها !!
انتفض جسدها برعب تمايل بعينيها....هؤلاء مجرمون ويسعهم فعل أي شيء ! شعرت فجأة بألم شديد يغوص في أعماقها وكأنه طعنة.....
*************
**بالطريق المجهول**
نظر آسر حوله بالمكان الذي يبدو وكأن البشر تركوه منذ عقود!! نوبة الدوار تتمالكه بقوة من حين لآخر بينما منسوب الادرنالين جعل ذهنه مستيقظا لأي مفاجئة أخرى.....يظهر بمساحة الأراضي الواسعة عدة أشجار متفرقة لثمار الجوافة والموز....تبدو بموسم حصادها فظهرت الثمار شديدة النضج....قالت سما بتأفف :-
_ مافيش حتى عربية عدت غير واحدة ومرضيتش تقف !
آسر بعصبية :- خالد جابنا في طريق مقطوع عشان محدش يلاحظ حاجة بس أكيد هتعدي أي عربية وتوقفلنا...
وضع يده على رأسه المجروح وتمتم بعض الكلمات....قالت سما بقلق :-
_ طب ارتاح شوية وأنا هفضل صاحية لو عربية عدت...اكيد الوجع اللي حاسس بيه بسبب اللي رشه خالد على وشك
آسر باستفهام وتعجب :- رشه على وشي !
اكدت سما :- لما ضربك على راسك موقعتش على طول ولو كده بس كنت فضلت صاحي شوية بس رش حاجة كده خليتك تتوه خالص ويغمى عليك...الحمد لله أن الضربة مكنتش جامدة واذيتك..
نظر آسر للمكان جيدًا مرة أخرى ثم قال :-
_ هجيب أي حاجة من العربية ينفع أنام عليها هنا على الأرض...
سما بتعجب :-
_ طب ما تنام في العربية أسهل !
أجاب آسر وهو يتجه نحو السيارة :- لأ....عشان أنتبه بسرعة واتحرك لو عربية عدت أو أي شيء حصل...خليكي أنتِ في العربية..
اقترب آسر من السيارة والتزمت سما بالصمت وهي تعرف أنها لن تطيع هذا الأمر...بحث بالسيارة جيدًا حتى وجد قماشة مستطيلة الشكل ليست عريضة بالشكل الكافي ولكنها تكفي للغرض المطلوب....اغلق آسر صندوق السيارة وابتعد عدة خطوات بسيطة بقرب شجرة ضخمة ثم فرد القماشة على الأرض وتمدد عليها بالهواء الطلق....
رمقته بثبات وهي تعلم أنه تعمد ذلك ليتجنبها....يعاقبها لدفاعها عن خالد !! هل ظنه دفاع حقاً !! غيور لدرجة كارثية هذا الآسر !
************
**بشقة جاسر**
خرج من الحام الملحق بالغرفة وهو يجفف رأسه بابتسامة تقع مابين المكر والسعادة....لأول مرة يشعر بعد لقاء حميمي أنه يريد أن يبتسم من كل قلبه.....حلال الله له متعة خاصة...محببة ، ليس بها ندم أو ذنب...ليته لم يذنب قبلًا وانتظر لهذه اللحظة....
قطف زهرة برائتها بينما لم تمر عليه عاهرة وشعر هذا الشعور معها....العاهرات لا يحملنّ هذه العفة ! ليست عفة الجسد فقط ولكن عفة الروح والشعور...
قربه لها كشف له أنه كان مخطئ كل الخطأ بالماضي....وأن لا متعة فيما حرمه الله ، وانما الشيطان يوسوس للأقناع بها للأستمرارية....
المتعة الحقيقة للرجل هي زوجته التي يصبح الغزل والقرب لها يؤجر عليه !
وضع جاسر المنشفة على ظهر المقعد وعينيه على حبيبته بابتسامة عاشقة ، مرر يده على شعره بتنهيدة اعقبها ابتسامة مريحة نبعت من قلبه....اقترب إليها بشوق لضمها بقوة....لشيء من الحنان أراد بثه بقلبها....ولكنها اعتدلت بالفراش بأعين دامعة ، تنظر له بعتاب شديد على عهده الذي نكثه....على كل شيء فعله بل وجعله تعترف له بحبها مراراً....
ماذا فعل بها ؟! خانها قلبها وأعترفت...هكذا كانت تلوم نفسها !
نهضت من الفراش وهي تكتم دموعها وتوجهت للمرحاض مباشرةً....راقبها بأعين ماكرة ، مبتسمة ، وبتسلية ظاهرة....تركها حتى لا تبك فهو يعرف كيف سيرضيها...
خرجت جميلة بعد دقائق بعينيها الحمراء وظهر جليًا أنها كانت تبكِ بشدة....جلست وهي تجفف رأسها من قطرات الماء وبدأت تمشط شعرها بعصبية حتى بالمشط بعيدا بنظرات غاضبة.....واجهشت بالبكاء بعد ذلك.
اقترب جاسر لها كاتما ضحكته ووقف أمام مقعدها بجانب المرآة قائلًا بابتسامة واسعة :-
_ ممكن أعرف مراتي حبيبتي بتعيط ليه ؟!
رفعت رأسها له وازداد بكائها كالأطفال مما جعل ضحكة سريعة تفلت من شفتيه....قال بعد ذلك بمكر :- طب أنا عايز أصلح غلطتي !!
نظرت له بغضب من بين دموعها وهتفت :- أنت هتهزر !
ضحك مجددًا وقال :-
_ ماهو مافيش واحدة عاقلة تعمل اللي أنتِ بتعمليه ده !! يابنتي أنا جوزك !! أنتِ نسيتي ولا إيه ؟!
وقفت أمامه بردائها القصير المغري وهتفت بعصبية بينما كانت عينيه تنظر لها بمكر وتسلية ...قالت :-
_ أنت كدبت عليا وعملت اللي في دماغك ومراعتش احساسي ولا قراري !! مبسوط انت دلوقتي !!
هز جاسر رأسه بضحكة وقال معترفاً :-
_ أقسم بالله ما كنت مبسوط اد النهاردة...
اشتعلت عينيها بالعصبية وصاحت :- والله أنت اللي مستفز وضحكت عليا بس أنا مش هنسهالك...
رمته بنظرة غاضبة واستدارت لتبتعد ولكنه جذب معصمها الى صدره وقال بابتسامة وهمس بعدما قبّل رأسها بحنان :-
_ ولا أنا هنسى اليوم ده طول عمري ، وخليني أقولك حاجة مش عارف هتضايقك ولا تفرحك...أنا أول مرة ابقى مبسوط بعد ما اخد اللي عايزه...عارفة ليه ؟ لأنك مراتي وحبيبتي...وقتي معاكِ مكنش فيه احساس الذنب البشع اللي كنت بحسه ، ولا الندم والشعور بالقرف من نفسي ، أول مرة اكون مبسوط وبضحك وده كان معاكِ أنت بس ، ولأنك اول انسانة نضيفة تدخل حياتي...اللي فات كانوا عاهرات...عرفتهم عاهرات.. مضيعتش حد ولا ضحكت على واحدة...
مستغرب أنك زعلانة وبتبكِ والمفروض تفرحي لأنك مراتي ومعملتيش حاجة غلط ولأنك ساعدتيني اتغير واكتفي بيكِ...
نظرت له بارتباك....حديثه طمئنها لا تعرف كيف ، واحبت ابتسامته التي ظهرت صادقة لا خداع فيها ، قال بمحبة خالصة :-
_ ننسى بقى اللي فات وخلينا في اللي جاي....صفحة جديدة بينا هنكتبها مع بعض...هبقالك زي ما بتتمني يا حبيبتي
ابتسمت على مضض رغم نظرة العتاب بعينيها ثم قالت لتأخذ عليه موثقاً :-
_ طب لو عرفت أنك.....
لم تتابع...ضمها بقوة وهمس برقة قائلًا :-
_ كفاية اللي فات من عمري من ضياع وخوف في كل لحظة....أنا بحاول انساه عشان خاطري ما تفكرنيش بيه تاني....
قالت جميلة بابتسامة صادقة :-
_ المرادي هاخد منك عهد بس بطريقتي.....يعني هنتوضأ ونصلي ركعتين شكر وتعلي صوتك وتسمعني وأنت بتتعهد قدام ربنا انك توبت ومش هترجع للذنب ده تاني...وافق عشان اطمن
ابتسم مقبلًا رأسها بموافقة وتأكيد :- موافق جدًا
جميلة بتحذير :- لو خليت بالوعد ده هتخسرني للأبد
هز جاسر رأسه بنفي وقال :- هوفي مش بس عشانك ، هوفي بوعدي عشان عايز انضف ، مش عايز اموت وانا لسه غرقان في الذنوب دي وما توبتش....
جميلة بنظرة ألم :- بعد الشر عنك....روح اتوضأ
*********
قاربت الشمس على المغيب...طيور الليل تفرد جناحيها على بساط الظلام....
استندت بظهرها على جسد الشجرة وهي تتنهد بضيق...نظرت له فرأته تائه الفكر قليلًا وهو ممدد على الأرض وينظر للسماء...قالت بتلعثم :-
_ هو احنا هنفضل هنا لحد امتى ؟!
صمت لدقيقة ثم أجاب دون أن ينظر لها :-
_ الليل دخل علينا ومش هينفع نمشي في الطريق ده في الضلمة ، حاولي تنامي لحد الصبح وربنا يحلها ونلاقي عربية معدية..
شعرت بالاحراج في الافصاح عن ما تشعر به فقالت ببطء :-
_ طب...طب...
نظر لها بغيظ وهتف :- هتفضلي تطبطبي كده كتير ؟!
لوت شفتيها بضيق واعترفت :-
_ بصراحة بقى أنا جعانة
اعتدل آسر في مكانه ونظر حوله وهو يتمتم بعض الكلمات التي يبدو أنها شتائم !!
نهض من مكانه ورمقته سمـا بتساؤل حتى كاد أن يبتعد فوقفت وتمسكت بمعصم يده قائلة برجاء :-
_أنت رايـــح وسايبني ؟! خليك جانبي والنبي..
نظراتها التي تحولت لتوسل طفولي كادت أن تظهر ابتسامته ولكنه جاهد حتى بدا لا مبالياً...أجاب بثبات :-
_ مش هبعد ماتخافيش...دقيقتين وراجع....
ابتعد وتركها ترتجف من الخوف بهذا المكان الخالي من البشر...
بعد دقائق كثيرة....يئست من مجيئه فقررت البحث عنه حتى ظهر أمامها فجأة وهو يحمل مختلف من ثمار الفاكهة وقال :-
_ جبتلك موز وجوافة....اللي لقيته هنـا
نظرت له وشعرت بشيء من الآمان يتسلل لقلبها بعودته...أخذت منه بعض الفاكهة ببطء واصابع ترتجف بينما راقبها وهي تأكل بنهم....ابتسم حتى تدرجت ابتسامة لابتسامة واسعة وزينت ثغره...
أشارت له ليأكل فأخذ ثمرة وبدأ يأكلها ببطء حتى انتهيا بعد لحظات وتمدد آسر مجدداً وقال بتحذير:-
_ ياريت تنامي بقى وبلاش صداع انا مش ناقص!
رمقته بتذمر وهي تجلس بالقرب منه بينما أغمض هو عينيه وتاه بغفوة عميقة.....
نظرت له سما بابتسامة حنونة وشعرت بلهفة لتمرر يدها على وجهه كالطفل......
تسللت اليه ببطء وترددت للحظات حتى رفعت يدها ومررتها على شعره الأسود اولًا ثم لجانب وجهه المنحوت بدقة وعمق..... ابتسمت بمحبة وهي تنظر له حتى تفاجئت به ينظر لها فجأة وتساءل:-
_ أنتِ بتعملي ايه؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة وإحراج شديد ثم خطر بعقلها شيء فنظرت له بقوة وقالت:-
_ في صرصار كان على شعرك
اتسعت عين آسر بقوة وانتفض من مكانه فكتمت ابتسامتها وقالت بسخرية:-
_ بتخاف من الصراصير!! دول كانوا بيناموا في حضني!!
اطلقت ضحكة عالية فجذبها من معصم يدها حتى وقغت أمامه بضحكات لا زالت ترتفع وهتف بغيظ:-
_ انا عندي فوبيا من الصراصير وبقرف منهم يا غبية
لوت شفتيها بأسف وقالت:-
_ خلاص... أسفة بس ما تقولش غبية!
نظر آسر للمكان جيدا يتفحصه فقالت سما بتوتر:-
_ نام...مافيش صراصير
ضيق عينيه عليها وقال:- يعني ضحكتي عليا؟!
هزت سما رأسها بموافقة وضحكة عالية ثم قالت:-
_ تصدق آه!!
كررت سما سؤالها كي تُلهيه عن ما فعلته:-
_ احنا فين؟!
أجاب بنظرة غيظ:- معرفش
قالت سما متابعة اسئلتها:- هنرجع البيت أزاي؟!
كرر آسر ذات الأجابة بحدة:- معرفش
سما بغيظ : طب انت عصبي ليه؟!
أجابها بحدة :معرفش
لوت شفتيها بتذمر وقالت :- هو أنت ما تعرفش غير كلمة معرفش!
اكتفى آسر بالقول :- آه
ابتسمت بمرح وقالت:- طب ممكن تغنيلي؟ سليني بأي حاجة طيب
رد آسر بنفاذ صبر : صوتي وحش ومابعرفش أغني
سما بمرح:- اغنيلك أنا؟
رفض بضيق: لأ
صدح صوتها الذي امتزج بالضحكات :- السود عيونه يا ولااا
انتبهت له وهو يهم بالاقتراب بعصبية فركضت هاتفة:
_ أنت اتعصبت ليه؟ يا لهوااااي
ركضت حول الشجرة القريبة وركض خلفها بغيظ شديد حتى وقف وهتف بعصبية:-
_ بطلي تصرفات الأطفال دي ومش عايز اسمع صوتك!!
وقفت امامه بتحدي وقالت بعناد:- لأ
زفر بنفاذ صبر ورماها بنظرة غاضبة وتمدد على الأرض مرة أخرى وتجاهلها.....راقبته بغيظ حتى أغلق عينيه وتوجهت فاعلة مثله وتمددت بجانبه ثم اسندت رأسها بكفيها وأغمضت عيناها.....
مرت دقائق حتى انتبهت لصوت نباح كلب يبدو بهذا البراح مخيف بعض الشيء....ابتلعت سما ريقها بخوف وحاولت تجاهل الصوت......
تكرر النباح فأعتدلت وهي تنظرحولها بقلق بينما راقبها آسر بنصف عين وكتم ضحكته بالكاد بعدما لاحظ خوفها وتمتمتها.....نظرت لآسر النائم بجانبها واقتربت منه قليلًا تستحث بعض الأمان....تكرر الصوت للمرة الثالثة فألقت رأسها على صدره بخوف ورجفة واضحة فاتسعت ابتسامته بتسلية وقال بسخرية:-
_ اومال فين شجاعتك ياملجأ الحنان للصراصير؟!
تمسكت بقميصه بخوف حقيقي وقالت بصوت مرتعش:-
_ ده كلام وهزار....بس أنا بخاف من أي حاجة ومن كل حاجة...
شعر بها بعد ذلك وهي تبكِ بشكل مفاجئ فجذبها اليه بضمة قوية....أراد أن يعطيها كل ما تحتاج اليه بينما هي كل ما له بالحياة....
تمسكت به بقوة وقالت:- آسر... أنا بحبك
أغمض عينيه بقوة وكأنه أراد حبس تلك الكلمة بداخل قلبه حتى الممات حتى تنتهي آخر دقات قلبه ولا يصبح داعي لسماعها .....وعندما فتح عينيه مرر يده على دموعها بحنان وابتسامة رأفت بدموعها وقال بعشق:-
_ وأنا مش بحبك....أنا بعشقك وبموت في كل حاجة فيكِ...
اتسعت ابتسامتها فجأة وهي تبكِ فضحك على تصرفها الطفولي......تبدلت نظرت لشيء اربكها حتى انتبهوا لصوت سيارة قادم من البعيد.....
زم آسر شفتيه بغيظ فكتمت ابتسامتها بمرح....
**********
بمطار سانتوريني (ثيرا) الوطني....
وقفت تتأمل ما حولهـا....لغة غريبة ، وجوه غريبة يغلب عليهـا الطابع الشرقي مع لمحات غربية...
بغمرة هذا الشعور المجهول الممزوج بمذاق الغربة....حضن أناملها يد كانت لمستها حنونة....ولأول مرة ترى أن عناق الأنامل له لغة...وأن الأمان ينبع من القلب أولًا....
ابتسم لهـا رعد وقال بابتسامة تفهمت قلقها :-
_ سانتوريني...بيقولوا عليـها جزيرة العشاق...اخترتها من ضمن كل الجزر...
تطلعت به بصمت...وابتسامة تسللت لقلبها ولم تجرؤ على الظهور ، ماذا يقصد ؟!
قالت بتلعثم :- يظهر أنك جيت هنا كتير!
فهم ما ترمي إليـه فأجاب :-
_ جيت مع الكاميرا بتاعتي ، لحد كام شهر فاتوا هي بس اللي كانت حبيبتي..
طافت ابتسامة مترددة على ثغرها وتساءلت بلهفة :- ودلوقتي ؟!
وقف أمـامـها لبرهة ثم قال بمكر يتناغم مع ابتسامته :-
_ دلوقتي في رحلة مستنيانا احنا الاتنين ومتأكد أننا هنخرج منها واحنا مبسوطين...
ابتلعت ريقها بتوتر من نظرته التي تربكها حتى أتى صوت انثوي ناعم على بُعد خطوات...قالت تيما بدهشة :-
_ رعد !! معقول أشوفك هنـا !!
اسرعت تيما إليـه دون اكتراث لما تقف وعينيها متسعة بدهشة وذهول بجانبه...ارتمت تيما على صدره ليبعدها رعد بنظرة عصبية ولكنه تحدث بثبات :-
_ بتعملي إيه هنا يا تيما ؟!
ضيقت رضوى عينيها عليه فيبدو أن علاقته بتلك الفتاة حميمية لدرجة كبيرة....أجابت تيما وتعمدت تجاهل رضوى تمامـًا :-
_ كنت في أجازة بقالي شهر هنا ، صحابي سافروا النهاردة وكنت بودعهم مؤقتاً على ما ارجع مصر....وبعدين ده سؤال يا قاسي ؟! مش دي سانتوريني اللي بتموت فيها ولا نسيت !!
ادمعت عين رضوى وهي تنظر له بخذلان فرمقها بأسف وضيق شديد من تيما التي ظهرت كالكارثة فجأة....
تابعت تيما قبل أن يتحدث بعصبية :-
_ سمعت أنك اتجوزت..فين بقى اللي قلت مش هيبقى في زيها دي ؟!
جذب رعد يد رضوى على حين غرة واحاطت يده خصرها بتملك وقال بثقة واعتزاز :-
_ أعرفك بمراتي...رضوى
نظرت رضوى للأسفل ولم يرضيها هذه اللافته منه فكان عقلها مشغول بتلك الفاتنة التي يصعب على أي رجل الخلاص من براثنها...تساءلت لأي مدى امتدت علاقتهم ؟! تاهت بفكرها حتى اطلقت تيما ضحكة ساخرة وبذلك اوضحت سخريتها علانية وقالت بغير توضيح :-
_ فرصة سعيدة يا مدام رضوى !
كانت السخرية والاحتقار واضحاً بشدة بنبرتها ونظرات عينيها المتفحصة بإزدراء....نظرت رضوى لزوجها بنظرة قاتلة من العتاب وقالت مبتعدة :-
_ هستناك برا المطار ...
ابتعدت عنه بشكل اجباري ونظرات غاضبة ودامعة حتى هتف رعد بتيما بكره :-
_ أنا عارف أنك مش هنا بالصدفة بس لو لمحتك تاني يا تيما أنتِ عارفة أني اقدر ما اخلكيش تشتغلي تاني ولو خمس دقايق قدام كاميرا ...لو شوفتك تاني هنا اوعدك أن نهاية شغلك كله هتبقى على إيدي....اللي كلمتيها دي واستهزأتي بيها جزمتها انضف منك يارخيصة...
اطلقت عين تيما الشرر وقالت بغضب :-
_ انا هنا بالصدفة !! وبعدين ده ذوقك وانت حر فيه مش ذنبي انا !! وهو مش ده كان كلامك ولا أنا بفتري عليك ؟! هي دي اللي ملهاش زي ؟!
اسودت عين من الغضب وقال بتحذير ناري :-
_ جربي أنك تعملي اللي عملتيه ده تاني وانتظري مني رد فعل هيخليكي تندمي طول عمرك...
تركها تقف مشتعلة من الغيان وهي تتسائل بدهشة ...اتلك الفتاة البسيطة تجعله مهووس بها لتلك الدرجة ؟!
*******
**بفندق يطل على البحر برماله البركانية**
دلفت للغرفة التي تم حجزهـا حتى دخل خلفها وانتظر حتى وضع الخادم حقائبهم واعطي له بعض النقود....انصرف العامل واغلق رعد الباب بهدوء ثم استدار لها بنظرة معتذرة....
تجاهلته تمامًا وبدأت تفك رباط حجابها....لمحت ملامحها البسيطة الهادئة بالمرآة...كيف له أن ينجذب اليها ويترك تلك الفاتنة ؟!!
قال رعد برقة :- رضوى
اقترب اليها بخطوات ليس لها صوت فلم تجيبه وتابعت فك شعرها المعقوص حتى تسلل على كتفيها كالشلال الأسود...
لمح دمعة بعينيها فجذبها من يدها لتنظر له...تحاشت النظر اليه عندما فرت الدموع من مقلتيها بألم...قبل رأسها ببطء ثم نظر اليها قائلا :-
_ لو لفتت نظري للحظة كان ممكن تبقى مكانك دلوقتي...
نظرت له بانفعال وقالت :- واضح أنها تعرف عنك كتير ، وواضح انها كانت هنا معاك !!
ابتسم بخفة وأجاب :- كل اللي قالته الناس كلها عرفاه ، انتي ليه خايفة مني يا رضوى؟! ماتفتكريش أني ماخدتش بالي !!
تلعثمت وعينيها تدمع ولم تجد اجابة مناسبة فجذبها فجأة الى صدره بقوة بعناق دافئ وقال :-
_ لو خايفة يبقى اطمني....لو مش مصدقاني استني وشوفي بنفسك...مش حرام يبقى في دموع كده واحنا المفروض أول يوم لينا هنا !!
على فكرة احنا هنقعد هنا كام يوم بس لكن الرحلة اللي بجد هتبتدي بعد كده....شلال وجبال وبحر واحنا الاتنين وبس...
ابتعدت بارتباك وقلق وهي تردد :- ايه ؟!
ابتسم وقال بتأكيد :- زي ما سمعتي...
_______________________
ممكن لو بتحبوني تتفاعلوا
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
بغرفة شِبه مظلمة...تشبه غُرف السجون !
نوافذها من الخشب المُجمع من عدة قطع متهالكة...كانت سما جالسة على الأرض مقيدة من يديها وقدميها بجانب تلك اللاصقة اللعينة على فمها...نظرات الهلع لم تهجر حدقتيها وتتناوب نظراتها بين المُلقى مغشياً عليه بجانبها وبين ذلك الذي يجلس على مقعد على بُعد عظة خطوات بسيطة....
عينيه تقطر شرر وتوعد...كأن بينهما ثأر قديم !! منذ أن قيدها واطاح بضربة غادرة على رأس آسر وهو يجلس ناظرا لهم بنظرة منتصرة....لا تخلو من الشماته....حرك المسدس بقبضته وقال بسخرية :-
_ حتى الظروف خدمتني أني اجيبكم لحد هنا بمنتهى السهولة...لا كنت متفق مع السواق...ولا كنت عارف أن العربية هتعطل !!
بس حتى لو كنتوا فضلتوا في الفندق كنت هخطفكم....آسر مش أذكى مني...
رمته سمـا بنظرة عنيفة من الكره والاحتقار وهزت رأسها بقوة....تريد الصراخ بوجهه ولكن تلك اللاصقة تمنعها من الحديث.....نهض "خالد" من مقعده وتوجه إليهـا حتى اقترب واتلك سراح شفتيها للحديث بإزالة اللاصقة ، تجعدت ملامح سما بألم للحظات...القى اللاصقة بعيد بإهمال ثم وقف بثبات قائلًا :- عايزة تقولي إيه سمعيني ! بس إياكِ تغلطي وماتنسيش أنك تحت رحمتي أنتِ وحبيب القلب !!
ختم حديثه بنظرة شرسة وصوت حاد....صرخت به سما بغضب :-
_ عمري ما هكون تحت رحمتك واللي أنت عملته مش هيعدي بسهولة....ماتنساش أنك ماضي على شيك يخرب بيتك ويسجنك !! أنا مصدومة !! لما كنت متخدر كان ليك عذرك انما دلوقتي عذرك ايه !! أنت انسان مريض ولازم تتعالج قبل ما تدمر نفسك !!
تطلع بها "خالد" للحظات...أصابت الهدف ومكمن علته.....مضى الى مقعده وجلس وبدا عليه الوجوم والصمت....وتعجبت سما من ذلك فقد ظنت أنه سيثور من حديثها !!
انسحبت نظرة خالد إلى "آسر" المغشي عليه وقال بنظرة ضائعة :-
_ اللي أنتِ ماتعرفيهوش أني أنا وآسر كنا أعز صحاب...كنت بحبه زي أخويا...مكانش ليا صاحب غيره...بس كرهته لأنه كان السبب في شرخ كبير بعد بيني وبين أهلي....
بالنسبالهم كان هو الأفضل والأحسن...حاولت أثبت نفسي بس معرفتش عشان كده كرهته....لأني معرفتش ابقى زيه....
موضوع الشيك مفرقش معايا على اد ما فرق أني احسسه باللي حسيته أنا من سنين....
سما بعصبية :- وآسر ذنبه ايه ؟! بتنتقم منه ليه ؟!
صرّ "خالد" على أسنانه بعنف وقال:-
_ لأنه كان عارف اللي بيحصل وبيتعمد يبين نفسه عليا قدامهم ، يقلل مني في كل شيء....
هزت سما رأسها برفض وقالت بألم :-
_ وليه مفكرتش أنه لجأ ليهم لما اتحرم من ابوه وأمه؟! مكنش عايز يحس أنه يتيم وقربه ليهم كان احتياج ويتم !!
نهض بحركة غاضبة وهتف بعنف :-
_ مش عايز اسمع تبريرات ماتهمنيش !
رمقها بنظرة نارية قبل أن يخرج من باب الغرفة صافقاً الباب خلفه.....ظلت سما لثوان تكلع اتجاه الباب حتى تحركت زاحفة بصعوبة ولكنها قاومت حتى اقتربت لآسر ونظرت له بدموع وخوف.....قيد يديها منعها من لمس وجهه لتحاول ايقاظه حتى يفيق....وتمنت أن الضربة لم تسبب خطرا على رأسه وتكن كدمة سطحية.....قالت واقتربت لوجهه :-
_ آســر....فوق عشان خاطري...آســــر
ظلت تناديه وهي تبكِ وعاجزة تمامًا عن فعل أي شيء ، أغمضت عينيها بدموع منهمرة وقعت على وجهها بقوة ثم ارتمت على صدره ببكاء وهي تتوسل ربها كي ينقذهما من هذا الموقف.....ضربات قلبه تبدو منتظمة !!
رفعت رأسها حتى عنقه واجهشت مجددًا بالبكاء وهي تردد اسمه كثيرًا....
كان صوتها يبدو بعيدا بعيدا عن سمعه.....
حتى بعد دقائق بدأ يحرك جفنيه بصعوبة شديدة وتمتم باسمها !!
ظلت دقيقة صامته بجمود حتى رفعت رأسها بقوة تتأكد مما سمعته لتجده بدأ يفيق بالفعل....ابتسم بين دموعها ورددت اسمه :-
_ آسر....حبيبي عشان خاطري فـــوق
حرك رأسه ببطء ثم انفرج جفنيه بنظرة تائهة لوجهها الباكي وقال بحروف متقطعة :- سمــا
هزت رأسها بقوة وهي تبتسم وعينيها تضاد بسمتها :- ايوة أنا سما...أنت كويس ؟!
قاوم ثقل جفنيه وقال بالكاد :- آه
وطأن ثقل سقط من على كاهلها فارتمت رأسها على عنقه قائلة بدموع :-
_ كنت هموت من الرعب عليك....أنا مقدرش أعيش من غيرك أنت عمري كله....آسر أنا بحبـك
وكأن قلبه لم يثمل ولم يتيه بل انتفض بداخله من أعترافها....طافت ابتسامة بطيئة ومتعبة على شفتيه ثم بدأ يستعيد وعيه وما حدث يمر بعقله.....اتسعت عينيه بالتدريج ونظر حوله ليقل بأنفاس متسارعة :-
_ حصل ايه !! احنا فين ؟!
شعر بقيد جسده فتملكه الغضب والجنون حتى رفعت سما رأسها وقالت :- خالد اللي عمل كده....ضربك على راسك وكتفنا احنا الاتنين وجابنا هنا ، بس مش عارفة احنا فين !
انتفض جسد آسر من مكانه وجلس بنظرة نارية شرسة وهو يحرك يديه المكبلة خلف ظهرة بغضب....حركته المنفعلة جعلت رأسه يدور ولكنه كافح حتى لا يتيه مجددا.....قال لها بنبرة آمرة :-
_ حاولي تفكي ايديا بأي طريقة....بســـــرعة
ارتعش جسدها وهي تتحرك خلف ظهره حتى خفضت رأسها وبدأت تحرك الأخبال المعقدة على معصمه بأسنانها....كان الأمر مؤلم ويحتاج لكثير من المجهود والمصابرة....استطاعت فك عقدة واحدة فقط بينما تملك آسر ثورة جنون الغضب وبدأ يحرك معصمه بقوة حتى وسعت العقدة واستطاع سحب أحد يديه وهكذا نجح بالخطوة الأولى وأهم خطوة أيضا....بعد لحظات كانت تحرر تماما من القيد وحرر سما أيضاً وكاد أن يقف حتى
انتبه لصوت أقدام آتيه فتظاهر بالقيد ووضع يده خلف ظهره حتى دلف "خالد" للغرفة.....فعلت سما مثل ما فعل آثر ولكن تبدو عقدة قدميه واضحة أنها تحررت من وثاقها!!
نظر "خالد" لهما بدقة....لم يغفل عن الأمر حتى أقترب لآسر وأشهر سلاحه قائلا :- ما تحاولش تتحرك يا آسر....أي خطوة هتعملها أقرأ الفاتحة على روحك الأول....
صرخت سما بزعر حتى تظاهرت بالأغماء بينما وقف آسر بشعور قوي بالدوار ولكنه لم يظهر ذلك بكل قوته.....أجاب :-
_ مكنتش فاكر أنك هتوصل للدرجة دي من الحقارة ! بس مش هسيب حقي يا خالد....طول عمرك حقود وأناني وباصص للي مش ليك !!
هز خالد رأسه بعصبية وقال :-
_ يا أخي أنت ايه !! ده انا كنت حسيت بشوية ندم من كلام مراتك وكنت هسيبكم وأمشي.....بس أنت ما تستاهلش...ولا كنت تستاهلها !!
فتحت سما عينيها بخفاء واستغلت انشغال خالد بالحديث وبحث عن أي شيء حولها تستطيع استخدامه حتى لمحت قدم مقعد خشبي مكسور....على بُعد خطوة واحدة من يديها....لابد أن تفعل شيء فآسر بخطر حقيقي.....
انتظرت حتى استدار خالد ليأتي ببعض الأحبال ليقيد آسر مجددا حتى التقطت قدم المقعد وبسرعة عالية نهض وهبطت بها على كتفه بكل قوتها.......وقع المسدس من يد خالد وصرخ بألم وهو يمسك كتفه....
تطلع آسر بها بتعجب حتى أخذ المسدس الملقى أرضا وأشهره باتجاه "خالد" بنظرة شرسة ولكن اسرعت سما اليه لتمنعه فقالت :-
_ لأ...ما توديش نفسك في داهية عشان واحد زي ده
تطلع بها آسر بعصبية بينما نهض خالد وهو يترنح من ألم كتفيه ليأخذ آسر قدم المقعد الخشبية ويهوي بها مرة أخرى على ذراع خالد اليسرى فصرخ بأعلى صوته بألم شديد....
تطلع به آسر بكره واحتقار ثم قبض على يد سما وخرج من هذا المكان المعبأ بالقمامة..
****************
كان يضغط على أسنانه من شدة الم رأسه وهو يخطو بالطريق وهي بقبضته....نظرت له بابتسامة وحمدت ربها أنه بخير....قال بعصبية :-
_ أوصل القاهرة وهسجنه
سما بضيق :- انساه يا آسر ، ده مسكين !
وقف آسر إثر كلمتها ونظر لها بذهول مردد هذه الكلمة فقال :-
_ مسكين !! بعد اللي عمله مسكين !! ولا يكون صعبان عليكي !!
سما بضيق :- مسكين لأنه كان ضحية أهل بيقارنوه بيك طول الوقت...هو قالي كده ، عشان كده كان بيكرهك وبيغير منك بس هما السبب بدليل أنكم كنتوا صحاب من صغركم !!
آسر بغضب :- ده أنتوا قعدتوا بقى وحكيتوا وأنا مش داري !!
ضيقت عينيها بغيظ وقالت :-
_ أنا مش هرد عليك ، وخليك فاكر اللي عملته من شوية ، اظن واحد غيرك كان زمانه بيشكرني !
زم شفتيه بعصبية تم نظر للطريق وقال بضيق :- حتى معرفش احنا فين !
لمح سيارة خالد بعيدة بمسافة ليست قليلة....جر سما خلفه بعصبية وهي تتلوى بقبضة يده حتى اقترب للسيارة بعد دقائق....
نظر لها لبرهة وقال وقرر العودة لخالد :- مش معايا المفاتيح بتاعت العربية ، خليكي هنا ثواني..
قالت بتصميم :- لأ هاجي معاك
نظر لها بقوة وأشار بتحذير :- قلت خليكِ هنا ثواني وراجعلك !
هزت رأسها برفض وقالت بضيق :-
_ لأ ....مش هسيبك لوحدك
نظر بعينيها للحظات بصمت تام ثم هرب بنظرته منها وتوجه حتى الغرفة البعيدة .....
ركضت سما خلفه حتى دلف للغرفة وانتظرته بالخارج.....ظنت انه سيحتاج لبعض الوقت ولكنه خرج بعد دقائق ومعه المفاتيح ولكن يبدو عليه أنه كان يتلفظ الشتائم لخالد.....
قبض على معصم يدها بقوة وتوجه للسيارة مرة أخرى.....
وقف وترك معصم سما حتى فتح باب السيارة وجلس بمقعد القيادة وجلست سما بجانبه.....قالت متساءلة ببراءة :-
_ هو خالد هيفضل هنا مرمي !
التفت لها بنظرة نارية فنظرت للأمام سريعا وحرك السيارة بعصبية وعينيه الغاضبة مسلطة على وجهها بنظرة جانبية حادة.......
*************
بالطريق......
اختلست النظر اليه فوجدت عينيه ثابته على الطريق ويداه قابضة على المقود بحركات مدروسة....كان أغرب شيء مر عليها هي تلك الابتسامة التي فرت على شفتيها بمرح...شعور هائل بالمرح غزى قلبها الآن ريثما بعدما شهدت غيرته منذ لحظات.....
كتمت ضحكتها بالكاد ثم قالت لتخرجه من صمته :- هو كاسيت العربية ده شغال ؟!
رفع أحد حاجبيه بعصبية ونفاذ صبر وأجاب:- ليه !!
كتمت ضحكتها مرة أخرى ثم قالت بثبات :-
_ شغلنا حاجة نسمعها....نتسلى كده لحد ما نوصل...ياريت يكون كاظم
أطرق على النقود بعصبية وهتف :- احنا في ايه ولا في ايه !
قالت بهدوء :- هو مش انا عروسة ! ايه النكد ده !
رمقها بسخرية ثم عاد بنظرته على الطريق....شعرت بالغيظ منه وتمتمت :- يارب العربية تعطل تاني
انتبه لما قالته ولم يعير اهتمام للأمر حتى مرت دقائق وانتبه لصوت يشبه "الفرقعة " كانت سما تعرف هذا الصوت حيدًا نظرا لقربها من عائلة الأسطعة سمعه الميكانيكي.....وتأكد ظنها عندما وقفت السيارة بعد قليل....وضعت يدها على فمها وكادت أن تفلت منها ضحكة عالية.....تعجب آسر من الأمر وخرج من السيارة حتى اكتشف أن احد الايطارات ثقب !!
خرجت سما من السبارة ووقفت بنظرة متشفية ضاحكة ولكنها تصنعت عدم المعرفة وقالت :- ايه ده في ايه ؟!
ضيق عينيه عليها بعصبية وقال :- مش عارفة في ايه !!
نظرت له وبدأت الابتسامة تدرج على شفتيها لتصبح ضحكة عالية وقالت بين ضحكاتها :-
_ اللي يجي على سمكة يغرق !
لم يستطع أن يتمالك نفسه من الغيظ فأقترب منها ولكنها أسرعت ضاحكة تركض حول السيارة وهو خلفها.....وقف فجأة وتظاهر بالدوار حتى اسرعت اليه بقلق وقالت.:-
_ أنت كويس !!
جذبها اليه وجعل يديها خلف ظهرها بقبضته وقال بحدة :-
_ عاجبك اللي احنا فيه ده وعمالة تضحكي ياهبلة !!
ورغم عصبيته ولكنها ابتسمت قائلة وهي تنظر لعيناه :-
_ آه عاجبني
تعمق بعينيها بشعور قلبه الملتهف اليها بجنون....ولأبتسامتها الطفولية التي ورغم ضيقه كان يبتسم لها سرا.....
ارتخت قبضته على يديها وابتعد عنها بالتدريج.....نظر للسيارة في حيرة من أمره وبحث بها عند احتياطي للإيطار ولم يجد....
***********
بمطار القاهرة.....
جلست رضوى بجانب زوجها على متن الطائرة بينما لاحظ رعد رجفت يديها مما يظهر خوفها من الطيران.....ضم يدها إليه ثم قبّل أنامل يدها ببطء شديد....رجفتها هذه المرة كانت من لمسته...سيبدو الأمر سخيف أن وبخته على ذلك !
وضع يده على كتفيها جاذبا جسدها الى صدره بهالة تحكم ورفق....قال :- احكيلك عن آخر رحلة لليونان قبل المرادي....بصي ياستي....
كانت تلتقط عدة كلمات مما يقوله فتفهم مجرى الحديث ثم تتيه بخجل شديد من هذا القرب وغفلت عن كل شيء عداه هو....أغمضت عينيها وتاهت رغما عنها بغفوة سريعة....لاحظ رعد سكونها فنظر لوجهها بابتسامة ونظرة حنونة ثم قبّل رأسها برقة....
مرت دقائق كثيرة حتى فتحت عينيها بكسل ونظرت لما حولها قائلة :- _ هي الطيارة لسه ما طلعتش !
نظر لها رعد بابتسامة واسعة ولم يجيب...تعجب منه وقالت بغيظ :- بتضحك ليه !!
أجاب بتسلية :- احنا عدينا نص الطريق تقريبًا !! صباح الخير
ختم قوله بضحكة فشعرت بالحرج ونظرت أمامها بصمت....جذبها لصدره مرة أخرى وقال بابتسامة :- خليكِ كده عشان عايز أنام وهعتبر راسك مخدة...
استند رأسها على صدره ببطء وابتسامة أخفتها....فأستند بخده على رأسها وأغمض عينيه ولكن ليس لأحل النوم بل بدعوة أن يؤلف الله بين قلبيهما....
***********
**بغرفة الفندق**
انتهى يوسف من أداء صلاة الضحى....مع ركعتين شكر لله على ما هداه من سعادة.....راقبته حميدة بابتسامة حنونة حتى أنتهى ونهض من موضعه....طوى سجادة الصلاة ووضعها على ظهر المقعد أمام المرآة وهو يردد التسبيح......
اقتربت منه وقالت بابتسامة وهي تضع يدها على صدره بدلال :-
_الفطار وصل...على فكرة ما اتعشناش امبارح واكل ستي حمض !
اتسعت ابتسامته وهو يجذبها اليه أكثر وقال :-
_ مش مشكلة...أنا حاسس أني نسيت الأكل !
ارتفعت ضحكتها بمرح وقالت :- طب يلا عشان نفطر...
اقترب وهمس بأذنها بنظرة عاشقة....اطربها بكلماتٍ جميلة تمس القلب وتخصه فقط....
*************
**بشفة جاسر**
غابت جميلة بعدما تناولت طعام الفطار معه...خرجت من الغرفة وهي ترتدي روب ثقيل وطويل لا يظهر شيء من مفاتنها وبهذا الأمر قد صوبت عصفورين بحجراً واحد......
اقترب منه وهو يجلس أمام شاشة التلفاز فنظر لها بدهشة وبغيظ خفي....جلست بجانبه بثبات حتى قال بنظرة حادة :-
_ ده أخرك في الإغراء ! جميلة يا حبيبتي
نظرت له جميلة وقالت بهدوء :- ايوة يا جاسر ؟!
جاسر بغيظ :- هو الطوفان رجع تاني ؟!
جميلة بتساءل :- طوفان ! ليــه ؟!
جاسر وقد أزداد غيظه منها :- أصلك جمعتي كل البطاطين ولبستيها !!
وضعت جميلة ساق عل. ساق بثقة وأجابت :- ده إنذار لا تقترب !
جاسر بسخرية :-
_ والله لو لبستي عليهم لحافين فايبر هقترب يعني هقترب...يابنتي أنا صايع قديم !
نهضت بعصبية وهتفت :- لازم تفكرني يعني بماضيك الأسود !!
نهض بابتسامة واسعة وجذبها اليه قائلًا بتسلية :-
_ اهو اعترفتي بنفسك أنه كان ماضي ، خلينا بقى في الحاضر والمستقبل والمضارع اللذيذ
اقترب اليها بنظرة ماكرة حتى ابتعدت قائلة :-
_ مافيش حاضر من غير ماضي !!
جاسر بغيظ :- مش وقت حصة تالته تالت دي خالص !!
جميلة بعصبية :- وأنت ما بتتعلمش !
جاسر بنظرة ماكرة :- علميني
هزت جميلة رأسها بيأس وقالت :- مافيش فايدة فيك للأسف !!
مرر جاسر يده على ذقنه وحاول أن لا يغضب ويتحكم بأعصابه ثم قال بتحذير :-
_ طالما بقى هو ده اللي عندك يبقى ما تلوميش غير نفسك...انا خارج
ضيقت عينيها بدهشة وقالت :- خارج !! احنا فرحنا كان امبارح !! أنت عايز الناس تقول عليا ايه ؟!
جاسر بعصبية :-
_ كل حاجة الناس الناس الناس ، اتخطبتيلي بسبب كلام الناس ووافقتي على الجواز لنفس السبب ودلوقتي بتتججي بالناس....كل دي حجج ومبررات بتداري وراها السبب الحقيقي....
جميلة بارتباك :- سبب ايه ؟!
جاسر بسخرية لاذعة :- السبب أنك حبتيني من البداية ، لو حد غيري مكنتيش هتوافقي كل ده ، حتى كلمة بحبك حرماني منها !!
بس تمام أنا مش عايز حتى اسمعها....وكده كل واحد اختار حياته
تركها تقف ويظهر على ملامحها التوتر والشحوب ودلف لغرفته الخاصة...ظلت للحظات عاجزة عن الحركة حتى قررت التحدث معه بهدوء........
دلفت للغرفة ووقف بالقرب منه وهو يفتح خزانة الملابس وينتقي منها ما يريده فقالت بصوت متهدج :- اللي حصل هو اللي خلاني ابقى تايهة ومتلغبطة بس أنا فعلًا....بحبك
نظر اليها وترك ما بيده حتى كررتها جميلة بدموع:-
_ أيوة بحبك وده اللي خلاني اخد الموقف ده عشــان.......
لم تتابع.....كان يكفي هذه الكلمة ليجن جنون قلبه...وتثور ثورته...كانت كلمة تكفي حتى تربكه ، وتعود به لنقط العشق.....فقرر أخذ حقه كاملًا هذه المرة......ورغم أنها قاومت حتى تثبت على قرارها ولكنها بالنهاية تعشقه...تعشقه وهو زوجها....ضعف صوت المقاومة بداخلها حتى أصبح صامتاً تماماً...وطل العشق والمحبة بدلًا عن أي شيء....
******
لا يخاف القلب من كثرة الدموع ربما لأن أملًا مرتسمُ بالآت....بينما يدق القلب خوفاً بعد الابتسامات....يخاف القلب أن تزول الضحكة ويبقى القلب على ما هو عليه من أحزان !!
منذ ذلك الأتصال المريب وهي تحاول بكامل جهدها أن تتناسى الأمر...فربما أراد أحد المزاح معها...أو ربما أي شيء سوى أن يكن "حسام" لا زال على قيد الحياة !!
بعدما ذهب زوجها "وجيه" لعمله بهذا الصباح وهي تطوف بأنحاء القصر...تأمر بترتيب وإزديان كل شيء استعداداً لمجيء الشباب مع زوجاتهم...حتى أخبرها أحد الخدم باتصال ينتظرها....وقفت "للي" ساهمة لدقيقة...لمَ قرع قلبها خوفاً فجأة !!
مضت بالردهة الواسعة واقتربت من الهاتف الأرضي المثبت على طاولة خشبية من خشب الزان الفاخر...وجدت سماعة الهاتف جانبًا والاتصال مفتوح....رفعت السماعة بتوتر حتى صدق حدسها وآتاها ذات الصوت مجددًا.....قال :-
_ القدر جمعنا تاني يا للي ، يمكن كنت نسيتك بس اظاهر أن الأيام هتجمعنا تاني ويتحقق اللي كان نفسي فيـه من أول مرة عنيا وقعت عليكِ......يومها كنتِ زي القطة اللي بترتعش من المطر والبرد....يمكن الموقف ده اللي خلاكي مميزة عندي وفضلتي في دماغي مخرجتيش...بس ما تتغريش وتفتكري أن ده حب !!
مش بحبك..... بس عايزك تبقي ملكي لوحدي...
هجم على ثباتها الرجفة العنيفة من الخوف....حدة صوته ذكرتها بالماضِ....بيوم كان أشد مَصاب أيامهــا...ذلك اليوم الذي أنقذها "راشد" من ماء البحر الذي دفعت به بيد ذلك المجنون زوجها السابق..وتلك الرحلة المشؤمة التي فقدت بها جنينها....فرت دموعها كالشلال
***عودة بالذاكرة لعدة سنوات ***
كانت عيناه مسلطة عليها طيلة الأيام الفائتة من الرحلة....لم يبالِ زوجها بنظرات رئيسه لزوجته بل وكأنه راهن على ذلك !!
وبأحد أيام الرحلة على متن يخت كبير مخصص لذلك...مرت للي بعد الغداء بأحد الممرات العلوية باليخت وتركت الجميع الذي لم ينفكوا عن السُكر والعربدة طيلة الأيام الماضية....وقفت وتمسكت بأناملها الفاصل الحديدي بينها وبين المياه....انزلقت دموعها بعذاب ولا تعرف متى تنتهي كل هذه الآلام التي تغمر قلبها للعمق...تنهدت ببكاء كتمته لسنوات ونظرت للسماء قائلة ببكاء وهي تتحسس بطنها المنتفخة من الحمل :-
_ يــارب....نفسي ارتاح ، أنا مش عايزة أبقى زيهم ، ارزقني راحة البال يارب وانقذني من حسام واللي معاه..
أتى صوت فجأة من خلفها فاستدارت بخوف لتجده "راشد" بنظراته الملتهمة لجسدها....أقترب منها وقال ببسمة ماكرة :-
_ وزعلانة ليه من اللي مع حسام ؟!! لو طاوعتيني هخلصك من حسام للأبد...
ابتعدت للي عنه بكره لم تستطع اخفائه فجذبها من معصم يدها بقوة إليه وهمس بصوت كالفحيح :-
_ أنتِ فيك حاجةِ مميزة مش فاهمها !! يمكن عشان بتتمنعي ورفضاني! مش شايفة جوزك مقضيها أزاي ولا أنتِ حابة تعيشي في دور الزوجة المغلوبة على أمرها ؟! في إيدك تنتقمي منه لما تبقي معايا ، هخلصك منه وهحميكي أنتِ والجنين اللي في بطنك ده
تملصت من قبصته حتى استطاعت دفعه بعيدًا عنها بنظرة احتقار واضحة وهتفت بعنف :-
_ يمكن أنا بكرهه واتمنى الموت ولا أني استمر معاه اكتر من كده لكن ده مش معناه أني ابقى زيه وزيك.. قذرة !! أنا بتعذب وأنا معاه ودي حقيقة بس ربنا مش هيسيبني أنا متأكدة...أنا بحتقركم كلكم...كلكم أقذر من بعض وعمري ما هكون زيكم !
راشد بسخرية ونظرة غاضبة :- يبقى خليكي في اللي أنتِ فيه ، اوعي تفتكري أني مش قادر أطولك !! ، جوزك ده ممكن يبيعك ليا في دقيقتين ولا هيهمه لكن أنا عايزك بمزاجك...كيفي كده
هتفت "للي" بشراسة وفاضت دموعها بألم :-
_ لو على موتي مش هعمل كده ، مش هرخص نفسي..مش مستعدة أخسر آخر حاجة لسه موجودة وما اتكسرتش...أحترامي لنفسي.
جاوب "راشد" بإزدراء واستهزاء:-
_ شعارات فارغة ، وتفكير غبي...هعتبر أن الكلام ده ماسمعتهوش وهديلك يوم واحد كمان تفكري لأني هاخدك يعني هاخدك..
كان يراقب المشهد أزواج من العيون المراقبة من بعيد...وقف حسام بجانب "جين" واختلس نظرة جانبية لعيناها التي تقدح شرر وهي ترى زوجها يغازل ويركض خلف أخرى...ريثما أنها أيضاً لا تريده وتبغضه !!
تظاهر حسام بالغضب وقال :-
_ ده اللي فضلتيه عني !! بيخونك ومع مين ؟! مراتي ! أنا لازم انتقم منها....
اندفع حسام متظاهرا حتى مكان "للي" بينما كان تركها راشد منذ لحظات بعدما فقد الأمل بها....تحدثت "للي" وظهر عليها الغضب بينما بحث حسام بعقله على شيء ليكون سبب واضح كي يعنفها....أخذ أطراف حديثها وأمرها أن تسبح في الماء معه وهو على علم أنها لن تفعل ذلك بسبب الحمل ولكنه صمم وقيدها بقراره المريب وعندما رفضت أبرحها ضرباً ثم القاها بالماء من أعلى اليخت بعنف....
شاهدت ذلك أحدى الفتيات التي كانت تستعد للسباحة بعد طعام الغداء فصرخت به قائلة :- يامجنون هتودينا في داهية !!
نظر حسام بسخرية ل "للي" التي تحاول الطفو وتستنجد الأمواج حتى تفاجئ بركوض راشد وهو يخلع تيشرته الصيفي والقى بنفسه بالماء وخلفه عدة رجال من رفقاء الرحلة....
**********
استعادت "للي" ذكرى فقدان جنينها بدموع تهدج له النبض ، وألم طاف بكيانها ولركن الأمومة بروحها....قال راشد من جديد :-
_ ماتنسيش أن لولايا كان زمانك ميته غرقانة...أنا اللي انقذتك...ولو مكنتش أنقذتك مكنش حد هيعمل كده ! يعني أنتِ مديونة ليا
احتدت نظراتها بشراسة وهي تبكِ :-
_ ابعد عني احسنلك...لو اتكتب ليا أعيش فده لأن عوض ربنا كان مستنيني وليا عمر أشوفه...لأني اتعذبت كتير واستحملت لحد ربنا ما بعتلي فرحة احسن من اللي كنت بتمناها...لا يمكن هتنازل عنها لو هموت..
ظهر صوت "راشد" وكأنه نهض من مقعده وثار غاضباً :-
_ لا مش أنتِ اللي هتموتي !! اللي فرحنالي بيه ده هو اللي هيموت...رجوعك ليا مش بمزاجي المرادي....رغم أنه جاي على هوايا ولأول مرة حسام يخدمني في شيء....حسام كاتب وصية أنك لازم تطلقي واتجوزك...وإلا الورق اللي مسكه عليا أنا واللي معايا هيوصل في ايد النيابة....يعني غصب عن الكل هتنفذي اللي هقولك عليه والا هموت وجيه الزيان وقدام عينك وبرضو هتكوني معايا ! في كل الاحتمالات هتكوني معايا فالاحسن لك تطلقي من غير دوشة...الأختيار ليكِ
انتهى الأتصال وهي تقف كلوح الثلج متجمدة !! لا ترى شيء من الصدمة....
تهديد بالقتل...ومن بالخطر ؟ زوجها !!
انتفض جسدها برعب تمايل بعينيها....هؤلاء مجرمون ويسعهم فعل أي شيء ! شعرت فجأة بألم شديد يغوص في أعماقها وكأنه طعنة.....
*************
**بالطريق المجهول**
نظر آسر حوله بالمكان الذي يبدو وكأن البشر تركوه منذ عقود!! نوبة الدوار تتمالكه بقوة من حين لآخر بينما منسوب الادرنالين جعل ذهنه مستيقظا لأي مفاجئة أخرى.....يظهر بمساحة الأراضي الواسعة عدة أشجار متفرقة لثمار الجوافة والموز....تبدو بموسم حصادها فظهرت الثمار شديدة النضج....قالت سما بتأفف :-
_ مافيش حتى عربية عدت غير واحدة ومرضيتش تقف !
آسر بعصبية :- خالد جابنا في طريق مقطوع عشان محدش يلاحظ حاجة بس أكيد هتعدي أي عربية وتوقفلنا...
وضع يده على رأسه المجروح وتمتم بعض الكلمات....قالت سما بقلق :-
_ طب ارتاح شوية وأنا هفضل صاحية لو عربية عدت...اكيد الوجع اللي حاسس بيه بسبب اللي رشه خالد على وشك
آسر باستفهام وتعجب :- رشه على وشي !
اكدت سما :- لما ضربك على راسك موقعتش على طول ولو كده بس كنت فضلت صاحي شوية بس رش حاجة كده خليتك تتوه خالص ويغمى عليك...الحمد لله أن الضربة مكنتش جامدة واذيتك..
نظر آسر للمكان جيدًا مرة أخرى ثم قال :-
_ هجيب أي حاجة من العربية ينفع أنام عليها هنا على الأرض...
سما بتعجب :-
_ طب ما تنام في العربية أسهل !
أجاب آسر وهو يتجه نحو السيارة :- لأ....عشان أنتبه بسرعة واتحرك لو عربية عدت أو أي شيء حصل...خليكي أنتِ في العربية..
اقترب آسر من السيارة والتزمت سما بالصمت وهي تعرف أنها لن تطيع هذا الأمر...بحث بالسيارة جيدًا حتى وجد قماشة مستطيلة الشكل ليست عريضة بالشكل الكافي ولكنها تكفي للغرض المطلوب....اغلق آسر صندوق السيارة وابتعد عدة خطوات بسيطة بقرب شجرة ضخمة ثم فرد القماشة على الأرض وتمدد عليها بالهواء الطلق....
رمقته بثبات وهي تعلم أنه تعمد ذلك ليتجنبها....يعاقبها لدفاعها عن خالد !! هل ظنه دفاع حقاً !! غيور لدرجة كارثية هذا الآسر !
************
**بشقة جاسر**
خرج من الحام الملحق بالغرفة وهو يجفف رأسه بابتسامة تقع مابين المكر والسعادة....لأول مرة يشعر بعد لقاء حميمي أنه يريد أن يبتسم من كل قلبه.....حلال الله له متعة خاصة...محببة ، ليس بها ندم أو ذنب...ليته لم يذنب قبلًا وانتظر لهذه اللحظة....
قطف زهرة برائتها بينما لم تمر عليه عاهرة وشعر هذا الشعور معها....العاهرات لا يحملنّ هذه العفة ! ليست عفة الجسد فقط ولكن عفة الروح والشعور...
قربه لها كشف له أنه كان مخطئ كل الخطأ بالماضي....وأن لا متعة فيما حرمه الله ، وانما الشيطان يوسوس للأقناع بها للأستمرارية....
المتعة الحقيقة للرجل هي زوجته التي يصبح الغزل والقرب لها يؤجر عليه !
وضع جاسر المنشفة على ظهر المقعد وعينيه على حبيبته بابتسامة عاشقة ، مرر يده على شعره بتنهيدة اعقبها ابتسامة مريحة نبعت من قلبه....اقترب إليها بشوق لضمها بقوة....لشيء من الحنان أراد بثه بقلبها....ولكنها اعتدلت بالفراش بأعين دامعة ، تنظر له بعتاب شديد على عهده الذي نكثه....على كل شيء فعله بل وجعله تعترف له بحبها مراراً....
ماذا فعل بها ؟! خانها قلبها وأعترفت...هكذا كانت تلوم نفسها !
نهضت من الفراش وهي تكتم دموعها وتوجهت للمرحاض مباشرةً....راقبها بأعين ماكرة ، مبتسمة ، وبتسلية ظاهرة....تركها حتى لا تبك فهو يعرف كيف سيرضيها...
خرجت جميلة بعد دقائق بعينيها الحمراء وظهر جليًا أنها كانت تبكِ بشدة....جلست وهي تجفف رأسها من قطرات الماء وبدأت تمشط شعرها بعصبية حتى بالمشط بعيدا بنظرات غاضبة.....واجهشت بالبكاء بعد ذلك.
اقترب جاسر لها كاتما ضحكته ووقف أمام مقعدها بجانب المرآة قائلًا بابتسامة واسعة :-
_ ممكن أعرف مراتي حبيبتي بتعيط ليه ؟!
رفعت رأسها له وازداد بكائها كالأطفال مما جعل ضحكة سريعة تفلت من شفتيه....قال بعد ذلك بمكر :- طب أنا عايز أصلح غلطتي !!
نظرت له بغضب من بين دموعها وهتفت :- أنت هتهزر !
ضحك مجددًا وقال :-
_ ماهو مافيش واحدة عاقلة تعمل اللي أنتِ بتعمليه ده !! يابنتي أنا جوزك !! أنتِ نسيتي ولا إيه ؟!
وقفت أمامه بردائها القصير المغري وهتفت بعصبية بينما كانت عينيه تنظر لها بمكر وتسلية ...قالت :-
_ أنت كدبت عليا وعملت اللي في دماغك ومراعتش احساسي ولا قراري !! مبسوط انت دلوقتي !!
هز جاسر رأسه بضحكة وقال معترفاً :-
_ أقسم بالله ما كنت مبسوط اد النهاردة...
اشتعلت عينيها بالعصبية وصاحت :- والله أنت اللي مستفز وضحكت عليا بس أنا مش هنسهالك...
رمته بنظرة غاضبة واستدارت لتبتعد ولكنه جذب معصمها الى صدره وقال بابتسامة وهمس بعدما قبّل رأسها بحنان :-
_ ولا أنا هنسى اليوم ده طول عمري ، وخليني أقولك حاجة مش عارف هتضايقك ولا تفرحك...أنا أول مرة ابقى مبسوط بعد ما اخد اللي عايزه...عارفة ليه ؟ لأنك مراتي وحبيبتي...وقتي معاكِ مكنش فيه احساس الذنب البشع اللي كنت بحسه ، ولا الندم والشعور بالقرف من نفسي ، أول مرة اكون مبسوط وبضحك وده كان معاكِ أنت بس ، ولأنك اول انسانة نضيفة تدخل حياتي...اللي فات كانوا عاهرات...عرفتهم عاهرات.. مضيعتش حد ولا ضحكت على واحدة...
مستغرب أنك زعلانة وبتبكِ والمفروض تفرحي لأنك مراتي ومعملتيش حاجة غلط ولأنك ساعدتيني اتغير واكتفي بيكِ...
نظرت له بارتباك....حديثه طمئنها لا تعرف كيف ، واحبت ابتسامته التي ظهرت صادقة لا خداع فيها ، قال بمحبة خالصة :-
_ ننسى بقى اللي فات وخلينا في اللي جاي....صفحة جديدة بينا هنكتبها مع بعض...هبقالك زي ما بتتمني يا حبيبتي
ابتسمت على مضض رغم نظرة العتاب بعينيها ثم قالت لتأخذ عليه موثقاً :-
_ طب لو عرفت أنك.....
لم تتابع...ضمها بقوة وهمس برقة قائلًا :-
_ كفاية اللي فات من عمري من ضياع وخوف في كل لحظة....أنا بحاول انساه عشان خاطري ما تفكرنيش بيه تاني....
قالت جميلة بابتسامة صادقة :-
_ المرادي هاخد منك عهد بس بطريقتي.....يعني هنتوضأ ونصلي ركعتين شكر وتعلي صوتك وتسمعني وأنت بتتعهد قدام ربنا انك توبت ومش هترجع للذنب ده تاني...وافق عشان اطمن
ابتسم مقبلًا رأسها بموافقة وتأكيد :- موافق جدًا
جميلة بتحذير :- لو خليت بالوعد ده هتخسرني للأبد
هز جاسر رأسه بنفي وقال :- هوفي مش بس عشانك ، هوفي بوعدي عشان عايز انضف ، مش عايز اموت وانا لسه غرقان في الذنوب دي وما توبتش....
جميلة بنظرة ألم :- بعد الشر عنك....روح اتوضأ
*********
قاربت الشمس على المغيب...طيور الليل تفرد جناحيها على بساط الظلام....
استندت بظهرها على جسد الشجرة وهي تتنهد بضيق...نظرت له فرأته تائه الفكر قليلًا وهو ممدد على الأرض وينظر للسماء...قالت بتلعثم :-
_ هو احنا هنفضل هنا لحد امتى ؟!
صمت لدقيقة ثم أجاب دون أن ينظر لها :-
_ الليل دخل علينا ومش هينفع نمشي في الطريق ده في الضلمة ، حاولي تنامي لحد الصبح وربنا يحلها ونلاقي عربية معدية..
شعرت بالاحراج في الافصاح عن ما تشعر به فقالت ببطء :-
_ طب...طب...
نظر لها بغيظ وهتف :- هتفضلي تطبطبي كده كتير ؟!
لوت شفتيها بضيق واعترفت :-
_ بصراحة بقى أنا جعانة
اعتدل آسر في مكانه ونظر حوله وهو يتمتم بعض الكلمات التي يبدو أنها شتائم !!
نهض من مكانه ورمقته سمـا بتساؤل حتى كاد أن يبتعد فوقفت وتمسكت بمعصم يده قائلة برجاء :-
_أنت رايـــح وسايبني ؟! خليك جانبي والنبي..
نظراتها التي تحولت لتوسل طفولي كادت أن تظهر ابتسامته ولكنه جاهد حتى بدا لا مبالياً...أجاب بثبات :-
_ مش هبعد ماتخافيش...دقيقتين وراجع....
ابتعد وتركها ترتجف من الخوف بهذا المكان الخالي من البشر...
بعد دقائق كثيرة....يئست من مجيئه فقررت البحث عنه حتى ظهر أمامها فجأة وهو يحمل مختلف من ثمار الفاكهة وقال :-
_ جبتلك موز وجوافة....اللي لقيته هنـا
نظرت له وشعرت بشيء من الآمان يتسلل لقلبها بعودته...أخذت منه بعض الفاكهة ببطء واصابع ترتجف بينما راقبها وهي تأكل بنهم....ابتسم حتى تدرجت ابتسامة لابتسامة واسعة وزينت ثغره...
أشارت له ليأكل فأخذ ثمرة وبدأ يأكلها ببطء حتى انتهيا بعد لحظات وتمدد آسر مجدداً وقال بتحذير:-
_ ياريت تنامي بقى وبلاش صداع انا مش ناقص!
رمقته بتذمر وهي تجلس بالقرب منه بينما أغمض هو عينيه وتاه بغفوة عميقة.....
نظرت له سما بابتسامة حنونة وشعرت بلهفة لتمرر يدها على وجهه كالطفل......
تسللت اليه ببطء وترددت للحظات حتى رفعت يدها ومررتها على شعره الأسود اولًا ثم لجانب وجهه المنحوت بدقة وعمق..... ابتسمت بمحبة وهي تنظر له حتى تفاجئت به ينظر لها فجأة وتساءل:-
_ أنتِ بتعملي ايه؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة وإحراج شديد ثم خطر بعقلها شيء فنظرت له بقوة وقالت:-
_ في صرصار كان على شعرك
اتسعت عين آسر بقوة وانتفض من مكانه فكتمت ابتسامتها وقالت بسخرية:-
_ بتخاف من الصراصير!! دول كانوا بيناموا في حضني!!
اطلقت ضحكة عالية فجذبها من معصم يدها حتى وقغت أمامه بضحكات لا زالت ترتفع وهتف بغيظ:-
_ انا عندي فوبيا من الصراصير وبقرف منهم يا غبية
لوت شفتيها بأسف وقالت:-
_ خلاص... أسفة بس ما تقولش غبية!
نظر آسر للمكان جيدا يتفحصه فقالت سما بتوتر:-
_ نام...مافيش صراصير
ضيق عينيه عليها وقال:- يعني ضحكتي عليا؟!
هزت سما رأسها بموافقة وضحكة عالية ثم قالت:-
_ تصدق آه!!
كررت سما سؤالها كي تُلهيه عن ما فعلته:-
_ احنا فين؟!
أجاب بنظرة غيظ:- معرفش
قالت سما متابعة اسئلتها:- هنرجع البيت أزاي؟!
كرر آسر ذات الأجابة بحدة:- معرفش
سما بغيظ : طب انت عصبي ليه؟!
أجابها بحدة :معرفش
لوت شفتيها بتذمر وقالت :- هو أنت ما تعرفش غير كلمة معرفش!
اكتفى آسر بالقول :- آه
ابتسمت بمرح وقالت:- طب ممكن تغنيلي؟ سليني بأي حاجة طيب
رد آسر بنفاذ صبر : صوتي وحش ومابعرفش أغني
سما بمرح:- اغنيلك أنا؟
رفض بضيق: لأ
صدح صوتها الذي امتزج بالضحكات :- السود عيونه يا ولااا
انتبهت له وهو يهم بالاقتراب بعصبية فركضت هاتفة:
_ أنت اتعصبت ليه؟ يا لهوااااي
ركضت حول الشجرة القريبة وركض خلفها بغيظ شديد حتى وقف وهتف بعصبية:-
_ بطلي تصرفات الأطفال دي ومش عايز اسمع صوتك!!
وقفت امامه بتحدي وقالت بعناد:- لأ
زفر بنفاذ صبر ورماها بنظرة غاضبة وتمدد على الأرض مرة أخرى وتجاهلها.....راقبته بغيظ حتى أغلق عينيه وتوجهت فاعلة مثله وتمددت بجانبه ثم اسندت رأسها بكفيها وأغمضت عيناها.....
مرت دقائق حتى انتبهت لصوت نباح كلب يبدو بهذا البراح مخيف بعض الشيء....ابتلعت سما ريقها بخوف وحاولت تجاهل الصوت......
تكرر النباح فأعتدلت وهي تنظرحولها بقلق بينما راقبها آسر بنصف عين وكتم ضحكته بالكاد بعدما لاحظ خوفها وتمتمتها.....نظرت لآسر النائم بجانبها واقتربت منه قليلًا تستحث بعض الأمان....تكرر الصوت للمرة الثالثة فألقت رأسها على صدره بخوف ورجفة واضحة فاتسعت ابتسامته بتسلية وقال بسخرية:-
_ اومال فين شجاعتك ياملجأ الحنان للصراصير؟!
تمسكت بقميصه بخوف حقيقي وقالت بصوت مرتعش:-
_ ده كلام وهزار....بس أنا بخاف من أي حاجة ومن كل حاجة...
شعر بها بعد ذلك وهي تبكِ بشكل مفاجئ فجذبها اليه بضمة قوية....أراد أن يعطيها كل ما تحتاج اليه بينما هي كل ما له بالحياة....
تمسكت به بقوة وقالت:- آسر... أنا بحبك
أغمض عينيه بقوة وكأنه أراد حبس تلك الكلمة بداخل قلبه حتى الممات حتى تنتهي آخر دقات قلبه ولا يصبح داعي لسماعها .....وعندما فتح عينيه مرر يده على دموعها بحنان وابتسامة رأفت بدموعها وقال بعشق:-
_ وأنا مش بحبك....أنا بعشقك وبموت في كل حاجة فيكِ...
اتسعت ابتسامتها فجأة وهي تبكِ فضحك على تصرفها الطفولي......تبدلت نظرت لشيء اربكها حتى انتبهوا لصوت سيارة قادم من البعيد.....
زم آسر شفتيه بغيظ فكتمت ابتسامتها بمرح....
**********
بمطار سانتوريني (ثيرا) الوطني....
وقفت تتأمل ما حولهـا....لغة غريبة ، وجوه غريبة يغلب عليهـا الطابع الشرقي مع لمحات غربية...
بغمرة هذا الشعور المجهول الممزوج بمذاق الغربة....حضن أناملها يد كانت لمستها حنونة....ولأول مرة ترى أن عناق الأنامل له لغة...وأن الأمان ينبع من القلب أولًا....
ابتسم لهـا رعد وقال بابتسامة تفهمت قلقها :-
_ سانتوريني...بيقولوا عليـها جزيرة العشاق...اخترتها من ضمن كل الجزر...
تطلعت به بصمت...وابتسامة تسللت لقلبها ولم تجرؤ على الظهور ، ماذا يقصد ؟!
قالت بتلعثم :- يظهر أنك جيت هنا كتير!
فهم ما ترمي إليـه فأجاب :-
_ جيت مع الكاميرا بتاعتي ، لحد كام شهر فاتوا هي بس اللي كانت حبيبتي..
طافت ابتسامة مترددة على ثغرها وتساءلت بلهفة :- ودلوقتي ؟!
وقف أمـامـها لبرهة ثم قال بمكر يتناغم مع ابتسامته :-
_ دلوقتي في رحلة مستنيانا احنا الاتنين ومتأكد أننا هنخرج منها واحنا مبسوطين...
ابتلعت ريقها بتوتر من نظرته التي تربكها حتى أتى صوت انثوي ناعم على بُعد خطوات...قالت تيما بدهشة :-
_ رعد !! معقول أشوفك هنـا !!
اسرعت تيما إليـه دون اكتراث لما تقف وعينيها متسعة بدهشة وذهول بجانبه...ارتمت تيما على صدره ليبعدها رعد بنظرة عصبية ولكنه تحدث بثبات :-
_ بتعملي إيه هنا يا تيما ؟!
ضيقت رضوى عينيها عليه فيبدو أن علاقته بتلك الفتاة حميمية لدرجة كبيرة....أجابت تيما وتعمدت تجاهل رضوى تمامـًا :-
_ كنت في أجازة بقالي شهر هنا ، صحابي سافروا النهاردة وكنت بودعهم مؤقتاً على ما ارجع مصر....وبعدين ده سؤال يا قاسي ؟! مش دي سانتوريني اللي بتموت فيها ولا نسيت !!
ادمعت عين رضوى وهي تنظر له بخذلان فرمقها بأسف وضيق شديد من تيما التي ظهرت كالكارثة فجأة....
تابعت تيما قبل أن يتحدث بعصبية :-
_ سمعت أنك اتجوزت..فين بقى اللي قلت مش هيبقى في زيها دي ؟!
جذب رعد يد رضوى على حين غرة واحاطت يده خصرها بتملك وقال بثقة واعتزاز :-
_ أعرفك بمراتي...رضوى
نظرت رضوى للأسفل ولم يرضيها هذه اللافته منه فكان عقلها مشغول بتلك الفاتنة التي يصعب على أي رجل الخلاص من براثنها...تساءلت لأي مدى امتدت علاقتهم ؟! تاهت بفكرها حتى اطلقت تيما ضحكة ساخرة وبذلك اوضحت سخريتها علانية وقالت بغير توضيح :-
_ فرصة سعيدة يا مدام رضوى !
كانت السخرية والاحتقار واضحاً بشدة بنبرتها ونظرات عينيها المتفحصة بإزدراء....نظرت رضوى لزوجها بنظرة قاتلة من العتاب وقالت مبتعدة :-
_ هستناك برا المطار ...
ابتعدت عنه بشكل اجباري ونظرات غاضبة ودامعة حتى هتف رعد بتيما بكره :-
_ أنا عارف أنك مش هنا بالصدفة بس لو لمحتك تاني يا تيما أنتِ عارفة أني اقدر ما اخلكيش تشتغلي تاني ولو خمس دقايق قدام كاميرا ...لو شوفتك تاني هنا اوعدك أن نهاية شغلك كله هتبقى على إيدي....اللي كلمتيها دي واستهزأتي بيها جزمتها انضف منك يارخيصة...
اطلقت عين تيما الشرر وقالت بغضب :-
_ انا هنا بالصدفة !! وبعدين ده ذوقك وانت حر فيه مش ذنبي انا !! وهو مش ده كان كلامك ولا أنا بفتري عليك ؟! هي دي اللي ملهاش زي ؟!
اسودت عين من الغضب وقال بتحذير ناري :-
_ جربي أنك تعملي اللي عملتيه ده تاني وانتظري مني رد فعل هيخليكي تندمي طول عمرك...
تركها تقف مشتعلة من الغيان وهي تتسائل بدهشة ...اتلك الفتاة البسيطة تجعله مهووس بها لتلك الدرجة ؟!
*******
**بفندق يطل على البحر برماله البركانية**
دلفت للغرفة التي تم حجزهـا حتى دخل خلفها وانتظر حتى وضع الخادم حقائبهم واعطي له بعض النقود....انصرف العامل واغلق رعد الباب بهدوء ثم استدار لها بنظرة معتذرة....
تجاهلته تمامًا وبدأت تفك رباط حجابها....لمحت ملامحها البسيطة الهادئة بالمرآة...كيف له أن ينجذب اليها ويترك تلك الفاتنة ؟!!
قال رعد برقة :- رضوى
اقترب اليها بخطوات ليس لها صوت فلم تجيبه وتابعت فك شعرها المعقوص حتى تسلل على كتفيها كالشلال الأسود...
لمح دمعة بعينيها فجذبها من يدها لتنظر له...تحاشت النظر اليه عندما فرت الدموع من مقلتيها بألم...قبل رأسها ببطء ثم نظر اليها قائلا :-
_ لو لفتت نظري للحظة كان ممكن تبقى مكانك دلوقتي...
نظرت له بانفعال وقالت :- واضح أنها تعرف عنك كتير ، وواضح انها كانت هنا معاك !!
ابتسم بخفة وأجاب :- كل اللي قالته الناس كلها عرفاه ، انتي ليه خايفة مني يا رضوى؟! ماتفتكريش أني ماخدتش بالي !!
تلعثمت وعينيها تدمع ولم تجد اجابة مناسبة فجذبها فجأة الى صدره بقوة بعناق دافئ وقال :-
_ لو خايفة يبقى اطمني....لو مش مصدقاني استني وشوفي بنفسك...مش حرام يبقى في دموع كده واحنا المفروض أول يوم لينا هنا !!
على فكرة احنا هنقعد هنا كام يوم بس لكن الرحلة اللي بجد هتبتدي بعد كده....شلال وجبال وبحر واحنا الاتنين وبس...
ابتعدت بارتباك وقلق وهي تردد :- ايه ؟!
ابتسم وقال بتأكيد :- زي ما سمعتي...
_______________________
ممكن لو بتحبوني تتفاعلوا
الاكثر قراءة هذا الشهر :
موعد البارت الجديد الساعة ( 2 م ) يوميا ان شاء الله
هنا تنتهى احداث رواية امبراطورية الرجال الفصل التاسع والاربعون ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية امبراطورية الرجال الفصل الخمسون أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية امبراطورية الرجال ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .